منتدى دنيا الكراكيب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 4 ]

    avatar
    كراكيب
    Admin


    عدد المساهمات : 2419
    تاريخ التسجيل : 01/01/2014

    أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 4 ] Empty أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 4 ]

    مُساهمة من طرف كراكيب الجمعة 26 نوفمبر 2021 - 0:49

    أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 4 ] Eslam_10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الثقافة الإسلامية
    أسباب رفع العقوبة عن العبد
    أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 4 ] 1410

    ● متابعة الهامش
    وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ } فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ عَمَلًا ثُمَّ لَمْ يَتْرُكْهُ إلَّا لِمَرَضِ أَوْ سَفَرٍ ثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ لِوُجُودِ الْعَجْزِ وَالْمَشَقَّةِ لَا لِضَعْفِ النِّيَّةِ وَفُتُورِهَا فَكَانَ لَهُ مِنْ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ الَّتِي لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهَا الْفِعْلُ إلَّا لِضَعْفِ الْقُدْرَةِ مَا لِلْعَامِلِ وَالْمُسَافِرِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا مَعَ مَشَقَّةٍ كَذَلِكَ بَعْضُ الْمَرَضِ إلَّا أَنَّ الْقُدْرَةَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْفِعْلُ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ رَاجِحَةٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } وَقَوْلِهِ : { فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } وَنَحْوُ ذَلِكَ لَيْسَ الْمُعْتَبَرُ فِي الشَّرْعِ الْقُدْرَةَ الَّتِي يُمْكِنُ وُجُودُ الْفِعْلِ بِهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمُكْنَةُ خَالِيَةً عَنْ مَضَرَّةٍ رَاجِحَةٍ بَلْ أَوْ مُكَافِئَةٍ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرِ فَقَدْ غَزَا } وَقَوْلُهُ : { مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ } فَإِنَّ الْغَزْوَ يَحْتَاجُ إلَى جِهَادٍ بِالنَّفْسِ وَجِهَادٍ بِالْمَالِ فَإِذَا بَذَلَ هَذَا بَدَنَهُ وَهَذَا مَالَهُ مَعَ وُجُودِ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُجَاهِدًا بِإِرَادَتِهِ الْجَازِمَةِ وَمَبْلَغِ قُدْرَتِهِ وَكَذَلِكَ لَا بُدَّ لِلْغَازِي مِنْ خَلِيفَةٍ فِي الْأَهْلِ فَإِذَا خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرِ فَهُوَ أَيْضًا غَازٍ وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إمْسَاكٍ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْعَشَاءِ الَّذِي بِهِ يَتِمُّ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَالصَّائِمُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْعَشَاءَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الصَّوْمِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ مِنْ أُجُورِ بَعْضٍ شَيْئًا } وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى : { الْخَازِنُ الْأَمِينُ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفِّرًا طَيِّبَةٌ بِهِ نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ } أَخْرَجَاهُ . وَذَلِكَ أَنَّ إعْطَاءَ الْخَازِنِ الْأَمِينِ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ مُوَفِّرًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ الْمُوَافِقَةِ لِإِرَادَةِ الْآمِرِ وَقَدْ فَعَلَ مَقْدُورَهُ وَهُوَ الِامْتِثَالُ فَكَانَ أَحَدَ الْمُتَصَدِّقِينَ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي كَبْشَةَ الأنماري الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد وَابْنُ ماجه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةٍ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَمَالًا فَهُوَ يَعْمَلُ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَقَالَ رَجُلٌ : لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ فُلَانٍ لَعَمِلْت بِعَمَلِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ } وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُطَوَّلًا وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَهَذَا التَّسَاوِي مَعَ " الْأَجْرِ وَالْوِزْرِ " هُوَ فِي حِكَايَةِ حَالِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَكَانَ صَادِقًا فِيهِ وَعَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ إرَادَةً جَازِمَةً لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا الْفِعْلُ إلَّا لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ ؛ فَلِهَذَا اسْتَوَيَا فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ . وَلَيْسَ هَذِهِ الْحَالُ تَحْصُلُ لِكُلِّ مَنْ قَالَ : " لَوْ أَنَّ لِي مَا لِفُلَانِ لَفَعَلْت مِثْلَ مَا يَفْعَلُ " إلَّا إذَا كَانَتْ إرَادَتُهُ جَازِمَةً يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ مَعَهَا إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ حَاصِلَةً وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُ ذَلِكَ عَنْ عَزْمٍ لَوْ اقْتَرَنَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ لَانْفَسَخَتْ عَزِيمَتُهُ كَعَامَّةِ الْخَلْقِ يُعَاهِدُونَ وَيَنْقُضُونَ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ عَزَمَ عَلَى شَيْءٍ عَزْمًا جَازِمًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ [ وَعَدِمَ ] الصوارف عَنْ الْفِعْلِ تَبْقَى تِلْكَ الْإِرَادَةُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ الْمُقَارِنَةِ للصوارف كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ } وَكَمَا قَالَ : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ } { فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } وَحَدِيثُ أَبِي كَبْشَةَ فِي النِّيَّاتِ مِثْلُ حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ فِي الْكَلِمَاتِ . وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ رَجُلًا مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْشُرُ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدَى الْبَصَرِ وَيُقَالُ لَهُ هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ هَلْ ظَلَمْتُك ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ . فَيُقَالُ لَهُ : لَا ظُلْمَ عَلَيْك الْيَوْمَ فَيُؤْتَى بِبِطَاقَةِ فِيهَا التَّوْحِيدُ ؛ فَتُوضَعُ فِي كِفَّةٍ وَالسِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ } فَهَذَا لِمَا اقْتَرَنَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ وَالصَّفَاءِ وَحُسْنِ النِّيَّةِ ؛ إذْ الْكَلِمَاتُ وَالْعِبَادَاتُ وَإِنْ اشْتَرَكَتْ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهَا تَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ أَحْوَالِ الْقُلُوبِ تَفَاوُتًا عَظِيمًا . وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي فِي حَدِيثِ : الْمَرْأَةِ الْبَغِيِّ الَّتِي سَقَتْ كَلْبًا فَغَفَرَ اللَّهُ لَهَا ؛ فَهَذَا لِمَا حَصَلَ فِي قَلْبِهَا مِنْ حُسْنِ النِّيَّةِ وَالرَّحْمَةِ إذْ ذَاكَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ . يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سُخْطَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }
    وفي مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 244)
    وَقَالَ : فَصْلٌ الصِّدْقُ أَسَاسُ الْحَسَنَاتِ وَجِمَاعُهَا وَالْكَذِبُ أَسَاسُ السَّيِّئَاتِ وَنِظَامُهَا وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ حَيٌّ نَاطِقٌ فَالْوَصْفُ الْمُقَوِّمُ لَهُ الْفَاصِلُ لَهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الدَّوَابِّ هُوَ الْمَنْطِقُ وَالْمَنْطِقُ قِسْمَانِ : خَبَرٌ وَإِنْشَاءٌ وَالْخَبَرُ صِحَّتُهُ بِالصِّدْقِ وَفَسَادُهُ بِالْكَذِبِ فَالْكَاذِبُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْبَهِيمَةِ الْعَجْمَاءِ وَالْكَلَامُ الْخَبَرِيُّ هُوَ الْمُمَيِّزُ لِلْإِنْسَانِ وَهُوَ أَصْلُ الْكَلَامِ الْإِنْشَائِيِّ فَإِنَّهُ مَظْهَرُ الْعِلْمِ وَالْإِنْشَاءُ مَظْهَرُ الْعَمَلِ وَالْعِلْمُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعَمَلِ وَمُوجِبٌ لَهُ فَالْكَاذِبُ لَمْ يَكْفِهِ أَنَّهُ سُلِبَ حَقِيقَةَ الْإِنْسَانِ حَتَّى قَلَبَهَا إلَى ضِدِّهَا وَلِهَذَا قِيلَ : لَا مُرُوءَةَ لِكَذُوبِ وَلَا رَاحَةَ لِحَسُودِ وَلَا إخَاءَ لِمَلُوكِ وَلَا سُؤْدُدَ لِبَخِيلِ فَإِنَّ الْمُرُوءَةَ مَصْدَرُ الْمَرْءِ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانِيَّةَ مَصْدَرُ الْإِنْسَانِ . الثَّانِي : أَنَّ الصِّفَةَ الْمُمَيِّزَةَ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالْمُتَنَبِّئِ هُوَ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ الصَّادِقُ الْأَمِينُ وَمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } . الثَّالِثُ : أَنَّ الصِّفَةَ الْفَارِقَةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ هُوَ الصِّدْقُ فَإِنَّ أَسَاسَ النِّفَاقِ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ وَعَلَى كُلِّ خُلُقٍ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ لَيْسَ الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ } . الرَّابِعُ : أَنَّ الصِّدْقَ هُوَ أَصْلُ الْبِرِّ وَالْكَذِبَ أَصْلُ الْفُجُورِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا } . الْخَامِسُ : أَنَّ الصَّادِقَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَالْكَاذِبَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ } { تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } { يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } . السَّادِسُ : أَنَّ الْفَارِقَ بَيْنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَبَيْنَ الْمُتَشَبَّهِ بِهِمْ مِنْ الْمُرَائِينَ وَالْمُسْمِعِينَ وَالْمُبْلِسِينَ هُوَ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ . السَّابِعُ : أَنَّهُ مَقْرُونٌ بِالْإِخْلَاصِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الدِّينِ فِي الْكِتَابِ وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } { حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } وَلِهَذَا { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الْإِشْرَاكَ بِاَللَّهِ مَرَّتَيْنِ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ : أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ : أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ . } الثَّامِنُ : أَنَّهُ رُكْنُ الشَّهَادَةِ الْخَاصَّةِ عِنْدَ الْحُكَّامِ الَّتِي هِيَ قِوَامُ الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةُ الْعَامَّةُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ وَالشَّهَادَةُ خَاصَّةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي مُيِّزَتْ بِهَا فِي قَوْلِهِ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } وَرُكْنُ الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ شَهَادَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَرُكْنُ الْأَحَادِيثِ وَالْأَخْبَارِ الَّتِي بِهَا يَقُومُ الْإِسْلَامُ ؛ بَلْ هِيَ رُكْنُ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ الَّتِي هِيَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ وَرُكْنُ الْفُتْيَا الَّتِي هِيَ إخْبَارُ الْمُفْتِي بِحُكْمِ اللَّهِ . وَرُكْنُ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ أَخْبَارَ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَامِلَيْنِ لِلْآخَرِ بِمَا فِي سِلْعَتِهِ وَرُكْنُ الرُّؤْيَا الَّتِي قِيلَ فِيهَا : أَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ كَلَامًا وَاَلَّتِي يُؤْتَمَنُ فِيهَا الرَّجُلُ عَلَى مَا رَأَى . التَّاسِعُ : أَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ هُوَ الْمُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ : أَسَاسُ النِّفَاقِ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ } وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : { عَلَى كُلِّ خُلُقٍ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ لَيْسَ الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ } وَوَصَفَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ فِي الْقُرْآنِ بِالْكَذِبِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ . الْعَاشِرُ : أَنَّ الْمَشَايِخَ الْعَارِفِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَسَاسَ الطَّرِيقِ إلَى اللَّهِ هُوَ الصِّدْقُ وَالْإِخْلَاصُ كَمَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ : { وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } { حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } وقَوْله تَعَالَى { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } وَقَالَ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالْكَاهِنِ وَالسَّاحِرِ : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ } { عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ } إلَى قَوْلِهِ : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ } { تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } { يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا }.

    O متابعة المتن
    ، وَكَمَا غَفَرَ لِلْبَغِيِّ بِسَقْيِ الْكَلْبِ(1) لِمَا حَصَلَ فِي قَلْبِهَا إذْ ذَاكَ مِنْ الْإِيمَانِ ،وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ .
    " السَّبَبُ الثَّالِثُ " : الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ :

    __________
    (1) - صحيح البخارى برقم(3321 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « غُفِرَ لاِمْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِىٍّ يَلْهَثُ ، قَالَ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا ، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا ، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ الْمَاءِ ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ » .
    وفي صحيح البخارى برقم(2466 ) وصحيح مسلم برقم(5997 ) واللفظ له عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِى يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا ». = أدلع : أخرج -الموق : الخف
    وفي شرح ابن بطال - (ج 12 / ص 20)
    سقى الماء من أعظم القربات إلى الله - تعالى و قد قال بعض التابعين: من كثرت ذنوبه فعليه بسقى الماء، وإذا غفرت ذنوب الذى سقى الكلب فما ظنكم بمن سقى رجلا مؤمنًا موحداُ أو أحياه بذلك.
    وقد استدل بهذا الحديث من أجاز صدقة التطوع على المشركين، لعموم قوله عليه السلام: « فى كل كبد رطبة أجر » وفيه أن المجازاة على الخير والشر قد تكون يوم القيامة من جنس الأعمال، كما قال عليه السلام: « من قتل نفسه بحديدة عذب بها فى نار جهنم » . وقال صاحب الأفعال: لهث الكلب، ولهث بفتح الهاء وكسرها: أدلع لسانه عطشًا، ولهث الإنسان أيضًا اشتد عطشه.
    وفي صحيح مسلم برقم(5996 )عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِى كَانَ بَلَغَ مِنِّى. فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِىَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِى هَذِهِ الْبَهَائِمِ لأَجْرًا فَقَالَ « فِى كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ ».
    شرح ابن بطال - (ج 17 / ص 266)
    قال المؤلف: فى هذه الأحاديث الحض على استعمال الرحمة للخلق كلهم كافرهم ومؤمنهم ولجميع البهائم والرفق بها. وأن ذلك مما يغفر الله به الذنوب ويكفر به الخطايا، فينبغى لكل مؤمن عاقل أن يرغب فى الأخذ بحظه من الرحمة، ويستعملها فى أبناء جنسه وفى كل حيوان، فلم يخلقه الله عبثًا، وكل أحد مسئول عما استرعيه وملكه من إنسان أو يهيمة لاتقدر على النطق وتبيين مابها من الضر، وكذلك ينبغى أن يرحم كل بهيمة وإن كانت فى غير ملكه، ألا ترى أن الذى سقى الكلب الذى وجده بالفلاة لم يكن له ملكًا فغفر الله له بتكلفة النزول فيالبئر وإخراجه الماء فى خفه وسقيه إياه، وكذلك كل مافى معنى السقى من الإطعام، الا ترى قوله عليه السلام: « ما من مسلم غرس غرسًا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة » .
    مما يدخل فى معنى سقى البهائم وإطعامها التخفيف عنها فى أحمالها وتكليفها ماتطيق حمله، فذلك من رحمتها والإحسان اليها، ومن ذلك ترك التعدى فى ضربها وأذاها وتسخيرها فى الليل وفى غير أوقات السخرة، وقد نهينا فى العبيد أن نكلفهم الخدمة فى الليل فإن لهم الليل ولواليهم النهار، والواب وجميع البهائم داخلون فى هذا المعنى.
    وفى قوله عليه السلام: « مامن مسلم غرس غرسًا فأكل منه إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة » دليل على أن ماذهب من مال المسلم بغير علمه أنه يؤجر عليه.
    وفي شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 417)
    مَعْنَاهُ فِي الْإِحْسَان إِلَى كُلّ حَيَوَان حَيّ بِسَقْيِهِ وَنَحْوه أَجْر ، وَسُمِّيَ الْحَيّ ذَا كَبِد رَطْبَة ، لِأَنَّ الْمَيِّت يَجِفّ جِسْمه وَكَبِده . فَفِي الْحَدِيث الْحَثّ عَلَى الْإِحْسَان إِلَى الْحَيَوَان الْمُحْتَرَم ، وَهُوَ مَا لَا يُؤْمَر بِقَتْلِهِ . فَأَمَّا الْمَأْمُور بِقَتْلِهِ فَيَمْتَثِل أَمْر الشَّرْع فِي قَتْله ، وَالْمَأْمُور بِقَتْلِهِ كَالْكَافِرِ الْحَرْبِيّ وَالْمُرْتَدّ وَالْكَلْب الْعَقُور وَالْفَوَاسِق الْخَمْس الْمَذْكُورَات فِي الْحَدِيث وَمَا فِي مَعْنَاهُنَّ . وَأَمَّا الْمُحْتَرَم فَيَحْصُل الثَّوَاب بِسَقْيِهِ وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ أَيْضًا بِإِطْعَامِهِ وَغَيْره سَوَاء كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ مُبَاحًا ، وَسَوَاء كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ . وَاللَّهُ أَعلَم.

    O متابعة المتن
    كَمَا قَالَ تَعَالَى : {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } (1)(114) سورة هود .
    وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ » (2)

    __________
    (1) - وفي صحيح البخارى برقم(526 ) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً ، فَأَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) . فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِى هَذَا قَالَ « لِجَمِيعِ أُمَّتِى كُلِّهِمْ » .
    وفي صحيح مسلم برقم(7180 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى عَالَجْتُ امْرَأَةً فِى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّى أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِىَّ مَا شِئْتَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ - قَالَ - فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ فَأَتْبَعَهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً دَعَاهُ وَتَلاَ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ (أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ يَا نَبِىَّ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً قَالَ « بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً ».= عالج : داعب
    وفي سنن الترمذى برقم(3401 ) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلاً لَقِىَ امْرَأَةً وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَعْرِفَةٌ فَلَيْسَ يَأْتِى الرَّجُلُ شَيْئًا إِلَى امْرَأَتِهِ إِلاَّ قَدْ أَتَى هُوَ إِلَيْهَا إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا. قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّىَ. قَالَ مُعَاذٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهِىَ لَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً قَالَ « بَلْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً » وهو صحيح لغيره.
    وفي مسند أحمد برقم(2244) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ فَقَالَ امْرَأَةٌ جَاءَتْ تُبَايِعُهُ فَأَدْخَلْتُهَا الدَّوْلَجَ فَأَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ الْجِمَاعِ. فَقَالَ وَيْحَكَ لَعَلَّهَا مُغِيبٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ أَجَلْ. قَالَ فَائْتِ أَبَا بَكْرٍ فَاسْأَلْهُ. قَالَ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَعَلَّهَا مُغِيبٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ ثُمَّ أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ « فَلَعَلَّهَا مُغِيبٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ». وَنَزَلَ الْقُرْآنُ ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِىَ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً فَضَرَبَ عُمَرُ صَدْرَهُ بِيَدِهِ فَقَالَ لاَ وَلاَ نُعْمَةَ عَيْنٍ بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « صَدَقَ عُمَرُ » وهو حديث حسن. =الدولج : المخدع
    وفي مسند أحمد برقم(24428) عَنْ أَبِى عُثْمَانَ قَالَ كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ الْفَارِسِىِّ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَأَخَذَ مِنْهَا غُصْناً يَابِساً فَهَزَّهُ حَتَّى تَحَاتَّ وَرَقُهُ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا عُثْمَانَ أَلاَ تَسْأَلُنِى لِمَ أَفْعَلُ هَذَا قُلْتُ وَلِمَ تَفْعَلُهُ فَقَالَ هَكَذَا فَعَلَ بِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا مَعَهُ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَأَخَذَ مِنْهَا غُصْناً يَابِساً فَهَزَّهُ حَتَّى تَحَاتَّ وَرَقُهُ فَقَالَ « يَا سَلْمَانُ أَلاَ تَسْأَلُنِى لِمَ أَفْعَلُ هَذَا ». قُلْتُ وَلِمَ تَفْعَلُهُ قَالَ « إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُ كَمَا يَتَحَاتُّ هَذَا الْوَرَقُ - وَقَالَ - (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) » وهو حسن.
    (2) - صحيح مسلم برقم( 573 و574)
    مَعْنَاهُ أَنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا تُغْفَرُ إِلَّا الْكَبَائِرَ فَإِنَّهَا لَا تُغْفَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الذُّنُوبَ تُغْفَرُ مَا لَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً فَإِنْ كَانَتْ لَا يُغْفَرُ شَيْءٌ مِنْ الصَّغَائِرِ ، فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا فَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَأْبَاهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ غَفْرِ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتَ كَبِيرَةٌ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ الْكَبَائِرَ إِنَّمَا يُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلُهُ ، وَقَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاةِ إِنَّ الْكَبِيرَةَ لَا يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَكَذَا الْحَجُّ وَإِنَّمَا يُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ الصَّحِيحَةُ لَا غَيْرُهَا ، نَقَلَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا حَكَى فِي تَمْهِيدِهِ عَنْ بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا غَيْرُ التَّوْبَةِ ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا جَهْلٌ وَمُوَافَقَةٌ لِلْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ ، وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ اِنْتَهَى ، قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ طَاهِرٍ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ ص 221 ح 2 مَا لَفْظُهُ فِي تَعْلِيقِي : لِلتِّرْمِذِيِّ لَا بُدَّ فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الْقِصَاصِ وَلَوْ صَغِيرَةً وَفِي الْكَبَائِرِ مِنْ التَّوْبَةِ ، ثُمَّ وَرَدَ وَعْدُ الْمَغْفِرَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَرَمَضَانَ فَإِذَا تَكَرَّرَ يُغْفَرُ بِأَوَّلِهَا الصَّغَائِرُ وَبِالْبَوَاقِي يُخَفَّفُ عَنْ الْكَبَائِرِ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً يُرْفَعُ بِهَا الدَّرَجَاتُ اِنْتَهَى .تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 247)
    شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 2 / ص
    قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر يعني أن الصلوات الخمس تكفر الخطايا من بين صلاة الفجر إلى الظهر ومن الظهر إلى العصر ومن العصر إلى المغرب ومن المغرب إلى العشاء ومن العشاء إلى الفجر فإذا عمل الإنسان سيئة وأتقن هذه الصلوات الخمس فإنها تمحو الخطايا لكن قال إذا اجتنبت الكبائر يعني إذا اجتنبت كبائر الذنوب .
    وكبائر الذنوب هي: كل ذنب رتب عليه الشارع عقوبة خاصة فكل ذنب لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله فهو من كبائر الذنوب كل شيء فيه حد في الدنيا كالزنا أو وعيد في الآخرة كأكل الربا أو فيه نفي إيمان مثل لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه أو فيه براءة منه مثل من غشنا فليس منا أو ما أشبه ذلك فهو من كبائر الذنوب .
    واختلف العلماء - رحمهم الله - في قوله صلى الله عليه وسلم إذا اجتنبت الكبائر هل معنى الحديث أن الصغائر تكفر إذا اجتنبت الكبائر، أنها لا تكفر إلا بشرطين وهما الصلوات الخمس واجتناب الكبائر أو أن معنى الحديث أنها كفارة لما بينهن إلا الكبائر فلا تكفرها وعلى هذا فيكون لتكفير السيئات الصغائر شرط واحد هو إقامة هذه الصلوات الخمس أو الجمعة إلى الجمعة أو رمضان إلى رمضان وهذا هو المتبادر والله أعلم أن المعنى أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها إلا الكبائر فلا تكفرها وكذلك الجمعة إلى الجمعة وكذلك رمضان إلى رمضان وذلك لأن الكبائر لا بد لها من توبة خاصة فإذا لم يتب توبة خاصة فإن الأعمال الصالحة لا تكفرها بل لابد من توبة خاصة.

    O متابعة المتن
    وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » (1).
    وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » (2).

    __________
    (1) -صحيح البخارى برقم(38 ) وصحيح مسلم برقم(1817 )
    حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 3 / ص 414)
    هَذَا وَأَمْثَاله بَيَان لِفَضْلِ هَذِهِ الْعِبَادَات بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَلَى الْإِنْسَان ذُنُوب يُغْفَر لَهُ بِهَذِهِ الْعِبَادَات أَيْ إِنْ كَانَتْ فَلَا يَرِد أَنَّ الْأَسْبَاب الْمُؤَدِّيَة إِلَى عُمُوم الْمَغْفِرَة كَثِيرَة فَعِنْد اِجْتِمَاعهَا أَيّ شَيْء يَبْقَى لِلْمُتَأَخِّرِ مِنْهَا حَتَّى يُغْفَر بِهِ إِذْ الْمَقْصُود بَيَان فَضِيلَة هَذِهِ الْعِبَادَات بِأَنَّ لَهَا عِنْد اللَّه هَذَا الْقَدْر مِنْ الْفَضْل فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِنْسَان ذَنْب يَظْهَر هَذَا الْفَضْل فِي رَفَعَ الدَّرَجَات كَمَا فِي حَقّ الْأَنْبِيَاء الْمَعْصُومِينَ مِنْ الذُّنُوب
    وفي شرح ابن بطال - (ج 7 / ص 176)
    قال ابن المنذر: معنى قوله: « إيمانًا » يعنى: تصديقًا أن الله فرض عليه الصوم، واحتسابًا لثواب الله عليه، وقد تقدم هذا المعنى.
    وقوله: « غفر له ما تقدم من ذنبه » قول عام يُرجى لمن فعل ما ذكره فى الحديث أن يغفر له جميع الذنوب: صغيرها وكبيرها؛ لأنه لم يستثن ذنبًا دون ذنب،
    (2) - صحيح البخارى برقم(1901 )
    وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 139)
    قَوْلُهُ : ( وَمَنْ صَامَ رَمَضَان إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )
    زَاد أَحْمَد مِنْ طَرِيقِ حَمَّاد بْن سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ " وَمَا تَأَخَّرَ " وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَد أَيْضًا عَنْ يَزِيد بْن هَارُون عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ، وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِدُونِهَا أَيْضًا ، وَوَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ سُفْيَان عَنْهُ ، وَتَابَعَهُ حَامِد بْن يَحْيَى عَنْ سُفْيَان ، أَخْرَجَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي " التَّمْهِيدِ " وَاسْتَنْكَرَهُ ، وَلَيْسَ بِمُنْكَر ، فَقَدْ تَابَعَهُ قُتَيْبَة كَمَا تَرَى ، وَهِشَام بْن عَمَّار وَهُوَ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي عَشَر مِنْ فَوَائِدِهِ ، وَالْحُسَيْن بْن الْحَسَن الْمَرْوَزِيّ أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ الصِّيَام لَهُ ، وَيُوسُف بْن يَعْقُوب النَّجَاحِي أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْر الْمُقْرِي فِي فَوَائِدِهِ كُلّهمْ عَنْ سُفْيَان ، وَالْمَشْهُور عَنْ الزُّهْرِيِّ بِدُونِهَا . وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَد مِنْ وَجْهَيْنِ وَإِسْنَاده حَسَن . وَقَدْ اِسْتَوْعَبْت الْكَلَامَ عَلَى طُرُقِهِ فِي كِتَابِ " الْخِصَال الْمُكَفِّرَةِ ، لِلذُّنُوبِ الْمُقَدَّمَةِ وَالْمُؤَخَّرَةِ " وَهَذَا مُحَصَّلُهُ . وَقَوْلُهُ " مِنْ ذَنْبِهِ " اِسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيع الذُّنُوبِ ، إِلَّا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَاب الْوُضُوء وَفِيَّ أَوَائِل كِتَاب الْمَوَاقِيت . قَالَ الْكَرْمَانِيّ : وَكَلِمَة " مِنْ " إِمَّا مُتَعَلِّقَة بِقَوْلِهِ " غُفِرَ " أَيْ غُفِرَ مِنْ ذَنْبِهِ مَا تَقَدَّمَ فَهُوَ مَنْصُوبُ الْمَحَلِّ ، أَوْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَفْعُولٌ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فَيَكُونُ مَرْفُوع الْمَحَلّ .
    وفي شرح ابن بطال - (ج 7 / ص 22)
    قوله: « إيمانًا » ، يريد تصديقًا بفرضه وبالثواب من الله تعالى، على صيامه وقيامه، وقوله: « احتسابًا » ، يريد بذلك يحتسب الثواب على الله، وينوى بصيامه وجه الله، وهذا الحديث دليل بين أن الأعمال الصالحة لا تزكو ولا تتقبل إلا مع الاحتساب وصدق النيات، كما قال عليه السلام: « الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى » ، وهذا يرد قول زفر، فإنه زعم أنه يجزئ صوم رمضان بغير نية، وقوله مردود بهذه الآثار، وإذا صح أنه لا عمل إلا بنية، صح أنه لا يجزئ صوم رمضان إلا بنية من الليل، كما ذهب إليه الجمهور.
    وخالف ذلك أبو حنيفة، والأوزاعى، وإسحاق، وقالوا: يجزئه التبييت قبل الزوال، ولا سلف لهم فى ذلك، والنية إنما ينبغى أن تكون متقدمة قبل العمل، وحقيقة التبييت فى اللغة يقتضى زمن الليل، وروى هذا عن ابن عمر، وحفصة، وعائشة، ولا مخالف لهم، وقد تقدم ما للعلماء فى قوله عليه السلام: « الأعمال بالنيات » ، فى آخر كتاب الإيمان، فى باب: ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة.

    O متابعة المتنوَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ » (1).
    وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ وَالنَّهْىُ » (2)

    __________
    (1) - صحيح البخارى برقم(1819 )
    وفي شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 101)2580 -
    حَاشِيَةُ السِّنْدِيِّ :
    قَوْله ( فَلَمْ يَرْفُث ) بِضَمِّ الْفَاء
    ( وَلَمْ يَفْسُق )بِضَمِّ السِّين الرَّفَث الْقَوْل الْفُحْش وَقِيلَ الْجِمَاع وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ الرَّفَث اِسْم لِكُلِّ مَا يُرِيدهُ الرَّجُل مِنْ الْمَرْأَة وَالْفِسْق اِرْتِكَاب شَيْء مِنْ الْمَعْصِيَة وَالظَّاهِر أَنَّ الْمُرَاد نَفْي الْمَعْصِيَة بِالْقَوْلِ وَالْجَوَارِح جَمِيعًا وَهُوَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَ فَلَا رَفَث وَلَا فَسُوق وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم
    ( رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه ) أَيْ صَارَ أَوْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبه أَوْ فَرَغَ مِنْ الْحَجّ وَحَمْلُهُ عَلَى مَعْنَى رَجَعَ إِلَى بَيْته بَعِيد وَقَوْله كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه خَبَر عَلَى الْأَوَّل أَوْ حَال عَلَى الْوُجُوه الْآخَر بِتَأْوِيلِ كَنَفْسِهِ يَوْم وَلَدَتْهُ أُمّه إِذْ لَا مَعْنَى لِتَشْبِيهِ الشَّخْص بِالْيَوْمِ وَقَوْله كَيَوْمِ يُحْتَمَل الْإِعْرَاب وَالْبِنَاء عَلَى الْفَتْح وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم .
    حَاشِيَةُ السِّيُوطِيِّ :
    ( مَنْ حَجّ هَذَا الْبَيْت فَلَمْ يَرْفُث )بِضَمِّ الْفَاء قَالَ عِيَاض : هَذَا مِنْ قَوْله تَعَالَى : فَلَا رَفَث وَلَا فُسُوق ، وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ الْمُرَاد فِي الْآيَة الْجِمَاع قَالَ الْحَافِظ اِبْن حَجَر : وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِهِ فِي الْحَدِيث مَا هُوَ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ نَحَا الْقُرْطُبِيّ قَالَ الْأَزْهَرِيّ : الرَّفَث اِسْم جَامِع لِكُلِّ مَا يُرِيدهُ الرَّجُل مِنْ الْمَرْأَة وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَخُصّهُ بِمَا خُوطِبَ بِهِ النِّسَاء وَقَالَ غَيْره الرَّفَث الْجِمَاع وَيُطْلَق عَلَى التَّعْرِيض بِهِ وَعَلَى الْفُحْش فِي الْقَوْل
    ( وَلَمْ يَفْسُق ) أَيْ لَمْ يَأْتِ سَيِّئَة وَلَا مَعْصِيَة
    ( رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه ) قَالَ الْحَافِظ اِبْن حَجَر : أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب وَظَاهِره غُفْرَان الصَّغَائِر وَالْكَبَائِر وَالتَّبِعَات وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الشَّوَاهِد لِحَدِيثِ الْعَبَّاس بْن مِرْدَاس الْمُصَرِّح بِذَلِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ : الْفَاء فِي قَوْله فَلَمْ يَرْفُث عَاطِفَة عَلَى الشَّرْط وَجَوَابه رَجَعَ أَيْ صَارَ وَالْجَارّ وَالْمَجْرُور خَبَر لَهُ وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا أَيْ صَارَ مُشَابِهًا لِنَفْسِهِ فِي الْبَرَاءَة عَنْ الذُّنُوب فِي يَوْم وَلَدَتْهُ أُمّه
    (2) - صحيح البخارى برقم(525 )
    وفي تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 44)
    قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَا مَعَهَا مُكَفِّرَةً لِلْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا لَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَثَلًا مُكَفِّرَةٌ لِلْفِتْنَةِ فِي الْأَهْلِ وَالصَّوْمَ فِي الْوَلَدِ إِلَخْ . وَالْمُرَادُ بِالْفِتْنَةِ مَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مَعَ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْبَشَرِ أَوْ الِالْتِهَاءُ بِهِمْ أَوْ أَنْ يَأْتِيَ لِأَجْلِهِمْ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَوْ يُخِلَّ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ . وَاسْتَشْكَلَ اِبْنُ أَبِي جَمْرَةَ وُقُوعَ التَّكْفِيرِ بِالْمَذْكُورَاتِ لِلْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَالْإِخْلَالِ بِالْوَاجِبِ ؛ لِأَنَّ الطَّاعَاتِ لَا تُسْقِطُ ذَلِكَ ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَكْرُوهِ وَالْإِخْلَالِ بِالْمُسْتَحَبِّ لَمْ يُنَاسَبْ إِطْلَاقَ التَّكْفِيرِ . وَالْجَوَابُ اِلْتِزَامُ الْأَوَّلِ وَإِنْ اِمْتَنَعَ مِنْ تَكْفِيرِ الْحَرَامِ وَالْوَاجِبِ مَا كَانَ كَبِيرَةً فَهِيَ الَّتِي فِيهَا النِّزَاعُ وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَلَا نِزَاعَ أَنَّهَا تُكَفِّرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } الْآيَةَ وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ : الْفِتْنَةُ بِالْأَهْلِ تَقَعُ بِالْمَيْلِ إِلَيْهِنَّ أَوْ عَلَيْهِنَّ فِي الْقِسْمَةِ وَالْإِيثَارِ حَتَّى فِي أَوْلَادِهِنَّ ، وَمِنْ جِهَةِ التَّفْرِيطِ فِي الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ لَهُنَّ ، وَبِالْمَالِ يَقَعُ الِاشْتِغَالُ بِهِ عَنْ الْعِبَادَةِ أَوْ بِحَبْسِهِ عَنْ إِخْرَاجِ حَقِّ اللَّهِ ، وَالْفِتْنَةُ بِالْأَوْلَادِ تَقَعُ بِالْمَيْلِ الطَّبِيعِيِّ إِلَى الْوَلَدِ وَإِيثَارِهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ، وَالْفِتْنَةُ بِالْجَارِ تَقَعُ بِالْحَسَدِ وَالْمُفَاخَرَةِ وَالْمُزَاحَمَةِ فِي الْحُقُوقِ وَإِهْمَالِ التَّعَاهُدِ ثُمَّ قَالَ وَأَسْبَابُ الْفِتْنَةِ بِمَنْ ذُكِرَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ . وَأَمَّا تَخْصِيصُ الصَّلَاةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا بِالتَّكْفِيرِ دُونَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَعْظِيمِ قَدْرِهَا ، لَاتُّقِيَ أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الْحَسَنَاتِ لَيْسَ فِيهَا صَلَاحِيَّةُ التَّكْفِيرِ ، ثُمَّ إِنَّ التَّكْفِيرَ الْمَذْكُورَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ بِنَفْسِ فِعْلِ الْحَسَنَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ بِالْمُوَازَنَةِ . وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ

    أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 4 ] Fasel10

    كتاب : أسباب رفع العقوبة عن العبد
    المؤلف : شيخ الإسلام ابن تيمية
    منتدى ميراث الرسول - البوابة
    أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 4 ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 2 نوفمبر 2024 - 5:36