بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة علوم القرآن أسباب نزول القرآن سور الرعد والحجر والنحل والإسراء
● [ أولآ: سورة الرعد ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (وَيُرسِلُ الصَواعِقَ فَيُصيبُ بِها مَن يَشاءُ) أخبرنا نصر بن أبي نصر الواعظ قال: أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن نصر قال: أخبرنا محمد بن أيوب الرازي قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا علي بن أبي سارة الشيباني قال: حدثنا ثابت عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً مرة إلى رجل من فراعنة العرب، فقال: اذهب فادعه لي، فقال: يا رسول الله إنه أعتى من ذلك، قال: اذهب فادعه لي، قال: فذهب إليه فقال: يدعوك رسول الله، قال: وما الله أمن ذهب هو أو من فضة أو من نحاس، قال: فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، وقال: وقد أخبرتك أنه أعتى من ذلك، فقال لي كذا وكذا، فقال: ارجع إليه الثانية فادعه، فرجع إليه فعاد عليه مثل الكلام الأول، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ارجع إليه، فرجع الثالثة فأعاد عليه ذلك الكلام، فبينا هو يكلمني إذ بعثت إليه سحابة حيال رأسه فرعدت فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه، فأنزل الله تعالى (وَيُرسِلُ الصَواعِقَ فَيُصيبُ بِها مَن يَشاءُ وَهُم يُجادِلونَ في اللهِ وَهوَ شَديدُ المِحالِ). وقال ابن عباس في رواية أبي صالح وابن جريج وابن زيد: نزلت هذه الآية والتي قبلها في عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة، وذلك أنهما أقبلا يريدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله هذا عامر بن طفيل قد أقبل نحوك، فقال دعه فإن يرد الله به خيراً يهده، فأقبل حتى قام عليه، فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت، قال: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، قال: تجعل لي الأمر بعدك، قال لا ليس ذلك إلي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء قال: فتجعلني على الوبر وأنت على المدر، قال: لا، قال: فماذا تجعل لي، قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها، قال: أوليس ذلك إلي اليوم، وكان أوصى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف، فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه، فدار أربد خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه، فاخترط من سيفه شبراً ثم حبسه الله تعالى فلم يقدر على سله، وجعل عامر يومئ إليه، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع بسيفه، فقال: اللهم اكفنيهما بما شئت، فأرسل الله تعالى على أربد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته، وولى عامر هارباً وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد، والله لأملأنها عليك خيلاً جرداً وفتياناً مرداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمنعك الله تعالى من ذلك وابنا قيلة، يريد الأوس والخزرج، فنزل عامر بيت امرأة سلولية، فلما أصبح ضم عليه سلاحه، فخرج وهو يقول: واللات لئن أصحر محمد إلي وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذنهما برمحي، فلما رأى الله تعالى ذلك منه أرسل ملكاً فلطمه بجناحيه فأذراه في التراب، وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير وموت في بيت السلولية، ثم مات على ظهر فرسه، وأنزل الله تعالى فيه هذه القصة (سَواءٌ مِّنكُم من أَسَرَّ القَولَ وَمَن جَهَرَ بِهِ) حتى بلغ (وَما دُعاءُ الكافِرينَ إِلّا في ضَلالٍ). ● قوله تعالى (وَهُم يَكفُرونَ بِالرَحمَنِ) قال أهل التفسير: نزلت في صلح الحديبية حين أرادوا كتاب الصلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو والمشركون: ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، اكتب باسمك اللهم، وهكذا كانت الجاهلية يكتبون، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية. وقال ابن عباس في رواية الضحاك: نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اسجدوا للرحمن، قالوا: وما الرحمن? أنسجد لما تأمرنا? الآية. فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال: قل لهم إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته هو ربي لا إله إلا هو. ● قوله تعالى (وَلَو أَنَّ قُرآَناً سُيِّرَت بِهِ الجِبالُ) الآية. أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن ثملة الأنصاري، حدثنا خلف بن تميم، عن عبد الجبار بن عمر الأبلى، عن عبد الله بن عطاء، عن جدته أم عطاء مولاة الزبير قالت: سمعت الزبير بن العوام يقول: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: تزعم أنك نبي يوحى إليك، وأن سليمان سخر له الريح، وأن موسى سخر له البحر، وأن عيسى كان يحيي الموتى فادع الله تعالى أن يسير عنا هذه الجبال ويفجر لنا في الأرض أنهاراً فنتخذها محارث ومزارع ونأكل، وإلا فادع أن يحيي لنا موتانا فنكلمهم ويكلمونا، وإلا فادع الله أن يصير هذه الصخرة التي تحتك ذهباً فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف، فإنك تزعم أنك كهيئتهم، فبينا نحن حوله إذ نزل عليه الوحي، فلما سري عنه قال: والذي نفسي بيده لقد أعطاني ما سألتم ولو شئت لكان، ولكنه خيرني بين أن تدخلوا في باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة، فاخترت باب الرحمة، وأخبرني إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم أنه معذبكم عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فنزلت (وَما مَنَعَنا أَن نُّرسِلَ بِالآَياتِ إِلّا أَن كَذَّبَ بِها الأَوَّلونَ) ونزلت (وَلَو أَنَّ قُرآَناً سُيِّرَت بِهِ الجِبالُ) الآية. ● قوله تعالى (وَلَقَد أَرسَلنا رُسُلاً مِن قَبلِكَ وَجَعَلنا لَهُم أَزواجاً) قال الكلبي: عيرت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: ما نرى لهذا الرجل مهمة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبياً كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
● [ ثانيآ: سورة الحجر ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (وَلَقَد عَلِمنا المُستَقدِمينَ مِنكُم وَلَقَد عَلِمنا المُستَأَخِرينَ) أخبرنا نصر بن أبي نصر الواعظ قال: أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن نصير الرازي قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: حدثنا نوح بن قيس الطائي قال: حدثنا عمر بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء في آخر النساء، وكان بعضهم يتقدم إلى الصف الأول لئلا يراها، وكان بعضهم يتأخر في الصف الآخر، فإذا ركع قال هكذا ونظر من تحت إبطه، فنزلت (وَلَقَد عَلِمنا المُستَقدِمينَ مِنكُم وَلَقَد عَلِمنا المُستَأَخِرينَ). وقال الربيع بن أنس: حرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف الأول في الصلاة، فازدحم الناس عليه وكان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد، فقالوا نبيع دورنا ونشتري دوراً قريبة من المسجد، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ● قوله تعالى (وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم) أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني محمد بن سليمان بن خالد الفحام قال: حدثنا علي بن هاشم عن كثير النوا قال: قلت لأبي جعفر: إن فلاناً حدثني عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم (وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِّن غِلٍّ إِخواناً عَلى سُرُرٍ مُّتَقابِلينَ) قال: والله إنها لفيهم نزلت وفيهم نزلت الآية، قلت: وأي غل هو، قال: غل الجاهلية، إن بني تيم وعدي وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية، فلما أسلم هؤلاء القوم وأجابوا أخذ أبا بكر الخاصرة، فجعل علي رضي الله عنه يسخن يده فيضمخ بها خاصرة أبي بكر، فنزلت هذه الآية. ● قوله تعالى (نَبِّيء عِبادي أَنِّي أَنا الغَفورُ الرَحيمُ) روى ابن المبارك بإسناده عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي دخل منه بنو شيبة ونحن نضحك فقال: لا أراكم تضحكون ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقرى، فقال: إني لما خرجت جاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد يقول الله تعالى عز وجل: لم تقنط عبادي (نَبِّيء عِبادي أَنِّي أَنا الغَفورُ الرَحيمُ). ● قوله تعالى (وَلَقَد آَتَيناكَ سَبعاً مِّنَ المَثاني وَالقُرآَنَ العَظيمَ) قال الحسين بن الفضل: إن سبع قوافل وافت من بصرى وأذرعات وليهود قريظة والنضير في يوم واحد فيها أنواع من البز وأوعية الطيب والجواهر وأمتعة البحر، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها فأنفقناها في سبيل الله، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال: لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل، ويدل على صحة هذا قوله على أثرها (لا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ) الآية.
● [ ثالثآ: سورة النحل ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (أَتى أَمرُ اللهِ) الآية. قال ابن عباس، لما أنزل الله تعالى (اِقتَرَبَتِ الساعَةُ وَاِنشَقَّ القَمَر) قال الكافر بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أن القيامة: قد قربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء، قالوا: ما نرى شيئاً، فأنزل الله تعالى (اِِقتَرَبَ لِلناسِ حِسابُهُم وَهُم في غَفلَةٍ مُّعرِضونَ) فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة، فلما امتدت الأيام قالوا: يا محمد ما نرى شيئاً مما تخوفنا به، فأنزل الله تعالى (أَتَى أَمرُ اللهِ) فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رءوسهم، فنزل (فَلا تَستَعجِلوهُ) فاطمأنوا، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بإصبعه إن كادت لتسبقني، وقال الآخرون: الأمر ها هنا العذاب بالسيف وهذا جواب للنضر بن الحرث حين قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء، يستعجل العذاب فأنزل الله تعالى هذه الآية. ● قوله تعالى (خَلَقَ الِإنسانَ مِن نُطفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصيمٌ مُّبينٌ) نزلت الآية في أبي بن خلف الجمحي حين جاء بعظم رميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رم نظيرة هذه الآية، قوله تعالى في سورة يس (أَوَلَم يَرَ الِإنسانُ أَنَّا خَلَقناهُ مِن نُّطفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصيمٌ مُّبينٌ) إلى آخر السورة، نازلة في هذه القصة. ● قوله تعالى (وَأَقسَموا بِاللهِ جَهدَ أَيمانِهِم لا يَبعَثُ اللهُ مَن يَموتُ) الآية. قال الربيع بن أنس، عن أبي العالية: كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين، فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلم به والذي أرجوه بعد الموت، فقال المشرك: وإنك لتزعم أنك لتبعث بعد الموت، فأقسم بالله لا يبعث الله من يموت، فأنزل الله تعالى هذه الآية. قوله عز وجل (وَالَّذينَ هاجَروا في اللهِ مِن بَعدِ ما ظُلِموا) الآية. نزلت في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بلال وصهيب وخباب وعامر وجندل بن صهيب أخذهم المشركون بمكة فعذبوهم وآذوهم، فبوأهم الله تعالى بعد ذلك المدينة. ● قوله تعالى (وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ إِلا رِجالاً نُّوحِيَ إِلَيهِم) الآية. نزلت في مشركي مكة، أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً، فهلا بعث إلينا ملكاً. ● قوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبداً مَّملوكاً) الآية. أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، قال: أخبرنا أبو بكر الأنباري قال: حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال: حدثنا عفان قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إبراهيم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية (ضَرَبَ اللهُ مَثلاً عَبداً مَّملوكاً لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ) في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق ماله سراً وجهراً ومولاه أبو الجوزاء الذي كان ينهاه فنزلت (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَينِ أَحَدَهُما أَبكَمُ لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ) فالأبكم منهما الكل - على مولاه - هذا السيد أسد بن أبي العيص، والذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو عثمان بن عفان رضي الله عنه. ● قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأَمُرُ بِالعَدلِ وَالِإحسانِ) الآية. أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا شعيب بن محمد البيهقي قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا روح بن عبادة عن عبد الحميد بن بهرام قال: حدثنا شهر بن حوشب قال: حدثنا عبد الله بن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء بيته بمكة جالساً، إذ مر به عثمان بن مظعون فكشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ألا تجلس، فقال: بلى، فجلس إليه مستقبله، فبينما هو يحدثه إذ شخص بصره إلى السماء، فنظر ساعة وأخذ يضع بصره حتى وضع على عتبة في الأرض، ثم تحرف عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره فأخذ ينغض رأسه كأنه يستنقه ما يقال له، ثم شخص بصره إلى السماء كما شخص أول مرة، فأتبعه بصره حتى توارى في السماء، وأقبل على عثمان كجلسته الأولى، فقال: يا محمد فيما كنت أجالسك وآتيك ما رأيتك تفعل فعلتك الغداة، قال: ما رأيتني فعلت، قال: رأيتك شخص بصرك إلى السماء ثم وضعته حتى وضعته على يمينك، فتحرفت إليه وتركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستنقه شيئاً يقال لك، قال أوفطنت إلى ذلك، قال عثمان نعم، قال: أتاني رسول الله جبريل عليه السلام وسلم آنفاً وأنت جالس، قال: فماذا قال لك، قال: قال لي (إِنَّ اللهَ يَأَمُرُ بِالعَدلِ وَالِإحسانِ وَإِيتاءِ ذي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَكُم تَذَكَّرونَ) فذاك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمداً صلى الله عليه وسلم. ● قوله تعالى (وَإِذا بَدَّلنا آَيَةً مَّكانَ آَيَةٍ) نزلت حين قال المشركون: إن محمداً عليه الصلاة والسلام سخر بأصحابه، يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً، أو يأتيهم بما هو أهون عليهم، وما هو إلا مفترى يقوله من تلقاء نفسه، فأنزل الله تعالى هذه الآية - والتي بعدها. ● قوله تعالى (وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّهُم يَقولونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) الآية. أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمدان الزاهد قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو هاشم الرفاعي قال: حدثنا أبو فضيل قال: حدثنا حصين عن عبيد الله بن مسلم قال: كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر اسم أحدهما يسار والآخر خير، وكانا يقرآن كتباً لهم بلسانهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بهما فيسمع قراءتهما، وكان المشركون يقولون يتعلم منهما، فأنزل الله تعالى فأكذبهم (لِسانُ الَّذي يُلحِدونَ إِلَيهِ أَعجَميٌّ وَهَذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُّبينٌ). ● قوله تعالى (مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعدِ إِيمانِهِ) الآية. قال ابن عباس: نزلت في عمار بن ياسر، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسراً وأمه سمية وصهيباً وبلالاً وخباباً وسالماً، فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين ووجيء قبلها بحربة، وقيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال فقتلت وقتل زوجها ياسر وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام. وأما عمار فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن عماراً كفر، فقال: كلا إن عماراً مليء إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه، فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام يمسح عينيه، وقال: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت، فأنزل الله هذه الآية. وقال مجاهد: نزلت في ناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم المسلمون المدينة أن هاجروا فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا، فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش بالطريق ففتنوهم مكرهين، وفيهم نزلت هذه الآية. ● قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذينَ هاجَروا مِن بَعدِ ما فُتِنوا) الآية. قال قتادة: ذكر لنا أنه لما أنزل الله تعالى قبل هذه الآية أن أهل مكة لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أهل مكة، فلما جاءهم ذلك خرجوا فلحقهم المشركون فردوهم، فنزلت (اَلَم أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا آَمَنا وَهُم لا يُفتَنونَ)، فكتبوا بها إليهم فتبايعوا بينهم على أن يخرجوا، فإن لحقهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجو ويلحقوا بالله، فأدركهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله عز وجل (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذينَ هاجَروا مِن بَعدِ ما فُتِنوا ثُمَّ جاهَدوا وَصَبَروا). ● قوله تعالى (اُدعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ) الآية. أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا الحكم بن موسى قال: حدثنا إسماعيل بن عباس، عن عبد الملك بن أبي عيينة، عن الحكم بن عيينة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لما انصرف المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى منظراً ساءه، ورأى حمزة قد شق بطنه واصطلم أنفه وجدعت أذناه، فقال: لولا أن يحزن النساء أو يكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله تعالى من بطون السباع والطير، لأقتلن مكانه سبعين رجلاً منهم، ثم دعا ببردة فغطى بها وجهه، فخرجت رجلاه، فجعل على رجليه شيئاً من الإذخر، ثم قدمه وكبر عليه عشراً، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة وكان القتلى سبعين، فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية (اُدعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ) إلى قوله (وَاِصبِر وَما صَبرُكَ إِلّا بِاللهِ) فصبر ولم يمثل بأحد. أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا يعقوب الوليد الكندي قال: حدثنا صالح المري قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة فرآه صريعاً، فلم ير شيئاً كان أوجع لقلبه منه، وقال: والله لأقتلن بك سبعين منهم، فنزلت (وَإِن عاقَبتُم فَعاقِبوا بِمِثلِ ما عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِّلصابِرينَ) أخبرنا أبو حسان المزكي قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا قيس عن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل حمزة ومثل به: لئن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين رجلاً منهم، فأنزل الله عز وجل (وَإِن عاقَبتُم فَعاقِبوا بِمِثلِ ما عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِّلصابِرينَ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نصبر يا رب. قال المفسرون: إن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد من تبقير البطون وقطع المذاكير والمثلة السيئة، قالوا حين رأوا ذلك: لئن ظفرنا الله سبحانه وتعالى عليهم لنزيدن على صنيعهم ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط ولنفعلن ولنفعلن، ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة، وقد جدعوا أنفه وقطعوا مذاكيره وبقروا بطنه، وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ثم استرطتها لتأكلها، فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما إنها لو أكلته لم تدخل لنار أبداً، حمزة أكرم على الله من أن يدخل شيئاً من جسده النار، فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمزة نظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء كان أوجع لقلبه منه، فقال رحمة الله عليك: إنك ما علمت كنت وصولاً للرحم فعالاً للخيرات، ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى، أما والله لئن أظفرني الله تعالى بهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك، فأنزل الله تعالى (وَإِن عاقَبتُم فَعاقِبوا بِمِثلِ ما عُوقِبتُم بِهِ) الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بلى نصبر، وأمسك عما أراد، وكفر عن يمينه. قال الشيخ الإمام الأوحد أبو الحسن: ونحتاج أن نذكر ههنا مقتل حمزة. أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي قال: أخبرنا محمد بن مكي قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الجعفي قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الله، حدثنا حجين بن المثنى قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، وأخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال: حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن الفضل بن عياش بن ربيعة، عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال: خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار، فمررنا بحمص، فلما قدمناها قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك أن نأتي وحشياً نسأله كيف كان قتل حمزة? قلت له: إن شئت، فقال لنا رجل: أما إنكما ستجدانه بفناء داره وهو رجل قد غلب عليه الخمر، فإن تجداه صاحياً تجدا رجلاً عربياً عنده بعض ما تريدان، فلما انتهينا إليه سلمنا عليه، فرفع رأسه، قلنا: جئناك لتحدثنا عن قتلك حمزة رحمة الله عليه، فقال: أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك، كنت غلاماً لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد قال جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة عم محمد عليه الصلاة والسلام بعمي طعيمة فأنت عتيق، قال: فخرجت وكنت حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطيء بها شيئاً، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة رحمة الله عليه حتى رأيته في عرض الجيش مثل الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هداً ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتهيأ له وأستتر منه بحجر أو شجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة رحمة الله عليه قال: ها يا ابن مقطعة البظور، قال: ثم ضربه فوالله ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي حتى إذ رضيت منها دفعتها إليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه، فذهب لينافحني فغلب، فتركته حتى مات رضي الله عنه، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى الناس، فقعدت في العسكر ولم يكن لي بغيره حاجة إنما قتلته لأعتق، فلما قدمت مكة عتقت فأقمت بها حتى نشأ فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً وقيل لي: إن محمداً عليه الصلاة والسلام لا يهيج الرسل، قال: فخرجت معهم حتى قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال: أنت وحشي، قلت: نعم، قال: أنت قتلت حمزة، قلت: قد كان من الأمر ما قد بلغك، قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني، قال: فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج الناس إلى مسيلمة الكذاب قلت: لأخرجن إلى مسيلمة الكذاب لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان.
● [ رابعآ: سورة بني إسرائيل ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (وَلا تَجعَل يَدَكَ مَغلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) الآية. أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن علي بن عمران قال: أخبرنا أبو علي أحمد الفقيه قال: أخبرنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل المحاملي. قال: حدثنا زكرياء بن يحيى الضرير قال: حدثنا سليمان بن سفيان الجهني قال: حدثنا قيس بن الربيع عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: جاء غلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي تسألك كذا وكذا، فقال: ما عندنا اليوم شيء، قال: فتقول لك اكسني قميصك، قال: فخلع قميصه فدفعه إليه وجلس في البيت حاسراً، فأنزل الله سبحانه وتعالى (وَلا تَجعَل يَدَكَ مَغلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطها كُلَّ البَسطِ) الآية. وقال جابر بن عبد الله: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعداً فيما بين أصحابه أتاه صبي فقال: يا رسول الله إن أمي تستكسيك درعاً ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قميصه، فقال للصبي من ساعة إلى ساعة يظهر، يعد وقتاً آخر، فعاد إلى أمه، فقالت له: إن أمي تستكسيك القميص الذي عليك، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عرياناً، فأذن بلال للصلاة فانتظروه فلم يخرج، فشغل قلوب الصحابة، فدخل عليه بعضهم فرآه عرياناً، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية. ● قوله تعالى (وَقُل لِّعِبادي يَقولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ) نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أن رجلاً من العرب شتمه، فأمره الله تعالى بالعفو. وقال الكلبي: كان المشركون يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل، فشكو ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ● قوله تعالى (وَما مَنَعَنا أَن نُّرسِلَ بِالآَياتِ) الآية. أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا زاهر بن أحمد قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي، قال عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش عن جعفر بن ياسر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعون، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم لعلنا نجتبي منهم، وإن شئت نؤتهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم، قال: لا بل أستأني بهم، فأنزل الله عز وجل (وَما مَنَعَنا أَن نُّرسِلَ بِالآَياتِ إِلّا أَن كَذَّبَ بِها الأَوَّلونَ). وروينا قول الزبير بن العوام في سبب نزول هذه الآية عند قوله (وَلَو أَنَّ قُرآَناً سُيِّرَت بِهِ الجِبالُ). ● قوله تعالى (وَالشَجَرَةَ المَلعونَةَ في القُرآَنِ) الآية. أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الواعظ قال: أخبرنا محمد بن محمد الفقيه قال: أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن زريق قال: حدثنا حفص بن عبد الرحمن عن محمد بن إسحاق، عن حكيم بن عباد بن حنيف، عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: لما ذكر الله تعالى الزقوم خوف به هذا الحي من قريش، فقال أبو جهل: هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ، قالوا: لا، قال: الثريد بالزبد، أما والله لئن أمكننا منها لنتزقمنها تزقماً، فأنزل الله تبارك وتعالى (وَالشَجَرَةَ المَلعونَةَ في القُرآَنِ) يقول المذمومة (وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدَهُم إِلّا طُغياناً كَبيراً). ● قوله تعالى (وَإِن كادُوا لَيَفتِنونَكَ عَنِ الَّذي أَوحَينا إِلَيكَ) الآية. قال عطاء عن ابن عباس: نزلت في وفد ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا شططاً وقالوا: متعنا باللات سنة وحرم وادينا كما حرمت مكة شجرها وطيرها ووحشها، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم، فأقبلوا يكثرون مسألتهم وقالوا: إنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم، فإن كرهت ما نقول وخشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا، فقل الله أمرني بذلك، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وداخلهم الطمع، فصاح عليهم عمر: أما ترون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عن جوابكم كراهية لما تجيئون به، وقد هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال سعيد بن جبير: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: لا نكف عنك إلا أن تلم بآلهتنا ولو بطرف أصابعك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما علي لو فعلت والله يعلم أني بار، فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَإِن كادُوا لَيَفتِنونَكَ عَنِ الَّذي أَوحَينا إِلَيكَ) إلى قوله (نَصيراً). وقال قتادة: ذكر لنا أن قريشاً خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه، فقالوا: إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس، وأنت سيدنا يا سيدنا، وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون، ثم عصمه الله تعالى عن ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ● قوله تعالى (وَإِن كادُوا لَيستَفِزّونَكَ مِنَ الأَرضِ) الآية. قال ابن عباس: حسدت اليهود مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالوا: إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام، فإن كنت نبياً فالحق بها، فإنك إن خرجت إليها صدقناك وآمنا بك، فوقع ذلك في قلبه لما يحب من الإسلام، فرحل من المدينة على مرحلة، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال عثمان: إن اليهود أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن كنت صادقاً أنك نبي فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر والمنشر وأرض الأنبياء، فصدق ما قالوا وغزا غزوة تبوك لا يريد بذلك إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى: (وَإِن كادُوا لِيَستَفِزّونَكَ مِنَ الأَرضِ). وقال مجاهد وقتادة والحسن: هم أهل مكة بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فأمره الله تعالى بالخروج وأنزل عليه هذه الآية إخباراً عما هموا به. ● قوله تعالى (وَقُل رَّبِّ أَدخِلني مُدخَلَ صِدقٍ) الآية. قال الحسن: إن كفار قريش لما أرادوا أن يوثقوا النبي صلى الله عليه وسلم ويخرجوه من مكة أراد الله تعالى بقاء أهل مكة، وأمر نبيه أن يخرج مهاجراً إلى المدينة، ونزل قوله تعالى (وَقُل رَّبِّ أَدخِلني مُدخَلَ صِدقٍ وَأَخرِجني مُخرَجَ صِدقٍ). ● قوله تعالى (وَيَسئَلونَكَ عَنِ الروحِ) الآية. أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال: أخبرنا محمد بن بشر بن العباس قال: أخبرنا أبو لبيد محمد بن أحمد بن بشر قال: حدثنا سويد، عن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة عن عبد الله قال: إني مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو متكيء على عسيب، فمر بنا ناس من اليهود فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون، فأتاه نفر منهم فقالوا: يا أبا القاسم ما تقول في الروح، فسكت ثم ماج، فأمسكت بيدي على جبهته، فعرفت أنه ينزل عليه، فأنزل الله عليه (وَيَسئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أَمرِ رَبي، وَما أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلاً) رواه البخاري ومسلم جميعاً عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه، عن الأعمش. وقال عكرمة عن ابن عباس: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فنزلت هذه الآية. وقال المفسرون: إن اليهود اجتمعوا فقالوا لقريش حين سألوهم عن شأن محمد وحاله: سلوا محمداً عن الروح، وعن فتية فقدوا في أول الزمان، وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها، فإن أصاب في ذلك كله فليس بنبي، وإن لم يجب في ذلك فليس نبياً، وإن أجاب في بعض ذلك وأمسك عن بعضه فهو نبي فسألوه عنها، فأنزل الله تعالى في شأن الفتية (أَم حَسِبتَ أَن أَصحابَ الكَهفِ) إلى آخر القصة، ونزل في الروح قوله تعالى (وَيَسئَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ). ● قوله تعالى (وَقالوا لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبوعاً) الآية. روى عكرمة عن ابن عباس أن عتبة وشيبة وأبا سفيان والنضر بن الحرث وأبا البختري والوليد بن المغيرة وأبا جهل وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف ورؤساء قريش اجتمعوا على ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا به، فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فجاءهم سريعاً وهو يظن أنه بدا في أمره بداء، وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم ويعز عليه تعنتهم حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد إنا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة، وما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت أن ما جئت به لتطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الرئى الذي يأتيك تراه قد غلب عليك، وكانوا يسمون التابع من الجن الرئى بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا للشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله عز وجل بعثني إليكم رسولاً وأنزل علي كتاباً وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم، قالوا: يا محمد، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا فقد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلاداً ولا أقل مالاً ولا أشد عيشاً منا، سل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك فليسير عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا، ويبسط لنا بلادنا ويجر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق، وأن يبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن ممن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخاً صدوقاً، فنسألهم عما تقول حق هو، فإن صنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله وأنه بعثك رسولاً كما تقول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بهذا بعثت إنما جئتكم من عند الله سبحانه بما بعثني به، فقد بلغتكم ما أرسلت به، فإن تقبلوا فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه أصبر لأمر الله، قالوا: فإن لم تفعل هذا فسل ربك أن يبعث لنا ملكاً يصدقك، وسله فيجعل لك جناناً وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك، فإنك تقوم في الأسواق وتلتمس المعاش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بالذي يسأل ربه هذا وما بعثت بهذا إليكم، ولكن الله تعالى بعثني بشيراً ونذيراً. قالوا: فأسقط علينا كسفاً من السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل، فقال قائل منهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً، وقال عبد الله بن أمية المخزومي، وهو ابن عاتكة بنت عبد المطلب ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم: لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً وترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها، وتأتي بنسخة منشورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً بما فاته من متابعة قومه، ولما رأى من مباعدتهم منه، فأنزل الله تعالى (وَقالُوا لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجَرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبوعاً) الآيات. أخبرنا سعيد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال: حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشام، عن عبد الملك بن عمير عن سعيد بن جبير قال: قلت له قوله (لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبوعاً) أنزلت في عبد الله بن أبي أمية قال: زعموا ذلك. ● قوله تعالى (قُلِ اِدعوا اللهَ أَو اِدعوا الرَحمَنَ) الآية. قال ابن عباس: تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بمكة، فجعل يقول في سجوده: يا رحمن يا رحيم، فقال المشركون: كان محمد يدعو إلهاً واحداً فهو الآن يدعو إلهين اثنين الله والرحمن، ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال ميمون بن مهران: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب في أول ما يوحى إليه: باسمك اللهم حتى نزلت هذه الآية (إِنَّهُ مِن سُلَيمانَ وَإِنَّهُ بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ) فكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال مشركو العرب: هذا الرحيم نعرفه، فما الرحمن، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال الضحاك: قال أهل التفسير: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ● قوله تعالى (وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِت بِها) الآية. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدثنا عبد الله بن مطيع وأحمد بن منيع قالا: حدثنا هشيم قال: حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى (وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِت بِها) قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة وكانوا إذا سمعوا القرآن سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن (وَلا تُخافِت بِها) عن أصحابك فلا يسمعون (وَاِبتَغِ بَينَ ذَلِكَ سَبيلاً). رواه البخاري عن مسدد. ورواه مسلم عن عمرو الناقد، كلاهما عن هشيم. وقالت عائشة رضي الله عنها: نزلت هذه الآية في التشهد، كان الأعرابي يجهر فيقول: التحيات لله والصلوات الطيبات يرفع بها صوته، فنزلت هذه الآية. وقال عبد الله بن شداد: كان أعراب بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته قالوا: اللهم ارزقنا مالاً وولداً ويجهرون، فأنزل الله تعالى هذه الآية. أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن حرب قال: حدثنا مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني، عن هشام بن عروة، عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى (وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِت بِها) قالت: إنها نزلت في الدعاء.
أسباب نزول القرآن . تأليف : الواحدي منتديات الرسالة الخاتمة