بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم مكتبة الثقافة الإسلامية أسباب رفع العقوبة عن العبد
● متابعة الهامش مشكل الآثار للطحاوي - (ج 8 / ص 489) باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوابه لمن قال له بعد قوله : « من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة » : وإن زنى ، وإن سرق ؟ وبقوله له : « وإن زنى ، وإن سرق » 3366 - حدثنا أبو أمية ، وفهد ، قالا : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : حدثنا زيد بن وهب ، قال : حدثنا والله أبو ذر بالربذة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فأخبرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله عز وجل شيئا دخل الجنة » قلت : يا رسول الله ، وإن زنى وإن سرق ؟ قال : « وإن زنى ، وإن سرق » 3367 - وحدثنا أبو أمية ، وفهد ، قالا : حدثنا عمر بن حفص ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، قال : حدثني أبو صالح ، عن أبي الدرداء نحوه ، قال : قلت : يا رسول الله ، وإن زنى وإن سرق ؟ قال : « وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي الدرداء » وحدثنا أبو أمية وفهد ، قالا : حدثنا عمر بن حفص ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : قلت لزيد بن وهب ، يعني لما حدثه الحديث الذي ذكرناه في أول هذا الباب أنه بلغني أنه أبو الدرداء ، فقال : أشهد لحدثنيه أبو ذر بالربذة وحدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود ح وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، قالا : حدثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن حماد ، عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر ، قال حماد : ما بيني وبين أبي ذر غيره ، قال : « انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو الغرقد ، وانطلقت معه ، ثم ذكر مثل الحديث الأول سواء حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، عن حاتم بن أبي صغيرة ، قال : حدثنا حبيب بن أبي ثابت ، أن أبا سليمان الجهني حدثه ، قال : حدثني أبو ذر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، وعبيد الله بن موسى العبسي ، قالا : حدثنا مهدي بن ميمون ، عن واصل الأحدب ، عن المعرور بن سويد ، عن أبي ذر ، ثم ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، غير أنه قال : » أتاني آت من ربي عز وجل « ولم يذكر جبريل صلى الله عليه وسلم 3368 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا الحسن بن موسى الأشيب ، قال : حدثنا شيبان يعني النحوي ، عن منصور بن المعتمر ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن سلمة بن نعيم وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من لقي الله عز وجل لا يشرك به شيئا ، دخل الجنة وإن زنى وإن سرق » 3369 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أبو عمر الحوضي ، قال : حدثنا مرجى بن رجاء ، عن محمد بن الزبير ، عن رجاء بن حيوة ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « قال جبريل عليه السلام : » من قال : لا إله إلا الله ، دخل الجنة « قال : قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : » وإن زنى وإن سرق « 3370 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، قال : حدثنا أبو المليح ، عن يزيد بن يزيد ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : « ولمن خاف مقام ربه جنتان ( سورة : الرحمن آية رقم : 46) ، قال : يا رسول الله : وإن زنى وإن سرق ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي هريرة « 3371 - وحدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى القطان ، قال : حدثنا نعيم بن حكيم ، قال : حدثني أبو مريم ، قال : سمعت أبا الدرداء يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « من شهد أن لا إله إلا الله ، أو مات لا يشرك بالله عز وجل شيئا ، دخل الجنة ، أو لم يدخل النار » قال : قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : « وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي الدرداء » 3372 - حدثنا أبو أمية ، قال حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا أبو عمران ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن أبيه أبي موسى أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه ، فقال : « أبشروا وبشروا من وراءكم ، أنه من قال : لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة » فخرجوا يبشرون الناس ، فلقيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبشروه ، فردهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « من ردكم ؟ » فقالوا : ردنا عمر ، فقال : « لم رددتهم يا عمر ؟ » قال : إذا يتكل ( الاتكال : الاعتماد على رحمة الله والتكاسل في العمل) الناس يا رسول الله « وفيما ذكرنا في الباب الذي قبل هذا الباب ما يغني عن الكلام في هذا الباب غير أنا نأتي في هذا الباب بمعنى فيه توكيد ما جئنا به في ذلك الباب إن شاء الله وهو أنه إذا كان من قال : » لا إله إلا الله « قد قالها عارفا بما يجب على أهلها ، فقد قالها وهو عارف بمقام الله عز وجل وبما يرجوه أهلها عند خوفهم خلافه والخروج عن أمره ، وفي ذلك ما يدل على أن حال الزنى وحال السرقة اللذين كانا منه قد زال عنهما إلى ضدهما على ما قد ذكرنا في ذلك الباب الأول ، ودل على ذلك أيضا ما في حديث أبي موسى الذي ذكرناه في هذا الباب أنه من قال : لا إله إلا الله صادقا بها وكان معنى قوله : » صادقا بها « والله أعلم أي : موفيا لها حقها ، وقد ذكرنا في هذا الباب أيضا حديث يزيد بن الأصم عن أبي هريرة : ولمن خاف مقام ربه جنتان (سورة : الرحمن آية رقم : 46) ، وقد كان الباب الأول أولى به ، فذهب عنا ذكره هناك ، فذكرناه هاهنا ؛ لأن البابين جميعا من جنس واحد وقد سأل سائل عن معنى قول الله : فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( سورة : الفرقان آية رقم : 70) ، ما قيل في ذلك ؟ فكان جوابنا له في ذلك والله عز وجل نسأله التوفيق أن الذي وجدناه عن المتقدمين فيه : 3373 - ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( سورة : الفرقان آية رقم : 70) ، قال : « الإيمان مكان الكفر » والذي وجدناه مما يقوله أهل العربية فيه أن ذلك على الحذف ، وأنه بمعنى : أولئك الذين يبدل الله مكان سيئاتهم حسنات ، فحذف ، كمثل قوله عز وجل : واسأل القرية التي كنا فيها ( سورة : يوسف آية رقم : 82) ، بمعنى : واسأل أهل القرية التي كنا فيها ، فحذف ذكر أهل القرية ، وهم المرادون ، والله أعلم ، وبه التوفيق وفي تأويل مختلف الحديث - (ج 1 / ص 49) قالوا: حديثان متناقضان، قالوا: رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ثم رويتم أنه قال: من قال لا غله إلا الله فهو في الجنة وإن زنى وإن سرق. وفي هذا تناقض واختلاف. قال أبو محمد: ونحن نقول: إنه ليس ههنا بنعمة الله تناقض ولا اختلاف لأن الإيمان في اللغة التصديق يقول الله تعالى: " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " أي بمصدق لنا ومنه قول الناس ما أومن بشيء مما تقول أي ما أصدق به. والموصوف بالإيمان ثلاثة نفر رجل صدق بلسانه دون قلبه كالمنافقين فيقول قد آمن كما قال الله تعالى في المنافقين: " ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا " وقال: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى " ثم قال: " من آمن منهم بالله واليوم الآخر " لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولو كان أراد بالذين آمنوا ههنا المسلمين لم يقل: " من آمن بالله واليوم الآخر " لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وإنما أراد المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم والذين هادوا والنصارى ولا نقول له مؤمن كما أنا لا نقول للمنافقين مؤمنون وإن قلنا قد آمنوا لأن إيمانهم لم يكن عن عقد ولا نية وكذلك نقول لعاصي الأنبياء صلى الله عليهم وسلم عصى وغوى ولا نقول عاص ولا غاو لأن ذنبه لم يكن عن إرهاص ولا عقد كذنوب أعداء الله عز وجل. ورجل صدق بلسانه وقلبه مع تدنس بالذنوب وتقصير في الطاعات من غير إصرار فنقول: قد آمن وهو مؤمن ما تناهى عن الكبائر فإذا لا بسها لم يكن في حال الملابسة مؤمناً يريد مستكمل الإيمان. ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن يريد في وقته ذلك لأنه قبل ذلك الوقت غير مصر فهو مؤمن وبهد ذلك الوقت غير مصر فهو مؤمن تائب ومما يزيد في وضوح هذا الحديث الآخر إذا زنى سلب الإيمان فإن تاب ألبسه. ورجل صدق بلسانه وقلبه وأدى الفرائض واجتنب الكبائر فذلك المؤمن حفاً المستكمل شرائط الإيمان وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه يريد ليس بمستكمل الإيمان وقال: لم يؤمن من لم يأمن المسلمون من لسانه ويده أي ليس بمستكمل الإيمان وقال: لم يؤمن ن بات شبعان وبات جاره طاوياً أي لم يستكمل الإيمان. وهذا شبيه بقوله: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه يريد لا كمال وضوء ولا فضيلة وضوء. وكذلك قول عمر رضي الله عنه: لا إيمان لمن لم يحج. يريد لا كمال إيمان والناس يقولون فلان لا عقل له. يريدون ليس هو مستكمل العقل ولا دين له أي ليس بمستكمل الدين. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله فهو في الجنة وإن زنى وإن سرق فإنه لا يخلو من وجهين أحدهما أن يكون قاله على العاقبة يريد أن عاقبة أمره إلى الجنة وإن عذب بالزنا والسرقة. والآخر أن تلحقه رحمة الله تعالى وشفاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فيصير إلى الجنة بشهادة أن لا إله إلا الله. حدثني إسحق بن إبراهيم ابن حبيب بن الشهيد عن أبيه عن جده عن الحسن أنه قال: لا إله إلا الله ثمن الجنة. وحدثني محمد بن يحيى القطعي قال: أنا عمر بن علي عن موسى ابن المسيب الثقفي قال: سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث عن المعرور بن سويد عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول ربكم ابن آدم إنك إن تأتني بقراب الأرض خطيئة بعد أن لا تشرك بي شيئاً جعلت لك قرابها مغفرة ولا أبالي. وحدثني أبو مسعود الدرامي هو من ولد خراش قال: حدثني جدي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل شطر أمتي الجنة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكثر لعلكم ترون أن شفاعتي للمتقين لا ولكنها للمتلطخين بالذنوب.
O متابعة المتن . وَتَأَوَّلَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (79) سورة الإسراء ، وَلَيْسَ إذَا فَعَلَ نَافِلَةً وَضَيَّعَ فَرِيضَةً تَقُومُ النَّافِلَةُ مَقَامَ الْفَرِيضَةِ مُطْلَقًا؛ بَلْ قَدْ تَكُونُ عُقُوبَتُهُ عَلَى تَرْكِ الْفَرِيضَةِ أَعْظَمَ مِنْ ثَوَابِ النَّافِلَةِ . فَإِنْ قِيلَ : الْعَبْدُ إذَا نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (1). فَلَوْ كَانَ لَهَا بَدَلٌ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ . قِيلَ : هَذَا خَطَأٌ . فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُقَالُ فِي جَمِيعِ مُسْقِطَاتِ الْعِقَابِ . فَيُقَالُ : إذَا كَانَ الْعَبْدُ يُمْكِنُهُ رَفْعُ الْعُقُوبَةِ بِالتَّوْبَةِ لَمْ يَنْهَ عَنْ الْفِعْلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَبْدَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ الْمَأْمُورَ وَيَتْرُكَ الْمَحْظُورَ (2)؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِذَلِكَ سَبَبٌ لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ وَإِنْ جَازَ مَعَ إخْلَالِهِ أَنْ يَرْتَفِعَ الْعِقَابُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، كَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَمِيَ مِنْ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَ تَنَاوُلِهِ لَهَا يُمْكِنُ رَفْعُ ضَرَرِهَا بِأَسْبَابِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ . وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ رَحِيمٌ - أَمَرَهُمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا يُفْسِدُهُمْ ثُمَّ إذَا وَقَعُوا فِي أَسْبَابِ الْهَلَاكِ لَمْ يؤيسهم مِنْ رَحْمَتِهِ (3) __________ (1) - صحيح مسلم برقم(1601 ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلاَةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى ». وفي شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 487) فِيهِ : وُجُوب قَضَاء الْفَرِيضَة الْفَائِتَة سَوَاء تَرَكَهَا بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَنِسْيَان أَوْ بِغَيْرِ عُذْر ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ فِي الْحَدِيث بِالنِّسْيَانِ لِخُرُوجِهِ عَلَى سَبَب ، لِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْقَضَاء عَلَى الْمَعْذُور فَغَيْره أَوْلَى بِالْوُجُوبِ ، وَهُوَ مِنْ بَاب التَّنْبِيه بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى . وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) فَمَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب ؛ فَإِنَّهُ يَجُوز تَأْخِير قَضَاء الْفَائِتَة بِعُذْرٍ عَلَى الصَّحِيح ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه وَدَلِيله . وَشَذَّ بَعْض أَهْل الظَّاهِر فَقَالَ : لَا يَجِب قَضَاء الْفَائِتَة بِغَيْرِ عُذْر ، وَزَعَمَ أَنَّهَا أَعْظَم مِنْ أَنْ يَخْرُج مِنْ وَبَال مَعْصِيَتهَا بِالْقَضَاءِ ، وَهَذَا خَطَأ مِنْ قَائِله وَجَهَالَة . وَاللَّهُ أَعْلَم . وَفِيهِ دَلِيل لِقَضَاءِ السُّنَن الرَّاتِبَة إِذَا فَاتَتْ ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَالْخِلَاف فِي ذَلِكَ . (2) - صحيح مسلم برقم(6259 ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ قَالاَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ...». (3) - قال تعالى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) }[الزمر/53-55] وفي ظلال القرآن - (ج 6 / ص 240) وفي ظلال القرآن - (ج 1 / ص 410) إنها الرحمة الواسعة التي تسع كل معصية . كائنة ما كانت وإنها الدعوة للأوبة . دعوة العصاة المسرفين الشاردين المبعدين في تيه الضلال . دعوتهم إلى الأمل والرجاء والثقة بعفو الله . إن الله رحيم بعباده . وهو يعلم ضعفهم وعجزهم . ويعلم العوامل المسلطة عليهم من داخل كيانهم ومن خارجه . ويعلم أن الشيطان يقعد لهم كل مرصد . ويأخذ عليهم كل طريق . ويجلب عليهم بخيله ورجله . وأنه جاد كل الجد في عمله الخبيث ! ويعلم أن بناء هذا المخلوق الإنساني بناء واه . وأنه مسكين سرعان ما يسقط إذا أفلت من يده الحبل الذي يربطه والعروة التي تشده . وأن ما ركب في كيانه من وظائف ومن ميول ومن شهوات سرعان ما ينحرف عن التوازن فيشط به هنا أو هناك ; ويوقعه في المعصية وهو ضعيف عن الاحتفاظ بالتوازن السليم . . يعلم الله - سبحانه - عن هذا المخلوق كل هذا فيمد له في العون ; ويوسع له في الرحمة ; ولا يأخذه بمعصيته حتى يهيىء له جميع الوسائل ليصلح خطأه ويقيم خطاه على الصراط . وبعد أن يلج في المعصية , ويسرف في الذنب , ويحسب أنه قد طرد وانتهى أمره , ولم يعد يقبل ولا يستقبل . في هذه اللحظة لحظة اليأس والقنوط , يسمع نداء الرحمة الندي اللطيف: قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . إن الله يغفر الذنوب جميعاً . إنه هو الغفور الرحيم . . وليس بينه - وقد أسرف في المعصية , ولج في الذنب , وأبق عن الحمى , وشرد عن الطريق - ليس بينه وبين الرحمة الندية الرخية , وظلالها السمحة المحيية . ليس بينه وبين هذا كله إلا التوبة . التوبة وحدها . الأوبة إلى الباب المفتوح الذي ليس عليه بواب يمنع , والذي لا يحتاج من يلج فيه إلى استئذان: (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون . واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) . . الإنابة . والإسلام . والعودة إلى أفياء الطاعة وظلال الاستسلام . . هذا هو كل شيء . بلا طقوس ولا مراسم ولا حواجز ولا وسطاء ولا شفعاء !
كتاب : أسباب رفع العقوبة عن العبد المؤلف : شيخ الإسلام ابن تيمية منتدى ميراث الرسول - البوابة