بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
مختصر زاد المعاد
هديه صلى الله عليه وسلم فى
تعامله مع أعدائة وأوليائه
فصل وكان يستحب القتال أول النهار
وكان يستحب القتال أول النهار كما يستحب الخروج للسفر فإذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر وكان يبايع أصحابه في الحرب على أن لايفروا وربما بايعهم على الموت وبايعهم على الجهاد كما بايعهم على الاسلام وبايعهم على الهجرة وبايعهم علىالتوحيد والتزام طاعة الله ورسوله وبايع نفرا من أصحابه على أن لايسألوا الناس شيئا وكان السوط يسقط من يد أحدهم فينزل له فيأخذه ولا يقول لأحد ناولني إياه وكان يشاور أصحابه في الجهاد ولقاء العدو وتخير المنازل وكان يتخلف في ساقتهم في المسير فيزجي الضعيف ويردف المنقطع وكان أرفق الناس بهم في المسير وإذا أراد غزوة ورى بغيرها ويقول الحرب خدعة وكان يبعث العيون يأتونه بخبر عدوه ويطلع الطلائع ويبث الحرس وإذا لقي عدوه وقف ودعا واستنصر الله وأكثر هو وأصحابه من ذكر الله وخفضوا أصواتهم وكان يرتب الجيش والمقاتلة ويجعل في كل جنبة كفأ لها وكان يبارز بين يديه بأمره وكان يلبس للحرب عدته وربما ظاهر بين درعين وكان له ألوية وكان إذا ظهر على قوم نزل بعرصتهم ثلاثا ثم قفل وكان إذا أراد أن يغير انتظر فإن سمع في الحي أذانا لم يغر وإلا أغار وكان ربما يبيت عدوه وربما فاجأهم نهارا وكان يحب الخروج يوم الخميس بكرة النهار وكان العسكر إذا نزل انضم بعضهم الى بعض حتى لو بسط عليهم كساء لعمهم وكان يرتب الصفوف ويعبئهم للقتال ويقول تقدم يافلان تأخر يافلان وكان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه وكان إذا لقي العدو يقول اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم، وربما قال (سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر)، وكان يقول اللهم أنزل نصرك وكان يقول اللهم أنت عضدي وأنت نصيري بك أقاتل وكان إذا اشتد البأس وقصده العدو يعلم بنفسه ويقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وإذا اشتد البأس اتقوا به وكان أقربهم الى العدو وكان يجعل لأصحابه شعارا في الحرب يعرفون به إذا تكلموا وكان شعاره مرة أمت أمت ومرة يامنصور أمت ومرة حم لاينصرون وكان يلبس الدرع والخوذة ويتقلد السيف ويحمل الرمح والقوس العربية ويتترس بالترس ويحب الخيلاء في الحرب وقال إن منها مايحب الله ومنها ما يبغض الله فأما التي يحبها الله فاختيال الرجل بنفسه عند اللقاء واختياله عند الصدقة وأما التي يبغض الله عز وجل فاختيال الرجل في البغي والفجور وقاتل مرة بالمنجنيق فنصبه مرة على أهل الطائف وكان ينهى عن قتل النساء والولدان ينظر في المقاتلة فمن رآه انبت قتله وإلا استحياه وكان إذا بعث سرية يوصيهم بتقوى الله ويقول سيروا بسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ولاتمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا وكان ينهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو ويأمر أمير السرية أن يدعوا عدوه قبل القتال إما الى الاسلام والهجرة أو الاسلام دون الهجرة ويكونون كأعراب المسلمين ليس لهم نصيب في الفيء أو بذل الجزية فأن هم أجابوا اليه قبل منهم وإلا استعان بالله وقاتلهم وكان إذا ظفر بعدوه أمر مناديا فجمع الغنائم كلها فبدأ بالأسلاب فأعطاها لأهلها ثم أخرج خمس الباقي فوضعه حيث أراه الله وأمره به من مصالح الاسلام ثم يرضخ من الباقي لمن لا سهم له من النساء والصبيان والعبيد ثم قسم الباقي بالسوية بين الجيش للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم هذا هو الصحيح وكان ينفل من صُلب الغنيمة بحسب مايراه من المصلحة وجمع لسلمة بن الأكوع في بعض مغازيه بين سهم الراجل والفارس فأعطاه خمسة لعظم غنائه وكان يسوي بين الضعيف والقوي في القسم ماعدا النفل وكان إذا أغار في ارض العدو وبعث سرية بين يديه فما غنمت أخرج خمسه ونفلها ربع الباقي وقسم الباقي بينها وبين سائر الجيش وإذا رجع فعل ذلك ونفلها الثلث ومع ذلك كان يكره النفل ويقول ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم وكان له سهم من الغنيمة يدعى الصفي إن شاء عبدا وإن شاء فرسا يختاره قبل القسم قالت عائشة كانت صفية منه أي من الصفي رواه ابو داود وكان سيفه ذو الفقار من الصفي وكان يسهم لمن غاب عن الوقعة لمصلحة المسلمين كما أسهم لعثمان من بدر لتمريض ابنته فقال إن عثمان اطلق في حاجة الله وحاجة رسوله فضرب له بسهم وآجره وكانوا يشترون معه في الغزو ويبيعون وهو يراهم ولا ينهاهم وكانوا يستأجرون الأجراء للغزو وذلك على نوعين أحدهما أن يخرج الرجل ويستأجر من يخدمه في سفره الثاني أن يستأجر من يخرج للجهاد ويسمون ذلك الجعائل وفيها قال صلى الله عليه وسلم للغازي أجره وللجاعل أجره وأجر الغازي وكانوا يتشاركون في الغنيمة وهو على نوعين أيضا أحدهما شركة الأبدان والثاني أن يدفع الرجل بعيره الى الرجل أو فرسه يغزو عليه على النصف مما يغنمه حتى ربما اقتسما السهم فأصاب احدهما قدحه والآخر نصله وريشه قال ابن مسعود اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر فجاء سعد بأسيرين ولم أجيء أنا وعمار بشيء وكان يبعث السرية فرسانا تارة ورجالة اخرى ولايسهم لمن قدم من المدد بعد الفتح وكان يعطي سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب دون إخوتهم من عبد شمس ونوفل وقال إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد وشبك بين أصابعه وقال إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام وكان المسلمون يصيبون معه في مغزيهم العسل والعنب والطعام فيأكلونه ولا يرفعونه في المغانم وقيل لابن أبي أوفى هل كنتم تخمسون الطعام فقال أصبنا طاما يوم خيبر فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف وقال بعض الصحابة كنا نأكل الجوز في الغزو ولا نقسمه حتى إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأجربتنا منه مملوءة وكان ينهى عن النهبة والمثلة وقال من انتهب نهبة فليس منا وكان ينهى أن يركب الرجل دابة من الفيء فإذا أعجفها ردها فيه وأن يلبس الرجل ثوبا من الفيء حتى إذا أخلقه رده فيه ولم يمنع من الانتفاع به حال الحرب وكان يشدد في الغلول جدا يمنع من الانتفاع به حال الحرب وكان يشدد في الغلول جدا ويقول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة ولما أصيب غلامه مدعم قال بعض الصحابة هنيئا له الجنة فقال كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فجاء رجل بشراك أو شراكين لما سمع ذلك فقال شراك أو شراكان من نار وقال لمن كان على ثقله وقد مات هو في النار فذهبوا ينظرون فوجدوا عباءة قد غلها وقالوا في بعض غزواتهم فلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا وفلان شهيد فقال كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ثم قال ياابن الخطاب اذهب فناد في الناس انه لايدخل الجنة إلا المؤمنون ثلاثا وكان إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسها ويقسمها فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعت بلالا ينادي فقال نعم قال فما منعك ألا تجيء به فاعتذر فقال كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك وأمر بتحريق متاع الغال وضربه وحرقه الخليفتان بعده فقيل منسوخ للأحاديث التي ذكرت ولم يجيء التحريق فيها وقيل وهو الصواب إنه من باب التعزير والعقوبات المالية الراجعة الى اجتهاد الأئمة بحسب المصلحة كقتل شارب الخمر في الثالثة والرابعة.
فصل في هديه الله صلى الله عليه وسلم في الأسارى
كان يمن على بعضهم ويقتل بعضهم ويفادي بعضهم بالمال وبعضهم بأسرى المسلمين فعل ذلك كله بحسب المصلحة واستأذنه الأنصار أن يتركوا لعمه العباس فداءه فقال لاتدعوا منه درهما ورد سبي هوازن عليهم بعد القسمة واستطاب قلوب الغانمين فطيبوا له وعوض من لم يطيب من ذلك بكل إنسان ست فرائض وذكر احمد عن ابن عباس أن بعضهم لم يكن له مال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدائهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة فدل هذا على جواز الفداء بالعمل والصواب الذي عليه هديه وهدي أصحابه استرقاق العرب ووطء إمائهن بملك اليمين من غير اشتراط الاسلام وكان يمنع التفريق في السبي بين الوالدة وولدها ويعطي أهل البيت جميعا كراهة أن يفرق بينهم وثبت عنه أنه قتل جاسوسا من المشركين ولم يقتل حاطبا لما جس عليه وذكر شهوده بدرا فاستدل به من لايرى قتل المسلم الجاسوس واستدل به من يرى قتله كمالك وابن عقيل من أصحاب أحمد وغيرهما قالوا لأنه علل بعلة مانعة من القتل منتفية في غيره ولو كان الإسلام مانعا من قتله لم يعلل بأخص منه لأن الحكم إذا علل بالأعم كان الأخص عديم التأثير وهذا أقوى وكان هديه عتق عبيد المشركين إذا خرجوا الى المسلمين وأسلموا وكان من هديه أن من أسلم على شيء في يده فهو له ولم يكن يرد على المسلمين أعيان أموالهم التي أخذها الكفار منهم قهرا بعد إسلامهم.
فصل تقسيم أرض بني قريضة وبني النضير ونصف خيبر بين الغانمين
وثبت أنه قسم أرض بني قريضة وبني النضير ونصف خيبر بين الغانمين وعزل نصف خيبر لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس ولم يقسم مكة فقالت طائفة لأنها دار النسك فهي وقف من الله على عباده وقالت طائفة الإمام مخير في الأرض بين قسمتها وبين وقفها لفعله صلى الله عليه وسلم قالوا والأرض لاتدخل في الغنائم المأمور بقسمتها بل الغنائم هي الحيوان والمنقول لأن الله لم يحلها لغير هذه الأمة وأحل لهم ديار الكفار وأرضهم كقوله تعالى في ديار فرعون وقومه وأرضهم وأورثناها بني إسرائيل والنبي صلى الله عليه وسلم قسم من الأرض وترك وعمر لم يقسم بل ضرب عليها خراجا مستمرا للمقاتلة فهذا معنى وقفها ليس معناه الوقف الذي يمنع من نقل الملك بل يجوز بيعها كما هو عمل الأمة وقد أجمعوا على أنها تورث ونص احمد على جواز جعلها صداقا والوقف إنما امتنع بيعه لما في ذلك من إبطال حق البطون الموقوف عليهم والمقاتلة حقهم في خراج الأرض فلا يبطل بالبيع ونظيره بيع رقبة المكاتب وقد انعقد فيه سبب الحرية بالكتابة فإنه ينتقل الى المشتري مكاتبا كما كان عند البائع ومنع صلى الله عليه وسلم من إقامة المسلم بين المشركين إذا قدر على الهجرة وقال أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قيل يارسول الله ولم قال لاترآى ناراهما وقال من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله وقال لاتنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها وقال ستكون هجرة بعد هجرة فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم عليه السلام ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم ويحشرهم الله مع القردة والخنازير.
فصل في هديه في الأمان والصلح ومعاملة رسل الكفار
هديه صلى الله عليه وسلم في الأمان والصلح ومعاملة رسل الكفار وأخذ الجزية ومعاملة أهل الكتاب والمنافقين ووفائه بالعهد.
ثبت عنه أنه قال ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لايقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا وثبت عنه أنه قال من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشهدها حتى يمضي أمده أو ينبذ إليهم على سواء وقال من أمن رجلا على نفسه فقتله فأنا بريء من القاتل ويذكر عنه مانقض قوم العهد إلا أديل عليهم العدو ولما قدم المدينة صار الكفار معه ثلاثة أصناف قسم صالحهم على أن لايحاربوه ولا يولوا عليه عدوه وقسم حاربوه وقسم لم يصالحوه ولم يحاربوه بل انتظروا مايؤول اليه أمره ثم من هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره في الباطن ومنهم من يحب ظهور عدوه عليه ومنهم من دخل معه في الظاهر وهو عدوه في الباطن فعامل كل طائفة بما أمره الله به فصالح يهود المدينة فحاربته قينقاع بعد بدر وشرقوا بوقعتها وأظهروا البغي والحسد ثم نقض بنو النضير فغزاهم وحصرهم وقطع نخلهم وحرقه ثم نزلوا على أن يخرجوا من المدينة ولهم ما حملت الابل إلا السلاح وذكر الله قصتهم في سورة الحشر ثم نقضت قريظة وهم أغلظ اليهود كفرا ولذلك جرى عليهم مالم يجر على إخوانهم فهذا كله في يهود المدينة وكانت غزوة كل طائفة منهم عقب غزوة من الغزوات الكبار فبنو قينقاع بعد بدر وبنو النضير عقب أحد وقريظة عقب الخندق وكان هديه إذا صالح قوما فنقض بعضهم عهده وصلحه وأقرهم الباقون ورضوا به غزا الجميع كما فعل بقريظة والنضير وأهل مكة فهذه سنته في أهل العهد وعلى هذا ينبغي أن يجري الحكم في أهل الذمة كما صرح به أصحاب أحمد وغيرهم وخالف أصحاب الشافعي فخصوا نقض العهد بمن نقضه خاصة دون من رضي به وأقر عليه وفرقوا بينهما بأن عقد الذمة آكد والأول أصوب وبهذا أفتينا ولي الأمر لما أحرق النصارى أموال المسلمين بالشام وعلم بذلك من علم منهم وواطؤوا عليه ولم يعلموا به ولي الأمر وأن حده القتل حتما ولا يخير الإمام فيه كالأسير بل صار القتل له حدا والإسلام لا يسقط القتل إذا كان حدا ممن هو تحت الذمة ملتزما أحكام الملة بخلاف الحربي إذا أسلم فهذا له حكم والذمي الناقض له حكم آخر وهذا الذي تقتضيه نصوص أحمد وأفتى به شيخنا في غير موضع.
وكان هديه إذا صالح قوما فانضاف إليهم عدو له سواهم فدخلوا معهم وانضاف اليه آخرون صار حكم من حارب من دخل معه في عقده من الكفار حكم من حاربه وبهذا السبب غزا أهل مكة وبهذا أفتى شيخ الإسلام بغزو نصارى المشرق لما أعانوا عدو المسلمين من التتار على قتالهم وأمدوهم بالمال والسلاح ورأوهم بذلك ناقضين للعهد فكيف إذا أعان أهل الذمة المشركين على حرب المسلمين وكانت تقدم عليه رسل أعدائه وهم على عدواته فلا يهيجهم ولا يقتلهم ولما قدم عليه رسولا مسيلمة فتكلما بما قالا قال لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما فجرت سنته أن لايقتل رسول وكان هديه أن لايحبس الرسول عنده إذا اختار دينه بل يرده كما قال أبو رافع بعثتني قريش إليه فوقع في قلبي الإسلام فقلت يارسول الله لا أرجع فقال إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ارجع إليهم فإن كان في قلبك الذي فيه الآن فارجع قال أبو داود وكان هذا في المدة التي شرط لهم أن يرد اليهم من جاء منهم وأما اليوم فلا يصلح هذا وفي قوله لا أحبس البرد إشعار بأن هذا يختص بالرسل مطلقا أما رده لمن جاء اليه منهم مسلما فهذا إنما يكون مع الشرط وأما الرسل فلهم حكم أخر ومن هديه أن أعداءه إذا عاهدواواحدا من أصحابه على عهد لايضر بالمسلمين بغير رضاه أمضاه كما عاهدوا حذيفة وأباه الحسيل أن لايقاتلاهم معه صلى الله عليه وسلم فأمضى لهم ذلك وقال انصرفوا نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم وصالح قريشا عشر سنين على أن من جاءه مسلما رده ومن جاءهم من عنده لا يردونه واللفظ عام في الرجال والنساء فنسخ الله ذلك في النساء وأمر بامتحانهن فإن علموا أنها مؤمنة لم ترد ويرد مهرها وأمر المسلمين أن يردوا على من ارتدت امرأته إليهم مهرها إذا عاقبوا بأن يجب عليهم رد مهر المهاجرة فيردونه الى من ارتدت امرأته ولا يردونها الى زوجها المشرك فهذا هو العقاب وليس من العذاب في شيء ففيه أن خروج البضع من ملك الزوج متقوم وأنه بالمسمى لابمهر المثل وأن أنكحة الكفار صحيحه وأنه لا يجوز رد المسلمة المهاجرة ولو شرط وأن المسلمة لايحل لها نكاح الكافر وأن المسلم له أن يتزوج المهاجرة إذا اعتدت وأتاها مهرها ففيه أبين دلالة على خروج البضع من ملك الزوج وانفساخ النكاح بالهجره وفيه تحريم نكاح المشركة على المسلم كما حرم نكاح المسلمة على الكافر وهذه أحكام استفيدت من هاتين الآيتين وبعضها مجمع عليه وبعضها مختلف فيه وليس لمن ادعى نسخها حجة فإن الشرط مختص بالرجال ولم يدخلن فنهى عن ردهن وأمر برد المهر وأن يرد على من ارتدت امرأته إليهم المهر الذي أعطاها ثم أخبر ان ذلك حكمه الذي يحكم به بين عباده وأنه صادر عن علمه وحكمته ولم يأت عنه ما ينافيه بعده ولما صالحهم على رد الرجال كان صلى الله عليه وسلم لايمنعهم أن يأخذوا من أتى اليه منهم ولا يكرهه على العود ولا يأمره به وكان إذا قتل منهم أو أخذ مالا وقد فصل عن يده ولما يلحق بهم لم ينكر عليه ذلك ولم يضمنه لهم لأنه ليس تحت قهره ولا أمره بذلك ولم يقتض عقد الصلح الأمان على النفوس والاموال إلا عمن هو تحت قهره كما ضمن لبني جذيمة ما أتلفه خالد وأنكره وتبرأ منه ولما كان خالد متأولا وكان غزوهم بأمره صلى الله عليه وسلم ضمنهم بنصف دياتهم لأجل التأويل والشبهة وأجراهم في ذلك مجرى أهل الكتاب الذين عصموا بالذمة لا بالإسلام ولم يقتض عهد الصلح أن ينصرهم على من حاربهم ممن ليس في قبضته ففيه أن المعاهدين إذا غزاهم من ليس تحت قهر الامام وفي يده وإن كانوا من المسلمين أنه لايجب على الامام ردهم عنهم ولا ضمان ماأتلفوه وأخذ الأحكام المتعلقة بالحرب والمصالح والسياسات من هديه أولى من الآراء وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة عهد جاز لملك آخر لاعهد بينه وبينهم أن يغزوهم كما أفتى به شيخ الاسلام في نصارى ملطية مستدلا بقصة أبي بصير وكذلك صالح أهل خيبر لما ظهر عليهم على أن يجليهم منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والسلاح وشرط أن لا يكتموا مافعلوا فإن فعلوا فلا ذمة لهم فغيبوا مسكا فيه مال لحيي بن أخطب احتمله معه حين أجليت النضير فسأل عم حيي عنه فقال أذهبته النفقات والحروب فقال العهد قريب والمال أكثر من ذلك فدفعه الى الزبير فمسه بعذاب فقال رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا فوجدوه فيها فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق أحدهما زوج صفية بنت حيي وسبى نساءهم وذراريهم وقسم أموالهم بالنكث وأراد أن يجليهم فقالوا دعنا نكون فيها نصلحها فنحن أعلم بها ولم يكن له ولا أصحابه غلمان يكفونهم فدفعها إليهم على الشطر من كل مايخرج منها من ثمر وزرع ولهم الشطر وعلى أن يقرهم فيها ماشاء ولم يعمهم بالقتل كما عم قريظة لاشتراك أولئك في نقض العهد وأما هؤلاء فالذين علموا بالمسك وغيبوه وشرطوا له أنه إن ظهر فلا ذمة لهم قتلهم بشرطهم ولم يعم أهل خيبر فإنه من المعلوم أن جميعهم لم يعلموا بالمسك فهذا نظير الذمي والمعاهد إذا نقض ولم يمالئه عليه غيره ودفع الأرض على النصف دليل ظاهر في جواز المساقات والمزارعة وكون الشجر نخلا لا أثر له البتة فحكم الشيء حكم نظيره فبلد شجرهم الأعناب والتين وغيرهما حكم بلد شجرهم النخل سواء ولا فرق وفيه أنه لايشترط كون البذر من رب الأرض فإنه لم يعطهم بذرا البتة وهذا مقطوع به حتى قال بعض أهل العلم لو قيل باشتراط كونه من العامل لكان أقوى والذين اشترطوه من رب المال ليس معهم حجة أصلا أكثر من القياس على المضاربة وهذا الى أن يكون حجة عليهم أقرب فإن في المضاربة يعود رأس المال الى المالك ويقتسمان الباقي ولو شرط ذلك في المزارعة فسدت عندهم فلم يجروا البذر مجرى رأس المال بل أجروه مجرى سائر البقل وأيضا فإن البذر جار مجرى الماء والمنافع فإن الزرع لايكون به وحده بل لابد من السقي والعمل والبذر يموت وينشئ الله الزرع من أجزاء أخر تكون معه من الماء والريح والشمس والتراب والعمل فحكمه حكم هذه الأجزاء وأيضا فإن الأرض نظير رأس المال وهذا يقتضي أن يكون المزارع أولى بالبذر من رب الأرض تشبيها له بالمضارب فالذي جاءت به السنة هو الموافق للقياس وفيها عقد الهدنة من غير توقيت بل متى شاء الإمام ولم يجئ بعده ما ينسخه البتة لكن لايحاربهم حتى يعلمهم على سواء ليستووا هو وهم في العلم بنقض العهد وفيه جواز تعزيز المتهم بالعقوبة فإنه سبحانه قادر أن يدل رسول صلى الله عليه وسلم على الكنز ولكن أراد أن يسن للأمة عقوبة المتهمين ويوسع لهم طرق الأحكام رحمة بهم وتيسيرا عليهم وفيه الأخذ بالقرائن لقوله العهد قريب والمال أكثر من ذلك وكذلك فعل نبي الله سليمان في تعيين أم الطفل وهو صلى الله عليه وسلم لم يقصها علينا أي قصة سليمان لنتخذها سمرا بل لنعتبر بها في الأحكام بل الحكم بالقسامة وتقديم أيمان مدعي القتل هو من هذا استنادا الى القرائن الظاهرة بل ومنه رجمه الملاعنة إذا التعن الزوج ونكلت عن الالتعان استنادا الى اللوث الظاهر الذي حصل بالتعانه ونكولها ومنه قبول شهادة أهل الكتاب على المسلمين في الوصية في السفر وأن وليي الميت إذا اطلعا على خيانة من الوصيين جاز لهما أن يحلفا ويستحقا ماحلفا عليه وهذا اللوث في الأموال نظير اللوث في الدماء وأولى بالجواز منه وعلى هذا إذا اطلع المسروق ماله على بعضه في يد خائن معروف ولم يتبين أنه اشتراه من غيره جاز له ان يحلف أن بقية ماله عنده وأنه صاحب السرقة استنادا الى اللوث الظاهر نظير حلف أولياء المقتول في القسامة بل أمر الأموال أخف ولذلك ثبتت بشاهد ويمين وشاهد وامرأتين بخلاف الدماء والقرآن والسنة يدلان على هذا وهذا وليس مع من ادعى النسخ حجة اصلا فإنه في سورة المائدة وهي من آخر مانزل وحكم بموجبها الصحابة بعده ومن هذا استدلال شاهد يوسف بالقميص وحكاه الله مقررا له والتأسي بهذا وأمثاله في إقرار الله له لا في مجرد حكايته ولما أقرهم صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في الأرض كان يبعث كل عام من يخرص عليهم الثمار ينظر كم يجنى منها فيضمنهم نصيب المسلمين ويتصرفون فيها وكان يكتفي بخارص واحد ففيه دليل على جواز خرص الثمار البادي صلاحها وعلى جواز قسمة الثمار خرصا على رؤوس النخل ويصير نصيب أحدهما معلوما وإن لم يتميز بعد لمصلحة النماء وعلى أن القسمة إفراز لا بيع وعلى جواز الاكتفاء بخارص واحد وقاسم واحد وعلى أن لمن الثمار في يده أن يتصرف فيها بعد الخرص ويضمن نصيب شريكه زمن عمر ذهب ابنه عبد الله الى ماله بخيبر فعدوا عليه وألقوه من فوق بيت وفكوا يده فأجلاهم عمر الى الشام وقسمها بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية.
فصل هديه في عقد الذمة وأخذ الجزية
وأما هديه في عقد الذمة وأخذ الجزية فلم يأخذ جزية إلا بعد نزول براءة في السنة الثامنة فلمانزلت آية الجزية أخذها من المجوس وأهل الكتاب ولم يأخذها من يهود خيبر فظن من غلط أنه مختص بأهل خيبر وهذا من عدم عمق فقهه فإنه صالحهم قبل نزول آية الجزية ثم أمره الله أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية فلم يدخلوا في ذلك لأن العقد كان قديما بينه وبينهم على إقرارهم وأن يكونوا عمالا في الأرض بالشطر فلم يطالبهم بغيره وطالب سواهم ممن لم يكن له عقد كعقدهم فلما أجلاهم عمر تغير ذلك العقد وصار لهم حكم غيرهم من أهل الكتاب ولما كان في بعض الدول التي خفيت فيها السنة أظهر طائفة منهم كتابا قد عتقوه وزوروه فيه أنه صلى الله عليه وسلم أسقط عن أهل خيبر الجزية وفيه شهادة علي بن أبي طالب وسعد بن معاذ وجماعة من الصحابة فراج على من جهل السنة وظنوا صحته فأجروا حكمه حتى ألقي الى شيخ الاسلام وطلب منه أن يعين على تنفيذه فبصق عليه واستدل على كذبه بعشرة أوجه منها أن سعدا توفي قبل خيبر ومنها أن الجزية لم تكن نزلت بعد ومنها أنه أسقط عنهم الكلف والسخر ولم يكونا في زمنه صلى الله عليه وسلم وإنما هي من وضع الملوك الظلمة واستمر الأمر عليها ومنها أن هذا الكتاب لم يذكره أحد من أهل العلم لا من أهل السير ولا من أهل الحديث ولا غيرهم ولا أظهروه في زمان السلف لعلمهم أنهم يعرفون كذبه فلما خفيت السنة زوروا ذلك وساعدهم طمع بعض الخائنين لله ولرسوله ولم يستمر حتى كشف الله أمره وبين خلفاء الرسل بطلانه وكذبه ولم يأخذ الجزية من عباد الأصنام فقيل لا تؤخذ من كافر غير هؤلاء ومن دان دينهم اقتداء بأخذه وتركه وقيل تؤخذ من عبدة الآصنام من العجم دون العرب والأول قول الشافعي وأحمد في رواية والثاني قول أبي حنيفة وأحمد في أخرى ويقولون لم يأخذها من العرب لأنها فرضت بعد إسلامهم ولم يبق بأرض العرب مشرك ولهذا غزا بعد الفتح تبوك ولو كان بأرض العرب مشركون لكانوا يلونه وكانوا أولى بالغزو من الأبعدين ومن تأمل السير وأيام الإسلام علم أن الأمر كذلك قالوا وقد أخذها من المجوس ولا يصح أن لهم كتابا ورفع ولا فرق بين عباد الأصنام وعباد النار بل أهل الأوثان فيهم من التمسك بدين ابراهيم مالم يكن في عباد النار بل عباد النار أعداء إبراهيم وعلى هذا تدل السنة كما في صحيح مسلم إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى إحدى ثلاث الى آخره وقال المغيرة لعامل كسرى أمرنا نبينا ان نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية وقال صلى الله عليه وسلم لقريش هل لكم في كلمة تدين لكم بها العرب وتؤدي العجم إليكم بها الجزية قالوا ماهي قال لا إله إلا الله وصالح أهل نجران على ألفي حلة وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين من كل صنف من كل أصناف السلاح يغزون بها والمسلمون ضامنون لهم حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيدة أو غدرة على ان لايهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنون عن دينهم مالم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا ففيه دليل على انتقاض عهد أهل الذمة بإحداث الحدث وأكل الربا إذا شرط عليهم ولما وجه معاذا الى اليمن أمره أن يأخذ من كل محتلم دينارا أو قيمته من المعافري وهي ثياب باليمن ففيه أنها غير مقدرة الجنس ولا القدر بل يجوز أن تكون ثيابا وذهبا وحللا وتزيد وتنقص بحسب حاجة المسلمين وحال من تؤخذ منه ولم يفرق صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه في الجزية بين العرب وغيرهم بل أخذها من مجوس هجر وهم عرب فإن العرب كل طائفة منهم تدين بدين من جاورها من الأمم فكانت عرب البحرين مجوسا لمجاورتهم فارس وتنوخ وبهرة وبنو تغلب نصارى لمجاورتهم الروم وكانت قبائل من اليمن يهودا لمجاورتهم ليهود اليمن فلم يعتبر آباءهم ولا متى دخلوا في دين أهل الكتاب وثبت أن من الأنصار من تهود أبناؤهم بعد النسخ بشريعة عيسى فأرادآ باؤهم إكراههم على الإسلام فأنزل الله (لاإكراه في الدين) الآية وقوله خذ من كل حالم دينارا دليل على أنها لا تؤخذ من صبي ولا من امرأة واللفظ الذي روي فيه من كل حالم أو حالمة لايصح وصله وهو منقطع وهذه الزيادة لم يذكرها سائر الرواة ولعلها من تفسير بعضهم.
فصل في هديه مع الكفار والمنافقين من حين بعثته إلى أن لقي الله
أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق وذلك أو نبوته ثم أنزل عليه يا أيها المدثر قم فأنذر فأرسله بها ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين فأنذر قومه ثم أنذر من حوله من العرب قاطبة ثم أنذر العالمين فأقام بضع عشر سنة ينذر بغير قتال ويؤمر بالصبر ثم أذن له في الهجرة ثم أذن له في القتال ثم أمره أن يقاتل من قاتله ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أهل هدنة وأهل حرب وأهل ذمة فأمره أن يفي لأهل الهدنة ما استقاموا فإن خاف نبذ اليهم وأمر أن يقاتل من نقض عهده ونزلت براءة ببيان الأقسام الثلاثة فأمره بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وأمره بجهاد الكفار والمنافقين فجاهد الكفار بالسيف والمنافقين بالحجة وأمر بالبراءة من عهود الكفار وجعلهم ثلاثة أقسام قسم أمره الله بقتالهم وهم الناقضون وقسم لهم عهد موقت لم ينقضوه فأمره بإتمامه الى مدته وقسم لهم عهد مطلق أو لا عهد لهم ولم يحاربوه فأمره أن يؤجلهم أربعة أشهر فإذا انسلخت قاتلهم وهي المدة المذكورة في قوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر وهي الحرم المذكورة في قوله فإذا انسلخ الأشهر الحرم وأولها العاشر من ذي الحجة يوم الأذان وآخرها العاشر من ربيع الآخر وليست الأربعة المذكورة في قوله منها أربعة حرم فإن تلك واحد فرد وثلاثة سرد رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ولم يسير المشركين فيها فإنه لايمكن لأنها غير متوالية وقد أمر بعد انسلاخ الأربعة بقتالهم فقاتل الناقض وأجلى من لاعهد له أو له عهد مطلق أربعة أشهر وأمره أن يتم للموفي عهده إلى مدته فأسلموا كلهم ولم يقيمواعلى كفرهم الى مدتهم وضرب على أهل الذمة الجزية فاستقر أمرهم معه ثلاثة أقسام محاربين وأهل عهد وأهل ذمة ثم صار أهل العهد إلى الإسلام فصاروا قسمين محاربين وأهل ذمة فصار أهل الأرض ثلاثة أقسام مسلم ومسالم وخائف محارب وأما سيرته في المنافقين فأمره أن يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم الى الله وأن يجاهدهم بالحجة ويعرض عنهم ويغلظ عليهم ويبلغ بالقول البليغ الى نفوسهم ونهي أن يصلي عليهم وأن يقوم على قبورهم وأخبره أنه إن استغفر لهم أو لم يستغفر لهم فلن يغفر الله لهم.
فصل فى سيرته مع أوليائه
وأما سيرته مع أوليائه فأمر ان يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وأن لاتعدو عيناه عنهم وأن يعفو عنهم ويستغفر لهم ويشاورهم ويصلي عليهم وأمره بهجر من عصاه وتخلف عنه حتى يتوب كما هجر الثلاثة وأمره أن يقيم الحدود فيهم على الشريف الوضيع وأمره في دفع عدوه من شياطين الإنس أن يدفع بالتي هي أحسن فيقابل الإساءة بالإحسان والجهل بالحلم والظلم بالعفو والقطيعة بالصلة وأخبر أنه إن فعل ذلك عاد العدو كأنه ولي حميم وأمره في دفع عدوه من شياطين الجن بالاستعاذة وجمع له هذين الأمرين في ثلاثة مواضع في الأعراف و المؤمنين و حم السجدة وجمع في آية الأعراف مكارم الأخلاق كلها فإن ولي الأمر له مع الرعية ثلاثة أحوال فعليهم حق يلزمهم له ومن أمر يأمرهم به ولا بد من تفريط وعدوان يقع منهم في حقه فأمر أن يأخذ مما عليهم مما سمحت به أنفسهم وهو العفو وأمر أن يأمرهم بالعرف وهو ما تعرفه العقول السليمة والفطر المستقيمة وأيضا يأمرهم بالعرف لا بالعنف وأمره أن يقابل جهلهم بالاعراض فهذه سيرته مع أهل الأرض جنهم وإنسهم مؤمنهم وكافرهم،
مختصر زاد المعاد لمحمد بن عبد الوهاب
منتدى ميراث الرسول
صلى الله عليه وسلم
وكان يستحب القتال أول النهار كما يستحب الخروج للسفر فإذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر وكان يبايع أصحابه في الحرب على أن لايفروا وربما بايعهم على الموت وبايعهم على الجهاد كما بايعهم على الاسلام وبايعهم على الهجرة وبايعهم علىالتوحيد والتزام طاعة الله ورسوله وبايع نفرا من أصحابه على أن لايسألوا الناس شيئا وكان السوط يسقط من يد أحدهم فينزل له فيأخذه ولا يقول لأحد ناولني إياه وكان يشاور أصحابه في الجهاد ولقاء العدو وتخير المنازل وكان يتخلف في ساقتهم في المسير فيزجي الضعيف ويردف المنقطع وكان أرفق الناس بهم في المسير وإذا أراد غزوة ورى بغيرها ويقول الحرب خدعة وكان يبعث العيون يأتونه بخبر عدوه ويطلع الطلائع ويبث الحرس وإذا لقي عدوه وقف ودعا واستنصر الله وأكثر هو وأصحابه من ذكر الله وخفضوا أصواتهم وكان يرتب الجيش والمقاتلة ويجعل في كل جنبة كفأ لها وكان يبارز بين يديه بأمره وكان يلبس للحرب عدته وربما ظاهر بين درعين وكان له ألوية وكان إذا ظهر على قوم نزل بعرصتهم ثلاثا ثم قفل وكان إذا أراد أن يغير انتظر فإن سمع في الحي أذانا لم يغر وإلا أغار وكان ربما يبيت عدوه وربما فاجأهم نهارا وكان يحب الخروج يوم الخميس بكرة النهار وكان العسكر إذا نزل انضم بعضهم الى بعض حتى لو بسط عليهم كساء لعمهم وكان يرتب الصفوف ويعبئهم للقتال ويقول تقدم يافلان تأخر يافلان وكان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه وكان إذا لقي العدو يقول اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم، وربما قال (سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر)، وكان يقول اللهم أنزل نصرك وكان يقول اللهم أنت عضدي وأنت نصيري بك أقاتل وكان إذا اشتد البأس وقصده العدو يعلم بنفسه ويقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وإذا اشتد البأس اتقوا به وكان أقربهم الى العدو وكان يجعل لأصحابه شعارا في الحرب يعرفون به إذا تكلموا وكان شعاره مرة أمت أمت ومرة يامنصور أمت ومرة حم لاينصرون وكان يلبس الدرع والخوذة ويتقلد السيف ويحمل الرمح والقوس العربية ويتترس بالترس ويحب الخيلاء في الحرب وقال إن منها مايحب الله ومنها ما يبغض الله فأما التي يحبها الله فاختيال الرجل بنفسه عند اللقاء واختياله عند الصدقة وأما التي يبغض الله عز وجل فاختيال الرجل في البغي والفجور وقاتل مرة بالمنجنيق فنصبه مرة على أهل الطائف وكان ينهى عن قتل النساء والولدان ينظر في المقاتلة فمن رآه انبت قتله وإلا استحياه وكان إذا بعث سرية يوصيهم بتقوى الله ويقول سيروا بسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ولاتمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا وكان ينهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو ويأمر أمير السرية أن يدعوا عدوه قبل القتال إما الى الاسلام والهجرة أو الاسلام دون الهجرة ويكونون كأعراب المسلمين ليس لهم نصيب في الفيء أو بذل الجزية فأن هم أجابوا اليه قبل منهم وإلا استعان بالله وقاتلهم وكان إذا ظفر بعدوه أمر مناديا فجمع الغنائم كلها فبدأ بالأسلاب فأعطاها لأهلها ثم أخرج خمس الباقي فوضعه حيث أراه الله وأمره به من مصالح الاسلام ثم يرضخ من الباقي لمن لا سهم له من النساء والصبيان والعبيد ثم قسم الباقي بالسوية بين الجيش للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم هذا هو الصحيح وكان ينفل من صُلب الغنيمة بحسب مايراه من المصلحة وجمع لسلمة بن الأكوع في بعض مغازيه بين سهم الراجل والفارس فأعطاه خمسة لعظم غنائه وكان يسوي بين الضعيف والقوي في القسم ماعدا النفل وكان إذا أغار في ارض العدو وبعث سرية بين يديه فما غنمت أخرج خمسه ونفلها ربع الباقي وقسم الباقي بينها وبين سائر الجيش وإذا رجع فعل ذلك ونفلها الثلث ومع ذلك كان يكره النفل ويقول ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم وكان له سهم من الغنيمة يدعى الصفي إن شاء عبدا وإن شاء فرسا يختاره قبل القسم قالت عائشة كانت صفية منه أي من الصفي رواه ابو داود وكان سيفه ذو الفقار من الصفي وكان يسهم لمن غاب عن الوقعة لمصلحة المسلمين كما أسهم لعثمان من بدر لتمريض ابنته فقال إن عثمان اطلق في حاجة الله وحاجة رسوله فضرب له بسهم وآجره وكانوا يشترون معه في الغزو ويبيعون وهو يراهم ولا ينهاهم وكانوا يستأجرون الأجراء للغزو وذلك على نوعين أحدهما أن يخرج الرجل ويستأجر من يخدمه في سفره الثاني أن يستأجر من يخرج للجهاد ويسمون ذلك الجعائل وفيها قال صلى الله عليه وسلم للغازي أجره وللجاعل أجره وأجر الغازي وكانوا يتشاركون في الغنيمة وهو على نوعين أيضا أحدهما شركة الأبدان والثاني أن يدفع الرجل بعيره الى الرجل أو فرسه يغزو عليه على النصف مما يغنمه حتى ربما اقتسما السهم فأصاب احدهما قدحه والآخر نصله وريشه قال ابن مسعود اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر فجاء سعد بأسيرين ولم أجيء أنا وعمار بشيء وكان يبعث السرية فرسانا تارة ورجالة اخرى ولايسهم لمن قدم من المدد بعد الفتح وكان يعطي سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب دون إخوتهم من عبد شمس ونوفل وقال إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد وشبك بين أصابعه وقال إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام وكان المسلمون يصيبون معه في مغزيهم العسل والعنب والطعام فيأكلونه ولا يرفعونه في المغانم وقيل لابن أبي أوفى هل كنتم تخمسون الطعام فقال أصبنا طاما يوم خيبر فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف وقال بعض الصحابة كنا نأكل الجوز في الغزو ولا نقسمه حتى إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأجربتنا منه مملوءة وكان ينهى عن النهبة والمثلة وقال من انتهب نهبة فليس منا وكان ينهى أن يركب الرجل دابة من الفيء فإذا أعجفها ردها فيه وأن يلبس الرجل ثوبا من الفيء حتى إذا أخلقه رده فيه ولم يمنع من الانتفاع به حال الحرب وكان يشدد في الغلول جدا يمنع من الانتفاع به حال الحرب وكان يشدد في الغلول جدا ويقول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة ولما أصيب غلامه مدعم قال بعض الصحابة هنيئا له الجنة فقال كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فجاء رجل بشراك أو شراكين لما سمع ذلك فقال شراك أو شراكان من نار وقال لمن كان على ثقله وقد مات هو في النار فذهبوا ينظرون فوجدوا عباءة قد غلها وقالوا في بعض غزواتهم فلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا وفلان شهيد فقال كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ثم قال ياابن الخطاب اذهب فناد في الناس انه لايدخل الجنة إلا المؤمنون ثلاثا وكان إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسها ويقسمها فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعت بلالا ينادي فقال نعم قال فما منعك ألا تجيء به فاعتذر فقال كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك وأمر بتحريق متاع الغال وضربه وحرقه الخليفتان بعده فقيل منسوخ للأحاديث التي ذكرت ولم يجيء التحريق فيها وقيل وهو الصواب إنه من باب التعزير والعقوبات المالية الراجعة الى اجتهاد الأئمة بحسب المصلحة كقتل شارب الخمر في الثالثة والرابعة.
فصل في هديه الله صلى الله عليه وسلم في الأسارى
كان يمن على بعضهم ويقتل بعضهم ويفادي بعضهم بالمال وبعضهم بأسرى المسلمين فعل ذلك كله بحسب المصلحة واستأذنه الأنصار أن يتركوا لعمه العباس فداءه فقال لاتدعوا منه درهما ورد سبي هوازن عليهم بعد القسمة واستطاب قلوب الغانمين فطيبوا له وعوض من لم يطيب من ذلك بكل إنسان ست فرائض وذكر احمد عن ابن عباس أن بعضهم لم يكن له مال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدائهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة فدل هذا على جواز الفداء بالعمل والصواب الذي عليه هديه وهدي أصحابه استرقاق العرب ووطء إمائهن بملك اليمين من غير اشتراط الاسلام وكان يمنع التفريق في السبي بين الوالدة وولدها ويعطي أهل البيت جميعا كراهة أن يفرق بينهم وثبت عنه أنه قتل جاسوسا من المشركين ولم يقتل حاطبا لما جس عليه وذكر شهوده بدرا فاستدل به من لايرى قتل المسلم الجاسوس واستدل به من يرى قتله كمالك وابن عقيل من أصحاب أحمد وغيرهما قالوا لأنه علل بعلة مانعة من القتل منتفية في غيره ولو كان الإسلام مانعا من قتله لم يعلل بأخص منه لأن الحكم إذا علل بالأعم كان الأخص عديم التأثير وهذا أقوى وكان هديه عتق عبيد المشركين إذا خرجوا الى المسلمين وأسلموا وكان من هديه أن من أسلم على شيء في يده فهو له ولم يكن يرد على المسلمين أعيان أموالهم التي أخذها الكفار منهم قهرا بعد إسلامهم.
فصل تقسيم أرض بني قريضة وبني النضير ونصف خيبر بين الغانمين
وثبت أنه قسم أرض بني قريضة وبني النضير ونصف خيبر بين الغانمين وعزل نصف خيبر لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس ولم يقسم مكة فقالت طائفة لأنها دار النسك فهي وقف من الله على عباده وقالت طائفة الإمام مخير في الأرض بين قسمتها وبين وقفها لفعله صلى الله عليه وسلم قالوا والأرض لاتدخل في الغنائم المأمور بقسمتها بل الغنائم هي الحيوان والمنقول لأن الله لم يحلها لغير هذه الأمة وأحل لهم ديار الكفار وأرضهم كقوله تعالى في ديار فرعون وقومه وأرضهم وأورثناها بني إسرائيل والنبي صلى الله عليه وسلم قسم من الأرض وترك وعمر لم يقسم بل ضرب عليها خراجا مستمرا للمقاتلة فهذا معنى وقفها ليس معناه الوقف الذي يمنع من نقل الملك بل يجوز بيعها كما هو عمل الأمة وقد أجمعوا على أنها تورث ونص احمد على جواز جعلها صداقا والوقف إنما امتنع بيعه لما في ذلك من إبطال حق البطون الموقوف عليهم والمقاتلة حقهم في خراج الأرض فلا يبطل بالبيع ونظيره بيع رقبة المكاتب وقد انعقد فيه سبب الحرية بالكتابة فإنه ينتقل الى المشتري مكاتبا كما كان عند البائع ومنع صلى الله عليه وسلم من إقامة المسلم بين المشركين إذا قدر على الهجرة وقال أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قيل يارسول الله ولم قال لاترآى ناراهما وقال من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله وقال لاتنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها وقال ستكون هجرة بعد هجرة فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم عليه السلام ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم ويحشرهم الله مع القردة والخنازير.
فصل في هديه في الأمان والصلح ومعاملة رسل الكفار
هديه صلى الله عليه وسلم في الأمان والصلح ومعاملة رسل الكفار وأخذ الجزية ومعاملة أهل الكتاب والمنافقين ووفائه بالعهد.
ثبت عنه أنه قال ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لايقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا وثبت عنه أنه قال من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشهدها حتى يمضي أمده أو ينبذ إليهم على سواء وقال من أمن رجلا على نفسه فقتله فأنا بريء من القاتل ويذكر عنه مانقض قوم العهد إلا أديل عليهم العدو ولما قدم المدينة صار الكفار معه ثلاثة أصناف قسم صالحهم على أن لايحاربوه ولا يولوا عليه عدوه وقسم حاربوه وقسم لم يصالحوه ولم يحاربوه بل انتظروا مايؤول اليه أمره ثم من هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره في الباطن ومنهم من يحب ظهور عدوه عليه ومنهم من دخل معه في الظاهر وهو عدوه في الباطن فعامل كل طائفة بما أمره الله به فصالح يهود المدينة فحاربته قينقاع بعد بدر وشرقوا بوقعتها وأظهروا البغي والحسد ثم نقض بنو النضير فغزاهم وحصرهم وقطع نخلهم وحرقه ثم نزلوا على أن يخرجوا من المدينة ولهم ما حملت الابل إلا السلاح وذكر الله قصتهم في سورة الحشر ثم نقضت قريظة وهم أغلظ اليهود كفرا ولذلك جرى عليهم مالم يجر على إخوانهم فهذا كله في يهود المدينة وكانت غزوة كل طائفة منهم عقب غزوة من الغزوات الكبار فبنو قينقاع بعد بدر وبنو النضير عقب أحد وقريظة عقب الخندق وكان هديه إذا صالح قوما فنقض بعضهم عهده وصلحه وأقرهم الباقون ورضوا به غزا الجميع كما فعل بقريظة والنضير وأهل مكة فهذه سنته في أهل العهد وعلى هذا ينبغي أن يجري الحكم في أهل الذمة كما صرح به أصحاب أحمد وغيرهم وخالف أصحاب الشافعي فخصوا نقض العهد بمن نقضه خاصة دون من رضي به وأقر عليه وفرقوا بينهما بأن عقد الذمة آكد والأول أصوب وبهذا أفتينا ولي الأمر لما أحرق النصارى أموال المسلمين بالشام وعلم بذلك من علم منهم وواطؤوا عليه ولم يعلموا به ولي الأمر وأن حده القتل حتما ولا يخير الإمام فيه كالأسير بل صار القتل له حدا والإسلام لا يسقط القتل إذا كان حدا ممن هو تحت الذمة ملتزما أحكام الملة بخلاف الحربي إذا أسلم فهذا له حكم والذمي الناقض له حكم آخر وهذا الذي تقتضيه نصوص أحمد وأفتى به شيخنا في غير موضع.
وكان هديه إذا صالح قوما فانضاف إليهم عدو له سواهم فدخلوا معهم وانضاف اليه آخرون صار حكم من حارب من دخل معه في عقده من الكفار حكم من حاربه وبهذا السبب غزا أهل مكة وبهذا أفتى شيخ الإسلام بغزو نصارى المشرق لما أعانوا عدو المسلمين من التتار على قتالهم وأمدوهم بالمال والسلاح ورأوهم بذلك ناقضين للعهد فكيف إذا أعان أهل الذمة المشركين على حرب المسلمين وكانت تقدم عليه رسل أعدائه وهم على عدواته فلا يهيجهم ولا يقتلهم ولما قدم عليه رسولا مسيلمة فتكلما بما قالا قال لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما فجرت سنته أن لايقتل رسول وكان هديه أن لايحبس الرسول عنده إذا اختار دينه بل يرده كما قال أبو رافع بعثتني قريش إليه فوقع في قلبي الإسلام فقلت يارسول الله لا أرجع فقال إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ارجع إليهم فإن كان في قلبك الذي فيه الآن فارجع قال أبو داود وكان هذا في المدة التي شرط لهم أن يرد اليهم من جاء منهم وأما اليوم فلا يصلح هذا وفي قوله لا أحبس البرد إشعار بأن هذا يختص بالرسل مطلقا أما رده لمن جاء اليه منهم مسلما فهذا إنما يكون مع الشرط وأما الرسل فلهم حكم أخر ومن هديه أن أعداءه إذا عاهدواواحدا من أصحابه على عهد لايضر بالمسلمين بغير رضاه أمضاه كما عاهدوا حذيفة وأباه الحسيل أن لايقاتلاهم معه صلى الله عليه وسلم فأمضى لهم ذلك وقال انصرفوا نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم وصالح قريشا عشر سنين على أن من جاءه مسلما رده ومن جاءهم من عنده لا يردونه واللفظ عام في الرجال والنساء فنسخ الله ذلك في النساء وأمر بامتحانهن فإن علموا أنها مؤمنة لم ترد ويرد مهرها وأمر المسلمين أن يردوا على من ارتدت امرأته إليهم مهرها إذا عاقبوا بأن يجب عليهم رد مهر المهاجرة فيردونه الى من ارتدت امرأته ولا يردونها الى زوجها المشرك فهذا هو العقاب وليس من العذاب في شيء ففيه أن خروج البضع من ملك الزوج متقوم وأنه بالمسمى لابمهر المثل وأن أنكحة الكفار صحيحه وأنه لا يجوز رد المسلمة المهاجرة ولو شرط وأن المسلمة لايحل لها نكاح الكافر وأن المسلم له أن يتزوج المهاجرة إذا اعتدت وأتاها مهرها ففيه أبين دلالة على خروج البضع من ملك الزوج وانفساخ النكاح بالهجره وفيه تحريم نكاح المشركة على المسلم كما حرم نكاح المسلمة على الكافر وهذه أحكام استفيدت من هاتين الآيتين وبعضها مجمع عليه وبعضها مختلف فيه وليس لمن ادعى نسخها حجة فإن الشرط مختص بالرجال ولم يدخلن فنهى عن ردهن وأمر برد المهر وأن يرد على من ارتدت امرأته إليهم المهر الذي أعطاها ثم أخبر ان ذلك حكمه الذي يحكم به بين عباده وأنه صادر عن علمه وحكمته ولم يأت عنه ما ينافيه بعده ولما صالحهم على رد الرجال كان صلى الله عليه وسلم لايمنعهم أن يأخذوا من أتى اليه منهم ولا يكرهه على العود ولا يأمره به وكان إذا قتل منهم أو أخذ مالا وقد فصل عن يده ولما يلحق بهم لم ينكر عليه ذلك ولم يضمنه لهم لأنه ليس تحت قهره ولا أمره بذلك ولم يقتض عقد الصلح الأمان على النفوس والاموال إلا عمن هو تحت قهره كما ضمن لبني جذيمة ما أتلفه خالد وأنكره وتبرأ منه ولما كان خالد متأولا وكان غزوهم بأمره صلى الله عليه وسلم ضمنهم بنصف دياتهم لأجل التأويل والشبهة وأجراهم في ذلك مجرى أهل الكتاب الذين عصموا بالذمة لا بالإسلام ولم يقتض عهد الصلح أن ينصرهم على من حاربهم ممن ليس في قبضته ففيه أن المعاهدين إذا غزاهم من ليس تحت قهر الامام وفي يده وإن كانوا من المسلمين أنه لايجب على الامام ردهم عنهم ولا ضمان ماأتلفوه وأخذ الأحكام المتعلقة بالحرب والمصالح والسياسات من هديه أولى من الآراء وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة عهد جاز لملك آخر لاعهد بينه وبينهم أن يغزوهم كما أفتى به شيخ الاسلام في نصارى ملطية مستدلا بقصة أبي بصير وكذلك صالح أهل خيبر لما ظهر عليهم على أن يجليهم منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والسلاح وشرط أن لا يكتموا مافعلوا فإن فعلوا فلا ذمة لهم فغيبوا مسكا فيه مال لحيي بن أخطب احتمله معه حين أجليت النضير فسأل عم حيي عنه فقال أذهبته النفقات والحروب فقال العهد قريب والمال أكثر من ذلك فدفعه الى الزبير فمسه بعذاب فقال رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا فوجدوه فيها فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق أحدهما زوج صفية بنت حيي وسبى نساءهم وذراريهم وقسم أموالهم بالنكث وأراد أن يجليهم فقالوا دعنا نكون فيها نصلحها فنحن أعلم بها ولم يكن له ولا أصحابه غلمان يكفونهم فدفعها إليهم على الشطر من كل مايخرج منها من ثمر وزرع ولهم الشطر وعلى أن يقرهم فيها ماشاء ولم يعمهم بالقتل كما عم قريظة لاشتراك أولئك في نقض العهد وأما هؤلاء فالذين علموا بالمسك وغيبوه وشرطوا له أنه إن ظهر فلا ذمة لهم قتلهم بشرطهم ولم يعم أهل خيبر فإنه من المعلوم أن جميعهم لم يعلموا بالمسك فهذا نظير الذمي والمعاهد إذا نقض ولم يمالئه عليه غيره ودفع الأرض على النصف دليل ظاهر في جواز المساقات والمزارعة وكون الشجر نخلا لا أثر له البتة فحكم الشيء حكم نظيره فبلد شجرهم الأعناب والتين وغيرهما حكم بلد شجرهم النخل سواء ولا فرق وفيه أنه لايشترط كون البذر من رب الأرض فإنه لم يعطهم بذرا البتة وهذا مقطوع به حتى قال بعض أهل العلم لو قيل باشتراط كونه من العامل لكان أقوى والذين اشترطوه من رب المال ليس معهم حجة أصلا أكثر من القياس على المضاربة وهذا الى أن يكون حجة عليهم أقرب فإن في المضاربة يعود رأس المال الى المالك ويقتسمان الباقي ولو شرط ذلك في المزارعة فسدت عندهم فلم يجروا البذر مجرى رأس المال بل أجروه مجرى سائر البقل وأيضا فإن البذر جار مجرى الماء والمنافع فإن الزرع لايكون به وحده بل لابد من السقي والعمل والبذر يموت وينشئ الله الزرع من أجزاء أخر تكون معه من الماء والريح والشمس والتراب والعمل فحكمه حكم هذه الأجزاء وأيضا فإن الأرض نظير رأس المال وهذا يقتضي أن يكون المزارع أولى بالبذر من رب الأرض تشبيها له بالمضارب فالذي جاءت به السنة هو الموافق للقياس وفيها عقد الهدنة من غير توقيت بل متى شاء الإمام ولم يجئ بعده ما ينسخه البتة لكن لايحاربهم حتى يعلمهم على سواء ليستووا هو وهم في العلم بنقض العهد وفيه جواز تعزيز المتهم بالعقوبة فإنه سبحانه قادر أن يدل رسول صلى الله عليه وسلم على الكنز ولكن أراد أن يسن للأمة عقوبة المتهمين ويوسع لهم طرق الأحكام رحمة بهم وتيسيرا عليهم وفيه الأخذ بالقرائن لقوله العهد قريب والمال أكثر من ذلك وكذلك فعل نبي الله سليمان في تعيين أم الطفل وهو صلى الله عليه وسلم لم يقصها علينا أي قصة سليمان لنتخذها سمرا بل لنعتبر بها في الأحكام بل الحكم بالقسامة وتقديم أيمان مدعي القتل هو من هذا استنادا الى القرائن الظاهرة بل ومنه رجمه الملاعنة إذا التعن الزوج ونكلت عن الالتعان استنادا الى اللوث الظاهر الذي حصل بالتعانه ونكولها ومنه قبول شهادة أهل الكتاب على المسلمين في الوصية في السفر وأن وليي الميت إذا اطلعا على خيانة من الوصيين جاز لهما أن يحلفا ويستحقا ماحلفا عليه وهذا اللوث في الأموال نظير اللوث في الدماء وأولى بالجواز منه وعلى هذا إذا اطلع المسروق ماله على بعضه في يد خائن معروف ولم يتبين أنه اشتراه من غيره جاز له ان يحلف أن بقية ماله عنده وأنه صاحب السرقة استنادا الى اللوث الظاهر نظير حلف أولياء المقتول في القسامة بل أمر الأموال أخف ولذلك ثبتت بشاهد ويمين وشاهد وامرأتين بخلاف الدماء والقرآن والسنة يدلان على هذا وهذا وليس مع من ادعى النسخ حجة اصلا فإنه في سورة المائدة وهي من آخر مانزل وحكم بموجبها الصحابة بعده ومن هذا استدلال شاهد يوسف بالقميص وحكاه الله مقررا له والتأسي بهذا وأمثاله في إقرار الله له لا في مجرد حكايته ولما أقرهم صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في الأرض كان يبعث كل عام من يخرص عليهم الثمار ينظر كم يجنى منها فيضمنهم نصيب المسلمين ويتصرفون فيها وكان يكتفي بخارص واحد ففيه دليل على جواز خرص الثمار البادي صلاحها وعلى جواز قسمة الثمار خرصا على رؤوس النخل ويصير نصيب أحدهما معلوما وإن لم يتميز بعد لمصلحة النماء وعلى أن القسمة إفراز لا بيع وعلى جواز الاكتفاء بخارص واحد وقاسم واحد وعلى أن لمن الثمار في يده أن يتصرف فيها بعد الخرص ويضمن نصيب شريكه زمن عمر ذهب ابنه عبد الله الى ماله بخيبر فعدوا عليه وألقوه من فوق بيت وفكوا يده فأجلاهم عمر الى الشام وقسمها بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية.
فصل هديه في عقد الذمة وأخذ الجزية
وأما هديه في عقد الذمة وأخذ الجزية فلم يأخذ جزية إلا بعد نزول براءة في السنة الثامنة فلمانزلت آية الجزية أخذها من المجوس وأهل الكتاب ولم يأخذها من يهود خيبر فظن من غلط أنه مختص بأهل خيبر وهذا من عدم عمق فقهه فإنه صالحهم قبل نزول آية الجزية ثم أمره الله أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية فلم يدخلوا في ذلك لأن العقد كان قديما بينه وبينهم على إقرارهم وأن يكونوا عمالا في الأرض بالشطر فلم يطالبهم بغيره وطالب سواهم ممن لم يكن له عقد كعقدهم فلما أجلاهم عمر تغير ذلك العقد وصار لهم حكم غيرهم من أهل الكتاب ولما كان في بعض الدول التي خفيت فيها السنة أظهر طائفة منهم كتابا قد عتقوه وزوروه فيه أنه صلى الله عليه وسلم أسقط عن أهل خيبر الجزية وفيه شهادة علي بن أبي طالب وسعد بن معاذ وجماعة من الصحابة فراج على من جهل السنة وظنوا صحته فأجروا حكمه حتى ألقي الى شيخ الاسلام وطلب منه أن يعين على تنفيذه فبصق عليه واستدل على كذبه بعشرة أوجه منها أن سعدا توفي قبل خيبر ومنها أن الجزية لم تكن نزلت بعد ومنها أنه أسقط عنهم الكلف والسخر ولم يكونا في زمنه صلى الله عليه وسلم وإنما هي من وضع الملوك الظلمة واستمر الأمر عليها ومنها أن هذا الكتاب لم يذكره أحد من أهل العلم لا من أهل السير ولا من أهل الحديث ولا غيرهم ولا أظهروه في زمان السلف لعلمهم أنهم يعرفون كذبه فلما خفيت السنة زوروا ذلك وساعدهم طمع بعض الخائنين لله ولرسوله ولم يستمر حتى كشف الله أمره وبين خلفاء الرسل بطلانه وكذبه ولم يأخذ الجزية من عباد الأصنام فقيل لا تؤخذ من كافر غير هؤلاء ومن دان دينهم اقتداء بأخذه وتركه وقيل تؤخذ من عبدة الآصنام من العجم دون العرب والأول قول الشافعي وأحمد في رواية والثاني قول أبي حنيفة وأحمد في أخرى ويقولون لم يأخذها من العرب لأنها فرضت بعد إسلامهم ولم يبق بأرض العرب مشرك ولهذا غزا بعد الفتح تبوك ولو كان بأرض العرب مشركون لكانوا يلونه وكانوا أولى بالغزو من الأبعدين ومن تأمل السير وأيام الإسلام علم أن الأمر كذلك قالوا وقد أخذها من المجوس ولا يصح أن لهم كتابا ورفع ولا فرق بين عباد الأصنام وعباد النار بل أهل الأوثان فيهم من التمسك بدين ابراهيم مالم يكن في عباد النار بل عباد النار أعداء إبراهيم وعلى هذا تدل السنة كما في صحيح مسلم إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى إحدى ثلاث الى آخره وقال المغيرة لعامل كسرى أمرنا نبينا ان نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية وقال صلى الله عليه وسلم لقريش هل لكم في كلمة تدين لكم بها العرب وتؤدي العجم إليكم بها الجزية قالوا ماهي قال لا إله إلا الله وصالح أهل نجران على ألفي حلة وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين من كل صنف من كل أصناف السلاح يغزون بها والمسلمون ضامنون لهم حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيدة أو غدرة على ان لايهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنون عن دينهم مالم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا ففيه دليل على انتقاض عهد أهل الذمة بإحداث الحدث وأكل الربا إذا شرط عليهم ولما وجه معاذا الى اليمن أمره أن يأخذ من كل محتلم دينارا أو قيمته من المعافري وهي ثياب باليمن ففيه أنها غير مقدرة الجنس ولا القدر بل يجوز أن تكون ثيابا وذهبا وحللا وتزيد وتنقص بحسب حاجة المسلمين وحال من تؤخذ منه ولم يفرق صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه في الجزية بين العرب وغيرهم بل أخذها من مجوس هجر وهم عرب فإن العرب كل طائفة منهم تدين بدين من جاورها من الأمم فكانت عرب البحرين مجوسا لمجاورتهم فارس وتنوخ وبهرة وبنو تغلب نصارى لمجاورتهم الروم وكانت قبائل من اليمن يهودا لمجاورتهم ليهود اليمن فلم يعتبر آباءهم ولا متى دخلوا في دين أهل الكتاب وثبت أن من الأنصار من تهود أبناؤهم بعد النسخ بشريعة عيسى فأرادآ باؤهم إكراههم على الإسلام فأنزل الله (لاإكراه في الدين) الآية وقوله خذ من كل حالم دينارا دليل على أنها لا تؤخذ من صبي ولا من امرأة واللفظ الذي روي فيه من كل حالم أو حالمة لايصح وصله وهو منقطع وهذه الزيادة لم يذكرها سائر الرواة ولعلها من تفسير بعضهم.
فصل في هديه مع الكفار والمنافقين من حين بعثته إلى أن لقي الله
أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق وذلك أو نبوته ثم أنزل عليه يا أيها المدثر قم فأنذر فأرسله بها ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين فأنذر قومه ثم أنذر من حوله من العرب قاطبة ثم أنذر العالمين فأقام بضع عشر سنة ينذر بغير قتال ويؤمر بالصبر ثم أذن له في الهجرة ثم أذن له في القتال ثم أمره أن يقاتل من قاتله ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أهل هدنة وأهل حرب وأهل ذمة فأمره أن يفي لأهل الهدنة ما استقاموا فإن خاف نبذ اليهم وأمر أن يقاتل من نقض عهده ونزلت براءة ببيان الأقسام الثلاثة فأمره بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وأمره بجهاد الكفار والمنافقين فجاهد الكفار بالسيف والمنافقين بالحجة وأمر بالبراءة من عهود الكفار وجعلهم ثلاثة أقسام قسم أمره الله بقتالهم وهم الناقضون وقسم لهم عهد موقت لم ينقضوه فأمره بإتمامه الى مدته وقسم لهم عهد مطلق أو لا عهد لهم ولم يحاربوه فأمره أن يؤجلهم أربعة أشهر فإذا انسلخت قاتلهم وهي المدة المذكورة في قوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر وهي الحرم المذكورة في قوله فإذا انسلخ الأشهر الحرم وأولها العاشر من ذي الحجة يوم الأذان وآخرها العاشر من ربيع الآخر وليست الأربعة المذكورة في قوله منها أربعة حرم فإن تلك واحد فرد وثلاثة سرد رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ولم يسير المشركين فيها فإنه لايمكن لأنها غير متوالية وقد أمر بعد انسلاخ الأربعة بقتالهم فقاتل الناقض وأجلى من لاعهد له أو له عهد مطلق أربعة أشهر وأمره أن يتم للموفي عهده إلى مدته فأسلموا كلهم ولم يقيمواعلى كفرهم الى مدتهم وضرب على أهل الذمة الجزية فاستقر أمرهم معه ثلاثة أقسام محاربين وأهل عهد وأهل ذمة ثم صار أهل العهد إلى الإسلام فصاروا قسمين محاربين وأهل ذمة فصار أهل الأرض ثلاثة أقسام مسلم ومسالم وخائف محارب وأما سيرته في المنافقين فأمره أن يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم الى الله وأن يجاهدهم بالحجة ويعرض عنهم ويغلظ عليهم ويبلغ بالقول البليغ الى نفوسهم ونهي أن يصلي عليهم وأن يقوم على قبورهم وأخبره أنه إن استغفر لهم أو لم يستغفر لهم فلن يغفر الله لهم.
فصل فى سيرته مع أوليائه
وأما سيرته مع أوليائه فأمر ان يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وأن لاتعدو عيناه عنهم وأن يعفو عنهم ويستغفر لهم ويشاورهم ويصلي عليهم وأمره بهجر من عصاه وتخلف عنه حتى يتوب كما هجر الثلاثة وأمره أن يقيم الحدود فيهم على الشريف الوضيع وأمره في دفع عدوه من شياطين الإنس أن يدفع بالتي هي أحسن فيقابل الإساءة بالإحسان والجهل بالحلم والظلم بالعفو والقطيعة بالصلة وأخبر أنه إن فعل ذلك عاد العدو كأنه ولي حميم وأمره في دفع عدوه من شياطين الجن بالاستعاذة وجمع له هذين الأمرين في ثلاثة مواضع في الأعراف و المؤمنين و حم السجدة وجمع في آية الأعراف مكارم الأخلاق كلها فإن ولي الأمر له مع الرعية ثلاثة أحوال فعليهم حق يلزمهم له ومن أمر يأمرهم به ولا بد من تفريط وعدوان يقع منهم في حقه فأمر أن يأخذ مما عليهم مما سمحت به أنفسهم وهو العفو وأمر أن يأمرهم بالعرف وهو ما تعرفه العقول السليمة والفطر المستقيمة وأيضا يأمرهم بالعرف لا بالعنف وأمره أن يقابل جهلهم بالاعراض فهذه سيرته مع أهل الأرض جنهم وإنسهم مؤمنهم وكافرهم،
مختصر زاد المعاد لمحمد بن عبد الوهاب
منتدى ميراث الرسول
صلى الله عليه وسلم