بّسم الله الرّحمن الرّحيم
غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
وسراياه
غزوة بني النضيرثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بني النضير في شهر ربيع الأول سنة أربع على رأس سبعة وثلاثين شهراً من مهاجره، وكانت منازل بني النضير بناحية الغرس وما والاها مقبرة بني خطمة اليوم فكانوا حلفاء لبني عامر.
قالوا: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم السبت فصلى في مسجد قباء ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار ثم أتى بني النضير فكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري فقالوا: نفعل يا أبا القاسم ما أحببت. وخلا بعضهم ببعض وهموا بالغدر به. وقال عمرو بن جحاش بن كعب بن بسيل النضري: أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرةً، فقال سلام بن مشكم: لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه. وجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الخبر بما هموا فنهض سريعاً كأنه يريد حاجةً، فتوجه إلى المدينة ولحقه أصحابه فقالوا: أقمت ولم نشعر ؟ قال: همت يهود بالغدر فأخبرني الله بذلك فقمت. وبعث إليهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، محمد بن مسلمة أن أخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشراً. فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه، فمكثوا على ذلك أياماً يتجهزون وأرسلوا إلى ظهر لهم بذي الجدر وتكاروا من ناس من أشجع إبلاً، فأرسل إليهم ابن أبي: لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصنكم فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون معكم حصنكم فيموتون عن آخرهم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، فطمع حيي فيما قال ابن أبي فأرسل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك. فأظهر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، التكبير وكبر المسلمون لتكبيره وقال: حاربت يهود، فصار إليهم النبي، صلى الله عليه وسلم، في أصحابه فصلى العصر بفضاء بني النضير وعلي، رضي الله عنه، يحمل رايته، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فلما رأوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قاموا على حصونهم معهم النبل والحجارة واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم، وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان فأيسوا من نصرهم، فحاصرهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم فقالوا: نحن نخرج عن بلادك، فقال: لا أقبله اليوم ولكن أخرجوا منها ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة. فنزلت يهود على ذلك، وكان حاصرهم خمسة عشر يوماً، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم، ثم أجلاهم عن المدينة وولى إخراجهم محمد ابن مسلمة، وحملوا النساء والصبيان وتحملوا على ستمائة بعير، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هؤلاء في قومهم بمنزلة بني المغيرة في قريش، فلحقوا بخيبر وحزن المنافقون عليهم حزناً شديداً، وقبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الأموال والحلقة فوجد من الحلقة خمسين درعاً وخمسين بيضة وثلاثمائة سيف وأربعين سيفاً. وكانت بنو النضير صفياً لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، خالصةً له حبساً لنوائبه ولم يخمسها ولم يسهم منها لأحد، وقد أعطى ناساً من أصحابه ووسع في الناس منها، فكان ممن أعطي ممن سمي لنا من المهاجرين أبو بكر الصديق بئر حجر وعمر بن الخطاب بئر جرم وعبد الرحمن بن عوف سوالة وصهيب بن سنان الضراطة والزبير بن العوام وأبو سلمة بن عبد الأسد البويلة وسهل بن حنيف وأبو دجانة مالاً يقال له مال ابن خرشة.
أخبرنا محمد بن حرب المكي وهاشم بن القاسم الكناني قالا: أخبرنا الليث بن سعد عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حرق نخل النضير، وهي البويرة، فأنزل الله تعالى: ( مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلى أُصُولِهَا ).
أخبرنا هوذة بن خليفة، أخبرنا عوف عن الحسن: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما أجلى بني النضير قال: امضوا فإن هذا أول الحشر وأنا على الأثر.
غزوة بدر الموعد
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بدر الموعد وهي غير بدر القتال وكانت لهلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهراً من مهاجره.
قالوا: لما أراد أبو سفيان بن حرب أن ينصرف يوم أحد نادى: الموعد بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي بها فنقتتل. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لعمر بن الخطاب: قل نعم إن شاء الله. فافترق الناس على ذلك ثم رجعت قريش فخبروا من قبلهم بالموعد وتهيؤوا للخروج. فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فقال له أبو سفيان: إني قد وأعدت محمداً وأصحابه أن نلتقي ببدر، وقد جاء ذلك الوقت، وهذا عام جدب وإنما يصلحنا عام خصب غيداق وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجترىء علينا فنجعل لك عشرين فريضةً يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد، قال: نعم. ففعلوا وحملوه على بعير فأسرع السير فقدم المدينة فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد ! فنصر الله المسلمين وأذهب عنهم الرعب. فاستخلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المدينة عبد الله بن رواحة وحمل لواءه علي بن أبي طالب وسار في المسلمين، وهم ألف وخمسمائة، وكانت الخيل عشرة أفراس، وخرجوا ببضائع لهم وتجارات، وكانت بدر الصفراء مجتمعاً يجتمع فيه العرب وسوقاً تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان تخلو منه ثم يتفرق الناس إلى بلادهم، فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة وقامت السوق صبيحة الهلال فأقاموا بها ثمانية أيام وباعوا ما خرجوا به من التجارات فربحوا للدرهم درهماً وانصرفوا، وقد سمع الناس بسيرهم، وخرج أبو سفيان بن حرب من مكة في قريش وهم ألفان ومعهم خمسون فرساً حتى انتهوا إلى مجنة، وهي مر الظهران، ثم قال: ارجعوا فإنه لا يصلحنا إلا عام خصب غيداق نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب فإني راجع فارجعوا. فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق، يقولون: خرجوا يشربون السويق. وقدم معبد بن أبي معبد الخزاعي مكة بخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وموافاته بدراً في أصحابه فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان: قد نهيتك يومئذ أن تعد القوم وقد اجترؤوا علينا ورأوا أن قد أخلفناهم ثم أخذوا في الكيد والنفقة والتهيؤ لغزوة الخندق.
أخبرنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن مجاهد: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم، قال هذا أبو سفيان، قال يوم أحد: يا محمد موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا ! فقال محمد، صلى الله عليه وسلم: عسى ! فانطلق النبي، صلى الله عليه وسلم، لموعده حتى نزلوا بدراً فوافقوا السوق، فذلك قول الله تبارك وتعالى: ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ). والفضل ما أصابوا من التجارة، وهي غزوة بدر الصغرى.
غزوة ذات الرقاع
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذات الرقاع في المحرم على رأس سبعة وأربعين شهراً من مهاجره، قالوا: قدم قادم المدينة بجلب له فأخبر أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن أنماراً وثعلبة قد جمعوا لهم الجموع؛ فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربعمائة من أصحابه، ويقال سبعمائة. فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع، ومر جبل فيه بقع حمرة وسواد وبياض قريب من النخيل بين السعد والشقرة، فلم يجد في محالهم أحداً إلا نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة، وهربت الأعراب إلى رؤوس الجبال، وحضرت الصلاة فخاف المسلمون أن يغيروا عليهم فصلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلاة الخوف فكان ذلك أول ما صلاها. وانصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، راجعاً إلى المدينة فابتاع من جابر بن عبد الله في سفره ذلك جمله بأوقية وشرط له ظهره إلى المدينة وسأله عن دين أبيه وأخبره به، فاستغفر له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في تلك الليلة خمساً وعشرين مرةً وبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جعال بن سراقة بشيراً إلى المدينة بسلامته وسلامة المسلمين، وقدم صراراً يوم الأحد لخمس ليال بقين من المحرم، وصرار على ثلاثة أميال من المدينة، وهي بئر جاهلة على طريق العراق، وغاب خمس عشرة ليلة.
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا أبان بن يزيد وحدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال: أقبلنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بذات الرقاع كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معلق بشجرة فأخذه فاخترطه وقال لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: أتخافني ؟ قال: لا. قال: فمن يمنعك مني ؟ قال: الله يمنعني منك ! قال: فتهدده أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأغمد السيف وعلقه. قال: فنودي بالصلاة. قال: فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا. وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أربع ركعات وللقوم ركعتان.
غزوة دومة الجندل
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دومة الجندل في شهر ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهراً من مهاجره. قالوا: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن بدومة الجندل جمعاً كثيراً وأنهم يظلمون من مر بهم من الضافطة وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة، وهي طرف من أفواه الشأم بينها وبين دمشق خمس ليال، وبينها وبين المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلةً، فندب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وخرج لخمس ليال بقين من شهر ربيع الأول في ألف من المسلمين فكان يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل له من بني عذرة يقال له مذكور، فلما دنا منهم إذا هم مغربون، وإذا آثار النعم والشاء فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب في كل وجه، وجاء الخبر أهل دومة فتفرقوا ونزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بساحتهم فلم يجد بها أحداً فأقام بها أياماً وبث السرايا وفرقها فرجعت ولم تصب منهم أحداً، وأخذ منهم رجل فسأله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عنهم فقال: هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم، فعرض عليه الإسلام فأسلم ورجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة ولم يلق كيداً لعشر ليال بقين من شهر ربيع الآخر. وفي هذه الغزاة وادع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عيينة بن حصن أن يرعى بتغلمين وما والاه إلى المراض، وكان ما هناك قد أخصب وبلاد عيينة قد أجدبت، وتغلمين من المراض على ميلين، والمراض على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة على طريق الربذة.
غزوة المريسيع
وهى غزوة بنى المصطلق
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المريسيع في شعبان سنة خمس من مهاجره.
قالوا: إن بنى المصطلق من خزاعة، هم من حلفاء بني مدلج وكانوا ينزلون على بئر لهم يقال لها المريسيع، بينها وبين الفرع نحو من يوم، وبين الفرع والمدينة ثمانية برد، وكان رأسهم وسيدهم الحارث بن أبي ضرار فسار في قومه ومن قدر عليه من العرب فدعاهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجابوه وتهيؤوا للمسير معه إليه، فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي يعلم علم ذلك، فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره خبرهم فندب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس إليهم فأسرعوا الخروج وقادوا الخيول وهي ثلاثون فرساً في المهاجرين منها عشرة، وفي الأنصار عشرون، وخرج معه بشر كثير من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قط مثلها، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة وكان معه فرسان لزاز والظرب. وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان. وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنه قد قتل عينه الذي كان وجهه ليأتيه بخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسيء بذلك الحارث ومن معه وخافوا خوفاً شديداً وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المريسيع وهو الماء فاضطرب عليه قبته، ومعه عائشة وأم سلمة، فتهيؤوا للقتال وصف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر الصديق، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة، فرموا بالنبل ساعةً ثم أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه فحملوا حملة رجل واحد، فما أفلت منهم إنسان وقتل عشرة منهم وأسر سائرهم وسبى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد، وكان ابن عمر يحدث أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أغار عليهم وهم غارون ونعمهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم، والأول أثبت، وأمر بالأسارى فكتفوا واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب وأمر بالغنائم فجمعت واستعمل عليها شقران مولاه، وجمع الذرية ناحيةً واستعمل على مقسم الخمس وسهمان المسلمين محمية بن جزء، واقتسم السبي وفرق وصار في أيدي الرجال، وقسم النعم والشاء فعدلت الجزور بعشر من الغنم وبيعت الرثة في من يزيد، وأسهم للفرس سهمان ولصاحبه سهم وللراجل سهم، وكانت الإبل ألفي بعير والشاء خمسة آلاف شاة، وكان السبي مائتي أهل بيت وصارت جويرية بنت الحارث ابن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عم له فكاتباها على تسع أواقي ذهب فسألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في كتابتها وأداها عنها وتزوجها، وكانت جارية حلوة، ويقال: جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق، ويقال: جعل صداقها عتق أربعين من قومها، وكان السبي منهم من من عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بغير فداء، ومنهم من افتدي فافتديت المرأة والذرية بست فرائض، وقدموا المدينة ببعض السبي فقدم عليهم أهلوهم فافتدوهم فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها، وهو الثبت عندنا، وتنازع سنان بن وبر الجهني حليف بني سالم من الأنصار وجهجاه بن سعيد الغفاري على الماء فضرب جهجاه سناناً بيده فنادى سنان: يا للأنصار ! ونادى جهجاه: يا لقريش ! يا لكنانة ! فأقبلت قريش سراعاً وأقبلت الأوس والخزرج وشهروا السلاح، فتكلم في ذلك ناس من المهاجرين والأنصار حتى ترك سنان حقه وعفا عنه واصطلحوا، فقال عبد الله ابن أبي: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل؛ ثم أقبل على من حضر من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم؛ وسمع ذلك زيد بن أرقم فأبلغ النبي، صلى الله عليه وسلم، قوله فأمر بالرحيل وخرج من ساعته وتبعه الناس، فقدم عبد الله بن عبد الله بن أبي الناس حتى وقف لأبيه على الطريق، فلما رآه أناخ به وقال: لا أفارقك حتى تزعم أنك الذليل ومحمد العزيز، فمر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: دعه فلعمري لنحسنن صحبته ما دام بين أظهرنا ! وفي هذه الغزاة سقط عقد لعائشة فاحتبسوا على طلبه، فنزلت آية التيمم فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. وفي هذه الغزاة كان حديث عائشة وقول أهل الإفك فيها. قال: وأنزل الله، تبارك وتعالى، براءتها. وغاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في غزاته هذه ثمانية وعشرين يوماً وقدم المدينة لهلال شهر رمضان. ثمانية وعشرين يوماً وقدم المدينة لهلال شهر رمضان.
كتاب غزوات الرسول وسراياه
المؤلف : ابن سعد
منتدى ميراث الرسول . البوابة
غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
وسراياه
غزوة بني النضير
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بني النضير في شهر ربيع الأول سنة أربع على رأس سبعة وثلاثين شهراً من مهاجره، وكانت منازل بني النضير بناحية الغرس وما والاها مقبرة بني خطمة اليوم فكانوا حلفاء لبني عامر.
قالوا: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم السبت فصلى في مسجد قباء ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار ثم أتى بني النضير فكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري فقالوا: نفعل يا أبا القاسم ما أحببت. وخلا بعضهم ببعض وهموا بالغدر به. وقال عمرو بن جحاش بن كعب بن بسيل النضري: أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرةً، فقال سلام بن مشكم: لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه. وجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الخبر بما هموا فنهض سريعاً كأنه يريد حاجةً، فتوجه إلى المدينة ولحقه أصحابه فقالوا: أقمت ولم نشعر ؟ قال: همت يهود بالغدر فأخبرني الله بذلك فقمت. وبعث إليهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، محمد بن مسلمة أن أخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشراً. فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه، فمكثوا على ذلك أياماً يتجهزون وأرسلوا إلى ظهر لهم بذي الجدر وتكاروا من ناس من أشجع إبلاً، فأرسل إليهم ابن أبي: لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصنكم فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون معكم حصنكم فيموتون عن آخرهم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، فطمع حيي فيما قال ابن أبي فأرسل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك. فأظهر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، التكبير وكبر المسلمون لتكبيره وقال: حاربت يهود، فصار إليهم النبي، صلى الله عليه وسلم، في أصحابه فصلى العصر بفضاء بني النضير وعلي، رضي الله عنه، يحمل رايته، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فلما رأوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قاموا على حصونهم معهم النبل والحجارة واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم، وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان فأيسوا من نصرهم، فحاصرهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم فقالوا: نحن نخرج عن بلادك، فقال: لا أقبله اليوم ولكن أخرجوا منها ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة. فنزلت يهود على ذلك، وكان حاصرهم خمسة عشر يوماً، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم، ثم أجلاهم عن المدينة وولى إخراجهم محمد ابن مسلمة، وحملوا النساء والصبيان وتحملوا على ستمائة بعير، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هؤلاء في قومهم بمنزلة بني المغيرة في قريش، فلحقوا بخيبر وحزن المنافقون عليهم حزناً شديداً، وقبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الأموال والحلقة فوجد من الحلقة خمسين درعاً وخمسين بيضة وثلاثمائة سيف وأربعين سيفاً. وكانت بنو النضير صفياً لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، خالصةً له حبساً لنوائبه ولم يخمسها ولم يسهم منها لأحد، وقد أعطى ناساً من أصحابه ووسع في الناس منها، فكان ممن أعطي ممن سمي لنا من المهاجرين أبو بكر الصديق بئر حجر وعمر بن الخطاب بئر جرم وعبد الرحمن بن عوف سوالة وصهيب بن سنان الضراطة والزبير بن العوام وأبو سلمة بن عبد الأسد البويلة وسهل بن حنيف وأبو دجانة مالاً يقال له مال ابن خرشة.
أخبرنا محمد بن حرب المكي وهاشم بن القاسم الكناني قالا: أخبرنا الليث بن سعد عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حرق نخل النضير، وهي البويرة، فأنزل الله تعالى: ( مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلى أُصُولِهَا ).
أخبرنا هوذة بن خليفة، أخبرنا عوف عن الحسن: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما أجلى بني النضير قال: امضوا فإن هذا أول الحشر وأنا على الأثر.
غزوة بدر الموعد
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بدر الموعد وهي غير بدر القتال وكانت لهلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهراً من مهاجره.
قالوا: لما أراد أبو سفيان بن حرب أن ينصرف يوم أحد نادى: الموعد بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي بها فنقتتل. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لعمر بن الخطاب: قل نعم إن شاء الله. فافترق الناس على ذلك ثم رجعت قريش فخبروا من قبلهم بالموعد وتهيؤوا للخروج. فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فقال له أبو سفيان: إني قد وأعدت محمداً وأصحابه أن نلتقي ببدر، وقد جاء ذلك الوقت، وهذا عام جدب وإنما يصلحنا عام خصب غيداق وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجترىء علينا فنجعل لك عشرين فريضةً يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد، قال: نعم. ففعلوا وحملوه على بعير فأسرع السير فقدم المدينة فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد ! فنصر الله المسلمين وأذهب عنهم الرعب. فاستخلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المدينة عبد الله بن رواحة وحمل لواءه علي بن أبي طالب وسار في المسلمين، وهم ألف وخمسمائة، وكانت الخيل عشرة أفراس، وخرجوا ببضائع لهم وتجارات، وكانت بدر الصفراء مجتمعاً يجتمع فيه العرب وسوقاً تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان تخلو منه ثم يتفرق الناس إلى بلادهم، فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة وقامت السوق صبيحة الهلال فأقاموا بها ثمانية أيام وباعوا ما خرجوا به من التجارات فربحوا للدرهم درهماً وانصرفوا، وقد سمع الناس بسيرهم، وخرج أبو سفيان بن حرب من مكة في قريش وهم ألفان ومعهم خمسون فرساً حتى انتهوا إلى مجنة، وهي مر الظهران، ثم قال: ارجعوا فإنه لا يصلحنا إلا عام خصب غيداق نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب فإني راجع فارجعوا. فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق، يقولون: خرجوا يشربون السويق. وقدم معبد بن أبي معبد الخزاعي مكة بخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وموافاته بدراً في أصحابه فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان: قد نهيتك يومئذ أن تعد القوم وقد اجترؤوا علينا ورأوا أن قد أخلفناهم ثم أخذوا في الكيد والنفقة والتهيؤ لغزوة الخندق.
أخبرنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن مجاهد: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم، قال هذا أبو سفيان، قال يوم أحد: يا محمد موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا ! فقال محمد، صلى الله عليه وسلم: عسى ! فانطلق النبي، صلى الله عليه وسلم، لموعده حتى نزلوا بدراً فوافقوا السوق، فذلك قول الله تبارك وتعالى: ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ). والفضل ما أصابوا من التجارة، وهي غزوة بدر الصغرى.
غزوة ذات الرقاع
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذات الرقاع في المحرم على رأس سبعة وأربعين شهراً من مهاجره، قالوا: قدم قادم المدينة بجلب له فأخبر أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن أنماراً وثعلبة قد جمعوا لهم الجموع؛ فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربعمائة من أصحابه، ويقال سبعمائة. فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع، ومر جبل فيه بقع حمرة وسواد وبياض قريب من النخيل بين السعد والشقرة، فلم يجد في محالهم أحداً إلا نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة، وهربت الأعراب إلى رؤوس الجبال، وحضرت الصلاة فخاف المسلمون أن يغيروا عليهم فصلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلاة الخوف فكان ذلك أول ما صلاها. وانصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، راجعاً إلى المدينة فابتاع من جابر بن عبد الله في سفره ذلك جمله بأوقية وشرط له ظهره إلى المدينة وسأله عن دين أبيه وأخبره به، فاستغفر له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في تلك الليلة خمساً وعشرين مرةً وبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جعال بن سراقة بشيراً إلى المدينة بسلامته وسلامة المسلمين، وقدم صراراً يوم الأحد لخمس ليال بقين من المحرم، وصرار على ثلاثة أميال من المدينة، وهي بئر جاهلة على طريق العراق، وغاب خمس عشرة ليلة.
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا أبان بن يزيد وحدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال: أقبلنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بذات الرقاع كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معلق بشجرة فأخذه فاخترطه وقال لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: أتخافني ؟ قال: لا. قال: فمن يمنعك مني ؟ قال: الله يمنعني منك ! قال: فتهدده أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأغمد السيف وعلقه. قال: فنودي بالصلاة. قال: فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا. وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أربع ركعات وللقوم ركعتان.
غزوة دومة الجندل
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دومة الجندل في شهر ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهراً من مهاجره. قالوا: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن بدومة الجندل جمعاً كثيراً وأنهم يظلمون من مر بهم من الضافطة وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة، وهي طرف من أفواه الشأم بينها وبين دمشق خمس ليال، وبينها وبين المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلةً، فندب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وخرج لخمس ليال بقين من شهر ربيع الأول في ألف من المسلمين فكان يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل له من بني عذرة يقال له مذكور، فلما دنا منهم إذا هم مغربون، وإذا آثار النعم والشاء فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب في كل وجه، وجاء الخبر أهل دومة فتفرقوا ونزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بساحتهم فلم يجد بها أحداً فأقام بها أياماً وبث السرايا وفرقها فرجعت ولم تصب منهم أحداً، وأخذ منهم رجل فسأله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عنهم فقال: هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم، فعرض عليه الإسلام فأسلم ورجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة ولم يلق كيداً لعشر ليال بقين من شهر ربيع الآخر. وفي هذه الغزاة وادع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عيينة بن حصن أن يرعى بتغلمين وما والاه إلى المراض، وكان ما هناك قد أخصب وبلاد عيينة قد أجدبت، وتغلمين من المراض على ميلين، والمراض على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة على طريق الربذة.
غزوة المريسيع
وهى غزوة بنى المصطلق
وهى غزوة بنى المصطلق