بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
ابواب الخير والتقوى
والنصيحة والشفاعة وغيرها
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب في الدلالة على خير
والدعاء إلى هدى أو ضلالة
قال تعالى: ( وَادْعُ إلَى رَبِّكَ ) القصص: 87،
وقال تعالى: ( ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) النحل: 125،
وقال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) المائدة: 2،
وقال تعالى: ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ ) آل عمران: 84.
وأما الأحاديث: عن أبي مسعودٍ عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دل على خيرٍ فله مثل أجر فاعله رواه مسلم.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً رواه مسلم.
O وعن أبي العباس سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها. فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالبٍ، فقيل: يا رسول الله هو يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجعٌ، فأعطاه الراية. فقال عليٌ رضي الله عنه: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم متفقٌ عليه. قوله يدوكون: أي يخوضون ويتحدثون، قوله: رسلك بكسر الراء وبفتحها لغتان، والكسر أفصح.
O وعن أنس رضي الله عنه، أن فتىً من أسلم قال: يا رسول الله إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز به قال: ائت فلاناً فإنه قد كان تجهز فمرض فأتاه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ويقول: أعطني الذي تجهزت به، فقال: يا فلانة أعطيه الذي تجهزت به، ولا تحبسي منه شيئاً، فوالله لا تحبسين منه شيئاً فيبارك لك فيه. رواه مسلم.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب في التعاون على البر والتقوى
قال الله تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَّقْوى ) المائدة: 3،
وقال تعالى: ( وَالْعَصْرِ. إنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) العصر: 1، 2.
قال الإمام الشافعي يرحمه الله كلاماً معناه: إن الناس أو أكثرهم في غفلةٍ عن تدبر هذه السورة.
وأما الأحاديث: عن أبي عبد الرحمن زيد بن خالدٍ الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازياً في أهله بخيرٍ فقد غزا متفقٌ عليه.
O وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث بعثاً إلى بني لحيان من هذيلٍ فقال: لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما رواه مسلم.
O وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء فقال: من القوم ، قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت قال: رسول الله، فرفعت إليه امرأةٌ صبياً فقالت: ألهذا حجٌ قال: نعم ولك أجرٌ رواه مسلم.
O وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به، فيعطيه كاملاً موفراً، طيبةً به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين متفقٌ عليه. وفي رواية: الذي يعطي ما أمر به وضبطوا المتصدقين بفتح القاف مع كسر النون على التثنية، وعكسه على الجمع وكلاهما صحيحٌ.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب في النصيحة
قال تعالى: ( إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ ) الحجرات: 10،
وقال تعالى إخباراً عن نوحٍ صلى الله عليه وسلم: ( وَأَنْصَحُ لَكُمْ ) الأعراف: 62،
وعن هودٍ صلى الله عليه وسلم: ( وَأَنَّا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ) الأعراف: 68.
وأما الأحاديث: فالأول: عن أبي رقية تميم بن أوسٍ الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم رواه مسلم.
O الثاني: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلمٍ. متفقٌ عليه.
O الثالث: عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه متفق عليه.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال الله تعالى: ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُون إلى الْخَيْرِ ويَأمُرُونَ بِالمَعْروفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُون ) آل عمران: 104،
وقال تعالى: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرون بالمَعْرُوفِ وتَنْهَوْن عَنِ المُنْكَرِ ) آل عمران: 110،
وقال تعالى: ( خُذِ الْعَفْو وَأمُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِين ) الأعراف: 199،
وقال تعالى: ( والمُؤْمِنُونَ والمُؤْمِنَاتُ بَعْضهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأمُرونَ بِالمَعْروفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ) التوبة: 71،
وقال تعالى: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَروا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلى لِسَانِ داوُدَ وعِيسَى ابنِ مَرْيمَ ذلِك بمَا عَصَوْا وكَانُوا يَعْتَدونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلوهُ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَفْعَلُون ) المائدة: 78،
وقال تعالى: ( وقُلِ الْحَقُّ مِنْ ربِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف: 29،
وقال تعالى: ( فَاصْدَعْ بمَا تُؤْمَرُ ) الحجر: 94،
وقال تعالى: ( فأنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بما كَانُوا يَفْسُقُونَ ) الأعراف: 165
والآيات في الباب كثيرةٌ معلومةٌ.
وأما الأحاديث: فالأول: عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم.
O الثاني: عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبيٍ بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحابٌ يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمنٌ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردلٍ رواه مسلم.
O الثالث: عن أبي الوليد عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرةٍ علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله تعالى فيه برهانٌ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائمٍ متفقٌ عليه. المنشط والمكره بفتح ميميهما: أي: في السهل والصعب. والأثرة: الاختصاص بالمشترك وقد سبق بيانها. بواحاً: بفتح الباء الموحدة بعدها واوٌ ثم ألفٌ ثم حاءٌ مهملةٌ: أي ظاهراً لا يحتمل تأويلاً.
O الرابع: عن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل القائم في حدود الله، والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينةٍ، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً رواه البخاري. القائم في حدود الله تعالى معناه: المنكر لها، القائم في دفعها وإزالتها، والمراد بالحدود: ما نهى الله عنه. استهموا: اقترعوا.
O الخامس: عن أم المؤمنين أم سلمة هندٍ بنت أبي أمية حذيفة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد بريء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم، قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة رواه مسلم. معناه: من كره بقلبه ولم يستطع إنكاراً بيدٍ ولا لسانٍ فقد بريء من الإثم، وأدى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضي بفعلهم وتابعهم، فهو العاصي.
O السادس: عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول: لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها. فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث متفقٌ عليه.
O السابع: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والجلوس في الطرقات فقالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بدٌ؛ نتحدث فيها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر متفقٌ عليه.
O الثامن: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهبٍ في يد رجلٍ، فنزعه فطرحه وقال: يعمد أحدكم إلى جمرةٍ من نارٍ فيجعلها في يده ! فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك؛ انتفع به. قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
O التاسع: عن أبي سعيدٍ الحسن البصري أن عائذ بن عمروٍ رضي الله عنه دخل على عبيد الله بن زيادٍ فقال: أي بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن شر الرعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم. فقال له: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فقال: وهل كانت لهم نخالةٌ، إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم ! رواه مسلم.
O العاشر: عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
O الحادي عشر: عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطانٍ جائرٍ رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
O الثاني عشر: عن أبي عبد الله طارق بن شهابٍ البجلي الأحمسي رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وضع رجله في الغرز: أي الجهاد أفضل ? قال: كلمة حقٍ عند سلطانٍ جائر رواه النسائي بإسنادٍ صحيحٍ. الغرز بغينٍ معجمةٍ مفتوحةٍ ثم راءٍ ساكنةٍ ثم زايٍ، وهو ركاب كور الجمل إذا كان من جلدٍ أو خشبٍ، وقيل: لا يختص بجلدٍ وخشبٍ.
O الثالث عشر: عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعضٍ ثم قال: ( لُعِنَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاودَ وعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلكَ بِمَا عَصَوْا وكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ. تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ ) إلى قوله: ( فَاسِقُونَ ) المائدة: 78، 81 ثم قال: كلا، والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرن على الحق قصراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعضٍ، ثم ليلعننكم كما لعنهم رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن. هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعضٍ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان متكئاً فقال: لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً. قوله: تأطروهم أي تعطفوهم. ولتقصرنه أي: لتحبسنه.
O الرابع عشر: عن أبي بكرٍ الصديق، رضي الله عنه، قال: يا أيها الناس إنكم لتقرؤون هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ ) المائدة: 105 وإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي بأسانيد صحيحة.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروفٍ
أو نهى عن منكروخالف قوله فعله
قال الله تعالى: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) البقرة: 44
وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) الصف: 2، 3
وقال تعالى إخباراً عن شعيب، صلى الله عليه وسلم: ( وَمَا أُريدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ) هود: 88.
وأما الأحاديث: عن أبي زيدٍ أسامة بن زيد بن حارثة، رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه متفق عليه.
قوله: تندلق هو بالدال المهملة، ومعناه تخرج. والأقتاب: الأمعاء، واحدها قتبٌ.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب الأمر بأداء الأمانة
قال الله تعالى: ( إنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلهَا ) النساء: 58
وقال تعالى: ( إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَواتِ وَالأرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) الأحزاب: 72.
وأما الأحاديث: عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان متفقٌ عليه. وفي رواية: وإن صام وصلى وزعم أنه مسلمٌ.
O وعن حذيفة بن اليمان. رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثين قد رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمرٍ دحرجته على رجلك، فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شيءٌ ثم أخذ حصاةً فدحرجه على رجله فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدٌ يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلانٍ رجلاً أميناً، حتى يقال للرجل: ما أجلده ما أظرفه، ما أعقله، وما في قلبه مثقال حبةٍ من خردلٍ من إيمانٍ. ولقد أتى علي زمانٌ وما أبالي أيكم بايعت؛ لئن كان مسلماً ليردنه علي دينه، ولئن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنه علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلاناً وفلاناً متفقٌ عليه. قوله: جذر بفتح الجيم وإسكان الذال المعجمة: وهو أصل الشيء. والوكت بالتاء المثناة من فوق: الأثر اليسير. والمجل بفتح الميم وإسكان الجيم، وهو تنقطٌ في اليد ونحوها من أثر عملٍ وغيره. قوله: منتبراً: مرتفعاً. قوله: ساعيه: الوالي عليه.
O وعن حذيفة، وأبي هريرة، رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يجمع الله، تبارك وتعالى، الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم، صلوات الله عليه، فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله، قال: فيأتون إبراهيم، فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلاً من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليماً، فيأتون موسى، فيقول: لست بصاحب ذلك؛ اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه. فيقول عيسى: لست بصاحب ذلك. فيأتون محمداً، صلى الله عليه وسلم، فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق قلت: بأبي وأمي، أي شيءٍ كمر البرق، قال: ألم تروا كيف يمر ويرجع في طرفة عينٍ، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وشد الرجال تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائمٌ على الصراط يقول: رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء لا يستطيع السير إلا زحفاً، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقةٌ مأمورةٌ بأخذ من أمرت به، فمخدوشٌ ناجٍ، ومكردسٌ في النار والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفاً. رواه مسلم. قوله: وراء وراء هو بالفتح فيهما. وقيل: بالضم بلا تنوينٍ، ومعناه: لست بتلك الدرجة الرفيعة، وهي كلمةٌ تذكر على سبيل التواضع. وقد بسطت معناها في شرح صحيح مسلمٍ، والله أعلم.
O وعن أبي خبيب - بضم الخاء المعجمة - عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، قال: لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالمٌ أو مظلوم، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوماً، وإن من أكبر همي لديني، أفترى ديننا يبقي من مالنا شيئاً، ثم قال: يا بني بع مالنا واقض ديني، وأوصى بالثلث، وثلثه لبنيه، يعني لبني عبد الله بن الزبير ثلث الثلث. قال: فإن فضل من مالنا بعد قضاء الدين شيءٌ فثلثه لبنيك، قال هشامٌ: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير خبيبٍ وعبادٍ، وله يومئذٍ تسعة بنين وتسع بناتٍ. قال عبد الله، فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بني إن عجزت عن شيءٍ منه فاستعن عليه بمولاي. قال: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبت من مولاك قال: الله. قال: فوالله ما وقعت في كربةٍ من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه، فيقضيه. قال: فقتل الزبير ولم يدع ديناراً ولا درهماً إلا أرضين، منها الغابة وإحدى عشرة داراً بالمدينة، ودارين بالبصرة، وداراً بالكوفة وداراً بمصر. قال: وإنما كان دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال، فيستودعه إياه، فيقول الزبير: لا ولكن هو سلفٌ إني أخشى عليه الضيعة. وما ولي إمارةً قط ولا جبايةً ولا خراجاً ولا شيئاً إلا أن يكون في غزوٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، قال عبد الله: فحسبت ما كان عليه من الدين فوجدته ألفي ألفٍ ومائتي ألفٍ ! فلقي حكيم بن حزامٍ عبد الله بن الزبير فقال: يا ابن أخي كم على أخي من الدين فكتمته وقلت: مائة ألفٍ. فقال حكيمٌ: والله ما أرى أموالكم تسع هذه ! فقال عبد الله: أرأيتك إن كانت ألفي ألفٍ ومائتي ألفٍ، قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيءٍ منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزبير قد اشترى الغابة بسبعين ومائة ألفٍ، فباعها عبد الله بألف ألفٍ وستمائة ألف، ثم قام فقال: من كان له على الزبير شيءٌ فليوافنا بالغابة، فأتاه عبد الله بن جعفرٍ، وكان له على الزبير أربعمائة ألفٍ، فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم، قال عبد الله: لا، قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم، فقال عبد الله: لا، قال: فاقطعوا لي قطعةً، قال عبد الله: لك من ههنا إلى ههنا. فباع عبد الله منها، فقضى عنه دينه، وأوفاه وبقي منها أربعة أسهمٍ ونصفٌ، فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان، والمنذر بن الزبير، وابن زمعة. فقال له معاوية: كم قومت الغابة قال: كل سهمٍ بمائة ألفٍ قال: كم بقي منها قال: أربعة أسهمٍ ونصفٌ، فقال المنذر بن الزبير: قد أخذت منها سهماً بمائة ألفٍ، قال عمرو بن عثمان: قد أخذت منها سهماً بمائة ألفٍ. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهماً بمائة ألفٍ، فقال معاوية: كم بقي منها قال: سهمٌ ونصف سهمٍ، قال: قد أخذته بخمسين ومائة ألفٍ. قال: وباع عبد الله بن جعفرٍ نصيبه من معاوية بستمائةٍ ألفٍ. فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دينٌ فليأتنا فلنقضه. فجعل كل سنةٍ ينادي في الموسم، فلما مضى أربع سنين قسم بينهم ودفع الثلث. وكان للزبير أربع نسوةٍ، فأصاب كل امرأةٍ ألف ألفٍ ومائتا ألفٍ، فجميع ماله خمسون ألف ألفٍ ومائتا ألف. رواه البخاري.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم
قال الله تعالى: ( مَا لِلظَّالِمِين مِنْ حَمِيمٍ ولا شَفِيعٍ يُطَاعُ ) غافر: 18.
وقال تعالى: ( وَمَا لِلظَّالِمِين مِن نَّصِيرٍ ) الحج: 71.
وأما الأحاديث فمنها حديث أبي ذرٍ رضي الله عنه المتقدم في آخر باب المجاهدة.
وعن جابرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم رواه مسلم.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء رواه مسلم.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نتحدث عن حجة الوداع، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ولا ندري ما حجة الوداع، حتى حمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره، وقال: ما بعث الله من نبيٍ إلا أنذره أمته: أنذره نوح والنبيون من بعده، وإنه إن يخرج فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم، إن ربكم ليس بأعور، وإنه أعور عين اليمنى، كأن عينه عنبةٌ طافيةٌ. ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت ? قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد - ثلاثاً - ويلكم، أو: ويحكم، انظروا: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ رواه البخاري، وروى مسلم بعضه.
O وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ظلم قيد شبرٍ من الأرض طوقه من سبع أرضين متفقٌ عليه.
O وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أخَذَ الْقُرَى وَهِي ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَديدٌ ) هود: 102. متفق عليه.
O وعن معاذٍ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلواتٍ في كل يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم أموالهم. واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ متفقٌ عليه.
O وعن أبي حميدٍ عبد الرحمن بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا هديةٌ أهديت إلي، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً، والله لا يأخذ أحدٌ منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى، يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاءٌ، أو بقرةً لها خوار، أو شاةً تيعر ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه فقال: اللهم هل بلغت ثلاثاً. متفق عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كانت عنده مظلمةٌ لأخيه؛ من عرضه أو من شيءٍ، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهمٌ؛ إن كان له عملٌ صالحٌ أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسناتٌ أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه رواه البخاري.
O وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه متفقٌ عيه.
وعنه رضي الله عنه قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ يقال له كركرة، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءةً قد غلها. رواه البخاري.
O وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض: السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعةٌ حرم: ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، أي شهرٍ هذا قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة قلنا: بلى. قال: فأي بلدٍ هذا ، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليس البلدة قلنا: بلى. قال: فأي يومٍ هذا قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليس يوم النحر قلنا: بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ثم قال: ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، قلنا: نعم. قال: اللهم اشهد متفقٌ عليه.
O وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع حق امريءٍ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة فقال رجلٌ: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله، فقال: وإن قضيباً من أراكٍ رواه مسلم.
O وعن عدي بن عميرة رض قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من استعملناه منكم على عمٍ، فكتمنا مخيطاً فما فوقه، كان غلولاً يأتي به يوم القيامة فقام إليه رجلٌ أسود من الأنصار، كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله اقبل عني عملك، قال: ومالك، قال: سمعتك تقول كذا وكذا، قال: وأنا أقوله الآن: من استعملناه على عملٍ فليجيء بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى رواه مسلم.
O وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفرٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلانٌ شهيدٌ، وفلانٌ شهيدٌ، حتى مروا على رجلٍ فقالوا: فلانٌ شهيدٌ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلا إني رأيته في النار في بردةٍ غلها - أو عباءةٍ - رواه مسلم.
O وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم، فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله، تكفر عني خطاياي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابرٌ محتسبٌ، مقبلٌ غير مدبرٍ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أتكفر عني خطاياي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم وأنت صابرٌ محتسبٌ، مقبلٌ غير مدبر، إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك رواه مسلم.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما المفلس قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار رواه مسلم.
O وعن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعةً من النار متفقٌ عليه. ألحن أي: أعلم.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. لن يزال المؤمن في فسحةٍ من دينه ما لم يصب دماً حراماً رواه البخاري.
O وعن خولة بنت عامرٍ الأنصارية، وهي امرأة حمزة رضي الله عنه وعنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حقٍ، فلهم النار يوم القيامة رواه البخاري.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب تعظيم حرمات المسلمين
تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم
قال الله تعالى: ( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّه ) الحج: 30
وقال تعالى: ( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحج: 32
وقال تعالى: ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ للْمُؤْمِنِينَ ) الحجر: 88
وقال تعالى: ( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيا النَّاسَ جَمِيعاً ) المائدة: 32.
وأما الأحاديث: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه. متفقٌ عليه.
O وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مر في شيءٍ من مساجدنا، أو أسواقنا، ومعه نبلٌ فليمسك، أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيءٍ متفقٌ عليه.
O وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى متفقٌ عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما، وعنده الأقرع بن حابسٍ، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبلت منهم أحداً. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من لا يرحم لا يرحم متفقٌ عليه.
O وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناسٌ من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتقبلون صبيانكم، فقال: نعم قالوا: لكنا والله ما نقبل ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة، متفقٌ عليه.
O وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله متفقٌ عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير. وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء متفقٌ عليه. وفي رواية: وذا الحاجة.
O وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل، وهو يحب أن يعمل به، خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم متفقٌ عليه.
O وعنها رضي الله عنها قالت: نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمةً لهم، فقالوا: إنك تواصل، قال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني متفقٌ عليه. معناه يجعل في قوة من أكل وشرب.
O وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأقوم إلى الصلاة، وأريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه رواه البخاري.
O وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيءٍ، فإنه من يطلبه من ذمته بشيءٍ يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم رواه مسلم.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربةً فرج الله عنه بها كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة متفقٌ عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم: لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرامٌ: عرضه وماله ودمه، التقوى ههنا، بحسب امريءٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
O وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعضٍ، وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله. التقوى ههنا - ويشير إلى صدره ثلاث مراتٍ - بحسب امريءٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرامٌ دمه وماله وعرضه رواه مسلم. النجش: أن يزيد في ثمن سلعةٍ ينادي عليها في السوق ونحوه، ولا رغبة له في شرائها بل يقصد أن يغر غيره، وهذا حرامٌ. والتدابر: أن يعرض عن الإنسان ويهجره ويجعله كالشيء الذي وراء الظهر والدبر.
O وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه متفقٌ عليه.
O وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً فقال رجلٌ: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره، قال: تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره رواه البخاري.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حق المسلم على المسلم خمسٌ: رد السلام، وعياد المريض، واتباع الجنائز وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس متفقٌ عليه. وفي روية لمسلمٍ: حق المسلم ستٌ: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فأتبعه.
O وعن أبي عمارة البراء بن عازبٍ رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعٍ، ونهانا عن سبعٍ: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام. ونهانا عن خواتيم أو تختمٍ بالذهب، وعن شربٍ بالفضة، وعن المياثر الحمر، وعن القسي، وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج. متفق عليه. وفي روايةٍ: وإنشاد الضالة في السبع الأول. المياثر بياءٍ مثناةٍ قبل الألف، وثاءٍ مثلثةٍ بعدها، وهي جمع ميثرةٍ، وهي شيءٌ يتخذ من حريرٍ ويحشى قطناً أو غيره، ويجعل في السرج وكور البعير يجلس عليه الراكب. القسي بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة: وهي ثيابٌ تنسج من حريرٍ وكتانٍ مختلطين. وإنشاد الضالة: تعريفها.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب ستر عورات المسلمين
ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة
قال الله تعالى: ( إنَّ الَّذينَ يُحبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) النور: 19.
وأما الأحاديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة رواه مسلم.
O وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافىً إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه متفق عليه.
O وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبلٍ من شعرٍ متفق عليه. التثريب: التوبيخ.
O وعنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجلٍ قد شرب خمراً قال: اضربوه قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله قال: لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان رواه البخاري.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب قضاء حوائج المسلمين
قال الله تعالى: ( وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الحج: 77.
وأما الأحاديث: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربةً فرج الله عنه بها كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة متفق عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة. وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله تعالى، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه رواه مسلم.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب الشفاعة
قال الله تعالى: ( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ) النساء: 85.
O وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجةٍ أقبل على جلسائه فقال: اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب متفقٌ عليه. وفي رواية: ما شاء.
O وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة بريرة وزوجها. قال: قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعته ، قالت: يا رسول الله تأمرني ، قال: إنما أشفع ، قالت: لا حاجة لي فيه. رواه البخاري.
[ كتاب رياض الصالحين : للنووي ]
باب في الدلالة على خير
والدعاء إلى هدى أو ضلالة
قال تعالى: ( وَادْعُ إلَى رَبِّكَ ) القصص: 87،
وقال تعالى: ( ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) النحل: 125،
وقال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) المائدة: 2،
وقال تعالى: ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ ) آل عمران: 84.
وأما الأحاديث: عن أبي مسعودٍ عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دل على خيرٍ فله مثل أجر فاعله رواه مسلم.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً رواه مسلم.
O وعن أبي العباس سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها. فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالبٍ، فقيل: يا رسول الله هو يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجعٌ، فأعطاه الراية. فقال عليٌ رضي الله عنه: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم متفقٌ عليه. قوله يدوكون: أي يخوضون ويتحدثون، قوله: رسلك بكسر الراء وبفتحها لغتان، والكسر أفصح.
O وعن أنس رضي الله عنه، أن فتىً من أسلم قال: يا رسول الله إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز به قال: ائت فلاناً فإنه قد كان تجهز فمرض فأتاه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ويقول: أعطني الذي تجهزت به، فقال: يا فلانة أعطيه الذي تجهزت به، ولا تحبسي منه شيئاً، فوالله لا تحبسين منه شيئاً فيبارك لك فيه. رواه مسلم.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب في التعاون على البر والتقوى
قال الله تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَّقْوى ) المائدة: 3،
وقال تعالى: ( وَالْعَصْرِ. إنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) العصر: 1، 2.
قال الإمام الشافعي يرحمه الله كلاماً معناه: إن الناس أو أكثرهم في غفلةٍ عن تدبر هذه السورة.
وأما الأحاديث: عن أبي عبد الرحمن زيد بن خالدٍ الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازياً في أهله بخيرٍ فقد غزا متفقٌ عليه.
O وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث بعثاً إلى بني لحيان من هذيلٍ فقال: لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما رواه مسلم.
O وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء فقال: من القوم ، قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت قال: رسول الله، فرفعت إليه امرأةٌ صبياً فقالت: ألهذا حجٌ قال: نعم ولك أجرٌ رواه مسلم.
O وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به، فيعطيه كاملاً موفراً، طيبةً به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين متفقٌ عليه. وفي رواية: الذي يعطي ما أمر به وضبطوا المتصدقين بفتح القاف مع كسر النون على التثنية، وعكسه على الجمع وكلاهما صحيحٌ.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب في النصيحة
قال تعالى: ( إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ ) الحجرات: 10،
وقال تعالى إخباراً عن نوحٍ صلى الله عليه وسلم: ( وَأَنْصَحُ لَكُمْ ) الأعراف: 62،
وعن هودٍ صلى الله عليه وسلم: ( وَأَنَّا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ) الأعراف: 68.
وأما الأحاديث: فالأول: عن أبي رقية تميم بن أوسٍ الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم رواه مسلم.
O الثاني: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلمٍ. متفقٌ عليه.
O الثالث: عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه متفق عليه.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال الله تعالى: ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُون إلى الْخَيْرِ ويَأمُرُونَ بِالمَعْروفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُون ) آل عمران: 104،
وقال تعالى: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرون بالمَعْرُوفِ وتَنْهَوْن عَنِ المُنْكَرِ ) آل عمران: 110،
وقال تعالى: ( خُذِ الْعَفْو وَأمُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِين ) الأعراف: 199،
وقال تعالى: ( والمُؤْمِنُونَ والمُؤْمِنَاتُ بَعْضهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأمُرونَ بِالمَعْروفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ) التوبة: 71،
وقال تعالى: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَروا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلى لِسَانِ داوُدَ وعِيسَى ابنِ مَرْيمَ ذلِك بمَا عَصَوْا وكَانُوا يَعْتَدونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلوهُ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَفْعَلُون ) المائدة: 78،
وقال تعالى: ( وقُلِ الْحَقُّ مِنْ ربِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف: 29،
وقال تعالى: ( فَاصْدَعْ بمَا تُؤْمَرُ ) الحجر: 94،
وقال تعالى: ( فأنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بما كَانُوا يَفْسُقُونَ ) الأعراف: 165
والآيات في الباب كثيرةٌ معلومةٌ.
وأما الأحاديث: فالأول: عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم.
O الثاني: عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبيٍ بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحابٌ يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمنٌ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردلٍ رواه مسلم.
O الثالث: عن أبي الوليد عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرةٍ علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله تعالى فيه برهانٌ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائمٍ متفقٌ عليه. المنشط والمكره بفتح ميميهما: أي: في السهل والصعب. والأثرة: الاختصاص بالمشترك وقد سبق بيانها. بواحاً: بفتح الباء الموحدة بعدها واوٌ ثم ألفٌ ثم حاءٌ مهملةٌ: أي ظاهراً لا يحتمل تأويلاً.
O الرابع: عن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل القائم في حدود الله، والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينةٍ، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً رواه البخاري. القائم في حدود الله تعالى معناه: المنكر لها، القائم في دفعها وإزالتها، والمراد بالحدود: ما نهى الله عنه. استهموا: اقترعوا.
O الخامس: عن أم المؤمنين أم سلمة هندٍ بنت أبي أمية حذيفة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد بريء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم، قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة رواه مسلم. معناه: من كره بقلبه ولم يستطع إنكاراً بيدٍ ولا لسانٍ فقد بريء من الإثم، وأدى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضي بفعلهم وتابعهم، فهو العاصي.
O السادس: عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول: لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها. فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث متفقٌ عليه.
O السابع: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والجلوس في الطرقات فقالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بدٌ؛ نتحدث فيها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر متفقٌ عليه.
O الثامن: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهبٍ في يد رجلٍ، فنزعه فطرحه وقال: يعمد أحدكم إلى جمرةٍ من نارٍ فيجعلها في يده ! فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك؛ انتفع به. قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
O التاسع: عن أبي سعيدٍ الحسن البصري أن عائذ بن عمروٍ رضي الله عنه دخل على عبيد الله بن زيادٍ فقال: أي بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن شر الرعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم. فقال له: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فقال: وهل كانت لهم نخالةٌ، إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم ! رواه مسلم.
O العاشر: عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
O الحادي عشر: عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطانٍ جائرٍ رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
O الثاني عشر: عن أبي عبد الله طارق بن شهابٍ البجلي الأحمسي رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وضع رجله في الغرز: أي الجهاد أفضل ? قال: كلمة حقٍ عند سلطانٍ جائر رواه النسائي بإسنادٍ صحيحٍ. الغرز بغينٍ معجمةٍ مفتوحةٍ ثم راءٍ ساكنةٍ ثم زايٍ، وهو ركاب كور الجمل إذا كان من جلدٍ أو خشبٍ، وقيل: لا يختص بجلدٍ وخشبٍ.
O الثالث عشر: عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعضٍ ثم قال: ( لُعِنَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاودَ وعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلكَ بِمَا عَصَوْا وكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ. تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ ) إلى قوله: ( فَاسِقُونَ ) المائدة: 78، 81 ثم قال: كلا، والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرن على الحق قصراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعضٍ، ثم ليلعننكم كما لعنهم رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن. هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعضٍ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان متكئاً فقال: لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً. قوله: تأطروهم أي تعطفوهم. ولتقصرنه أي: لتحبسنه.
O الرابع عشر: عن أبي بكرٍ الصديق، رضي الله عنه، قال: يا أيها الناس إنكم لتقرؤون هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ ) المائدة: 105 وإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي بأسانيد صحيحة.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروفٍ
أو نهى عن منكروخالف قوله فعله
قال الله تعالى: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) البقرة: 44
وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) الصف: 2، 3
وقال تعالى إخباراً عن شعيب، صلى الله عليه وسلم: ( وَمَا أُريدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ) هود: 88.
وأما الأحاديث: عن أبي زيدٍ أسامة بن زيد بن حارثة، رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه متفق عليه.
قوله: تندلق هو بالدال المهملة، ومعناه تخرج. والأقتاب: الأمعاء، واحدها قتبٌ.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب الأمر بأداء الأمانة
قال الله تعالى: ( إنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلهَا ) النساء: 58
وقال تعالى: ( إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَواتِ وَالأرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) الأحزاب: 72.
وأما الأحاديث: عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان متفقٌ عليه. وفي رواية: وإن صام وصلى وزعم أنه مسلمٌ.
O وعن حذيفة بن اليمان. رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثين قد رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمرٍ دحرجته على رجلك، فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شيءٌ ثم أخذ حصاةً فدحرجه على رجله فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدٌ يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلانٍ رجلاً أميناً، حتى يقال للرجل: ما أجلده ما أظرفه، ما أعقله، وما في قلبه مثقال حبةٍ من خردلٍ من إيمانٍ. ولقد أتى علي زمانٌ وما أبالي أيكم بايعت؛ لئن كان مسلماً ليردنه علي دينه، ولئن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنه علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلاناً وفلاناً متفقٌ عليه. قوله: جذر بفتح الجيم وإسكان الذال المعجمة: وهو أصل الشيء. والوكت بالتاء المثناة من فوق: الأثر اليسير. والمجل بفتح الميم وإسكان الجيم، وهو تنقطٌ في اليد ونحوها من أثر عملٍ وغيره. قوله: منتبراً: مرتفعاً. قوله: ساعيه: الوالي عليه.
O وعن حذيفة، وأبي هريرة، رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يجمع الله، تبارك وتعالى، الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم، صلوات الله عليه، فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله، قال: فيأتون إبراهيم، فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلاً من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليماً، فيأتون موسى، فيقول: لست بصاحب ذلك؛ اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه. فيقول عيسى: لست بصاحب ذلك. فيأتون محمداً، صلى الله عليه وسلم، فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق قلت: بأبي وأمي، أي شيءٍ كمر البرق، قال: ألم تروا كيف يمر ويرجع في طرفة عينٍ، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وشد الرجال تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائمٌ على الصراط يقول: رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء لا يستطيع السير إلا زحفاً، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقةٌ مأمورةٌ بأخذ من أمرت به، فمخدوشٌ ناجٍ، ومكردسٌ في النار والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفاً. رواه مسلم. قوله: وراء وراء هو بالفتح فيهما. وقيل: بالضم بلا تنوينٍ، ومعناه: لست بتلك الدرجة الرفيعة، وهي كلمةٌ تذكر على سبيل التواضع. وقد بسطت معناها في شرح صحيح مسلمٍ، والله أعلم.
O وعن أبي خبيب - بضم الخاء المعجمة - عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، قال: لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالمٌ أو مظلوم، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوماً، وإن من أكبر همي لديني، أفترى ديننا يبقي من مالنا شيئاً، ثم قال: يا بني بع مالنا واقض ديني، وأوصى بالثلث، وثلثه لبنيه، يعني لبني عبد الله بن الزبير ثلث الثلث. قال: فإن فضل من مالنا بعد قضاء الدين شيءٌ فثلثه لبنيك، قال هشامٌ: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير خبيبٍ وعبادٍ، وله يومئذٍ تسعة بنين وتسع بناتٍ. قال عبد الله، فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بني إن عجزت عن شيءٍ منه فاستعن عليه بمولاي. قال: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبت من مولاك قال: الله. قال: فوالله ما وقعت في كربةٍ من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه، فيقضيه. قال: فقتل الزبير ولم يدع ديناراً ولا درهماً إلا أرضين، منها الغابة وإحدى عشرة داراً بالمدينة، ودارين بالبصرة، وداراً بالكوفة وداراً بمصر. قال: وإنما كان دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال، فيستودعه إياه، فيقول الزبير: لا ولكن هو سلفٌ إني أخشى عليه الضيعة. وما ولي إمارةً قط ولا جبايةً ولا خراجاً ولا شيئاً إلا أن يكون في غزوٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، قال عبد الله: فحسبت ما كان عليه من الدين فوجدته ألفي ألفٍ ومائتي ألفٍ ! فلقي حكيم بن حزامٍ عبد الله بن الزبير فقال: يا ابن أخي كم على أخي من الدين فكتمته وقلت: مائة ألفٍ. فقال حكيمٌ: والله ما أرى أموالكم تسع هذه ! فقال عبد الله: أرأيتك إن كانت ألفي ألفٍ ومائتي ألفٍ، قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيءٍ منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزبير قد اشترى الغابة بسبعين ومائة ألفٍ، فباعها عبد الله بألف ألفٍ وستمائة ألف، ثم قام فقال: من كان له على الزبير شيءٌ فليوافنا بالغابة، فأتاه عبد الله بن جعفرٍ، وكان له على الزبير أربعمائة ألفٍ، فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم، قال عبد الله: لا، قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم، فقال عبد الله: لا، قال: فاقطعوا لي قطعةً، قال عبد الله: لك من ههنا إلى ههنا. فباع عبد الله منها، فقضى عنه دينه، وأوفاه وبقي منها أربعة أسهمٍ ونصفٌ، فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان، والمنذر بن الزبير، وابن زمعة. فقال له معاوية: كم قومت الغابة قال: كل سهمٍ بمائة ألفٍ قال: كم بقي منها قال: أربعة أسهمٍ ونصفٌ، فقال المنذر بن الزبير: قد أخذت منها سهماً بمائة ألفٍ، قال عمرو بن عثمان: قد أخذت منها سهماً بمائة ألفٍ. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهماً بمائة ألفٍ، فقال معاوية: كم بقي منها قال: سهمٌ ونصف سهمٍ، قال: قد أخذته بخمسين ومائة ألفٍ. قال: وباع عبد الله بن جعفرٍ نصيبه من معاوية بستمائةٍ ألفٍ. فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دينٌ فليأتنا فلنقضه. فجعل كل سنةٍ ينادي في الموسم، فلما مضى أربع سنين قسم بينهم ودفع الثلث. وكان للزبير أربع نسوةٍ، فأصاب كل امرأةٍ ألف ألفٍ ومائتا ألفٍ، فجميع ماله خمسون ألف ألفٍ ومائتا ألف. رواه البخاري.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم
قال الله تعالى: ( مَا لِلظَّالِمِين مِنْ حَمِيمٍ ولا شَفِيعٍ يُطَاعُ ) غافر: 18.
وقال تعالى: ( وَمَا لِلظَّالِمِين مِن نَّصِيرٍ ) الحج: 71.
وأما الأحاديث فمنها حديث أبي ذرٍ رضي الله عنه المتقدم في آخر باب المجاهدة.
وعن جابرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم رواه مسلم.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء رواه مسلم.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نتحدث عن حجة الوداع، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ولا ندري ما حجة الوداع، حتى حمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره، وقال: ما بعث الله من نبيٍ إلا أنذره أمته: أنذره نوح والنبيون من بعده، وإنه إن يخرج فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم، إن ربكم ليس بأعور، وإنه أعور عين اليمنى، كأن عينه عنبةٌ طافيةٌ. ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت ? قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد - ثلاثاً - ويلكم، أو: ويحكم، انظروا: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ رواه البخاري، وروى مسلم بعضه.
O وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ظلم قيد شبرٍ من الأرض طوقه من سبع أرضين متفقٌ عليه.
O وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أخَذَ الْقُرَى وَهِي ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَديدٌ ) هود: 102. متفق عليه.
O وعن معاذٍ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلواتٍ في كل يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم أموالهم. واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ متفقٌ عليه.
O وعن أبي حميدٍ عبد الرحمن بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا هديةٌ أهديت إلي، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً، والله لا يأخذ أحدٌ منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى، يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاءٌ، أو بقرةً لها خوار، أو شاةً تيعر ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه فقال: اللهم هل بلغت ثلاثاً. متفق عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كانت عنده مظلمةٌ لأخيه؛ من عرضه أو من شيءٍ، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهمٌ؛ إن كان له عملٌ صالحٌ أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسناتٌ أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه رواه البخاري.
O وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه متفقٌ عيه.
وعنه رضي الله عنه قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ يقال له كركرة، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءةً قد غلها. رواه البخاري.
O وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض: السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعةٌ حرم: ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، أي شهرٍ هذا قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة قلنا: بلى. قال: فأي بلدٍ هذا ، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليس البلدة قلنا: بلى. قال: فأي يومٍ هذا قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليس يوم النحر قلنا: بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ثم قال: ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، قلنا: نعم. قال: اللهم اشهد متفقٌ عليه.
O وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع حق امريءٍ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة فقال رجلٌ: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله، فقال: وإن قضيباً من أراكٍ رواه مسلم.
O وعن عدي بن عميرة رض قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من استعملناه منكم على عمٍ، فكتمنا مخيطاً فما فوقه، كان غلولاً يأتي به يوم القيامة فقام إليه رجلٌ أسود من الأنصار، كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله اقبل عني عملك، قال: ومالك، قال: سمعتك تقول كذا وكذا، قال: وأنا أقوله الآن: من استعملناه على عملٍ فليجيء بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى رواه مسلم.
O وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفرٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلانٌ شهيدٌ، وفلانٌ شهيدٌ، حتى مروا على رجلٍ فقالوا: فلانٌ شهيدٌ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلا إني رأيته في النار في بردةٍ غلها - أو عباءةٍ - رواه مسلم.
O وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم، فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله، تكفر عني خطاياي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابرٌ محتسبٌ، مقبلٌ غير مدبرٍ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أتكفر عني خطاياي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم وأنت صابرٌ محتسبٌ، مقبلٌ غير مدبر، إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك رواه مسلم.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما المفلس قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار رواه مسلم.
O وعن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعةً من النار متفقٌ عليه. ألحن أي: أعلم.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. لن يزال المؤمن في فسحةٍ من دينه ما لم يصب دماً حراماً رواه البخاري.
O وعن خولة بنت عامرٍ الأنصارية، وهي امرأة حمزة رضي الله عنه وعنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حقٍ، فلهم النار يوم القيامة رواه البخاري.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب تعظيم حرمات المسلمين
تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم
قال الله تعالى: ( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّه ) الحج: 30
وقال تعالى: ( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحج: 32
وقال تعالى: ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ للْمُؤْمِنِينَ ) الحجر: 88
وقال تعالى: ( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيا النَّاسَ جَمِيعاً ) المائدة: 32.
وأما الأحاديث: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه. متفقٌ عليه.
O وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مر في شيءٍ من مساجدنا، أو أسواقنا، ومعه نبلٌ فليمسك، أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيءٍ متفقٌ عليه.
O وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى متفقٌ عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما، وعنده الأقرع بن حابسٍ، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبلت منهم أحداً. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من لا يرحم لا يرحم متفقٌ عليه.
O وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناسٌ من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتقبلون صبيانكم، فقال: نعم قالوا: لكنا والله ما نقبل ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة، متفقٌ عليه.
O وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله متفقٌ عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير. وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء متفقٌ عليه. وفي رواية: وذا الحاجة.
O وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل، وهو يحب أن يعمل به، خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم متفقٌ عليه.
O وعنها رضي الله عنها قالت: نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمةً لهم، فقالوا: إنك تواصل، قال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني متفقٌ عليه. معناه يجعل في قوة من أكل وشرب.
O وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأقوم إلى الصلاة، وأريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه رواه البخاري.
O وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيءٍ، فإنه من يطلبه من ذمته بشيءٍ يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم رواه مسلم.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربةً فرج الله عنه بها كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة متفقٌ عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم: لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرامٌ: عرضه وماله ودمه، التقوى ههنا، بحسب امريءٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
O وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعضٍ، وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله. التقوى ههنا - ويشير إلى صدره ثلاث مراتٍ - بحسب امريءٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرامٌ دمه وماله وعرضه رواه مسلم. النجش: أن يزيد في ثمن سلعةٍ ينادي عليها في السوق ونحوه، ولا رغبة له في شرائها بل يقصد أن يغر غيره، وهذا حرامٌ. والتدابر: أن يعرض عن الإنسان ويهجره ويجعله كالشيء الذي وراء الظهر والدبر.
O وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه متفقٌ عليه.
O وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً فقال رجلٌ: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره، قال: تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره رواه البخاري.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حق المسلم على المسلم خمسٌ: رد السلام، وعياد المريض، واتباع الجنائز وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس متفقٌ عليه. وفي روية لمسلمٍ: حق المسلم ستٌ: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فأتبعه.
O وعن أبي عمارة البراء بن عازبٍ رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعٍ، ونهانا عن سبعٍ: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام. ونهانا عن خواتيم أو تختمٍ بالذهب، وعن شربٍ بالفضة، وعن المياثر الحمر، وعن القسي، وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج. متفق عليه. وفي روايةٍ: وإنشاد الضالة في السبع الأول. المياثر بياءٍ مثناةٍ قبل الألف، وثاءٍ مثلثةٍ بعدها، وهي جمع ميثرةٍ، وهي شيءٌ يتخذ من حريرٍ ويحشى قطناً أو غيره، ويجعل في السرج وكور البعير يجلس عليه الراكب. القسي بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة: وهي ثيابٌ تنسج من حريرٍ وكتانٍ مختلطين. وإنشاد الضالة: تعريفها.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب ستر عورات المسلمين
ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة
قال الله تعالى: ( إنَّ الَّذينَ يُحبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) النور: 19.
وأما الأحاديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة رواه مسلم.
O وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافىً إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه متفق عليه.
O وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبلٍ من شعرٍ متفق عليه. التثريب: التوبيخ.
O وعنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجلٍ قد شرب خمراً قال: اضربوه قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله قال: لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان رواه البخاري.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب قضاء حوائج المسلمين
قال الله تعالى: ( وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الحج: 77.
وأما الأحاديث: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربةً فرج الله عنه بها كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة متفق عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة. وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله تعالى، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه رواه مسلم.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب الشفاعة
قال الله تعالى: ( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ) النساء: 85.
O وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجةٍ أقبل على جلسائه فقال: اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب متفقٌ عليه. وفي رواية: ما شاء.
O وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة بريرة وزوجها. قال: قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعته ، قالت: يا رسول الله تأمرني ، قال: إنما أشفع ، قالت: لا حاجة لي فيه. رواه البخاري.
[ كتاب رياض الصالحين : للنووي ]