من طرف كراكيب الجمعة 13 أبريل 2018 - 7:37
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ أحداث شهر ربيع الثاني سنة 1219 }
استهل شهر ربيع الثاني بيوم الاثنين
فيه ركب الخازندار المذكور وطلع الى القلعة من وسط المدينة ونزل لملاقاته اغوات الباشا والجاويشية والشفاسية وحضر صحبته نحو خمسين عسكريا مشوا امامه وخلفه والصناديق التي حضرت معه خلفه محملة على الجمال والجاويشية امامه يضربون على طبلات حكم العادة في ركوباتهم ومعه عدة كبيرة من اتباع الباشا وامامه الجنيبات والخيول
وفيه وصلت مراكب من الديار الحجازية الى السويس وفيها حجاج ومغاربة ولم يصل منهم الا القليل واكثرهم قتله العسكر الذي بقي بمكة بعد موت شريف باشا ومن انضم اليهم من اجناسهم وقد حصل منهم غاية الضرر والفساد والقتل حتى في داخل الحرم لأن الشريف غالبا ضمهم اليه ورتب لهم جامكية واستمروا معه على هذا الحال الفظيع
وفيه انبهم امر العسكر الدلاة القادمين من الجهة الشامية واضطربت الروايات عن اخبارهم فمنهم من قال أن المصرلية وقفوا لهم بالطرق وقاتلوهم ورجع من نجا منهم بنفسه ومنهم من قال انهم لما بلغهم قطع الطريق عليهم رجعوا من حيث اتوا وبعضهم طلب الامان وانضم اليهم ومنهم من قال أن فرقة منهم ذهبت من فم الرمانة من طريق دمياط وقيل انهم حضورا بثمانين رأسا منهم الى بلبيس
وفي يوم الابعاء خرج الوالي بعده من العسكر وصحبته مدافع وجبخانة واستقر بزاوية المرداش
وفي يوم الخميس رابعه هجم الامراء القبالي وهم الألفي واتباعه وعثمان بك حسن ومن انضم اليهم على طرا وملكوا منها البرج الذي من ناحية الجبل بعد ما ضربوا عليه من اعلى الجبل وتعدوا الى ناحية البساتين وتركوا طرا ومن فيها خلف ظهورهم وتحاربوا مع طوابير العسكر وكانوا انفارا قليلة ونظرهم الباشا من قلعته فزعق على السلحدار فركب في عدة من الشفاسية وخرج اليهم فعندما واجهوهم لم يثبتوا وولوا بعدما سقط منهم انفار
وفيه وصل جواب من الامراء القبالي الى المشايخ يذكرون فيه انهم يخاطبون الباشا في اخماد الحرب وصلحه معهم فان ذلك اصلح له ويكونون معه على مايحب وما يأمر به ويرتاح من علوفة العسكر التي اوجبت له المصادرات وسلب الاموال وخراب الاقليم وان يختار من العسكر طائفة معلومة معدودة يقيمون بمصر ويأمر الباقي بالسفر إلى بلادهم فلما خاطبوه بذلك واطلعوه على المكاتبة أبي وقال ليس لهم عندي الا الحرب
وفي يوم الجمعة حصلت أيضا بينهم محاربة واصيب من المراكب الحربية التي يسمونها الشلنبات اثنتان غرقت احداهما واحرقت الثانية واتهم الباشا الطبجية فقتل منهم خمسة اثنان بالقلعة وثلاثة بالرميلة
وفي يوم السبت حضر محمد علي من بحرى وذهب الى جهة القرافة فأقام بمقام عقبة بن عامر الجهني ووقع في ذلك اليوم محاربات أيضا
وفي يوم الاحد اشيع حضور الامراء القبالي الى ناحية بهتيم وانهم ارسلوا الى المطرية بالجلاء عنها ورمحت العرب نواحي بولاق والجهات البرانية وضربوا عليهم مدافع وفي ذلك اليوم نظر الباشا وكبار العسكر الى جهة البساتين فلم يروا احدا من المصرلية فركب محمد علي واخذ معه عدة وافرة ودخلوا تلك الجهة فلم يرو امامهم احدا فلم يزالوا سائرين واذا بكمين خرج عليهم من جانب الجبل فاوقع معهم وقعة قوية حتى اثخنوهم وقتل منهم من قتل حتى لحقو بالمشاة الرجالة فضربوا عليهم طلقا وولوا مدبرين فصار محمد علي يستحثهم ويردهم ويحرضهم فلم يسمعوا له ورجعوا وفيهم جرحى كثيرة طلعوا بطائفة منهم الى القلعة ودخل الباقون الى المدينة وطلبوا طائفة المزينين لمداواة الجرحى بالقلعة اخذوا في ذلك اليوم برج الدير الذي كان بأيدي العسكر جهة البحر بطرا وقتلوا من به من العسكر واعطوا لمن بقي الامان وهم نحو الثلاثين شخصا
وفي يوم الاثنين ثامنه وصل المصرلية الذين كانوا جهة الشرق ووصلت مقدماتهم الى جهة العادلية وناحية الشيخ قمر بل وعند الكيمان خارج باب النصر فأغلقوا باب النصر وباب الفتوح والعدوى وهربت سكان الحسينية وحصلت كرشة بالجمالية ولم يخرج اليهم احد من العسكر بل اخذوا يضربون المدافع من على السور ودخل محمد بك المنفوخ الى الحسينية وجلس بمسجد البيومي وانتشر المماليك والاتباع على الدكاكين والقهاوي واستمر ضرب المدافع الى بعد الظهر ثم أن المصرية ترفعوا عن الحسينية الى اليشبكية فبطل الرمي ودخل الوالي وامامه ثلاثة رؤوس تبين انها رؤوس مغاربة من مقاطيع الحجاج المرضى كانوا مطروحين خارج القاهرة
وفيه طلب جماعة من المماليك السيد بدرا المقدسي فخرج اليهم من داره خارج باب الفتوح فأخذوه عند البرديسي وابراهيم بك فاسر اليه ابراهيم بك بان يكون سفيرا بينهم وبين الباشا في الصلح معهم وانه لايستقيم حاله مع العسكر ولا يرتاح معهم وليعتبر بما فعلوه محمد باشا واما نحن فنكون معه على ما ينبغي من الطاعة والخدمة وحضر في اواخر النهار فلما اصبح يوم الثلاثاء ركب وطلع الى الباشا وبلغه ذلك فقال له الباشا على سبيل الاختبار والمسايرة قولك صحيح ومن يرجع اليهم بالجواب فقال انا فحقدها عليه ثم قام من عنده فارسل خلفه وعوقه عند الخازندار فذهب اليه في ثاني يوم شيخ السادت والسيد عمر النقيب وترجوا في اطلاقه فامتنع وقال اخاف عليه أن يقتله العسكر ولا بأس عليه ولا يصلح اطلاقه في هذا الوقت وبعد خمسة ايام يكون خيرا فإنه مقيم عند الخازندار في اكرام وفي مكان احسن من داره وهذا رجل اختيار يفعل هذه الفعال يخرج الى المخالفين متنكرا ويرجع من عندهم بكلام ثم يطلب العود اليهم ثانيا
وفي ليلة الثلاثاء المذكور حضر محمد علي عند الباشا بعد الغروب وقبض منه خمسين كيسا وقيل ثمانين ورجع الى معسكره فجمع العسكر وتكلم معهم وفرق عليهم الدراهم واتفق معهم على الركوب والهجوم على من بطرا في تلك الليلة على حين غفلة وكان كاتبهم قبل ذلك يلاطفهم ويظهر العجز ويطلب معهم الصلح وامثال ذلك وفي ظن اولئك صدقة وعدم قدرتهم على مقاومتهم وملاقاتهم فلما مضى نحو خمس ساعات من الليل ركب محمد علي في نحو اربعة آلاف فرسانا ورجالا فلما قربوا من الحرس في اخر السادسة ترجلوا وقسموا انفسهم ثلاثة طوابير ذهب قسم منهم جهة الدير والثاني جهة المتاريس والثالث جهة الخيل والجماعة وهم صالح بك الألفي ومن معه في غفلتهم ونومهم مطمئنين وكذلك حرسهم فلم يشعروا الا وقد صدموهم فاستيقظ القوم وبادروا الى الهرب والنجاة فملكوا منهم الدير وابراج طرا وكان بها عسكر العثمانيين الى هذا الوقت محصورين وقد اشرفوا على طلب الامان واخذوا مدفعين كانا بالمتراس وبعض امتعة وثمان هجن وثلاثة عشر فرسا وقتل بينهم بعض اشخاص وانجرح كذلك ورجع محمد علي والعسكر على الفور من آخر الليل ومعه خمسة رؤوس فيها رأس واحدة لم يعلم رأس من هي والباقي رؤوس عربان او سياس او غير ذلك وزعموا أن تلك الرأس هي رأس صالح بك وارسلوا المبشرين آخر الليل الى الاعيان لياخذوا البقاشيش واشاعوا أنهم قبضوا على الألفي الصغير واحضروه معهم حيا والباقي رموا بأنفسهم الى البحر ولما طلع محمد علي الى الباشا خلع عليه الفروة التي حضرت له من الدولة وعلقوا تلك الرؤوس على السبيل بالرميلة وضربوا شنكا من القلعة ومدافع واظهروا السرور وداروا بالاسواق يضربون بالطنابير وشمخ المغرضون بانافهم على المغرضين للمصرلية ثم تبين عدم صحة تلك الاشاعة وان تلك الراس راس بعض الأجناد ولم يمسك الألفي كما قالوا
وفي يوم الاربعاء عاشره وصل من بحرى ثلاث شلنبات كان الباشا ارسل بطلبها عوضا عما تلف فعند ما وصلوا الى جهة باسوس وهناك مركز للمصرلية على جرف عال اقعدوا به طبجية ليمنعوا من يمر بالمراكب فضربوا عليهم وضرب من في المراكب الحربية أيضا على من في البر فكان ضرب من في البر يصيب من في البحر وضربهم لايصيبهم لعلو الجرف عليهم فاحترقت جبخانة احدى الشلنبات واحترق ما فيها بها وغرقت الثانية ويقال أن الثالثة لم تكن من المراكب الحربية بل هي مركب معاش وكان حضر في خفارتهم عدة من المراكب المسافرين فخافوا ورجعوا وقبضوا على بعض قواويس بها غلال فأخذوا مافيها فلما شاع ذلك بالمدينة رفعوا ماكان موجودا من الغلة بالعرصات وشحت الغلال وعدم الفول والشعير وبيع ربع الويبة من الفول بتسعين نصفا وقل وجود الخبز في الاسواق وخطف بعض العسكر ما وجدوه من الخبز ببعض الافران واخذوا الدقيق من الطواحين وصار بعض العسكر يدخل بعض البيوت ويطلبون منهم الاكل والعليق لدوابهم
وفي يوم الخميس والجمعة اشتد الحال وبيع ربع الويبة من القمح بسبعين نصفا وثمانين نصفا وعدم الفول واشترى بعض من وجده ربعا بمائة نصف فضة فيكون الاردب على ذلك الحساب بألفين واربعمائة نصف وخرج عساكر كثيرة ووقعت حروب بين الفريقين ورجع القبليون الى طرا وحاربوا عليها وكانوا شرعوا في عمارة ما تهدم من ابراجها ونقلوا اليها الذخيرة والقومانية والجبخانة والعسكر واخذوا جمال السقائين لنقل الماء الى الصهريج الذي ببرج طرا ودار الآغا والوالي على المخازن ببولاق ومصر واخذوا منها ما وجدوه من الغلة وامروا ببيعه على الناس بخمسين نصفا الربع واخذوا لانفسهم ما وجدوه من الشعير والفول
وفي يوم السبت قلدوا حسن أغانجاتي الحسبة فخافته السوقة واجتهدوا في تكثير العيش والكعك والمأكولات بقدر امكانهم واجتهد هو أيضا في الفحص على الغلال المخزونة وبيعها للخبازين واما اللحم الضاني فانه انعدم بالكلية لعدم ورود الاغنام
وفيه شح ورود الغلة في العرصات وذهب اناس الى برانبابة فاشتروا الربع بثمانين نصفا وازيد من ذلك والقول بمائة وعشرين وعلق اكثن الناس على بهائمهم ما وجدوه من اصناف الحبوب مثل الحمص والعدس وهم المياسير من الناس واما غيرهم فاقتصروا على التبن واما العنب والتين في وقت وفرتهما فلم يظهر منهما الا القليل وبيع الرطل من العنب بأربعة عشر نصفا والتين بسبعة انصاف وذلك بعد سلوك الطريق ومشي السفن
وفي يوم الاحد رابع عشره اجتمعت العساكر الكثيرة للحرب عند شبرا ورموا على بعضهم بالمدافع والقرابين والبنادق من ضحوة النهار ثم التحم الحرب بين الفريقين واشتد الجلاد بينهما الى بعد منتصف النهار وصبر الفريقان وقتل بينهما عدة كبيرة من العسكر الأرنؤد وطائفة المماليك والعربان فقتل من اكابر العسكر اربعة او خمسة ودخلوا بهم المدينة وانكف الفئتان وانحاز الى معسكرهما وبعد هجعة من الليل اجتمع العسكر من الانكشارية والارنؤدية وغيرهم وكبسوا على متاريس شبرا وبها حسين بك المعروف بالافرنجي وعلي بك ايوب ومعهما عسكر من الأرنؤد الذين انضموا اليهما ومنهم الرماة والطبجية فاجلوهم عن المتاريس وملكوها منهم ووقع بينهم قتلى كثيرة وقتل من عسكر حسين بك المذكور نحو مائة وستين نفرا وعدة من مماليك علي بك ايوب خلاف الجرحى وزحفوا على باقي المتاريس فملكوا منهم متاريس شلقان وباسوس وانهزم المصرلية الى جهة الشرق بالخانكة وابى زعبل وقيل أن العسكر المنضمين اليهم المتقيدين بالمتاريس هم الذين خامروا عليهم وانهزموا عن المتاريس حتى كانوا هم السبب في هزيمتهم فلما اصبح النهار حضروا بسبعة رؤوس فيها ثلاثة من الأجناد الملتحين وثلاثة شوارب ورأس أسود فعلقوها بباب زويلة ومن الثلاثة أجناد رأس له لحية طويلة شائبة شبيهة بلحية ابراهيم بك الكبير فقال بعض الناس هذه راس ابراهيم بك بلا شك واشيع ذلك بينهم فاجتمع الناس من كل ناحية للنظر اليه ووصل الخبر الى الباشا فاحضر عبد الرحمن بك والمزين الذي كان يحلق له لمعرفتهما به واخرين وطلب الراس فأحضروها وتأملوها فمنهم من اشتبهت عليه ومنهم من انكرها لعلامات يعرفها به وهي الصلع وسقوط بعض الاسنان ثم اعيدت الى مكانها على ذلك الاشتباه ثم انهم عملوا شنكا ومدافع لذلك ثم طلبها محمد علي أيضا وفعل مثل ذلك وردها أيضا ثم رفعوها في الليل واستمر الفرح والشنك يومين والناس بين ناف ومثبت ومسلم ومنكر ومعاند ومكابر حتى وردت خدم من معسكرهم واخبروا بحياة ابراهيم بك وانه بوطاقة جهة الشرق فزال الشك وارسل المصريون الى بيوتهم اوراقا
وفي ليلة الاثنين المذكور وقع خسوف قمري وطلع من المشرق منخسفا اخذا في الانجلاء ومقدار المنخسف منه عشرة اصابع وتم انجلاؤه في ثاني ساعة من الليل وكان باول برج الدلو
وفي ليلة الخميس وصل امير اخور الصغير من الديار الرومية وطلع الى بولاق في صبحها وركب الى القلعة فانزله الباشا ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك بدرب الجماميز ولم يعلم ما بيده من الاوامر ثم تبين أن من الأوامر التي معه اخراج خمسمائة من العسكر الى بندر ينبع البحر يقيمون بها محافظين لها من الوهابيين ويدفع لهم جامكية سنة كاملة وذخيرتها وما يحتاجون اليه من مؤنة وغلال وجبخانة
وفي يوم الثلاثاء قرأوا تلك الاوامر وفيها انه تعين محمد باشا أبو مرق بعساكر الشام الى الحجاز فاحضر الباشا كبار العسكر وعرض عليهم ذلك الامر وقال لهم انه ورد لي اذن عام في تقليد من اقلده فمن احب منكم قلدته امرية طوخ أو طوخين فامتنعوا من ذلك وقالوا نحن لا نخرج من مصر ولا نتقلد منصبا خارجا عنها ووصلت الاخبار في هذه الايام أن الوهابيين ملكوا الينبع
وفيه وردت الاخبار بأن الألفي عدى الى البر الشرقي وكان قبل ذلك عدى الى البر الغربي وانتشرت عساكره الى الجسر الاسود ثم رجعوا وعدوا الى البر الشرقي
وفي يوم الاربعاء سابع عشره ركب الامراء المصرلية وانتقلوا من الخانكة ومروا من خلف الجبل بحملاتهم واثقالهم وذهبوا الى جهة قبلي وخاب سعيهم ولم ينالوا غرضهم وكانوا في ظنهم انهم اذا حصلوا بالقرب من المدينة خرج اليهم الكثير من العسكر وانضم اليهم لمقدمات سبقت منهم ومراسلات وكلام وقع بينهم وبين اتباعهم ومماليكهم المجتمعين عند اكابرهم وذبهم عنهم وعن بيوتهم وحريمهم بل واخراج بعض الاتباع والمماليك بمطلوبات الى اسيادهم خفية وليلا حتى استقر في اذهان كثير من العقلاء ممالات كثير من البنباشيات ورؤساء العسكر من المصرلية وعندما تحقق العسكر ذهابهم دخلوا الى المدينة بأثقالهم وحملوهم وانتشروا بها حتى ملؤا الازقة والطرق والبيوت وقدمت السفن المعوقة وتواجدت الغلال بالرقع وتخلف عنهم اناس كانوا منضمين اليهم طلبوا امانا بعد ذلك وحضروا بعد ذلك الى مصر وقدمت عساكر ودلاة في المراكب ودخلوا البيوت بمصر وبولاق واخرجوا منها اهلها وسكنوها واذا سكنوا دارا اخربوها وكسروا اخشابها واحرقوها لوقودهم فإذا صارت خرابا تركوها وطلبوا غيرها ففعلوا بها كذلك وهذا دأبهم من حين قدومهم الى مصر حتى عم الخراب سائر النواحي وخصوصا بيوت الامراء والاعيان وبواقي دور بركة الفيل وما حولها من بيوت الاكابر والقصور التي كانت يضرب بأدناها المثل وفي ذلك يقول صاحبنا العلامة الشيخ حسن العطار واما بركة الفيل فقد رميت بكل خطب جليل واورثت العين بوحشتها بكاء وعويلا والقلب بذكر ما سلف من مباهجها حزنا طويلا
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه طلع المشايخ عند الباشا وشفعوا في السيد بدر المقدسي فأطلقه ونزل إلى داره
وفي يوم الخميس خامس عشرينه قلدوا علي آغا الوالي على العسكر المعين الى الينبع اميرا وضربوا له مدافع وفرح الناس بعزله من الولاية فانه كان اخبث من تقلد الولاية من العثمانية وكان الباشا يراعي خاطره ولا يقبل فيه شكوى وتعين للسفر معه عدة من العسكر من اخلاط مصر البطالين اروام وخلافهم
وفيه قلدوا مناصب كشوفية الاقاليم لاشخاص من العثمانية
وفي ثامن عشرينة تشاجر شخص من العسكر مع شخص حكيم فرنساوي عند حارة الافرنج بالموسكي فاراد العسكري قتل الفرنساوي فعاجله الفرنساوي فضربه فقتله وفر هاربا فاجتمع العسكر وارادوا نهب الحارة فوصل الخبر الى محمد علي فركب في الوقت ومنع العسكر من النهب واغلق باب الحارة وقبض على وكيل قنصل الفرنساوية واخذه معه وحبسه عنده حتى سكن العسكر
وفي تلك الليلة أيضا مر جماعة من العسكر بخط الدرب الاحمر فارادوا اخذ قنديل من قناديل السوق فقام عليهم الخفير يريد منعهم فذبحوه واخذوا القنديل فأصبح الناس فرأوا الخفير مذبوحا وسمعوا لقصة من سكان الدور بالخطة ووجدوا أيضا عسكريا مقتولا جهة الموسكي وغير ذلك حوادث كثيرة في كل يوم من اخذ النساء والمردان والامتعة والمبيعات من غير ثمن وانقضى الشهر
وفيه استقر الامراء المصرلية جهة صول والبرنبل وما قابلهما من البر الغربي واستمر عثمان بك حسن والبرديسي واتباعهما بالبر الشرقي وشرعوا في بناء متاريس وقلاع بساحل البحر من الجهتين وارسل الباشا الى جهة دمياط ورشيد يطلب عدة مراكب وشلنبات لاستعداد الحروب واجتهد في ملء صهاريج القلعة طلبوا السقائين وألزموهم بذلك فشح الماء بالمدينة وغلا سعره لذلك ولغلو العليق حتى بلغ ثمن الراوية اربعين نصفا بعد المشقة في تحصيله لانه لم يبق الا الروايا الملاكي لأكابر الناس فيمنعها العطاش عند مرورها قهرا ويدفعون ثمنها بالزيادة واتفق شدة الحر وتوالي هبوب الرياح الحارة وجفاف الجو وتأخير زيادة النيل
{ أحداث شهر جمادي الأولى سنة 1219 }
شهر جمادي الأولى استهل بيوم الثلاثاء في ذلك اليوم كان مولد المشهد الحسيني ونزل الباشا وزار المشهد ودخل عند شيخ السادات باستدعاء وتغدى عنده ثم ركب راجعا قبل الظهر الى القلعة ولم يقع في ليالي المولد حظ للناس ولا انشراح صدور كالعادة بسبب اذية العسكر واختلاطهم بهم وتكديرهم عليهم في الحوانيت والاسواق حتى انهم في آخر الليلة التي كان من عادتهم يسهرونها مع ليال قبلها الى الصباح اغلقوا الحوانيت واطفؤا القناديل من بعد اذان العشاء وذهبوا الى دورهم
وفيه قرروا فردة غلال على البلاد قمح وشعير وتين اعلى واوسط وادنى إلا على خمسة عشر أردبا وخمسة عشر حمل تين والأوسط عشرة والأدنى خمسة على أن اقليم القليوبية لم يبق به الا خمسة وعشرون قرية فيها بعض سكان والباقي خراب ليس فيها ديار ولا نافخ نار ومجموع المطلوب ثمانية ألاف اردب خلاف التين وذلك برسم ترحيلة علي باشا الى الينبع ثم قرروا فردة اخرى كذلك أيضا وقدرها ألف وخمسمائة كيس رومية
وفي يوم الجمعة رابعه جمع الباشا المشايخ في ديوان خاص بسبب مكتوب حضر من الامراء المصريين خطابا للمشايخ مضمونه انهم يسعون بينهم وبين الباشا فيما يكون فيه الراحة للبلاد والعباد وانه يخرج هذه العساكر فانهم إن داموا بالإقليم كملوا خرابه وهتكوه بأفاعيلهم وظلمهم وفسقهم وطلب العلوفات التي لا يفي ببعضها خراج الاقليم واما نحن فاننا مطيعون السلطنة وخدامون بلا جامكية ولا علوفة وإن لم يفعل ذلك يعطينا جهة قبلي تتعيش فيها وان ارادوا الحرب فليخرجوا الناس بعيدا عن الابنية ويحاربونا في الميدان والله يعطي النصر لمن يشاء الى اخر ما قالوه فقال الباشا للمشايخ اكتبوا لهم يأخذوا جهة أسنا ومقبلا فقالوا نحن لا نكتب شيئا اكتبوا لهم مثل ما تعوفون وانفض المجلس
وفيه عزم جماعة من اكابر العسكر على السفر الى بلادهم وهم احمد بك رفيق محمد علي وصادق آغا وخلافهما واخذوا في تشهيل انفسهم وبيع متاعهم ونزلوا الى بولاق عند عمر آغا ونزل محمد علي لوداعهم ببيت عمر أغا فاجتمع العسكر واحاطوا بهم ومنعوهم من السفر قائلين لهم اعطونا علوفاتنا المنكسرة والا عطلناكم ولا ندعكم تسافرن باموال مصر ومنهوباتها فأخذوا خواطرهم ووعدوهم على ايام وامتنعوا من السفر
وفي يوم الثلاثاء ثامنه تقلد شخص من العثمانيين الزعاعة عوضا عن علي أغا الذي تولى باشة السفر للينبع
وفي عاشره اجتمع العسكر وطلبوا علوفاتهم من الباشا فدفعوا للارنؤد جامكية شهر
وفي ليلة الجمعة حادي عشر جمادي الأولى الموافق لثاني عشر مسرى القبطي اوفى النيل المبارك سبعة عشر ذراعا وكسر سد الخليج في صبح يوم السبت يحضر الباشا والقاضي ومحمد علي وباقي كبارالعسكر وجميع العسكر وكان جمعا مهولا وضرب الجميع بنادقهم وجرى الماء بالخليج وركبوا القوارب والمراكب ودخلوا فيه وهم يضربون بالبنادق وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت وكان الموسم خاصا بهم دون اولاد البلد وخلافهم وكذلك سكنوا بيوت الخليج مع قحابهم من النساء ومات في ذلك اليوم عدة اشخاص نساء ورجالا اصيبوا من بنادقهم ومما وقع انه اصيب شخص من اولاد البلد برصاصة منهم ومات وحضر اهله يصرخون وارادوا اخذه ليواروه فمنعهم الوالي وطلب منهم ثلاثة آلاف درهم فضة ولم يمكنهم من شيله حتى صالحوه على ألف وخمسمائة وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت واذن لهم في اخذه ومواراته ونظر بعضهم الى اعلى بيوت الخليج فرأى امرأة جالسة في الطاقة فضربها برصاصة فاصابتها في دماغها وماتت من ساعتها وغير ذلك مما لم تتحقق اخباره
وفي يوم الاحد ثالث عشرة خرج علي باشا الوالي المسافر الى الينبع خارج البلد واقام جهة العادلية وارتحل يوم السبت تاسع عشرة ومعه مائة عسكري لاغير وذهب الى جهة السويس
وفيه ارسل الباشا الى المشايخ والوجاقلية وتكلم معهم في توزيع فردة على اهل مصر لغلاق جامكية العسكر فدفعوا بما امكنهم من المدافعة فقال هذا الذي نطلبه انما نأخذه على سبيل القرض ثم نرده اليهم فقالوا له لم يبق بايدي الناس ما يقرضونه ويكفي الناس ما هم فيه من الغلاء ووقف الحال وغير ذلك فالتفت الى الوجاقلية وقال كيف يكون العمل فقال ايوب كتخدا نعمل جمعية مع السيد احمد المحروقي ويحصل خير فركن الباشا على ذلك ثم اجتمعوا مع المذكور واتفقوا انهم يطلبونها بكيفية ليس فيها شناعة ولا بشاعة وهي انهم قرروا على الوجاقلية قدرا من الاكياس وكتبوا بها تنابية باسماء اشخاص منها ما جعلوا عليه عشرين كيسا وعشرة وخمسة واقل واكثر وكذلك وزعوا على اشخاص من تجار البن وخان الخليلي ومغاربة اغراب واهل الغورية وخلافهم من تراخي في الدفع قبضوا عليه واودعوه في اضيق الحبوس ووضعوا الحديد في يديه ورجليه ورقبته ومنهم من يوقفونه على قدميه والجنزير مربوط بالسقف وارسلوا العسكر الى بيوتهم فجلسوا بها يأكلون ويسكرون ويطلبون من النساء المصروف خلاف الاكل الذي يطلبونه ويشتهونه وهو ثمن الشراب والدخان والفاكهة بل ويأتون بالقحاب معهم ويضربون بالبندق والرصاص بطول الليل والنهار وامثال ذلك
وفي يوم الخميس رابع عشرينة ارسل الباشا عسكرا فقبض على الامير علي المدني صهر ابن الشيخ الجوهري وحبسه فركب اليه المشايخ وكلموه في شأنه وقالوا أنه رجل وجاقلي من خيار الناس وما السبب في القبض عليه وما ذنبه الموجب لذلك فقال انه رجل قبيح ولي عليه دعوة شرعية وإذا كان من خيار الناس وم الوجاقلية لأي شيء يعمل كتخدا عند صالح بك الألفي وانه عند هروب مخدومه من الشرقية اخذ ما كان معه من المال على اربعة جمال ودخل بها الى داره وعندي بينة تشهد عليه بذلك فأنا اطالبه بالمال الذي عنده وقاموا ونزلوا من غير طائل
وفي يوم السبت سادس عشرينه توفى الشيخ موسى الشرقاوي الشافعي وكان من اعيان العلماء الشافعية
وفي يوم الاثنين ثامن عشرينة احضروا المحمل من السويس فنزل كتخدا الباشا والآغا والوالي واكابر العسكر وعدة كبيرة من العسكر وعملوا له الموكب وشقوا به البلد وخلفه الطبل والزمر
وفي اواخره وصلت قوافل البن من السويس فحجزها الباشا واخذها وأعطى اصحاب البن وثائق بثمن البن لاجل ووكل في بيعه وحول به العسكر يأخذونه من اصل علوفاتهم فبلغ ثمن المحجوز تسعمائة كيس وانهمك المشترون على الشراء ومنعوا القبانية من الوزن الا بحضور المقيدين بذلك وانقضى هذا الشهر وحوادثه وما وقع فيه من عكوسات العسكر من الخطف والقتل والدعاوي الكذب وشهاداتهم الزور لبعضهم فيما يدعونه وتواطئهم على ذلك فيكتب له عرضحال ويشكو انه عصبه في مدة سابقة قبل ذلك طلق منه زوجته قهرا بعد أن كان صرف عليها مبلغ دراهم كثيرة في المهر والنفقة والكسوة ويكتبون له عليه علامة الباشا ويأخذ صحبته اشخاصا معينين من اقرانه فيسحبون المدعي عليه الى المحكمة فلا يثبت عليه ذلك فيكتب له القاضي اعلاما بعدم صحة الدعوى بدراهم يدفعها على ذلك الاعلام فيذهبون الى ديوان الباشا ويخبرون الكتخدا ببطلان الدعوى ويطلعون على الاعلام بحضرة الخصم وهو يظن البراح والخلاص من تلك الدعوة الباطلة فيقول الكتخدا للخصم اعط المباشرين خدمتهم خمسة اكياس واذهب وامثال ذلك فان وحد شافعا او مغيثا توسط له او تشفع في تخفيف ذلك قليلا او ضمنه او دفع عنه وانقذه والا حبس كغيره وذاق في الحبس انواع العذاب حتى يدفع ما قرره عليه الكتخدا واتفق أن جماعة من سكان المحجر شكوا نظار جامع وسبيل ومدرسة متخربة من ايام الفرنسيس ومعطلة الشعائر والايراد فامر الكتخدا باحضار النظار وهم ناس فقراء وعواجز وسالهم فأخبروا بتعطيل الايراد فأحضروا مباشرين الاوقاف فحاسبوهم فلم يطلع عليهم شيء فقال الكتخدا اعطوا المباشرين خدمتهم فلما فرغوا من ذلك بعد مشقة عظيمة قالوا هاتوا محصول الخزينة فقالوا وما يكون محصول الخزينة قالوا ثلاثون كيسا على كل ناظر عشرة اكياس فبهت الجماعة وتحيروا في امرهم ولم يعلموا ما يقولون وفي الحال جذبوهم الى الحبس وفيهم رجل من جماعة المشهدية عاجز لا يقدر على القيام فسعى عليه حريمة وخشداشينة وصالحوا عليه بكيسين وخلصوه واما الاثنان الاخران فاستمر في الحبس والحديد مدة طويلة وامثال ذلك
وفي او آخره افرجوا عن السيد علي المدني بعد ما قرروا عليه اربعة آلاف ريال خلاف البراني وامثال ذلك كثير
{ أحداث شهر جمادي الثانية سنة 1219 }
شهر جمادي الثانية استهل بيوم الخميس في حضرة القاضي الجديد الى جهة بولاق وركب في يوم الجمعة فطلع الى القلعة وسلم على الباشا ورجع الى المحكمة وكان عندما وصل الى رشيد ارسل الى الباشا ليامر له بعمارة المحكمة فأمر الباشا اصحابها بالعمارة وامرهم بالاجتهاد في ذلك
وفيه فقد اللحم وشح وجوده وكذلك السكر والعسل واما العسل الابيض فبلغ الرطل خمسين نصفا إن وجد لعدم الوارد من ناحية قبلي وقلة المرعى بالجهة البحرية واستقر الألفي الكبير جهة اللاهون وبقية الجماعة جهة المنية واسيوط وعثمان بك حسن بجبل الطير بالبر الشرقي
وفي خمسه اشيع سفر محمد علي الى بلاده وكذلك احمد بك وغيرهم من اكابرهم وشرعوا في بيع جمالهم وبلادهم ومتاعهم وكثر لغط الناس بسبب ذلك وكثر افساد العساكر وخطفهم واغلق اهل الاسواق الدكاكين وخاف الناس المرور وتطيروا منهم وخصوصا الانكشارية
وفي يوم الثلاثاء سادسه مر محمد علي وخلفه عدة كبيرة من العسكر وهو ماش على اقدامه كذلك حسن بك اخو طاهر باشا وعابدي بك واغات الإنكشارية والوالي وجلس منهم جماعة جهة الغورية وخان الخليلي ساعة ثم ذهبوا وكأنهم يطمنون الناس وامام بعضهم المناداة بالتركي بالامن والامان وفتح الدكاكين وكل من تعرض لكم اقتلوه وفي اثر مرورهم وقع الخطف والتعرية
وفي ذلك اليوم اواخر النهار مرت مركبان فيهما عسكر ارنؤد بالخليج المرخم ومعهم امراة وبتلك الجهة عسكر انكشارية ساكنون ببيت المجنون فضربوا عليهم رصاصا من الشبابيك فقتل منهم جماعة وهرب من نجا او عرف العوم فتحزب الارنؤد وجاء منهم طائفة لذلك البيت فلم يجدوا به احدا فارسل محمد علي الى حسن بك وتكلم معه في شأن ذلك
وفي صبحها يوم الاربعاء قتلوا ثلاثة وقيل خمسة ناحية الموسكي يقال انه بسبب تلك الحادثة وقيل بسبب اخر
وفيه سافر جماعة من العسكر واخذوا المراكب وارسلوا الى اسكندرية ودمياط ورشيد وغيرها بطلب المراكب فشحت المراكب ووقف حال المسافرين وتعطلوا عن الرواح والمجئ وغلا سعر القمح والسمن وعدم اللحم وكذلك باقي الاسباب والمأكولات زيادة عن الواقع واذا وصلت مراكب نزل في المراكب الكبيرة الخمسة انفار او العشرة والحال انها تسع المائة وساروا ينهبون في طريقهم ما يصادفونه من المسافرين ويقتلونهم ويطلبون من البلاد الكلف والمأكل وغير ذلك
وفي يوم السبت سابع عشرة سافر احمد بك وعلي بك اخو طاهر باشا
وفيه قلد الباشا سلحداره ولاية جرجا وبرز خيامه جهة دير العدوية
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وصلت مراكب من الشلنبات الحربية فضربوا لها مدافع من القلعة
وفي يوم الاحد تعدى جماعة من العسكر وخطفوا عمائم الناس واتفق أن الشيخ ابراهيم السجيني مر من جهة الداودية وهو راكب بهيئته فأخذوا طيلسانة من على كتفه وعمامة تابعه وقتلوا من بعضهم انفارا
وفي يوم الاثنين نزل الآغا ونادى على العسكر بالخروج والسفر الى التجريدة وكل من كان مسافر الى بلاده فليسافر
وفيه هربت زوجة عثمان بك البرديسي مع العرب الى زوجها بقبلى فلما بلغ الخبر الباشا احضر اخاها والمحروقي وسألهما عنها فقالا لم نعلم بهروبها فعوق اخاها عنده ثم اطلقه بشفاعة المحروقي
{ أحداث شهر رجب سنة 1219 }
شهر رجب الفرد استهل بيوم السبت فيه انتقل العسكر المسافرون من دير العدوية الى ناحية طرا وسافر قبل ذلك بأيام كاشف بني سويف ويقال له محمد افندي
وفي يومي الاثنين والثلاثاء نادى الاغاوات التبديل بخروج العسكر المسافرين وكثر اذى العسكر للناس وخطفوا الحمير وتعطلت اشغال الناس في السعي الى مصالحهم ونقل بضائعهم
وفي يوم الاربعاء سافرت التجريدة برا وبحرا وتأخر محمد علي عن السفر الى بلاده كما كان اشيع ذلك واشتهر انه مسافر الى الجهة قبلى وورد الخبر باستقرار كاشف بني سويف بها ولم يكن بها احد من المصرلية
وفي يوم الاحد تاسعه نزل الباشا الى وليمة عرس مدعوا ببيت السيد محمد بن الدواخلي بحارة الجعيدية وكفر الطماعين ونزل في حال مروره ببيت السيد عمر افندي نقيب الاشراف فجلس عنده ساعة وقدم له حصانين
وفي حادي عشرة نزل الباشا في التبديل ومر من سوق السمكرية فرأى عسكريا يشترى كوز صفيح فاعطاه خمسة انصاف فابى السمكري الا بعشرة فأبى ولم يدفع له الا خمسة فرآه الباشا فقال له اعطة ثمنه فقال له وايش علاقتك وهو لم يعرفه فقال له اما تخاف من الباشا فقال الباشا على زبي فضربه الباشا وقتله ومضى
وفي يوم الاثنين سابع عشرة احضروا اربعة رؤس وضعوها تجاه باب زويلة واشاعوا انهم من مقتلة وقعت بينهم وبين القبالي واشاعوا انه بعد يومين تصل وردت رؤوس كثيرة ووصل أيضا جملة اسرى طلعوا بهم الى القلعة
وفي يوم الاربعاء طلع محمد علي الى القلعة فخلع عليه الباشا فروة سمور على سفره الى قبلي وبرز بوطاقه الى خارج
وفي يوم الاربعاء سادس عشرينه اتهموا قادري أغا بانه يكاتب الامراء المصرية القبالى ومنعوه من السفر الى قبلى وامروه بأن يسافر الى بلاده فركب في عسكره وذهب الى بولاق وفتح وكالة علي بك الجديدة ودخل فيها بعسكره وامتنع بها وانضم اليه كثير من العسكر فحضر اليه محمد علي وكلمهم وكذلك حضر اليهم الباشا ببولاق فلم يمتثلوا وقالوا لا نسافر ولا نذهب الا بمرادنا واعطونا المنكسر من علوفاتنا فتركوهم ونادوا على خبازين بولاق لا يبيعون عليهم الخبز ولا المأكولات فأرسل قادري أغا الى المحتسب وقال له نحن نأخذ العيش بثمنه فان منعتموه من الاسواق طلعنا الى البيوت واخذنا ما فيها من الخبز ويترتب على ذلك ما يترتب من الافساد فاخبروا الباشا بذلك فأطلقوا لهم بيع الخبز وغيره واستمر على ذلك اياما
وفيه شرعوا في تحرير فردة على البلاد وكتبوا دفاترها الاعلي ثمانون ألف فضة ودون ذلك ويتبعها على كل بلد جملان وسمن واغنام وقمح وتبن وشعير
وفي اواخره حصلت نوة وتتابع مرور الغيوم وحصل رعد هائل ودخل الليل فكثر الرعد والبرق وتبعه المطر ثم حضر اناس بعد ايام من جهة شرقية بلبيس واخبروا انه نزل بناحية مشتول صواعق اهلكت نحو العشرين من بني ادم وابقارا واغناما وعميت اعين اشخاص من الناس
وفي هذا الشهر شرعوا في عمل كسوة الكعبة بيد السيد احمد المحروقي فقيد بها وكيله بذلك وشرعوا في عملها في بيت الملا بحارة المقاصيص
{ أحداث شهر شعبان سنة 1219 }
شهر شعبان استهل بيوم الاحد في رابعة حضر لحسن بك طوخان وطلع الى القلعة ونزل الى الباشا ولبس خلعة من خلع الباشا قاووقا وركب ونزل من القلعة وامامه الجاويشية والسعادة والملازمون وضربت له النوبة بمعنى انه صار عوضا عن اخيه
وفي يوم الخميس نزل قادري أغا ومن معه من العسكر في المراكب وسافر جهة بحري وسافر خلفهم عدة من الدلاة
وفيه اشيع ابطال الفردة في هذا الوقت ثم قرروا مطلوبات دون ذلك وفي يوم الخميس ثاني عشرة نودي بخروج العسكر الى السفر لجهة قبلي ولا يتأخر منهم من كان مسافرا فشرعوا في الخروج وقضاء حوائجهم وصاروا يخطفون حمير الناس والجمال
وفي يوم الجمعة وصل قاصد من الديار الرومية وعلى يده فرمان جواب من مراسلة للباشا بارسال باشة الينبع لمحافظتها من الوهابيين وانه اعطاه ذخيرة شهرين وبان يرسل اليه ما يحتاجه من الذخيرة وكذلك محمد باشا والي جدة يعطي له ما يحتاجه من الذخيرة لاجل حفظ الحرمين والوصية برعية مصر ودفع الخالفين وامثال ذلك فعمل الباشا الديوان في ذلك اليوم وقرأوا الفرمان وضربوا عدة مدافع
وفيه مات الشيخ حجاب
وفي يوم السبت رابع عشرة سافر محمد علي
وفيه هرب علي كاشف السلحدار الألفي ومن بمصر من جماعته فلما وصل الخبر الى الباشا ارسل الى بيوتهم فلم يجد فيها احدا فسمروها وقبضوا على الجيران ونهبوا بعض البيوت
وفي سابع عشره سافر حسن باشا أيضا ونادوا على العسكر بالخروج
وفي تاسع عشره حضر طائفة من الدلاة نحو المائتين وخمسين نفرا فانزلهم الباشا بقصر العيني
وفي يوم الثلاثاء المذكور سابع عشرة عمل السيد احمد المحروقي وليمة ودعا الباشا الى داره فنزل اليه تغدى عنده وجلس نحو ساعتين ثم ركب وطلع الى القلعة فأرسل المحروقي خلفه هدية عظيمة وهي بقج قماش هندي وتفاصيل ومصوغات مجوهرة وشمعدانات فضة وذهب وتحائف وخيول له ولكبار اتباعه صحبة ولده وترجمانه وكتخداه وخلع عليهم الباشا فراوى سمور
وفي يوم الاحد ثاني عشرينة توفي السيد احمد المحروقي فجأة وكان جالسا مع اصحابه حصة من الليل فأخذته رعدة فدثروه ومات في الحال في سادس ساعة من الليل فسبحان الحي الذي لايموت وركب ابنه وطلع الى الباشا فوعده الباشا بخير وارسل القاضي وديوان افندي وختم على بيته وحواصله ثم حضروا في ثاني يوم فضبطوا موجوداته وكتبوها في دفاتر واودعوها في مكان وختموا عليها وارسلوا علم ذلك الى الدولة صحبة صالحة افندي وكان على اهبة السفر فعوقوه حتى حرروا ذلك وسافر في يوم الجمعة سابع عشرينة
وفي يوم الاربعاء خامس عشرينه احضروا احدى وعشرين راسا لايعلم ماهي وهي متغيرة محشوة بالتبن وشاعوا انها من ناحية المنية وانهم حاربوا عليها وملكوها ولم يظهرلذلك اثر بين
وفي يوم السبت ثامن عشرينه البس الباشا ابن السيد المحروقي فروة سمور وقفطانا على دار الضرب وعلى ما كان ابوه عليه من خدمة الدولة والالتزام ونزل من القلعة صحبة القاضي الى المحكمة ثم رجع الى بيته
وفي ذلك اليوم بعد العصر وقع ربع بجوار حمام المصبغة جهة الكعكبيين على الحمام فهدم ليوان المسلخ فمات من به من النساء والاطفال والبنات ثلاثة عشر وخرج الاحياء من داخله وهن عرايا ينفضن غبرات الاتربة والموت وحضر الاغا والوالي ومنعوا من رفع القتلى الا بدراهم ونهبوا متاع النساء وقبضوا على الشيخ محمد العجمي مباشر وقف الغوري ليلا وازعجوه لان ثلث الحمام جار في الوقف والحال أن الحمام لم يسقط وانما هدمه ما سقط عليه وكذلك طلبوا ملاك الربع وهم الشيخ عمر الغرياني وشركاؤه فذهبوا الى بيت الشيخ الشرقاوي والتجؤا اليه ثم أن القاضي كلم الباشا في امر المردومين وذكر له طلب الحاكم دراهم على رفعهم واجتماع مصيبتين على اهليهم والتمس منه ابطال ذلك الامر فكتب فرمانا بمنع ذلك ونودي به في البلدة وسجل
وفي ليلة الاثنين عمل موسم الرؤية لثبوت هلال رمضان وركب المحتسب ومشايخ الحرف على العادة من بيت القاضي ولم يثبت الهلال تلك الليلة و نودي انه من شعبان وانقضى شهر شعبان وقادري أغا عاص جهة شابور في قرية وصالح أغا ومن معه من العساكر مستمرون على حصاره وصحبتهم اخلاط من العربان وجلا اهل شابور عنها وخرجوا على وجوههم مما نزل بهم من النهب وطلب الكلف وغير ذلك من العاصي منهم والطائع فإن كلا من الفريقين تسلطوا على نهب البلاد وطلب الكلف وغيرها واذا مرت بهم مركب نهبوها واخذوا ما فيها فامتنع ورود المراكب وزاد الغلاء وامتنع وجود السمن واذا وجد بيع العشرة ارطال بخمسائة نصف فضة وستمائة ولا يوجد وبيع الرطل من البصل في بعض الايام بثمانية انصاف والاردب الفول بثمانية عشر ريالا والقمح بستة عشر ريالا والرطل الشمع الدهن بأربعين نصفا والشيرج بخمسة وثلاثين نصفا واما زيت الزيتون فنادر الوجود وقس على ذلك
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة