كراكيب- Admin
- عدد المساهمات : 2419
تاريخ التسجيل : 01/01/2014
من طرف كراكيب الأربعاء 29 أبريل 2020 - 19:14
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الفقه الإسلامي
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي . المجلد الأول
● [ كتاب الحج ] ●
[ باب فرض الحج ]
باب فرض الحج ومن يجب عليه ومتى يجب وما يجب فيه
قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}.
يجب الحج على كل من استطاع إليه سبيلا من الرجال والنساء إذا كانوا أحرارا بالغين غير مغلوب على عقولهم والاستطاعة القدرة بالبدن وما يبلغ من الزاد راجلا وراكبا إذا كان الطريق آمنا وليس وجود الزاد والراحلة عند عدم الطاقة باستطاعة عند مالك ومن عجز عنه ببدنه ولم يستمسك على راحلته سقط عنه عند مالك فرضه ولم يلزمه أن يحج عنه غيره من ماله ولو حج عنه غيره من ماله ولو حج من يكفف الناس ممن لا شيء معه اجزأه ولا بأس عند مالك بذلك وكذلك عنده من كان عليه دين إذا كان له به وفاء أو كان يرجو القضاء ويبدأ الأغرب عنده بالحج قبل النكاح إذا لم يقدر عليهما جميعا وليس على الرجل أن يستأذن أبويه في أداء فرض قد وجب عليه ولا يتطوع إلا بإذنهما أو إذن الباقي منهما.
ولا يجب الحج إلا مرة في الدهر ولا يحج أحدا عن أحد لا عن صحيح ولا عن مريض في حياته وجائز الحج عمن أوصى إذا مات ومن أهل المدينة من أجاز الحج عن المريض الذي لا يرجى برؤه في حياته ولم يره مالك ومذهبه في الذي يستأجر عن نفسه من يحج عنه لمرض أو غيره أنه لا يفسخ إجازته ولا يجب لأحد أن يؤاجر نفسه في الحج ومن مات قبل أن يحج لم يلزمورثته أن يحجوا عنه ولا يحجوا من ماله أحدا فإن أوصى بذلك فوصيته في ثلثه ولا يتطوع أحد بالحج قبل أداء فرضه ولا يحج أحد عن غيره حتى يحج عن نفسه فإذا فعل أجزأ عنه عند مالك على كراهية منه وعند غيره لا يجزئ.
ومن تطوع بالحج قبل فرضه لم ينقلب ذلك إلى فرضه عند مالك.
ووقت الحج حين عمله وذلك قبل عرفة بيوم ويوم عرفة ويوم النحر ويومان بعده لمن تعجل وثلاثة أيام لمن استكمل.
وأشهر الحج التي يجوز أن يحرم فيها به شوال وذو القعدة وذو الحجة إلى ليلة النحر منه قبل طلوع الفجر منها ولا يجوز لأحد أن يحرم بالحج في غير أشهر الحج وان فعل فقد أساء ويلزمه ذلك عند مالك وعند غير مالك يعود إحرامه عمرة ولو اعتمر قبل أن يحج أجزأه ولا بأس بذلك.
والاختيار عند مالك ان يبدأ بالحج إذا كان في وقته وقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج إلا أن حين نزول فرض الحج مختلف فيه ووقت وجوب الحج عندنا ما بين أن يجب على المرء بالاستطاعة التي قدمنا ذكرها إلى أن يموت ولا يقضى عليه بالتفريط حتى يموت وقد قيل إنه يجب بأول أوقات الإمكان وأنه مفرط إن لم يبادر إلى أداء فرضه في فور استطاعته وكلا القولين عن أصحاب مالك وغيرهم من أهل المدينة وغيرها.
وقد اختلف أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي على هذين القولين والصحيح عن الشافعي أنه على التراخي لا على الفور وهو قول سحنون وهو الصحيح عندي والحجة فيه أقوى من جهة النظر ومن جهة الأثر وقد ذكرتها في غير هذا الموضع وإذا أحرم بالحج والإحرام الإهلال والنية لما يقصد له من حج أو عمرة وسواء تكلم بهذا أو لم يتكلم إذا اعتقده ونواه حرم عليه حلق الشعر وتقليم الأظافر ولبس المخيط وقتل الصيد وأكله إن صاده أو صيد من أجله ووطء النساء والتلذذ بشيء منهن والطيب والتلبية في الحج مسنونة غير مفروضة ومن تركها في حجة كله فعليه دم وان تركها حينا وأتى بها حينا فلا شيء عليه.
وفرائض الحج أربع أولها الاحرام على حسب ما وصفنا والثاني الوقوف بعرفة نهارا أو ليلا ولا يجزأ عند مالك وأصحابه الوقوف بالنهار عن الوقوف بالليل ولا بد من الجمع بينهما بالوقوف أو الوقوف ليلا وعند جمهور العلماء يجزأ النهار من الليل إذا كان بعد الزوال والليل من النهار لمن فاته الوقوف بالنهار وبه أقول لحديث عروة بن مضرس ولأن أكثر أهل العلم عليه ولا يجزأ الوقوف بالنهار قبل الزوال بإجماع ولا حكم له وإنما أول وقت الوقوف بعد جمع الصلاتين: الظهر والعصر في أول وقت الظهر وأقل ما يجزأ من الوقوف بها أن يدخلها الحاج قاصدا إليها لأداء فرائضه وان لم يقف بها ولم يدع وأجاز مالك وقوفه بها مع ما عليه والثالث السعي بين الصفا والمروة والرابع طواف الإفاضة يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة هذا قول مالك وسائر أهل العلم كافة في طواف الإفاضة وروى ابن وهب وابن نافع وأشهب عن مالك قال: من نسي الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة حين يقدم من مكة فليس عليه ان يرجع من منزله وليهد.
قال: وإن كان الطواف الواجب هو طواف الإفاضة فليرجع من حيث ذكر وان كان من الأندلس حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة وليهد وان كان أصاب النساء رجع فطاف وسعى ثم اعتمر وأهدى وقال في الموطأ: من نسي طواف الإفاضة رجع إليه أبدا وزاد بعض رواته لأنه الطواف الذي يحل به.
قال إسماعيل بن إسحاق: طواف القادم سنة وهو ساقط عن المراهق وعن المكي وعن كل من يحرم بالحج من مكة.
قال: والطواف الواجب الذي لا يسقط بوجه من الوجوه طواف الإفاضة وهو الطواف الذي يكون بعد عرفة قال الله عز وجل: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}.
قال: فهذا هو الطواف المفترض في كتاب الله وهو طواف الإفاضة وهو الذي يحل به الحاج من إحرامه كله.
قال أبو عمر: ما ذكره إسماعيل في طواف الإفاضة هو قول مالك عند أهل المدينة وهي رواية ابن وهب وابن نافع وأشهب عنه وهو قول جمهور أهل العلم من فقهاء الحجاز والعراق.
وقد روى ابن القاسم وابن عبد الحكم عن مالك: أن طواف القدوم طواف واجب وطواف الإفاضة واجب. وقال ابن القاسم في غير موضع من المدونة ورواه أيضا عن مالك: الطواف الواجب طواف القادم بمكة. وقال: الطوافان الواجبان طواف الدخول المتصل بالسعي وطواف الإفاضة فسماهما جميعا واجبين في مواضع من الأسدية.
وقال: من نسي الطواف في حين دخول مكة أو نسي شوطا منه أو نسي السعي أو شوطا منه حتى رجع إلى بلده ثم ذكره فإن يكن أصاب النساء رجع إلى مكة حتى يطوف بالبيت ويركع ويسعى بين الصفا والمروة ثم يهدي وان أصاب النساء رجع فطاف وسعى ثم اعتمر وأهدى وهو كقوله فيمن نسي طواف الإفاضة سواء وسوى في ذلك بين من نسي شوطا من طواف القادم مكة وبين من نسي السعي شوطا فعلى هذه الرواية عنده الطوافان جميعا واجبان والسعي أيضا لأن ما لا بد من عمله والانصراف إليه ولا يجبر بالدم فهو فرض لا شك عندهم فيه.
ومن قال: الطوافان واجبان رأى أن كل واحد منهما ينوب عن صاحبه ويقضي عن الحاج فرض طوافه بالبيت إذا نسي الآخر أو دخل عليه فيه ما يفسده ولم يذكر ذلك حتى رجع إلى بلده ويدلك على ذلك من قول مالك ما ذكره ابن عبد الحكم عنه فيمن أهل بالحج من مكة ومن هو أهلها أو غيرهم أنه لا يطوف ولا يسعى حتى يرجع من منى لأنه لا يطوف الحاج المكي بالبيت ويسعى قبل عرفة إلا إذا قدم من الحل.
قال فإن طاف الذي أحرم من مكة وسعى قبل خروجه إلى منى فليعد ذلك إذا رجع من منى بعد رمي الجمرة فان لم يفعل حتى يخرج إلى بلاده فليهد هديا.
قال أبو عمر: معلوم عند الجميع أنه لو طاف للإفاضة وسعى لم يؤمر بهدي لأنه قد رمى الجمرة بمنى بعد وقوفه بعرفة وقال ابن عبد الحكم في موضع آخر من كتابه: إن طاف الذي يحرم من مكة أعاد الطواف قبل أن يصدر فإن صدر ولم يطف بالبيت فليهرق دما وقال أبو عمر فإذا كان طواف الذي يحرم بالحج من مكة وسعيه في حين خروجه من مكة إلى منى ينوب عنده مع الدم عن طواف الإفاضة فيما ذكره ابن عبد الحكم عن مالك وكذلك ذكر أبو الفرج عنه كان طواف القادم من الحل وسعيه أولى بذلك لأنه وضع الطواف في موضعه ولمم يضعه الذي شأنه أن يحرم من مكة في موضعه.
وروى ابن القاسم وغيره عن مالك فيمن طاف طواف الإفاضة على غير وضوء أنه يرجع من بلده فيفيض ألا أن يكون طاف تطوعا بعد فعل ذلك.
وكذلك ذكر أبو الفرج إلا أنه لم يقل بعد ذلك ، وقد أجمع مالك وأصحابه على أن طواف الإفاضة فرض وأن من نسيه أو طافه على غير وضوء ثم تطوع بعده بطواف طافه قبل خروجه من مكة أنه يجزئه تطوعه عن الواجب المفترض عليه من طوافه.
وكذلك أجمعوا أن من فعل في حجه شيئا تطوع به من عمل الحج وذلك الشيء واجب في الحج قد جاء وقته فإن تطوعه ذلك يصير للواجب لا للتطوع لأنه عمل من عمل الحج في حين الحج بخلاف الصلاة فإذا كان التطوع ينوب في الحج عن الفرض لما وصفنا كان الطواف لدخول مكة أحرى أن ينوب عن طواف الإفاضة مع الدم لأن أقل أحواله أن يكون سنة فهو أقوى من التطوع إلا أن إسماعيل وغيره وهو مذهب ابن القاسم لا ينوب عندهم عن طواف الافاضة إلا ما كان من الطواف بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر أو بعده للوداع كان الطواف أو تطوعا.
ورواية ابن عبد الحكم عن مالك بخلاف ذلك لأن فيها أن طواف الدخول مع السعي ينوب عن طواف الإفاضة لمن رجع إلى بلده مع الهدي كما ينوب طواف الإفاضة مع السعي لمن لم يطف ولم يسع حين دخوله مكة مع الهدى أيضا عن طواف القدوم ومن قال هذا: قال: إنما قيل لطواف الدخول واجب وطواف الإفاضة واجب لأن بعضها ينوب عن بعض على ما وصفنا ، ولأنه قد روي عن مالك أنه يرجع من نسي أحدهما من بلده كما يرجع إلى الآخر على ما ذكرنا ولأن الله عز وجل لم يفرض على الحاج إلا طوافا واحدا بقوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} وقال في سياق الآية: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} والواو في هذه الآية وغيرها عندهم لا توجب رتبة إلا بتوقيف، ومن طاف بالبيت يوم التروية فقد طاف للحج في وقته وحين عمله.
وأما من قال من أصحابنا: إنه لا يجزأ من طواف الإفاضة إلا ما كان بعد الوقوف بعرفة وبعد رمي الجمرة فمن حجته أن الله تعالى ذكر الحج وقال: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} وهو كل ما يحل منه الحاج برمي الجمرة {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} أي يأتوا بما وجب عليهم {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} فذكر ذلك بعد إلقاء التفث وهو عطف بالواو على ثم، وثم توجب الرتبة فلا يكون الطواف المفترض الواجب إلا بعد ذلك لأن الأكثر من العلماء يعتدون بالنية في عمل الحج وهو عندهم كالصلاة وسائر الفرائض ولا يجزئ عندهم التطوع فيه عن الفرض وقول مالك وأصحابه ما قدمنا ذكره وبالله التوفيق
● [ باب العمل في الحج ] ●
إذا وصل الحاج إلى الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل تلك الناحية تجرد ولبس ثياب إحرامه بعد أن يغتسل ثم أحرم وسنفرد للمواقيت وحكمها بابا بعد هذا إن شاء الله.
ويستحب له أن يكون إحرامه بأثر صلاة يصليها قاصدا لذلك ولو أحرم بأثر صلاة مكتوبة أو نافلة أجزأه وأحب إلى مالك أن يركع ركعتين إن كان وقتا يركع فيه ثم يحرم ومن لم يفعل وأحرم دون أن يصلي أو في غير وقت صلاة فلا حرج والاختيار ما ذكرنا وان لم يخف فوتا فحسن أن ينتظر وقتا فحسن أن ينتظر وقتا يجوز فيه الركوع ثم يركع ويخرج فإذا استوت به راحلته قائمة أهل وان كان ماشيا فإذا أخذ في المشي أحرم ويهل بما شاء من حج أو عمرة والإهلال أن يقول: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" وينوي ما شاء من حج أو عمرة وإن زاد فقال: "لبيك إله الحق" أو زاد ما كان ابن عمر يزيده في التلبية وهو قوله: " لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل" قال:فلا بأس وإن ساق هديا قلده نعلا وأشعره وإن قدر جلله في ميقاته قبل إهلاله.
وسنفرد للهدي وأحكامه بابا بعد أن شاء الله.
وإفراد الحج عندنا أفضل وهو الاختيار ومن تمتع بالعمرة إلى الحج فلا حرج.
وكذلك القران، والقرآن أن يقرن بين الحج والعمرة في إحرامه فيقول: "لبيك اللهم بعمرة وحجة معا" وان نوى الجمع بينهما بقلبه ولم ينطق به لسانه أجزأه والأحسن أن يذكر ولو مرة واحدة أو مرات.
وسيأتي ذكر التمتع والقران وحكمهما في باب مفرد بعد هذا الكتاب بعون الله.
ثم لا يزال المحرم ملبيا طريقه كله ليلا ونهارا على كل شرف من الأرض وعند ازدحام الرفاق وأدبار الصلوات النوافل والمكتوبات وفي منزله وكيف ما أمكنه ما لم يضر بنفسه فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولا عليه ان يشق على نفسه في رفع صوته.
وقال مالك: لا يرفع المحرم صوته بالإهلال في مساجد الجماعة ليسمع نفسه ومن يليه إلا المسجد الحرام ومسجد منى هذه رواية ابن القاسم عنه وروى عنه ابن نافع أنه لا بأس بذلك.
وليس على النساء رفع الصوت بالتلبية ويجزئهن أن يسمعن أنفسهن ويكره لهن رفع أصواتهن.
ولا يزال المحرم يلبي كذلك حتى يأتي مكة فيدخلها من حيث تيسر ويستحب له أن يدخلها من كداء إن أمكنه.
وكذلك يستحب له أن يغتسل بذي طوى لدخول مكة فإذا رأى البيت قال: اللهم زد هذا البيت شرفا وتعظيما ومهابة وتكريما وزد من شرفه وعظمة ممن حجه أو اعتمر تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وليس هذا القول من سنن الحج ولا من أمره ولم يعرفه مالك فيما ذكر عنه بعض اصحابه وقد روى ذلك عن جماعة من سلف أهل المدينة.
وقد روي عن مالك أيضا وأول ما يبدأ به إذا قدم مكة دخول المسجد للطواف بالبيت سبعا يرمل منهن في ثلاث ويمشي أربعا والرمل هو الخبب دون شدة السعي ولو نسي ان يرمل بالثلاثة الأطواف لم يرمل في شيء من الأربعة لأنها مواضع مشي لا رمل فيها ولو تعمد ترك الرمل ومشى في أشواطه كلها لم يكن عليه شيء لأنه لم يسقط شيئا من نفس العمل وإنما أسقط هيئة عمل.
فقد قيل: عليه الدم والأول تحصيل المذهب. واستحب مالك الكف عن التلبية في الطواف للحج فإن فعل لم ير به بأسا قال: ولا بأس بذلك على الصفا والمروة .
قال: وأما المعتمر فلا يلبي في طواف ولا سعي ويبدأ في طوافه باستلام الحجر الأسود فان لم يصل إليه كبر تلقاءه ويقول عند ابتدائه الطواف واستلامه الحجر: "بسم الله الرحمن الرحيم والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم" وإن لم يفعل ذلك فلا حرج.
ويقول كلما حاذى الحجر الأسود في الثلاثة الأشواط التي يرمل فيها: "اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا".
ويقول في الأربعة الأطراف: "اللهم اغفر وارحم واعف عما تعلم فإنك الأعز الأكرم اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
وان لم يفعل فلا حرج وليس عند مالك في شيء من ذلك كله قول موقت وإذا ابتدأ الطواف من الحجر الأسود أو حذاءه أخذ عن يمينه إذا استلمه وجعل البيت عن يساره، ثم يطوف حتى ينتهي إليه فان لم يطف كما ذكرنا ونكس طوافه لم يجزه وكان عليه إعادته على حسب ما يأتي ذكره ولا يجزئه أقل من سبعة أطواف كلها من وراء الحجر ويستلم الحجر في أطوافه كلها ويكون فيها كلها طاهرا طهارة كاملة تجوز له بها الصلاة لأن الطواف صلاة على ما روي في الحديث: "الطواف صلاة إلا أن الله أحل فيه المنطق فيمن نطق فلا ينطق إلا بخير" .
فإذا فرغ من طوافه صلى خلف المقام إن أمكنه ركعتين وإلا فحيث تيسر له من المسجد ما خلا الحجر يقرأ فيهما مع أم القرآن بقل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، وإن قرأ بغيرهما فلا حرج.
ثم يعود إلى الركن الأسود فيستلمه ثم يخرج إلى الصفا من باب الصفا فيرقى عليها حتى يبدو له البيت إن قدر على ذلك ومقام النساء منهما أسفل من مقام الرجال فيذكر الله عليها بالتهليل والتكبير والدعاء والتحميد فهذه سنة الذكر في الطواف والسعي دون التلبية ولو لبى في ذلك لم يخرج ولا يحد مالك في ذلك شيئا من الذكر وأقله ثلاث تكبيرات ويستحب غيره من العلماء لمن رقي على الصفا ساعيا في حجة أو عمرة ان يستقبل البيت فيكبر ثلاثا ثم يقول: "الحمد لله على ما هدانا وعلى ما أبلانا وأولانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" ثم يدعو بما شاء وإن شاء كرر هذا القول ويكبر ويدعو بين التكبير بما شاء من دين ودنيا ثم ينزل عن الصفا فيمشي حتى إذا كان في بطن المسيل دون الميل الأخضر المعلق في ركن المسجد بنحو من خمسة أذرع سعى سعيا حتى يخرج من المسيل ويحاذي الميلين الأخضرين بفناء المسجد ثم يمشي فيرقى على المروة حتى يبدو له البيت إن بدا ثم يصنع عليها مثل ما صنع على الصفا ويعد ذلك شوطا واحدا ثم يأتي بتمام سبعة أشواط على هذه الصفة بعد الاقبال من الصفا شوطا والرجوع من المروة شوطا حتى يتمها سبعا يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ويذكر الله كثيرا على كل واحدة منهما.
وإن بدأ بالمروة ألقى ذلك الشوط وبنى على الصفا حتى يتم سعيه سبعا ويعوم على الصفا والمروة ولا يجلس إلا من عذر وأقل ما يجزأئه أن يستوفي ما بينهما مشيا أو سعيا وإن لم يذكر الله فيهما وليس على النساء رمل بالبيت ولا الاشتداد بين الصفا والمروة ويمشين على هيئتهن وينبغي للمشهورة بالجمال ألا تطوف إلا ليلا وان طافت نهارا وأسدلت ثوبها على وجهها استحب ذلك لها وطافت في ستر.
ولا يجزأ السعي بين الصفا والمروة إلا بنية لما قصد له من حج أو عمرة ولا يجوز إلا بعد طواف الدخول أو بعد طواف الإفاضة أو بعد طواف تام على طهارة وإن كان تطوعا عند مالك ولا ينبغي عنده مع ذلك أن يجعل أحد سعيه إلا بعد طواف الدخول أو بعد طواف الإفاضة فإن نسي أن يصل سعيه بأحد هذين الطوافين حتى تباعد وأتى بلده أجزأه سعيه وكان عليه هدي وسنبين ذلك إن شاء الله.
ولو سعى على غير طهارة فمكروه له ذلك. ويجزئه مع ذلك ان كان طوافه الذي وصله به على طهارة لأن الطواف لا يجزأ إلا على طهارة وفي ثياب طاهرة إلا أن من طاف على غير وضوء فلا طواف له ومن طاف في ثياب غير طاهرة أعاد ما لم يبعد فإن طال أو تباعد فلا شيء عليه.
ولا يتحدث أحد في طوافه ولا يأكل ولا يشرب في أضعافه فان ذلك مكروه له وأقلال الكلام في الطواف سنة ولا يضر من تكلم فيه في حاجة وإنما يؤمر بإقلال الكلام فيه للإقبال على الذكر ، ولا يقرأ عند مالك في الطواف إلا أن يكون شيئا يسيرا كالذكر على اختلاف في ذلك من قول مالك وتحصيل مذهبه أنه لا يقرأ في الطواف وغيره ولا يرى بقراءة القرآن في الطواف بأسا ولا يقطع طوافه بصلاة نافلة ولا جنازة ويقطع للفريضة.
فإذا فرغ بنى فإن تنفل قبل أن يتمه ابتدأ ولو بقي عليه من طوافه شوط ونحو فطافه بعد الإقامة وقبل الإحرام بالصلاة لم يحرج إن شاء الله.
ولا يجوز تقديم السعي على الطواف ولا تفريق أحدهما عن الآخر فإن فرقهما تفريقا فاحشا أعادهما جميعا وإن ذكر عند فراغه أعاد السعي حتى يطوف بعد الطواف وليس عليه غير ذلك.
ومن قدم مكة في وقت ضيق يخشى إن اشتغل بالطواف أن يفوته الوقوف بعرفة قبل الفجر وهذا هو الذي يسميه أصحابنا المراهق ترك الطواف والسعي فإذا انصرف من منى إلى مكة لطواف الإفاضة سعى بعده متصلا به، وإن ترك طواف الدخول وهو غير مراهق وخرج إلى منى عامدا لتركه طاف وسعى إذا انصرف من منى وأهدى هديا، وإن ترك ذلك ناسيا فلم يطف للدخول ولا سعى ناسيا لم ير عليه ابن القاسم دما إذا سعى مع طواف الإفاضة.
وغيره من أصحاب مالك يرى عليه ذلك وكل من كانت حجته مكية لإهلاله بها من مكة من أهلها كان أو متمتعا فلا يطوف ولا يسعى حتى يرجع من منى لأنه لا يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة إلا من جاء من الحل فإن أحرم من مكة وطاف وسعى أعاد السعي بعد طواف الإفاضة فان لم يعده حتى رجع إلى بلاده فليهد هديا يجزيه عند مالك وأكثر أصحابه، وليس هو بمنزلة من طاف طواف الدخول على غير وضوء وسعى بعده هذا يرجع إليه من بلده إن لم يسع مع طواف الإفاضة وان بعد وهو كمن ترك السعي أو نسيه فلم يسع بين الصفا والمروة حتى رجع إلى بلده.
وقال القاضي إسماعيل بن إسحاق: كان مالك يشدد فيمن ترك السعي بين الصفا والمروة ولا يبلغ بهما الغرض وقد بلغني أنه ربما لبى في ذلك.
ولا بأس بطواف المحرم من مكة تطوعا ولو أحدث بعد طوافه وركوعه سعى على غير وضوء ولو أحدث في سعيه استحب له مالك ان يتوضأ فإن تمادى على سعيه محدثا فلا شيء عليه فإذا أكمل القارن أو المفرد الطواف أو السعي بقيا على إحرامهما إلى يوم النحر والمتمع حكمه إذا طاف وسعى أن يحلق أو يقصر ثم هو حلال الى يوم الرويه وسيأتي حكم المتمتع وحكمه وحكم القران في باب بعد هذا إن شاء الله.
ويستحب لأهل مكة أن لا يؤخروا إحرامهم إلى يوم التروية فإذا جاء يوم التروية وهو اليوم الذي يليه يوم عرفة وهو اليوم الذي يدعوه عامة أهل بلدنا يوم منى خرج الحاج كلهم إلى منى فوافوا بها صلاة الظهر ثم صلوا بها العصر والمغرب والعشاء والصبح كل صلاة في وقتها وباتوا بها والمبيت بمنى ليلة عرفة سنة وهو عند مالك مستحب ومن غدا يوم عرفة من مكة إليها ولم يأت منى قبلها فلا شيء عليه عنده ثم غدوا إلى عرفة بعد طلوع الشمس كل أحد على قدر طاقته ليوافق صلاة الطهر في أول وقتها بعرفة وإذا زالت الشمس قطع المحرمون التلبية إلا من أحرم بالحج بعرفة فإنه لا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة.
وأما من أحرم من الميقات فأظهر قوليه أنه يقطع التلبية إذا زالت الشمس يوم عرف وقد قال: إذا وقف بعرفة وقال مرة أخرى: إذا راح إلى الموقف وقال أيضا: إذا راح إلى المسجد وكل ذلك إذا دخل الحرم ومن أحرم بالعمرة من الميقات قطع التلبية إذا دخل الحرم.
وأما من أحرم من الجعرانة بعمرة فإنه يقطع التلبية إذا دخل بيوت مكة ولو أحرم بها من التنعيم قطعها إذا رأى البيت هذا قول مالك، وغيره يقول: لا يقطع المعتمر التلبية حتى يدخل المسجد ويأخذ في الطواف وكل ذلك حسن معمول به إلا أن الاختيار عند مالك قطع التلبية للحاج عند زوال الشمس من يوم عرفة وقال في موطئه على ذلك الأمر عندنا ويجمع الإمام بالناس بين صلاتي الظهر والعصر في أول وقت الظهر بعرفة بعد أن يخطب بهم خطبة يعرفهم فيها الوقوف بعرفة والدفع منها إلى المزدلفة ويعلمهم شرائع حجهم وتعظيم قدر يومهم وموقفهم ولا يلبي في خطبته ويتحرى بفراغه منها فراغ المؤذنين بالأذان فإن جمع بين الصلاتين بأذانين وإقامتين لكل صلاة منهما أذان وإقامة كليلة المطر فهو تحصيل مذهب مالك.
وقد روي عنه وقال بعض أصحابه: إنه يجمع بين الصلاتين بعرفة بأذان وإقامتين. قال عبد الملك: وعلى هذا أكثر العلماء وذلك محفوظ في حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتطوع أحد بعد الصلاة وصلاتهم صلاة سفر لا يجهر فيها بالقراءة في يوم جمعة كان ذلك او غيره ولا يصلي الحاج صلاة عيد بمنى ولا صلاة جمعة وليس عليهم أضحية وسنتهم الهدي لا ينتظرون فيه إمامهم فإذا فرغوا من الصلاتين في أول وقت الظهر راحوا إلى الموقف وعرفة كلها: جبالها وسهولها موقف إلا بطن عرنة يقفون للدعاء بالمغفرة وحط الاوزار وتقبل الأعمال وما شاءوا من الدعاء للدين والدنيا إلى أن تغرب الشمس.
والوقوف بها راكبا عند مالك لمن قدر عليه أفضل وحيث ما وقف من سهل أو جبل فسواء الا بطن عرنة وعرفة ما جاوز بطن عرنة الذي فيه المسجد إلى الجبال كلها التي عليها ومن وقف بعرفة فلا يجزئه الوقوف في المسجد ويجزي عند مالك وأكثر أصحابه على كراهيتهم لذلك.
وقال اصبغ: لا يجزأ الوقوف في المسجد لأنه من بطن عرنة وبطن عرنة هو الوادي الذي يلي المسجد ولا معتمد بعرفة قبل الزوال وإنما العمل في الوقوف بها بعد الزوال إلى أن تغيب الشمس وهم بها ومن دفع قبل غروب الشمس لزمه عند مالك الرجوع إليها والوقوف بها ليلا فإن لم يفعل حتى طلع الفجر فقد فاته الوقوف وفاته بفوته الحج كله ومن فاته الوقوف بها نهارا بعد الزوال ووقف ليلا فعليه دم إذا كان قادرا على الوقوف وان كان مراهقا معذورا فال شيء عليه فإذا استيقن الإمام والناس غروب الشمس بعرفة دفع بهم الإمام إلى المزدلفة وهي المشعر الحرام وهي جمع كل هذا اسم للموضع فيسير الإمام بالناس سير العنق فإذا وجد أحدهم فرجة زاد فوق العنق شيئا حتى يأتي المزدلفة فيصلي بها الإمام والناس المغرب والعشاء جمعا على ما ذكرنا من الأذان والإقامة لكل صلاة وهو قول مالك وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك في كتاب التمهيد ومن لم يدفع مع الإمام من عرفة فليصل المغرب في وقتها والعشاء في وقتها ولو تمادى إلى المزدلفة فجمع بين الصلاتين بها وحده لم يخرج لأنه سفر ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة أمامك" فلهذا أجزنا أن يؤخر الصلاة حتى يأتي المزدلفة ولا يصلي قبلها والأول قول مالك، ثم يبيت بها حتى يصبح فإن لم يبت بها فعليه دم ومن قام بها أكثر ليله فلا شيء عليه لأن المبيت ليلة النحر سنة مؤكدة عند مالك وأصحابه لا فرض ويبيت الناس كلهم بها تلك الليلة إلى آخرها ورخص للضعفة أن يخرجوا منها قبل الفجر ومن جاء المزدلفة ولم ينخ بها فليهد بدنة ومن نزل بالمزدلفة قبل الفجر ثم رحل قبل الصبح إلى منى فلا شيء عليه ومن مر بالمزدلفة بعد طلوع الشمس فلا يقف ومن تخلف بالمزدلفة لعذر أو غير عذر حتى غابت الشمس من يوم النحر فعليه هدي ويأخذ الناس منها حصى الجمار إن أمكنهم فإذا أصبحوا صلوا الصبح مغلسين بها ووقفوا عند المشعر الحرام حتى يسفروا قليلا للذكر والدعاء ثم نهضوا إلى منى قبل طلوع الشمس في الأسفار الأعلى وليس السنة ان يسفروا جدا.
والمزدلفة كلها جبالها وشعابها وبطونها منزل وموقف وليس المأزمان من المزدلفة والدفع منها على هيئة الدفع من عرفة ويستحب له أن يحرك ببطن محسر قدر رمية بحجر فإن لم يفعل فلا حرج فإذا أتوا منى وذلك غدوة يوم النحر رموا جمرة العقبة بها ضحى ذلك اليوم ركبانا ان قدروا ولا يستحب الركوب في غيرها من الجمار ويرمونها بسبع حصيات يكبرون مع كل حصاة ويرمها الرامي كيف تيسر له من أسفل العقبة أو من أعلاها ووقت رمي هذه الجمرة من طلوع الفجر إلى زوال الشمس ولا يجوز تأخيرها بعد الزوال إلا لمريض أو ناس ولا دم على من رمى بها قبل الغروب وإن كان مسيئا فإذا طلع الفجر من يوم النحر حل النحر والرمي بمنى فإذا رمى جمرة العقبة لم يقف عندها لدعاء ولا لغيره ولكنه يعجل الانصراف إلى نحر هديه ان كان معه فينحره بمنى ثم يحلق رأسه أو يقصر والحلق أفضل ولا يحلق حتى ينحر هديه فان حلق قبل أن ينحر أو نحر قبل أن يحلق أو قبل أن يرمي فلا حرج ولا يحلق حتى يرمي فإن حلق قبل الرمي فعليه عند مالك الفدية ويحل برمي جمرة العقبة كل ما حرم عليه من اللباس والفتك كله إلا النساء والطيب والصيد عند مالك ومن تطيب عنده بعد الرمي وقبل الافاضة لم ير عليه فدية لما جاءء في ذلك ومن صاد عنده بعد أن رمى جمرة العقبة وقبل ان يفيض كان عليه الجزاء.
ويقطع الحاج التلبيه بأول حصاة يرميها من جمرة العقبة وعلى هذا أكثر أهل العلم بالمدينة وغيرها وثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو جائز مباح عند مالك إلا أن مذهبه ما قدمت لك لما ذكره في موطئه عن علي بن أبي طالب أنه كان يقطع التلبية في الحج إذا زاغت الشمس يوم عرفة.
وعن عائشة انها كانت تترك التلبية إذا راحت إلى الموقف.
وكان ابن عمر يدع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم حتى يطوف البيت ويسعى ثم يلبي حتى يغدو من منى إلى عرفة وكل ذلك واسع عند مالك ومن حلق أو قصر فليعم بذلك رأسه كله ولا يجزئه الاقتصار على بعضه والرجال والنساء في ذلك سواء إلا أن سنة النساء التقصير وليس عليهن حلاق في حج ولا عمرة فإن آذاهن القمل حلقن وليس لما يقصر من الشعر حد في الطول والقصر ومن عقص رأسه أو ضفره أو لبده فعليه الحلاق ولا سبيل له حينئذ إلى التقصير.
وحصى الجمار مثل حصى الخذف ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وقدر ذلك أصغر من الانمله قليلا طولا وعرضا وكان مالك يستحب أكثر من ذلك قليلا ولا حرج في ذلك إن شاء الله فإذا رمى جمرة العقبة يوم النحر ونحر وحلق انصرف إلى مكة لطواف الافاضة فطاف بالبيت سبعا على حسب ما ذكرنا في طواف الدخول إلا الرمل فإنه لا يرمل إلا في طواف دخول مكة خاصة ولا سعي بين الصفا والمروة ان كان قد سعى مع طواف الدخول وان لم يكن سعى فليسع مع طواف الإفاضة ثم يعود إلى منى فيبيت بها ليالي منى كلها فان بات بمكة ولم يبت بمنى فعليه دم وكذلك أن ترك المبيت بمنى ليلة من لياليها كاملة أو جلها ولا بأس بتأخير الافاضة إلى آخر أيام التشريق والفضل في تعجيلها فأن أخرها حتى ينسلخ ذو الحجة فعليه دم وإذا فرغ من طواف الافاضة فقد تم حجه وقضى نسكه وحل له كل شيء حرم عليه من النساء والطيب والصيد وغير ذلك ولم يبق عليه من النساء والطيب والصيد وغير ذلك ولم يبق عليه من نسكه غير الرمي والمبيت بمنى ووداع البيت ثم ينصرف بعد طواف الإفاضة إلى منى لرمي الجمار وذكر الله في الأيام المعدودات وهي أيام التشريق وهي الثلاثة الأيام بعد يوم النحر وهي أيام الرمي وأيام منى كل ذلك اسم لها فمن تعجل منها في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر إلىى اليوم الثالث فلا إثم عليه ولا يبيت أحد من الحجاج فيها إلا بمنى ولا يطوف أحد طواف الإفاضة قبل أن يرمي جمرة العقبة فإن أفاض قبل الرمي فليرم ثم ليحلق ثم ليفض فإن لم يفعل فلا حرج وكذلك من أفاض قبل الحلاق والفضل كله في الاتيان بكل شيء على رتبته والرمي في هذه الثلاثة الأيام بعد الزوال في كل يوم منها.
ومن رمى فيها قبل الزوال أعاد الرمي ويرمي كل يوم منها ثلاث جمرات كل جمرة منها بسبع حصيات ماشيا يكبر في ذلك كله أيضا مع كل حصاة يفعل ذلك في كل يوم من هذه الأيام إلا أن يتعجل في يومين منها ويستحب له أن يرميها بعد الزوال وقبل صلاة الظهر والنهار كله لها وقت فإن رماها بعد الغروب فقد أساء وأثم إن لم يكن له عذر مرض أو نسيان واختلف قول مالك في إيجاب الدم عليه لذلك ويكون وجهه في حال رميه إلى الكعبة ويرتب الجمرات ويجمعهن ولا يفرقهن ولا ينكسهن يبدأ بالجمرة الأولى فيرميها بسبع حصيات رميا ولا يضعها وضعا ولا يرمي بحصاتين أو أكثر في مرة فإن فعل عد حصاة واحدة فإذا فرغ من رميها بسبع حصيات تقدم امامها فوقف طويلا للدعاء بما تيسر ثم يرمي الثانية وهي الوسطى وينصرف عنها ذات الشمال في بطن المسيل ويطيل الوقوف عندها للدعاء ثم يرمي الثالثة بموضع جمرة العقبة بسبع حصيات أيضا يرميها من أسفلها ولا يقف عندها ولو رماها من فوقها اجزأه ويكبر في ذلك مع كل حصاة يرميها وسنة الذكر في رمي الجمار التكبير دون غيره من الذكر ويرمي الجمار في أيام منى ماشيا بخلاف جمرة النحر وتكون الجمار طاهرة غير نجسة ولا مما قد رمي به قبل فإن رمى بما قد رمي بما قد رمي به لم يجزه.
وقد قال عنه ابن القاسم: إن كان ذلك في حصاة واحدة أجزأه ونزلت بابن القاسم فأفتى بهذا ولا ينبغي أن تؤخذ الجمار من حصى المسجد الحرام ويستحب أهل العلم أخذها من المزدلفة فإن لم يكن فمن كل موضع طاهر ولا يجزي فيه المدر ولا شيء غير الحجر وإذا أخذ حصاة الجمار من موضع طاهر لم يغسلها ولو لم يغسل الجمار النجسة أو رمى بما قد رمي به فقد روي عن مالك أنه قال أساء وأجزأ عنه.
ومن نكس الجمار فرمى الأخيرة ثم الوسطى ثم الأولى أعاد الوسطى ثم الأخيرة وكذلك لو رمى الوسطى ثم الأولى أعاد الوسطى ثم الآخرة وكذلك لو رمى الوسطى ثم الأخيرة ثم الأولى أعاد الوسطى ثم الآخرة ولو رمى الأولى ثم الأخيرة ثم الوسطى أعاد الأخيرة فقط وإن لم يذكر حتى تباعد أعاد الرمي كله وكذلك ان فرق الرمي تفريقا فاحشا أعاده كله وقد قيل إن الترتيب في رمي الجمار مستحب غير واجب عند مالك ومن بقي في يده حصاة لا يدري من أي الجمار هي جعلها من الأولى ورمى بعدها الوسطى والأخيرة فإن طال استأنف جميعا ولا ينصرف أحد إلى بلده حتى يودع البيت بالطواف سبعا فإن ذلك سنة ونسك لا يسقط إلا عن الحائض وحدها وهو عند مالك مستحب لا يرى فيه دما وعند غيره سنة يجبر بالدم ولا ينصرف إليها عند مالك من تباعد عنها وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرد من لم يودع البيت من مر الظهران وينبغي أن يكون وداعه للبيت متصلا بنهوضه عنه بعد كل عمل يعمله من سائر ما يحتاج إليه في خروجه.
وإن اشتغل بعد الوداع فاشترى أو باع وما يتلبث فيه أو عاد مريضا أو زار أخا وأقام عنده أو نحو ذلك كله عاد للوداع حتى يكون صدوره ونهوضه بعد ركوعه لطواف الوادع متصلا به ولا يقيم بمكة بعد وداعه إلا مقام مجتاز ويستحب له إذا فرغ من ركعتي الطواف ان يقف بين الركن والباب أو حيث أمكنه فيحمد الله ويشكره على ما من به عليه وهداه إليه ويكثر من الدعاء فيما شاء من دين ودنيا ويجتهد في ذلك فإنه موضع رغبة ومكان إجابة إن شاء الله وليكن من دعائه إن شاء: اللهم إني عبدك حملتني على ماسخرت بنعمتك لعبادك وما كانوا له مقرنين حتى بلغتني بيتك الحرام وقضيت عني فريضتك فإن
كنت تباركت قبلت ورضيت فازدد عنى رضى وإلا فمن الآن قبل انثنائي عن بيتك غير متبدل بك ولا راغب عنك اللهم قني شر نفسي وكل ما ينقص أجري أو يحبط عملي واجمع لي خيري الدنيا والآخرة وأطولي البعد وسهل لي الحزن واقدمني سالما إلى أهلي سالمين يا أرحم الراحمين ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وينصرف
● [ باب المواقيت في الحج وحكمها ] ●
وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة فهي ميقات أهلها وميقات كل من مر بها مريدا للحج قاصدا إلى البيت.
ولأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة إذا سلكوا طريق الساحل وإلا فذو الحليفة إن مروا بها.
ولأهل اليمن يلملم. ولأهل نجد قرنا ووقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل العراق ذات عرق.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت ذلك فميقات أهل العراق وبلاد فارس وما وراءها من بلاد خراسان كلها ذات عرق وان أحرموا من العقيق فحسن ومن أهل من الجحفة فالوادى كله مهل له ويستحب أن يحرم من أوله والمواقيت لأهلها وكل من مر بها من غير أهلها ممن أراد حجا أو عمرة ومن كان منزله دون الميقات إلى مكة أهل من منزله ولا يحب مالك لأحد أن يحرم قبل ميقاته فإن فعل لزمه وكره ذلك له وغيره من أهل العلم بالمدينة وغيرها لا يكرهه والمكي يحرم بحجه من مكة ويحرم لعمرته من أى الحل شاء ومن سلك على عير طريق المواقيت برا أو بحرا أحرم من حذوها ومن كان من غير أهل الشام أو مصر أو المغرب فمر بذي الحليفة مريدا لحج أو عمرة فإن تعداه إلى الجحفة أو غيرها فعليه دم وليس ذلك على من كانت الجحفة ميقاته والاختيار لأهل الشام والمغرب إذا مروا بذي الحليفة مريدين لحج أو عمرة أن يحرموا منها فإن أخروا إحرامهم إلى الجحفة فلا شيء عليهم وليس لمن أراد حجا أو عمرة أو غيره أن يجاوز الميقات إلا محرما ومن جاوز الميقات لحاجة له دون مكة ولا يريد دخول مكة ولا يذكر حجا ولا عمرة ثم بدا له وعزم على الإحرام بحج أو عمرة أحرم من مكانه ولا رجوع عليه قريبا كان أو بعيدا ولا شيء عليه ولو جاوز الميقات يريد دخول مكة حلالا ثم أحرم فعليه دم وقيل لا دم عليه وكلاهما قول مالك ومن جاوز الميقات مريدا للحج أو العمرة رجع إلى ميقاته فأحرم منه فإن أحرم بعده فعليه دم وسواء تعمد ذلك أو نسيه أو جهله ولا يرجع من وصفنا حاله إلى ميقاته بعد إحرامه مراهقا كان أو غيره لأنه قد لزمه الدم ولا وجه لرجوعه وإنما يرجع عند مالك مريدا للحج أو العمرة إلى ميقاته ما لم يحرم فإن أحرم لم يرجع وعليه دم وكذلك عنده من شارف مكة غير محرم لم يرجع أيضا وأحرم من مكانه وأتى بالدم ومن لم يشارف مكة ولكنه خاف فوات الحج إن رجع إلى الميقات أحرم من موضعه ذلك وكان عليه دم لمجاوزته الميقات مريدا للحج أو العمرة حلالا والدم في هذا الباب كله لا ينوب عنه طعام وإنما فيه الهدي أو الصيام كالمتمتع سواء عند مالك ومن أردف الحج على العمرة بعد أن جاوز الميقات غير مريد لحج ولا عمرة فلا شيء عليه غير دم القران ومن كان منزله خلف الميقات دون مكة فأخر الإحرام عن منزله فهو بمنزلة من أخر الإحرام عن ميقاته في سائر ما ذكرنا من أحكامه ولا يجوز لغير مكي أن يدخل مكة حلالا وأقل ما عليه في دخولها عمرة إلا أن يكون من أهل القرى المجاورة لها المترددين بالحطب والفواكه إليها كأهل جدة وعسفان وقديد ومر الظهران فلا بأس بدخول هؤلاء بغير إحرام وكذلك من خرج من مكة ورجع إليها من قريب لحاجة والغسل عند الميقات للاحرام سنة مسنونة ويغتسل كل محرم لذلك حتى الحائض والنفساء
● [ لكتاب الحج بقية ] ●
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي
تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي
منتدى ميراث الرسول - البوابة