بّسم الله الرّحمن الرّحيم
أحوال البلاد وأخبار العباد
قصة آدم عليه السلام
خلق آدم عليه السلام
من الأحاديث في سلطانه خلق أبينا آدم عليه السلام، وذلك لما أراد الله تعالى أن يطلع ملائكته على ما علم من انطواء إبليس على الكبر ولم يعلمه الملائكة حتى دنا أمره من البوار وملكه من الزوال فقال للملائكة : ( إني جاعل في الأرض خليفةً، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) البقرة: روي عن ابن عباس أن الملائكة قالت ذلك للذي كانوا عهدوا من أمره وأمر الجنّ الذين كانوا سُكان الأرض قبل ذلك فقالوا لربهم تعالى : أتجعل فيها من يكون مثل الجن الذين كانوا يسفكون الدماء فيها ويفسدون ويعصونك ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، فقال الله لهم : ( إني أعلم ما لا تعلمون ) يعني من انطواء إبليس على الكبر والعزم على خلاف أمري واغتراره، وأنا مبد ذلك لكم منه لتروه عياناً، فلما أراد الله أن يخلق آدم أمر جبريل أن يأتيه بطين من الأرض ، فقالت الأرض : أعوذ بالله منك أن تنقص مني وتشينني، فرجع ولم يأخذ منها شيئاً وقال : يا ربّ إنها عاذت بك فأعذتها ، فبعث ميكال، فاستعاذت منه فأعاذها ، فرجع وقال مثل جبرايل، فبعث إليها ملك الموت فعاذت منه، فقال : أنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمر ربي، فأخذ من وجه الأرض فخلطه ولم يأخذ من مكان واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء وطيناً لازباً، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين.
وروى أبو موسى عن النبي، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر والأسود والأبيض، وبين ذلك، والسهل والحزن، والخبيث والطيّب ) ، ثم بلّت طينته حتى صارت طيناً لازباً ثم تركت حتى صارت حمأً مسنوناً ثم تركت حتى صارت صلصالاً، كما قال ربّنا، تبارك وتعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون )، الحجر : 15 : 26 واللازب : الطين الملتزب بعضه ببعض ، ثمّ تُرك حتى تغيّر وأنتن وصار حمأً مسنوناً، يعني منتناً ، ثمّ صار صلصالاً ، وهو الذي له صوت.
وإنما سمّي آدم لأنه خلق من أديم الأرض ، قال ابن عباس : أمر الله بتربة آدم فرفعت، فخلق ادم من طين لازب من حمأ مسنون، وإنما كان حمأ مسنوناً بعد التراب فخلق منه آدم بيده لئلا يتكبّر إبليس عن السجود له ، قال : فمكث أربعين ليلة، وقيل: أربعين سنة، جسداً ملقىً، فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل، أي يصوِّت، قال: فهو قول الله تعالى : ( من صلصال كالفخار ) الرحمن : 55 : 14، يقول: منتن كالمنفوخ الذي ليس بمصمت، ثم يدخل من فيه فيخرج من دبره ويدخل من دبره ويخرج من فيه، ثم يقول: لست شيئاً، ولشيء ما خلقت، ولئن سلطت عليك لأهلكنك، ولئن سلطت عليّ لأعصينك، فكانت الملائكة تمرّ به فتخافه، وكان إبليس أشدّهم منه خوفاً .
فلما بلغ الحين الذي أراد الله أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة : ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) الحجر : 15 : 29؛ فلما نفخ الروح فيه دخلت من قبل رأسه ، وكان لا يجري شيء من الروح في جسده إلا صار لحما ً، فلما دخلت الروح رأسه عطس ، فقالت له الملائكة : قل الحمد لله ، وقيل : بل ألهمه الله التحميد فقال : الحمد لله رب العالمين ، فقال الله له : رحمك ربك يا آدم ، فلما دخلت الروح عينيه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما بلغت جفوه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، فلذلك يقول الله تعالى : ( خلق الإنسان من عجل ) الأنبياء : 21 : 37 ، فسجد له الملائكة كلهم إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ، فقال الله له : يا إبليس ما منعك أن تسجد إذ أمرتك ، قال : أنا خير منه لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين ، فلم يسجد كبراً وبغياً وحسدا ً، فقال الله له : ( يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي )، إلى قوله : ( لأملأنّ جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) ص : 38 : 75 - 58 ، فلما فرغ من إبليس ومعاتبته وأبى إلا المعصية أوقع عليه اللعنة وأيأسه من رحمته وجعله شيطاناً رجيماً وأخرجه من الجنة.
قال حميد بن هلال : نزل إبليس مختصراً فلذلك كره الاختصار في الصلاة، ولما أنزل قال : يا ربّ أخرجتني من الجنة من أجل آدم وإنني لا أقوى عليه إلا بسلطانك ، قال : فأنت مسلّط، قال : زدني ، قال : لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله ، قال : زدني ، قال : صدورهم مساكن لك وتجري منهم مجرى الدم ، قال : زدني ، قال : أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم.
قال آدم : يا ربّ قد أنظرته وسلّطته عليَّ وإنني لا أمتنع منه إلا بك ، قال : لا يولد لك ولد إلا وكّلت به من يحفظه من قرناء السوء ، قال : يا ربّ زدني ، قال : الحسنة بعشر أمثالها وأزيدها ، والسيئة بواحدة وأمحوها ، قال : يا ربّ زدني ، قال : ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ) الزمر : 39 : 53 ، قال : يا رب زدني ، قال : التوبة لا أمنعها من ولدك ما كانت فيهم الروح ، قال : يا ربّ زدني ، قال : أغفر ولا أبالي ، قال : حسبي ، ثمّ قال الله لآدم : إيتِ أولئك النفر من الملائكة فقل السلام عليكم ، فأتاهم فسلّم عليهم ، فقالوا له : وعليك السلام ورحمة الله ، ثمّ رجع إلى ربّه فقال : هذه تحيّتك وتحيّة ذريتك بينهم.
فلمّا امتنع إبليس من السجود وظهر للملائكة ما كان مستتراً عنهم ، علّم الله آدم الأسماء كلها . واختلف العلماء في الأسماء فقال الضحّاك عن ابن عباس : علمه الأسماء كلها التي تتعارف بها الناس : إنسان ودابّة وأرض وسهل وجبل وفرس وحمار وأشباه ذلك ، حتى الفُسْوة والفُسَية ، وقال مجاهد وسعيد بن جُبير مثله . وقال ابن زيد : عُلّم أسماء ذرّيته ، وقال الربيع : علم أسماء الملائكة خاصة ، فلما علمها عرض الله أهل الأسماء على الملائكة فقال : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) البقرة : 2 : 31 إني إن جعلت الخليفة منكم أطعتموني وقدّستموني ولم تعصوني، وإن جعلته من غيركم أفسد فيها وسفك الدماء ، فإنكم إن لم تعلموا أسماء هؤلاء وأنتم تشاهدونهم فبأن لا تعلموا ما يكون منكم ومن غيركم وهو مغيب عنكم أولى وأحرى ، وهذا قول ابن مسعود ورواية أبي صالح عن ابن عباس . وروي عن الحسن وقتادة أنهما قال ا: لما أعلم الله الملائكة بخلق آدم واستخلافه و( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) البقرة : 1 : 30 و( قال إني أعلم ما لا تعلمون ) البقرة : 2 : 30، قالوا فيما بينهم : ليخلق ربّنا ما يشاء فلن يخلق خلقاً إلا كنا أكرم على الله منه وأعلم منه ، فلمّا خلقه وأمرهم بالسجود له علموا أنّه خير منهم وأكرم على الله منهم، فقالوا : إن يكُ خيراً منّا وأكرم على الله منا فنحن أعلم منه ، فلمّا أعجبوا بعلمهم ابتلوا بأن علمه الأسماء كلها ثمّ عرضهم على الملائكة فقال : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين )، البقرة :2 : 31 إني لا أخلق أكرم منكم ولا أعلم منكم، ففزعوا إلى التوبة ، وإليها يفزع كل مؤمن ، ف ( قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم) البقرة : 2 : 32،
قالا : وعلمه اسم كل شيء من هذه : الخيل والبغال والإبل والجن والوحش وكل شيء.
إسكان آدم الجنة وخلق حواء وإخراجه من الجنة
فلما ظهر للملائكة من معصية إبليس وطغيانه ما كان مستتراً عنهم وعاتبه الله على معصيته بتركه السجود لآدم فأصرّ على معصيته وأقام على غيّه لعنه الله وأخرجه من الجنة وطرده منها وسلبه ما كان إليه من ملك سماء الدنيا والأرض وخزن الجنّة، فقال الله له: ( اخرج منها فإنّك رجيم ، وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ) ؛ وأسكن آدم الجنة.
قال ابن عباس وابن مسعود: فلما أسكن آدم الجنة كان يمشي فيها فرداً ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومة واستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها فقال: من أنت ، قالت: امرأة، قال: ولم خلقت قالت: لتسكن إليّ ، قالت له الملائكة لينظروا مبلغ علمه: ما اسمها ، قال: حواء، قالوا: ولم سميت حواء ، قال: لأنها خلقت من حي ، وقال الله له: ( يا ادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ) البقرة: 2 : 35.
وقال ابن اسحاق فيما بلغه عن أهل الكتاب وعن غيرهم " ومنهم عبد الله بن عباس " قال: ألقى الله تعالى على آدم النوم وأخذ ضلعاً من أضلاعه من شقّه الأيسر ولأم مكانه لحماً وخلق منه حواً، وآدم نائم، فلمّا استيقظ رآها إلى جنبه فقال: لحمي ودمي وروحي، فسكن إليها، فلما زوجه الله تعالى وجعل له سكناً من نفسه قال له: ( يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) البقرة: 2 : 35.
وعن مجاهد وقتادة مثله: فلمّا أسكن الله آدم وزوجته الجنة أطلق لهما أن يأكلا كلّ ما أرادا من كل ثمارها غير ثمرة شجرة واحدة، ابتلاءً منه لهما وليمضي قضاؤه فيهما وفي ذريتهما، فوسوس لهما الشيطان، وقال: ( يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) طه:120 ( وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) الأعراف: 7 : 20، أن تكونا ملكين، أو تخلدان إن لم تكونا ملكين في نعمة الجنة، يقول الله تعالى: ( فدلاهما بغرور ) الأعراف: 7 : 22، وكان انفعال حواء لوسوسته أعظم ، فأكلا من الشجرة ، فبدت لهما سوءاتهما، وكان لباسهما الظفر، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، قيل: كان ورق التين، وكانت الشجرة من أكل منها أحدث، وذهب آدم هارباً في الجنة، فناداه ربّه: أن يا آدم مني تفرّ ، قال: لا ياربّ ولكن حياء منك، فأهبطهم إلى الأرض، وسلب الله آدم وحواء كلّ ما كانا فيه من النعمة والكرامة.
الموضع الذي أُهبط فيه آدم وحواء من الأرض
قيل: ثمّ إن الله تعالى أهبط آدم قبل غروب الشمس من اليوم الذي خلقه فيه، وهو يوم الجمعة، مع زوجته حوّاء من السماء، فقال عليّ وابن عباس وقتادة وأبو العالية: إنّه أهبط بالهند على جبل يقال له نود من أرض سرنديب، وحواء بجدّة، قال ابن عباس: فجاء في طلبها فكان كلّما وضع قدمه بموضع صار قرية، وما بين خطوتيه مفاوز، فسار حتى أتى جمعاً فازدلفت إليه حواء، فلذلك سميت المزدلفة، وتعارفا بعرفات فلذلك سميت عرفات، واجتمعا بجمع فلذلك سميت جمعاً، وأهبطت إبليس بميسان ، وقيل: أهبط آدم بالبرية، وإبليس بالأبلة.
قال أبو جعفر: وهذا ما لا يصول الى معرفة صحته إلا بخبر يجيء مجيء الحجة، ولا نعلم خبراً في ذلك غير ما ورد في هبوط آدم بالهند، فإنّ ذلك مما لا يدفع صحته علماء الإسلام.
وكان حسن الصورة لا يشبهه من ولده غير يوسف، وأنزل عليه جبريل بصرّة فيها حنطة، فقال آدم: ما هذا ، قال: هذا الذي أخرجك من الجنة ، فقال: ما أصنع به ، فقال: انثره في الأرض، ففعل، فأنبته الله من ساعته، ثمّ حصده وجمعه وفركه وذرّاه وطحنه وعجنه وخبزه، كل ذلك بتعليم جبريل، وجمع له جبريل الحجر والحديد فقدحه فخرجت منه النار، وعلّمه جبريل صنعة الحديد والحراثة، وأنزل إليه ثوراً، فكان يحرث عليه، قيل هو الشقاء الذي ذكره الله تعالى بقوله: ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) طه: 20 : 117
ثم إن الله أنزل آدم من الجبل وملّكه الأرض وجميع ما عليها من الجن والدوابّ والطير وغير ذلك، فشكا الى الله تعالى وقال: يا رب أما في هذه الأرض من يسبحك غيري، فقال الله تعالى: سأخرج من صلبك من يسبّحني ويحمدني، وسأجعل فيها بيوتاً ترفع لذكري، وأجعل فيها بيتاً أختصه بكرامتي وأسمّيه بيتي وأجعله حرماً آمناً، فمن حرّمه بحُرمتي، فقد استوجب كرامتي، ومن أخاف أهله فيه فقد خفر ذمّتي وأباح حرمتي، أوّل بيت وضع للناس فمن اعتمره لا يريد غيره فقد وفد إليّ وزارني وضافني، ويحقّ على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وأن يسعف كلاً بحاجته؛ تعمره أنت يا آدم ما كنت حيّاً، ثمّ تعمره الأمم والقرون والأنبياء من ولدك أمّة بعد أمّة، ثمّ أمر آدم أن يأتي البيت الحرام، وكان قد أهبط من الجنّة ياقوتة واحدة، وقيل: درّة واحدة، وبقي كذلك حتى أغرق الله قوم نوح، عليه السلام، فرفع وبقي أساسه، فبوّأ الله لإبراهيم، عليه السلام، فبناه على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
وسار آدم إلى البيت ليحجّه ويتوب عنده، وكان قد بكى هو وحواء على خطيئتهما وما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوماً، ثم أكلا وشربا بعدها، ومكث آدم لم يقرب حوّاء مائة عام، فحج البيت وتلقّى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه، وهو قوله تعالى: ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) الأعراف: 7 : 23.
إخراج ذريّة آدم من ظهره وأخذ الميثاق
روى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: أخذ الله الميثاق على ذرية آدم بنعمان من عرفة فأخرج من ظهره كل ذرية ذرأها إلى أن تقوم الساعة فنثرهم بين يديه كالذّرّ ثم كلمهم قبلاً وقال: ( ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة ) - إلى قوله - : ( بما فعل المبطلون ) الاعراف: 7 : 172 - 173. نعمان بفتح النون الأولى.
وقيل عن ابن عباس أيضاً: إنه أخذ عليهم الميثاق بدحنا، موضع، وقال السدي: أخرج الله آدم من الجنة ولم يهبطه الى الأرض من السماء ثم مسح صفحة ظهره اليمنى فأخرج ذرية كهيئة الذّرّ بيضاء مثل اللؤلؤ، فقال لهم: ادخلوا الجنّة برحمتي، ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منها كهيئة الذرّ سوداء، فقال: ادخلوا النار ولا أبالي، فذلك حين يقول: أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، ثم أخذ منهم الميثاق فقال: ألست بربكم قالوا بلى، فأعطوه الميثاق، طائفة طائعين وطائفة على وجه التقيّة.
وكان آدم مع ما أعطاه الله تعالى من ملك الأرض نبيّاً رسولاً إلى ولده، وأنزل الله عليه إحدى وعشرين صحيفة كتبها آدم بيده علمّه إيّاها جبريل . روى أبو ذرّ عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ) ، قال: قلت: يا رسول الله كم الرسل من ذلك ، قال: ( ثلاثمائة وثلاثة عشر جمّاً غفيراً ) ، يعني كثيراً، طيّباً، قال: قلت: من أولهم ، قال: ( آدم ) ، قال: قلت: يا رسول الله وهو نبي مرسل ، قال: ( نعم، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه ثم سواه قبلاً )، وكان ممن انزل عليه تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وحروف المعجم في إحدى وعشرين ورقة.
قتل قابيل بن آدم أخاه هابيل
وأهل العلم مختلفون في اسم قابيل، فبعضهم يقول: قين، وبعضهم يقول: قائين، وبعضهم يقول: قاين، وبعضهم يقول: قابيل . واختلفوا أيضاً في سبب قتله، فقيل: كان سببه أن آدم كان يغشى حوّاء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت له فيها بقابيل بن آدم وتوأمته فلم تجد عليهما وحماً ولا وصباً ولم تجد عليهما طلقاً حين ولدتهما ولم تر معهما دماً لطهر الجنّة ، فلما أكلا من الشجرة وهبطا إلى الأرض فاطمأنا بها تغشاها فحملت بهابيل وتوأمته فودجت عليهما الوحم والوصب والطلق حين ولدتهما ورأت معهما الدم ، وكانت حواء فيما يذكرون لا تحمل إلا توأماً ذكراً وأنثى، فولدت حواء لآدم أربعين ولداً لصلبه من ذكر وأنثى في عشرين بطناً، وكان الولد منهم أي أخواته شاء تزوج إلا توأمته التي تولد معه، فإنها لا تحل له، وذلك أنه لم يكن يومئذ نساء إلا أخواتهم وأمهم حوّاء، فأمر آدم ابنه قابيل أن ينكح توأمة هابيل، وأمر هابيل أن ينكح توأمة أخيه قابيل . فسلم هابيل لذلك ورضي به، وأبى ذلك قابيل وكرهه تكرّهاً عن أخت هابيل ورغب بأخته عن هابيل وقال: نحن من ولادة الجنّة وهما من ولادة الأرض فأنا أحقّ بأختي . وقال بعض أهل العلم: إن أخت قابيل كانت من أحسن الناس فضنّ بها على أخيه وأرادها لنفسه، وإنهما لم يكونا من ولادة الجنّة إنما كانا من ولادة الأرض، والله أعلم ، فقال له أبوه آدم: يا بنيّ إنها لا تحلّ لك ، فأبى أن يقبل ذلك من أبيه، فقال له أبوه: يا بني فقرّب قرباناً ويقرب أخوك هابيل قرباناً فأيّكما قبل الله قربانه فهو أحقّ بها ، وكان قابيل على بذر الأرض وهابيل على رعاية الماشية، فقرّب قابيل قمحاً وقرب هابيل أبكاراً من أبكار غنمه، وقيل: قرب بقرةً، فأرسل الله ناراً بيضاء فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، وبذلك كان يُقبل القربان إذا قبله الله، فلمّا قبل الله قربان هابيل وتركت قربان قابيل، وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله الله، فلمّا قبل الله قربان هابيل، وكان في ذلك القضاء له بأخت قابيل، غضب قابيل وغلب عليه الكبر واستحوذ عليه الشيطان وقال: لأقتلنّك حتى لا تنكح أختي، قال هابيل: ( إنما يتقبل الله من المتقين ، لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك ) إلى قوله: ( فطوعت له نفسه قتل أخيه ) المائدة 5 : 27 - 31، فاتبعه وهو في ماشيته فقتله، فهما اللذان قص الله خبرهما في القرآن فقال: ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قرباناً قتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر )، إلى آخر القصة . قال: فلمّآ قتله سقط في يده ولم يدر كيف يواريه، وذلك أنّه كان فيما يزعمون أوّل قتيل من بني آدم، ( فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليُريه كيف يواري سوأة أخيه ، قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي، فأصبح من النادمين ) إلى قوله تعالى: ( لمسرفون ) المائدة: 5 : 32، قيل: كان قتله عند عقبة حراء، ثم نزل من الجبل آخذاً بيد أخته فهرب بها إلى عدن من اليمن.ولما قتل هابيل كان عمره عشرين سنة، وكان لقابيل يوم قتله خمس وعشرون سنة.
قال الحسن: كان الرجلان اللذان ذكرهما الله تعالى في القرآن بقوله: ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق ) من بني إسرائيل، ولم يكونا من بني آدم لصلبه، وكان آدم أوّل من مات . وقال أبو جعفر: الصحيح عندنا أنهما ابنا آدم لصلبه للحديث الصحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( ما من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ منها، وذلك لأنه أوّل من سنّ القتل ) فبان بهذا أنهما لصلب آدم، فإن القتل مازال بين بني آدم قبل بني إسرائيل، وفي هذا الحديث أنه أول من سنّ القتل، ومن الدليل على أنه مات من ذريّة آدم قبله ما ورد في تفسير قوله تعالى: ( هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ ) إلى قوله: ( جعلا له شركاء فيما آتاهما )الأعراف: 7 : 189.
ولادة شيث
ومن الأحداث في أيامه ولادة شيث، وكانت ولادته بعد مضيّ مائة وعشرين سنة لآدم، وبعد قتل هابيل بخمس سنين، وقيل: ولد فرداً بغير توأم، وتفسير شيث هبة الله، ومعناه أنه خلف من هابيل، وهو وصيّ آدم، وقال ابن عباس: كان معه توأم، ولما حضرت آدم الوفاة عهد الى شيث وعلّمه ساعات الليل والنهار وعبادة الخلوة في كل ساعة منها وأعلمه بالطوفان، وصارت الرياسة بعد آدم إليه، وأنزل الله عليه خمسين.
وفاة آدم عليه السلام
ذكر أن آدم مرض أحد عشر يوماً وأوصي إلى ابنه شيث وأمره أن يخفي علمه عن قابيل وولده لأنه قتل هابيل حسداً منه له حين خصّه آدم بالعلم، فأخفى شيث وولده ما عندهم من العلم، ولم يكن عند قابيل وولده علم ينتفعون به . وقد روى أبو هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( قال الله تعالى لآدم حين خلقه ، إئتِ أولئك النفر من الملائكة قل السلام عليكم، فأتاهم فسلّم عليهم، وقالوا له ، عليك السلام ورحمة الله ، ثم رجع الى ربّه فقال له ، هذه تحيّتك وتحية ذريتك بينهم، ثم قبض له يديه فقال له ، خذ واختر، فقال ، أحببت يمين ربي وكلتا يديه يمين ، ففتحها له فإذا فيها صورة آدم وذريته كلهم ، وإذا كل رجل منهم مكتوب عنده أجله، وإذا آدم قد كتب له عمر ألف سنة ، وإذا قوم عليهم النور، فقال: يا رب من هؤلاء الذين عليهم النور فقال: هؤلاء الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الى عبادي، وإذا فيهم رجل هو من أضوئهم نوراً ولم يكتب له من العمر إلا أربعون سنة، فقال آدم: يا ربّ هذا من أضوئهم نوراً ولم تكتب له إلا أربعين سنة، بعد أن أعلمه أنه داود، عليه السلام، فقال: ذلك ما كتبت له، فقال: يا ربّ انقص له من عمري ستين سنة ) ، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ( فلما أهبط الى الأرض كان يعدّ أيّامه ، فلما أتاه ملك الموت لقبضه قال له آدم: عجلت يا ملك الموت قد بقي من عمري ستون سنة، فقال له ملك الموت: ما بقي شيء، سألت ربّك أن يكتبه لابنك داود، فقال: ما فعلت ) فقال النبيّ، صلى الله عليه وسلم: ( فنسي آدم فنسيت ذرّيته وجحد فجحدت ذرّيّته فحينئذٍ وضع الله الكتاب وأمر بالشهود ).
وروي عن ابن عباس قال: لما نزلت آية الدين قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ( إنّ أول من جحد آدم ثلاث مرار، وإن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة فجعل يعرضهم على آدم فرأى منهم رجلاً يزهر، قال: أي ربّ أيّ بنيّ هذا ، قال: ابنك داود، قال: كم عمره ، قال: ستون سنة، قال: زده من العمر، قال الله تعالى: لا، إلا أن تزيده أنت، وكان عمر آدم ألف سنة، فوهب له أربعين سنة، فكتب عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة، فلما احتضر آدم أتته الملائكة لتقبض روحه فقال: قد بقي من عمري أربعون سنة، قالوا: إنك قد وهبتها لابنك داود، قال: ما فعلتُ ولا وهبتُ له شيئاً، فأنزل الله عليه الكتاب وأقام الملائكة شهوداً، فأكمل لآدم ألف سنة وأكمل لداود مائة سنة ) . قال ابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال: بلغني أن آدم حين مات بعث الله بكفنه وحنوطه من الجنّة ثمّ وليت الملائكة قبره ودفنه حتى غيّبوه . وروى أبي بن كعب عن النبي، صلى الله عليه وسلم: ( أن آدم حين حضرته الوفاة بعث الله إليه بحنوطه وكفنه من الجنّة، فلما رأت حواء الملائكة ذهبت لتدخل دونهم ، فقال: خلّي عني وعن رسل ربي، فما لقيت ما لقيت إلا منك، ولا أصابني ما أصابني إلا فيك، فلما قبض غسلوه بالسدر والماء وتراً وكفنوه في وتر من الثياب ثم لحدوا له ودفنوه، ثم قالوا: هذه سنّة ولد آدم من بعده ).
قال ابن عباس: لما مات آدم قال شيث لجبريل: صلّ عليه، فقال: تقدّمْ أنت فصلّ على أبيك، فكبّر عليه ثلاثين تكبيرة، فأمّا خمس فهي الصلاة، وأما خمس وعشرون فتفضيلاً لآدم . وقيل: دفن في غار في جبل أبي قبيس يقال له غار الكنز، وقال ابن عباس: لما خرج نوح من السفينة دفن آدم ببيت المقدس . وكانت وفاته يوم الجمعة ، وذكر أن حوّاء عشات بعده سنة ثمّ ماتت فدفنت مع زوجها في الغار الذي ذكرت إلى وقت الطوفان، واستخرجهما نوح وجعلهما في تابوت ثم حملهما معه في السفينة، فلما غاضت الأرض الماء ردّهما إلى مكانهما الذي كانا فيه قبل الطوفان،
من الأحاديث في سلطانه خلق أبينا آدم عليه السلام، وذلك لما أراد الله تعالى أن يطلع ملائكته على ما علم من انطواء إبليس على الكبر ولم يعلمه الملائكة حتى دنا أمره من البوار وملكه من الزوال فقال للملائكة : ( إني جاعل في الأرض خليفةً، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) البقرة: روي عن ابن عباس أن الملائكة قالت ذلك للذي كانوا عهدوا من أمره وأمر الجنّ الذين كانوا سُكان الأرض قبل ذلك فقالوا لربهم تعالى : أتجعل فيها من يكون مثل الجن الذين كانوا يسفكون الدماء فيها ويفسدون ويعصونك ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، فقال الله لهم : ( إني أعلم ما لا تعلمون ) يعني من انطواء إبليس على الكبر والعزم على خلاف أمري واغتراره، وأنا مبد ذلك لكم منه لتروه عياناً، فلما أراد الله أن يخلق آدم أمر جبريل أن يأتيه بطين من الأرض ، فقالت الأرض : أعوذ بالله منك أن تنقص مني وتشينني، فرجع ولم يأخذ منها شيئاً وقال : يا ربّ إنها عاذت بك فأعذتها ، فبعث ميكال، فاستعاذت منه فأعاذها ، فرجع وقال مثل جبرايل، فبعث إليها ملك الموت فعاذت منه، فقال : أنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمر ربي، فأخذ من وجه الأرض فخلطه ولم يأخذ من مكان واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء وطيناً لازباً، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين.
وروى أبو موسى عن النبي، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر والأسود والأبيض، وبين ذلك، والسهل والحزن، والخبيث والطيّب ) ، ثم بلّت طينته حتى صارت طيناً لازباً ثم تركت حتى صارت حمأً مسنوناً ثم تركت حتى صارت صلصالاً، كما قال ربّنا، تبارك وتعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون )، الحجر : 15 : 26 واللازب : الطين الملتزب بعضه ببعض ، ثمّ تُرك حتى تغيّر وأنتن وصار حمأً مسنوناً، يعني منتناً ، ثمّ صار صلصالاً ، وهو الذي له صوت.
وإنما سمّي آدم لأنه خلق من أديم الأرض ، قال ابن عباس : أمر الله بتربة آدم فرفعت، فخلق ادم من طين لازب من حمأ مسنون، وإنما كان حمأ مسنوناً بعد التراب فخلق منه آدم بيده لئلا يتكبّر إبليس عن السجود له ، قال : فمكث أربعين ليلة، وقيل: أربعين سنة، جسداً ملقىً، فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل، أي يصوِّت، قال: فهو قول الله تعالى : ( من صلصال كالفخار ) الرحمن : 55 : 14، يقول: منتن كالمنفوخ الذي ليس بمصمت، ثم يدخل من فيه فيخرج من دبره ويدخل من دبره ويخرج من فيه، ثم يقول: لست شيئاً، ولشيء ما خلقت، ولئن سلطت عليك لأهلكنك، ولئن سلطت عليّ لأعصينك، فكانت الملائكة تمرّ به فتخافه، وكان إبليس أشدّهم منه خوفاً .
فلما بلغ الحين الذي أراد الله أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة : ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) الحجر : 15 : 29؛ فلما نفخ الروح فيه دخلت من قبل رأسه ، وكان لا يجري شيء من الروح في جسده إلا صار لحما ً، فلما دخلت الروح رأسه عطس ، فقالت له الملائكة : قل الحمد لله ، وقيل : بل ألهمه الله التحميد فقال : الحمد لله رب العالمين ، فقال الله له : رحمك ربك يا آدم ، فلما دخلت الروح عينيه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما بلغت جفوه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، فلذلك يقول الله تعالى : ( خلق الإنسان من عجل ) الأنبياء : 21 : 37 ، فسجد له الملائكة كلهم إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ، فقال الله له : يا إبليس ما منعك أن تسجد إذ أمرتك ، قال : أنا خير منه لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين ، فلم يسجد كبراً وبغياً وحسدا ً، فقال الله له : ( يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي )، إلى قوله : ( لأملأنّ جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) ص : 38 : 75 - 58 ، فلما فرغ من إبليس ومعاتبته وأبى إلا المعصية أوقع عليه اللعنة وأيأسه من رحمته وجعله شيطاناً رجيماً وأخرجه من الجنة.
قال حميد بن هلال : نزل إبليس مختصراً فلذلك كره الاختصار في الصلاة، ولما أنزل قال : يا ربّ أخرجتني من الجنة من أجل آدم وإنني لا أقوى عليه إلا بسلطانك ، قال : فأنت مسلّط، قال : زدني ، قال : لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله ، قال : زدني ، قال : صدورهم مساكن لك وتجري منهم مجرى الدم ، قال : زدني ، قال : أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم.
قال آدم : يا ربّ قد أنظرته وسلّطته عليَّ وإنني لا أمتنع منه إلا بك ، قال : لا يولد لك ولد إلا وكّلت به من يحفظه من قرناء السوء ، قال : يا ربّ زدني ، قال : الحسنة بعشر أمثالها وأزيدها ، والسيئة بواحدة وأمحوها ، قال : يا ربّ زدني ، قال : ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ) الزمر : 39 : 53 ، قال : يا رب زدني ، قال : التوبة لا أمنعها من ولدك ما كانت فيهم الروح ، قال : يا ربّ زدني ، قال : أغفر ولا أبالي ، قال : حسبي ، ثمّ قال الله لآدم : إيتِ أولئك النفر من الملائكة فقل السلام عليكم ، فأتاهم فسلّم عليهم ، فقالوا له : وعليك السلام ورحمة الله ، ثمّ رجع إلى ربّه فقال : هذه تحيّتك وتحيّة ذريتك بينهم.
فلمّا امتنع إبليس من السجود وظهر للملائكة ما كان مستتراً عنهم ، علّم الله آدم الأسماء كلها . واختلف العلماء في الأسماء فقال الضحّاك عن ابن عباس : علمه الأسماء كلها التي تتعارف بها الناس : إنسان ودابّة وأرض وسهل وجبل وفرس وحمار وأشباه ذلك ، حتى الفُسْوة والفُسَية ، وقال مجاهد وسعيد بن جُبير مثله . وقال ابن زيد : عُلّم أسماء ذرّيته ، وقال الربيع : علم أسماء الملائكة خاصة ، فلما علمها عرض الله أهل الأسماء على الملائكة فقال : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) البقرة : 2 : 31 إني إن جعلت الخليفة منكم أطعتموني وقدّستموني ولم تعصوني، وإن جعلته من غيركم أفسد فيها وسفك الدماء ، فإنكم إن لم تعلموا أسماء هؤلاء وأنتم تشاهدونهم فبأن لا تعلموا ما يكون منكم ومن غيركم وهو مغيب عنكم أولى وأحرى ، وهذا قول ابن مسعود ورواية أبي صالح عن ابن عباس . وروي عن الحسن وقتادة أنهما قال ا: لما أعلم الله الملائكة بخلق آدم واستخلافه و( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) البقرة : 1 : 30 و( قال إني أعلم ما لا تعلمون ) البقرة : 2 : 30، قالوا فيما بينهم : ليخلق ربّنا ما يشاء فلن يخلق خلقاً إلا كنا أكرم على الله منه وأعلم منه ، فلمّا خلقه وأمرهم بالسجود له علموا أنّه خير منهم وأكرم على الله منهم، فقالوا : إن يكُ خيراً منّا وأكرم على الله منا فنحن أعلم منه ، فلمّا أعجبوا بعلمهم ابتلوا بأن علمه الأسماء كلها ثمّ عرضهم على الملائكة فقال : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين )، البقرة :2 : 31 إني لا أخلق أكرم منكم ولا أعلم منكم، ففزعوا إلى التوبة ، وإليها يفزع كل مؤمن ، ف ( قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم) البقرة : 2 : 32،
قالا : وعلمه اسم كل شيء من هذه : الخيل والبغال والإبل والجن والوحش وكل شيء.
إسكان آدم الجنة وخلق حواء وإخراجه من الجنة
فلما ظهر للملائكة من معصية إبليس وطغيانه ما كان مستتراً عنهم وعاتبه الله على معصيته بتركه السجود لآدم فأصرّ على معصيته وأقام على غيّه لعنه الله وأخرجه من الجنة وطرده منها وسلبه ما كان إليه من ملك سماء الدنيا والأرض وخزن الجنّة، فقال الله له: ( اخرج منها فإنّك رجيم ، وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ) ؛ وأسكن آدم الجنة.
قال ابن عباس وابن مسعود: فلما أسكن آدم الجنة كان يمشي فيها فرداً ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومة واستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها فقال: من أنت ، قالت: امرأة، قال: ولم خلقت قالت: لتسكن إليّ ، قالت له الملائكة لينظروا مبلغ علمه: ما اسمها ، قال: حواء، قالوا: ولم سميت حواء ، قال: لأنها خلقت من حي ، وقال الله له: ( يا ادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ) البقرة: 2 : 35.
وقال ابن اسحاق فيما بلغه عن أهل الكتاب وعن غيرهم " ومنهم عبد الله بن عباس " قال: ألقى الله تعالى على آدم النوم وأخذ ضلعاً من أضلاعه من شقّه الأيسر ولأم مكانه لحماً وخلق منه حواً، وآدم نائم، فلمّا استيقظ رآها إلى جنبه فقال: لحمي ودمي وروحي، فسكن إليها، فلما زوجه الله تعالى وجعل له سكناً من نفسه قال له: ( يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) البقرة: 2 : 35.
وعن مجاهد وقتادة مثله: فلمّا أسكن الله آدم وزوجته الجنة أطلق لهما أن يأكلا كلّ ما أرادا من كل ثمارها غير ثمرة شجرة واحدة، ابتلاءً منه لهما وليمضي قضاؤه فيهما وفي ذريتهما، فوسوس لهما الشيطان، وقال: ( يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) طه:120 ( وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) الأعراف: 7 : 20، أن تكونا ملكين، أو تخلدان إن لم تكونا ملكين في نعمة الجنة، يقول الله تعالى: ( فدلاهما بغرور ) الأعراف: 7 : 22، وكان انفعال حواء لوسوسته أعظم ، فأكلا من الشجرة ، فبدت لهما سوءاتهما، وكان لباسهما الظفر، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، قيل: كان ورق التين، وكانت الشجرة من أكل منها أحدث، وذهب آدم هارباً في الجنة، فناداه ربّه: أن يا آدم مني تفرّ ، قال: لا ياربّ ولكن حياء منك، فأهبطهم إلى الأرض، وسلب الله آدم وحواء كلّ ما كانا فيه من النعمة والكرامة.
الموضع الذي أُهبط فيه آدم وحواء من الأرض
قيل: ثمّ إن الله تعالى أهبط آدم قبل غروب الشمس من اليوم الذي خلقه فيه، وهو يوم الجمعة، مع زوجته حوّاء من السماء، فقال عليّ وابن عباس وقتادة وأبو العالية: إنّه أهبط بالهند على جبل يقال له نود من أرض سرنديب، وحواء بجدّة، قال ابن عباس: فجاء في طلبها فكان كلّما وضع قدمه بموضع صار قرية، وما بين خطوتيه مفاوز، فسار حتى أتى جمعاً فازدلفت إليه حواء، فلذلك سميت المزدلفة، وتعارفا بعرفات فلذلك سميت عرفات، واجتمعا بجمع فلذلك سميت جمعاً، وأهبطت إبليس بميسان ، وقيل: أهبط آدم بالبرية، وإبليس بالأبلة.
قال أبو جعفر: وهذا ما لا يصول الى معرفة صحته إلا بخبر يجيء مجيء الحجة، ولا نعلم خبراً في ذلك غير ما ورد في هبوط آدم بالهند، فإنّ ذلك مما لا يدفع صحته علماء الإسلام.
وكان حسن الصورة لا يشبهه من ولده غير يوسف، وأنزل عليه جبريل بصرّة فيها حنطة، فقال آدم: ما هذا ، قال: هذا الذي أخرجك من الجنة ، فقال: ما أصنع به ، فقال: انثره في الأرض، ففعل، فأنبته الله من ساعته، ثمّ حصده وجمعه وفركه وذرّاه وطحنه وعجنه وخبزه، كل ذلك بتعليم جبريل، وجمع له جبريل الحجر والحديد فقدحه فخرجت منه النار، وعلّمه جبريل صنعة الحديد والحراثة، وأنزل إليه ثوراً، فكان يحرث عليه، قيل هو الشقاء الذي ذكره الله تعالى بقوله: ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) طه: 20 : 117
ثم إن الله أنزل آدم من الجبل وملّكه الأرض وجميع ما عليها من الجن والدوابّ والطير وغير ذلك، فشكا الى الله تعالى وقال: يا رب أما في هذه الأرض من يسبحك غيري، فقال الله تعالى: سأخرج من صلبك من يسبّحني ويحمدني، وسأجعل فيها بيوتاً ترفع لذكري، وأجعل فيها بيتاً أختصه بكرامتي وأسمّيه بيتي وأجعله حرماً آمناً، فمن حرّمه بحُرمتي، فقد استوجب كرامتي، ومن أخاف أهله فيه فقد خفر ذمّتي وأباح حرمتي، أوّل بيت وضع للناس فمن اعتمره لا يريد غيره فقد وفد إليّ وزارني وضافني، ويحقّ على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وأن يسعف كلاً بحاجته؛ تعمره أنت يا آدم ما كنت حيّاً، ثمّ تعمره الأمم والقرون والأنبياء من ولدك أمّة بعد أمّة، ثمّ أمر آدم أن يأتي البيت الحرام، وكان قد أهبط من الجنّة ياقوتة واحدة، وقيل: درّة واحدة، وبقي كذلك حتى أغرق الله قوم نوح، عليه السلام، فرفع وبقي أساسه، فبوّأ الله لإبراهيم، عليه السلام، فبناه على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
وسار آدم إلى البيت ليحجّه ويتوب عنده، وكان قد بكى هو وحواء على خطيئتهما وما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوماً، ثم أكلا وشربا بعدها، ومكث آدم لم يقرب حوّاء مائة عام، فحج البيت وتلقّى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه، وهو قوله تعالى: ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) الأعراف: 7 : 23.
إخراج ذريّة آدم من ظهره وأخذ الميثاق
روى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: أخذ الله الميثاق على ذرية آدم بنعمان من عرفة فأخرج من ظهره كل ذرية ذرأها إلى أن تقوم الساعة فنثرهم بين يديه كالذّرّ ثم كلمهم قبلاً وقال: ( ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة ) - إلى قوله - : ( بما فعل المبطلون ) الاعراف: 7 : 172 - 173. نعمان بفتح النون الأولى.
وقيل عن ابن عباس أيضاً: إنه أخذ عليهم الميثاق بدحنا، موضع، وقال السدي: أخرج الله آدم من الجنة ولم يهبطه الى الأرض من السماء ثم مسح صفحة ظهره اليمنى فأخرج ذرية كهيئة الذّرّ بيضاء مثل اللؤلؤ، فقال لهم: ادخلوا الجنّة برحمتي، ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منها كهيئة الذرّ سوداء، فقال: ادخلوا النار ولا أبالي، فذلك حين يقول: أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، ثم أخذ منهم الميثاق فقال: ألست بربكم قالوا بلى، فأعطوه الميثاق، طائفة طائعين وطائفة على وجه التقيّة.
وكان آدم مع ما أعطاه الله تعالى من ملك الأرض نبيّاً رسولاً إلى ولده، وأنزل الله عليه إحدى وعشرين صحيفة كتبها آدم بيده علمّه إيّاها جبريل . روى أبو ذرّ عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ) ، قال: قلت: يا رسول الله كم الرسل من ذلك ، قال: ( ثلاثمائة وثلاثة عشر جمّاً غفيراً ) ، يعني كثيراً، طيّباً، قال: قلت: من أولهم ، قال: ( آدم ) ، قال: قلت: يا رسول الله وهو نبي مرسل ، قال: ( نعم، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه ثم سواه قبلاً )، وكان ممن انزل عليه تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وحروف المعجم في إحدى وعشرين ورقة.
قتل قابيل بن آدم أخاه هابيل
وأهل العلم مختلفون في اسم قابيل، فبعضهم يقول: قين، وبعضهم يقول: قائين، وبعضهم يقول: قاين، وبعضهم يقول: قابيل . واختلفوا أيضاً في سبب قتله، فقيل: كان سببه أن آدم كان يغشى حوّاء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت له فيها بقابيل بن آدم وتوأمته فلم تجد عليهما وحماً ولا وصباً ولم تجد عليهما طلقاً حين ولدتهما ولم تر معهما دماً لطهر الجنّة ، فلما أكلا من الشجرة وهبطا إلى الأرض فاطمأنا بها تغشاها فحملت بهابيل وتوأمته فودجت عليهما الوحم والوصب والطلق حين ولدتهما ورأت معهما الدم ، وكانت حواء فيما يذكرون لا تحمل إلا توأماً ذكراً وأنثى، فولدت حواء لآدم أربعين ولداً لصلبه من ذكر وأنثى في عشرين بطناً، وكان الولد منهم أي أخواته شاء تزوج إلا توأمته التي تولد معه، فإنها لا تحل له، وذلك أنه لم يكن يومئذ نساء إلا أخواتهم وأمهم حوّاء، فأمر آدم ابنه قابيل أن ينكح توأمة هابيل، وأمر هابيل أن ينكح توأمة أخيه قابيل . فسلم هابيل لذلك ورضي به، وأبى ذلك قابيل وكرهه تكرّهاً عن أخت هابيل ورغب بأخته عن هابيل وقال: نحن من ولادة الجنّة وهما من ولادة الأرض فأنا أحقّ بأختي . وقال بعض أهل العلم: إن أخت قابيل كانت من أحسن الناس فضنّ بها على أخيه وأرادها لنفسه، وإنهما لم يكونا من ولادة الجنّة إنما كانا من ولادة الأرض، والله أعلم ، فقال له أبوه آدم: يا بنيّ إنها لا تحلّ لك ، فأبى أن يقبل ذلك من أبيه، فقال له أبوه: يا بني فقرّب قرباناً ويقرب أخوك هابيل قرباناً فأيّكما قبل الله قربانه فهو أحقّ بها ، وكان قابيل على بذر الأرض وهابيل على رعاية الماشية، فقرّب قابيل قمحاً وقرب هابيل أبكاراً من أبكار غنمه، وقيل: قرب بقرةً، فأرسل الله ناراً بيضاء فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، وبذلك كان يُقبل القربان إذا قبله الله، فلمّا قبل الله قربان هابيل وتركت قربان قابيل، وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله الله، فلمّا قبل الله قربان هابيل، وكان في ذلك القضاء له بأخت قابيل، غضب قابيل وغلب عليه الكبر واستحوذ عليه الشيطان وقال: لأقتلنّك حتى لا تنكح أختي، قال هابيل: ( إنما يتقبل الله من المتقين ، لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك ) إلى قوله: ( فطوعت له نفسه قتل أخيه ) المائدة 5 : 27 - 31، فاتبعه وهو في ماشيته فقتله، فهما اللذان قص الله خبرهما في القرآن فقال: ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قرباناً قتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر )، إلى آخر القصة . قال: فلمّآ قتله سقط في يده ولم يدر كيف يواريه، وذلك أنّه كان فيما يزعمون أوّل قتيل من بني آدم، ( فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليُريه كيف يواري سوأة أخيه ، قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي، فأصبح من النادمين ) إلى قوله تعالى: ( لمسرفون ) المائدة: 5 : 32، قيل: كان قتله عند عقبة حراء، ثم نزل من الجبل آخذاً بيد أخته فهرب بها إلى عدن من اليمن.ولما قتل هابيل كان عمره عشرين سنة، وكان لقابيل يوم قتله خمس وعشرون سنة.
قال الحسن: كان الرجلان اللذان ذكرهما الله تعالى في القرآن بقوله: ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق ) من بني إسرائيل، ولم يكونا من بني آدم لصلبه، وكان آدم أوّل من مات . وقال أبو جعفر: الصحيح عندنا أنهما ابنا آدم لصلبه للحديث الصحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( ما من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ منها، وذلك لأنه أوّل من سنّ القتل ) فبان بهذا أنهما لصلب آدم، فإن القتل مازال بين بني آدم قبل بني إسرائيل، وفي هذا الحديث أنه أول من سنّ القتل، ومن الدليل على أنه مات من ذريّة آدم قبله ما ورد في تفسير قوله تعالى: ( هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ ) إلى قوله: ( جعلا له شركاء فيما آتاهما )الأعراف: 7 : 189.
ولادة شيث
ومن الأحداث في أيامه ولادة شيث، وكانت ولادته بعد مضيّ مائة وعشرين سنة لآدم، وبعد قتل هابيل بخمس سنين، وقيل: ولد فرداً بغير توأم، وتفسير شيث هبة الله، ومعناه أنه خلف من هابيل، وهو وصيّ آدم، وقال ابن عباس: كان معه توأم، ولما حضرت آدم الوفاة عهد الى شيث وعلّمه ساعات الليل والنهار وعبادة الخلوة في كل ساعة منها وأعلمه بالطوفان، وصارت الرياسة بعد آدم إليه، وأنزل الله عليه خمسين.
وفاة آدم عليه السلام
ذكر أن آدم مرض أحد عشر يوماً وأوصي إلى ابنه شيث وأمره أن يخفي علمه عن قابيل وولده لأنه قتل هابيل حسداً منه له حين خصّه آدم بالعلم، فأخفى شيث وولده ما عندهم من العلم، ولم يكن عند قابيل وولده علم ينتفعون به . وقد روى أبو هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( قال الله تعالى لآدم حين خلقه ، إئتِ أولئك النفر من الملائكة قل السلام عليكم، فأتاهم فسلّم عليهم، وقالوا له ، عليك السلام ورحمة الله ، ثم رجع الى ربّه فقال له ، هذه تحيّتك وتحية ذريتك بينهم، ثم قبض له يديه فقال له ، خذ واختر، فقال ، أحببت يمين ربي وكلتا يديه يمين ، ففتحها له فإذا فيها صورة آدم وذريته كلهم ، وإذا كل رجل منهم مكتوب عنده أجله، وإذا آدم قد كتب له عمر ألف سنة ، وإذا قوم عليهم النور، فقال: يا رب من هؤلاء الذين عليهم النور فقال: هؤلاء الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الى عبادي، وإذا فيهم رجل هو من أضوئهم نوراً ولم يكتب له من العمر إلا أربعون سنة، فقال آدم: يا ربّ هذا من أضوئهم نوراً ولم تكتب له إلا أربعين سنة، بعد أن أعلمه أنه داود، عليه السلام، فقال: ذلك ما كتبت له، فقال: يا ربّ انقص له من عمري ستين سنة ) ، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ( فلما أهبط الى الأرض كان يعدّ أيّامه ، فلما أتاه ملك الموت لقبضه قال له آدم: عجلت يا ملك الموت قد بقي من عمري ستون سنة، فقال له ملك الموت: ما بقي شيء، سألت ربّك أن يكتبه لابنك داود، فقال: ما فعلت ) فقال النبيّ، صلى الله عليه وسلم: ( فنسي آدم فنسيت ذرّيته وجحد فجحدت ذرّيّته فحينئذٍ وضع الله الكتاب وأمر بالشهود ).
وروي عن ابن عباس قال: لما نزلت آية الدين قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ( إنّ أول من جحد آدم ثلاث مرار، وإن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة فجعل يعرضهم على آدم فرأى منهم رجلاً يزهر، قال: أي ربّ أيّ بنيّ هذا ، قال: ابنك داود، قال: كم عمره ، قال: ستون سنة، قال: زده من العمر، قال الله تعالى: لا، إلا أن تزيده أنت، وكان عمر آدم ألف سنة، فوهب له أربعين سنة، فكتب عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة، فلما احتضر آدم أتته الملائكة لتقبض روحه فقال: قد بقي من عمري أربعون سنة، قالوا: إنك قد وهبتها لابنك داود، قال: ما فعلتُ ولا وهبتُ له شيئاً، فأنزل الله عليه الكتاب وأقام الملائكة شهوداً، فأكمل لآدم ألف سنة وأكمل لداود مائة سنة ) . قال ابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال: بلغني أن آدم حين مات بعث الله بكفنه وحنوطه من الجنّة ثمّ وليت الملائكة قبره ودفنه حتى غيّبوه . وروى أبي بن كعب عن النبي، صلى الله عليه وسلم: ( أن آدم حين حضرته الوفاة بعث الله إليه بحنوطه وكفنه من الجنّة، فلما رأت حواء الملائكة ذهبت لتدخل دونهم ، فقال: خلّي عني وعن رسل ربي، فما لقيت ما لقيت إلا منك، ولا أصابني ما أصابني إلا فيك، فلما قبض غسلوه بالسدر والماء وتراً وكفنوه في وتر من الثياب ثم لحدوا له ودفنوه، ثم قالوا: هذه سنّة ولد آدم من بعده ).
قال ابن عباس: لما مات آدم قال شيث لجبريل: صلّ عليه، فقال: تقدّمْ أنت فصلّ على أبيك، فكبّر عليه ثلاثين تكبيرة، فأمّا خمس فهي الصلاة، وأما خمس وعشرون فتفضيلاً لآدم . وقيل: دفن في غار في جبل أبي قبيس يقال له غار الكنز، وقال ابن عباس: لما خرج نوح من السفينة دفن آدم ببيت المقدس . وكانت وفاته يوم الجمعة ، وذكر أن حوّاء عشات بعده سنة ثمّ ماتت فدفنت مع زوجها في الغار الذي ذكرت إلى وقت الطوفان، واستخرجهما نوح وجعلهما في تابوت ثم حملهما معه في السفينة، فلما غاضت الأرض الماء ردّهما إلى مكانهما الذي كانا فيه قبل الطوفان،