بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم مكتبة الأسرة الثقافية كتاب : عيوب النفس ● [ تابع : عيوب النفس ] ●
من عيوب النفس الغضب والكذب ومن عيوبها الغضب ومداواتها حمل النفس على الرضا بالقضاء فإن الغضب جمرة من الشيطان ولأن رجلا جاء إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال ( أوصني فقال لا تغضب ) ولأن الغضب يخرج العبد حد الهلاك إذا لم يصحبه من الله تعالى زجر ومنع ومن عيوبها الكذب ومداواتها ترك الاشتغال برضا الخلق وسخطهم فإن الذي يحمل صاحب الكذب على الكذب طلب رضا الناس أو التزين لهم وطلب الجاه عندهم فإنه روى عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال ( الصدق يهدي إلى البر والكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ) من عيوب النفس الشح والبخل ومن عيوبها الشح والبخل وهما نتائج حب الدنيا ومداواتها أن يعلم أن الدنيا قليلة وانها فانية وأن حلالها حساب وحرامها عذاب كما روى عن النبي {صلى الله عليه وسلم} انه قال ( حب الدنيا رأس كل خطيئة ) وأن الله تعالى اخبر عنها أنها متاع الغرور فلا يبخل بها ولا يشح ويجتهد في بذلها ولا يمسك منها إلا مقدار ما يدافع به وقته فإنه {صلى الله عليه وسلم} قال لبلال ( ولا تخش من ذي العرش بعد إقلالا ) ومن عيوبها بعد أملها ومداواتها تقريب الأجل ويعلم أن بعض السلف قال أحسب الله لا يؤمن على حال فأخذ الأحوال كلها ومن عيوبها الاغترار بالمدائح الباطلة ومداواتها أن لا يغره كلام الناس مع ما يعرفه بنفسه فإن حقيقة الأمر يخلص إليه دونهم وان ثناءهم عليه دون ما يعرفه الله منه ويعرفه هو من نفسه لا ينجيه فلم يخبره به من عيوب النفس الحرص والحسد ومن عيوبها الحرص ومداواتها أن يعلم أنه لا يستجلب بحرصه زيادة ما قدر الله من رزقه كما روى ابن مسعود عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أن الله تعالى يقول للملك ( اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد ) والله تعالى يقول ) ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ( ومن عيوبها الحسد ومداواتها أن يعلم الحسد عدو نعمة الله وأن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( لا تحاسدوا ) ونتيجة الحسد من قلة الشفقة على المسلمين الإصرار على الذنب ومن عيوبها الإصرار على الذنب مع تمني الرحمة ورجاء المغفرة ومداواتها أن يعلم أن الله أوجب مغفرته لمن لا يصر على الذنب حيث قال ) ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ( وقال أبو الضعض الإصرار على الذنب من التهاون بقدر الله ويعلم أن الله تعالى أوجب الرحمة للمحسنين وأوجب المغفرة للتائبين حيث قال ) استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ( ) وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ( ومن عيوبها لا تجيب إلى طاعة الله طوعا ومداواتها بالجوع والعطش والتقطع في الأسفار والحمل على المكاره ولذلك سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت عمي البسطامي يقول سمعت أبي يقول قال رجل لأبي يزيد البسطامي ما أشد ما لقيت في سبيل الله فقال لا يمكن وصفه ما أهون ما لقيت منك نفسك في سبيل الله فقال أما فنعم دعوتها إلى شيء من الطاعات فلم تجبني طوعا فمنعتها سنه كاملة ومن عيوبها حرصها على الجمع والمنع ومداواتها أن يعلم انبهام عمره وقرب أجله فيجمع على قدر نفسه ويمنع بقدر حياته فمن لا يأمن على حصول التباعة على نفسه جهل مع ما روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله فقالوا ليس منا أحد إلا وماله أحب إليه من مال وارثه فقال مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت ) ومن عيوبها صحبتها مع المخالفين والمعارضين عن الحق ومداواتها الرجوع إلى صحبة الموافقين والمقبولين عند الله تعالى فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( من تشبه بقوم فهو منهم ) وقال بعض السلف صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار وقال بعضهم القلوب إذا بعدت عن الله مقتت القائمين بحق الله من عيوب النفس الغفلة ومن عيوبها الغفلة ومداواتها أن يعلم أنه ليس بمغفول عنه وأن الله تعالى يقول ) وما ربك بغافل عما تعملون ( ويعلم أنه محاسب على الخطرة والهمة ومن تحقق هذا فراقب أوقاته وراعى أحواله فيزول عنه بذلك عيب الغفلة ومن عيوبها ترك الكسب والقعود عنه إظهارا للخلق أنه قعد متوكلا ثم يتشرف للإرفاق ويتسخط إذا لم يأته الإرفاق ومداواتها أن يلزم الكسب كما روى عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال أطيب ما أكل الرجل من كسبه ) ظاهرا وتوكل باطنا ليكون مكتسبا مع الخلق في الظاهر ومتوكلا على الله في الباطن ومن عيوبها الفرار بما يوجبه عليه ظاهر العلم إلى الدعاوى والأحوال ومداواتها ملازمة العلم فإن الله تعالى يقول ) فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ( وقال ) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( وقال النبي {صلى الله عليه وسلم} ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) ومن عيوبها استعظام ما تعطي وما تبذل والافتتان به على من يأخذ ومداواتها أن يعلم أنه يوصل إليهم أرزاقهم وأن الرازق والمعطي في الحقيقة هو الله وأنه واسطة ولا يتعاظم في إيصال حق إلى مستحق رؤية فضله على إخوانه ومن عيوبها إظهار الفقر مع الكفاية ومداواتها إظهار الكفاية مع القلة سمعت جدي رحمه الله تعالى يقول كان الناس يدخلون في التصوف أغنياء ويفتقرون ويظهرون الغني في هذا الوقت يدخلون في التصوف فقراء ويستغنون ثم يظهرون للناس الفقر ومن عيوبها رؤية فضله على إخوانه وأقرانه ومداواتها العلم بنفسه ولا أعلم به منه وحسن الظن بأقرانه ليحمله ذلك على احتقار نفسه ورؤية فضل إخوانه وأقرانه ولا يصح له ذلك إلا بعد أن ينظر إلى الخلق أجمعين أجمع بعين الزيادة وينظر إلى نفسه بعين النقصان كذلك سمعت جدي يقول سمعت أبا عبد الله السجزي يقول لك فضل ما لم تر فضلك فإذا رأيت فضلك فلا فضل لك ومن عيوبها حمل النفس ما يستجلب لها الفرح ومداواتها أن الله يبغض الفرحين لقوله تعالى ) إن الله لا يحب الفرحين ( وفي صفة النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه كان دائم الأحزان متواصل الفكر وقال النبي {صلى الله عليه وسلم} ( إن الله يحب كل قلب حزين ) وقال مالك بن دينار إن القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب كما أن البيت إذا لم يسكن خرب ومن عيوبها أن يكون في محل الشكر وهو يظن انه في مقام الصبر ومداواتها رؤية نعم الله في جميع الأحوال سمعت سعيد بن عبد الله يقول سمعت عمي يقول سمعت أبا عثمان يقول الخلق كلهم مع الله تعالى في مقام الشكر ويظنون أنهم معه في مقام الصبر تناول الرخيص بالشبهات ومن عيوبها تناول الرخيص بالشبهات ومداواتها اجتناب الشبهات وأنها تؤدي إلى فعل الحرام ألا ترى أن النبي {صلى الله عليه وسلم} يقول ( الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات فمن اجتنبهن فهو أسلم لدينه وعرضه ومن واقعهن وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يخالط الحما ألا وإن لكل ملك حما وإن حما الله محارمه ومن عيوبها الإفضاء على نفسه في عثرة تقع به أو زلة وأمثالها كذلك سمعت عبد الله بن محمد الرازي يقول سمعت أبا عثمان يقول عامة المريدين من إفضائهم مع كثرة تقع لهم أو هفوة وترك مداواتها في الوقت بدواية حتى تعتاد النفس ذلك فتسقط من درجة الإزادة الاغترار بالكرامات ومن عيوبها الاغترار بالكرامات ومداواتها أن يعلم أن أكثرها اغترارات واستدراج والله تعالى يقول ) سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ( وقد قال بعض السلف : ألطف ما يخادع به الأولياء الكرامات والمعونات ومن عيوبها محبة مجالسة الأغنياء وميله إليهم وإقباله عليهم وكرامة لهم ومداواتها مجالسة الفقراء والعلم بأنه لا يصل إليه مما في أيديهم إلا مقدار ما قدره الله له فيقطع الطمع منهم فيسقط ذلك محبتهم والميل إليهم ويعلم أن الله عاتب نبيه {صلى الله عليه وسلم} في مجالسة الفقراء فقال ) أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى ( فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} بعد ذلك ( المحيا محياكم والممات مماتكم ) وقال للفقراء ( أمرت أن أصبر نفسي معكم ) وقال عليه السلام ( اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ) وان النبي {صلى الله عليه وسلم} قال لعلى وغيره ( عليك بحب المساكين والدنو منهم ) ألطف ما يخادع به الأولياء الكرامات والمعونات ومن عيوبها محبة مجالسة الأغنياء وميله إليهم وإقباله عليهم وكرامة لهم ومداواتها مجالسة الفقراء والعلم بأنه لا يصل إليه مما في أيديهم إلا مقدار ما قدره الله له فيقطع الطمع منهم فيسقط ذلك محبتهم والميل إليهم ويعلم أن الله عاتب نبيه {صلى الله عليه وسلم} في مجالسة الفقراء فقال ) أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى ( فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} بعد ذلك ( المحيا محياكم والممات مماتكم ) وقال للفقراء ( أمرت أن أصبر نفسي معكم ) وقال عليه السلام ( اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ) وان النبي {صلى الله عليه وسلم} قال لعلى وغيره ( عليك بحب المساكين والدنو منهم )
● [ الخاتمة ] ●
وقد بينت في هذه الفصول بعض معايب النفس يستدل العاقل بذلك على ما وراءها ويخرج منها من يؤيده الله بتوفيق وتسديد مع إقراري بأنه لا يمكن استيفائى معايبها وكيف يمكن ذلك والنفس معيوبة بجميع أوصافها ولا تخلو من عيب وكيف يمكن إحصاء عيب ما كلها عيب وقد وصفها الله تعالى بأنها الأمارة بالسوء إلا أنه ربما يصلح العبد من عيوبها شيئا ببعض هذه المداواة فيسقط منه من عيوبها والله تعالى يوفقنا لمتابعة الرسل ويزيل عنا موارد الغفلة والشهوات ويجعلنا في كنفه وحبا ملته وعصمته ورعايته فإنه القادر على ذلك والوهاب له إنه أرحم الراحمين انتهت فصول عيوب النفس للشيخ السلمي رحمه الله ورضى عنه آمين آمين آمين تم هذا بحمد الله
● [ للكتاب بقية فتابعها ] ●
كتاب : عيوب النفس المؤلف : محمد بن الحسين بن موسى السلمي منتديات الرسالة الخاتمة - البوابة