بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة التاريخ عجائب الآثار الجزء الأول
{ الفصل الثاني } في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم اعيانها ووفياتهم ابتداء من ظهور امر الفقارية { من مات في سنة اثنتين ومائتين والف ممن له ذكر }
مات الامام العلامة احد المتصدرين واوحد العلماء المتبحرين حلال المشكلات وصاحب التحقيقات الشيخ حسن بن غالب الجداوي المالكي الازهري ولد بالجدية في سنة 1128 وهي قرية قرب رشيد وبها نشأ وقدم الجامع الأزهر فتفقه على بلدية الشيخ شمس الدين محمد الجداوي وعلى افقه المالكية في عصره السيد محمد بن محمد السلموني وحضر على الشيخ علي خضر العمروسي وعلى السيد محمد البليدي والشيخ علي الصعيدي أخذ عنهم الفنون بالاتقان ومهر فيها حتى عد من الاعيان ودرس في حياة شيوخه وأفتى وهو شيخ بهي الصور طاهر السريرة حسن السيرة فصيح اللهجة شديد العارضة يفيد الناس بتقريره الفائق ويحل المشكلات بذهنه الرائق وحلقة درسه عليها الخفر وما يلقيه كأنه نثار جواهر ودرر وله مؤلفات وتقييدات وحواش وكان له وظيفة الخطابة بجامع مرزه جربجي ببولاق ووظيفة تدريس بالسنانية ايضا وينزل الى بلده الجدية في كل سنة مرة ويقيم بها اياما ويجتمع عليه أهل الناحية ويهادونه ويفصلون على يديه قضاياهم ودعاويهم وأنكحتهم ومواريثهم ويؤخرون وقائعهم الحادثة بطول السنة الى حضوره ولا يثقون الا بقوله ثم يرجع الى مصر بما اجتمع لديه من الارز والسمن والعسل والقمح وغير ذلك ما يكفي عياله الى قابل مع الحشمة والعفة توفي بعد أن تعلل أشهرا في أواخر شهر ذي الحجة وجهز وصلي عليه بالازهر بمشهد حافل ودفن عند شيخه الشيخ محمد الجداوي في قبر اعده لنفسه رحمه الله تعالى ومات الامام العالم العلامة الفقيه المحدث النحوي الشيخ حسن الكفراوي الشافعي الأزهري ولد ببلده كفر الشيخ حجازي بالقرب من المحلة الكبرى فقرأ القرآن وحفظ المتون بالمحلة ثم حضر الى مصر وحضر شيوخ الوقت مثل الشيخ احمد السجاعي والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ محمد الحفني والشيخ علي الصعيدي ومهر في الفقه والمعقول وتصدر ودرس وأفتى واشتهر ذكره ولازم الاستاذ الحفني وتداخل في القضايا والدعاوي وفصل الخصومات بين المتنازعين وأقبل عليه الناس بالهدايا والجعالات ونما امره وراش جناحه وتجمل بالملابس وركوب البغال وأحدق به الاتباع واشترى بيت الشيخ عمر الطحلاوي بحارة الشنواني بعد موت ابنه سيدي علي فزادت شهرته ووفدت عليه الناس وأطعم الطعام واستعمل مكارم الاخلاق ثم تزوج ببنت المعلم درع الجزار بالحسينية وسكن بها فجيش عليه أهل الناحية وأولو النجدة والزعارة والشطارة وصار له بهم نجدة ومنعة على من يخالفه او يعانده ولو من الحكام وتردد الى الامير محمد بك أبي الذهب قبل استقلاله بالامارة وأحبه وحضر مجالس دروسه في شهر رمضان بالمشهد الحسيني فلما استبد بالامر لم يزل يراعي له حق الصحبة ويقبل شفاعته في المهمات ويدخل عليه من غير استئذان في أي وقت اراد فزادت شهرته ونفذت احكامه وقضاياه واتخذ سكنا على بركة جناق ايضا ولما بنى محمد بك جامعه كان هو المتعين فيه بوظيفة رئاسة التدريس والافتاء ومشيخة الشافعية وثالث ثلاثة المفتين الذين قررهم الامير المذكور وقصر عليهم الافتاء وهم الشيخ احمد الدردير المالكي والشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي والمترجم وفرض لهم أمكنة يجلسون فيها أنشأها لهم بظاهر المبيضاة بجوار التكية التي جعلها لطلبة الاتراك بالجامع المذكور حصة من النهار في ضحوة كل يوم للافتاء بعد القائهم دروس الفقه ورتب لهم ما يكفيهم وشرط عليهم عدم قبول الرشا والجعالات فاستمروا على ذلك أيام حياة الامير واجتمع المترجم بالشيخ صادومه المشعوذ الذي تقدم ذكره في ترجمة يوسف بك ونوه بشأنه عند الامراء والناس وأبرزه لهم في قالب الولاية ويجعل شعوذته وسيمياه من قبيل الخوارق والكرامات الى أن اتضح امره ليوسف بك فتحامل عليه وعلى قرينه الشيخ المترجم من أجله ولم يتمكن من أيذائهما في حياة سيده فلما مات سيده قبض على الشيخ صادومة وألقاه في بحر النيل وعزل المترجم من وظيفة المحمدية والافتاء وقلد ذلك الشيخ أحمد بن يونس الخليفي وانكسف باله وخمد مشعال ظهروه بين أقرانه الا قليلا حتى هلك يوسف بك قبل تمام الحول ونسيت القضية وبطل امر الوظيفة والتكية وتراجع حاله لا كالاول ووافاه الحمام بعد ان تمرض شهورا وتعلل وذلك في عشرين شعبان من السنة وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين ومن مؤلفاته اعراب الآجرومية وهو مؤلف نافع مشهور بين الطلبة وكان قوي البأس شديد المراس عظيم الهمة والشكيمة ثابت الجنان عند العظائم يغلب على طبعه حب الرياسة والحكم والسياسة ويحب الحركة بالليل والنهار ويمل السكون والقرار وذلك مما يورث الخلل ويوقع في الزلل فان العلم إذا لم يقرن بالعمل ويصاحبه الخوف والوجل ويجمل بالتقوى ويزين بالعفاف ويحلى باتباع الحق والانصاف اوقع صاحبه في الخذلان وصيره مثلة بين الاقران ومات الشيخ العلامة المتفنن البحاث المتقن ابو العباس المغربي اصله من الصحراء من عمالة الجزائر دخل مصر صغيرا فحضر دروس الشيخ علي الصعيدي فتفقه عليه ولازمه ومهر في الآلات والفنون وأذن له في التدريس فصار يقرىء الطلبة في رواقهم وراج امره لفصاحته وجوده حفظه وتميز في الفضائل وحج سنة 1182 وجاور بالحرمين سنة واجتمع بالشيخ ابي الحسن السندي ولازمه في دروسه وباحثه وعادا الى مصر وكان يحسن الثناء على المشار اليه واشتهر امره وصارت له في الرواق كلمة واحترمه علماء مذهبه لفضله وسلاطة لسانه وبعد موت شيخه عظم امره حتى اشير له بالمشيخة في الرواق وتعصب له جماعة فلم يتم له الامر ونزل له السيد عمر افندي الاسيوطي عن نظر الجوهرية فقطع معاليم المستحقين وكان محجاجا عظيم المراس يتقي شره توفي ليلة الاربعاء حادي عشرين شعبان غفر الله لنا وله ومات الامام الفقيه العلامة النحوي المنطقي الفرضي الحيسوب الشيخ موسى البشبيشي الشافعي الازهري نشأ بالجامع الازهر من صغره وحفظ القرآن والمتون وحضر دروس الاشياخ كالصعيدي والدردير والمصيلحي والصبان والشتويهي ومهر وانجب وصار من الفضلاء المعدودين ودرس في الفقه والمعقول واستفاد وافاد ولازم حضور شيخا العروسي في غالب الكتب فيحضر ويملي ويستفيد ويفيد وكان مهذبا في نفسه متواضعا مقتصدا في ملبسه ومأكله عفوفا قانعا خفيف الروح لا يمل من مجالسته ومفاكهته ولم يزل منقطعا للعلم والإفادة ليلا ونهارا مقبلا على شأنه حتى توفي رحمه تعالى حادي عشر شعبان مطعونا ومات العلامة الاديب واللوذعي اللبيب المتقن المتفنن الشيخ محمد ابن علي بن عبد الله بن احمد المعروف بالشافعي المغربي التونسي نزيل مصر ولد بتونس سنة 1152 ونشأ في قراءة القرآن وطلب العلم وقدم إلى مصر سنة أحدى وسبعين وجاور بالأزهر برواق المغاربة وحضر علماء العصر في الفقه والمعقولات ولازم دروس الشيخ علي الصعيدي وابي الحسن القلعي التونسي شيخ الرواق وعاشر اللطفاء والنجباء من أهل مصر وتخلق بأخلاقهم وطالع كتب التاريخ والادب وصار له ملكة في استحضار المناسبات الغريبة والنكات وتزوج وتزيا بزي اولاد البلد وتحلى بذوقهم ونظم الشعر الحسن توفي رحمة الله في يوم الجمعة ثالث شعبان من السنة ومات صاحبنا الشاب الصالح العفيف الموفق الشيخ مصطفى بن جاد ولد بمصر ونشأ بالصحراء بعمارة السلطان قايتباي ورغب في صناعة تجليد الكتب وتذهيبها فعانى ذلك ومارسه عند الاسطى احمد الدقدوسي حتى مهر فيها وفاق استاذه وادرك دقائق الصنعة والتذهيبات والنقوشات بالذهب المحلول والفضة والاصباغ الملونة والرسم والجداول والاطباع وغير ذلك وانفرد بدقيق الصنعة بعد موت الصناع الكبار مثل الدقدوسي وعثمان افندي بن عبد الله عتيق المرحوم الوالد والشيخ محمد الشناوي وكان لطيف الذات خفيف الروح محبوب الطباع مألوف الاوضاع ودودا مشفقا عفوفا صالحا ملازما على الاذكار والاوراد مواطبا على استعمال اسم لطيف العدة الكبرى في كل ليلة على الدوام صيفا وشتاء سفرا وحضرا حتى لاحت عليه أنوار الاسم الشريف وظهرت فيه اسراره وروحانيته وصار له ذوق صحيح وكشف صريح ومراء واضحة وأخذ على شيخنا الشيخ محمود الكردي طريق السادة الخلوتية وتلقن عنه الذكر والاسم الاول وواظب على ورد العصر ايام حياة الاستاذ ولم يزل مقبلا على شأنه قانعا بصناعته ويستنسخ بعض الكتب ويبيعها ليربح فيها الى ان وافاه الحمام وتوفي سابع شهر القعدة من السنة بعد ان تعلل أشهرا رحمه الله وعوضنا فيه خيرا فإنه كان بي رؤوفا وعلي شفوقا ولا يصبر عني يوما كاملا مع حسن العشرة والمودة والمحبة لا لغرض من الاغراض ولم أر بعده مثله وخلف بعده أولاده الثلاثة وهم الشيخ صالح وهو الكبير واحمد بدوي والشيخ صالح المذكور هو الان عمدة مباشري الاوقاف بمصر وجابي المحاسبة وله شهرة ووجاهة في الناس وحسن حال عشرة وسير حسن وفقه الله واعانه على وقته ومات ايضا الصنو الفريد واللوذعي الوحيد والكاتب المجيد والنادرة المفيد اخونا في الله خليل افندي البغدادي ولد ببغداد دار السلام وتربى في حجر والده ونشأ بها في نعمة ورفاهية وكان والده من أعيان بغداد وعظمائها مال وثروة عظيمة وبينه وبين حاكمها عثمان باشا معاشرة وخلطة ومعاملة فلما وصل الطاغية طهماز إلى تلك الناحية وحصل منه ما حصل في بغداد وفر منه حاكمها المذكور قبض على والد المترجم واتهمه بأموال الباشا وذخائره ونهب داره واستصفى أمواله ونواله وأهلك تحت عقوبته وخرج اهله وعياله وأولاده فارين من بغداد على وجوهم وفيهم المترجم وكان إذ ذاك أصغر اخوته فتفرقوا في البلاد وحضر المترجم بعد مدة من الواقعة مع بعض التجار الى مصر واستوطنها وعاشر أهلها وأحبه الناس للطفه ومزاياه وجود الخط على الانيس والضيائي والكشري ومهر فيه وكان يجيد لعب الشطرنج ولا يباريه فيه أحد مع الخفة والسرعة وقل من يتناقل معه فيه بالكامل بل كان يناقل غالب الحذاق بدون الفرزان أو أحد الرخين ولم أر من ناقلة بالكامل الا الشيخ سلامة الكتبي وبذلك رغب في صحبته العيان والاكابر وأكرموه وواسوه مثل عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابوري وسليمان جربجي البرديسي وكان غالب مبيته عنده ولم يزل ينتقل عند الاعيان باستدعاء ورغبة منهم فيه مع الخفة واطراح الكلفة وحسن العشرة ويأوي الى طبقته ولم يتأهل ويغسل ثيابه عند رفيقه السيد حسن العطار بالاشرفية وبآخرة عاشر الامير مراد بك واختص به وأحبه فكان يجود له الخط ويناقله في الشطرنج واغدق عليه ووالاه بالبر فراج حاله واشترى كتبا وواسى اخوانه وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل ولا يبقى على درهم ولا دينار ولما خرج مراد بك من مصر حزن لفقده وبعد وباع ما اقتناه من الكتب وغيرها وصرف ثمنها في بره ولوازمه وعبه دائما ملآن بالمآكل الجافة مثل التمر والكعك والفاكهة يأكل منها ويفرق في مروره على الاطفال والفقراء والكلاب وكان بشوشا ضحوك السن دائما منشرحا يسلي المحزون ويضحك المغبون ويحب الجمال ولا يؤخر المكتوبة عن وقتها اينما كان ويزور الصلحاء والعلماء ويحضر في بعض الاحيان دروسهم ويتلقى عنهم المسائل الفقهية ويحب سماع الالحان واجتماع الاخوان ويعرف اللسان التركي ودخل بيت البارودي كعادته فأصيب بالطاعون وتعلل ليلتين وتوفي حادي عشرين رجب سنة تاريخه رحمه الله وسامحه فلقد كانت افاعيله وطباعه تدل على جودة أصله وطيب أعراقه وأصوله ومات الجناب الاوحد والنجيب المفرد الفصيح اللبيب والنادرة الاريب السيد ابراهيم بن احمد بن يوسف بن مصطفى بن محمد امين الدين ابن علي سعد الدين بن محمد امين الدين الحسني الشافعي المعروف بقلفة الشهر تفقه على شيخ والده السيد عبد الرحمن الشيخوني إذ كان امام والده وتدرج في معرفة الاقلام والكتابة فلما توفي والده تولى مكانه اخوه الاكبر يوسف في كتابة قلم الشهر فلما شاخ وكبر سلمه الى اخيه المترجم فسار فيه احسن سير واقتنى كتبا نفيسة وتمهر في غرائب الفنون واخذ طريق الشاذلية والاحزاب والاذكار على الشيخ محمد كشك وكان يبره ويلاحظه بمراعاته وانتسب اليه وحضر الصحيح وغيره على شيخنا السيد مرتضى وسمع عليه كثيرا من الاجزاء الحديثية في منزله بالركبيين وبالازبكية في مواسم النيل وكان مهيبا وجيها ذا شهامة ومروءة وكرم مفرط وتجمل فاخر عمله فوق همته سموحا بالعطاء متوكلا توفي صبح يوم الاربعاء غاية شهر شعبان بعد ان تعلل سبعة ايام وجهز وصلي عليه بمصلى شيخون ودفن على والده قرب السيدة نفيسة وخلف ولديه النجيبين المفردين حسن افندي وقاسم افندي ابقاهما الله وأحيا بهما المآثر وحفظ عليهما أولادهما واصلح لنا ولهم الايام ومات الامام العلامة والجهبذ الفهامة الفقيه النبيه الاصولي المعقولي الورع الصالح الشيخ محمد الفيومي الشهير بالعقاد احد اعيان العلماء النجباء الفضلاء تفقه على أشياخ العصر ولازم الشيخ الصعيدي المالكي ومهر وأنجب ودرس وانتفع به الطلبة في المعقول والمنقول وألف وافاد وكان انسانا حسنا جميل الاخلاق مهذب النفس متواضعا مشهورا بالعلم والفضل والصلاح لم يزل مقبلا على شأنه محبوبا للنفوس حتى تعلل بالبرقوقية بالصحراء وتوفي بها ودفن هناك بوصية منه رحمه الله ومات صاحبنا الجناب المكرم والملاذ المفخم انيس الجليس والنادرة الرئيس حسن افندي بن محمد افندي المعروف بالزامك قلف الغربية ومن له في ابناء جنسه أحسن منقبة ومزية تربى في حجر والده ومهر في صناعته ولما توفي والده خلفه من بعده وفاقه في هزله وجده وعاشر ارباب الفضائل واللطفاء وصار منزله منهلا للواردين ومربعا للوافدين فيتلقى من يرد اليه بالبشر والطلاقة ويبذل جهده في قضاء حاجة من له به ادنى علاقة فاشتهر ذكره وعظم امره وورد اليه الخاص والعام حتى امراء الالوف العظام فيواسي الجميع ويسكرهم بكأس لطفه المريع مع الحشمة والرياسة وحسن المسامرة والسياسة قطعنا معه اوقاتا كانت في جبهة العمر غرة ولعين الدهر مسرة وقرة وفي هذا العام قصد الحج الى بيت الله الحرام وقضى بعض اللوازم والاشغال واشترى الخيش وادوات الاحمال فوافاه الحمام وارتحل الى دار السلام بسلام وذلك في اواخر رجب بالطاعون رحمه الله ومات ايضا الجناب العالي واللوذعي الغالي والرياستين والمزيتين والفضيلتين الامير احمد افندي الروزنامجي المعروف بالصفائي تقلد وظيفة الروزنامة بديوان مصر عندما كف بصر اسمعيل افندي فكان لها اهلا وسار فيها سيرا حسنا بشهامة وصرامة ورياسة وكان يحفظ القرآن حفظا جيدا وحضر في الفقه والمعقول على اشياخ الوقت قبل ذلك وكان يحفظ متن الالفية لابن مالك ويعرف معانيها ويحفظ كثيرا من المتون ويباحث ويناضل من غير ادعاء للمعرفة والعالمية فتراه اميرا مع الامراء ورئيسا مع الرؤساء وعالما مع العلماء وكاتبا مع الكتاب وولداه سليمان افندي المتوفي سنة ثمان وتسعين وعثمان افندي المتوفي بعده في الفصل سنة خمس ومائتين ووالدتهما المصونة خديجة من أقارب المرحوم الوالد وكانا ريحانتين نجيبين ذكيين مفردين اعقب سليمان محمد افندي وتوفي في سنة ست عشرة وهو مقتبل الشبيبه وحسن افندي الموجود الان وأعقب عثمان احمد وهو موجود ايضا ألا انه بعيد الشبه من ابيه وعمه واولاد عمه وجده وجدته واما ابن عمه حسن افندي فهو ناجب ذكي بارك الله فيه ولما تعلل المترجم وانقطع عن النزول والركوب وحضور الدواوين قلدوا عوضه احمد افندي المعروف بأبي كلبة على مال دفعه فأقام في المنصب دون الشهرين ومات احمد افندي فسمى عثمان افندي العباسي على المنصب وتقلده على رشوة لها قدر وذهب على احمد افندي ابو كلبة ما دفعه في الهباء وكانت وفاة احمد افندي الصفائي المترجم في عشرين خلت من ربيع الثاني من السنة ومات العمدة المفرد والنجيب الاوحد محمد افندي كاتب الرزق الأحباسية وهذه الوظيفة تلقاها بالوراثة عن أبيه وجده وعرفوا اصطلاحها واتقنوا أمرها وكان محمد افندي هذا لا يغرب عن ذهنه شيء يسأل عنه من اراضي الرزق بالبلاد القبلية والبحرية مع اتساع دفاترها وكثرتها ويعرف مظناتها ومن انحلت عنه ومن انتقلت اليه مع الضبط والتحرير والصيانة والرفق بالفقراء في عوائد الكتابة وكان على قدم الخير والصلاح مقتصدا في معيشته قانعا بوظيفته لا يتفاخر في ملبس ولا مركب ويركب دائما الحمار وخلفه خادمه يحمل له كيس الدفتر إذا طلع الى الديوان مع السكون والحشمة وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات العشر ولم يزل هذا حاله حتى تعلل اياما وتوفي الى رحمة الله تعالى ثامن ربيع الثاني وتقرر في الوظيفة عوضه ابن ابنه الشاب الصالح حموده افندي فسار كاسلافه سيرا حسنا وقام بأعباء الوظيفة حسا ومعنى الا انه عاجله الحمام وانخسف بدره قبل التمام وتوفي بعد جده بنحو سنتين وشغرت الوظيفة وابتذلت كغيرها وهكذا عادة الدنيا ومات الجناب السامي والغيث الهاطل الهامي ذو المناقب السنية والافعال المرضية والسجايا المنيفة والاخلاق الشريفة السيد السند حامي الاقطار الحجازية والبلاد التهامية والنجدية الشريف السيد سرور أمير مكة تولى الاحكام وعمره نحو احدى عشرة سنة وكانت مدة ولايته قريبا من أربع عشرة سنة وساس الاحكام احسن سياسة وسار فيها بعدالة ورآسة وأمن تلك الاقطار امنا لا مزيد عليه ومات وفي محبسه نيف وأربعمائة من العربان الرهائن وكان لا يغفل لحظة عن النظر والتدبير في مملكته ويباشر الامور بنفسه ويتنكر ويعس ويتفقد جميع الامور الكلية والجزئية ولا ينام الليل قط فيدور ثلثي الليل ويطوف حول الكعبة الثلث الاخير ولم يزل يتنقل ويطوف حتى يصلي الصبح ثم يتوجه الى داره فينام الى الضحوة ثم يجلس للنظر في الاحكام ولا تأخذه في الله لومة لائم ويقيم الحدود ولو على اقرب الناس اليه فعمرت تلك النواحي وأمنت السبل وخافته العربان واولاد الحرام فكان المسافر يسير بمفرده ليلا في خفارته وبالجملة فكانت أفعاله حميدة وايامه سعيدة لم يأت قبله مثله فيما نعلم ولم يخلفه الا مذمم ولما مات تولى بعده أخوه الشريف غالب وفقه الله وأصلح شأنه
عجائب الآثار في التراجم والأخبار المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة