من طرف كراكيب الأربعاء 30 سبتمبر 2015 - 13:53
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
من فتاوى دار الإفتاء لمدة مائة عام
الباب: من أحكام الزواج وما يتعلق به.
رقم الفتوى : ( 1161 )
الموضوع:
السن القانونى ليس شرطا فى صحة عقد الزواج.
المفتى:
فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق. 18ذو الحجة 1400 هجرية.
المبادئ :
1- الاتصال المشروع بين الرجل والمرأة أحله الله بالزواج وامتن على الناس بهذه الصلة المشروعة، وفى مقابل هذا حرم الصلة غير المشروعة وأغلظ عقوبتها.
2- تطلب الإسلام شروطا يجب تحققها فى العاقدين وفى عقد الزواج ليس من بينها بلوغ الزوجين سنا معينة، ولا توثيق العقد فى ورقة رسمية.
3- القانون منع الموثق من مباشرة عقد الزواج والمصادقة عليه ما لم تكن سن الزوجة ست عشرة سنة وسن الزوج ثمانى عشرة سنة.
4- الضرورات تبيح المحظورات ودفع المفاسد مقدم على جلب المصالح.
5- ببلوغ الغلام والجارية بالعلامات الشرعية يكونان أهلا بأنفسهما للتعاقد على الزواج شرعا، متى كانا عاقلين فى نطاق أرجح الأقوال فى فقه مذهب أبى حنيفة.
6- إذا رأت المحكمة إغفال قاعدة سن الزواج كان عليها أن تباشر هى عقد تزويج طرفى الواقعة عقدا قوليا بإيجاب وقبول شرعيين بحضور الشهود، ويوثق فى محضرها.
7- بعد تمام العقد تستوثق المحكمة من الجانى بإقرار صريح صحيح بأبوته لهذا الحمل ونسبته إليه، وما يتبع العقد من صداق ، وإقرار الطرفين بالدخول الحقيقى بينهما والمعاشرة.
8- لا يجوز تكليف الموثق ( المأذون ) بإثبات هذه الزوجية لقيام النص القانونى بالنسبة له، ولا ولاية له فى إغفاله.
سُئل :
من السيد الأستاذ مدير نيابة أحداث القاهرة. بالكتاب الذى جاء به أن نيابة الأحداث بالقاهرة قدمت المتهم ج م ع فى قضية جنح أحداث القاهرة بتهمة أنه فى تاريخ سابق على 3 يونية سنة 1980 هتك عرض البنت / ج ح أ بغير قوة أو تهديد حال كونها لم تبلغ سن السادسة عشرة من عمرها. كما أن الجانى دون سن الثامنة عشرة وقد بان من التحقيق أن المجنى عليها حامل. وقد رغب الجانى فى الزواج منها ووافق والدها وطلبا من النيابة إتمام الزواج. وقد أصدرت المحكمة قرارا بطلب فتوى بالرأى الشرعى فى مدى إمكان زواج من هو فى سن المتهم بمن هى فى سن المجنى عليها، وتأجل نظر القضية لورود الفتوى.
أجاب :
إن الله سبحانه قد أحل الاتصال المشروع بين الرجل والمرأة بالزواج لإنشاء الأسرة التى هى نواة المجتمع الإنسانى، ومن خلالها يستمر نسل الإنسان إلى ما شاء الله. وقد امتن الله على الناس بهذه الصلة المشروعة فقال سبحانه { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } الروم 21 ، وفى مقابل هذا حرم الصلة غير المشروعة وأغلظ عقوبتها وقاية للإنسانية من الانحلال والفساد. والزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له، لإنشاء أسرة مرتبطة بحياة مشتركة متعاونة طلبا للنسل، ويتم بين البالغين بإيجاب وقبول مع توافر باقى الشروط التى تطلب الإسلام تحققها فى العاقدين، وفى صيغة العقد ومحله وصحته ونفاذه ولزومه. وليس من بين تلك الشروط التى أوجب الفقهاء توافرها استنباطا من المصادر الأصلية للشريعة الإسلامية، بلوغ الزوجين سنا معينة، ولا توثيق العقد فى ورقة رسمية. ولكن التنظيم القانونى المنوط بالسلطة التشريعية فى الدولة قد منع الموثق من مباشرة عقد الزواج والمصادقة عليه ما لم تكن سن الزوجة ست عشرة سنة، وسن الزوج ثمانى عشرة سنة وقت العقد ( المادة 33 / 2 المضافة إلى لائحة المأذونين بالقرار الوزارى الصادر فى 24 مايو سنة 1956 ). وقد زيدت هذه المادة فى لائحة المأذونين، بديلا للمادة 367 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بالقانون رقم 78 لسنة 1931 التى ألغيت ضمن المواد الملغاة من هذه اللائحة بالقانون رقم 629 لسنة 1955. وكانت المذكرة الإيضاحية للمادة ( 367 ) الملغاة قد أفصحت عن أسباب تشريعها فقالت إن عقد الزواج له من الأهمية فى الحالة الاجتماعية منزلة عظمى من جهة سعادة المعيشة المنزلية أو شقائها والعناية بالنسل أو إهماله، وقد تطورت الحال بحيث أصبحت المعيشة المنزلية تتطلب استعدادا كبيرا لحسن القيام بها ، ولا تتأهل الزوجة أو الزوج لذلك غالبا قبل بلوغ هذه السن، غير أنه لما كانت بنية الأنثى تستحكم وتقوى قبل استحكام بنية الصبى وما يلزم لتأهيل البنت للمعيشة الزوجية يتدارك فى زمن أقل مما يلزم للصبى كان من المناسب أن يكون سن الزواج للفتى 18 سنة وللفتاة 16 سنة. وأضافت المذكرة الإيضاحية إن هذا التحديد إنما تقرر بناء على أن من القواعد الشرعية أن القضاء يتخصص بالزمان والمكان والحوادث والأشخاص، وأن لولى الأمر أن يمنع قضاته عن سماع بعض الدعاوى وأن يقيد السماع بما يراه من القيود تبعا لأحوال الزمان وحاجة الناس وصيانة الحقوق من العبث والضياع. ولهذه المبررات جرت أيضا عبارة المادة 99/5 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية سالفة الإشارة بأنه ( ولا تسمع دعوى الزوجية إذا كانت سن الزوجة تقل عن ست عشرة سنة، أو سن الزوج تقل عن ثمانى عشرة سنة). وذلك حملا للناس على التقيد بهذه السن حدا أدنى للزواج وعدم الإقدام على إتمام عقود الزواج قبل بلوغها. لما كان ذلك وكان البين أن النص الأول فى لائحة المأذونين موجه أصلا إلى جهات التوثيق، وأن النص الآخر فى لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ( م - 99/ 5 ) موجه للقضاة للمنع من سماع دعوى الزوجية وأنهما بهذا الاعتبار لا يمسان العقد إذا تم مستوفيا أركانه وشرائطه الشرعية لأن كلا منهما ليس نصا موضوعيا واردا فى بيان ماهية عقد الزواج وكيفية انعقاده صحيحا، فلا يسوغ الادعاء بأن مسألة السن أصبحت بمقتضى كل منهما ركنا أساسيا فى عقد الزواج كما قد يتوهم، وإنما هو نهى موجه فقط إلى الموظف الذى يباشر تحرير وثائق عقد الزواج بحكم وظيفته بألا يقوم بهذه المهمة إلا لمن يكونوا قد بلغوا تلك السن من الذكور والإناث، وموجه أيضا فقط إلى القاضى بألا يسمع الدعوى بالزوجية أو بأحد آثارها عدا النسب إذا كان الزوجان أو أحدهما دون تلك السن وقت رفع الدعوى. وإذا كان مقتضى ما تقدم أن انعقاد الزواج شرعا، متى جرى بشروطه المفصلة فى موضعها من كتب الفقه الإسلامى والتى سبق التنويه بمجملها، لا يتوقف على بلوغ الزوجين أو أحدهما سنا معينة، وأن تحديد سن الزوجة بست عشرة سنة، وسن الزوج بثمانى عشرة سنة، جاء فى لائحة المأذونين، فى ذاته وبمبرراته، أمرا تنظيميا وليس حكما موضوعيا من أحكام عقد الزواج ولا من شروط انعقاده وصحته، وأن كل ما يمس موضوع العقد محكوم بأرجح الأقوال فى فقه مذهب الإمام أبى حنيفة إعمالا للمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية. ولما كان من القواعد الشرعية المستقرة، المتفق عليها فى الفقه الإسلامى عموما أن الضرر يزال، وأن الضرورات تبيح المحظورات، وأصلهما التشريعى. الحديث الشريف الذى رواه مالك فى الموطأ عن عمرو بن يحيى ( لا ضرر ولا ضرار). وكان من تطبيقاتهما ما استنبطه الفقهاء من أنه إذا تعارضت مفسدتان روعى أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما، وإذا تعارضت مفسدة ومصلحة، قدم دفع المفسدة، أو بعبارة أخرى دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح. (الأشباه والنظائر لابن نجيم المصرى الحنفى فى القاعدة الخامسة ) ولما كان مؤدى القاعدة التنظيمية المقررة فى لائحة المأذونين ( المادة 33 - أ سالفة الذكر ) أنه لا يثبت نسب الحمل الذى كان ثمرة اعتداء المتهم واتصاله بالمجنى عليها، باعتبار أن هذا الحمل نشأ من الزنا، وكان فى هذا أبلغ الضرر بذلك الجنين، بل وفيه تشجيع على العلاقات الجنسية غير المشروعة، بما تستتبعه من أبناء غير شرعيين، والانحراف عن الشرعية قضاء على مستقبل الأنسال الإنسانى. هذا فوق الأضرار الأخرى التى قد يتعذر حصرها أو السيطرة عليها أسريا واجتماعيا. ولما كان مقتضى القواعد الشرعية الموضوعية العامة سالفة الإشارة وجوب دفع هذا الضرر بالمعايير الواردة فى الشريعة الإسلامية.
تحتم للفصل فى الحادثة المطروحة المقارنة بين المفاسد المترتبة على تقابل وتعارض أمرين هما إغفال قاعدة سن الزواج التنظيمية حتى لا يضيع نسب الحمل المستكن فعلا فى أحشاء المجنى عليها، مع ما له من آثار أخرى، وإعمال تلك القاعدة ومنع عقد زواج طرفى هذه الواقعة، وبالتالى إضاعة نسب الحمل وإشاعة باقى الأضرار المترتبة على ذلك. وبالمقارنة نستبين أيهما أكبر ضررا حتى يرتكب أخفهما، أو أيهما مفسدة والآخر مصلحة حتى نقدم دفع المفاسد على جلب المصالح. ولا شك أنهما لا يتعادلان فى الميزان، لأن إضاعة النسب أعظم خطرا وأبعد أثرا فى الإضرار بالجنين وأمة المجنى عليها نفسيا واجتماعيا، بل وعلى أسرتها والمجتمع من إغفال إعمال القاعدة التنظيمية الخاصة بتحديد سن الزواج الموجهة أصلا إلى المنوط به التوثيق الذى لا ولاية له فى تفسير النصوص أو تأويلها أو المفاضلة بينها ثم إعمالها أو إغفالها. ولما كان دفع هذة المفسدة مقدما على جلب تلك المصلحه (شرط السن ) كان إثبات نسب هذا الحمل ودفع المفاسد الأخرى المرتبطة بتضييعه أولى بالحمايه والتقدمة ولما كان هذا النسب إنما يتبع انعقاد زواج المتهم من المجنى عليها، ليقبل منه شرعا وقانونا الإقرار بنسبة هذا الحمل إليه واكتسابه أبوته. ولما كان كل من الجانى والمجنى عليها قد بلغا بالعلامات الشرعية، وهى الإنزال والإحبال للفتى والحبل للفتاة - وذلك وارد ثبوته فى مدونات هذه الواقعة - كانا أهلا بأنفسهما للتعاقد على الزواج شرعا، متى كانا عاقلين فى نطاق أرجح الأقوال فى فقه مذهب أبى حنيفة. ذلك لأن التكاليف الشرعية منوطة أصلا بهذا البلوغ الطبيعى، وإن كان الرشد المالى غير مرتبط بهذا النوع من البلوغ، بل بسن معينة قدرها فقهاء الشريعة باعتبار أن إدارة الأموال تعتمد الخبرة والبصر بطرق التعامل والاستثمار. قال تعالى { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما } النساء 5 ، { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } النساء 6 ، وإذا كان ذلك كان إعمال القواعد الشرعية الموضوعية المشار إليها بإجراء عقد زواج هذين الحدثين ( فى اعتبار قانون الأحداث ) هو الواجب، باعتبار أن ضررا بليغا له آثاره الاجتماعية والشرعية قد وقع، ويملك القاضى بحكم ولايته العامة رفعه بتفسير النصوص والمقارنة بين المفاسد التى تترتب على منع عقد زواج الجانى والمجنى عليها، مع الرغبة المبداة من كل منهما، وموافقة أسرة كل منهما، وبين آثار إغفال قاعدة قانونية تنظيمية لا ارتباط لها بأركان عقد الزواج وشروطه فى الإسلام، وهذا الإغفال لضرورة دفع المفسدة، ودفع المفاسد كتضييع النسب وغيره مقدم على جلب المصالح كتطبيق قاعدة سن الزواج التنظيمية. هذا ولعل فيما رواه الإمام أبو يوسف عن الإمام أبى حنيفة فى إسقاط الحد عمن زنى بامرأة ثم تزوجها، واعتبار مجرد هذا الاتصال شبهة تدرأ الحد، مادامت قد أتبعت بعقد الزواج ( بدائع الصنائع للكاسانى ج- 7 ص 62، وفتح القدير للكمال بن الهمام على الهداية ج- 4 ص 159 ) لعل فى هذا الحكم المستفاد من هذه الرواية، وإن كانت ليست الوحيدة فى موضوعها، إشارة إلى منهج هؤلاء الأعلام من فقهاء الإسلام فى المسارعة إلى دفع المفاسد، ودرء الحدود بالشبهات. ولا ريب فى أن أية قاعدة قانونية تنظيمية، لا تعلوا فى حصانتها على حدود الله التى تدرأ بالشبهة ويقف تنفيذها عند الضرورة، تحقيقا لمصالح الناس التى منها درء المفاسد. هذا وإذا رأت المحكمة، إغفال قاعدة سن الزواج الواردة فى المادة 33/2- أ من لائحة المأذونين، كان عليها أن تباشر هى عقد تزويج طرفى هذه الواقعة عقدا قوليا بإيجاب وقبول شرعيين بحضور الشهود، ويوثق فى محضرها وأن تستوثق فيه بعد تمام العقد بإقرار صحيح صريح من الجانى بأبوته لهذا الحمل ونسبته إليه، وتوثيق ما يتبع العقد من صداق وإقرار الطرفين بالدخول الحقيقى بينهما والمعاشرة ليصبح المحضر وثيقة رسمية فى ثبوت هذه الزوجية والنسب وآثارهما. ولا يجوز تكليف الموثق ( المأذون ) بإثبات هذه الزوجية لأن النص القانونى بالنسبة له قائم ،لا ولاية له فى إغفاله.
وإنما الولاية فى هذا للمحكمة التى تنظر الدعوى. والله سبحانه وتعالى أعلم.