بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
أالأذكياء لابن الجوزي
الباب التاسع
في سياق المنقول من ذلك عن الخلفاء
رضي الله عنهم
قال مؤلف الكتاب قد ذكرنا طرفاً عن أبي بكر الصديق وعمر وعلي والحسن والحسين ومعاوية وابن الزبير ونحن نذكر طرفا مما نقل إلينا عمن بعدهم من الخلفاء والله الموفق.
● فمن المنقول عن عبد الملك بن مروان أخبرنا ابن أخي الأصمعي عن عمه قال وجه عبد الملك بن مروان عامر الشعبي إلى ملك الروم في بعض الأمر له فاستكثر الشعبي فقال له من أهل بيت الملك أنتَ قال لا فلما أراد الرجوع إلى عبد الملك حمله رقعة لطيفة وقال إذا رجعت إلى صاحبك أبلغته جميع ما يحتاج إلى معرفته من ناحيتنا فادفع إليه هذه الرقعة فلما صار الشعبي إلى عبد الملك ذكر ما أحتاج إلى ذكره ونهض من عنده فلما خرج ذكر الرقعة فرجع فقال يا أمير المؤمنين أنه حملني إليك رقعة نسيتها حتى خرجت وكانت في آخر ما حملني فدفعها إليه ونهض فقرأها عبد الملك قال فأمر برده فقال أعلمت ما في هذه الرقعة قال فيها عجبت من العرب كيف ملكت غير هذا أفتدري لم كتب إلي بمثل هذا فقال لا فقال حسدني عليك فأراد أن يغريني بقتلك فقال الشعبي لو كان رآك يا أمير المؤمنين ما تسكثرني فبلغ ذلك ملك الروم ففكر في عبد الملك فقال لله أبوه والله ما أردت إلا ذلك! ومن المنقول عن هشام بن عبد الملك قال هشام لمؤدب ولده إذا سمعت منه الكلمة العوراء في المجلس بين جماعة فلا تؤنبه لتخجله وعسى أن ينصر خطاه فيكون نصر للخطأ أقبح من ابتدائه به ولكن احفظها عليه فإذا خلا فرده عنها ومن المنقول عن السفاح أخبرنا سعيد الباهلي عن أبيه قال حدثني من حضر مجلس السفاح وهو أحسد ما كان لبني هاشم والشيعة ووجوه الناس فدخل عبد الله بن حسين بن حسن ومعه مصحف فقال يا أمير المؤمنين أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف فأشفق الناس أن يجعل السفاح بشيء إليه ولا يريدون ذلك في شيخ بنى هاشم أو يعيا لجوابه فيكون ذلك نقصاً عليه وعارا فأقبل إليه غير مغضب ولا منزعج فقال أن جدك علياً كان خيراً مني وأعدل ولي هذا الأمر فأعطى جديك الحسن والحسين وكانا خيراً منك شيئاً وكان الواجب أن أعطيك مثله فإن كنت فعلت فقد أنصفتك وإن كنت زدتك فما هذا جزائي منك فما رد عبد الله إليه جواباً وانصرف والناس يعجبون من جوابه له.
● وروى ثعلب عن ابن الأعرابي قال أول خطبة خطبها السفاح في قرية يقال لها العباسية فلما صار إلى موضع الشهادة من الخطبة قال رجل من آل أبي طالب في عنقه مصحف فقال أذكرك الله الذي ذكرته إلا أنصفتني من خصمي وحكمت بيني وبينه بما في هذا المصحف فقال له ومن ظلمك قال أبو بكر الذي منع فاطمة فدكا قال وهل كان بعده أحد قال نعم من قال عمر قال على ظلمكم قال نعم قال وهل كان بعده أحد قال نعم قال من قال عثمان قال وأقام على ظلمكم قال نعم قال وهل كان بعده أحد قال نعم قال علي قال وأقام على ظلمكم قال فاسكت الرجل وجعل يلتفت إلى ورائه يطلب مخلصاً فقال له والله الذي لا إله إلا هو لولا أنه أول مقام قمته ثم لم أكن تقدمت إليك في هذا قبل لأخذت الذي فيه يعناك أقعد وأقبل على الخطبة! ومن المنقول عن المنصور قال إسماعيل بن محمد قال دخل ابن هرمة على أبي جعفر فانشده فقال سل حاجتك قال تكتب إلى عاملك بالمدينة متى وجدني سكران لا يحدني قال هذا حد ولا سبيل إلى إبطاله قال مالي حاجة غير ذلك قال أكتب إلى عاملنا بالمدينة من أتاك بابن هرمة وهو سكران فاجلده ثمانين واجلد الذي جاء به مائة قالة فكان الشرطة يعمرون به وهو سكران فيقول من يشتري ثمانين بمائة فيمرون ويتركونه وبلغنا عن المنصور أنه جلس في إحدى قباب مدينته فرأى رجلاً ملهوفاً مهموماً يجول في الطرقات فأرسل من أتاه به سأله عن حاله فأخبره الرجل أنه خرج في تجارة فأفاد مالاً وأنه رجع بالمال إلى منزله فدفعه إلى أهله فذكرت امرأته أن المال سرق من بيتها ولم تر نقباً ولا تسليقاً فقال له المنصور منذ كم تزوجتها قال منذ سنة قال أفبكروا تزوجتها قال لا قال فلها ولد من سواك قالا قال فشبابة هي أم مسنة قال بل حديثة فدعا له المنصور بقارورة طيب كان تخذه له حاد الرائحة غريب النوع فدفعها إليه وقال له تطيب من هذا الطيب فإنه يذهب همك فلما خرج الرجل من عند المنصور قال المنصور قال المنصور لأربعة من ثقاته ليقعد على كل باب من أبواب المدينة واحد منكم فمن مر بكم فشممتم منه رائحة هذا الطيب وأشمهم منه فليأتني به وخرج الرجل بالطيب فدفعه إلى امرأته وقال لها وهبه لي أمير المؤمنين فلما شمته بعثت إلى رجل كانت تحبه وقد كانت دفعت المال إليه فقالت له تطيب من هذا الطيب فإن أمير المؤمنين وهبه لزوجي فتطيب منه الرجل ومن مجتاز ببعض أبواب المدينة فشم الموكل بالباب رائحة الطيب منه فأخذه مجتازاً ببعض أبواب المدينة فشم الموكل بالباب رائحة الطيب منه فأخذه فأتى به المنصور فقال له المنصور من أين استفدت هذا الطيب فإن رائحته غريبة معجبة قال اشتريته قال أخبرنا ممن اشتريته فتلجلج الرجل وخلط كلامه فدعا المنصور صاحب شرطته فقال له خذ هذا الرجل إليك فإن أحضر كذا وكذا من الدنانير فخله يذهب حيث شاء وأن امتنع فاضربه ألف سوط من غير مؤامرة فلما خرج من عنده دعا صاحب شرطته فقال هول عليه وجرده ولا تقدمن بضربه حتى تؤامرني فخرج صاحب شرطته فلما جرده وسجنه أذعن برد الدنانير وأحضرها بهيئتها فاعلم المنصور بذلك فدعا صاحب الدنانير فقال له رأيتك إن رددت عليك الدنانير بهيئتها أتحكمني في امرأتك قال نعم قال فهذه دنانيرك وقد طلقت المرأة عليك وخبره خبرها عن يعقوب بن جعفر أنه قال ومما يعرف ويؤثر من ذكاء المنصور أنه دخل مدينة فقال للربيع اطلب لي رجلاً يعرفني دور الناس فإني أحب أن أعرف ذلك فجاء برجل يعرفه إلا أنه لا يبدؤه حتى يسأله المنصور فلما فارقه أمر له بألف درهم فطالب بها الرجل الربيع فقال ما قال لي شيئاً وأنا أهب لك ألفاً من عندي وسيركب فاذكر فركب معه فجعل يعرفه الدور ولا يرى موضعاً للكلام فلما أراد المنصور أن يفارقه قال له الرجل شعر:
واراك تفعل ما تقول وبعضم ● مدق اللسان يقول ما لا يفعل
ثم إنه أراد الإمضاء فضحك وقال يا ربيع أعطه الألف درهم الذي وعدته وألفاً آخر وعن مبارك الطبري قال سمعت أبا عبيد الله تقول خلا أبو جعفر يوماً مع يزيد بن أبي أسيد فقال يا يزيد بن أبي أسيد فقال يا يزيد ما ترى في قتل أبي مسلم فقال أرى أن تقتله وتقرب إلى الله بدنة فوالله لا يصفوا ملكك ولا تهنأ بعيش ما بقي فنفر مني بقرة ظننت أنه سيأتي على ثم قال قطع الله لسانك واشمت بك عدوك أتشير علي بقتل انصر الناس لنا وأثقلهم على عدونا أما والله لولا حفظي لما سلف منك وأن أعدها هفوة من هفواتك لضربت عنقك قم لا أقام الله رجليك قال فقمت وقد أظلم بصري وتمنيت أن تسيخ الأرض بي فلما كان بعد قتله قال لي يا يزيد أتذكر يوم شاورتك قلت نعم قال فوالله لقد كان ذلك رأياً وما لا شك فيه ولكن خشيت أن يظهر منك فتفسد مكيدتي ومن المنقول عن المهدي عن القاسم بن محمد بن خلاد عن علي بن صالح قال كنت عند المهدي ودخل عليه شريك بن عبد الله القاضي فأراد أن يبخره فقال الخادم بالعود الذي يلهى به فوضعه في حجر شريك فقال شريك ما هذا يا أمير المؤمنين قال هذا أخذه صاحب العسس البارحة فأحببت أن يكون كسره على يد القاضي فقال جزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين فكسره ثم أفاضوا في حديث حتى نسى الأمر ثم قال المهدي لشريك ما تقول في رجل أمر وكيلاً له أن يأتي بشيء بعينه فأتى بغيره فتلف ذلك الشيء فقال يضمن يا أمير المؤمنين فقال للخادم أضمن ما تلف بقضيته.
● ومن المنقول عن محمد بن الفضل قال أخبرنا بعض أهل الأدب عن حسن الوصيف قال قعد المهدي قعوداً عاماً للناس فدخل رجل وفي يده نعل ملفوفة في منديل فقال يا أمير المؤمنين هذه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهديتها لك فقال هاتها فدفعها إليه فقبل باطنها ووضعها على عينيه وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم فلما أخذها وانصرف قال لجلسائه أترون أني لم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرها فضلاً عن أن يكون لبسها ولو كذبناه قال للناس أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها على وكان من يصدقه أكثر ممن يدفع خبره إذا كان من شأن العامة ميلها إلى أشكالها والنصرة للضعيف على القوى وإن كان ظالماً اشترينا لسانه وقبلنا هديته وصدقنا قوله ورأينا الذي فعلنا انجح وارجح ومن المنقول عن المأمون رحمه الله قال المبرد حدثني عمارة بن عقيل قال ابن أبي حفصة الشاعر أعلمت أن أمير المؤمنين يعنى المأمون لا يبصر الشعر فقلت من ذا يكون أفرس منه وأنا لننشداول البيت فيسبق آخره من غير أن يكون سمعه قال فإني أنشدته بيتا أجدت فيه فلم أره تحرك له وهذا البيت فاسمعه.
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا بالدين والناس بالدنيا مشاغيل فقلت له ما زدته على أن جعلته عجوزا في محرابها في يدها مسبحة فمن يقوم بأمر الدنيا إذا كان مشغولاً عنها وهو المطوق لها إلا قلت كما قال عمك جرير لعبد العزيز بن الوليد.
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ● ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله
● قال مؤلف الكتاب وبلغنا أن حسنا اللؤلؤي كان يحدث المأمون والمأمون يومئذ أمير فنعس المأمون فقال له اللؤلؤي نمت أيها الأمير فاستيقظ المأمون وقال سوقى والله يا غلام خذ بيده قال مؤلف الكتاب قلت وإنما قال ذلك لأن هؤلاء إنما يريدون الحديث ليناموا عليه فكان إيقاظه غفلة عما يراد من الحديث وسوء أدب ومن المنقول عن المعتضد بالله عن أبي عبد الله محمد بن حمدون قال لي المعتضد بالله ليلة وقد قدم له عشاء لقمني وكان الذي قدم له فراريج ودراريج فلقمته من صدر فروج فقال لا لقمني من فخذه فلقمته لقماً ثم قال هات من الدراريج فلقمته من أفخاذها فقال ويلك هوذا تتنادر علي هات من صدورها فقلت يا مولاي ركبت القياس فضحك فقلت إلى كم أضحكك ولا تضحكني قال فشل المطرح وخذ ما تحته قال فشلته فإذا دينار واحد فقلت آخذها قال نعم فقلت بالله هو ذا تتنادر أنت الساعة على خليفة يجيز نديمه بدينار فقال ويلك لا أحد لك في بيت المال حقاً أكثر من هذا ولا تسمح نفسي أن أعطيك من مالي شيئاً ولكن هو ذا احتال لك بحيلة تأخذ فيها خمسة آلاف دينار فقبلت يده فقال إذا كان غد وجاءني القاسم يعني ابن عبيد الله فهو ذا إسارك خبر تقع عيني عليه سراراً طويلاً التفت فيه إليك كالمغضب وأنظر أنت إليه من خلال ذلك كالمتخالس لي نظر المترائي فإذا خرجت خاطبك جميل وأخذك إلى دعوته ويسألك عن حالك فاشك الفقر والخلة وقلة حظك مني وثقل ظهرك بالدين والعيال وخذ ما يعطيك واطلب كل ما تقع عينك عليه فإنه لا يمنعك حتى تستوفي الخمسة آلاف دينار فإذا أخذتها فيسألك عما جرى بيننا فاصدقه وإياك أن تكذبه وعرفه أن ذاك حيلة مني عليه حتى وصل إليك هذا وحدثه كله بالحديث كله على شرحه وليكن أخبارك إياه بذلك بعد امتناع شديد وإخلاف منه بالطلاق والعتاق أن تصدقه وبعد أن تخرج من داره كل ما يعطيك إياه تجعله في بيتك فلما كان الغد حضر القاسم فحين رآه ابتدأ يسارني وجرت القصة على ما وضعني عليه فخرجت فإذا القاسم في الدهليز ينتظرني فقال يا أبا محمد ما هذا الجفاء لا تجيئني ولا تزورني ولا تسألني حاجة فاعتذرت إليه باتصال الخدمة علي ما يقنعني إلا أن تزورني اليوم وتتفرج فقلت أنا خادم الوزير فأخذني إلى طيارة وجعل يسألني عن حلي وأخباري وأشكو إليه الخلة والإضاقة والدين والبنات وجفاء الخليفة وإمساك يده ويتوجع ويقول يا هذا مالي لك ولن نضيف عليك ما يتسع على أن نجاوزك نعمة حصلت لي لو عرفتني لعاونتك على إزالة هذا كله عنك فشكرته وبلغنا داره فصعد ولم ينظر في شيء وقال هذا يوم احتاج أن اختص فيه بالسرور بأبي محمد فلا يقطعني أحد عنه وأمر كتابه بالتشاغل بالأعمال ولها بي في دار الخلوة وجعل يحادثني ويبسطني وقدمت الفاكهة فجعل يلقمني بيده وجاء الطعام فكان هذا سبيله فلما جلس للشرب وقع لي بثلاثة آلاف دينار فأخذتها للوقت وأحضر ثياباً وطيباً ومركوباً فأخذت ذلك كله وما بين يدي صينية فضة فيها مغسل فضة وخردادي بلوروكوز وقدح بلور فأمر بحمله إلى طيارتي وأقبلت كلما رأيت شيئاً حسناً له قيمة وافرة طلبته وحمل إلى فرشا نفسياً وقال هذا للبنات فلما تقوض أهل المجلس خلا بي وقال يا أبا محمد أنت عالم بحقوق أبي عليك ومودتي لك فقلت أنا خادم الوزير فقال أريد أن أسألك عن شيء وتحلف لي أنك تصدقني عنه فقلت السمع والطاعة فأحلفني بالله وبالطلاق والعتاق على الصدق ثم قال لي بأي شيء سارك الخليفة اليوم في أمري فصدقته عن كل ما جرى حرفاً بحرف فقال فرجت عني ولكون هذا هكذا مع سلامة نيته أسهل على فشكرته وانصرفت إلى بيتي فلما كان من الغد باكرت المعتضد بالله فقال هات حديثك فسقته عليه فقال احفظ الدنانير ولا يقع لك أني أعمل مثلها بسرعة.
● أنبأنا أبو بكر بن محمد بن عبد الباقي عن القاسم علي بن المحسن عن أبيه قال بلغني أن المعتضد بالله كان يوماً جالساً في بيت يبنى له يشاهد الصناع فرأى في جملتهم غلاماً أسود منكر الخلقة شديد المزح يصعد على السلاليم مرقاتين مرقاتين ويحمل ضعف ما يحملونه فأنكر أمره فأحضره وسأله عن سبب ذلك فلجلج فقال لابن حمدون وكان حاضراً أي شيء يقع لك في أمره فقال ومن هذا حتى صرفت فكرك إليه ولعله لا عيال له فهو خالي القلب قال ويحك قد خمنت في أمره تخميناً ما أحسبه باطلاً إما أن يكون معه دنانير قد ظفر بها دفعة من غير وجهها أو يكون لصاً يتستر بالعلم في الطين فلاحاه ابن حمدون في ذلك فقال علي بالأسود فأحضر، وقال مقارع فضربه نحو مائة مقرعة وقرره وحلف أن لم يصدقه ضرب عنقه وأحضر السيف والنطع فقال الأسود لي الأمان فقال لك الأمان إلا ما يجب عليك فيه من حد فلم يفهم ما قال له وظن أنه قد أمنه فقال أنا كنت أعمل في اتاتين الآجر سنين وكنت منذ شهور هناك جالساً فاجتاز بي رجل في وسطه هميان فتبعه فجاء إلى بعض الأتاتين فجلس وهو لا يعلم مكاني فحل الهميان وأخرج منه ديناراً فتأملته فإذا كله دنانير فثاورته وكتفته وسددت فاه وأخذت الهميان وحملته على كتفي وطرحته في نقرة الأتون وطينته فلما كان بعد ذلك أخرجت عظامه فطرحتها في دجلة والدنانير معي يقوي بها قلبي فأمر المعتضد من أحضر الدنانير من منزله وإذاً على الهميان مكتوب لفلان بن فلان فنودي في البلدة باسمه فجاءت امرأة قال هذا زوجي ولي منه هذا الطفل خرج في وقت كذا ومعه هميان فيه ألف دينار فغاب إلى الآن فسلم الدنانير إليها وأمرها أن تعتد وضرب عنق الأسود وأمر أن تحمل جثته إلى الأتون.
● قال المحسن وبلغني أن المعتضد بالله قام في الليل لحاجة فرأى بعض الغلمان المردان قد نهض من ظهر غلام أمرد ودب على أربعته حتى اندس بين الغلمان فجاء المعتضد فجعل يضع يده على فؤاد واحد بعد واحد إلى أن وضع يده على فؤاد ذلك الفاعل فإذا به يخفق خفقاناً شديداً فركزه برجله فقعد واستدعى آلات العقوبة فاقر فقتله قال المحسن وبلغنا عن المعتضد بالله أن خادماً من خدمه جاء يوماً فأخبره أنه كان قائماً على شاطئ الدجلة في دار الخليفة فرأى صياداً وقد طرح شبكته فثقلت بشيء فجذبها فأخرجها فإذا فيها جراب وأنه قدره مالاً فأخذه وفتحه فإذا فيه آجر وبين الآجر كف مخضوبة بحناء قال فأحضر الجراب والكف والأجر فهال المعتضد ذلك وقال قل للصياد يعاود طرح الشبكة فوق الموضع وأسفله وما قاربه قال ففعل فخرج جراب آخر فيه رجل قال فطلبوا فلم يخرج شيء آخر فاغتم المعتضد فقال معي في البلد من يقتل إنساناً ويقطع أعضاؤه ويفرقه ولا أعرف به ما هذا ملك قال وأقام يومه كله ما طعم طعاماً فلما كان من الغد أحضر ثقة له وأعطاه الجراب فارغاً وقال له طف به على كل من يعمل الجرب ببغداد فإن عرفه منهم رجل فسله على من باعه فإذا دلك عليه فسله المشتري من اشتراه منه على خبره أحدا قال فغاب الرجل وجاءه بعد ثلاثة أيام فزعم أنه لم يزل في الدباغين وأصحاب الجرب إلى أن عرف صانعه وسأل عنه فذكر أنه باعه على عطار بسوق يحيى وأنه مضى إلى العطار وعرضه عليه فقال ويحك كيف وقع هذا الجراب في يدك فقلت أو تعرفه فقال نعم اشترى منى فلان الهاشمي منذ ثلاثة أيام عشرة جرب لا أدري لأي شيء أرادها وهذا منها فقلت له ومن فلان الهاشمي فقال رجل من ولد على بن ريطه من ولد المهدي يقال له فلان عظيم إلا أنه شر الناس وأظلمهم وأفسدهم لحرم المسلمين وأشدهم تشوقاً إلى مكايدهم وليس في الدنيا من ينهي خبره إلى المعتضد خوفاً من شره ولفرط تمكنه من الدولة والمال ولم يزل يحدثني وأنا أسمع أحاديث له قبيحة إلى أن قال فحسبك أنه كان يعشق منذ سنين فلانة المغنية جارية فلانة المغنية وكانت كالدينار المنقوش وكالقمر الطالع في غاية حسن الغناء فساوم مولاتها فيها فلم تقاربه فلما كان منذ أيام بلغه أن سيدتها تريد بيعها على مشتر قد حضر بذل فيها ألوف دنانير فوجه إليها لا أقل من أن تنفذيها إلى لتودعني فأنقذتها إليه بعد أن أنفذ إليها حذرها لثلاثة أيام فلما انقضت الأيام الثلاثة غصبها عليها وغيبها عنها فما يعرف لها خبر وادعى أنها هربت من داره وقالت الجيران أنه قتلها وقال قوم لا بل هي عنده وقد أقامت سيدتها عليها المأتم وجاءت وصاحت على بابه وسودت وجهها فلم ينفعها شيء فلما سمع المعتضد سجد شكراً لله تعالى على انكشاف الأمر له وبعث في الحال من كبس على الهاشمي وأحضر المغنية وأخرج اليد والرجل إلى الهاشمي فلما رآهما انتقع لونه وأيقن بالهلاك واعترف فأمر المعتضد بدفع ثمن الجارية إلى مولاتها من بيت المال وصرفها ثم حبس الهاشمي فيقال أنه قتله ويقال مات في الحبس.
● قال عبد الله محمد بن أحمد بن حمدون قال كنت قد حلفت وعاهدت الله أن لا أعقد مالا من القمار وأنه لا يقع في يدي منه شيء إلا صرفته في ثمن شمع يحترق أو نبيذ يشرب أو جذر مغنيه فجلست يوماً ألاعب المعتضد فقمرته بسبعين ألف درهم فنهض المعتضد يصلي قبل العصر ركعتان من قبل أن يأمر لي بها فجلست أفكر وأندم على ما حلفت عليه وقلت كم اشترى من هذه السبعين ألف شمعاً وشراباً وكم أجذر وما كانت هذه العجلة في اليمين ولو لم أكن حلفت كنت الآن قد اشتريت بها ضيعة وكانت اليمين بالطلاق والعتاق وصدقة الملك فلما سلم من السجود قال لي في أي شيء تفكرت فقلت خير فقال بحياتي أصدقني فصدقته فقال وعندك أني أريد أن أعطيك سبعين ألفاً من القمار فقلت أفتصغر قال نعم قد صعرت قم ولا تفكر في هذا قال ودخل في صلاة الفرض فلحقني الغم أعظم من الأول وندمت على فوت المال وجعلت ألوم نفسي لم صدقته فلما فرغ من صلاته قال لي يا أبا عبد الله بحياتي أصدقني عن هذا الفكر الثاني فصدقته فقال أما القمار فقد قلت أني صغرت ولكني أهب لك سبعين ألفاً من مالي ولا يكون على إثم في دفعها إليك وعليك إثم في أخذها وتخرج من يمينك فتشتري بها ضيعة حلالاً فقبلت يده وأخذت المال فاعتقدت به ضيعة والله أعلم.
الباب العاشر
في سياق المنقول من ذلك عن الوزراء
في سياق المنقول من ذلك عن الوزراء