بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم اعيانها
ووفياتهم ابتداء من ظهور امر الفقارية
ومات الشيخ الصالح الشاعر اللبيب الناظم الناثر الشيخ عامر الانبوطي الشافعي شاعر مفلق هجاء لهيب شراره محرق كان يأتي من بلده يزور العلماء والاعيان
وكلما راى لشاعر قصيدة سائرة قلبها وزنا وقافية الى الهزل والطبيخ فكانوا يتحامون عن ذلك
وكان الشيخ الشبراوي يكرمه ويكسبه ويقول له يا شيخ عامر لا تزفر قصيدتي الفلانية وهذه جائزتك
ومن بعده الشيخ الحفني كان يكرمه ويغدق عليه ويستأنس لكلامه
وكان شيخا مسنا صلحا مكحل العينين دائما عجيبا في هيئته ومن نظمه الفية الطعام على وزن الفية ابن مالك واولها:
يقول عامر هو الانبوطي ● احمد ربي لست بالقنوطي
ومات الامير الكبير عمر بك بن حسن بك رضوان وذلك انه لما قلد ابراهيم كتخدا تابعه علي بك الكبير امارة الحج وطلع بالحجاج ورجع في سنة 1167 ونزل عليهم السيل العظيم يظهر حمار والقى الحجاج واحمالهم الى البحر ولم يرجع منهم الا القليل تشاوروا فيمن يقلدونه امارة الحج فاقتضى راي ابراهيم كتخدا تولية المترجم وقد صار مسنا هرما فاستعفى من ذلك فقال له ابراهيم كتخدا اما أن تطلع بالحج او تدفع مائتي كيس مساعدة
فحضر عند ابراهيم كتخدا فرأى منه الجد
فقال اذا كان ولا بد فاني اصرفها واحج ولو اني اصرف الف كيس
ثم توجه الى القبلة وقال اللهم لا ترني وجه ابراهيم هذا بعد هذا اليوم اما اني اموت او هو يموت
فاستجاب الله دعوته ومات ابراهيم كتخدا في صفر قبل دخول الحجاج الى مصر بخمسة ايام
وتوفي عمر بك المذكور سنة 1171
ومات الرجل الفاضل النبيه الذكي المتفنن المتقن الفريد الاوسطي ابراهيم السكاكيني كان انسانا حسنا عطارديا يصنع السيوف والسكاكين ويجيد سقيها وجلاءها ويصنع قراباتها ويسقطها بالذهب والفضة ويصنع المقاشط الجيدة الصناعة والسقي والتطعيم والبركارات للصنعة واقلام الجدول الدقيقة الصنعة المخرمة وغير ذلك
وكان يكتب الخط الحسن الدقيق بطريقة متسقة معروفة من دون الخطوط لا تخفى وكتب بخطه ذلك كثيرا مثل مقامات الحريري وكتب ادبية ورسائل كثيرة في الرياضيات والرسميات وغير ذلك وبالجملة فقد كان فريدا في ذاته وصفاته وصناعته لم يخلف بعده مثله
توفي في حدود هذا التاريخ وكان حانوته تجاه جامع المرداني بالقرب من درب الصياغ
وفي تلك السنة اعني سنة 1171 نزل مطر كثير سالت منه السيول واعقبه الطاعون المسمى بقارب شيحة الذي اخذ المليح والمليحة
مات به الكثير من الناس المعروفين وغيرهم ما لا يحصى ثم خف واخذ ينقر في سنة 1172 وكان قوة عمله في رجب وشعبان وولد للسلطان مصطفى مولود في تلك السنة وورد الامر بالزينة في تلك الايام
وهذا المولود هو السلطان سليم المتولي الآن ولما قتل حسين بك القازدغلي المعروف بالصابونجي وتعين في الرياسة بعده علي بك الكبير واحضر خشداشينه المنفيين واستقر امرهم وتقلد امارة الحج سنة 1173 فبيت مع سليمان بك الشابوري وحسن كتخدا الشعراوي وخليل جاويش حيضان مصلي واحمد جاويش المجنون واتفق معهم على قتل عبد الرحمن كتخدا في غيبته واقام عوضه في مشيخة البلد خليل بك الدفتردار فلما سافر استشعر عبد الرحمن كتخدا بذلك فشرع في نفي الجماعة المذكورين فاغرى بهم على ذلك بلوط قبن فنفى خليل جاويش حيضان مصلي واحمد جاويش الى الحجاز من طريق السويس على البحر ونفى حسن كتخدا الشعراوي وسليمان بك الشابوري مملوك خشداشه الى فارسكور
فلما وصل علي بك وهو راجع بالحج الى العقبة وصل اليه الخبر فكتم ذلك وامر بعمل شنك يوهم من معه بان الهجان اتاه بخبر سار ولم يزل سائرا الى ان وصل الى قلعة نخل فانحاز الى القلعة وجمع الدويدار وكتخدا الحج والسدادرة وسلمهم الحجاج والمحمل وركب في خاصته وسار الى غزة وسار الحجاج من غير امير الى ان وصلوا الى أجرود فأقبل عليهم حسين بك كشكش ومن معه يريد قتل علي بك فلم يجده فحضر بالحجاج ودخل بالمحمل الى مصر واستمر علي بك بغزة نحو ثلاثة شهر واكثر وكاتب الدولة بواسطة باشة الشام فارسلوا اليه واحدا اغا ووعدوه ومنوه وتحيلوا عليه حتى استقصوا ما معه من المال والاقمشة وغير ذلك
ثم حضر الى مصر بسعاية نسيبه علي كتخدا الخربطلي واغرااضه ومات بعد وصوله الى مصر بثمانية ايام
يقال ان بعض خشداشينه شغله بالسم حين كان يطوف عليهم للسلام
● ● ولاية مصطفى باشا واحمد باشا كامل
وفي تلك السنة حضر مصطفى باشا واليا على مصر واستمر الى اواخر سنة 1174 ونزل الى القبة متوجها الى جدة فاقام هناك
وحضر احمد باشا كامل المعروف بصبطلان في اواخر سنة 1174
وكان ذا شهامة وقوة مراس فدقق في الاحكام وصار يركب وينزل ويكشف على الانبار والغلال فتعصبت عليه الامراء وعزلوه واصعدوا مصطفى باشا المعزول وعرضوا في شأنه الى الدولة وسافر بالعرض الشيخ عبد الباسط السنديوني ووجه مصطفى باشا خازنداره الى جدة وكيلا عنه
ولما وصل العرض الى الدولة وكان الوزير اذ ذاك محمد باشا راغب فوجهوا احمد باشا المنفصل الى ولاية قندية ومصطفى باشا الى حلب ووجهوا باكير باشا والي حلب الى مصر فحضر وطلع الى القلعة واقام نحو شهرين ومات ودفن بالقرافة سنة 1175 وحضر حسن باشا في اواخر سنة ست وسبعين ثم عزل
وحضر حمزة باشا في سنة 1179 وسيأتي تتمة ذلك واستقر الحال وتقلد في امارة الحج حسين بك كشكش وطلع سنة 1174 ووقف له العرب في مضيق وحضر اليه كبراؤهم وطلبوا مطالبهم وعوائدهم فاحضر كاتبه الشيخ خليل كاتب الصرة والصراف وامرهم بدفع مطلوبات العرب
فذهبوا معه الى خيمته واحضر المال وشرع الصراف يعد لهم الدراهم فضرب عند ذلك مدفع الشهيل فقال لهم حينئذ لا يمكن في هذا الوقت فاصبروا حتى ينزل الحج في المحطة يحصل المطلوب
وسار الحج حتى خرج من ذلك المضيق الى الوسع ورتب مماليكه وطوائفه وحضر العرب وفيهم كبيرهم هزاع فامر بقتلهم فنزلوا عليهم بالسيوف فقتلوهم عن آخرهم وفيهم نيف وعشرون كبيرا من مشايخ العربان المشهورين خلاف هزاع المذكور وامر بالرحيل وضربوا المدفع وسار الحج وتفرق قبائل العرب ونساؤهم يصرخون بطلب الثأر
فتجمعت القبائل من كل جهة ووقفوا بطريق الحجاج وفي المضايق وهو يسوق عليهم من امام الحج وخلفه ويحاربهم ويقاتلهم بمماليكه وطوائفه حتى وصل الى مصر بالحج سالما ومعه رؤوس العربان محملة على الجمال
ودخل المدينة بالمحمل والحجاج منصورا مؤيدا فاجتمع عليه الامراء من خشداشينه وغيرهم وقال له علي بك بلوط قبن انك افسدت علينا العرب واخربت طريق الحج ومن يطلع بالحج في العام القابل بعد هذه الفعلة التي فعلتها فقال انا الذي اسافر بالحج في العام القابل ومني للعرب اصطفل
فطلع ايضا في السنة الثانية وتجمع عليه العرب ووقفوا في كل طريق ومضيق وعلى رؤوس الجبال واستعدوا له بما استطاعوا من الكثرة من كل جهة فصادمهم وقاتلهم وحار بهم وصار يكر ويفر ويحلق عليهم من امام الحج ومن خلفه حتى شردهم واخافهم وقتل منهم الكثير ولم يبال بكثرتهم مع ما هو فيه من القلة فانه لم يكن معه الا نحو الثلثمائة مملوك خلاف الطوائف والاجناد وعسكر المغاربة
وكان يبرز لحربهم حاسرا راسه مشهورا حسامه فيشتت شملهم ويفرق جمعهم فهابوه وانكمشوا عن ملاقاته وانكفوا عن الحج فلم تقم للعرب معه بعد ذلك قائمة
فحج اربع مرات اميرا بالحج آخرها سنة 1176 ورجع سنة 1177 ولم يتعرض له احد من العرب ذهابا وايابا بعد ذلك
وكذلك اخاف العربان الكائنين حوالي مصر ويقطعون الطريق على المسافرين والفلاحي ويسلبون الناس فكان يخرج اليهم على حين غفلة فيقتلهم وينهب مواشيهم ويرجع بغنائمهم ورؤوسهم في اشناف على الجمال فارتدععوا وانكفوا عن أفاعيلهم
وأمنت السبل وشاع ذكره بذلك
وفي هذه المدة ظهر شأن علي بك بلوط قبن واستفحل امره وقلد اسمعيل بك الصنجقية وجعله اشراقه وزوجه هانم بنت سيده وعمل له مهما عظيما احتفل به للغاية ببركة الفيل
وكان ذلك في أيام النيل سنة 1174 فعملوا على معظم البركة أخشابا مركبة على وجه الماء يمشي عليها الناس للفرجة
واجتمع بها ارباب الملاهي والملاعيب وبهلوان الحبل وغيره من سائر الاصناف والفرج والمتفرجون والبياعون من سائر الاصناف والانواع وعلقوا القنناديل والوقدات على جميع البيوت المحيطة بالبركة وغالبها سكن الامراء والاعيان اكثرهم خشداشين بعضهم البعض ومماليك ابراهيم كتخدا ابي العروس
وفي كل بيت منهم ولائم وعزائم وضيافات وسماعات وآلات وجمعيات
واستمر هذا الفرح والمهم مدة شهر كامل والبلد مفتحة والناس تغدو وتروح ليلا ونهارا للحظ والفرجة من جميع النواحي
ووردت على علي بك الهدايا والصلات من اخوانه الامراء والاعيان والاختيارية والوجاقلية والتجار والمباشرين والاقباط والافرنج والاروام واليهود والمدينة عامرة بالخير والناس مطمئنة والمكاسب كثيرة والاسعار رخية والقرى عامرة
وحضرت مشايخ البلدان وأكابر العربان ومقادم الاقاليم والبنادر بالهدايا والاغنام والجواميس والسمن والعسل وكل من الامراء الابراهيمية كأنه صاحب الفرح والمشار اليه من بينهم صاحب الفرح علي بيك
وبعد تمام الشهر زفت العروس في موكب عظيم شقوا به من وسط المدينة بانواع الملاعيب والبهلوانات والجنك والطبول ومعظم الاعيان والجاويشية والملازمين والسعاة والاغوات امام الحريمات وعليهم الخلع والتخاليق المثمنة وكذلك المهاترة والطبالون وغيرهم من المقدمين والخدم والجاويشية والركبدارية والعروس في عربة
وكان الخازندار لعلي بيك في ذلك الوقت محمد بك ابو الذهب ماشيا بجانب العربة وفي يده عكاز ومن خلفها اولاد خزنات الامراء ملبسين بالزرد والخود واللثامات الكشميري مقلدين بالقسي والنشاب وبأيديهم المزاريق الطوال وخلف الجميع النوبة التركية والنفيرات
فمن ذلك الوقت اشتهر امر علي بك وشاع ذكره ونما صيته وقلد ايضا علي بك المعروف بالسروجية
ولما كان عبد الرحمن كتخدا ابن سيدهم ومركز دائرة دولتهم انضوى الى ممالأته ومال هو الآخر الى صداقته ليقوى به على ارباب الرياسة من اختيارية الوجاقات وكل منهما يريد تمام الامر لنفسه
حتى ان عبد الرحمن كتخدا لما اراد نفي الجماعة المتقدم ذكرهم مع بعض المتكلمين وصوروا على احمد جاويش المجنون ما يقتضي نفيه ثم عرضوا ذلك على عبد الرحمن كتخدا فمانع في ذلك واظهر الغيظ واصبح في ثاني يوم اجتمع عنده الاختيارية والصناجق على عادتهم
فلما تكامل حضور الجميع عين عبد الرحمن كتخدا غاديا الى بيت علي بك وكذلك باقي الامراء والاختيارية وصار الجميع والديوان في بيته من ذلك اليوم ولبس الخلعة من الباشا على ذلك
ثم انهم طلعوا ايضا في ثاني يوم الى الديوان واجتمعوا بباب الينكجرية وكتبوا عرضحال بنفي احمد جاويش وخليل جاويش وسليمان بك الشابوري فقال عبد الرحمن كتخدا واكتبوا معهم حسن كتخدا الشعراوي ايضا
فكتبوه واخرجوا فرمانا بذلك ونفوهم كما ذكر واستمروا في نفيهم
وعمل احمد جاويش وقادا بالحرم المدني وخليل جاويش اقام ايضا بالمدينة والشابوري وحسن كتخدا جهة فارسكور والسرو ورأس الخليج وأخذ علي بك يمهد لنفسه واستكثر من شراء المماليك وشرع في مصادرة الناس
ويتحيل على اخذ الاموال من ارباب البيوت المدخرة والاعيان المستورين مع الملاطفة وادخال الوهم على البعض بمثل بمثل النفي والتعرض الى الفائظ ببعض المقنضيات ونحو ذلك
حادثة سماوية
ومن الحوادث السماوية ان في يوم السبت تاسع عشر جمادى الاولى هبت ريح عظيمة شديدة نكباء غربية غرق منها بالاسكندرية ثلاثة وثلاثون مركبا في مرسى المسلمين وثلاثة مراكب في مرسى النصارى
وضجت الناس وهاج البحر شديدا وتلف بالنيل بعض مراكب وسقطت عدة اشجار
وطلع علي بك اميرا بالحج في سنة 1177 ورجع في اوائل سنة 1178 في ابهة عظيمة وارخى مملوكه محمد الخازندار لحيته على زمزم
فلما رجع قلده الصنجقية وهو الذي عرف بابي الذهب
ثم قلد مملوكه ايوب اغا ورضوان قرابينه وابراهيم شلاق بلغيه وذا الفقار وعلي بك الحبشي صناجق ايضا
وانقضت تلك السنة وامر علي بك يتزايد
وشهلوا امور الحج على العادة وقبضوا الميري وصرفوا العلوفات والجامكية والصرة وغلال الحرمين والانبار وخرج المحمل على القانون المعتاد واميره حسن بك رضوان
ولما رجعوا من البركة بعد ارتحال الحج طلع علي بك وخشداشينه واغراضه وملكوا ابواب القلعة وكتبوا فرمانا واخرجوا عبد الرحمن كتخدا وعلي كتخدا الخربطلي وعمر جاويش الداودية ورضوان جربجي الرزاز وغيرهم منفيين
فاما عبد الرحمن كتخدا فارسلوه الى السويس ليذهب إلى الحجاز وعينوا للذهاب معه صالح بك ليوصله إلى السويس
ونفوا باقي الجماعة الى جهة بحري وارتجت مصر في ذلك اليوم وخصوصا لخروج عبد الرحمن كتخدا فأنه كان اعظم الجميع وكبيرهم وابن سيدهم وله الصولة والكلمة والشهرة وبه ارتفع قدر الينكجرية على العزب وكان له عزوة كبيرة ومماليك واتباع وعساكر مغاربة وغيرهم حتى ظن الناس وقوع فتنة عظيمة في ذلك اليوم
فلم يحصل شيء من ذلك سوى ما نزل بالناس من البهتة والتعجب
ثم ارسل الى صالح بك فرمانا بنفيه الى غزة فوصل اليه الجاويش في اليوم الذي نزل فيه عبد الرحمن كتخدا في المركب وسافر وذهب صالح بك الى غزة فاقام بها مدة قليلة ثم ارسلوا له جماعة ونقلوه من غزة وحضروا به الى ناحية بحري واجلسوه برشيد ورتب له علي بك ما يصرفه وجعل له فائظا في كل سنة عشرة اكياس
فاقام برشيد مدة فحضرت اخبار وصول الباشا الجديد وهو حمزة باشا الى ثغر سكندرية فارسلوا الى صالح بك جماعة يغيبونه من رشيد ويذهبون به الى دمياط يقيم بها وذلك لئلا يجتمع بالباشا
فلما وصلت اليه الاخبار بذلك ركب بجماعته ليلا وسار الى جهة البحيرة وذهب من خلف جبل الفيوم الى جهة قبلى فوصل الى منية ابن خصيب فاقام بها واجتمع عليه اناس كثيرة من الذين شردهم علي بك ونفاهم في البلاد وبنى له ابنية ومتاريس وكان له معرفة وصداقة مع شيخ العرب همام واكابر الهوارة واكثر البلاد الجارية في التزامه جهة قبلي
واجتمع عليه الكثير منهم وقدموا له التقادم والذخيرة وما يحتاج اليه ووصل المولى حفيد افندي القاضي وكان من العلماء الافاضل ويعرف بطرون افندي وكان مسنا هرما فجلس على الكرسي بجامع المشهد الجسيني ليملي درسا فاجتمع عليه الفقهاء الازهرية وخلطوا عليه وكان المتصدي لذلك الشيخ احمد بن يونس والشيخ عبد الرحمن البراذعي فصار يقول لهم كلموني بآداب البحث أما قرأتم آداب البحث
فزادوا في المغالطة فما وسعه الا القيام فانصرفوا عنه وهم يقولون عكسناه
وفي شعبان من السنة المذكورة شرع القاضي المذكور في عمل فرح لختان ولده فارسل اليه علي بك هدية حافلة وكذلك باقي الامراء والاختيارية والتجار والعلماء حتى امتلأت حواصل المحكمة بالارز والسمن والعسل والسكر وكذلك امتلأ المقعد بفروق البن ووسط الحوش بالحطب الرومي واجتمع بالمحكمة أرباب الملاعيب والملاهي والبهلوانات وغيرهم واستمر ذلك عدة أيام والناس تغدو وتروح للفرجة وسعت العلماء والامراء والاعيان والتجار لدعوته
وفي يوم الزفة ارسل اليه علي بك ركوبته وجميع اللوازم من الخيول والمماليك وشجر الدر والزرديات وكذلك طاقم الباشا من الاغوات والسعاة والجاويشية والنوبة التركية واركبوا الغلام بالزفة الى بيت علي بك فالبسه فروة سمور ورجع الى المحكمة بالموكب وختن معه عدة غلمان وكان مهما مشهودا واتحد هذا القاضي بالشيخ الوالد وتردد كل منهما على الآخر كثيرا وحضر مرة في غير وقت ولا موعد في يوم شديد الحر فلما صعد الى اعلى الدرج وكان كثيرا فاستلقى من التعب على ظهره لهرمه فلما تروح وارتاح في نفسه قال له الشيخ يا افندي لاي شيء تتعب نفسك أنا آتيك متى شئت
فقال انا اعرف قدرك وانت تعرف قدري، وكان نائبه من الاذكياء أيضا
ولما حضر حمزة باشا سنة 1179 المذكورة واليا على مصر وطلع الى القلعة عرضوا له امر صالح بك وأنه قاطع الطريق ومانع وصول الغلال والميري وأخذوا فرمانا بالتجريد عليه وتقلد حسين بك كشكش حاكم جرجا وامير التجريدة وشرعوا في التشهيل والخروج فسافر حسين بك كشكش وصحبته محمد بك ابو الذهب وحسن بك الازبكاوي فالتطموا مع صالح بك لطمة صغيرة ثم توجه وعدى الى شرق أولاد يحيى وكان حسين بك شبكة مملوك حسين بك كشكش نفاه علي بك الى قبلي فلما ذهب صالح بك الى قبلي انضم اليه وركب معه فلما توجه حسين بك بالتجريدة وعدى صالح بك شرق اولاد يحيى انفصل عنه وحضر الى سيده حسين بك وانضم إليه كما كان ورجع محمد بك وحسن بك الى مصر وتخلف حسين بك عن الحضور يريد الذهاب الى منصبه بجرجا وأقام في المنية فارسل اليه علي بك فرمانا بنفيه الى جهة عينها له فلم يتمثل لذلك وركب في مماليكه وأتباعه وامرائه وحضر الى مصر ليلا فوجد الباب الموصل لجهة قناطر السباع مغلوقا فطرقه فلم يفتحوه فكسره ودخل وذهب الى بيته وبقي الامر بينهم على المسالمة أياما فاراد علي بك أن يشغله بالسم بيد عبد الله الحكيم وقد كان طلب منه معجونا للباءة فوضع له السم في المعجون واحضره له فامره ان يأكل منه اولا فتلكأ واعتذر فامر بقتله
وكان عبد الله الحكيم هذا نصرانيا روميا يلبس على رأسه قلبق سمور وكان وجيها جميل الصورة فصيحا متكلما يعرف التركية والعربية والرومية والطليانية
وعلم حسين بك انها من عزيمة علي بك فتأكدت بينهما الوحشة واضمر كل منهما لصاحبه السوء وتوافق علي بك مع جماعته على غدر حسين بك او اخراجه فوافقوه ظاهرا واشتغل حسين بك على اخراج علي بك وعصب خشداشينه وغيرهم وركبوا عليه المدافع فكرنك في بيته وانتظر حضور المتوافقين معه فلم يأته منهم أحد وتحقق نفاقهم عليه
فعند ذلك أرسل اليهم يسألهم عن مرادهم فحضر اليه منهم من يأمره بالركوب والسفر فركب واخرجوه منفيا الى الشام ومعه مماليكه وأتباعه وذلك في اواخر شهر رمضان سنة 1179 واقام بالعادلية ثلاثة أيام حتى عملوا حسابه وحساب أتباعه وهم محيطون بهم من كل جهة بالعسكر والمدافع حتى فرغوا من الحساب واستخلصوا ما بقي على طرفهم ثم سافروا الى جهة غزة وكانت العادة فيمن ينفى من امراء مصر انه اذا خرج الى خارج فعلوا معه ذلك ولا يذهب حتى يوفي جميع ما يتأخر بذمته من ميري وخلافة وان لم يكن معه ما يوفي ذلك باع اساس داره ومتاعه وخيوله ولا يذهب الا خالص الذمة
وسافر صحبة علي بك امراؤه وهم محمد بك وايوب بك ورضوان بك وذو الفقار بك وعبد الله أغا الوالي واحمد جاويش وسليمان جاويش وقيطاس كتخدا وباقي اتباعه
واستقر خليل بك كبير البلد مع قسيمه حسين بك كشكش وباقي جماعتهم وحسن بك جوجو وعزلوا عبد الرحمن أغا وقلدوا قاسم أغا الوالي أغات مستحفظان وورد الخبر من الجهة القبلية بأن صالح بك رجع من شرق اولاد يحيى الى المنية واستقر فيها وحصنها
فعند ذلك شرعوا في تشهيل تجريدة وبرزوا الى جهة البساتين
وفي تلك الايام رجع علي بك ومن معه على حين غفلة ودخل الى مصر فنزل ببيت حسين بك كشكش ومحمد بك نزل عند عثمان بك الجرجاوي وايوب بك دخل منزل ابراهيم أغا الساعي فاجتمع الامراء بالاثار وعملوا مشوره في ذلك
فاقتضى الرأي بان يرسلوه الى جدة فاجتمع الرأي بان يعطوه النوسات ويذهب اليها فرضي بذلك وذهب الى النوسات وأقام بها وأرسلوا محمد بك وأيوب بك ورضوان بك الى قبلي بناحية اسيوط وجهاتها وكان هناك خليل بك الاسيوطي فانضموا اليه وصادقوه وسفروا التجريدة الى صالح بك فهزمت فارسلوا له تجريدة اخرى واميرها حسن بك جوجو وكان منافقا فلم يقع بينهم الا بعض مناوشات ورجعوا أيضا كانهم مهزومون وارسلوا له ثالث ركبة
فكانت الحرب بينهم سجالا ورجعوا كذلك بعد أن اصطلحوا مع صالح بك ان يذهب الى جرجا ويأخذ ما يكفيه هو ومن معه ويمكث بها ويقوم بدفع المال والغلال
وكان ذلك في شهر جمادى الاولى سنة 1180
وفي ثاني شعبان منها اتهموا حسن بك الازبكاوي انه يراسل علي بك وعلي بك يراسله فقتلوه في ذلك اليوم بقصر العيني ورسموا بنفي خشداشينه وهم حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وسليمان أغا كتخدا الجاويشية سيد الثلاثة وهو زوج ام عبد الرحمن كتخدا وكان مقيما بمصر القديمة وقد صار مسنا فسفروهم الى جهة بحري وتخيلوا من اقامة علي بك بالنوسات فارسلوا له خليل بك السكران فاخذه وذهب به الى السويس ليسافر الى جدة من القلزم وأحضر له المركب لينزل فيها
وفي ثاني شهر شوال من السنة ركب الامراء الى قراميدان ليهنئوا الباشا بالعيد وكان معتاد الرسوم القديمة ان كبار الامراء يركبون بعد الفجر من يوم العيد كذلك ارباب العكاكيز فيطلعون الى القلعة ويمشون امام الباشا من باب السراية الى جامع الناصر بن قلاوون فيصلون صلاة العيد ويرجعون كذلك ثم يقبلون اتكة ويهنئونه وينزلون الى بيوتهم فيهنىء بعضهم بعضا على رسمهم واصطلاحهم وينزل الباشا في ثاني يوم الى الكشك بقراميدان وقد هيئت مجالسه بالفرش والمساند والستائر واستعد فراشو الباشا بالتطلي والقهوة والشربات والقماقم والمباخر ورتبوا جميع الاحتياجات واللوازم من الليل واصطفت الخدم والجاويشية والسعاة والملازمون وجلس الباشا الكشك وحضرت أرباب العكاكيز والخدم قبل كل أحد ثم يأتي الدفتردار وأمير الحاج والامراء الصناجق والاختيارية وكتخدا والعزب أصحاب الوقت والمقادم والاوده باشية واليمقات والجربجية فيهنئون الباشا ويعيدون عليه على قدر مراتبهم بالقانون والترتيب ثم ينصرفون
فلما حضروا في ذلك اليوم المذكور وهنا الامراء الصناجق الباشا وخرجوا الى دهليز القصر يريدون النزول وقف لهم جماعة وسحبوا السلاح عليهم وضربوا عليهم بنادق فاصيب عثمان بك الجرجاوي بسيف في وجهه وحسين بك كشكش أصيب برصاصة نفذت من شقه وسحب الآخرون سلاحهم وسيوفهم واحتاط بهم مماليكهم ونط اكثرهم من حائط البستان ونفذوا من الجهة الاخرى وركبوا خيولهم وهم لا يصدقون بالنجاة
وانجرح أيضا اسمعيل بك ابو مدفع ومحمود بك وقاسم أغا ولكن لم يمت منهم الا عثمان بك
وباتوا على ذلك فلما اصبحوا اجتمعوا وطلعوا الى الابواب وارسلوا الى الباشا يأمرونه بالنزول فنزل الى بيت احمد بك كشك بقوصون وعند نزوله ومروره بباب العزب وقف له حسين بك كشكش وأسمعه كلاما قبيحا ثم انهم جعلوا خليل بك بلغيه قائمقام وقلدوا عبد الرحمن أغا مملوك عثمان بك صنجقا عوضا عن سيده ونسبت هذه النكتة الى حمزة باشا وقيل انها من علي بك الذي بالنوسات ومراسلاته الى حسن بك جوجو فبيت مع انفار من الجلفية وأخفاهم عنده مدة ايام وتواعدوا على ذلك اليوم وذهبوا الى الكشك بقراميدان وكانوا نحو الاربعين فاختلفوا واتفقوا على ثاني يوم بدهليز بيت القاضي وتفرقوا الا أربعة منهم ثبتوا على ذلك الاتفاق وفعلوا هذه الفعلة وبطل أمر العيد من قراميدان من ذلك اليوم
وتهدم القصر وخرب وكذلك الجنينة ماتت اشجارها وذهبت نضارتها ولما حصلت هذه الحادثة أرسلوا حمزة بك الى علي بك فوجده في المركب الغاطس ينتظر اعتدال الريح للسفر فرده الى البر واركبه بمماليكه واتباعه ورجع الى جهة مصر ومر من الجبل وذهب الى جهة شرق اطفيح ثم الى أسيوط بقبلي ورجع حمزة بك الى مصر
ثم ان علي بك اجتمع عليه المنفيون وهوارة وخلافهم وأراد الانضمام الى صالح بك فنفر منه فلم يزل يخادعه وكان علي كتخدا الخربطلي هناك منفيا من قبله وجعله سفيرا فيما بينه وبين صالح بك هو وخليل بك الاسيوطي وعثمان كتخدا الصابونجي فارسلهم فلم يزالوا به حتى جنح لقولهم
فعند ذلك ارسل اليه محمد بك ابو الذهب فلم يزل به حتى انخدع له واجتمع عليه بكفالة شيخ العرب همام وتحالفا وتعاقدا وتعاهدا على الكتاب والسيف
وكتبوا بذلك حجة واتفق مع علي بك انه اذا تم لهم الامر اعطى لصالح بك جهة قبلي قيد حياته
واتفقوا على ذلك بالمواثيق الاكيدة وأرسلوا بذلك الى شيخ العرب همام فانسر بذلك ورضي به مراعاة لصالح بك وأمدهم عند ذلك همام بالعطايا والمال والرجال واجتمع عليهم المتفرقون والمشردون من الغز والاجناد والهوارة والشجعان ولموا جموعا كثيرة وحضروا الى المنية وكان بها خليل بك السكران
فلما بلغه قدومهم ارتحل منها وحضر الى مصر هاربا واستقر علي بك وصالح بك وجماعتهم بالمنية وبنوا حولها اسوارا وابراجا وركبوا عليها المادفع وقطعوا الطريق على المسارفين المبحرين والمقبلين
وأرسل علي بك الى ذي الفقار بك وكان بالمنصورة وصحبته جماعة كشاف فارتحلوا ليلا وذهبوا الى المنية فعمل الامراء جمعية وعزموا على تشهيل تجريدة وتكلموا وتشاوروا في ذلك فتكلم الشيخ الحفناوي في ذلك المجلس وأفحمهم الكلام ومانع في ذلك وحلف انه لا يسافر أحد بتجريدة مطلقا وان فعلوا ذلك لا يحصل لهم خير ابدا فقالوا انه هو الذي يحرك الشر ويريد الانفراد بنفسه ومماليكه وان لم نذهب اليه أتى هو الينا وفعل مراده فينا فقال لهم الشيخ أنا أرسل اليه مكاتبة فلا تتحركوا بشيء حتى يأتي رد الجواب
فلم يسعهم الا الامتثال فكتب له الشيخ مكتوبا ووبخه فيه وزجره ونصحه ووعظه وأرسلوه اليه فلم يلبث الشيخ بعد هذا المجلس الا أياما ومرض ورمى بالدم وتوفى الى رحمة الله تعالى
فيقال انهم اشغلوه وسموه ليتمكنوا من اغراضهم
● ● ولاية محمد باشا راقم
وفي أثناء ذلك ورد الخبر بوصول محمد باشا راقم الى سكندرية فارسلوا له الملاقاة وحضر الى مصر وطلع الى القلعة في غرة ربيع الثاني سنة 1181
وفي حادي عشر جمادى الاولى اجتمعوا بالديوان وقلدوا حسن بك رضوان دفتردار مصر
وفي خامس عشرة قلدوا خليل بك بلغيه امير الحاج وقاسم أغا صنجقا وكتبوا فرمانا بطلوع التجريدة الى قبلي ولبس صاري عسكرها حسين بيك كشكش وشرعوا في التشهيل واضطرهم الحال الى مصادرة التجار وأحضر خليل بيك النواخيد وهم منلا مصطفى وأحمد أغا الملطيلي وقرأ ابراهيم وكاتب البهار وطلب منهم مال البهار معجلا فاعتذروا فصرخ عليهم وسبهم فخرجوا من بين يديه وأخذوا في تشهيل المطلوب وجمع المال من التجار وبرز حسين بيك خيامه للسفر في منتصف جمادى الاولى وخرج صحبته ستة من الصناجق وهم حسن بيك جوجو وخليل بيك السكران وحسن بيك شبكة واسمعيل بيك أبو مدفع وحمزة بيك وقاسم بيك واسرعوا في الارتحال
وفي عشرينه اخرج خلفهم ايضا خليل بك تجريدة اخرى وفيها ثلاثة صناجق ووجاقلية وعسكر مغاربة وسافروا ايضا في يومها وبعد ثلاثة ايام ورد الخبر وقوع الحرب بينهم ببياضة تجاه بني سويف فكانت الهزيمة على حسين بك ومن معه وقتل علي أغا الميجي وخلافه
وقتل من ذلك الطرف ذو الفقار بك ورجع المهزومون في ذلك ثاني يوم الاحد طلعوا الى ابواب القلعة وطلبوا من الباشا فرمانا بالتجريدة على الكثرة وهو يوم السبت رابع عشرينه وهم في اسوأ حال
واصبحوا يوم علي بك وصالح بك ومن معهم وطلبوا مائتي كيس من الميري يصرفوها في اللوازم فامتنع الباشا من ذلك وحضر الخبر يوم الاثنين بوصول القادمين الى غمازه وكان الوجاقلية وحسن بك جوجو ناصبين خيامهم جهة البساتين فارتحلوا ليلا وهربوا وتخبل عقل خليل بك وحسين بك ومن معهما وتحيروا في امرهم وتحققوا الادبار والزوال وأرسل الباشا الى الوجاقلية يقول لهم كل وجاق يلازم بابه
وفي سابع عشرينه حضر علي بك صالح بك ومن معهم الى البساتين فازداد تحيرهم وطلعوا الى الابواب فوجدوها مغلوقة فرجعوا الى قراميدان وجلسوا هناك ثم رجعوا وتسحب تلك الليلة كثير من الامراء والاجناد وخرجوا الى جهة علي بك وكان حسن بك المعروف بجوجو ينافق الطرفين ويراسل علي بك وصالح بك سرا ويكاتبهما وضم اليه بعض الامراء مثل قاسم بك خشداشه واسمعيل بك زوج هانم بنت سيدهم وعلي بك السروجي وجن علي وهو خشداش ابراهيم بك بلغية وكثير من اعيان الوجاقلية ويرسلون لهم الاوراق في داخل الاقصاب التي يشربون فيها الدخان ونحو ذلك
وفي ليلة الخميس تاسع عشرين جمادى الاولى هرب الامراء الذين بمصر وهو خليل بك شيخ البلد واتباعه وحسين بك كشكش واتباعه وهم نحو عشرة صناجق وصحبتهم مماليكهم وأجنادهم عدة كثيرة وأصبح يوم الخميس فخرج الاعيان وغيرهم لملاقاة القادمين ودخل في ذلك اليوم علي بك وصالح بك وصناجقهم ومماليكهم واتباعهم وجميع من كان منفيا بالصعيد قبل ذلك من امراء ووجاقلية وغيرهم وحضر صحبتهم علي كتخدا الخربطلي وخليل بك السيوطي وقلده علي بك الصنجقية مجددا وضربت النوبة في بيته ثم أعطاه كشوفية الشرقية وسافر اليها
وفي يوم الاحد ثاني جمادى الثانية طلع علي بك وصالح بك وباقي الامراء القادمين والذين تخلفوا عن الذاهبين مثل حسن بك جوجو واسمعيل بك زوج هانم وجن علي وعلي بك السروجي وقاسم بك والاختيارية والوجاقلية وغيرهم الى الديوان بالقلعة فخلع الباشا على علي بك واستقر في مشيخة البلد كما كان وخلع علي صناجقه خلع الاستمرار أيضا في امارتهم كما كانوا ونزلوا الى بيوتهم وثبت قدم علي بك في امارة مصر ورئاستها في هذه المرة وظهر بعد ذلك الظهور التام وملك الديار المصرية والاقطار الحجازية والبلاد الشامية وقتل المتمردين وقطع المعاندين وشتت شمل المنافقين و وخرق القواعد وخرم العوائد وأحزب البيوت القديمة وأبطل الطرائق التي كانت مستقمية ثم انه حضر سليمان أغا كتخدا الجاويشية وصناجقه الى مصر وعزم على نفي بعض الاعيان واخراجهم من مصر فعلم انه لا يتمكن من اغراضه مع وجود حسن بك جوجو وانم ما دام حيا لا يصفو له الحال فأخذ يدبر على قتله فبيت مع اتباعه على قتله فحضر حسن بك جوجو وعلي بك جن علي عند علي بك وجلسوا معه حصة من الليل وقام ليذهب الى بيته فركب وركب معه جن علي ومحمد بك ابو الذهب وايوب بك ليذهبا ايضا الى بيوتهما لاتحاد الطريق فلما صاروا في الطريق التي عند بيت الشابوري خلف جامع قوصون سحبوا سيوفهم وضربوا حسن بك وقتلوه وقتلوا معه أيضا جن علي ورجعوا وأخبروا سيدهم علي بك وذلك ليلة الثلاثاء ثامن شهر رجب من سنة 1181 واصبح علي بك مالكا للابواب ورسم بنفي قاسم بك واسمعيل بك ابي مدفع وعبد الرحمن بك واسمعيل بك كتخدا عزبان ومحمد كتخدا زنور ومصطفى جاويش تابع مصطفى جاويش الكبير مملوك ابراهيم كتخدا وخليل جاويش درب الحجر
وفي حادي عشر شهر شوال اخرج ايضا نحو الثلاثين شخصا من الاعيان ونفاهم في البلاد وفيهم ثمانية عشر اميرا من جماعة الفلاح وفيهم علي كتخدا واحمد كتخدا الفلاح وابراهيم كتخدا مناو وسليمان أغا كتخدا جاووشان الكبير وصناجقه حسن بك ابو كرش ومحمد بك الماوردي وخلافهم مقادم وأوده باشية فنفى الجميع الى جهة قبلي وارسل سليمان أغا كتخدا الجاويشية الى السويس ليذهب الى الحجاز من القلزم واستمر هناك الى أن مات
وفيه قبض علي بك على الشيخ يوسف بن وحيش وضربه علقة قوية ونفاه الى بلده جناج فلم يزل بها الى أن مات
وكان من دهاة العالم وكان كاتبا عند عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وله شهرة وسمعة في السعي وقضاء الدعاوى والشكاوى والتحيلات والمداهنات والتلبيسات وغير ذلك
وفي شهر الحجة وصلت اخبار عن حسين بك كشكش وخليل بك انهم لما وصلوا الى غزة جمعوا جموعا وانهم قادمون الى مصر فشرع علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة وبرزوا وسافروا
ثم ورد الخبر بعد ثلاثة ايام انهم عرجوا الى جهة دمياط ونهبوا منها شيئا كثيرا ثم حضروا الى المنصورة ونهبوا منها كذلك فارسل علي بك يأمر التجريدة بالذهاب اليهم وأرسل لهم أيضا عسكرا من البحر فتلاقوا معهم عند الديزس والجراح من أعمال المنصورة عند سمنود فوقع بينهم وقعة عظيمة وانهزمت التجريدة وولوا راجعين
وقتل في هذه المعركة سليمان جربجي باش اختيار جمليان واحمد جرجبي ظنان جراكسه وعمر أغا جاووشان أمين الشون وكانوا صدور الوجاقات ولم يزالوا في هزيمتهم الى دجوة
فلما وصل الخبر بذلك الى علي بك اهتم لذلك ونزل الباشا وخرج الى قبة باب النصر خارج القاهرة وجمع الوجاقلية والعلماء وارباب السجاجيد وأمر الباشا بأن كل من كان وجاقيا او عليه عتامنة يشهل نفسه ويطلع الى التجريدة أو يخرج عنه بدلا واجتهد علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة أخرى وكبيرها محمد بك ابو الذهب وسافروا في أوائل المحرم واجتمعوا بالتجريدة الاولى وسار الجميع خلف حسين بك وخليل بك ومن معهم وكانوا عدوا الى بر الغربية بعد ان هزموا التجريدة فلو قدر الله انهم لما كسروا التجريدة ساقوا خلفهم كما فعل علي بك وصالح بك لدخلوا الى مصر من غير مانع ولكن لم يرد الله تعالى لهم ذلك
وانقضت هذه السنين وما وقع بها
من مات في هذه الاعوام
من اكابر العلماء وأعاظم الامراء
من اكابر العلماء وأعاظم الامراء