بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
عقلاء المجانين للنيسابوري
أصل الجنون وأسماء المجنون
أصل الجنون
في اللغة : الجنون في اللغة الاستتار. تقول العرب: جن الشيء يجن جنوناً إذا استتر وأجنه غيره إجناناً إذا ستره قال لبيد:
حتى إذا ألقت يداً في كافر * وأجن عورات الثغور ظلامها
يعني الشمس ألقت يداً في ليل مظلم. وستر الظلام الفجاج والطرق.
وأنشدني أبو عبد الله محمد بن الحسين الوضاحي:
يا غافلاً عما تجن ضلوعي * أنسيت ويحك عبرتي ودموعي
وجن الليل بجن جنوناً وجناناً إذا دخل. ومنه قوله سبحانه: (فلما جن عليه الليل رأى كوكباً) وأجن الليل الشيء أجناناً إذا غطاه بظلامه.
قال العتبي: وأجنه الليل أي جعله في ظلامه في جنة، قال الشاعر يصف مفازة:
وصرماء مذكار كأن دويها * يعيد جنان الليل مما يخيل
حديث أناسيّ فلما سمعته * إذا ليس فيه ما أبين فأعقل
وقال الشاعر:
ولولا جنون الليل أدرك ركضنا * بذي الرمث والأرض عياض بن ناشب
الصرماء المفازة التي تصرم الناس عن الماء أي تقطعهم. والمذكار التي لا يدخلها إلا ذكور الرجال لصعوبتها كالمرأة المذكار التي لا تلد إلا الذكران. والجنان القلب سمي بذلك لاستتاره.
أنشدني أبو الحسن محمد بن علي القزاز لديك الجن:
خذ يا غلام عنان طرفك فاحمه * عني فقد ملك الشمول عناني
ما الشأن ويحك في فراق فريقهم * الشأن ويحك في جنون جناني
قال العتبي: وسميت الجن لاجتنانهم عن أعين الناس. وقيل في قوله تعالى: (إلا إبليس كان من الجن) أي من الملائكة، سموا جناً لاجتنانهم عن الأبصار. قال الأعشى:
وسخر من جن الملائكة تسعة * قياماً لديه يعملون بلا أجـر
والجنة البستان لالتفاف الشجر. والجنة الدرع والترس لأنهما يستران. والجنة بالكسر الجنون. والجن أيضاً، قال الله جل ذكره: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً) يعني حين قالوا: أن الملائكة بنات الله، وقال في معنى الجنون: (أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة) وأما قوله تعالى: (من الجنة والناس) قال قتادة: إن الشيطان يوسوس الجن كما يوسوس الناس، والمعنى الذي يوسوس في صدور الجن والناس. والجنن القبر، لأنه ساتر، قال الشاعر:
لقد أدرجت ليلى هنالك في جنن * فصبراً جميلاً حين ما ينفع الحزن
والجنين: الولد في بطن الأم، لأنه مستور، وتقول العرب للنبت إذا طال وكثر تكاوس والتف واستجلس واعلنكس: تجان. وتجان الرجل إذا تكلف الجنون وليس بمجنون. وكذلك تحامق وتناوم وتكاسل، قال العجاج:
إذا تجازرت وما بي جزر * ثم كسرت العين من غير عور
وكل هذا يؤول إلى معنى الاستتار، فالمجنون المستور العقل، والفعل منه جن يجن جنوناً وهو مجنون، وأجنه الله فهو مجنون، وهذا الباب نادر في اللغة ونظيره أزكمه الله فهو مزكوم، وأحمه فهو محموم، وأضأده فهو مضؤود أي أزكمه، وأحببت فلاناً فهو محبوب، وهذا هو السائر وقد قالوا محب. قال عنترة العبسي:
ولقد نزلت فلا تظني غيره * مني بمنزلة المحب المكرم
أسماء المجنون
في اللغة : للمجنون في اللغة أسماء كثيرة. وقد مضى تفسير المجنون. منها الأحمق، والفعل منه حمق يحمق حمقاً وحماقة فهو أحمق، قال الشاعر:
سبحان من أنزل الأشياء منزلها * وصير الناس مرفوضاً مرزوقاً
والجمع حمقى كقولك: قتلى وصرعى وهلكى وحرقى وغرقى، قال الشاعر:
رزقت مالاً فعـش مما رزقـت به * فلست أول من حمقى بمرزوق
لو كان باللب يعطي ما تعيش به * لما ظفرت من الدنيا بمفروق
ومنها المعتوه: وهو الذي يولد مجنوناً. والفعل منه عته فهو معتوه.
ومنها الأخرق: وهو الذي لا يحسن التقدير والتدبير والمرأة خرقاء، قال أبو عبيدة: لا يقال خارق إلا للمقدر بعلم وتدبير، فإذا قدر بغير علم قيل أخرق. وخرقاء، ومنه قوله تعالى: (وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه) قال مجاهد: أي كذبوا. قال أبو عبيدة: اختلفوا، وقرأ أهل المدينة بالتشديد وخففه الكسائي وأبو عمر. والاسم الخرق بضم الخاء. والخرق أيضاً جمع الأخرق.
ومنها المائق: والموق أيضاً جمع المائق كقولهم عائط وعوط وحائل وحول للشاة التي لم تحمل، وعائد وعود للناقة القريبة النتاج، وفاره وفره، قال الشاعر:
وغرة مرة من فعل غر * وغرة مرتين فعال موق
إذا لم تبق بالصحصاح زلت * من الصحصاح رجلك في العميق
وحسن الظن عجز في أمور * وسـوء الظن يأمر بالوثـيق
ولا تـفرح بأمر أن تدانى * ولا تيأس من الأمر الـسحـيق
فإن القرب يبعد بعد قرب * ويدنو البعد بالقدر المسوق
أنشدنيه أبي رحمة الله تعالى، وقال: أنشدناه أبو سلمة المؤذن لعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى.
ومنها الرقيع والمرقعان: وهو الأحمق الذي يتمزق عليه رأيه وعقله. والفعل منه رقع رقاعة فهو رقيع كقولك بلد بلادة فهو بليد. أنشدنا أبو بكر أحمد بن سعد بن نصر بن بكار الفقيه البخاري بها، قال: أنشدنا عبيد الله بن عبد الله:
وما الناس إلا وعاة العلوم * وسائرهم غنم في قطيع
ومنها الممسوس: وهو الذي يتخبطه الجن أو الشيطان والاسم المسمى ، ومنه قوله جل ذكره (كالذي يتخبطه الشيطان من المس).
ومنها المخبل والمخبل: والاسم الخبل ويقال: رجل مخبل ومخبول ومختبل، قال الأعشى:
علقتها عرضاً وعلقت رجلاً * غيري وعلق أخرى غيرها الرجل
وعلقته فتاة ما يحاولها * من قومها ميت يهـذي بـهـا وهـل
وكلنا مغرم يهذي بصاحبه * ناء ودان ومخبول ومختبل
ومنها البوهة: قال الشاعر:
ويا هند لا تنكحي بوهة * علـيه عـقـيقـتـه أحـسـنا
ومنها الذولة: بالذال المعجمة. والموتة ضرب من الجنون، ولم أسمع منه للمجنون إسماً.
سمعت الإمام أبا حامد الخارزنجي يقول: النطاة الجنون، قال: وتقول العرب: فلان من فرط نطاته لا يعرف قطاته من لطاته. القطاة مقعد الردف من الدابة واللطاة دائرة في الجبهة.
ومنها العرهاة: قال الشاعر:
ومن لم يواس الناس مما بكفه * فذلك عرهاة من العقل مبلس
ومنها الأولق: والفعل منه ولق يولق. والولق الاسم. وأما الولق اللام فهو الكذب. وقرأت عائشة رضي الله عنها (إذ تَلْقُونَه بألسنتكم) والفعل منه ولق يلق ولقاً، قال الأعشى:
ويصبح من غب السري فكأنما * ألم بها من طائف الجن أولـق
ومنها المهووس: والاسم الهوس، وهو ضرب من الجنون، فإن كان قدراً ، في جنونه فهو أغفل.
ومنها الهلباجة: وهو الأحمق الكثير الأكل قاله الخليل بن أحمد ومنها اللكع: وهو الأحمق اللئيم. وقال غيره: هو العبد.
ومنها الجذب: قال ابن السكيت: يقال رجل جذب وفيه جذب أي فضل الحمق.
ومنها الهجاجة: قال الأصمعي يقال للرجل الأحمق الكثير الخطأ رجل هجاجة.
ومنها الرشاع: قال ابن السكيت: والزهدن الأحمق أيضاً، وأنشد في كتاب الألفاظ:
قلت لها إياك أن تركني * عندي في الجـلسة أو تلبني
عليك ما عشت بذات الزهدن
ومنها الملغ: قال الأصمعي : هو الأحمق. والجعبس الأحمق أيضاً، قال الراجز:
لما رأيت سد الليل ادمـسـا * ليلاً دجوجي الظلام عرمسا
وصم كسراه الغيام الجعبسا
والهلباجة: وقد ذكر آنفاً. قال ابن السكيت: قال خلف ابن الأحمر: قلت لابن كبشة بنت السعتري: ما الهلباجة ، فتردد في صدره ما لم يتهيأ له إخراجه، ثم قال الهلباجة الأحمق الذي لا خير عنده.
وقرأت في كتاب النوادر لأبي زيد سعيد بن أوس: رجل مألوس أي مجنون وقد ألس إذا جن.
ومما يضارع هذا الباب ويقرب منه وليس بعينه المتيم وهو العبد تيمه الحب، أي عبده واستعبده ومنه تيم اللات كأنه عبد اللات.
ومنها الأهوج: والفعل منه هوج يهوج هوجاً فهو أهوج.
ومنها الهائم: وهو ذاهب العقل.
ومنها المدله: قال الشاعر:
تركوني مدلهاً * أرتجي حـج قـابـل
بعدما كنت ناسـكاً * زال نسكي بباطل
ومنها الأبله: والفعل منه بله.
ومنها المستهتر: قال الشاعر:
فبعثن ورداً للخلي وزدن في * برحاء وجد العاشق المستهتـر
ومنها الواله: والاسم الوله، وهو عند العرب الذي فقد ولده ففقد صبره قال الأعشى يصف بقرة:
فأقبلت والهاً ثكلى على عجل * كل دهاها وكل عندها اجتمعا
والهبنقع الأحم المبالغ في حمقه، قال الشاعر:
ومهور نسوتهم إذا ما نكحوا * عدوي وكل هبنقـع تنبال
فهذه كلها أسماء المجانين وعيارها المجنون والأحمق.
الأمثال المضروبة في الحمق والحمقى
منها قولهم تحسبها حمقاء وهي باخس أي إنها مع حمقها تظلم الناس، قال ثعلب: هكذا جرى المثل بغيرها، ومثله خرقاء عيابة أي مع حمقها تظلم غيرها وتعيب غيرها، قال خلف الأحمر: ومن أمثالهم أحمق بلغ أي انه مع حمقه يبلغ حاجته. ومن أمثالهم فيه خرقاء ذات نيقة أي أنها حمقاء وهي مع ذلك تتأنق في الأمور، قال أبو عبيد: فإذا اشتد موق الرجل قيل ثاطة مدت بماء والثأطة الحمأة فإذا أصابها ماء ازدادت فساداً، قال الأصمعي: ومنها أحمق من رجلة وهي البقلة الحمقاء، وحمقها أنها تنبت في السروح ومسايل الأودية فيجيء السيل فيجرفها. وشبه بها أهل الحقائق من يعمر دنياه وهو يعلم فناءها، قالوا: مثل عامر الدنيا الباني على الماء. والماء لا يثبت عليه شيء.
حدثنا منصور بن العباس ببوشنج قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الهروي قال: حدثنا ابن أبي الدنيا قال: حدثنا إسحاق ابن إسماعيل قال: أخبرنا جرير عن ليث عن مجاهد قال: قال عيسى ابن مريم عليهما السلام: من ذا الذي يبني على موج البحر داراً تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراً. وقال أيضاً: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها. وقال سابق البربري في قصيدة له:
لكم بيوت بمستن السيول وهل * يبقى على الماء بيت أسه مدر
وقال أبو عمرو الشيباني: ومن أمثالهم في الحمق إنه لأحمق من ترب العقد والعقد عقد الرمل، وحمقه إنه ينهار ولا يثبت فيه التراب يضرب للذي لا يثبت ولا يستقر على حال.
قال ابن الكلبي: ومن أمثالهم في هذا إنه لأحمق من دغة وهي أمرأة عمرو بن جندب بن العنبر ووصف من حمقها ما يسمج ذكره،
وقال الأصمعي: ومن أمثالهم أحمق من الممهورة إحدى خدمتيها وذلك أن زوجها قضى حاجته منها ثم طلقها فقالت أعطني حقي فنزع إحدى خدمتيها وهما الخلخالان من رجلها فأعطاها فسكتت ورضيت.
وتقول العرب للمبالغ في الجنون. جنونه مجنون. سمعت أبا الحسن محمد بن الحسين الحاكم ببوشنج يقول: سمعت جدي عبد الملك بن محمد ابن عدي يقول: سمعت جدي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال الشافعي رحمه الله لبعض أصحابه:
جنونك مجنون ولست بواجد * طبيباً يداوي من جنون جنون
ومنها الضبع وزعموا أنها أحمق الدواب فإنها تشد يداها ورجلاها ويقال لها لست ها هنا فتسكت وترضى. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لا أكون مثل الضبع تسمع الدم فتخرج حتى تصاد. وكنيتها أم عامر يضرب بها المثل فيقال: خامري أم عامر، كما قال الشاعر:
فلا تدفنوني إن دفـني محرم * عليكم ولكن خامري أم عامر
أي دعوني للتي يقال لها أم عامر حتى تأكلني ولا تدفنوني بعد موتي. وأنشدني أبي رحمة الله.
عرقب الضبع وقالوا غـائب * رضي القول وأغضي وصبر
أي دعوني للتي يقال لها أم عامر حتى تأكلني ولا تدفنوني بعد موتي. وأنشدني أبي رحمة الله.
عرقب الضبع وقالوا غائب * رضي القول وأغضى وصبر
ومنها العقعق، تقول العرب إنه لأحمق من العقعق وحمقه أن ولده أبداً ضائع. قال ابن الكلبي: تقول العرب إنه لأحمق من حماقة عقعق وذلك لأنها تبيض على الأعواد فربما وقع بيضها فانكسر.
أسماء جنون الدواب
تقول العرب لجنون الابل الهيام وهو داء يأخذها فتهيج وتهيم. ويقال لجنون الشاة الثول وهي ثولاء، ولجنون الكلب الكلب فهو كلب كلب. والسعر ضرب من جنون النوق، تقول العرب ناقة مسعورة إذا كانت مجنونة. وتأول بعضهم قوله جل ذكره إن المجرمين في ضلال وسعر أي جنون.
مختصر: عقلاء المجانين للحسن بن حبيب النيسابوري
في اللغة : الجنون في اللغة الاستتار. تقول العرب: جن الشيء يجن جنوناً إذا استتر وأجنه غيره إجناناً إذا ستره قال لبيد:
حتى إذا ألقت يداً في كافر * وأجن عورات الثغور ظلامها
يعني الشمس ألقت يداً في ليل مظلم. وستر الظلام الفجاج والطرق.
وأنشدني أبو عبد الله محمد بن الحسين الوضاحي:
يا غافلاً عما تجن ضلوعي * أنسيت ويحك عبرتي ودموعي
وجن الليل بجن جنوناً وجناناً إذا دخل. ومنه قوله سبحانه: (فلما جن عليه الليل رأى كوكباً) وأجن الليل الشيء أجناناً إذا غطاه بظلامه.
قال العتبي: وأجنه الليل أي جعله في ظلامه في جنة، قال الشاعر يصف مفازة:
وصرماء مذكار كأن دويها * يعيد جنان الليل مما يخيل
حديث أناسيّ فلما سمعته * إذا ليس فيه ما أبين فأعقل
وقال الشاعر:
ولولا جنون الليل أدرك ركضنا * بذي الرمث والأرض عياض بن ناشب
الصرماء المفازة التي تصرم الناس عن الماء أي تقطعهم. والمذكار التي لا يدخلها إلا ذكور الرجال لصعوبتها كالمرأة المذكار التي لا تلد إلا الذكران. والجنان القلب سمي بذلك لاستتاره.
أنشدني أبو الحسن محمد بن علي القزاز لديك الجن:
خذ يا غلام عنان طرفك فاحمه * عني فقد ملك الشمول عناني
ما الشأن ويحك في فراق فريقهم * الشأن ويحك في جنون جناني
قال العتبي: وسميت الجن لاجتنانهم عن أعين الناس. وقيل في قوله تعالى: (إلا إبليس كان من الجن) أي من الملائكة، سموا جناً لاجتنانهم عن الأبصار. قال الأعشى:
وسخر من جن الملائكة تسعة * قياماً لديه يعملون بلا أجـر
والجنة البستان لالتفاف الشجر. والجنة الدرع والترس لأنهما يستران. والجنة بالكسر الجنون. والجن أيضاً، قال الله جل ذكره: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً) يعني حين قالوا: أن الملائكة بنات الله، وقال في معنى الجنون: (أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة) وأما قوله تعالى: (من الجنة والناس) قال قتادة: إن الشيطان يوسوس الجن كما يوسوس الناس، والمعنى الذي يوسوس في صدور الجن والناس. والجنن القبر، لأنه ساتر، قال الشاعر:
لقد أدرجت ليلى هنالك في جنن * فصبراً جميلاً حين ما ينفع الحزن
والجنين: الولد في بطن الأم، لأنه مستور، وتقول العرب للنبت إذا طال وكثر تكاوس والتف واستجلس واعلنكس: تجان. وتجان الرجل إذا تكلف الجنون وليس بمجنون. وكذلك تحامق وتناوم وتكاسل، قال العجاج:
إذا تجازرت وما بي جزر * ثم كسرت العين من غير عور
وكل هذا يؤول إلى معنى الاستتار، فالمجنون المستور العقل، والفعل منه جن يجن جنوناً وهو مجنون، وأجنه الله فهو مجنون، وهذا الباب نادر في اللغة ونظيره أزكمه الله فهو مزكوم، وأحمه فهو محموم، وأضأده فهو مضؤود أي أزكمه، وأحببت فلاناً فهو محبوب، وهذا هو السائر وقد قالوا محب. قال عنترة العبسي:
ولقد نزلت فلا تظني غيره * مني بمنزلة المحب المكرم
أسماء المجنون
في اللغة : للمجنون في اللغة أسماء كثيرة. وقد مضى تفسير المجنون. منها الأحمق، والفعل منه حمق يحمق حمقاً وحماقة فهو أحمق، قال الشاعر:
سبحان من أنزل الأشياء منزلها * وصير الناس مرفوضاً مرزوقاً
والجمع حمقى كقولك: قتلى وصرعى وهلكى وحرقى وغرقى، قال الشاعر:
رزقت مالاً فعـش مما رزقـت به * فلست أول من حمقى بمرزوق
لو كان باللب يعطي ما تعيش به * لما ظفرت من الدنيا بمفروق
ومنها المعتوه: وهو الذي يولد مجنوناً. والفعل منه عته فهو معتوه.
ومنها الأخرق: وهو الذي لا يحسن التقدير والتدبير والمرأة خرقاء، قال أبو عبيدة: لا يقال خارق إلا للمقدر بعلم وتدبير، فإذا قدر بغير علم قيل أخرق. وخرقاء، ومنه قوله تعالى: (وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه) قال مجاهد: أي كذبوا. قال أبو عبيدة: اختلفوا، وقرأ أهل المدينة بالتشديد وخففه الكسائي وأبو عمر. والاسم الخرق بضم الخاء. والخرق أيضاً جمع الأخرق.
ومنها المائق: والموق أيضاً جمع المائق كقولهم عائط وعوط وحائل وحول للشاة التي لم تحمل، وعائد وعود للناقة القريبة النتاج، وفاره وفره، قال الشاعر:
وغرة مرة من فعل غر * وغرة مرتين فعال موق
إذا لم تبق بالصحصاح زلت * من الصحصاح رجلك في العميق
وحسن الظن عجز في أمور * وسـوء الظن يأمر بالوثـيق
ولا تـفرح بأمر أن تدانى * ولا تيأس من الأمر الـسحـيق
فإن القرب يبعد بعد قرب * ويدنو البعد بالقدر المسوق
أنشدنيه أبي رحمة الله تعالى، وقال: أنشدناه أبو سلمة المؤذن لعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى.
ومنها الرقيع والمرقعان: وهو الأحمق الذي يتمزق عليه رأيه وعقله. والفعل منه رقع رقاعة فهو رقيع كقولك بلد بلادة فهو بليد. أنشدنا أبو بكر أحمد بن سعد بن نصر بن بكار الفقيه البخاري بها، قال: أنشدنا عبيد الله بن عبد الله:
وما الناس إلا وعاة العلوم * وسائرهم غنم في قطيع
ومنها الممسوس: وهو الذي يتخبطه الجن أو الشيطان والاسم المسمى ، ومنه قوله جل ذكره (كالذي يتخبطه الشيطان من المس).
ومنها المخبل والمخبل: والاسم الخبل ويقال: رجل مخبل ومخبول ومختبل، قال الأعشى:
علقتها عرضاً وعلقت رجلاً * غيري وعلق أخرى غيرها الرجل
وعلقته فتاة ما يحاولها * من قومها ميت يهـذي بـهـا وهـل
وكلنا مغرم يهذي بصاحبه * ناء ودان ومخبول ومختبل
ومنها البوهة: قال الشاعر:
ويا هند لا تنكحي بوهة * علـيه عـقـيقـتـه أحـسـنا
ومنها الذولة: بالذال المعجمة. والموتة ضرب من الجنون، ولم أسمع منه للمجنون إسماً.
سمعت الإمام أبا حامد الخارزنجي يقول: النطاة الجنون، قال: وتقول العرب: فلان من فرط نطاته لا يعرف قطاته من لطاته. القطاة مقعد الردف من الدابة واللطاة دائرة في الجبهة.
ومنها العرهاة: قال الشاعر:
ومن لم يواس الناس مما بكفه * فذلك عرهاة من العقل مبلس
ومنها الأولق: والفعل منه ولق يولق. والولق الاسم. وأما الولق اللام فهو الكذب. وقرأت عائشة رضي الله عنها (إذ تَلْقُونَه بألسنتكم) والفعل منه ولق يلق ولقاً، قال الأعشى:
ويصبح من غب السري فكأنما * ألم بها من طائف الجن أولـق
ومنها المهووس: والاسم الهوس، وهو ضرب من الجنون، فإن كان قدراً ، في جنونه فهو أغفل.
ومنها الهلباجة: وهو الأحمق الكثير الأكل قاله الخليل بن أحمد ومنها اللكع: وهو الأحمق اللئيم. وقال غيره: هو العبد.
ومنها الجذب: قال ابن السكيت: يقال رجل جذب وفيه جذب أي فضل الحمق.
ومنها الهجاجة: قال الأصمعي يقال للرجل الأحمق الكثير الخطأ رجل هجاجة.
ومنها الرشاع: قال ابن السكيت: والزهدن الأحمق أيضاً، وأنشد في كتاب الألفاظ:
قلت لها إياك أن تركني * عندي في الجـلسة أو تلبني
عليك ما عشت بذات الزهدن
ومنها الملغ: قال الأصمعي : هو الأحمق. والجعبس الأحمق أيضاً، قال الراجز:
لما رأيت سد الليل ادمـسـا * ليلاً دجوجي الظلام عرمسا
وصم كسراه الغيام الجعبسا
والهلباجة: وقد ذكر آنفاً. قال ابن السكيت: قال خلف ابن الأحمر: قلت لابن كبشة بنت السعتري: ما الهلباجة ، فتردد في صدره ما لم يتهيأ له إخراجه، ثم قال الهلباجة الأحمق الذي لا خير عنده.
وقرأت في كتاب النوادر لأبي زيد سعيد بن أوس: رجل مألوس أي مجنون وقد ألس إذا جن.
ومما يضارع هذا الباب ويقرب منه وليس بعينه المتيم وهو العبد تيمه الحب، أي عبده واستعبده ومنه تيم اللات كأنه عبد اللات.
ومنها الأهوج: والفعل منه هوج يهوج هوجاً فهو أهوج.
ومنها الهائم: وهو ذاهب العقل.
ومنها المدله: قال الشاعر:
تركوني مدلهاً * أرتجي حـج قـابـل
بعدما كنت ناسـكاً * زال نسكي بباطل
ومنها الأبله: والفعل منه بله.
ومنها المستهتر: قال الشاعر:
فبعثن ورداً للخلي وزدن في * برحاء وجد العاشق المستهتـر
ومنها الواله: والاسم الوله، وهو عند العرب الذي فقد ولده ففقد صبره قال الأعشى يصف بقرة:
فأقبلت والهاً ثكلى على عجل * كل دهاها وكل عندها اجتمعا
والهبنقع الأحم المبالغ في حمقه، قال الشاعر:
ومهور نسوتهم إذا ما نكحوا * عدوي وكل هبنقـع تنبال
فهذه كلها أسماء المجانين وعيارها المجنون والأحمق.
الأمثال المضروبة في الحمق والحمقى
منها قولهم تحسبها حمقاء وهي باخس أي إنها مع حمقها تظلم الناس، قال ثعلب: هكذا جرى المثل بغيرها، ومثله خرقاء عيابة أي مع حمقها تظلم غيرها وتعيب غيرها، قال خلف الأحمر: ومن أمثالهم أحمق بلغ أي انه مع حمقه يبلغ حاجته. ومن أمثالهم فيه خرقاء ذات نيقة أي أنها حمقاء وهي مع ذلك تتأنق في الأمور، قال أبو عبيد: فإذا اشتد موق الرجل قيل ثاطة مدت بماء والثأطة الحمأة فإذا أصابها ماء ازدادت فساداً، قال الأصمعي: ومنها أحمق من رجلة وهي البقلة الحمقاء، وحمقها أنها تنبت في السروح ومسايل الأودية فيجيء السيل فيجرفها. وشبه بها أهل الحقائق من يعمر دنياه وهو يعلم فناءها، قالوا: مثل عامر الدنيا الباني على الماء. والماء لا يثبت عليه شيء.
حدثنا منصور بن العباس ببوشنج قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الهروي قال: حدثنا ابن أبي الدنيا قال: حدثنا إسحاق ابن إسماعيل قال: أخبرنا جرير عن ليث عن مجاهد قال: قال عيسى ابن مريم عليهما السلام: من ذا الذي يبني على موج البحر داراً تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراً. وقال أيضاً: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها. وقال سابق البربري في قصيدة له:
لكم بيوت بمستن السيول وهل * يبقى على الماء بيت أسه مدر
وقال أبو عمرو الشيباني: ومن أمثالهم في الحمق إنه لأحمق من ترب العقد والعقد عقد الرمل، وحمقه إنه ينهار ولا يثبت فيه التراب يضرب للذي لا يثبت ولا يستقر على حال.
قال ابن الكلبي: ومن أمثالهم في هذا إنه لأحمق من دغة وهي أمرأة عمرو بن جندب بن العنبر ووصف من حمقها ما يسمج ذكره،
وقال الأصمعي: ومن أمثالهم أحمق من الممهورة إحدى خدمتيها وذلك أن زوجها قضى حاجته منها ثم طلقها فقالت أعطني حقي فنزع إحدى خدمتيها وهما الخلخالان من رجلها فأعطاها فسكتت ورضيت.
وتقول العرب للمبالغ في الجنون. جنونه مجنون. سمعت أبا الحسن محمد بن الحسين الحاكم ببوشنج يقول: سمعت جدي عبد الملك بن محمد ابن عدي يقول: سمعت جدي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال الشافعي رحمه الله لبعض أصحابه:
جنونك مجنون ولست بواجد * طبيباً يداوي من جنون جنون
ومنها الضبع وزعموا أنها أحمق الدواب فإنها تشد يداها ورجلاها ويقال لها لست ها هنا فتسكت وترضى. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لا أكون مثل الضبع تسمع الدم فتخرج حتى تصاد. وكنيتها أم عامر يضرب بها المثل فيقال: خامري أم عامر، كما قال الشاعر:
فلا تدفنوني إن دفـني محرم * عليكم ولكن خامري أم عامر
أي دعوني للتي يقال لها أم عامر حتى تأكلني ولا تدفنوني بعد موتي. وأنشدني أبي رحمة الله.
عرقب الضبع وقالوا غـائب * رضي القول وأغضي وصبر
أي دعوني للتي يقال لها أم عامر حتى تأكلني ولا تدفنوني بعد موتي. وأنشدني أبي رحمة الله.
عرقب الضبع وقالوا غائب * رضي القول وأغضى وصبر
ومنها العقعق، تقول العرب إنه لأحمق من العقعق وحمقه أن ولده أبداً ضائع. قال ابن الكلبي: تقول العرب إنه لأحمق من حماقة عقعق وذلك لأنها تبيض على الأعواد فربما وقع بيضها فانكسر.
أسماء جنون الدواب
تقول العرب لجنون الابل الهيام وهو داء يأخذها فتهيج وتهيم. ويقال لجنون الشاة الثول وهي ثولاء، ولجنون الكلب الكلب فهو كلب كلب. والسعر ضرب من جنون النوق، تقول العرب ناقة مسعورة إذا كانت مجنونة. وتأول بعضهم قوله جل ذكره إن المجرمين في ضلال وسعر أي جنون.
مختصر: عقلاء المجانين للحسن بن حبيب النيسابوري