بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ احداث شهر جمادي الاولى سنة 1225 }
واستهل شهر جمادي الاولى بيوم الاحد
فيه عمل الباشا ميدان رماحه بالجيزة فتقنطر به الحصان ووقع به الارض فأقاموه واصيب غلام من مماليكه برصاصة فمات ويقال أن الضارب لها كان قاصدا الباشا فأخطأته واصابت ذلك المملوك والاجل حصن
وفيه نبهوا على العسكر بالخروج فسعوا بالجد والعجلة في قضاء اشغالهم ولوازمهم وطفقوا يخطفون حمير الناس وجمالهم ومن يصادفونه ويقدرون عليه من اهل البلد وخلافهم ويقولن في غد مسافرون وراحلون لمحاربة المصريين والمصريون أيضا مستمرون في منزلتهم لم ينتقلوا عنها
وفي خامسه خرج حسن باشا وبرز خيامه بناحية الاثار وخرج ايضا محو بيك بعسكره وطوائفه ومعهم بيارق وسافر جملة عساكر في المراكب ليرابطوا في البنادر فأنها خالية ليس بها احد من المصريين وفي كل يوم يخرج عساكر ثم يرجعون الى المدينة وهم مستديمون على خطف الدواب وحمير البطيخ وجمال السقائين والباشا يعدي الى بر مصر في كل يومين او ثلاثة ويطلع الى القلعة ثم يعود الى مخيمه في الجيزة وامتنع سفر المسافرين قبلي وبحري
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرة بلغ الباشا أن الامراء المرادية والابراهيمية وغالب المصرية لهم مراسلات ومعاملات مع السيد سلامة النجاري واخيه وابن اخيه وانه يرسل لهم جميع ما يلزم من اسلحة وامتعة وخلافها بواسطة بعض عملائهم من العربان خفية وانه اشترى جملة اسلحة وخيول وثياب وغيرها واخذ اشياء من بيوت بعضهم لاجل أن يرسل الجميع اليهم وان جميع ذلك موجود عند المذكور الآن ومن جملة ايام حضر رسول من عندهم بدارهم ومعه حصان نعمان بك وهو غنده ! أيضا فأمر بجلبه وحبسه وهجم منزله وضبط اوراقه وضبط ما يوجد بها ففعلوا ذلك وحبسوا معه ابن اخيه وازعجوهما وهجموا منزله فوجدوا فيه خمسة خيول وجملة اسلحة فطغوا وبغوا ونهبوا متاعه وبددوا شمل كتب ابيه ولم يجدوا مكاتبات من الامراء القبالي ولا اثر لذلك بل انهم وجدوا جوابا من اخيه السيد احمد مضمونه اننا عند وصولنا الى مكة المشرفة اشترينا اربعة خيول نجدية بها العلامات التي افدتمونا عنها وهي مرسلة لكم عسى أن تفوزوا بتقديمها لافندينا ولما سئل عن الاسلحة والخيول التي عنده قال أن السلاح عندنا من قديم وله مدد ورؤيته تدل على ذلك واما الخيول فمنها اربعة احضرتها هدية لأفندينا وجاءت ضعيفة فأبقيتها عندي حتى تتقوى واقدمها اليه والحصان الخامس اشتريته لنفسي من رجل عميلنا اسمه عطوان احمد من اهالي كفر حكيم اخبرني انه اشتراه من ناحية صول ولما رأيت فيه علامات الجودة وجاءت الاربعة خيول تركت ركوبه وابقيته معها حتى اقدم الجميع لأفندينا فعند ذلك توجه محمد افندي طبل للباشا وفهمه براءة ذمة المذكور واخبره بما صار وما وجدوه وما قاله المذكور وسعى في ازالة هذه التهمة عنه وعرفه أن هذا الرجل مستقيم الاحوال وانه من وقت توظيفه معه لم ينظر عليه ما يخالف وصدق عليه الحاضرون فلما ظهر للباشا كذب التهمة وتحقق براءته وانه احضر هذه الخيول هدية له امر باطلاقه من السجن واسترجاع ما نهبته الاعوان من منزله وتخلق عليهم بسبب ذلك ثم امر بإحضاره واحضار الخيول المهداة له فقبلها منه ثم سأله عن علامات الجودة وما يحمد في الخيل وما يذم فيها فأجابه بأجوبة مفيدة استحسنها فأنعم عليه وضاعف مرتبه واحال عليه نظر مشتري الخيول
وفيه وصلت الاخبار بأن حسن باشا وصالح قوج وعابدين بك وعساكر الارنؤد وصلوا الى ناحية صول والبرنبل فوجدوا المصريين جعلوا متاريس ومدافع علي البر ليمنعوا مرور المراكب فحاربوهم حتى اجلوهم عنها وملكوا المتاريس وقتل رجل من الاجناد وهو الذي كان محافظا على المتاريس يقال له ابراهيم أغا سقط به الجرف الى البحر فأخذوه اليهم ومعه آخر وقتلوهما وقطعوا رؤسهما وارسلوهما صحبة المبشرين الى الباشا فعلقوا الرأسين بباب زويلة ولما بلغ الامراء المصريين اخذ المتاريس تأهبوا وساروا من اول الليل وهي ليلة السبت رابع عشره مكمنين وكاتمين امرهم فدهموا الارنؤد من كل ناحية فوقع بينهم مقتله عظيمة واخذوا منهم عدة بالحياة واخذوا منهم اشياء وكان حسن باشا واخوه عابدين بك صعدا بمراكبهما الى قبلي المتاريس فاحترق من مراكب اخيه مركب والقى من فيها بأنفسهم الى البحر فمنهم من نجا ومنهم من غرق واما مراكب حسن باشا فإنه ساعدها الريح أيضا فسارت الى ناحية بني سويف ثم أن المصريين عدى منهم طائفة الى شرق اطفيح وانتقل بواقيهم راجعين الى ناحية الجيزة قريبا من عرضي الباشا
وفي ليلة الخميس تاسع عشره عدى الباشا الى بر مصر وطلع الى القلعة فلما كان الليل وصل طائفة من المصريين الى المرابطين لخفارة عرضي الباشا واحتاطوا بهم وساقوهم اليهم فانزعج العرضي وحصل فيهم غاغة فارسل طوسون باشا الى ابيه فركب ونزل من القلعة في سادس ساعة من الليل وعدى الى البر الغربي ومما سمعته أن الباشا عندما نزل المعدية وسار بها في البحر سمع واحدا يقول لآخر قدم حتى نقتل المصريين ونبدد شملهم ويكرر ذلك فأرسل الباشا مركبا وارسل بعض اتباعه بها لينظروا هذين الشخصين ولأي شيء نزلا البحر في هذا الوقت فلما ذهبوا الى الجهة التي سمع منها الصوت لم يجدوا احدا وتفحصوا عنهما فلم يجدوهما فاعتقد من له اعتقاد منهم انهما من الاولياء وان الباشا مساعد بأهل الباطن
وفي عشرينه ظهر التفاشل بين الامراء المصريين وتبين أن الذين كانوا عدوا الى البر الشرقي هم ثلاثة امراء من الالفية وهم نعمان بك وامين بك ويحيى بك وذلك انهم لما تصالحوا مع الباشا واميرهم شاهين بك وهو الرئيس المنظور اليه ومطلق التصرف في معظم البر الغربي والفيوم يتحكم فيهم وفي طوائف العربان واهالي البلاد والفلاحين بما يريد وكذلك اموال المعادي بناحية الاخصاص وانبابة والخبيري وغير ذلك وهو شيء له قدر كبير وزاد فيهم أيضا اضعاف المعتاد فيأخذ جميع ذلك ويختص به وذلك خلاف انعامات الباشا عليه بالمئتين من الاكياس ويشترى المماليك والجواري الحسان ولا يدفع لهم ثمنا فيشكون الى الباشا فيدفعه الى اليسرجية من خزينته وهو منشرح الخاطر واخوانه يتأثرون لذلك وتاخذهم الغيرة ويطمعون في جانبه وهو يقصر في حقهم ولا يعطيهم الا النزر مع المن والتضجر وفيهم من هو اقدم منه هجرة ويرى في نفسه انه احق بالتقدم منه لما دنت وفاة استاذهم احضر شاهين بك وسلمه خزينته واوصاه بان يعطي لكل امير من خشداشينه سبعة آلاف مشخص ولم يعطهم وطفق كلما اعطاهم شئيا حسبه عليهم من الوصية حتى اذا اعطى اليلك والبنش لنعمان بك مثلا يعطيه له انقص من بنش امين بك نصف دراع ويقول هو قصير القامة ونحو ذلك فيحقدون ذلك عليه ويتشكون من خسته وتقصيره في حقهم ويعلم الباشا ذلك فلما نقض شاهين بك عهده وانضم الى المخالفين وخشداشينه المذكورون معه بالتنافر القلبي راسلهم الباشا سرا ووعدهم ومناهم بأنهم اذا حضروا اليه وفارقوا شاهين بك الخائن المقصر في حقهم انزلهم منزلة شاهين بك وزيادة واختص بهم اختصاصا كبيرا فمالت نفوسهم لذلك القول واعتقدوا بخسافة عقولهم صحته وانهم اذا رجعوا اليه هذه المرة ونبذوا المخالفين اعتقد صداقتهم وخلوصهم وزاد قدرهم ومنزلتهم عنده وتذكروا عند ذلك ما كانوا فيه مدة اقامتهم بمصر من التنعم والراحة في القصور التي عمروها بالجيزة والبيوت التي اتخذوها بداخل المدينة والرفاهية والفرش الوطيئة وتحركت غلمتهم للنساء والسراري التي انعم عليهم الباشا بها وقالوا مالنا والغربة وتعب الجسم والخاطر والانزعاج والجروب والالقاء بنفوسنا في المهالك وعدم الراحة في النوم واليقظة فردوا الجواب بالاجابة وتمنوا عليه أيضا ما حاك في نفوسهم بشرط طرح المؤاخذة والعفوا الكامل بواسطة من يعتمد صدقه فاجابهم لكل ما سألوه وتمنوه بواسطة مصطفى كاشف المورلي وهو معدود سابقا منهم وانفصل عنهم وانتمى الى كتخدا بك وصار من اتباعه فعند ذلك شرعوا في مناكدة اخيهم شاهين بك ومفارقته وعقدوا معه مجلسا وقالوا له قاسمنا في ربع المملكة التي خصونا به في القسمة التي شرطوها فإننا شركاؤك فإن ابراهيم بك قسم مع جماعته وكذلك عثمان بك وعلي بك ايوب فقال لهم وما هو الذي ملكناه حتى اقاسمكم فيه فقالوا انت تجحف علينا وتختص بالشيء دوننا فإنك لما اصطلحنا معك مع الباشا وصرفك في البر الغربي اختصيت بإيراده وهو كذا وكذا دوننا ولم تشركنا معك في شيء ولولا أن الباشا كان يراعينا ويواسينا من عنده لمتنا جوعا فنحن لانرافقك ولانصحبك ولانحارب معك حتى تظهر لنا ما نقاتل معك عليه وتزايدوا معه في المكالمة والمعاتبة والمفاقمة ثم انفصلوا عنه ونقلوا خيامهم الى ناحية البحر واعتزلوه وفارقوا عرضي الجميع فلما علم بذلك ابراهيم بك الكبير تنكد خاطره وقال لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم أي شئ هذا الفشل وخسافة العقل والتفرق بعد الالتئام والاجتماع وذهب اليهم ليصالحهم ويضمن لهم كل ما طلبوه وطمعوا فيه عند تملكهم وقال لهم ان كنتم محتاجين في هذا الوقت لمصرف انا اعطيكم من عندي عشرين ألف ريال اقسموها بينكم وعودوا لمضربكم معنا فامتنعوا من صلحهم مع شاهين بك فرجع ابراهيم بك يريد اخذ شاهين بك اليهم فامتنع من ذهابه اليهم وقال انا لست محتاجا اليهم وان ذهبوا قلدت امراء خلافهم وعندي من يصلح لذلك ويكون مطيعا لي دونهم فإن هؤلاء يرون انهم احق مني بالرياسة والجماعة شرعوا في التعدية وانتقلوا الى البر الشرقي وحال البحر بين الفريقين ووصل اليهم مصطفى كاشف المورلي بمرسوه الباشا واجتمعوا معه عند عبد الله أغا المقيم بناحية بني سويف وضرب لهم شنكا ومدافع ثم انهم عزموا على الحضور الى مصر فوصلوا في يوم الخميس خامس عشرينه وقابلوا الباشا وخلع عليهم واعطاهم تقادم ورجعوا الى مضربهم ناحية الآثار وصحبتهم ستة عشر من كشافهم والجميع يزيدون عن المائتين وانعم عليهم الباشا بمائتي كيس لكل كبير من الاربعة عشرون كيسا ومائة وعشرون كيسا لبقيتهم واشتروا دورا واسعة وشرعوا في تعميرها وزخرفتها علىطرف الباشا فاشترى امين بك دار عثمان كتخدا المنفوخ بدرب سعادة من عتقائه ودفع له الباشا ثمنها وامر لكل امير منهم بسبعة آلاف ريال ليصرفها فيما يحتاج اليه في العمارة واللوازم وحولهم بذلك على المعلم غالي ولما تحقق شاهين بك انفصالهم قلد اربعة من اتباعه امرياتهم واعطاهم بيرقا وخيولا وضم لهم مماليك وطوائف وتمت حيلة الباشا التي احكمها بمكره وعند ذلك اشيع في الاقليم القبلي والبحري تفرقهم وتفاشلهم ورجع من كان عازما من القبائل والعربان عن الانضمام اليهم وطلبوا الامان من الباشا وحضروا اليه ودخلوا في طاعته وانعم عليهم وكساهم وكانت اهالي البلاد عندما حصلت هذه الحادثة عصت عن دفع الفرض والمغارم وطردوا المعينين وتعطل الحال وخصوصا عندما شاع غلبة المصريين على الارنؤد وتفرقت عنهم العربان الذين كانوا انضموا اليهم واطاع المخالف والعاصي والممانع وكلها اسباب لبروز المقدور والمستور في غيبه سبحانه وتعالى
وفي اواخره حضر كثير من عسكر الدلاة من الجهة الشامية وكذلك حضر اتراك من على ظهر البحر كثيرون
{ أحداث شهر جمادي الثانية سنة 1225 }
واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الثلاثاء
في ثالثه يوم الخميس قلد الباشا ديوان افندي نظر مهمات الحرمين والتأهب لسفر الحجاز لمحاربة الوهابية وسكن ببيت قصبة رضوان كل ذلك مع توجه الهمة والاستعداد لمحاربة الامراء المصريين والمذكورون بناحية قنطرة اللاهون
واما حسن باشا وصالح قوج وعابدين بك ومن معهم فإنهم صعدوا الى قبلي وملكوا البنادر الى حد جرجا واستقر دبوس اوغلي بمنية ابن خصيب
وفي يوم السبت خامسه ارتحل الباشا بعساكره من الجيزة وانتقل الى جزيرة الذهب ونودي في المدينة بخروج العساكر المقيمين بمصر ولا يختلف منهم احد فزاد تعديهم وخطفهم الحمير والجمال والرجال الفلاحين وغيرهم لتسخيرهم في خدمتهم وفي المراكب عوضا عن النوتيه والملاحين الذين هربوا وتركوا سفائنهم فكانوا يقبضون على كل من يصادفونه ويحبسونهم في الحواصل ببولاق واتفق انهم حبسوا نحو ستين نفرا في حاصل مظلم واغلقوه عليهم وتركوهم من غير اكل ولا شرب اياما حتى ماتوا عن آخرهم وانحدر قبطان بولاق واعوانه في طلب المراكب من بحر النيل فكانوا يقبضون على المراكب الواصلة الى مصر بالغلال والبضائع والسفار فيلقون شحنها التي لاحاجة لهم بها على شطوط الملق ويأتون بالمراكب الى بولاق والجيزة الا أن يعطوهم براطيل على تركهم الغلة بالمراكب حتى يصلوا بها الى ساحل بولاق فيخرجونها منها ثم يأخذون المركب وهكذا كان دأبهم بطول هذه المدة
وفي عاشره ارتحل الباشا من جزيرة الذهب يريد محاربة المصريين
وفي منتصفه ورد الخبر بأن حسين بك تابع حسين بك المعروف بالوشاش الألفي اراد الهروب والمجيء الى الباشا فقبض عليه شاهين بك واهانه وسلب نعمته وكتفه واركبه على جمل مغطى الرأس وارسله الى الواحات فاحتال وهرب وحضر الى عرضي الباشا فأكرمه وانعم عليه واعطاه خمسين كيسا واستمر عنده
وفي خامس عشرينه وصلت الاخبار بان الباشا ملك قناطر اللاهون وان المصريين ارتحلوا الى ناحية البهنسا ولم يقع بينهم كبير محاربة وان الباشا استولى على الفيوم وارسل الباشا هدايا لمن في سرايته ولكتخدا بك من ظرائف الفيوم مثل ماء الورد والعنب والفاكهة وغير ذلك واستولى على ماكان مودعا للمصريين من الغلال بالفيوم
وفي اواخره وصلت اخبار من ناحية الشام بأن طائفة من الوهابية جردوا جيشا الى تلك الجهة فتوجه يوسف باشا الى المزيريب وحصن قلعتها واستعد اليهم بجيش وحاربوهم وطردوهم ثم اضطربت الاخبار واختلفت الاقوال
{ أحداث شهر رجب سنة 1225 }
واستهل شهر رجب بيوم الخميس
فيه وردت الاخبار بورود قزلا راغا من طرف الدولة وعلى يده اوامر وخلعة وسيف وخنجر لمحمد علي باشا وصحبته أيضا مهمات وآلات مراكب ولوازم حروب لسفر البلاد الحجازية ومحاربة الوهابية وهو يسمى عيسى أغا وانه طلع الى ثغر سكندرية
وفي يوم السبت عاشره الموافق لسادس مسرى القبطي اوفي النيل وحصلت الجمعية وحضر كتخدا بك القاضي وباقي الاعيان وكسر السد بحضرتهم في صبحها يوم الاحد وجرى الماء في الخليج
وفيه وصل الاغا شبرا وعملوا له هناك شنكا وحراقات وتعليقات قبالة القصر الذي انشأه الباشا بساحل شبرا وخرجوا لملاقاته في صبحها بعد ثلاث ليال في يوم الثلاثاء ثالث عشرة وعملوا له موكبا عظيما وطلع الى القلعة وضربوا عند طلوعه الى القلعة مدافع وهذا الآغا اسمر اللون حبشي مخصي لطيف الذات متعاظم في نفسه قليل الكلام وفي حال مروره كان بجانبه شخصان ينثران الذهب والفضة الاسلامبولي على الناس المتفرجين وحضر صحبته وصحبة اتباعه السكة الجديدة التي ضربت باسلامبول من الذهب والفضة وهي دراهم فضة خالصة سالمة من الغش زنة الدرهم منها درهم وزنى كامل ستة عشر قيراطا يصرف بخمسة وعشرين نصفا من الانصاف المعاملة العددية المستعملة في معاملة الناس الآن وكذلك قطعة مضروبة وزن درهمين بالدرهم الوزني تصرف بخمسين وكذلك قطة مضروبة وزنها اربعة دراهم وتصرف بمائة نصف وقطعة وزنها ثمانية دراهم وتصرف بمائتين وكذلك ذهب فندقلي اسلامي يصرف باربعمائة نصف واربعين نصفا ونصفه وربعه
وفي يوم الجمعة سادس عشره حضر الآغا المذكور الى المسجد الحسيني وصلى به الجمعة وخرج وهو يفرق على الفقراء والمستجدين ارباع الفنادقة واعطى خدمة الضريح وخدمة المسجد قروشا اسلامبولي في صرر اقل مافي الصرة الواحدة عشرة قروش
وفي يوم السبت سابع عشره عملوا ديوانا بالقلعة واحضروا خلعة وصلت صحبة الاغا المذكور ارسلها صحبة خازنداره والبسوها لابن الباشا وجعلوه باشا مير ميران وابن الباشا المذكور ولد مراهق صغير يسمى اسمعيل وضربوا شنكا ومدافع واشيع انه وصلت مبشرون من الجهة القبلية بنصرة الباشا على المصريين وارسلوا بذلك اوراقا للاعيان اخبروا فيها بوقوع الحرب بين الفريقين ليلة السبت او يوم السبت عاشر رجب
وفي ليلة الثلاثاء عشرينه ارسلوا تنابية الى المشايخ بالحضور من الغد لانفار عدوها ويكون حضورهم بالمشهد الحسيني فبات الناس في ارتياب وظنون وتخامين فلما اصبح اليوم حضر شيخ السادات وهو الناظر على اوقاف المشهد الى قبة المدفن وحضر الشيخ البكري واغلقوا باب القبة ومنعوا الناس من العبور بالمسجد متشوفين لثمرة هذا الاجتماع وكل من حضر من الاشياخ المشاهير استأذنوا له وادخلوه الى القبة وحضر الشيخ الامير والشيخ المهدي وتأخر حضور الشيخ الشرقاوي لكونه كان ببيت في بولاق ثم حضر الآغا المذكور ودخل الى القبة وصحبته ظرف من خشب ففتحه واخرج منه لوحا طوله ازيد من ذراعين في عرض ذراع ونصف مكتوب فيه البسملة بخط الثلث مموه بالذهب وهي بخط يد السلطان محمود وتحتها طرة العلامة السلطانية فعلقوه على مقصورة المقام وقرأوا الفاتحة ودعا السيد محمد المنزلاوي خطيب المسجد بدعوات للسلطان ولما فرغ دعا أيضا السيد بدر الدين المقدسي ثم خلع على المشايخ خلعا وفرق ذهبا ثم خرج الجميع وركبوا الى دورهم فكان هذا الجمع جمع سخف لاغير
وفي يوم الجمعة ركب الآغا المذكور وذهب الى ضريح السادات غير واضحة بالقرافة صحبة الشيخ المتولي خلافتهم فزار مقابرهم وعلق هناك نوحا أيضا وفرق دراهم وخلع على الشيخ المذكور خلعه
ومن الحوادث البدعية من هذا القبيل أن عثمان أغا المتولي اغات مستحفظان سولت له نفسه عمارة مشهد الرأس وهو رأس زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ويعرف هذا المشهد عند العامة بزين العابدين وبذلك اشتهر ويقصدونه بالزيارة صبح يوم الاحد فلما كانت الحوادث ومجيء الفرنسيس اهملوا ذلك وتخرب المشهد واهيلت عليه الاتربة فاجتهد عثمان أغا المذكور في تعمير ذلك فعمروه وزخرفه وبيضه وعمل به سترا وتاجا ليوضعا على المقام وارسل فنادى على اهل الطرق الشيطانية المعروفين بالاشاير وهم السوقة وارباب الحرف المرذولة الذين ينسبون انفسهم لارباب الضرائح المشهورين كالاحمدية والرفاعية والقادرية والبرهامية ونحو ذلك واكد في حضورهم قبل الجمع بأيام ثم انهم اجتمعوا في يوم الاحد خامس عشرينه بأنواع من الطبول والزمامير والبيارق والاعلام والشراميط والخرق الملونه والمصبغة ولهم انواع من الصياح والنياح والجلبة والصراخ الهائل حتى ملؤا النواحي والاسواق وانتظموا وساروا وهم يصيحون ويترددون ويتجاوبون بالصلوات والآيات التي يحرفونها وانواع التوسلات ومناداة اشياخهم أيضا المنتسبين اليهم بأسمائهم كقولهم برفع الصوت وضرب الطبلات وقولهم ياهو ياهو ياجباوي ويابدوي ويادسوقي ويابيومي ويصحبهم الكثير من الفقهاء والمتعممين والآغا المذكور راكب معهم والستر المصنوع مركب على اعواد وعليه العمامة مرفوعة بوسط الستر على خشب ومتحلقين حوله بالصياح والمقارع يمنعون ايدي الناس الذين يمدون ايديهم للتمسح والتبرك من الرجال والنساء والصبيان المتفرجين ويرمون الخرق والطرح حتى انهم يرخونها من الطيقان بالحبال لتصل الى ذلك التمثال لينالوا جزأ من بركته ولم يزالوا سائرين به على هذا النمط والخلائق تزداد كثرة حتى وصلوا الى ذلك المشهد خارج البلدة بالقرب من كوم الجارح حيث المجراة وصنع في ذلك اليوم والليلة اطعمة واسمطة للمجتمعين وباتوا على ذلك الى ثاني يوم
وفيه بعث عيسى أغا الواصل نجيب افندي الى الباشا يخبره بحضوره وبالغرض الذي حضر من اجله ويستدعيه للمجيء
وفي يوم الجمعة غايته وردت اخبار بوقوع حرابة بين الباشا والمصريين وقتل بين الفريقين مقتلة عظيمة عند دلجة والبدرمان وكانت الغلبة للباشا على المصريين واخذوا منهم اسرى وحضر الى الباشا جماعة من الامراء الالفية بامان وهرب الباقون وصعدوا الى قبلي فعلموا لذلك اليوم شنكا ومدافع ثلاثة ايام كل يوم ثلاث مرات
{ أحداث شهر شعبان سنة 1225 }
واستهل شهر شعبان بيوم السبت
فيه حضر الباشا وقت الغروب في تطريدة وصحبته جماعة قليلون وطلع من البحر من برطرا والمعيصرة وركب من هناك خيولا من خيول العرب وطلع الى القلعة على حين غفلة فضربوا في ذلك الوقت مدافع اعلاما بحضوره
وفي ثاني ليلة صعد اليه عيسى أغا المذكور عند الغروب وقابله وسلم عليه
وفي يوم الاثنين ثالثه عمل الباشا ديوانا وركب ذلك الآغا من بيت عثمان أغا الوكيل الكائن بدرب الجماميز في موكب وطلع الى القلعة وقرأ المرسوم الذي وصل صحبته بالمعنى السابق وهو الامر بالخروج الى الحجاز ولبس الباشا الخلعة والسيف بحضرة الجمع وضربوا مدافع كثيرة عقيب ذلك
وفيه وردت الاخبار بمجييء يوسف باشا والي الشام الى ثغر دمياط وكان من خبر وروده على هذه الصورة انه لما ظهر امره واتته ولاية الشام فاقام العدل وابطل المظالم واستقامت احواله وشاع امر عدله النسبي في البلدن فتقل امره على غيره من الولاة واهل الدولة لمخالفته طرائقهم فقصودا عزله وقتله فارسلوا له ولوالي مصر اوامر بالخروج الى الحجاز فحصل التواني وفي اثناء ذلك حضر فرقة من العربان الوهابيين وخرج اليهم يوسف باشا المذكور وحصن المزيريب كما تقدم ورجع الى الشام وتفرقت الجموع ثم وصل عيسى أغا هذا وعلى يده مراسيم بولاية سليمان باشا على الشام وعزل يوسف باشا واشاعوا ذلك وخرج سليمان باشا تابع الجزار من عكا في جمع وخرج يوسف باشا بجموعه أيضا فتحاربا فانهزم يوسف باشا ونزل بالمزة واستعجل الرجوع الى الشام فقامت عليه عساكره ونهبوا متاعه وخرج سليمان باشا تابع الجزار من عكا وتفرقوا عنه فما وسعه الا الفرار وترك ثقله وامواله ونزل في مركب ومعه نحو الثلاثين نفرا وحضر الى مصر ملتجئا لواليها محمد علي باشا لأن بينهما صداقة ومراسلات فلما وصلت الاخبار بوصوله ارسل الى ملاقاته طاهر باشا وحضر صحبته الى مصر وانزله بمنزل مطل على بركة الازبكية وعين له ما يكفيه وارسل اليه هدايا وخيولا وما يحتاج اليه
وفي هذه الايام اختل سد ترعة الفرعونية وانفتح منه شرم واندفع فيه الماء فضج الناس وتعين لسدها ديوان افندي واخذ معه مراكب واحجارا واخشابا وغاب يومين ثم رجع واتسع الخرق واستمر عمر بك تابع الاشقر مقيما عليها لخفارتها وليمنع مرور المراكب ويقوي ردمها لئلا تنحرها المياه فيزداد اتساع الخرق
وفي هذه الايام توقفت زيادة النيل فكان يزيد من بعد الوفاة قليلا ثم ينقص قليلا ثم يرجع النقص وهكذا فأشار البعض بالاجتماع بالاستسقاء بالازهر فتجمع القليل ثم تفرقوا وذلك يوم الثلاثاء رابعه وخرج النصارى الاقباط يستسقون أيضا واجتمعوا بالروضة وصحبتهم القساقسه والرهبان وهم راكبون الخيول والرهوانات والبغال والحمير في تجمل زائد وصحبتهم طائفة من اتباع الباشا بالعصي المفضضة وعملوا في ذلك اليوم سيانة وحانات وقهوات واسمطة وسكردانات عند جميز العبد ويقولون أن النيل لما توقفت زيادته في العام الذي قبل العام الماضي وخرد الناس يستسقون بجامع عمرو وخرج النصارى في ثاني يوم فزاد النيل تلك الليلة وذلك لا اصل له على انه لا استغراب للزيادة في اوانها وهذه الايام أيضا اواخر مسرى وايام النسيئ وفيها قوة الزيادة وايام النوروز
وفي يوم السبت خرج المشايخ والناس الى جامع عمرو بمصر القديمة وارسلوا تلك الليلة فجمعوا الاطفال من مصر وبولاق فحضر الكثير وخطبوا وصلوا واضر بالمجتمعين الجوع في ذلك اليوم ولم يجدوا ما ياكلونه
وفي ثاني يوم نقص النيل واستمر ينقص في كل يوم
وفي يوم الخميس ثالث عشره حضرت العساكر والتجريدة الى نواحي الآثار والبساتين ودخلوا في صبيحة يوم الجمعة رابع عشره بطموشهم وحملاتهم حتى ضاقت بهم الارض وحضر صحبتهم الكثير من الاجناد المصرية اسرى ومستأمنين
وفيه حضر يوسف باشا المنفصل عن الشام ونزل بقصر شبرا وضربوا لحضوره مدافع ثم انتقل الى الازبكية وسكن هناك كما تقدم ذكره
وفي خامس عشرينه زاد النيل ورجع ماكان انتقصه وزاد على ذلك نحو قيراطين وثبت الى اواخر توت واطمأن الناس
وفي غايته سافر عيسى أغا بعد ما قبض ما اهداه اليه الباشا له ولمخدومه من الهدايا والاكياس والتحف والسكاكر والشرابات والاقمشة الهندية وغير ذلك ونزل لتشييعه عثمان أغا الوكيل وسافر صحبته نجيب افندي
وفي اواخره سافر سليمان بك البواب لمصالحة الامراء المنهزمين على يد حسن باشا
{ أحداث شهر رمضان سنة 1225 }
واستهل شهر رمضان بيوم الاحد
في سابع عشره قبض الباشا على المعلم غالي كبير المباشرين الاقباط والمعلم فلتيوس والمعلم جرجس الطويل والمعلم فرنسيس اخي المعلم غالي وباقي اعيان المباشرين فأما غالي وفلتيوس فنزلوا بهما تلك الليلة الى بولاق وانزلوهما في مركب ليسافرا الى دمياط وحبسوا الباقين بالقلعة وختموا علىدورهم وجدوا عند المعلم غالي نيفا وستين جارية بيضاء وسوداء وحبشية ثم قلدوا المباشرة الى المعلم منصور ضريمون الذي كان معلم ديوان الجمرك ببولاق سابقا والمعلم بشارة ورزق الله الصباغ مشاركان معه ثم انزلوا النصارى المعتقلين من القلعة الى بيت ابراهيم بك الدفتردار بالازبكية وفيهم جرجس الطويل واخوه حنا وجرجس وفرنسيس اخو غالي ويعقوب كاتبه وغيرهم واشاعوا عمل حسابهم ثم دار الشغل وسعت الساعون في المصالحة على غالي ورفقائه الى أن تم الامر على اربعة وعشرين ألف كيس ونزل له فرمان الرضا والخلع والبشائر وذلك في اخر رمضان
{ أحداث شهر شوال سنة 1225 }
واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء
فيه نزلت طبلخانة الباشا الى بيت المعلم غالي واستمروا يضربون النوبة التركية ثلاثة ايام العيد ببيته وكذلك الطبل الشامي وباقي الملاعيب وترمى لهم الخلع والبقاشيش
وفي سابعه حضر المعلم غالي وطلع الى القلعة وخلع عليه الباشا خلع الرضا والبسه فروة سمور وانعم عليه ونزل له عن اربعة آلاف كيس من اصل الاربعة وعشرين ألف كيس المطلوبة في المصالحة ونزل الى داره وامامه الجاويشية والاتباع بالعصى المفضضة وجلس بدكة داره واقبل عليه الاعيان من المسلمين والنصارى للسلام عليه والتهنئة له بالقدوم المبارك واما المعلم منصور ضريمون فجبروا خاطره بأن قيدوه بخدمة بيت ابراهيم بك ابن الباشا الدفتردار وقيدوا رفيقيه في خدم اخرى
وفي يوم الخميس عاشر شوال حضر شاهين بك الألفي ومن معه الى مصر ونصب وطاقه بناحية البساتين وذلك بعد أن تمموا الصلح على يد حسن باشا بواسطة سليمان بك البواب فلما استقر بخيامه وعرضيه ببر مصر حضر مع رفقائه وقابل الباشا وهو ببيت الازبكية فبش في وجهه فقال شاهين بك نرجو سماح افندينا وعفوه عما اذنبناه فقال نعم من قبل مجيئكم بزمان وهو مصر لهم على كل كريهة واخلى له بيت محمد كتخدا الاشقر بجوار طاهر باشا بالازبكية وفرشوه ونظموه ووعده برجوعه الى الجيزة في مناصبه كما كان حتى يتحول منها محرم بك صهر الباشا لانه عند انتقال شاهين بك من الجيزة عدى اليها محرم بك بحريمة وهي ابنة الباشا وسكن القصر بعسكره وكذلك اسكن كبار اتباعه وخواصة القصور التي كان يسكنها الالفية وكذلك البيوت والدور فوعده بالرجوع الى محله وظن بخسافة عقله صحة ذلك وحضر صحبة شاهين بك جملة من العسكر والدلاة وغيرهم واستمرت حملاتهم وامتعتهم تدخل الى المدينة ارسالا في عدة ايام
وفي يوم الجمعة عمل الباشا ديوانا بالازبكية في بيت ابنة ابراهيم بك الدفتر دار واجتمع عنده المشايخ والوجاقلية وغيرهم فتكلم الباشا وقال يا احبابنا يخفاكم احتياجي الى الاموال الكثيرة لنفقات العساكر والمصاريف والمهمات والايراد لايكفي ذلك فلزم الحال لتقرير القرض على البلاد والاطيان وقد اجحف ذلك باهليها حتى جلت وخرجت القرى وتعطلت المزارع وبارت الاطيان ولايمكنني رفع ذلك بالكلية والقصدان تدبروا لنا تدبيرا وطريقا لتحصيل المال من غير ضرر ولا اجحاف على اهل القرى وتعود مصلحة التدبير عليهم وعلينا فقال الجميع الراي لك فقال اني فوضت الرأي في تدبير الامور السابقة لجماعة الكتبة وهم الافندية والاقباط فوجدت الجميع خائنين واني دبرت رأيا لاتدخله التهمة وهو أن من المعلوم أن جميع الحصص لها سندات ومعين بها مقدار الميري والفائظ فنقرر على كل حصة قدر ميريها وفائظها اما سنة او سنتين فلا يضر ذلك بالملتزمين ولا بالفلاحين فانتبذ ايوب كتخدا الفلاح وهو كبير الاختيارية وقال لكن يا افندينا الى مساواة الناس فان حصص كثير من المشايخ مرفوع ما عليها من المغارم ويرجع تتميم الغرامة على حصص الشركاء فحنق من كلامه الشيخ الشرقاوي وقال له انت رجل سوء وثار عليه باقي المشايخ الحاضرين وزاد فيهم الصياح فقام الباشا من المجلس وتركهم وذهب بعيدا عنهم وهم يتراددون ويتشاجرون فأرسل اليهم الباشا الترجمان وقال انكم شوشتم على الباشا وتكدر خاطره من صياحكم فسكتوا وقاموا من المجلس وذهبوا الى دورهم وهم منفعلون المزاج ولعل كلام ايوب كتخدا وافق غرض الباشا او هو باغرائه ثم شرعوا في تحرير الدفاتر وتبديل الكيفيات وكان في العزم اولا أن يجعلها على ذمم الاطيان شارقا وغارقا بما فيها من الاوسية التي للملتزمين والارزاق ومسموح مشايخ البلاد وذكر ذلك في المجلس فقيل له أن الاوسية معايش الملتزمين والرزق قسمان قسم داخل في زمام اطيان البلد ومحسوب في مساحة فلاحتها وقسم خارج عن زمامها والقسمان من الارصادات على الخيرات وعلى جهات البر والصدقة والمساجد والاسبلة والمكاتب والأحواض لسقي الدواب وغير ذلك فيلزم منه ابطال هذه الخيرات وتعطيلها فقال الباشا أن المساجد غالبها متخرب ومتهدم فقالوا له عليك بالفحص والتفتيش والزام المتولي على المسجد بعمارته اذا كان ايراده رائجا الى آخر ماقيل
وفي يوم الاثنين حادي عشرينه قتلوا شخصا من الاجناد الالفية وقطعوا رأسه بباب الخرق بسبب انه قتل زوجته من غير جرم يوجب قتلها
{ أحداث شهر ذي القعدة سنة 1225 }
واستهل شهر ذي القعدة بيوم الاربعاء
وفي ثانيه سافر الباشا الى ثغر سكندرية ليكشف على عمارة الابراج والاسوار ويبيع الغلال التي جمعها من البلاد في الفرض التي فرضت عليهم وكذلك ما احضره من البلاد القبلية فجمعوا المراكب وشحنوها بالغلال وارسلها الى الاسكندرية ليبيعها على الافرنج فباع عليهم ازيد من مائتي ألف اردب كل اردب بمائة قرش وسعرها بمصر ثمانية عشر قرشا وهو لم يشترها ولم تكن عليه بمال بل اخذها من زراعات الفلاحين من اصل مافرضه عليهم من الظلم مع تطفيف الكيل عليهم والزامهم بكلفة شيله واجره نقله الى المحل الذي يلزمونهم بوضعه فيه واخذ من الافرنج في ثمنه اصناف النقود من الذهب المشخص البندقي والمجر والفرانسة وعروض البضائع من الجوخ المتنوعة والدودة التي يقال لها القرمز والقزدير واصناف البضائع الافرنكية واحدث وهو بالاسكندرية احداثا ومكوسا
{ أحداث شهر ذي الحجة سنة 1225 }
واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الاحد
في ثاني عشرينه حضر الباشا من الاسكندرية الى مصر وذلك يوم الجمعة اواخر النهار وحضر في العشية الى بيت الازبكية وبات عند حريمه وطلع في صبح يوم السبت الى القلعة وضربوا مدافع كثيرة لحضوره وبذلك علم الناس حضوره وانقضت السنة بحوادثها التي قصصنا بعضها اذ لا يمكن استيفاؤها للتباعد عن مباشرة الامور وعدم تحققها على الصحة وتحريف النقلة وذياتهم ونقصهم في الرواية فلا اكتب حادثه حتى اتحقق صحتها بالتواتر والاشتهار وغالبها من الامور الكلية التي لاتقبل الكثير من التحريف وربما اخرت قيد حادثة حتى اثبتها ويحدث غيرها وانساها فأكتبها في طيارة حتى افيدها في محلها أن شاء الله تعالى عند تهديب هذه الكتابة وكل ذلك من تشويش البال وتكدر الحال وهم العيال وكثرة الاشتغال وضعف البدن وضيق العطن
ومن حوادثها احداث عدة مكوس زيادة على ما احدث على الارز الكتان والحرير والحطب والملح وغير ذلك مما لم يصل الينا خبره حتى غلت اسعارها الى الغاية وكان سعر الدرهم الحرير نصفين فصار بخمسة عشر نصفا وكنا نشتري القنطار من الحطب الرومي في اوانه بثلاثين نصفا وفي غير اوانه باربعين نصفا فصار بثلثمائة نصف وكان الملح يأتي من ارضه بثمن القفاف التي يوضع فيها لاغير ويبيعه الذين ينقلونه الى ساحل بولاق الاردب بعشرين نصفا واردبه ثلاثة ارادب ويشتريه المسبب بمصر بذلك السعر لان اردبة اردبان ويبيعه أيضا بذلك السعر ولكن اردبه واحد فالتفاوت في الكيل لا في السعر فلما احتكر صار الكيل لايتفاوت سعره الآن اربعمائة وخمسون نصفا والتزم به من التزم واوقف رجاله في موارده البحرية لمنع من يأخذ منه شيئا من المراكب المارة بالسعر الرخيص من اربابه ويذهب به الى قبلي او نحو ذلك
ومنها وهي من الحوادث الغريبة انه ظهر بالتل الكائن خارج رأس الصوة المعروفة الآن بالحطابة قبالة الباب المعروف بباب الوزير في وهدة بين التلول نار كامنة بداخل الاتربة واشتهر امرها وشاع ذكرها وزاد ظهورها في اواخر هذه السنة فيظهر من خلال التراب ثقب ويخرج منها الدخان بروائح مختلفة كرائحة الخرق البالية وغير ذلك وكثر ترداد الناس للاطلاع عليها افواجا افواجا نساء ورجالا واطفالا فيمشون عليها ويجدون حرارتها تحت ارجلهم فيحفرون قليلا فتظهر النار مثل نار الدمس فيقربون منها وان غوصوا فيها خشبة او قصبة احترقت ولما شاع ذلك واخبروا بها كتخدا بك نزل اليها بجمع من اكابره واتباعه وغيرهم وشاهد ذلك فأمر والي الشرطة بصب الماء عليها واهالة الاتربة من اعالي التل فوقها ففعلوا ذلك واحضروا السقائين وصبوا عليها بالقرب ماء كثيرا واهالوا عليها الاتربة وبعد يومين صارت الناس المتجمعة والاطفال يحفرون تحت ذلك الماء المصبوب قليلا فتظهر النار ويظهر دخانها فيقربون منها الخرق والحلفاء واليدكات فتورى وتدخن واستمر الناس يغدون ويروجون للفرجة عليها نحو شهرين وشاهدت ذلك في جملتهم ثم بطل ذلك
ومنها انه نودي اواخر السنة على صرف المحبوب بزيادة صرفه ثلاثين نصفا وكان يصرف بمائتين وخمسين من زيادات الناس في معاملاتهم فكانوا ينادون بالنقص ورجوعها الى ما كان قبل الزيادة ويعاقبون على التزايد
وفي هذه الايام نودي بالزيادة وذلك بحسب الاغراض والمقاصد والمقتضيات ومراعاة مصالح انفسهم لاالمصلحة العامة هذا مع نقص عياره ووزنه عما كان عليه قبل المناداة وكذلك نقصوا وزن القروش وجعلوا القرش على النصف من القرش الاول ووزنه درهمين وكان اربعة دراهم وفي الدرهمين ربع درهم فضة هذا مع عدم الفضة العددية ووجودها بايدي الناس والصيارف واذا اراد انسان صرف قرش واحد من غيره صرفه بنقص ربع العشر واخذ بدله قطعا صغارا افرنجية يصرف منها الواحدة باثني عشر واخرى بعشرة واخرى بخمسة ولكنها جيدة العيار وهم الآن يجمعونها ويضربونها بما يزاد عليها من النحاس وهو ثلاثة ارباعها قروشا لأن القطعة الصغيرة التي تصرف بخمسة انصاف وزنها درهم واحد وزني فيصيرونها اربعة قروش فتضاعف الخمسة الى ثمانين وكل ذلك نقص واختلاس اموال الناس من حيث لايشعرون
{ من مات في هذه السنة ممن له ذِكر }
واما من مات في هذه السنة ممن له ذِكر فمات الفقيه الفريد والعلامة المفيد الشيخ علي الحصاوي الشافعي ولا اعلم له ترجمة وانما رأيته يقرر الدروس ويفيد الطلبة في الفقه والمعقول ويشهد الفضلاء بفضله ورسوخه وكان على طريقة المتقدمين في الانقطاع للافادة وعدم الرفاهية والرضا بما قسم له منعكفا في حاله وتمرض بالبرودة ولم ينقطع عن ملازمة الدروس حتى توفي في منتصف جمادي الثانية من السنة وصلى عليه بالازهر ودفن في تربة المجاورين بالصحراء ومات المعلم جرجس الجوهري القبطي كبير المباشرين بالديار المصرية وهو اخو المعلم ابراهيم الجوهري ولما مات اخوه في زمن رياسة الامراء المصرية تعين مكانه في الرياسة على المباشرين والكتبة وبيده حل الامور وربطها في جميع الاقاليم المصرية نافذ الكلمة وافر الحرمة وتقدم في ايام الفرنسيس فكان رئيس الرؤساء وكذلك عند مجييء الوزير والعثمانيين وقدموه واجلسوه ولما يسديه اليهم من الهدايا والرغائب حتى كانوا يسمونه جرجس افندي ورأيته يجلس بجانب محمد باشا خسرو وبجانب شريف افندي الدفتردار ويشرب بحضرتهم الدخان وغيره ويراعون جانبه ويشاورونه في الامور وكان عظيم النفس ويعطي العطايا ويفرق على جميع الاعيان عند قدوم شهر رمضان الشموع العسلية والسكر والازر والكساوي والبن ويعطي ويهب وبنى عدة بيوت بحارة الونديك والازبكية وانشأ دارا كبيرة وهي التي يسكنها الدفتردار الآن ويعمل فيها الباشا وابنه الدواوين عند قنطرة الدكة وكان يقف على ابوابه الحجاب والخدم ولم يزل على حالته حتى ظهر المعلم غالي وتداخل في هذا الباشا وفتح له الابواب لأخد الاموال والمترجم يدافع في ذلك واذا طلب الباشا طلبا واسعا من المعلم جرجس يقول له هذا لايتيسر تحصيله فيأتي المعلم غالي فيسهل له الامور ويفتح له ابواب التحصيل فضاق خناق المترجم وخاف على نفسه فهرب الى قبلي ثم حضر بأمان كما تقدم وانحط قدره ولازمته الامراض حتى مات في اواخر شعبان وانقضى وخلا الجو للمعلم غالي وتعين بالتقدم ووافق الباشا في اغراضه الكلية والجزئيه وكل شيء له بداية وله نهاية والله اعلم
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة