بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الفقه الإسلامي
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي . المجلد الثانى
● [ ما تبقى من كتاب العيوب ] ●
[ باب أحكام ما ورد النهي عنه من البيوع ]
عن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سلف وبيع وقد مضى حكم ذلك في باب البيوع الفاسدة ونهى عليه السلام عن بيع الغرر وبيع المضامين والملاقيح وقد مضى كثير من معاني بيع الغرر في البيوع الفاسدة وجملة معنى الغرر أنه كل ما يتبايع به المتبايعان مما يدخله الخطر والقمار وجهل معرفة المبيع والإحاطة بأكثر صفاته فإن جهل منها اليسير أو دخلها الغرر في القليل ولم يكن القصد إلى مواقعة الغرر فليس من بيوع الغرر المنهي عنها لأن النهي إنما يتوجه إلى من قصد الشيء واعتمده فمن بيوع الغرر بيع الأجنة في بطون أمهاتها وهي المضامين والملاقيح واختلف في ذلك فقيل الملاقيح ما في ظهور الذكور والمضامين ما في بطون الإناث وقيل بل الملاقيح في بطون الإناث والمضامين في ظهور الذكور وأما بيع حبل الحبلة فهو أن تنتج الناقة ثم ينتج الذي في بطنها فقيل انه أريد به الأجل المجهول ونهى مالك عن البيع إلا إلى أجل معلوم وقيل إنه جنين الجنين وقد بينا هذا كله في مواضعه من كتاب التمهيد ومن الغرر بيع السمك في الماء والطير في الهواء وبيع الضوال والعبد الأبق والجمل الشارد والإبل الصعاب إلا أن يدعي مشتري الإبق موضعه ومشتري الجمل الشارد والصعب القوة على أخذه والمعرفة به فإن كان كذلك جاز عند أكثر أصحاب مالك ويتواضعان الثمن فإن حصل عليه قبض الثمن
ومن بيع الغرر بيع الدين على المفلس وعلى الميت فإذا وقع شيء من بيع الغرر فسخ أن أدرك وإن قبض ومات بعد القبض رد إلى قيمته إن كان عرضا أو حيوانا سمكا أو غيره وإن كان ذهبا أو ورقا أو طعاما مكيلا أو موزونا رجع بمثل ذلك في صفته وكيله أو وزنه يوم قبض ذلك ومن بيوع الغرر ما نهى عنه من الملامسة وهو أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره ولا يقف على صفته فيبتاعه على ذلك ومن هذا بيع الساج المدرج في جرابه وسائر الثياب المطوية دون تأمل شيء منها والبيع بالليل لما يحتاج إلى رؤيته وتقليبه ولم يكن ذلك وبيع الأعمى على اللمس بيده وما كان مثل هذا كله فإن أدرك المبيع فسخ وإن فات رد إلى قيمته بالغا ما بلغ يوم قبضه المشتري ومن هذا أيضا بيع المنابذة وهو أن ينبذ الرجل بثوب لذلك الرجل بثوب ينبذه أيضا إليه ليكون أحدهما ثمنا لصاحبه على غير تقليب ولا تأمل ولا معرفة ويبتاعه على ذلك من غير صفة ولا رؤية فالحكم فيه متى وقع أن يفسخ على ما ذكرنا إلا أن يفوت عند المبتاع فيكون حكمه ما وصفنا وكذلك بيع الحصاة الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن يقول المبتاع للبائع في عدد ثياب ونحوها أيها وقعت عليها حصاتي هذه فقد وجبت لي بكذا ثم يرمي بالحصاة وهو بيع كان أهل الجاهلية يفعلونه فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه لما فيه من معنى القمار والمخاطرة والغرر كما نهى عن الملامسة والمنابذة وقد أوضحنا ذلك جملة في كتاب التمهيد والحمد لله ومما نهى عنه الكاليء بالكاليء وهو الدين بالدين وهذا باب يشبع ويتشعب وتكثر فروعه على مذهب مالك وأصحابه فمن ذلك أن يكون لرجل على آخر دين من بيع أو سلف فيبتاع منه سلعة إلى أجل فهذا لا يجوز ويفسخ حتى وقع لأنه فسخ دين في دين فإن فات رد إلى قيمته يوم قبضه إلا أن يكون طعاما أو أداما فيرجع بمكيلته أو وزنه في صفته ولو أخذ في دينه طعاما فذهب ليجيء بالدواب أو ليكتري منزلا يجعله فيه فيكون في ذلك تأخير اليوم واليومين أو ابتداء في كيله فتغيب الشمس ثم يكتاله من الغد وما كان مثل هذا كله فلا بأس به عند مالك وأصحابه ومن الدين بالدين تأخير رأس مال السلم إلى أجل السلم أو دون أجله أو أبعد منه على ما بينا في باب السلم وعندي أنه لا يتأخر عنه ساعة كالصرف سواء فإن وقع هذا أيضا فسخ ويرجع كل واحد منهما إن كان دفع شيئا فيما دفع ومن الدين بالدين عند أكثر أصحاب مالك أن يتحول بما حل من الدين في دار يسكنها أو عبد يخدمه أو دابة يركبها أو ثمرة يجذها في أيام كثيرة أو أمة يستبرئها ومن أصحاب مالك طائفة منهم أشهب ومحمد بن مسلمة لا يرون هذا من باب الدين بالدين وهو القياس عندي والنظر الصحيح لإجماعهم على جواز بيع السلم وبيع السلم بالنسيئة فدل على أن الدين بالدين ما اغترف الدين طرفيه جميعا ومما نهى عنه بيع الحاضر للبادي لم يختلف قول مالك في كراهية بيع الحاضر للبادي واختلف قوله في شراء الحاضر للبادي فمرة قال لا بأس أن يشتري له إنما نهى عن البيع له ومرة قال لا يشتري له ولا يشتري عليه وكذلك اختلف قوله وقول أصحابه في فسخ بيع الحاضر للبادي فقيل يفسخ وقيل لا يفسخ وقيل يفسخ ما لم يفت وقيل لا يفسخ فات أو لم يفت وقيل يؤدب المعتاد لذلك وقيل لا أدب عليه وكل هذا مذهب مالك والذي أراه إمضاء البيع ولا يفسخ لما فيه من النصيحة للمسلم والله أعلم ولأنه من جهة نفع الحاضر لا لمكروه في الشريعة وهو يشبه بيع تلقي السلع وقد أجمعوا أن البيع في ذلك غير مفسوخ على ما قد أوضحنا في كتاب التمهيد إلا قول شاذ عن بعض أصحابنا المالكيين ومما نهى عنه النجش وهو أن يعطي الرجل في السلعة عطاء ليقتدى به وهو لا يريدها ليغتر المشتري بذلك وذلك عند مالك عيب من العيوب إذا علم به المشتري وصح ذلك إن شاء رد السلعة المنجوشة وإن شاء حبسها ومما نهى عنه بيعتان في بيعة وذلك أن يبيع الرجل سلعة بخمسة نقدا أو عشرة إلى أجل قد وجب البيع بأحد الثمنين والبائع بالخيار بأي الثمنين شاء أوجب به للمشتري فهذا بيع فاسد إن أدرك فسخ وإن قبضت السلعة وفاتت رد قابضها قيمتها يوم قبضها بالغة ما بلغت فإن كان البيع على أن المشتري بالخيار فيهما جميعا بين أن يأخذ بأيتهما شاء وبين أن يردهما جميعا فذلك جائز وليس من باب بيعتين في بيعة لأن البيع ههنا نافذ وقع على شيء بعينه يختاره من شيئين معلومين له الخيار في أحدهما والسلعة الأولى لم يقع شراؤها على شيء بعينه بقطع أو خيار وإنما إذا وقع على ما لا يدري أي السلعتين يختار وقد وجبت إحداهما له هذا كله قول مالك وأصحابه وجملة معنى ما نهي عنه عند مالك من بيعتين مختلفتين بثمن واحد
ولا بأس أن يبيع إحدى سلعتين متفقين بثمن واحد ومن بيعتين في بيعة صبرتين مختلفتين في الكيل كل قفيز بسعر واحد أو بسعر مختلف إلا أن يسمي كم يأخذ من كل صبرة وكذلك لا يجوز أن يبيع صبرتين من شيء واحد أو مختلن كيلا كل قفيز بثمنين مختلفين والحكم في هذا كله الفسخ فإن فاتت بعد القبض عند المبتاع رد مكلية الطعام في جنسه وفي غير الطعام القيمة بالغة ما بلغت ومن فقهاء الحجازيين جماعة يجعلون كل عقد يجمع ثمنين مختلفين من باب بيعتين في بيعة ولا يجوز ذلك عندهم لاختلاف الثمنين فإن كان ثمنهما واحدا جاز وليس من بيعتين في بيعة وهذا إذا كان البيع واجبا وأما إن كان البيع غير واجب حتى يختار ما شاء من أجناس السلع فهذا من باب المساومة عندهم ولا يدخله كراهية لأنه ليس بعقد بيع والطعام والعروض عندهم في ذلك سواء ومما نهى عنه بيع العربان وذلك أن يشتري الرجل السلعة ويعطي البائع من ثمنها بعضه قل أو كثر عربانا على أنه إن رضي ما اشترى أخذه وإن لم يرضه فالعربان للبائع فهذا لا يجوز والعربان مردود إلى صاحبه لأنه من أكل أموال الناس بالباطل والجائز في بيع العربان أنه إن رضي الشيء أخذه وأوفاه باقي ثمنه وإن لم يرضه رده وأخذ عربانه ولا يكون العربان إلا يسيرا لا يشبه أن يقصد إلى الإنتفاع به فيكون كالسلف عند مالك والكراء في هذا الباب كالبيع سواء
ومما نهى عنه ربح ما لم يضمن وبيع ما ليس عندك فمن وجوه ربح ما لم يضمن عند مالك بيع الطعام على الكيل قبل أن يستوفى وبيع المبتاع فيه بالخيار وبيع ما فيه المواضعة من الرقيق لأن ضمان ذلك كله من البائع فإن وقع البيع في شيء من ذلك فسخ ورد فإن فات عند المبتاع لزمته القيمة يوم قبضه وقد قيل إن البيع في الجارية للمواضعة لا يفسخ إذا خرجت سالمة من المواضعة لأن البيع كان صحيحا ومن هذا الباب في ربح ما لم يضمن الرجل يشتري السلعة بثمن معلوم على أنه إن باعها فقد لزمه شراؤها وإن لم يبعها ردها إلى بائعها فهذا بيع فاسد إن أردك فسخ وإن قبض وفات رد إلى قيمة السلعة يوم قبضت بالغة ما بلغت ومن باب ربح ما لم يضمن كل ما ضمانه ومصيبته من بائعه مثل بيع الطعام قبل أن يستوفى إذا كان على الكيل على ما وصفنا في بابه من هذا الكتاب ويدخل في هذا كله أيضا بيع ما ليس عندك ومن بيع ما ليس عندك بيع العينة وقد مضى ذكرها في باب بيوع الآجال
ومما نهى عنه تلقي السلع ومعناه أن يخرج إلى السلعة التي يهبط بها إلى السوق قبل أن تصل السلعة إلى سوقها فيشتري هنالك من أطراف المصر وعلى رأس الميل والميلين والثلاثة ونحو ذلك عند مالك وقد أوضحنا هذا المعنى وما سن مالك وأصحابه وغيرهم من العلماء في ذلك من الأقوال والمذاهب في كتاب التمهيد والحمد لله وتحصيل مذهب مالك أن البيع في ذلك عقده صحيح ولكن السلعة تؤخذ من المشتري فتعرض على أهل سوقها من المصر فإن أرادوها بذلك الثمن أخذوها وكانوا أولى بها وإن لم يردوها لزمت المبتاع المتلقي وهذا أصح ما روي في ذلك عن مالك وأولاه بالصواب إن شاء الله وبالله التوفيق
● ● ● [ كتاب الأكرية والإجارات ] ● ● ●
[ باب ما يجوز فيه الكراء ]
وحكم كراء الدور وسائر الرباع
[ باب ما يجوز فيه الكراء ]
وحكم كراء الدور وسائر الرباع
كل ما جاز بيعه جاز فيه الكراء من الدور والحوانيت وسائر الرباع والأرضين والرقيق والدواب وسائر العروض كلها اكتراء الدنانير والدراهم فإن نزلت فيها الإجارة إلى مدة كانت قرضا إلى تلك المدة وسقطت فيها عن مستأجرها الأجرة ومعنى الكراء بيع المنافع الطارئة عن الرقاب مع الساعات والأيام والشهور والأعوام دون الرقاب وإنما يجوز ذلك فيما كان معلوما مأمونا في الأغلب ولا تجوز الإجارة ولا الكراء بالمجهول الذي يقل مرة ويكثر أخرى ولا في العمل غير معلوم ولا إلى مدة غير معلومة ولا يجوز لأحد أن يستأجر أجيرا على أن يعطيه ما يعطي الناس لإجرائهم إن كان في ذلك اختلاف ومن اكترى دارا أو حانوتا مدة معلومة لم يستحق رب ذلك شيئا من الأجرة بمجرد العقد إلا أن يشترط ذلك فإن اشترط ذلك جاز ويشترط في نقد الأجرة وقتا معلوما نحو أول الشهر أو وسطه أو آخره أو شهرا بشهر أو كيف شاء كان فإن لم يسميا وقتا فالأجرة حالة يستحقها ربها بمضي ما ينقضي من المدة وكل ما مضى يوم أو أكثر استحق صاحب الربع أجرة ما مضى إلا أن يكون هنالك عرف شائع فيحملون عليه عدم الشرط فإن كان ما اشترط من الأجرة مجهولا وانعقد على ذلك الكراء فهو فاسد غير لازم ويرجع فيما مضى من الكراء أو العمل الى أجرة المثل والكراء لا ينقضها موت أحد المتكارين وورثة كل واحد منهما تقوم مقامه وكذلك لا ينقضها عنده البيع ومن اكترى دارا أو أرضا ثم باعها ولم يبين بما عقد فيها من الكراء فهو عيب يجب للمبتاع به الرد إن شاء وله نقض البيع أو الرضى بالصبر على أداء الكراء إلا أن يكون أمدا قريبا وأياما يسيرة فلا يكون له في ذلك خيار ومن اكترى دارا سنة بعينها أو شهرا بعينه فليس له أن يخرج منها ولا لرب الدار أن يخرجه حتى يتم الشهر أو السنة إلا أن يتفاسخا أو يتراضيا بما يحل في ذلك بينهما ومن استأجر أجيرا على عمل يعمله له مما يجوز عمله ومات العامل انفسخت الإجارة فإن مات المستأجر فالإجارة ثابتة لورثته وأجاز مالك كراء الدور والحوانيت مشاهرة وإن لم تقرر الإجارة على مدة معلومة لأن الشهر معلوم ما يجب له ولكل يوم منه ومن اكترى دارا مشاهرة أو سنة غير معينة فله أن يخرج متى شاء ولرب الدار أن يخرجه متى شاء ويلزمه من الكراء بقدر ما مضى من المدة لا غير وقال عبد الله بن عبد العزيز يلزمه في المشاهرة كراء شهر واحد وبعده يخرجه متى شاء كما قال مالك فإن اشترط رب الدار والمسألة بحالها على المكتري إنك إن خرجت من الشهر يوما لزمك الشهر كله وإلتزما ذلك جاز ولزمه فإن خرج كان له أن يكريه من مثله فيما بقي من أيامه ولا يجوز أن يشترط عليه رب الدار إن خرجت لزمك الشهر ولا شيء لك من الكراء لما بقي من الشهر ولا بأس بكراء الدار سنين عشرا أو أكثر ويكره في دور الأحباس وغيرها طول المدة خوفا من ذهاب الناس وادعاء الاستحقاق بالسكنى ولكنه لا يفسخ العقد فيها ولا في غيرها من الدور والأرضين وما أشبهها لطول مدة لأنها مأمونة لا غرر يدخل إجارتها ومن اكترى دارا سنة بعينها فانهدمت أو احترقت سقط عنه كراؤها وإن انهدم بعضها وكان يسيرا لا ضرر على الساكن منه في عورة ظاهرة ولا تعطيل مسكن ولا عدم منفعة فالكراء لازم للمكتري ولا شيء على ربها وإن تعطل بعض مساكنها أو بعض ما يرتفق به منها حط عنه بقدر ما يصيب ذلك من كرائها إن رضي ساكنها وإن لم يرض انفسخ الكراء بينهما إلا أن تكون مرمتها وإصلاحها ينقضي في أيام يسيرة جدا وإذا انفسخ الكراء بينهما تحاسبا فإن كانت الدار من الدور التي لها نفاق في حين من السنة نحو الفنادق ونحو دور مكة في الموسم تحاسبا على قدر ما سكن من أيام النفاق والكساد ومن اكترى دارا ليسكنها فأغلقها ولم يسكنها فإن رضي بذلك ربها جاز والكراء لازم له وإن لم يرض أخذ المكتري بسكناها أو بكرائها من مثله لأن أغلاقها في طول المدة عون على خرابها وليس للمكتري أن يجعل في الدار والحانوت ما يضر بهما مثل الزيت والقطران والمكامد والمجازر وأما ما لا يضر فلا يمنع منه وليست الدور كلها سواء في ذلك وحكم الجديدة والمجصصة خلاف حكم البالية المسودة في ذلك ومن اكترى دارا أو بئرا كنيفها فارغ فجائز أن يشترط رب الدار على المكتري كنس الكنيف وإن كان غير فارغ لم يجز أن يشترط عليه إلا شيئا معلوما في كنسه في كل سنة أو في كل شهر والأصل أن على رب الدار كنس الكنيف لأنه من منافع الدار التي يلزمه تسليمها فإن كان في البلد عرف لا يختلف حملا عليه وقد روي عن مالك إن كنس المراحض على المكتري وقال به بعض أصحابه ولا يجوز أن يكتري الدار على أن عليه صلاح ما استرم منها إلا أن يحتسب له ذلك في كرائه والأولى أن يحد في ذلك حدا معلوما وما أحدثه المكتري في الدار من صلاح أو بنيان بإذن صاحبها فله قيمته قائما يحاسب به إذا أراد الخروج وما صنع من ذلك بغير إذن صاحبها فإن له أخذه إن أمكن ذلك على أنه إن أفسد بفعله شيئا ضمنه وإن أراد رب الدار أن يعطيه قيمته مقلوعا كان له ذلك عند مالك كان مما لا منفعة له فيه فلا شيء له في ذلك عنده ومن استأجر دارا أو حانوتا وسلم ذلك إليه لزمه الكراء بمضي المدة إن لم يكن شرط ولا عرف سواء سكن أو لم يسكن فإن حال بينه وبين سكناها حائل نظر فإن كان ممن لا يستطيع دفعه مثل السلطان أو من لا ينفذ عليه حكم سقط الكراء عن المكترى وإلا من مكتريها قبل تمام المدة فإن فعل انفسخ الكراء بينهما وسكنها بملكه لها وجائز أن يبيعها أيضا من غيره إذا علم بالإجارة فإن لم يعلم فهو عيب أن رضي به المشتري وإلا كان له رد البيع ولا سبيل إلى فسخ الإجارة قبل مضي المدة إلا برضى منهما والأجرة على كل حال للبائع دون المبتاع هذا تحصيل مذهب مالك وقيل إن رضي المبتاع بذلك العيب فالأجرة له وجائز لمستاجر الدار أن يكريها قبل قبضها وبعده بمثل أجرتها وبأقل وبأكثر ولا بأس بازدياده لنفسه في كرائها لأنه قد ملك منافعها بالعقد وجاز له فيها التصرف وليس هذا عند مالك من ربح ما لم يضمن وإن ادعى رب الدار أنه لم يقبض الخراج وادعى الساكن الدفع نظر فإن كان الشرط في دفع الكراء شهرا بشهر فالقول قول الساكن مع يمينه في الشهر الذي خرج ومضى بعده من المدة ما لا يتعارف حبس الكراء إلى مثله وإلا فالقول أبدا قول رب الدار مع يمينه وكذلك السنة مثل الشهر إذا كان دفع الكراء مساناة فالقول قول رب الدار إلا فيما خرج ومضى من المدة
● [ باب كراء الرواحل والدواب والسفن ] ●
لا بأس بالسلعة في الكراء المضمون إلى أجل معلوم في راحلة ودابة وسفينة بغير عينها ولا يجوز ذلك إذا كانت بعينها ومن اكترى دابة ليركبها فأراد أن يركبها غيره ممن هو مثله في خفته ورفقه في سيره فقد اختلف عن مالك في ذلك فروي عنه المنع في ذلك منه وروي عنه جوازه وهو تحصيل مذهبه وإذا اكترى دابة بعينها فماتت قبل ركوبها انفسخ الكراء ورد ما قبض منه وإن ركب بعض الطريق حاسبه على قدر سهولة الطريق وعلى قدر حزونته وإن اكترى دابة إلى بلد بعينه فخالف إلى غيره وكان الذي خالف إليه يشبه ما اكتراها إليه في المسافة والسهولة والحزونة فلا ضمان عليه فإن خالف ذلك فهو للدابة ضامن هذا إذا ردها مجهودة قد تغيرت في بدنها وأسواقها وكذلك التعدي أياما كثيرة إلا أن يشاء ربها أن يمضي له التعدي ويأخذ كراء المثل فيما تعدى وهذا هو المشهور من مذهب مالك فيمن اكترى دابة بعينها إلى موضع معلوم فتعدى بها إلى أبعد من تلك المسافة أو أشق وجاوز ما اتفقا عليه أن ربها مخير في أن يأخذ من المتعدي المكتري الكراء المسمى وله كراء مثله فيما تعدى فيه ويرجع إليه الدابة بعطبها أو سلامتها وبين أن يأخذ الكراء إلى الموضع الذي سماه ويضمنه الدابة في الموضع الذي تعدى فيه وسواء سلمت أو عطبت إلا أن يكون ما تعدى فيه يسيرا نحو العدول عن الطريق لأمر خفيف أو مخالفة طريق إلى مثله أو قريب منه في القرب والبعد والحزونة والسهولة هذا تحصيل مذهبه عند أكثر أصحابه وقد روي عنه وعن طائفة من أصحابه أنها إن سلمت لم يكن له إلا كراؤه المسمى أو كراء مثله فيما تعدى إذا رجعت بحالها فإن عطبت فحينئذ يخير فيما تقدم ذكره وهو قول الفقهاء السبعة مشيخة أهل المدينة
وقال اسماعيل الصحيح فيمن تكارى دابة الى مكان فتعدى بها الى مكان ابعد منه فتلفت ضمنها وإن سلمت فعليه الأجرة الأولى وكراء المثل في التعدي ولم يختلف قول مالك أنه لو تعدى فزاد في حملها غير ما أكري عليه ومما لا يحمل على مثلها أن عليه كراء ما زاد بحسابه وإن عطبت فحينئذ يكون ضامنا على ما تقدم ذكره وإن كان ما حمل عليها حمل مثلها أو ايسر فلا شيء عليه ولو هلكت الدابة قبل بلوغ الموضع الذي اكتريت إليه فعلى رب المتاع من الأجرة بحساب ما مضى من المسافة ولو هلك المتاع وبقيت الدابة لم يكن على صاحب المتاع شيء لإنه لم يحصل من متاعه على شيء هذه رواية المدنيين عن مالك ويشهد كثير من أصول مسائله بذلك وقال اسماعيل يخرج منها ما رواه ابن نافع عن مالك في السفينة أن عليه من الأجرة بقدر ما مضى من المسافة وتحصيل رواية ابن القاسم وهو مذهب اكثر المصريين فيمن اكترى على متاع إلى بلد فأصيب المتاع قبل بلوغ البلد وإن كانت آفة من الدابة أو صاحبها مثل العثار والزلق وانقطاع الحبال أو نحو ذلك فلا كراء لرب الظهر ولا ضمان عليه فيما عطب إلا أن يكون غر من دابته أو ضيع أو تعسف فيضمن ويكون له الكراء إذا ضمن وإن كانت مصيبة المتاع من غير سبب الدابة نحو أن تحرقه نار أو يقطع به اللصوص فله الكراء كاملا وعلى رب المتاع أن يأتيه بمثله حتى يبلغه إلى الموضع الذي اكتراه إليه ولو ضلت الدابة بالمتاع لم يكن على ربه أجرة ولا على رب الدابة ضمان ومن تكارى في الحج راحلة فمات المكتري فالكراء واجب في ماله ولورثته أن يكروا مكانه من مثله في خفته وحاله ومن اكترى إلى الحج فأخلفه المكري حتى فات الوقت انفسخ كراؤه ولو اكترى إلى غير الحج واشترط وقتا ما فأخلفه المكري لم ينفسخ كراؤه ولا حمولته أو مثلها وقيل ينفسخ والأول تحصيل المذهب والثاني أحب إلي إذا كان الوقت مثل موسم يفوت ونحوه وليس لمن اكترى دابة أو جملا إلى موضع معلوم أن يقطع به دون البلوغ على أن يأخذ بمقدار ما مشى وحمل ولا للمكتري أن يبدو له في بعض الطريق ويلزم كل واحد منهما الوفاء مما عقد على نفسه من ذلك إلا أن يتراضيا على حساب ما عملا ولا بأس ان يكتري الدابة إلى البلد المعلوم لحاجة يريدها ويشترط أن لقي حاجته في بعض الطريق رجع من الموضع الذي يلقاها به وحاسبه ذلك جائز عند مالك ما لم ينقده وعند غيره يجوز نقده أو لم ينقده وكل ما جاز أن يكتري به الدابة جاز ان يكتري به السفينة من الذهب والورق والطعام المعلوم وغير ذلك وجاز كراء السفينة من بلد إلى بلد على حمل طعام بجزء منه إذا كان رب السفينة يأخذ ذلك الجزء مكانه ولم يشترط عليه تأخيره إلى الموضع الذي يحمل إليه فإن اشترط ذلك لم يجز لإنه طعام بعينه يشترط أخذه ببلد آخر فلا خير فيه فإن لم يشترط ذلك وسكتا عنه جاز الكراء لإنه لم يمنع من قبض جزئه هذا قول مالك وقال ابن القاسم إذا لم يشترط صاحب السفينة أخذ جزء فسد الكراء والقول قول مالك وكراء السفينة عند مالك وابن القاسم على البلاغ لا شيء لصاحبها حتى يبلغ المكان الذي اكترى إليه ولذلك كانا يكرهان النقد في ذلك واختاره ابن حبيب وقال أشهب وابن نافع السفينة كالدابة وإن غرقت كان لصاحبها من الكراء بحساب ما سار واختاره سحنون وبه كان يقضي ويجوز النقد عند أشهب وابن نافع في كراء السفن وقال اصبغ إن لججت السفينة فكما قال ابن القاسم وإن مشت البر فكما قال اشهب والعمل أنه لا شيء على من سلم متاعه من العطب أو خرج من البحر سالما من الكراء إلا مقدار ما تنقصه من المسافة وما انتفع به في ذلك وإلا فلا شيء عليه كما أنه لا شيء على من عطب وتلف متاعه وإن خرج من الطعام أو المتاع شيء مبلول وقد دخله الفساد نقص المكري من كرائه بحساب ما ينقص صاحب المتاع من ثمن سلعته وحكم ما يرى من السفينة في كتاب الأقضية
● [ باب اجارة العبيد ] ●
وسائر الأجراء القابلين والرعاء
وسائر الأجراء القابلين والرعاء
ومن استأجر عبدا ليخدمه شهرا على أنه إن مرض قضاه في غيره لم يجز لاختلاف الأيام ومن استأجر على رعي غنم أو بقر أو إبل فليكن استئجاره له مدة معلومة سنة أو شهرا أو ما شاء من معلوم المدد بالأجرة المعلومة ولا يستأجره على غنم بأعيانها ولا على القيام على ظهر بعينه إلا أن يشترط أنه إن مات شيء من الغنم أو نفق من الدواب شيء أخلف مكانه مثله حتى يتم الأجل بينهما وما مات أو ذبح من العدد المعلوم أخلفه ومن استأجر راعيا مدة معلومة على غنم بأعيانها بأجرة معلومة فهلكت الغنم قبل بلوغ المدة فللراعي الأجرة تامة ولرب الغنم أن يستعمله في رعاية غيرها وقال أشهب تنفسخ الإجارة ومن ادعى من الرعاة في شاة ذبحها بأكلها إنه خشي الموت عليها ضمنها لأكله لها لم يختلف في ذلك عن مالك فإن ذبحها وجاء بها مذبوحة أو جاء بجلدها وثمن لحمها أو بثمنها كلها مذبوحة ففيها لمالك قولان أحدهما أنه لا ضمان عليه إذا ادعى أنه خاف الموت عليها والآخر أنه ضامن وأجاز مالك إجارة الأجير بنفقته والذي أحبه من ذلك أن يسمي نفقته ومؤنته وإنما أجازه مالك والله أعلم لإنه كان ذلك عنده معلوما ولذلك قال يعطى وسطا من النفقة ولو أن الوسط عنده مجهول لم يجزه لإن اصله ألا يجيز في ثمن الاجارة إلا ما يجوز عنده في ثمن الأعيان المبيعة وملعوما لا يشكل ولا يجوز للرجل أن يستأجر نساجا ينسج له غزلا بنصف الثوب وجائز أن يستأجره على نسج نصف الغزل بالنصف الآخر ولا يجوز ان يؤجر الرجل دابته أو غلامه بنصف الكسب فإن فعل فلرب ذلك أجرة مثله وللعامل الكسب كله ولو قال رب الدابة للأجير اعمل لي على دابتي بنصف ما تكسبه عليها كان الكسب كله لرب الدابة وللعامل أجرة مثله وجائز حصاد زرع قد نظر إليه بنصفه وكذلك جذاذ التمر ولا يجوز حصاد يوم ولا جذاذه على نصف ما يحصد أو يجذ فيه ولا يجوز نفض الزيتون على نصف ما يسقط منه ولا بأس بنفضه ولقطه كله بنصف أو ثلث أو جزء منه ومن استأجر أجيرا فمرض أو أبق إن كان عبدا ورجع في بقية السنة فالإجارة فيما بقي من السنة ثابتة وتلغى عن المستأجر أيام المرض والبطالة
● [ باب جامع الإجارات ] ●
وما يباح منها مما قد جاء النهي عنها
وما يباح منها مما قد جاء النهي عنها
وكل عمل فيه منفعة وكان عمله مباحا فجائز الإجارة فيه ولا بأس بأجرة المؤدبين المعلمين لقراءة القرآن إذ كان معلوما في الشهر ما يأخذ أحدهم من الإجارة على ما عرف من اجتهاده وأجاز مالك الإجارة على الحذاق على الجزء من القرآن كما جاز الاستئجار على تعليمه مشاهرة ومساناة وقد نطق القرآن بإجارة الظئر وهي المرضع وإن لم يعلم مقدار ما يأخذ الطفل كل يوم وليلة وكل حين من لبنها وذلك لأنه أمر لا يقدر فيه على غير ذلك وبلوغ معرفة ذلك معجز ولم يقصد فيه غرر ولا قمار فصار كالمتعارف عند الناس ومن استأجر ظئرا لرضاع صبي أو حضانته مدة معلومة فهلك الصبي قبل تمامها انفسخت الإجارة ولزمه من الأجرة بقدر ما مضى من المدة واختلف في جواز إجارة الإمام ليؤم الناس في الفريضة والنافلة فكرهه مالك في النافلة وهو لذلك في الفريضة أشد كراهية وجماعة من أصحابه وأجازه بعض أصحابه وطائفة من أهل المدينة وهو المعمول به فإن وقعت الاجارة على القيام بأمر المسجد والأذان فيه والإقامة فليس على مذهب مالك وأهل الحجاز في ذلك كراهية واختلف قول مالك في جواز معاملة الطبيب على البرء فمرة أجاز ذلك ومرة قال لا يجوز إلا إلى مدة معلومة وكره مالك تعليم الفقه والنحو والشعر والعروض بأجرة قال وأما الغناء واللهو كله فحرام تعليمه بأجرة وبغير أجرة ولا يجوز لأحد أن يكري معصرته ولا دابته ولا سفينته ممن يعمل الخمر ويحملها وإن فعل أخذ منه ما قبض في اجرة ذلك وتصدق به وعوقب على فعله وإن كان لم يقبض ذلك من النصراني لم يحكم له بشيء وهكذا لو أكرى بيته أو حانوته أو لمعة من ارضه ممن يبيع فيها الخمر ولا بأس بالأجرة على المخاصمة في طلب الحق واقتضاء الدين ما لم يسع المستأجر في ابطال الحق أو تحقيق باطل فإن فعل لم يحل له فعله ولا ما أخذ من البدل عليه ولا بأس بأجرة السمسار والحجام والقسام وصاحب الحمام
● [ باب تضمين الأجراء والصناع ] ●
لا ضمان على صاحب الحمام ويحلف في مقطع الحق بالله الذي لا إله إلا هو إنه ما خان ولا دلس ولا فرط في الحرز ولا ضيع وقد قيل عليه الضمان والأول أشهر عن مالك وكلاهما معمول به على حسب ما يؤدي الاجتهاد إليه ولا ضمان على اجير ولا مستأجر إلا ما جنت أيديهما أو ضيعا أو تعديا كسائر الأمناء وذهب مالك وأكثر أصحابه إلى تضمين من حمل القوت من الطعام وما جرى مجرى القوت إذا انفرد بحمله دون صاحبه ومن ذلك الطحان في الأرحاء يضمن ما انفرد بنقله إليها إذا لم يكن معه رب الطعام بمثل ما يضمن به الصناع الذين قضى السلف بتضمينهم لحاجة الناس إلى استعمالهم وتسليم المتاع إليهم فإن قامت لهم بينة على هلاك ما حملوا من الطعام لم يضمنوا وأما غير الطعام فلا يضمن إلا بالتعدي والتضييع وإلا فلا ضمان عليهم ومن استؤجر ليحمل على ظهره فسقط منه وانكسر فلا ضمان عليه ولا أجرة له ومن سقط من يده شيء على ما استؤجر على حمله فكسره ضمنه وغرم قيمته وإذا أذن صاحب الفخار في أخذ شيء منه لمن يريد ابتياعه لينظر إليه فسقط من يده من غير تعد ولا تضييع لم يكن عليه شيء ولو سقط من يده على فخار أخرى فانكسرتا ضمن الفخارة التي كانت في الأرض لإنه لم يأذن له في اخذها ولم يضمن الأخرى والسمسار يجري مجرى الصناع وقد قيل أنه كالأجير والذي أذهب إليه في صاحة السوق الضمان فيما قبضوه من المتاع إلا أن يتبين صدقهم فيما يتلف عندهم من غير تضييع ولا خيانة منهم وقد اختلف في ذلك عن مالك وغيره وتحصيل مذهب مالك أنه لا ضمان على السماسرة والصاحة إلا فيما تعدوا وضيعوا وأما الصناع فضامنون لك ما ضاع عندهم فيما يغيبون عليه ولا يقبل قولهم في هلاك شيء مما قبضوه واستعملوا فيه إذا انفردوا به ولم يكن في منزل صاحبه ويضمنون ما أصابه من خرق أو فساد كما يضمنون الذهاب إلا أن تقوم لهم بينة على مصيبة تنزل بهم من غير اسبابهم ولا فعلهم ولا تضييعهم فلا يضمنون وقد قيل ان قيام البينة لا يسقط الضمان عنهم ولم يختلف قول مالك في الوكيل أنه إذا لم يشهد على ما باع وجحده المبتاع أنه بتركه الإشهاد على المبتاع مضيع وعليه الضمان والصائح عندي مثله والله أعلم والقول قول الصانع في قبض أجرة عمله وله أن يحبس الثوب بها حتى ينتصف منها وهو أحق به من الغرماء وعلى رب الثوب البينة فيما يدعيه من دفع أجرته إليه والقول قول رب الثوب إن ادعى الصانع صرفه إليه وعلى الصانع البينة في ذلك وإلا فيمين رب الثوب
● [ باب الجعل ] ●
لا يجوز أن يكون الجعل مجهولا ولا غررا ولا يجوز إلا معلوما مفهوما ومن أبق له عبد فقال لمن جاءني به نصفه لم يجز ذلك لإنه لا يجوز في تلك الحال بيع نصفه فإن جاء به كان له أجرة مثله ومن جعل جعلا في عبد ابق له لرجل بعينه إن جاء به فله الرجوع فيه لإن الجعل ليس بعقد لازم ما لم يشرع العامل في العمل فإن شرع ذلك الرجل في طلب ذلك العبد لم يكن لسيده الرجوع عما جعل له فيه والجعالة جائزة على العبد الآبق وعلى الجمل الشارد وعلى المتاع الضائع وما كان مثل ذلك ومن جعل في عبد آبق له جعلين مختلفين لرجلين فجاءا به جميعا فلمالك في ذلك قولان أحدهما أن عليه أكثر الجعلين يقتسمه الرجلان بينهما على قدر الجعلين والآخر أن لكل واحد منهما نصف جعله وجائز عند مالك الجعل على استخراج المياه في الآبار والعيون على صفة معلومة بجعل معلوم إذا عرف العامل بعد الماء من قربه وشدة الأرض من لينها
● [ باب كراء الأرض والمغارسة ] ●
لا يجوز كراء الأرض عند مالك وجمهور أصحابه مما تنبت تلك الأرض أو غيرها طعاما كان أو غيره مثل العصفر والزعفران والقطن والكتان ولا بشيء من الطعام والآدام وسواء كان ذلك مما تنبته أو لا تنبته ويجوز كراؤها عندهم بكل ما ينبته الله فيها من الجواهر وغيرها مما لا صنع فيه لآدمي نحو الذهب والفضة والرصاص والقصدير والحديد والنحاس والكحل والزرنيخ والحطب والشجر الذي ليس بمثمر والقصب والخشب والطيب كله والأدوية معجلا كان ذلك أو مؤجلا وقال ابن كنانة لا تكرى الأرض بشيء إذا أعيد فيها نبت وتكرى بما سوى ذلك كله وقال ابن نافع لا تكرى بشيء من الحنطة وأخواتها لإن ذلك محاقلة وتكرى بما سوى ذلك وتحصيل مذهب مالك المعمول به فيه ما قدمت لك عنه وعن جمهور أصحابه ولا يجوز كراء الأرض بجزء مما يزرع فيها فإن دفع رجل أرضه على ذلك فالزرع كله للذي زرعه وعليه كراء مثلها لربها ولا بأس بكراء الأرض المطري ولا بأس بالنقد فيها إذا كانت مأمونة قد روت ريا لا يجف وجائز كراء ارض مصر قبل ريها من النيل ويكره اشتراط النقد فيها فإن تطوع المستأجر بالنقد من غير شرط فلا بأس وإن كانت الأرض مأمونة لا يخلف ريها فلا بأس بالنقد فيها وإذا اكترى رجل ارضا ليزرعها فانهار بئرها قبل زرعها انفسخ كراؤها إلا أن يقيم البئر ربها ويتمكن المكتري من زرعها فإن فعل لزمه كراؤها وإن زرعها ثم انهارت بعد زراعتها فالمكتري بالخيار بين فسخ كرائها وبين أن ينفق عليها أجرة سنتها إن لم يكن نقد كراءها وإن كان نقده استرجعه لينفقه في البئر وإن جاءه من الماء ما يكفيه لزمه الكراء وإن لم يجئه من الماء ما يكفيه لم يلزمه شيء ولم يكن على رب الأرض غرم تلك النفقة وقال عبد الملك لو اكتراها سنين فزرعها ثم انهارت بئرها كان له أن ينفق عليها كراء السنين كلها إن احتاجت إلى ذلك وجائز كراء الأرض العام والعامين والأعوام ولا ينقد فيها إلا أن يؤمن قحطها وإذا انقضت مدة الكراء وفي الأرض زرع لم يستحصد ولم يتم ولم يقلع على رب الأرض كراء مثل الأرض من يوم انقضت مدة كرائه إلى أن يحصد زرعه كان مثل كرائه الذي انقضت مدته أو أكثر أو أقل ولا بأس بكراء أرض السقي على أن على ربها سقيها إذا كان ذلك معلوما ومن زرع في أرض غيره بشبهة ملك كان لربها كراؤها إذا استحقها ولم يقلع الزرع منها وإذا اكترى رجل ارضا وزرعها ونبت الزرع وقحطت عنها السماء وتلف الزرع فلا كراء لرب الأرض فيها وكذلك لو استحقت أو استخرجت بكثرة الماء ولم يوصل إلى زراعتها في وقت الزراعة بطل فيها الكراء وكذلك لو غلب الماء الكثير على الزرع حتى بطل سقط الكراء عن مكتريها وما عدا هذه الوجوه فالكراء لازم للزارع فيها إذا نبت زرعه واستقل وقد روي عن مالك أنه إن زرعها وأمكنه شربها ولم ينبت زرعها أنها لا تسقط أجرتها وروي عن مالك أنها إذا شرقت بالماء لم يسقط عنه أجرتها ولا يسقط كراء الأرض ما اصابها بعد نبات زرعها من جائحة دود أو ريح أو نار أو سيل يكسر الزرع أو برد يفسده أو غير ذلك من جوائح الزرع مثل الجليد والجراد وسائر جوائج الزروع غير ما ذكرنا وكره مالك ان يكري الرجل الأرض على أن لا يزرع فيها إلا قمحا وإلا شعيرا وإلا فولا وإلا شيئا معلوما يعينه وهو عند غيره خفيف بل من أهل العلم من يتسحب أن يسمي ما يزرع فيها ويكرهه ما لم يسم الشيء بجنسه وقد قال مالك من استأجر أرضا ليزرعها شيئا بعينه فزرعها غيره مما هو مثله فلا شيء عليه ولا يجوز أن يزرعها ما هو أضر بها منه فإن فعل فعليه الكراء الأول وما بين الكراءين
● مسألة في المغارسة
لا يجوز أن يدفع الرجل أرضا إلى رجل يغرسها شجرا فما أظهر الله فيها من شجر مثمر بينهما نصفين على أن رقبة الأرض لربها على ما كانت هذا مما لا يجوز وكذلك لا يجوز أن يتعاملا في ذلك على أن الشجر لرب الأرض مع الأرض وثمرة ذلك الشجر بينهما هذا أيضا لا يجوز وأما الذي يجوز من ذلك أن يعطيه أرضه على أن يغرسها شجرا معلوما من الأصول الثابتة كالنخل والأعناب وشجر التين والزيتون والرمان وما أشبه ذلك من الأصول فما أنبت الله فيها من الشجر وتم وأثمر فذلك بينهما بأصله وقاعته من الأرض على ما تشارطا عليه إذا وصف النبات لشجر حدا معلوما ولو قالا إذا أطعم الشجر كان حدا
● مسألة
ومن بذر بذرا في أرضه فأتى السيل فاحتمله وطرحه في ارض غيره فنبت فهو لصاحب الأرض التي نبت فيها ولا شيء عليه لصاحب البذر وقد قيل إن الزرع لصاحب البذر وعليه كراء مثل الأرض وهو عندي أصح وأقيس
● [ باب الشركة في الزرع ] ●
لا تجوز الشركة في الزرع إلا على التكافؤ في الأرض والبذر والعمل وإن لم يكن التساوي في الأجزاء إذا كانت قيمة العمل متكافئة لكراء الأرض واقتسموا على قدر البذر وجائز أن يكون حظ بعضهم إذا تحاصوا في الأرض والحرث والبذر واقتسموا الزرع على قدر حصة كل واحد منهم من البذر ولا يجوز أن تكون الأرض من عند أحدهما والبذر من عند الآخر فإن كانت الأرض بينهما بكراء أو شراء جاز أن يكون البذر من عند أحدهما والعمل من عند الآخر إذا تكافئا في قيمة ذلك ولو تشاركا على أن البذر من عند أحدهما والأرض من عند الآخر وزرعا على ذلك كان الزرع بينهما نصفين وكان على صاحب الأرض نصف مكيلة البذر وعلى صاحب البذر نصف كراء الأرض وإن اشترك رجلان في زرع فكانت الأرض من عند أحدهما والحرث من عند الآخر والبذر من عندهما جميعا بالسواء جاز ذلك إذا كان قيمة كراء الأرض مثل قيمة أجرة الحرث والعمل ويكره أن يشتركا إذا كان لإحدى القيمتين فضل على صاحبتها وإن سمح بذلك صاحب الفضل وقد روي عن مالك أيضا إجازة ذلك وإذا اشترك ثلاثة في زرع فكانت الأرض من عند أحدهم والبقر من عند الآخر والعمل على الثالث والبذر بينهم أثلاثا جازت الشركة إذا تكافأت القيم لأنهم قد سلموا من كراء الأرض بما يخرج منها ولو كان البذر على أحدهم والأرض للثاني والعمل على الثالث لم يجز لما يدخل من كراء الأرض بالطعام ولو أكروا الأرض من رجل واحد وأخرج أحدهم البذر والآخر البقر والثالث العمل وتكافأوا في قيم ذلك جازت الشركة في تحصيل مذهب مالك وإن كان أصحابه اختلفوا في ذلك وإذا اشترك رجلان في مزارعة وكانت لأحدهما فألغى كراءها وتكافئا فيما بعد ذلك من البقر والبذر والعمل جاز إذا كانت الأرض بموضع لا ثمن لكراء مثلها وإن كانت مرغوبا في كراء مثلها لم يجز إلا أن يكون عليه نصف الكراء ولو دفع رجل إلى آخر بذرا يبذره في أرضه على ان الزرع بينهما نصفين فالزرع كله لزارعه ولصاحب الأرض كراء المثل في أرضه ولو اشترط العامل على رب الأرض أن يسلفه حصته من البذر لم يجز ذلك وكانت شركة فاسدة إلا إذا دفع إليه ذلك معجلا فإن لم يفعل حتى حصد كان الزرع بينهما عند ابن القاسم وخالفه غيره فرأى الزرع كله لصاحب البذر والأرض وللعامل اجرة عمله ولو اسلفه ذلك تطوعا من غير شرط جاز وقد روي عن مالك أنه كره ذلك على كل حال والتبن في المزارعة بين الشركاء على قدر حصصهم من الزرع
● ● ● [ كتاب المساقاة ] ● ● ●
باب ما تجوز فيه المساقاة
باب ما تجوز فيه المساقاة
معنى المساقاة أن يدفع الرجل كرمه أو حائط نخله أو شجر تينه أو زيتونه أو سائر مثمر شجره لمن يكفيه القيام بما يحتاج إليه من السقي والعمل على أن ما أطعم الله من ثمرتها فبينهما نصفين أو على جزء معلوم من الثمرة ولا تجوز المساقاة إلا في أصول الثمار الثابتة التي يتكرر ثمرتها حولا بعد حول كالنخيل والأعناب والزيتون والرمان والخوخ والتفاح وما أشبه ذلك من الأصول وأما المقاثي والزرع والبقول فلا تجوز المساقاة فيها وقال مالك لا تجوز مساقاة الزرع صغيرا قبل استقلاله فإذا استقل وعجز أربابه عن سقيه جازت المساقاة فيه وكذلك المقاثي والباذنجان وسائر البقول إذا استقلت وظهرت وعجز أربابها عن سقيها جازت المساقاة فيها وقد روي عنه وعن طائفة من أصحابه أن المساقاة في البقول لا تجوز بحال
● [ باب ما يلزم العامل في المساقاة ] ●
وعلى المساقي العامل في المساقاة تلقيح النخل والآبار والسقي والحفظ والجذاذ وعليه في الكرم الزبر والحفر والتنقية والسد والحفظ والقطاف وكذلك عليه في كل ثمرة ما تحتاج إليه من العمل المعهود حسب جري العادة في البلد في مثل ذلك ويجب أن يكون مفهوما معلوما في الحرث والحفر وسائر العمل الذي تقوم به الثمرة وعليه من السقي فيما يشترط عليه مما بالثمرة الحاجة إليه وليس عليه عمل ما لا تنتفع به الثمرة ولا ما لا تنتفع به في أكثر مدته في المساقاة كالبئر يحفرها والعين يرفعها بينهما أو شيء تبقى منفعته لرب الحائط بعد انقضاء المساقاة ولا يجوز أن يشترط شيء من ذلك عليه وعلى العامل حفر العين وتنقيتها وإصلاح الساقية وسد الحظار وما قطع من الجريد والليف والزرجون فهو بينهما على قدر ما لكل واحد منهما من أجزاء الثمرة وعقد المساقاة لازم للمتعاقدين وليس لأحدهما فسخه إلا برضى صاحبه
● [ باب ما يجوز من الشروط في المساقاة ] ●
وما لا يجوز من ذلك
وما لا يجوز من ذلك