من طرف كراكيب الثلاثاء 9 فبراير 2021 - 11:54
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الفقه الإسلامي
القواعد النورانية الفقهية
لأحمد بن تيمية
● [ المقدمة وبداية فصول الصلاة ] ●
● [ المقدمة ] ●
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي وهو حسبي ونعم الوكيل
قال الشيخ الإمام العالم العامل القدوة رباني الأمة ومحيي السنة العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني قدس الله روحه ونور ضريحه
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد خاتم المرسلين وإمام المهتدين وعلى آله أجمعين
● [ فصل ] ●
أما العبادات فأعظمها الصلاة والناس آما أن يبتدئوا مسائلها بالطهور لقوله صلى الله عليه وسلم ( مفتاح الصلاة الطهور ) كما رتبه أكثرهم وأما بالمواقيت التي تجب بها الصلاة كما فعله مالك وغيره
فأما الطهارة والنجاسة فنوعان من الحلال والحرام في اللباس ونحوه تابعان للحلال والحرام في الأطعمة والأشربة
ومذهب أهل الحديث في هذا الأصل العظيم الجامع وسط بين مذهب العراقيين والحجازيين فإن أهل المدينة مالكا وغيره يحرمون من الأشربة كل مسكر كما صحت بذلك النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة وليسوا في الأطعمة كذلك بل الغالب عليهم فيها عدم التحريم
فيبيحون الطيور مطلقا وان كانت من ذات المخالب ويكرهون كل ذي ناب من السباع وفي تحريمها عن مالك روايتان وكذلك في الحشرات عنه هل هي محرمة أو مكروهة روايتان وكذلك البغال والحمير وروي عنه أنها مكروهة أشد من كراهة السباع وروى عنه أنها محرمة بالسنة دون تحريم الحمير والخيل أيضا يكرهها لكن دون كراهة السباع
وأهل الكوفة في باب الأشربة مخالفون لأهل المدينة ولسائر الناس ليست الخمر عندهم إلا من العنب ولا يحرمون القليل من المسكر إلا أن يكون خمرا من العنب أو أن يكون من نبيذ التمر أو الزبيب النيء أو يكون من مطبوخ عصير العنب إذا لم يذهب ثلثاه وهم في الأطعمة في غاية التحريم حتى حرموا الخيل والضباب وقيل إن أبا حنيفة يكره الضب والضباع ونحوها
فأخذ أهل الحديث في الأشربة بقول أهل المدينة وسائر أهل الأمصار موافقة للسنة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في التحريم وزادوا عليهم في متابعة السنة وصنف الإمام أحمد كتابا كبيرا في الأشربة ما علمت أحدا صنف أكبر منه وكتابا أصغر منه وهو أول من أظهر في العراق هذه السنة حتى إنه دخل بعضهم بغداد فقال هل فيها من يحرم النبيذ فقالوا لا إلا أحمد بن حنبل دون غيره من الأئمة وأخذ فيها بعامة السنة حتى إنه حرم العصير والنبيذ بعد ثلاث وان لم يظهر فيه شدة متابعة للسنة المأثورة في ذلك لان الثلاث مظنة ظهور الشدة غالبا والحكمة هنا مما تخفى فأقيمت المظنة مقام الحكمة حتى إنه كره الخليطين إما كراهة تنزيه أو تحريم على اختلاف الروايتين عنه وحتى اختلف قوله في الانتباذ في الأوعية هل هو مباح أو محرم أو مكروه لان أحاديث النهي كثيرة جدا وأحاديث النسخ قليلة فاختلف اجتهاده هل تنسخ تلك الأخبار المستفيضة بمثل هذه الأخبار التي لا تخرج عن كونها أخبار آحاد ولم يخرج البخاري منها شيئا
وأخذوا في الأطعمة بقول أهل الكوفة لصحة السنن عن النبي صلى الله عليه و سلم بتحريم كل ذي ناب من السباع و كل ذي مخلب من الطير و تحريم لحوم الحمر لأن النبي صلى الله عليه و سلم أنكر على من تمسك في هذا الباب بعدم وجود نص التحريم في القرآن حيث قال ( لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول بيننا و بينكم هذا القرآن فما وجدنا فيه من حلال استحللناه و ما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا و إني أوتيت الكتاب و مثله معه وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم كما حرم الله تعالى ) و هذا المعنى محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه
و علموا أن ما حرمه رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما هو زيادة تحريم ليس نسخا للقرآن لأن إنما دل على أن الله لم يحرم إلا الميتة و الدم و لحم الخنزير
وعدم التحريم ليس تحليلا و إنما هو بقاء للأمر على ما كان و هذا قد ذكره الله في سورة الأنعام التي هي مكية باتفاق العلماء ليس كما ظنه أصحاب مالك و الشافعي أنها من آخر القرآن نزولا و إنما سورة المائدة هي المتأخرة و قد قال الله فيها { أحل لكم الطيبات } فعلم أن عدم التحريم المذكور في سورة الأنعام ليس تحليلا و إنما هو عفو فتحريم رسول الله رافع للعفو ليس نسخا للقرآن
لكن لم يوافق أهل الحديث الكوفيين على جميع ما حرموه بل أحلوا الخيل لصحة السنن عن النبي صلى الله عليه و سلم بتحليلها يوم خيبر و بأنهم ذبحوا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فرسا و أكلوا لحمه و أحلوا الضب لصحة السنن عن النبي صلى الله عليه و سلم بأنه قال ( لا أحرمه ) و بأنه أكل على مائدته وهو ينظر ولم ينكر على من أكله و غير ذلك مما جاءت فيه الرخصة
فنقصوا عما حرمه أهل الكوفة من الأطعمة كما زادوا على أهل المدينة في الأشربة لأن النصوص الدالة على تحريم الأشربة المسكرة أكثر من النصوص الدالة على تحريم الأطعمة
و لأهل المدينة سلف من الصحابة و التابعين في استحلال ما أحلوه أكثر من سلف أهل الكوفة في استحلال المسكر و المفاسد الناشئة من المسكر أعظم من مفاسد خبائث الأطعمة و لهذا سميت الخمر أم الخبائث كما سماها عثمان بن عفان رضي الله عنه و غيره و أمر النبي صلى الله عليه وسلم بجلد شاربها فإنه لم يحد فيها أحد من أهل العلم إلا ما بلغنا عن الحسن البصري بل قد أمر صلى الله عليه و سلم بقتل شارب الخمر في الثالثة أو الرابعة و إن كان الجمهور على أنه منسوخ و نهى النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه عن تخليل الخمر و أمر بشق ظروفها و كسر دنانها و إن كان قد اختلفت الرواية عن أحمد هل هذا باق أو منسوخ
ولما كان الله سبحانه و تعالى إنما حرم الخبائث لما فيها من الفساد إما في العقول أو الأخلاق أو غيرها ظهر على الذين استحلوا بعض المحرمات من الأطعمة أو الأشربة ممن النقص بقدر ما فيها من المفسدة و لولا التأويل لاستحقوا العقوبة
ثم إن الإمام أحمد و غيره من علماء الحديث زادوا في متابعة السنة على غيرهم بأن أمروا بما أمر الله به ورسوله مما يزيل ضرر بعض المباحات مثل لحوم الإبل فإنها حلال بالكتاب و السنة و الإجماع و لكن فيها من القوة الشيطانية ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( إنها جن خلقت من جن ) و قد قال صلى الله عليه و سلم فيما رواه أبو داود ( الغضب من الشيطان و إن الشيطان من النار وإنما تطفئ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ) فأمر بالتوضؤ من الأمر العارض من الشيطان فأكل لحمها يورث قوة شيطانية تزول لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الوضوء من لحمها كما صح ذلك عنه من غير وجه من حديث جابر بن سمرة و البراء بن عازب و أسيد بن الحضير و ذي الغرة و غيرهم فقال مرة توضئوا من لحوم الإبل و لا توضئوا من لحوم الغنم و صلوا في مرابض الغنم و لا تصلوا في معاطن الإبل فمن توضأ من لحومها اندفع عنه ما يصيب المدمنين لأكلها من غير وضوء كالأعراب من الحقد و قسوة القلب التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله المخرج عنه في الصحيحين إن الغلظة و قسوة القلوب في الفدادين أصحاب الإبل و إن السكينة في أهل الغنم
و اختلف عن أحمد هل يتوضأ من سائر اللحوم المحرمة على روايتين بناء على أن الحكم مختص بها أو أن المحرم أولى بالتوضؤ منه من المباح الذي فيه نوع مضرة
و سائر المصنفين من أصحاب الشافعي و غيره وافقوا أحمد على هذا الأصل و علموا أن من اعتقد أن هذا منسوخ بترك الوضوء مما مست النار فقد أبعد لأنه فرق في الحديث بين اللحمين ليتبين أن العلة هي الفارقة بينهما لا الجامع
و كذلك قالوا بما اقتضاه الحديث من أنه يتوضأ منه نيئا و مطبوخا و لأن هذا الحديث كان بعد النسخ و لهذا قال في لحم الغنم و إن شئت فلا تتوضأ و لأن النسخ لم يثبت إلا بالترك من لحم غنم فلا عموم له و هذا معنى قول جابر كان آخر الأمرين منه ترك الوضوء مما مست النار فإنه رآه يتوضأ ثم رآه أكل لحم غنم و لم يتوضأ و لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغة عامة في ذلك و لو نقلها لكان فيه نسخ للخاص بالعام الذي لم يثبت شموله لذلك الخاص عينا و هو أصل لا يقول به أكثر المالكية و الشافعية و الحنبلية
هذا مع أن أحاديث الوضوء مما مست النار لم يثبت أنها منسوخة بل قد قيل إنها متأخرة و لكن أحد الوجهين في مذهب أحمد أن الوضوء منها مستحب ليس بواجب و الوجه الآخر لا يستحب
فلما جاءت السنة بتجنب الخبائث الجسمانية و التطهر منها كذلك جاءت بتجنب الخبائث الروحانية و التطهر منها حتى قال صلى الله عليه وسلم ( إذا قام أحدكم من الليل فليستنشق بمنخريه من الماء فإن الشيطان يبيت على خيشومه ) ) و قال ( إذا قام أحدكم من نوم الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) فعلل الأمر بالغسل بمبيت الشيطان على خيشومه فعلم أن ذلك سبب للطهارة من غير النجاسة الظاهرة فلا يستبعد أن يكون هو السبب لغسل يد القائم من نوم الليل
و كذلك نهي عن الصلاة في أعطان الإبل و قال إنها جن خلقت من جن كما ثبت عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة و الحمام ) وقد روي عنه ( أن الحمام بيت الشيطان ) وثبت عنه أنه لما ارتحل عن المكان الذي ناموا فيه عن صلاة الفجر قال ( إنه مكان حضرنا فيه الشيطان )
فعلل صلى الله عليه وسلم الأماكن بالأرواح الخبيثة كما يعلل بالأجسام الخبيثة و بهذا يقول أحمد و غيره من فقهاء الحديث و مذهبه الظاهر عنه أن ما كان مأوى للشياطين كالمعاطن و الحمامات حرمت الصلاة فيه و ما عرض الشيطان فيه كالمكان الذي ناموا فيه عن الصلاة كرهت فيه الصلاة
و الفقهاء الذين لم ينهوا عن ذلك إما لأنهم لم يسمعوا هذه النصوص سماعا تثبت به عندهم أو سمعوها و لم يعرفوا العلة فاستبعدوا ذلك عن القياس فتأولوه
و أما من نقل عن الخلفاء الراشدين أو جمهور الصحابة خلاف هذه المسائل و أنهم لم يكونوا يتوضئون من لحوم الإبل فقد غلط عليهم و إنما توهم ذلك لما نقل عنهم أنهم لم يكونوا يتوضئون مما مست النار و إنما المراد أن أكل ما مس النار ليس هو سببا عندهم لوجوب الوضوء و الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الوضوء من لحوم الإبل ليس سببه مس النار كما يقال كان فلان لا يتوضأ من مس الذكر و إن كان يتوضأ منه إذا خرج منه مذي
و من تمام هذا أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم و غيره من حديث أبي ذر وأبي هريرة رضي الله عنهما وجاء من حديث غيرهما أنه يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة والحمار وفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكلب الأسود والأحمر والأبيض بأن الأسود شيطان وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الشيطان تفلت على البارحة ليقطع صلاتي فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية ن سواري المسجد ) الحديث فأخبر أن الشيطان أراد أن يقطع عليه صلاته فهذا أيضا يقتضي أن مرور الشيطان يقطع الصلاة فلذلك اخذ أحمد بذلك في الكلب الأسود واختلف قوله في المرأة والحمار لأنه عارض هذا الحديث حديث عائشة لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى وهي في قبلته وحديث ابن عباس رضى الله عنهما لما اجتاز على أتانه بين يدي بعض الصف والنبي صلى الله عليه وسلم يصلى بأصحابه بمنى مع أن المتوجه أن الجميع يقطع وأنه يفرق بين المار واللابث كما فرق بينهما في الرجل في كراهة مروره دون لبثه في القبلة إذا استدبره المصلى ولم يكن متحدثا وأن مروره ينقص ثواب الصلاة دون اللبث
واختلف المتقدمون من أصحاب أحمد في الشيطان الجنى إذا علم بمروره هل يقطع الصلاة والأوجه أنه يقطعها بتعليل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبظاهر قوله يقطع صلاتي لأن الأحكام التي جاءت بها السنة في الأرواح الخبيثة من الجن وشياطين الدواب في الطهارة والصلاة في أمكنتهم وممرهم ونحو ذلك قوية في الدليل نصا وقياسا ولذلك اخذ بها فقهاء الحديث ولكن مدرك علمها آثرا هو لأهل الحديث ومدركه قياسا هو في باطن الشريعة وظاهرها دون التفقه في ظاهرها فقط
ولو لم يكن في الأئمة من استعمل هذه السنن الصحيحة النافعة لكان وصمة على الأمة ترك مثل ذلك والأخذ بما ليس بمثله لا أثرا ولا رأيا
ولقد كان أحمد رحمه الله يعجب ممن يدع حديث الوضوء من لحوم الإبل مع صحته التي لا شك فيها وعدم المعارض له ويتوضأ من مس الذكر مع تعارض الأحاديث فيه وأن أسانيدها ليست كأحاديث الوضوء من لحوم الإبل ولذلك أعرض عنها الشيخان البخاري ومسلم وإن كان أحمد على المشهور عنه يرجح أحاديث الوضوء من مس الذكر لكن غرضه أن الوضوء من لحوم الإبل أقوى في الحجة من الوضوء من مس الذكر
وقد ذكرت ما يبين أنه أظهر في القياس منه فإن تأثير المخالطة أعظم من تأثير الملامسة ولهذا كان كل نجس محرم الأكل وليس كل محرم الأكل نجسا
وكان أحمد يعجب أيضا ممن لا يتوضأ من لحوم الإبل ويتوضأ من الضحك في الصلاة مع أنه أبعد عن القياس والأثر والأثر فيه مرسل قد ضعفه أكثر الناس وقد صح عن الصحابة ما يخالفه
والذين خالفوا أحاديث القطع للصلاة لم يعارضوها إلا بتضعيف بعضهم وهو تضعيف من لم يعرف الحديث كما ذكر أصحابه أو بأن عارضوها بروايات ضعيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا يقطع الصلاة شيء ) أو بما روى في ذلك عن الصحابة وقد كان الصحابة مختلفين في هذه المسألة أو برأي ضعيف لو صح لم يقاوم هذه الحجة خصوصا مذهب أحمد
فهذا أصل في الخبائث الجسمانية والروحانية
وأصل آخر وهو أن الكوفيين قد عرف تخفيفهم في العفو عن النجاسة فيعفون من المغلظة عن قدر الدرهم البغلى ومن المخففة عن ربع المحل المتنجس
والشافعي بإزائهم في ذلك فلا يعفو عن النجاسات إلا عن أثر الاستنجاء وونيم الذباب ونحوه ولا يعفو عن دم ولا عن غيره إلا عن دم البراغيث ونحوه مع أنه ينجس أرواث البهائم وأبوالها وغير ذلك فقوله في النجاسات نوعا وقدرا أشد أقوال الأئمة الأربعة
ومالك متوسط في نوع النجاسة وفي قدرها فإنه لا يقول بنجاسة الأرواث والأبوال مما يؤكل لحمه ويعفو عن يسير الدم وغيره
وأحمد كذلك فإنه متوسط في النجاسات فلا ينجس الأرواث والأبوال ويعفو عن اليسير من النجاسة التي يشق الإحتراز عنا حتى إنه في إحدى الروايتين عنه يعفو عن يسير روث البغل والحمار وبول الخفاش وغير ذلك مما يشق الإحتراز عنه بل يعفو في إحدى الروايتين عن اليسير من الروث والبول من كل حيوان طاهر كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى في شرح المذهب وهو مع ذلك يوجب اجتناب النجاسة في الصلاة في الجملة من غير خلاف عنه لم يختلف قوله في ذلك كما اختلف أصحاب مالك ولو صلى بها جاهلا أو ناسيا لم يجب عليه الإعادة في أصح الروايتين كقول مالك كما دل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما خلع نعليه في أثناء الصلاة لأجل الأذى الذي فيهما ولم يستقبل الصلاة ولما صلى الفجر فوجد في ثوبه نجاسة أمر بغسلها ولم يعد الصلاة، والرواية الأخرى تجب الإعادة كقول أبي حنيفة والشافعي
و أصل آخر في إزالتها فمذهب أبي حنيفة تزال بكل مزيل من المائعات و الجامدات و الشافعي لا يرى إزالتها إلا بالماء حتى ما يصيب أسفل الخف و الحذاء و الذيل لا يجزئ فيه إلا الغسل بالماء و حتى نجاسة الأرض
و مذهب أحمد فيه متوسط فكل ما جاءت به السنة قال به يحوز في الصحيح عنه مسحها بالتراب و نحوه من النعل و نحوه كما جاءت به السنة كما يجوز مسحها من السبيلين فإن السبيلين بالنسبة إلى سائر الأعضاء كأسفل الخف بالنسبة إلى سائر الثياب في تكرر النجاسة على كل منها
و اختلف أصحابه في أسفل الذيل هل هو كأسفل الخف كما جاءت به السنة و استوائها للأثر في ذلك و القياس إزالتها عن الأرض بالشمس و الريح يجب التوسط فيه
فإن التشديد في النجاسات جنسا و قدرا هو دين اليهود و التساهل هو دين النصارى و دين الإسلام هو الوسط فكل قول يكون فيه شيء من هذا الباب يكون أقرب إلى دين الإسلام
و أصل آخر وهو اختلاط الحلال بالحرام كاختلاط المائع الطاهر بالنجس فقول الكوفيين فيه من الشدة مالا خفاء به
و سر قولهم إلحاق الماء بسائر المائعات و أن النجاسة إذا وقعت في مائع لم يمكن استعماله إلا باستعمال الخبث فيحرم الجميع مع أن تنجيس المائع غير الماء الآثار فيه قليلة
و بإزائهم مالك و غيره من أهل المدينة فإنهم في المشهور لا ينجسون الماء إلا بالتغير و لا يمنعون من المستعمل ولا غيره مبالغة في طهورية الماء مع فرقهم بينه و بين غيره من المائعات
و لأحمد قول كمذهبهم لكن المشهور عنه التوسط بالفرق بين قليله و كثيره كقول الشافعي
و اختلف قوله في المائعات غير الماء هل يلحق بالماء أولا يلحق به كقول مالك و الشافعي أو يفرق بين الماء و غير الماء كخل العنب على ثلاث روايات
و في هذه الأفوال من التوسط أثرا و نظرا ما لا خفاء به مع أن قول أحمد الموافق لقول مالك راجح في الدليل
و أصل آخر وهو أن للناس في أجزاء الميتة التي لا رطوبة فيها كالشعر و الظفر و الريش مذاهب هل هو طاهر أو نجس ثلاثة أقوال
أحدها نجاستها مطلقا كقول الشافعي و رواية عن أحمد بناء على أنها جزء من الميتة
و الثاني طهارتها مطلقا كقول أبي حنيفة و قول في مذهب أحمد بناء على أن الموجب للنجاسة هن الرطوبات و هي إنما تكون فيما يجري فيه الدم و لهذا حكم بطهارة مالا نفس له سائلة فما لا رطوبة فيه من الأجزاء بمنزلة مالا نفس له سائلة
و الثالث نجاسة ما كان فيه حس كالعظم إلحاقا له باللحم اليابس و عدم نجاسة ما لم يكن فيه إلا النماء كالشعر إلحاقا له بالنبات
و أصل آخر وهو طهارة الأحداث التي هي الوضوء و الغسل فإن مذهب فقهاء الحديث استعملوا فيها من السنن ما لا يوجد لغيرهم و يكفي المسح على الخفين وغيرها من اللباس و الحوائل فقد صنف الإمام أحمد كتاب المسح على الخفين و ذكر فيه من النصوص عن النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه في المسح على الخفين و الجوربين و على العمامة بل على خمر النساء كما كانت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم و غيرها تفعله و على القلانس كما كان أبو موسى و أنس يفعلانه ما إذا تأمله العالم علم فضل علم أهل الحديث على غيرهم مع أن القياس يقتضي ذلك اقتضاءا ظاهرا و إنما توقف عنه من توقف من الفقهاء لأنهم قالوا بما بلغهم من الأثر و جبنوا عن القياس ورعا
و لم يختلف قول أحمد فيما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم كأحاديث المسح على العمائم و الجوربين و التوقيت في المسح و إنما اختلف قوله فيما جاء عن الصحابة كخمر النساء و كالقلانس الدنيات
و معلوم أن في هذا الباب من الرخصة التي تشبه أصول الشريعة و توافق الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم
و اعلم أن كل من تأول في هذه الأخبار تأويلا مثل كون المسح على العمامة مع بعض الرأس هو المجزئ و نحو ذلك لم يقف على مجموع الأخبار و إلا فمن وقف على مجموعها أفادته علما يقينا بخلاف ذلك
و أصل آخر في التيمم فإن أصح حديث فيه حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه المصرح بأنه يجزئ ضربة واحدة للوجه والكفين وليس في الباب حديث يعارضه من جنسه وقد أخذ به فقهاء الحديث أحمد وغيره وهذا أصح من قول من قال يجب ضربتان والى المرفقين كقول أبي حنيفة والشافعي في الجديد أو ضربتان إلى الكوعين
وأصل آخر في الحيض والاستحاضة فإن مسائل الاستحاضة من أشكل أبواب الطهارة وفي الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنن سنة في المعتادة أنها ترجع إلى عادتها وسنة في المميزة أنها تعمل بالتمييز وسنة في المتحيرة التي ليست لها عادة ولا تتميز بأنها تتحيض غالب عادات النساء ستا أو سبعا وأن تجمع بين الصلاتين إن شاءت
فأما السنتان الأولتان ففي الصحيح وأما الثالثة فحديث حمنة بنت جحش رواه أهل السنن وصححه الترمذي وكذلك قد روى أبو داود وغيره في سهلة بنت سهيل بعض معناه
وقد استعمل أحمد هذه السنن الثلاث في المعتاد المميزة والمتحيرة فإن اجتمعت العادة والتمييز قدم العادة في أصح الروايتين كما جاء في أكثر الأحاديث
فأما أبو حنيفة فيعتبر العادة إن كانت ولا يعتبر التمييز ولا الغالب بل إن لم تكن عادة إن كانت مبتدأة حيضها حيضة الأكثر وإلا حيضة الأقل
ومالك يعتبر التمييز ولا يعتبر العادة ولا الأغلب فإن لم يعتبر العادة ولا الأغلب فلا يحيضها بل تصلى أبدا إلا في الشهر الأول فهل تحيض أكثر الحيض أو عادتها وتستظهر ثلاثة أيام على روايتين
والشافعي يستعمل التمييز والعادة دون الأغلب فإن اجتمع قدم التمييز وإن عدم صلت أبدا واستعمل من الاحتياط في الإيجاب والتحريم والإباحة ما فيه مشقة عظيمة علما وعملا
فالسنن الثلاث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحالات الفقهية استعملها فقهاء الحديث ووافقهم في كل منها طائفة من الفقهاء
● [ فصل ] ●
وأما إذا ابتدؤا الصلاة بالمواقيت ففقهاء الحديث قد استعلموا في هذا الباب جميع النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات الجواز وأوقات الاختيار
فوقت الفجر ما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس ووقت الظهر من الزوال إلى مصير ظل كل شيء مثله سوى في الزوال ووقت العصر إلى اصفرار الشمس على ظاهر مذهب أحمد ووقت المغرب إلى مغيب الشفق ووقت العشاء إلى منتصف الليل على ظاهر مذهب أحمد وهذا بعينه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو وروي أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث من قوله في المواقيت الخمس أصح منه وكذلك صح معناه من غير وجه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة من حديث أبي موسى وبريدة رضى الله عنهما وجاء مفرقا في عدة أحاديث وغالب الفقهاء إنما استعملوا غالب ذلك
فأهل العراق المشهور عنهم أن العصر لا يدخل وقتها حتى يصير ظل كل شئ مثليه وأهل الحجاز مالك وغيره ليس للمغرب عندهم إلا وقت واحد
● [ فصل ] ●
وكذلك نقول بما جاءت به السنة والآثار من الجمع بين الصلاتين في السفر والمطر والمرض كما في حديث المستحاضة وغير ذلك من الأعذار
ونقول بما دل عليه الكتاب والسنة والآثار من أن الوقت وقتان وقت اختيار وهو خمس مواقيت ووقت اضطرار وهو ثلاث مواقيت ولهذا أمرت الصحابة
كعبد الرحمن بن عوف وابن عباس وغيرهما الحائض إذا طهرت قبل الغروب أن تصلي الظهر والعصر وإذا طهرت قبل الفجر أن تصلي المغرب والعشاء وأحمد موافق في هذه المسائل لمالك رحمه الله وزائد عليه بما جاءت به الآثار والشافعي رحمه الله هو دون مالك في ذلك وأبو حنيفة أصله في الجمع معروف وكذلك أوقات الاستحباب فإن أهل الحديث يستحبون الصلاة في أول الوقت في الجملة إلا حيث يكون في التأخير مصلحة راجحة كما جاءت به السنة فيستحبون تأخير الظهر في الحر مطلقا سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين ويستحبون تأخير العشاء ما لم يشق
وبكل ذلك جاءت السنن الصحيحة التي لا دافع لها وكل من الفقهاء يوافقهم في البعض أو الأغلب
فأبو حنيفة يستحب التأخير إلا في المغرب والشافعي يستحب التقديم مطلقا حتى في العشاء على أحد القولين وحتى في الحر إذا كانوا مجتمعين وحديث أبي ذر الصحيح فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالإبراد وكانوا مجتمعين
● [ فصل ] ●
وأما الأذان الذي هو شعار الإسلام فقد استعمل فقهاء الحديث كأحمد
فيه جميع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحسن أذان بلال وإقامته وأذان أبي محذورة وإقامته وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أبا محذورة الأذان مرجعا وفي صحيح مسلم الإقامة مشفوعة وثبت في الصحيحين أن بلالا أمر أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وفي السنن أنه لم يكن يرجع
فرجح أحمد أذان بلال لأنه الذي كان يفعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم دائما قبل أذان أبي محذورة وبعده إلى أن مات واستحسن أذان أبي محذورة ولم يكرهه وهذا أصل مستمر له في جميع صفات العبادات أقوالها وأفعالها يستحسن كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير كراهة لشئ منه مع علمه بذلك واختياره للبعض أو تسويته بين الجميع كما جوز القراءة بكل قراءة ثابتة وإن كان قد اختار بعض القراءة مثل أنواع الأذان والإقامة وأنواع التشهدات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كتشهد ابن مسعود وأبي موسى وابن عباس وغيرهم وأحبها إليه تشهد ابن مسعود لأسباب متعددة
منها كونه أصحها وأشهرها
ومنها كونه محفوظ الألفاظ لم يختلف في حرف منه
ومنها كون غالبها يوافق ألفاظه فيقتضي أنه هو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر به غالبا
وكذلك أنواع الاستفتاح والإستعاذة المأثورة وإن اختار بعضها
وكذلك مواضع رفع اليدين في الصلاة ومحل وضعهما بعد الرفع وصفات التحميد المشروع بعد التسميع
ومنها صفات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإن اختار بعضها
ومنها أنواع صلاة الخوف يجوز كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من غير كراهة
ومنها أنواع تكبيرات العيدين يجوز كل مأثور وإن استحب بعضه
ومنها التكبير على الجنائز يجوز على المشهور التربيع والتخميس والتسبيع وإن اختار التربيع
وأما بقية الفقهاء فيختارون بعض ذلك ويكرهون بعضه فمنهم من يكره الترجيع في الأذان كأبي حنيفة ومنهم من يكره تركه كالشافعي ومنهم من يكره شفع الإقامة كالشافعي ومنهم من يكره إفرادها حتى صار الأمر بأتباعهم إلى نوع جاهلية فصاروا يقتتلون في بعض بلاد المشرق على ذلك حمية جاهلية مع أن الجميع حسن قد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا بإفراد الإقامة وأمر أبا محذورة بشفعها وإنما الضلالة حق الضلالة أن ينهي أحد عما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم
● [ فصل ] ●
فأما صفة الصلاة فمن شعائرها مسألة البسملة
فإن الناس اضطربوا فيها نفيا وإثباتا في كونها آية من القرآن وفي قراءتها وصنفت من الطرفين مصنفات يظهر في بعض كلامها نوع من جهل وظلم مع أن الخطب فيها يسير وأما التعصب لهذه المسائل ونحوها فمن عائر الفرقة والاختلاف الذي نهينا عنه إذ الداعي لذلك هو ترجيح الشعائر المفرقة بين الأمة وإلا فهذه المسائل من أخف مسائل الخلاف جدا لولا ما يدعو إليه الشيطان من إظهار شعار الفرقة
فأما كونها آية من القرآن فقالت طائفة كمالك ليست من القرآن إلا في سورة النمل والتزموا أن الصحابة أودعت المصحف ما ليس من كلام الله على سبيل التبرك
وحكى طائفة من أصحاب أحمد هذا رواية عنه وربما اعتقد بعضهم أنه مذهبه
وقالت طائفة منهم الشافعي ما كتبوها في المصحف بقلم المصحف مع تجريدهم للمصحف عما ليس من القرآن إلا وهي من السورة مع أدلة أخرى
وتوسط أكثر فقهاء الحديث كأحمد ومحققي أصحاب أبي حنيفة فقالوا كتابتها في المصحف تقتضي أنها من القرآن للعلم بأنهم لم يكتبوا فيه ما ليس بقرآن لكن لا يقتضي ذلك أنها من السورة بل تكون أية مفردة أنزلت في أول كل سورة كما كتبها الصحابة سطرا مفصولا كما قال ابن عباس كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم
فعند هؤلاء هي آية من كتاب الله في أول كل سورة كتبت في أولها وليست من السورة وهذا هو المنصوص عن أحمد في غير موضع ولم يوجد عنه نقل صريح بخلاف ذلك وهو قول عبد الله بن المبارك وغيره وهو أوسط الأقوال وأعدلها
وكذلك الأمر في تلاوتها في الصلاة طائفة لا تقرؤها لا سرا ولا جهرا كمالك والأوزاعي وطائفة تقرؤها جهرا كأصحاب ابن جريج والشافعي والطائفة الثالثة المتوسطة جماهير فقهاء الحديث مع فقهاء أهل الرأي يقرءونها سرا كما نقل عن جماهير الصحابة مع أن أحمد يستعمل ما روى عن الصحابة في هذا الباب فيستحب الجهر بها لمصلحة راجحة حتى إنه نص على أن من صلى بالمدينة يجهر بها قال بعض أصحابه لأنهم كانوا ينكرون على من يجهر بها ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف هذه القلوب بترك هذه المستحبات لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت لما رأى في إبقائه من تأليف القلوب وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متما وقال الخلاف شر
وهذا وإن كان وجها حسنا فمقصود أحمد أن أهل المدينة كانوا لا يقرءونها فيجهر بها ليبين أن قراءتها سنة كما جهر ابن عباس بقراءة أم الكتاب على الجنازة وقال لتعلموا أنها سنة وكما جهر عمر بالاستفتاح غير مرة وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالآية أحيانا في صلاة الظهر والعصر ولهذا نقل عن أكثر من روى عنه الجهر بها من الصحابة المخافتة فكأنهم جهروا لإظهار أنهم يقرءونها كما جهر بعضهم بالإستعاذة أيضا
والإعتدال في كل شئ استعمال الآثار على وجهها فإن كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها دائما وأكثر الصحابة لم ينقلوا ذلك ولم يفعلوه ممتنع قطعا وقد ثبت عن غير واحد منهم نفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعارض ذلك خبر ثابت إلا وهو محتمل وكون الجهر بها لا يشرع بحال مع أنه قد ثبت عن غير واحد من الصحابة نسبة للصحابة إلى فعل المكروه وإقراره مع أن الجهر في صلاة المخافتة يشرع لعارض كما تقدم وكراهة قراءتهم مع ما في قراءتها من الآثار الثابتة عن الصحابة المرفوع بعضها الى النبي صلى الله عليه وسلم وكون الصحابة كتبوها في المصحف وأنها كانت تنزل مع السورة فيه ما فيه مع أنها إذا قرئت في أول كتاب سليمان فقراءتها في أول كتاب الله في غاية المناسبة
فمتابعة الآثار فيها الإعتدال والائتلاف والتوسط الذي هو أفضل الأمور
ثم مقدار الصلاة يختار فيه فقهاء الحديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يفعلها غالبا وهي الصلاة المعتدلة المتقاربة التي يخفف فيها القيام والقعود ويطيل فيها الركوع والسجود ويسوي بين الركوع والسجود وبين الإعتدال منهما كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مع كون قراءته في الفجر بما بين الستين إلى المائة آية وفي الظهر بنحو الثلاثين آية وفي العصر والعشاء على النصف من ذلك مع أنه قد كان يخفف عن هذه الصلاة لعارض كما قال صلى الله عليه وسلم ( إني لأدخل في الصلاة وإني أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي
فأخفف لما أعلم من وجد أمه به ) كما أنه قد يطيلها عن ذلك لعارض كما قرأ صلى الله عليه وسلم في المغرب بطولى الطوليين وهى الأعراف
ويستحب إطالة الركعة الأولى من كل صلاة على الثانية ويستحب أن يمد في الأوليين ويحذف في الأخريين كما رواه سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم وعامة فقهاء الحديث على هذا
ومن الفقهاء من لا يستحب أن يطيل الاعتدال من الركوع والسجود ومنهم من يراه ركنا خفيفا بناء على أنه يشرع تابعا لأجل الفصل لا أنه مقصود
ومنهم من يسوى بين الركعتين الأوليين
ومنهم من يستحب ألا يزيد الإمام في تسبيح الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات إلى أقوال أخر قالوها
القواعد النورانية الفقهية
تأليف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس
منتدى ميراث الرسول - البوابة