كراكيب- Admin
- عدد المساهمات : 2419
تاريخ التسجيل : 01/01/2014
من طرف كراكيب الأحد 3 مايو 2020 - 15:48
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الفقه الإسلامي
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي . المجلد الثانى
● [ كتاب الطلاق ] ●
[ باب حكم الطلاق وسنته ]
الطلاق للعدة مباح وان كرهت المرأة مسيئة كانت أو محسنة قبل الدخول وبعده إلا أن مكثر الطلاق مذموم وليس ذلك من محاسن الأخلاق وطلاق كل مسلم عاقل بالغ يلزمه وسواء كان عبدا أو حرا أو مالكا لنفسه أو مولى عليه وطلاق السكران وعتاقه لازم له عند مالك وأكثر أهل المدينة وطلاق المكره لا يلزم إذا أكره عليه ولم تكن له فيه نية ولا يجوز طلاق الصبي حتى يحتلم ولا المجنون ولا المغمى عليه حتى يفيق ولا المعتود المطبق وكان مالك لا يرى طلاق الكافر يلزمه في حال كفره وخالفه في ذلك غيره ويلزم الأخرس طلاقه إذا طلق بإشارة مفهومة او كتاب وللطلاق سنة لا ينبغي أن تتعدى ومن تعداها عصى ربه وظلم نفسه ولزمه فعله والسنة إنما جاءت في طلاق المدخول بها وليس في طلاق غير المدخول بها سنة ولا بدعة ولمطلقها أن يطلقها متى شاء وكم شاء والواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره وكذلك الحامل السنة ولا بدعة في طلاق واحدة منهن فإذا طلقها مطلقها واحدة كان لها ذلك متى شاء من الأوقات والأحوال ولا يكون عاصيا لربه بتلك الطلقة إذا لم يتبعها طلاقا آخر في عدتها فإن أتبع واحدة منهن طلاقا في عدتها أو أوقع عليها ثلاث تطليقات مجتمعات لم يكن مطلقا للسنة عند مالك وخالفه طائفة في ذلك فرأوها للسنة لازمة والسنة في طلاق المدخول بها أن يطلق الرجل امرأته التي يريد طلاقها وهي طاهر من حيضتها قبل أن يجامعها طلقة واحدة ويتركها تمضي في عدتها ولا يردفها طلاقا في طهرها وفي سائر عدتها فان كان له مذهب في مراجعتها راجعها قبل أن تنقضي عدتها وإلا تركها حتى تنقضي عدتها بالأقراء إن كانت ممن تحيض أو بتمام ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا يحيض ثم تبين منه بانقضاء عدتها وتملك نفسها فان أراد مراجعتها استأنف نكاحها برضاها وبصداق وولي والسنة في الطلاق عند مالك تقتضي معنيين وهما الموضع والعدد لا يزيد على طلقة واحدة ولا يوقعه إلا في طهر لم يمس فيه فان طلقها في طهر جامعها فيه أو حائضا أو نفساء فهو طلاق بدعة لا طلاق سنة وهو فيه معتد حدود ربه عاص ظالم لنفسه ويلزمه فعله وليس الطلاق من القربات التي لا تقع إلا على سنتها ومن المحال والجهل أن يلزم المطيع لربه المتبع في طلاقه سنة نبيه الطلاق ولا يلزم به العاصي ان خالف لما امر به فيه ولم يختلف فقهاء الأمصار وأئمة الهدى فيمن طلق
● [ باب ألفاظ الطلاق ] ●
للطلاق صريح من الألفاظ وكناية فصريحه ما نطق به القرآن من الطلاق والسراح والفراق قال الله عز وجل فطلقوهن لعدتهنالطلاق وقال فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروفالطلاق وقال أو فارقوهن بمعروفالطلاق ولم يختلف في من قال لامرأته قد طلقتك أنه من صريح الطلاق في المدخول بها أو غير المدخول بها واختلف قول مالك في من قال لامرأته قد فارقتك أو سرحتك على ما يأتي بعد هذا الباب إن شاء الله ومن قال لامرأته أنت طالق فهي واحدة إلا أن ينوي أكثر من ذلك فإن نوى بقوله انت طالق اثنتين أو ثلاثا لزمه ما نوى وان لم ينو شيئا فهي واحدة يملك الرجعة ولو قال أنت طالق وقال أردت من وثاق لم يقبل قوله ولزمه الطلاق إلا أن يكون هنالك ما يدل على صدقه ومن قال أنت طالق
● [ باب ] ●
باب الطلاق بصفة والى أجل وتكرير الطلاق وتبعيضه والاستثناء فيه
كل طلاق بصفة فهو يقع بوجودها ومن طلق إلى أجل فإن كان الأجل آتيا لا محالة وكان يبلغه عمره ويكون إتيانه مع بقاء نكاحه وقع الطلاق في الوقت حين تكلم ولم ينتظر به الأجل مثل قوله أنت طالق إلى شهر أو إلى سنة أو إلى غد أو في غد ونحو ذلك فإن طلقها إلى أجل لا يبلغه عمره مثل قوله أنت طالق إلى ألف سنة أو بعد ألف سنة أو ما لا أشبه ذلك من الزمان البعيد فالجواب على أصول مالك يتوجه في ذلك على وجهين أحدهما أنها تطلق في الحال وجعل قوله إلى ألف سنة كالندم واستدراك ما سبق فيه ولآخر أنهما لا تطلق بحال وهو القياس لأنها صفة لا تقع وهو حي كأنه قال أنت طالق بعد موتي وان قال إذا مات فلان فأنت طالق طلقت في الوقت وقد اختلف جوابه في قوله إذا مت أنا فانت طالق وإذا مت أنت فانت طالق أو أنت طالق يوم أموت أو يوم تموتين قيل تطلق الآن رواية ابن وهب وقيل لا شيء عليه رواية ابن القاسم وكذلك اختلف قوله في قول الرجل لامرأته وهي حائض إذا طهرت فأنت طالق فمرة قال لا تطلق حتى تطهر وبه قال عبد الملك ومرة قال أوقع الطلاق في الحال ولو قال لها أنت طالق إلى الجذاذ أوإلى العصير أو إلى الحصاد أو إلى قدوم الحاج طلقت في الحال وإذا قال لامرأته إذا وضعت فأنت طالق لم تطلق حتى تضع حملها وقد قيل عنه تطلق في الحال فإن كان في بطنها ولدان فعن مالك في ذلك روايتان احداهما أنها لا تطلق حتى تضع الحمل كله هذه رواية ابن وهب والأخرى أنها تطلق بأول ولد تضعه ومن قال لامرأته أنت طالق إذا أمطرت السماء غدا فأنت طالق لم تطلق غدا إلا بوجود المطر في غده ولو قال لها أنت طالق لتمطرن السماء غدا طلقت في الحال عند ابن القاسم ولم تطلق عند أشهب إلا أن تمطر السماء في غد ولو قال لها أنت طالق إن لم يكن في هذه اللوزة حبتان تطلقت عند مالك في الحال وسواء وجد في اللوزة إذا كسرت حبتان أو لم يوجد وعند غير مالك لا يقع عليه طلاق إذا وجد في اللوزة حبتان وهو قول أشهب ومن قال لزوجته أنت طالق إذا قدم فلان لم تطلق حتى يقدم فلان ويعلم قدومه وله أن يطأها حتى يستيقن قدومه ومن قال لامرأته أنت طالق إذا دخلت الدار لم تطلق حتى تدخلها وكذلك سائر الصفات التي قد تكون وقد لا تكون ومن قال لامرأته أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق كانت ثلاثا إلا أن يريد التكرير وقد قيل لا ينوي هاهنا ولو قال أنت طالق ثم أنت طالق ثم أنت طالق كانت ثلاثا ولم ينو ولو قال لها أنت طالق إذا حملت ففيها عن مالك روايتان إحداهما أنه إذا وطئها مرة طلقت عليه عقب وطئه والرواية الأخرى أنه يطأها في كل طهر مرة ثم يمسك عنها فإن حملت طلقت وان حاضت لم تطلق وانتظر طهرها فوطئها ثم هكذا أبدا حتى يظهر حملها ولو قال أنت طالق إن لم يكن بك حمل طلقت عليه في الحال كان بها حمل أو لم يكن عند مالك ولو قال لها أنت طالق إذا وطئتك لم تطلق حتى يطأها فإذا وطئها طلقت بالايلاج ونوى مع ذلك رجعتها وثبت على نكاحها ولو قال ان وطئتك فأنت طالق ثلاثا لم يجز له وطئها لأنها تحرم بالإيلاج الأول وليس له أن يجامعها وهو اختيار عبد الملك وقال الاخراج في حرام لا الايلاج وقد روي عن مالك انه لا تطلق عليه حتى يطأها فإذا أولج طلقت ولم يقع إخراجه في حرام لأنه لا بد منه ولو قال لها أنت طالق كلما وطئتك طلقت عليه بوطئه مرتين بتطليقتين وراجعها عند الإيلاج في المرتين ولا يجوز له أن يطأها مرة ثالثة لأ أنها تحرم عليه تحريما لا رجوع له إليها إلا بعد زوج ولو قال لأربع نسوة له أيتكن رقدت معها الليلة وقمت عنها من غير أن نطأها فصواحبها طوالق فرقد مع احداهن وقام عنها دون ان يطأها ثم فعل ذلك بالثانية والثالثة وجب عليه الإمتناع من الرابعة ولم يجز له أن يرقد معها لأنها قد بانت منه بثلاث ولزم صواحبها تطليقتان ولو وطأ واحدة منهن كانت رجعية وأما الرابعة فلا سبيل له إليها إلا بعد زوج ولو قال لامرأته أنت طالق واعتدي كانت تطليقتين إلا أن يريد إعلامها أن العدة عليها وكذلك لو قال لها أنت طالق اعتدي والطلاق لا يتبعض فلو طلق بعض تطليقة كانت تطليقة كاملة وأن طلق طلقة ونصفا كانت تطليقتين وإن طلق تطليقتين ونصفا كانت ثلاثا وان قال لأربع نسوة بينكن طلقة طلقن كلهن واحدة وان قال بينكن خمس تطليقات طلقن اثنتين وان قال بينكن تسع تطليقات إلى ما فوق هذا طلقن ثلاثا وان طلق بعض امرأته طلقت طلاقا كاملا وان قال يدك أو رجلك أو اصبعك أو شعرك أو فرجك أو شيء منها طالق طلقت ولو قال ها أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة أو إن لم أكن من أهل النار طلقت عليه عند مالك ولو قال لها أنت طالق إن كنت تحبيني أو إن كنت تبغضيني استحب له مالك أن يلتزم طالقها ولا يقبل قولها ومن قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة فله استثناؤه إذا كان استثناؤه جائزا في اللغة معروفا وأبقى ما يقع الاستثاء فإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا لم ينفعه الاستثناء ولزمه ثلاث تطليقات لان هذا نادم غير مستثنى والله أعلم وليس في الطلاق ولا العتاق استثناء بإن شاء الله وإنما هو الاستثناء في اليمين بالله خاصة فمن قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله طلقت عند مالك وإن علق المشيئة بأدمي لم تطلق حتى يعلم أنه شاء فإن لم تعلم مشيئته لم تطلق ومن قال لامرأته أنت طالق إن شاء هذا الحجر أو الحائط أو فلان قد مات لم تطلق في شيء من ذلك كله وقد قيل أنه نادم في الحجر والحائط وأنه يلزمه الطلاق والأول أصح ومن قال أنت طالق ان فعلت كذا وكذا إلا أن يشاء الله طلقت ولم ينفعه الاستثناء وقد قيل ان له هاهنا ثنياه إذا أراد في الفعل دون الطلاق
● [ باب جامع الإيمان بالطلاق ] ●
من حلق بالطلاق أو غيره ألا يفعل شيئا ثم فعله عامدا أو ناسيا حنث وإن أكره أو غلب أو فاته من غير تفريط لم يحنث ولو قال أنت طالق إلا أن يبدو لي لزمه الطلاق ولم ينفعه قوله أن يبدو لي ولو قال أنت طالق إن فعلت كذا وكذا إلا أن يبدو لي في ذلك إذا أراد ألا أن يبدو لي في ذلك الفعل أو يبدل الله ما في نفسه من ذلك وإن قال إن لم أطلقك فأنت طالق طلقت في الوقت إن لم يطلقها وإن طلقها فحسبه وإن قال لها أنت طالق إن لم أتزوج عليك أو إن لم أتسر عليك فإن ضرب لذلك أجلا استحب له أن يكف عن وطئها وليس ذلك بواجب عليه وقيل له أن يطأها كالذي يقول لامرأته أنت طالق إن لم يقدم فلان وهذا أصح عن مالك وأشبه بما عليه جمهور أهل العلم فإن انقضى الأجل قبل أن يتزوج حنث وطلقت عليه وإن لم يضرب لذلك أجلا لم يكن له أن يطأها عند كثير من أصحاب مالك ويضرب له أجلا الإيلاء عندهم وقيل هو مرتهن بيمينه أبدا فإن مات قبل أن يتزوج عليها أو يتسرى توارثا لأن الحنث لا يلحقه إلا بموته والميت لا يلحقه طلاق ومن حلف ألا يفعل شيئا ففعل بعضه حنث عند مالك وكذلك عنده من حلف أن يفعله ففعل بعضه وقد روي عنه وهو قول أكثر أهل العلم أنه لا يحنث في الوجهين والأول تحصيل مذهبه وقد بينا معاني هذا الباب في الإيمان ومن حلف بطلاق امرأته إن فعلت شيئا ذكره ثم طلقها طلقة أو طلقتين ثم راجعها وفعلت ذلك رجعت عليه اليمين ولو طلقها طلقة أو طلقتين أو ثلاثا ثم راجعها بعد زوج وفعلت لم ترجع عليه اليمين
● [ باب ] ●
باب الشك في الطلاق وعودة المرأة على بقية طلاق العصمة وفي الطلاق قبل النكاح
كان مالك رحمه الله يرى فيمن حلف بالطلاق على شيء ثم شك هل حنث أم لا أن يفارق امرأته ولا يجبره على ذلك وقال ابن القاسم يلزمه الطلاق ولم يختلف أنه لو شك هل طلقها أم لا أنه ليس عليه شيء ولا يلزمه شيء وأنه على نكاحه ولو أيقن أنه حلف بالطلاق ولم يدر أبواحدة حلف أو باثنتين أو بثلاث ثم حنث لزمه عند مالك الثلاث ولم يختلف قول مالك في من طلق امرأة من نسائه ولم يدر أيتهم المطلقة انهن يطلقن عليه كلهن ومن قال لا أدري حلفت فحنثت أم لا فلا شيء عليه ولم يختلف العلماء في من شك في طلاقه ومات على شكه في ذلك أن امرأته ترثه ولو شهد رجلان عليه بطلاق امرأة من نسائه ولم يعرفاها بعينها وهو جاحد لذلك حلف وأقر معهن وورثته وورثهن ومن طلق امرأته واحدة أو أثنتين ثم تزوجت زوجا وفارقها ثم راجعها الأول فإنها تكون عنده على ما بقي من طلاقها وإنما يهدم الزوج الثلاث ولا يهدم ما دونها ومن طلق دون الثلاث فنكاحه لها بعد زوج وقبله سواء ومن حلف بطلاق امرأة بعينها إن نكحا لزمه ذلك وإن قال كل بكر أو ثيب أنكحها فهي طالق لزمه وكذلك إن خص قبيلة أو ضرب أجلا يبلغه عمره أو خص بلدة أو عم واستثنى شيئا من ذلك العموم فإن عم دون استثناء فلا شيء عليه لأنه حرم على نفسه من النساء ما أحل الله له ولو قال كل بكر أتزوجها فهي طالق ثم قال بعد ذلك كل ثيب أنكحها فهي طالق لزمه ذلك في الابكار دون الثيبات وقد قيل يلزمه اليمينان جميعا والأول أصح وإذا قال لامرأة أجنبية إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها لزمه طلاقها فإن عاد وتزوجها ثانية لم تطلق عليه إلا ان يقول كلما تزوجتك فأنت طالق فإن قال ذلك طلقت عليه كلما تزوجها ولو قال كل امرأة أتزوجها من بلد كذا فهي طالق فتزوج من ذلك البلد امرأة طلقت عليه ثم كلما عاد فتزوج منها امرأة طلقت عليه ومن قال كل امرأة أنكحها حاشا فلانة فهو عند مالك كمن عم لا يلزمه شيء لأنه يمكن أن تمنعه أو تموت وكذلك عنده في المرأتين والثلاث ومن أشبه ذلك فإن كثرن لزمه لأنه استثنى من العموم مالا يضيق على نفسه ما أباح الله من النكاح وما يؤمن عليه معه العنت وليس هذا كمن قال لامرأته كل امرأة أنكحها عليك فهي طالق لأنه لا يخشى على من في عصمته امرأة عنت ولأنه يطلقها وينكح ما شاء ولو قال لامرأته كل امرأة أتزوجها عليك ما عشت فهي طالق لزمه ما دامت في عصمته فإن طلقها ثم تزوج في حياتها طلقت أيضا إلا أن يريد ما عشت في عصمتي أو زوجة لي وإن قال لامرأة في عصمته كل امرأة أتزوجها سواك فهي طالق لم يلزمه شيء
● [ باب طلاق المريض ] ●
كل مريض مثبت المرض طلق امرأته في مرضه ثم مات من ذلك المرض ورثته امرأته عند مالك وجمهور أهل المدينة وعليه أكثر أهل العلم اتباعا لعثمان في توريث امرأة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وسواء عند مالك مات في العدة أو بعد انقضاء العدة وسواء عند مالك طلقها واحدة أو أثنتين أو ثلاثا اتباعا لقضاء عثمان بمحضر جماعة من الصحابه والطلاق البت والخلع وغير ذلك سواء إذا كان المرض مخوفا عليه ومات منه فإن طلقها في مرضه قبل الدخول بها كان لها نصف الصداق ولا عدة عليها للوفاة ولا للطلاق وترثه إن مات في مرضه ذلك وإن كانت مدخولا بها اعتدت من يوم طلاقه فإن كان طلاقه بائنا ومات في العدة لم تنتقل عدتها وإن كان طلاقها غير بائن انتقلت عدتها إلى عدة الوفاة فإن ماتت امرأة المطلق في المرض لم يرثها إلا أن يكون طلاقه إياها رجعيا وتموت في العدة ولو تزوجت المطلقة في المرض أزواجا كلهم يطلقونها في مرضه لورثت كل من مات منهم عند مالك وإن كانت تحت زوج وكل يمين بالطلاق انعقدت في الصحة وقع الحنث بها والحالف مريض فهو طلاق في مرض ترثه امرأته وكذلك التخيير والتمليك واللعان كل ما وقع من ذلك في المرض ومات ورثته امرأته على حسب ما وصفنا فإن صح من مرضه الذي طلق فيه ثم مرض مرضا آخر فمات منه قبل انقضاء العدة لم ترثه ولو طلق المسلم زوجته كتابية في مرضه فأسلمت قبل موته ورثته في العدة وبعدها عند مالك وكذلك لو طلقها في مرضه وهي أمة فأعتقت قبل موته ورثته في العدة وبعدها إذا كان موته من ذلك المرض ومن طلق امرأته في صحته طلقة رجعية ثم أبتها في العدة وهو مريض لم ترثه إلا ما دامت في العدة فإن مات بعد العدة لم ترثه وقد قيل إنها ترثه بعد انقضاء العدة لأنه إنما أبتها في مرضه وفرض ميراثها لأنها كانت ترثه ولو مات في عدتها ومن أهل المدينة من يقول لا ترث مبتوتة في مرض ولا صحة وبالله التوفيق
● [ باب طلاق الكفار ] ●
وإذا طلق الكافر ذميا كان أو حربيا زوجته ثم أسلم وهي عنده لم يفرق بينهما ولم يلزمه طلاقها وكذلك لو أعتق عبده ثم أسلم وهو عنده لم يلزمه عتقه و كذلك لو حلف بالطلاق أو العتق أو غير ذلك من الإيمان في كفره ثم أسلم ففعل شيئا من ذلك في إسلامه وحنث لم يلزمه حنثه ولا شيء عليه ولو أسلمت امرأته قبله فطلقها ثم أسلم في عدتها ثبت على نكاحه ولم يلزمه طلاقها هذا كله قول مالك وأصحابه وغيرهم يخالفهم في ذلك فيلزم المشرك الطلاق في شركه كما يلزم المسلم قياسا على نكاحه في الكفر
● [ باب الشهادات بالطلاق ] ●
إذا سمع رجلان عدلان رجلا يطلق امرأته أو يعتق عبده أو أمته لزمهما أن يشهدا بذلك عند الحاكم وإن لم يشهدهما المطلق أو المعتق على نفسه وسواء ادعت المرأة أو العبد ذلك أو لم يدعياه لأنه من حقوق الله عز وجل ولا يشهدا في شهادة السماع في الحقوق حتى يسألهما صاحب الحق ويطلب شهدتهما ولا يجوز في الشهادة على الشهادة السماع حتى يشهدهما الشاهدان على شهادتهما وأما أن يسمع رجل رجلا يقول أشهدني فلان بكذا فلا يجوز له أن يشهد على شهادته حتى يشهده على ذلك ولا يجوز في الطلاق إلا شهادة رجلين عدلين ولا يجوز فيه شهادة النساء ولا شاهد ويمين ولا رجل وامرأتان ولا يجوز فيه إلا شهادة رجلين يشهدان على واحد بإيقاع الطلاق أو بإقرار بالطلاق وإن اختلف الشاهدان فقال أحدهما طلق واحدة وقال الآخر طلق اثنتين أو ثلاثا ثبتت واحدة وحلف على نفي الأخرى فإن حلف بريء منها وإن نكل ففيها روايتان عن مالك إحداهما أنه تلزمه تطليقة أخرى والأخرى أنه لا يلزمه إلا تطليقة واحدة بشهادتهما ويحبس حتى يحلف على الأخرى فإن طال حبسه ترك وكذلك لو شهد واحد بواحدة وآخر باثنتين وآخرى بثلاث كانت اثنتين وعلى هذا فاعمل في مثل ذلك ولو شهد أحدهما على طلاقه والآخر على إقراره بالطلاق لزمه الطلاق عند مالك وأكثر أصحابه ولو شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته في زمنين مختلفين لزمه الطلاق وكانت شهادتهما مضمومة بعضها إلى بعض عاملة ولو شهد أحدهما أنه علق طلاقها بفعل والآخر أنه فعل لم تضم شهادتهما ولم يلزمه الطلاق لأن الشهادة على الأقوال مضمومة عند مالك والشهادة على الأفعال غير مضمومة إلا أن يثبت على فعل واحد شاهدان ولو أشهد وكتم الشهود شهادتهم بالطلاق إلى أن مات ثم شهدوا بذلك بعد موته لم تقبل شهادتهم إذا كانوا حضورا مع الزوجين
● [ باب التخيير والتمليك ] ●
من خير امرأته فقال اختاري فاختارت زوجها لم يلزمه طلاق وثبت على نكاحها وإن اختارت فراقة وكانت مدخولا بها لم تبن بأقل من ثلاث وإن اختارت نفسها بأقل من ثلاث لم يلزمه من ذلك شيء فإن قضت بثلاث لزما ثلاث ولا نكرة له إلا في التي لم يدخل بها بخلاف التمليك فإن التي لم يدخل بها له مناكرتها في التخيير والتمليك إذا زادت على واحدة لأنها تبين في الحال وأما التي قد دخل بها فليس له مناكرتها إذا خيرها تخييرا مطلقا لم يقيده بعدد فأما إذا خيرها في عدد بعينه مثل واحدة أو اثنتين لم تكن لها الزيادة على ما جعل إليها وقد قالت طائفة من أهل المدينة له المناكرة في التخيير وفي التمليك سوا في المدخول بها وغير المدخول بها والأول قول مالك وقال آخرون من المدنيين وغيرهم التمليك والتخيير سواء والقضاء ما قضت فيهما جميعا وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة قال ابن شعبان وقد اختاره كثير من أصحابنا وهو قول جماعة من أهل المدينة قال أبو عمر على مذهب هذا القول أكثر الفقهاء والأول تحصيل مذهب مالك والتخيير على المجلس فإن لم تختر ولم تقض بشيء حتى افترقا من مجلسهما بطل ما كان من ذلك إليها وهذا أحد قولي مالك وعليه أكثر الفقهاء وقد قال مالك إن ذلك بيدها ما لم توقف أو توطأ أو تباشر فعلى هذا القول إن منعت نفسها ولم تختر شيئا كان له رفعها إلى الحاكم لتوقع أو تسقط فإن أبت سقط الحاكم تمليكها وعلى القول الأول إذا حدث في غير ذلك من حديث أو عمر أو شيء أو ما ليس من التمليك في شيء سقط تمليكها واحتج بعض أصحابنا في هذا بقول الله عز وجل فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره النساء والذي يفارق فيه التمليك التخيير عند مالك وأصحابه انه إذا ملك امرأته كان له أن يقول ملكتك بعض الطلاق دون جميعه أو ملكتك واحدة أو ملكتك أكثر ويحلف على ذلك وكان للمرأة أن تقضي بالبعض من ذلك أيضا بخلاف التخيير والتمليك قوله أمرك بيدك أو طلاقك بيدك أو طلقي نفسك ونحو هذا من القول وما جعل إليها من ذلك يكون بيدها تقضي فيه ما شاءت ما داما في مجلسهما وقد قال مالك أيضا إن الذي بيدها ثابت لا يلزمها قيامها من المجلس على ما ذكرنا عنه في التخيير فعلى هذا القول الآخر من ملك امرأته أمرها فقالت قد قبلت أو رضيت أو اخترت ثم افترقا قبل أن توقع طلاقا فالتمليك ثابت فإن قالت قبلت أمري فإن أردت الطلاق فذلك لها وإن لم ترد الطلاق لم يكن طلاقا وإن قالت قد قبلت واخترت نفسي لزمه بهذا القول الطلاق فإن قالت لم أرد طلاقا بعد قولها اخترت نفسي لم يقبل قولها وإن قالت قد قبلت التمليك ثم سئلت ما أردت فقالت ما أردت شيئا لم يلزم الزوج شيء وكل من قال لزوجته أمرك بيدك فقالت قد قبلت سئلت ماذا أرادت بقولها قد قبلت فإن أرادت الطلاق طلقت طلقة رجعية وإن قالت أردت اثنتين أو ثلاثا كان له ان يناكرها ويحلف على ما أراده بتمليكه إياها من الطلاق وإن قالت لم أرد شيئا فلا شيء على الزوج إذا ناكرها لم يحل له أن يحلف إلا على مانوى في حين التمليك فإن لم ينو شيئا فالقضاء ما قضت والمملكة قبل البناء وبعده سواء له أن يناكرها لو قضت بأكثر من واحدة ويحلف على ذلك وإذا قضت المملكة بالثلاث ولم ينكر عليها في الوقت لزمه فإن ناكرها وقال لم أرد بالتمليك إلا طلقة واحدة فالقول قوله مع يمينه وإن لم تكن له نية فلها أن توقع ما شاءت من عدد الطلاق ولا مناكرة له عليها وإن ملكها الثلاثة مداحا وقضت بهن لم يكن له أن يناكرها وإن ملكها بشرط فوجد الشرط ملكت أمرها وألا لم تملكه وإن ملكها بصفة لا بد من كونها في العادة لزمه ذلك وإن ملكها إلى أجل ملكت نفسها في الحال وإن ملكها بصفة قد توجد وقد تفقد لم تملك نفسها في الحال حتى توجد الصفة وإن ملكها على عوض كان الطلاق بائنا وإن ملكها بصفة قد توجد الصفة وإن ملكها على عوض كان الطلاق بائنا وإن ملكها على غير عوض متبرعا لذلك ولم يكن في حين عقد نكاحها ولا شرط ذلك عليه لها بالقضاء ما قضت إلا أن يناكرها فيحلف أنه نوى واحدة ويكون أملك بها ولو ملكها أمرها عند عقد نكاحها معه فالقضاء ما قضت إلا أن يناكرها فيحلف أنه نوى واحدة ويكون أملك بها ولو ملكها أمرها عند عقد نكاحها معه أن تزوج عليها أو تسرى أو غاب عنها أو أخرجها من دارها أو ضربها فتزوج أو فعل شيئا من ذلك فأمرها بيدها ولها أن تطلق نفسها ثلاثا إن شاءت أو ما شاءت من الطلاق لم يكن له مناكرتها وإنما يكون له عند مالك مناكرتها إن ملكها طائعا بغير شرط ولا في حين عقد النكاح وذكره ابن وهب في موطئه وذكر إسماعيل عن أبي ثابت عن ابن وهب قال قال مالك في الذي يشترط لامرأته على نفسه عند عقد نكاحه إن نكحت عليك أو تسريت أو أضررت بك فأمرك بيدك ثم يفعل فتطلق نفسها البته فيقول ما ملكتك إلا واحدة قال مالك القول قولها ولا سبيل له عليها إلا بعد زوج قال ولو ملكها وهي في عصمته طائعا متبرعا كان القول قوله ويحلف أنه ما ملكها إلا واحدة قال ولايشبه هذا الذي يشترطون عليه في أصل النكاح قلت وما الفرق ينهما قال لأن هذا تبرع به والآخر شرطوا عليه فلو كان له أن يرتجعها لم ينفعها شرطها والذي تبرع بذلك من غير شرط فالقول قوله ويحلف وطلقته رجعية وليس كذلك ما كان في أصل النكاح وعند عقده وذكره ابن عبد الحكم عن مالك قال ومن ملك امرأته وشرط ذلك في عقد النكاح أن تزوج عليها فتزوج فطلقت نفسها فقال لم أرد إلا واحدة فليس ذلك له وقد بانت منه وإنما ينوي في الذي ملكها طائعا من غير شرط ولو ملكها أمرها عند عقد نكاحها أن تزوج عليها فتزوج وطلقت نفسها ثلاثا لم يكن له مناكرتها عند مالك وإن ملكها طائعا من غير شرط كان له مناكرتها عند مالك
● [ باب خيار الأمة تعتق تحت العبد ] ●
إذا عتقت الأمة تحت العبد أو تحت من لم تكمل فيه الحرية فهي بالخيار إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته وخيارها باق ما لم يمسها فإن وطئها أو قبلها أو باشرها مطاوعة فلا خيار لها عند مالك وسواء علمت أن لها الخيار أو لم تعلم إذا علمت بعتقها وقد قال أنها إن لم تعلم فلا خيار لها والأول تحصيل مذهب مالك ولا تصدق أنها لم تعلم ولا خيار لها حتى تعتق كلها ولا خيار لها إن كانت تحت حر ولو عتق زوجها قبل خيارها نفسها سقط خيارها وإن كان اختيارها نفسها قبل الدخول فلا صداق لها وإذا أرادت فراق زوجها رفعت ذلك إلى السلطان واختارت نفسها وهي تطليقة بائنة وقد قال بعض أصحاب مالك إنها رجعية وليس بشيء وتحصيل مذهب مالك أنها إذا اختارت نفسها ثم عتق زوجها في عدتها لم يملك رجعتها ولها ان تطلق نفسها ثلاثا على اختلاف من قول مالك في ذلك فمرة أجاز ذلك لها على حديث بريرة ومرة قال ليس لها أن توقع إلا واحدة وهي بائنة وإن طلقت نفسها ثلاثا لم تحل له إلا بعد زوج وتطليقتان هاهنا كالثلاث لأن زوجها عبد وعدتها إذا اختارت نفسها عدة الحرة ثلاثة قروء
● [ باب الخلع ] ●
للرجل أن يخالع امرأته بصداقها كله وبأقل وبأكثر إذا رضيت بذلك وكانت مالكة أمرها ولم يضارها لتفتدي منه فإن افتدت منه على إكراه أو على اضرار كان لها رد ما أخذ ولزمه الطلاق واختلف عن مالك في رجعيته هاهنا فقيل عنه إذا صرف ما أخذ منها كان له الرجعة عليها في عدتها وقيل بل هو طلاق بائن لأنه خلع ولو قصد إلى ايقاع الخلع على غير عوض كان عند مالك خلعا وكان الطلاق بائنا وقد قيل عنه لا يكون بائنا إلا بوجود العوض وهذا أصح قوليه عندي وعند أهل العلم والنظر والمختلعة هي التي تختلع من كل الذي لها والمفتدية التي تفتدي ببعضه وتأخذ بعضه وذلك كله سواء وهي طلقة بائنة سماها أو لم يسميها لا رجعة له في العدة عليها وله نكاحها في العدة وبعدها برضاها بولي وصداق قبل زوج وبعد لأنها تعتد من مائه إذا لم يدخل بها غيره وإذا راجع المختلع امرأته على حكم النكاح الجديد كانت عنده على تطليقتين لأن الخلع ليس بفسخ عند مالك وإنما هو طلاق بائن ومن نوى بالخلع تطليقتين أو ثلاثا لزمه ذلك والطلاق مع الخلع تطليقتين إذا كان ذلك في فور واحد فإن لم يكن لم يلحقها طلاق والخلع جائز عند السلطان وعند غير السلطان ولا يلحق المختلعة طلاق ولو طلقت في عدتها ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملا ولها السكنى حاملا كانت أو غير حامل وجائز لمن طلق طلاقا بائنا أو طلاق خلع أن يتزوج خامسة سواها في عدتها ويتزوج أختها وعمتها وخالتها إن شاء في عدتها لأن حكمها حكم الأجنبيات لا ترثه ولا يرثها ولا يلزمها طلاقه ولا ظهاره وكل من جاز طلاقه جاز خلعه وأما المرأة فلا يجوز خلعها إلا أن تكون مالكة أمرها والوكالة في الخلع جائزة والخلع بصفة وإلى أجل جائز والخلع جائز عند مالك على ثمرة لم يبد صلاحها أو على جمل شارد أو عبد آبق أو نحو ذلك من وجوه الغرر بخلاف البيوع والنكاح وله المطالبة بذلك كله فإن سلم كان له وإن لم يسلم فلا شيء له عليها وقد قيل إنه إن لم يسلم وعدم ذلك ففيها روايتان إحداهما له الوسط من ذلك أو قيمته والأخرى له مهر مثلها والأول قول مالك ولو خالعها على عبد فاستحق من يده رجع عليها بقيمته وكذلك لو خرج حرا رجع بقيمته عليها لو كان عبدا هذا اختيار ابن القاسم وقال غيره من أصحاب مالك لا يرجع عليها بشيء ولو خالعها على عبد آبق على أن يعطيا من عنده مالا لم يجز لأن الغرر لا يجوز في البيوع وهذا بيع ويقضي عليها برد المال عليه الذي أخذت منه ويكون لها في العبد بقدر المال الذي ردته ويكون للزوج باقيه ولو هلك العبد كان هلاكه منها وردت عليه ما أخذت منه وإذا أقر الرجل أنه خالع امرأته على مال فانكرته كان القول قولها مع يمينها في المال ولزمه الطلاق إلا أن يذكر أنه اشترط عليها أنها إن دفعت المال إليه فهي طالق وأنكرت ذلك فلا يلزمه الطلاق ولا يكون له مال ولو قال رجل لآخر طلق امرأتك على ألف درهم ففعل لزمه دفع الألف إليه ولو اختلعت منه بنفقة العدة وسكناها جاز إذا كان ذلك على كراء المسكن وإن كان على الخروج من منزله لم يجز ومضى الخلع ونفذ ولم تخرج ولو اختلعت منه برضاع ابنها منه حولين جاز وفي الخلع بنفقتها على الذين بعد الحولين مدة معلومة قولان احدهما يجوز والثاني لا يجوز ومن أجاز الخلع على الجمل الشارد والعبد الأبق ونحو ذلك من الغرر لزمه أن يجيز هذا ومن اشترط على امرأته في الخلع نفقة حملها وهي لا شيء لها فعليه النفقة إذا لم يكن لها ما تنفق وإن أيسرت بعد ذلك اتبعها بما أنفق وأخذه منها قال مالك ومن الحق يكلف الرجل بنفقة ولده وإن اشترط على أمه نفقته إذا لم يكن لها ما تنفق عليه ومن صالح امرأته على رضاع ابنه فماتت كان له أن يأخذ نفقة رضاعه من ميراثها فإن مات الصبي بعد سنة قال مالك فلم تر أحدا يتبع بمثل هذا ولو اتبعه كان له في ذلك قول قال ابن عبد الحكم قد قيل أن ذلك ليس عليه وهو بمنزلة من صالح امرأته على نفقة الحمل ورضاعه فأسقطته فلا تتبع بشيء من ذلك قال وكذلك الرجل يبتاع الوصيف بخمسة دنانير على أن البائع كفله فمات الصبي فليس عليه شيء وليس هذا إذا حقق تبايعا ولو اشترط عليها في الخلع الرجعة كان الشرط باطلا وقد قيل أن ذلك له ويكون طلاقا رجعيا ويرد ما أخذ وكل ذلك قول مالك والخلع من المريض جائز لأنه آخذ وإن مات ورثته امرأته لأنه طلاق في مرض وإن خالعته وهي مريضة على مال أعطته وماتت لم يرثها لأنه صحيح والطلاق بيده وإن ماتت كان له الأقل مما أعطته ومن الميراث وقد قيل إن خلع المريض لا يجوز إلا بصداق مثلها فأقل وما زاد فهي وصية والأول قول مالك
● [ باب الحكمين ] ●
إذا ساء ما بين الزوجين وتفاقم أمرهما وتكرر شكواهما ولا بينة مع واحد منهما ولم يقدر على الاصلاح بينهما بعث الإمام أو القاضي أو الحاكم إن ارتفعا إليه حكمين حكما من أهل الرجل وحكما من أهل المرأة من أهل العدالة وحسن النظر والبصر بالفقة فإن لم يكن في أهلهما من هذه حاله بعث الإمام من غير أهلهما عدلين عالمين ولا يبعث من غير أهلهما حتى يعدم ذلك في أهلهما وهذا إذا لم يدر ممن الإساءة منهما ولم يوقف على حقيقة أمرهما وأما أن عرف الظالم منهما فإنه يؤخذ منه الحق لصاحبه ويجبر على إزالة الضرر وإذا بعث الإمام الحكمين وأمرهما بالإصلاح فإن عليهما أن يسعيا في الإصلاح جهدهما فإن لم يستطيعا كان عليهما ان رأيا أن يفرقا فرقا وإن رأيا أن يجمعا جمعا وتفريقهما جائز على الزوجين وسواء وافق حكم قاضي البلد أو خالفه وكلهما الزوجان أو لم يوكلاهما والفراق في ذلك طلاق بائن وللزوجين أن يبعثا الحكمين دون السلطان فإن كان الظلم من الزوج فرقا بغير شيء وليس لهما أن يأخذا من الزوجة شيئا على أن يطلقها
وقد قيل ذلك جائز وإن كان الظلم منها أخذا منها ما رأياه وكان خلعا وفرقا بينهما والتطليقة بائنة في ذلك على كل حال سواء أخذا له منها شيئا أم لا وليس لهما الفراق بأكثر من واحدة وقد قيل إنهما إن اجتمعا على الفرقة بثلاث لزمه والأول تحصيل مذهب مالك ولو جعل الزوج إلى الحكمين أن يفرق بثلاث لزمه ولو حكم أحدهما بالتفرقة ولم يحكم به الآخر أو حكم أحدهما بمال وأبي الآخر لم يلزم من ذلك شيء إلا ما اجتمعا عليه وكذلك كل حكمين حكما في أمر ما وأما الرسولان بالطلاق فبخلاف ذلك لأنه إذا بلغه أحدهما كان لازما وكان يحيى بن يحيى يفتي في الحال التي يحتاج فيها إلى ارسال الحكمين بدار أمين وجرى العمل بذلك عندنا
● [ باب الإيلاء ] ●
يلزم الإيلاء كل من جاز طلاقة من حر وعبد والسكران يلزمه الإيلاء وكذلك السفيه والمولى عليه إذا كان بالغا غير مجنون وكذلك الخصي إذا لم يكن مجبوبا والشيخ إذا كان فيه بقية نشاط وإيلاء الأخرس بما يفهم عنه من كتاب أو إشارة مفهومة لازم له وكذلك الإعجمي إذا آلا بلسانه والإيلاء أن يحلف بالله أو باسم من أسماء الله أو صفة من صفاته أن لا يطأ امرأته والآلية اليمين وكل يمين يمنع الوفاء بها من الجماع بكل حال ولا يقدر صاحبها على جماع امرأته من أجلها إلا بأن يحنث فهو بها مول إذا كانت يمينه على أكثر من أربعة أشهر وكانت مما يلزمه الحنث فيها بالوطء وكل يمين يلزم المسلم الوفاء بها كالعتق والطلاق والصدقة فالحالف بها أن لا يطأ امرأته مول وكل يمين يمنع من الجماع في حال ولا يمنع منه في حال لم يكن الحالف بها موليا وكذلك من حلف أن لا يطأ في دار بعينها وهو ساكن معها فيها فإن شكت منه امرأته إلى الحاكم أمره أن يخرج من تلك الدار أو يجامعها ويحنث نفسه ويكفر ولا يترك على ترك جماعها وإذا حلف أن لا يطأها في مصره أو بلده فهو مول ومن آلى بمكني من اللفظ يمنع الجماع كان موليا إن أراد الجماع ومن كانت يمينه أن لا يطأ امرأته مدة تكون من أربعة أشهر ولو بيوم فما زاد أو أطلق اليمين من غير مدة فهو مول يلزمه حكم الإيلاء إن طالبته امرأته وإن كانت المدة التي حلف وإن كان حالفا في اللغة ولكنه إن وطئها قبل الأجل حنث في يمينه ولزمه كفارتها هذا حكم الحر وأما العبد فايلاؤه شهران في الحرة والأمة والإيلاء من كل زوجة حرة أو مملوكة مسلمة أو ذمية ولا إيلاء في الإماء فإن حلف أن لا يطأ امرأته مدة أكثر من أربعة أشهر فانقضت الأربعة الأشهر ولم تطالبا امرأته ولا رافعته إلى السلطان لتوقفه لم يلزمه شيء عند مالك وأصحابه وأكثر أهل المدينة ومن علماء أهل المدينة من يقول إنه يلزمه بالأربعة الأشهر طلقة واحدة رجعية ومنهم ومن غيرهم من يقول إنه يلزمه طلقة بائنة بانقضاء الأربعة الأشهر والصحيح عندنا ما ذهب إليه مالك وأصحابه وذلك أن المولي لا يلزمه طلاق حتى يوقفه السلطان لمطالبة زوجته له ليفيء فيراجع امرأته بالوطء ويكفر يمينه أو يطلق ولا يتركه السلطان حتى يفيء أو يطلق والفيء الجماع في من تمكن مجامعتها وهذا إذا كانت المرأة بالغة أو مثلها يوطأ ولها الخيار في مخاصمته وتركه ولا يضرها سكوتها إذا قامت في مدة الإيلاء وأجل المولي من يوم حلف لامن يوم تخاصمه امرأته أو ترافعه إلى الحاكم فإن خاصمته ولم ترض بامتناعه من الوطء ضرب له الحاكم أربع أشهر من يوم حلف لا من يوم تخاصمه فإن وطيء فقد فاء إلى حق الزوجة وكفر عن يمينه وإن لم يفيء طلق عليه وطلاقه رجعي فإن حل أجل المولى وهو مريض أو غائب أو مجنون وقف في موضعه فإما كفر عن يمينه إذا قدر على الكفارة وإلا طلق عليه وقد قيل في المريض إذا فاء بلسانه وإن لم يكفر انه لا يطلق عليه حتى يصح فإن صح إما فاء وإما طلق عليه ولو طلق على المريض ومات من مرضه ورثته امرأته واختلف قول مالك متى تكون فيئة المولي ومتى تطلق عليه فقال مرة ذلك في الأربعة الأشهر فإن انفضت ولم يفيء طلق عليه الحاكم ولم يأمره بالفيئة ومرة قال الأربعة الأشهر توسعة والإيقاف بعدها وهذا الأشهر وهو الصواب إن شاء الله وإذا وفق بعدها فقال أنا أفيء فإن ظهر منه لدد وتسويف قال له الحاكم إن مسستها إلى يوم كذا وإلا طلقت عليك فإن لم يفعل لأيام يضربها له اجلا فرق بينهما بتطليقه وإن وافى أجل المولي حيض المرأة طلق عليه وهي حائض وقد قيل ينتظر طهرها فإن ادعت المرأة انقضاء الأربعة الأشهر وأنكر الرجل فالقول قوله مع يمينه لأنه لا يوفق إلا بعد انقضائها ولا يكون الفيء إلا بالجماع المعهود فإن وفق المولي فطلق أو طلق عليه الحاكم ثم راجع في العدة وحقق الرجعة بالمسيس فهي امرأته وسقط إيلاؤه وإن لم يمسها حتى انقضت عدتها وهو قادر على مسيسها لا يمنعه من ذلك عذر مرض أتو سجن أو شبه ذلك فقد بانت منه امرأته عند مالك بانقضاء عدتها إذا لم يحقق رجعتها بوطئه ولا سبيل له إليها إلا بنكاح جديد فإن كان له عذر فارتجاعه لها صحيح وهي امرأته ولو طلق على المولي فلم يراجعها حتى انقضت عدتها ثم نكحها رجع عليه الإيلاء فإن لم يمسها وطالبته وقف لها أيضا فإن فاء بجماعه إياها أو بتفكير يمينه فحسبه وإن طلق عليه فهي طلقة بائنة لأنه لم يمس بعد المراجعة ولو راجعها فانقضت الأربعة الأشهر قبل أن تنقضي عدتها لم يكن لها أن توقفه إلا أنه إن لم يطأ حتى تنقضي بانت منه لأنه لا تصح رجعة المولي إلا بالوطء قبل انقضاء العدة ولو آلا من ارمرأته ثم طلقها طلقة رجعية كان لها أن ترفعه إلى السلطان في عدتها فإن طلقها كانت طلقتين وإن انقضت العدة قبل الأربعة الأشهر بطل الإيلاء لأنها ليست بزوجة ولا يلزمه بانقضاء الأربعة الأشهر شيء وإذا آلا الرجل من امرأته ثم طلقها واحدة أو اثنتين ثم راجعها رجع عليه الإيلاء ولو طلقها ثلاثا ثم رجعت إليه لم يرجع عليه الإيلاء وقد قيل يرجع عليه ومن كانت له امرأتان فحلف بطلاق إحداهما أن لا يطأ الأخرى فماتت المحلوف بطلاقها سقط عنه الإيلاء ولو حلف لكل واحدة منهما بطلاق الأخرى أن لا يطأها فهو بذلك مول منهما وإن رافعته واحدة منهما إلى الحاكم ضرب له أجل أربعة أشهر من يوم رافعته وإن رافعتاه جميعا ضرب له فيهما أجل الإيلاء من يوم رافعتاه ثم يوقف عند انقضاء الأجل فإن فاء في واحدة حنث في الأخرى وإن لم يفيء في واحدة منهما طلقتا عليه جميعا وإنما صار الأجل في هذا الوجه من يوم يرفع إلى الحاكم لا من يوم حلف لأنه في الإيلاء المطلق إذا وطيء حنث وسقط الإيلاء وفي هذا الوجه إذا قال أنت طالق إن لم أفعل كذا وكذا فلا يسقط يمينه في الوطء إذا لم يفعل ما حلف عليه ومن حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا ذكره فلا إيلاء لأنه لم يمنعه يمينه من وطء زوجته فهو بخلاف من حلف بالطلاق ليفعلن وإن لم يفعل على ما ذكرت لك ولو حلف بعتق عبده أن لا يطأ امرأته فمات العبد سقط الإيلاء وكذلك لو باعه سقط الإيلاء أيضا عنه ولو اشتراه بعد أو وهب له فقبله عاد الإيلاء ولو ورثه لم يعد الإيلاء عليه ولو حلف بعتق رقبة أو عتق عبد فطلق فاشترى عبدا فأعتقه لم يسقط الإيلاء عنه عند مالك قال ابن القاسم يسقط الإيلاء عنه قياسا على جواز تقديم كفارة اليمين بالله عز وجل قبل الحنث وقيل في اليمين بالله عز وجل أن الإيلاء لا يسقط عنه بالكفارة إلا أن تكون يمينه في شيء بعينه مثل عتق رقبة بعينها أو طلاق امرأة أخرى له بعينها فيسقط وإذا آلا الرجل من امرأته ثم طلقها واحدة أو اثنتين ثم راجعها رجع عليه الإيلاء ولو طلقها ثلاثا ثم رجعت إليه لم يرجع عليه الإيلاء
وقد قيل يرجع عليه ولو رضي الذمي في الإيلاء بحكمنا حكمنا عليه بذلك وللجميع تربص أربعة أشهر وإن ادعت المرأة مضيها وأنكر الرجل فالقول قوله مع يمينه لأنه لا يوقف إلا بعد انقضائها وإذا آلى الرجل من نسوة ثلاث أو أربع بيمين واحدة فهو مول منهن كلهن يوقف لمن طالبته منهن فإن وطيء واحدة منهن حنث وانحلت اليمين وبقي عليه حكم الإيلاء في رفع الضرر عن الزوجات الباقيات في إيقاع الوطء فإن لم يطأ وأبى فرق بينه وبين من لم يطأ منهن وأقر عنده منهن من لم تطالبه وإن ماتت منهن واحدة أو طلقها فهو مول من البواقي وكفارة واحدة تجزئه في حنثه عن جميعهن وقد قيل عن كل واحدة كفارة والأول قول ابن القاسم وروايته والفيء الجماع المعهود إن قدر عليه فإن لم يقدر عليه بعذر مقبول من مرض مانع أو حبس أو عجز لكبر لا يمكنه الوطء إلى الجماع معه فاء بلسانه فإذا أمكنه الجماع فاء وإلا طلق عليه وإذا صح عذر ولم يكن لامرأته مطالبته وأدنى ما يجزيء من الفيء أن تغيب الحشفة في القبل إن كانت ثيبا والافتضاض إن كانت بكرا ولو قال قد أصبتها وأنكرت ذلك فالقول قوله إن كانت ثيبا مع يمينه وقولها إن كانت بكرا ولو أصابها في وقت أو حال لا يجوز له أن يصيبها فيه اثم وخرج من الإيلاء وقد قيل لا يخرج منه إلا بوطء غير محظور ومن امتنع من وطء امرأته بغير يمين حلفها اضرارا بها أمر بوطئها فإن أبى فأقام على امتناعه مضرا بها فرق بينه وبينها بغير أجل وقد قيل يضرب له أجل الإيلاء وقد قيل لا يدخل على الرجل إيلاء في هجرته زوجته وإن أقام سنين لا يغشاها ولكنه يؤمر بتقوى الله في أن لا يمسكها ضرارا وإذا طال المسافر الغيبة عامدا للضرر أمر بالقدوم على امرأته فإن أبى فرق الحاكم بينهما لأن العلة عدم الوطء فسواء وجد ذلك بيمين أو بغير يمين كما يطلق على المولي وعلى المعسر بالنفقة والعنين ومن حلف أن لا يطأ امرأته حتى تفطم ولدها ليلا يغيل ولدها ولم يرد ضررا حتى أمد الرضاع لم يكن لزوجته عند مالك مطالبته في ذلك وكذلك المريض الذي يكون الوطء مضرا به فيولي لذلك من امرأته وكذلك من عن بعد إصابته أهله لا إيلاء عليه
● [ لكتاب الطلاق بقية ] ●
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي
تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي
منتدى ميراث الرسول - البوابة