بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
مختصر زاد المعاد
هديه صلى الله عليه وسلم فى الأسماء والكنى
والذكر والطعام والسلام وآداب السفر
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أخنع اسم عند الله عز وجل رجل تسمى ملك الأملاك لا مالك إلا الله وثبت عنه إن أحب الأسماء الى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تسمين غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح فإنك تقول أثم هو فلا يكون فيقول لا وثبت عنه أنه غير اسم عاصية وقال أنت جميلة وكان اسم جويرية برة فغيره باسم جويرية وقالت زينب بنت أم سلمة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمى بهذا الاسم وقال لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم وغير اسم أبي الحكم بأبي شريح وغير اسم أصرم بزرعة وغير اسم حزن جد ابن المسيب بسهل فأبى وقال السهل يوطأ ويمتهن وقال أبو داود وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب و حباب وشهاب فسماه هشاما وسمى حربا سلما وسمى المضطجع المنبعث وأرضا عفرة سماها خضرة وشعب الضلالة سماه شعب الهداية وبنو مغوية سماهم بني رشدة ولما كانت الأسماء قوالب للمعاني دالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض فإن الحكمة تأبى ذلك والواقع يشهد بخلافه بل للأسماء تأثير في المسميات وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح والخفة والثقل واللطافة والكثافة كما قيل وقل أن بصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن وأمر إذا أبردوا إليه بريدا أن يكون حسن الاسم حسن الوجه وكان يأخذ المعاني من أسمائها في المنام واليقظة كما رأى أنه هو وأصحابه في دار عقبة بن رافع فأتوا برطب من رطب ابن طاب فأوله أن العاقبة لهم في الدنيا والرفعة في الآخرة وأن الدين الذي اختاره الله لهم قد أرطب وطاب وتأول سهولة الأمر يوم الحديبية من مجيء سهيل وندب جماعة الى حلب شاة فقام رجل يحلبها فقال ما اسمك قال مرة فقال اجلس فقام آخر فقال ما اسمك قال أظنه حرب قال اجلس فقام آخر فقال ما اسمك قال يعيش قال احلبها وكان يكره الأمكنة المنكرة الأسماء ويكره العبور فيها كما مر بين جبلين فسأل عن اسمهما فقالوا فاضح ومخزي فعدل عنهما ولما كان بين الأسماء والمسميات من الارتباط والتناسب والقرابة ما بين قوالب الأشياء وحقائقها وما بين الأرواح والأجسام عبر العقل من كل منهما إلى الآخر كما كان إياس ابن معاوية وغيره يرى الشخص فيقول ينبغي أن يكون اسمه كيت وكيت فلا يكاد يخطئ وضد هذا العبور من اسمه الى مسماه كما سأل عمر رجلا عن اسمه فقال جمرة فقال واسم أبيك فقال شهاب قال فمنزلك قال بحرة النار قال فأين مسكنك قال بذات لظى قال اذهب فقد احترق مسكنك قال فذهب فوجد الأمر كذلك كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن اسم سهيل الى سهولة أمرهم وأمر أمته بتحسين أسمائهم وأخبر أنهم يدعون يوم القيامة بها وتأمل كيف اشتق للنبي صلى الله عليه وسلم من وصفه اسمان مطابقان لمعناه وهما أحمد ومحمد فهو لكثرة ما فيه من الصفات المحمودة وشرفها وفضلها على صفات غيره أحمد وكذلك تكنيته لأبي الحكم بأبي جهل وكذلك تكنية الله عز وجل لعبد العزى بأبي لهب لما كان مصيره الى ذات لهب ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واسمها يثرب سماها طيبة لما زال عنها من معنى التثريب ولما كان الاسم الحسن يقتضي مسماه قال صلى الله عليه وسلم لبعض العرب يا بني عبد الله ان الله قد أحسن اسمكم واسم أبيكم فانظر كيف دعاهم الى عبودية الله بذلك وتأمل أسماء الستة المتبارزين يوم بدر فالوليد له بداية الضعف وشيبة له نهاية وعتبة من العتب وأقرانهم علي وأبو عبيدة والحارث العلو والعبودية والسعي الذي هو الحرث ولذلك كان أحب الأسماء الى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه فإضافة العبودية الى اسمه الله و الرحمن أحب اليه من إضافتها الى القادر و القاهر وغيرها وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وربه إنما هو العبودية المحضة والتعلق بين الله وبين العبد الرحمة المحضة فبرحمته كان وجوده وكماله والغاية التي أوجده لأجلها أن يتألهه وحده محبة وخوفا ورجاء ولما كان كل عبد متحركا بالإرادة والهم مبدأ الإرادة وترتب على إرادته حرثه وكسبه كان أصدق الأسماء اسم همام وحارث ولما كان الملك الحق الله وحده كان أخنع اسم عند الله وأغضبه له اسم شاهان شاه أي ملك الملوك وسلطان السلاطين فإن ذلك ليس لأحد غير الله عز وجل فتسمية غيره بهذا باطل والله لا يحب الباطل وقد ألحق بعضهم بهذا قاضي القضاة ويليه في القبح سيد الناس لأن ذلك ليس لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولما كان مسمى الحرب والمرارة أكره شيء للنفوس كان أقبح الأشياء حربا ومرة وعلى قياسه حنظلة وحزن وما أشبههما ولما كانت أخلاق الأنبياء أشرف الأخلاق كانت في أسمائهم أحسن الأسماء فندب النبي صلى الله عليه وسلم أمته الى التسمي بأسمائهم كما في سنن أبي داود والنسائي عنه تسموا بأسماء الأنبياء ولو لم يكن فيه إلا أن الاسم يذكر بمسماه ويقتضي التعلق بمعناه لكفى به مصلحة وأما النهي عن تسمية الغلام بيسار ونحوه فهو لمعنى آخر أشار اليه في الحديث وهو قوله فإنك تقول أثم هو إلى آخره والله أعلم هل هي من تمام الحديث أو مدرجة فإن هذه الأسماء لما كنت قد توجب تطيرا وقد تقطع الطيرة على المتطيرين فاقتضت حكمة الرؤوف بأمته أن يمنعهم من أسباب توجب سماع المكروه أو وقوعه هذا الى ما ينضاف الى ذلك من تعليق ضد الاسم عليه بأن يسمى يسارا من هو من أعسر الناس ونجيحا من لا نجاح معه ورباحا من هو من الخاسرين فيكون قد وقع في الكذب عليه وعلى الله وأمر آخر وهو أن يطالب بمقتضى اسمه فلا يوجد فيجعل ذلك سببا لسبه كما قيل سموك من جهلهم سديدا والله ما فيك من سداد وهذا كما أن من المدح ما يكون ذما موجبا لسقوط الممدوح عند الناس فإنه يمدح بما ليس فيه فتطالبه النفوس بما مدح به وتظنه عنده فلا تجده كذلك فينقلب ذما ولو ترك لغير مدح لم تحصل تلك المفسدة وأمر آخر وهو اعتقاد المسمى انه كذلك فيقع في تزكية نفسه كما نهى أن تسمى برة فعلى هذا تكره التسمية بالرشيد والمطيع والطائع وأمثال ذلك وأما تسمية الكفار بذلك فلا يجوز التمكين منه ولا دعاؤهم بشيء من ذلك وأما الكنية فهو نوع تكريم وكنى النبي صلى الله عليه وسلم صهيبا بأبي يحيى وعليا بأبي تراب وكنى أخا أنس وهو صغير بأبي عمير وكان هديه تكنية من له ولد ومن لا ولد له ولم يثبت عنه أنه نهى عن كنية إلا الكنية بأبي القاسم فاختلف فيه فقيل لا يجوز مطلقا وقيل لا يجوز الجمع بينهما وبين اسمه وفيه حديث صححه الترمذي وقيل يجوز الجمع بينهما لحديث علي إن ولد لي من بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك قال نعم صححه الترمذي وقيل المنع مختص بحياته والصواب أن التكني بكنيته ممنوع منه والمنع في حياته أشد والجمع بينهما ممنوع منه وحديث علي في صحته نظر والترمذي فيه نوع تساهل في التصحيح وقد قال علي إنها رخصة له وهذا يدل على بقاء المنع لمن سواه وحديث عائشة ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي غريب لا يعارض بمثله الحديث الصحيح وكره قوم من السلف الكنية بأبي عيسى وأجازه آخرون فروى أبو داود عن زيد بن أسلم أن عمر ضرب ابنا له تكنى بأبي عيسى وكنى المغيرة بأبي عيسى فقال عمر أما يكفيك أن تكنى بأبي عبد الله فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بذلك فقال إن رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنا لفي جلجتنا فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك ونهى عن تسمية العنب كرما وقال الكرم قلب المؤمن وهذا لأن هذه اللفظة تدل على كثرة الخير والمنافع وقال لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا وإنها العشاء وإنهم يسمونها العتمة وقال لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا والصواب أنه لم ينه عن إطلاق هذا الاسم بالكلية وإنما نهى عن أن يهجر اسم العشاء وهذا محافظة منه على الاسم الذي سمى الله به العبادات فلا تهجر ويؤثر عليها غيرها كما فعله المتأخرون في هجران ألفاظ النصوص وإيثار المصطلحات الحادثة عليها ونشأ بسبب هذا من الجهل والفساد ما الله به عليم وهذا لمحافظته على تقديم ما قدمه الله وبدأ في العيد بالصلاة ثم نحر وبدأ في أعضاء الوضوء بالوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين وقدم زكاة الفطر على صلاة العيد لقوله قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ونظائره كثيرة.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ المنطق واختيار الألفاظ
كان يتخير في خطابه ويختار لأمته أحسن الألفاظ وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والفحش فلم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا ولا فظا وكان يكره أن يستعمل اللفظ الشريف في حق من ليس كذلك وأن يستعمل اللفظ المكروه في حق من ليس من أهله فمن الأول منعه أن يقال للمنافق سيد ومنه أن يسمى العنب كرما ومنعه من تسمية أبي جهل بأبي الحكم وكذلك تغييره لاسم أبي الحكم من الصحابة بأبي شريح وقال إن الله هو الحكم وإليه الحكم ومنه نهيه المملوك أن يقول لسيده ربي وللسيد أن يقول لمملوكه عبدي وأمتي وقال لمن ادعى أنه طبيب أنت رفيق وطبيبها الذي خلقها والجاهلون يسمون الكافر الذي له علم إما بشيء من الطبيعة حكيما ومنه قوله للذي قال ومن يعصهما فقد غوى بئس الخطيب أنت ومنه قوله لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان وفي معناه قول من لا يتوقى الشرك أنا بالله وبك وأنا في حسب الله وحسبك ومالي إلا الله وأنت وأنا متوكل على الله وعليك وهذا من الله ومنك ووالله وحياتك وأمثال هذه الألفاظ التي يجعل قائلها المخلوق ندا لله وهي أشد منعا وقبحا من قوله ما شاء الله وشئت فأما إذا قال أنا بالله ثم بك وما شاء الله ثم شئت فلا بأس كما في حديث الثلاثة لا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك وأما القسم الثاني وهو أن تطلق ألفاظ الذم على من ليس من أهلها فمثل نهيه عن سب الدهر وقال إن الله هو الدهر وفيه ثلاث مفاسد أحدها سب من ليس بأهل الثانية أن سبه متضمن للشرك فإنه ما سبه إلا لظنه أنه يضر وينفع وأنه ظالم وإشعار هؤلاء في سبه كثيرة جدا وكثيرا من الجهال يصرح بلعنه الثالثة أن السب إنما يقع على فاعل هذه الأفعال التي لو اتبع الحق فيها أهواءهم لفسدت السموات والأرض وإذا وافقت أهواءهم حمدوا الدهر وأثنوا عليه ومن هذا قوله لا يقولن أحدكم تعس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول صرعته بقوتي ولكن ليقل باسم الله فإنه يتصاغر حتى يكون مثل الذباب وفي حديث آخر إن العبد إذا لعن الشيطان يقول إنك لتلعن ملعنا وهكذا قول أخزى الله الشيطان وقبح الله الشيطان فإن ذلك كله يفرحه ويقول علم ابن آم أني نلته بقوتي وذلك ما يعينه على إغوائه فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم من مسه شيء من الشيطان أن يذكر الله ويذكر اسمه ويستعيذ بالله منه فإن ذلك أنفع له وأغيظ للشيطان ومن ذلك نهيه أن يقول الرجل خبثت نفسي ولكن يقول لقست نفسي ومعناهما واحد أي غثت نفسي وساء خلقها فكره لهم لفظ الخبث لما فيه من القبح والشناعة ومنه نهيه عن قول القائل بعد فوات الأمر لو أني فعلت كذا وكذا وقال إنها تفتح عمل الشيطان وأرشده إلى ماهو أنفع منها وهو أن يقول قدر الله وماشاء فعل وذلك لأن قوله لو كنت فعلت كذا لم يفتني ما فاتني أو لم أقع فيما وقعت فيه كلام لايجدي عليه فائدة فإنه غير مستقبل لما استدبر وغير مستقيل عثرته بلو وفي ضمنها أن الأمر لو كان كما قدره في نفسه لكان غير ماقضاه الله ووقوع خلاف المقدور محال فقد تضمن كلامه كذبا وجهلا ومحالا وإن سلم من التكذيب بالقدر لم يسلم من معارضته بلو فإن قيل فتلك الأسباب التي تمناها من القدر أيضا قيل هذا حق ولكن هذا ينفع قبل وقوع القدر المكروه فإذا وقع فلا سبيل الى دفعه أو تخفيفه بل وظيفته في هذه الحال أن يستقبل فعله الذي يدفع به أو يخفف أثر ما وقع ولا يتمنى مالا مطمع في وقوعه فإنه عجز محض والله يلوم على العجز ويحب الكيس وهو مباشرة الأسباب فهي تفتح الخير وأما العجز فيفتح عمل الشيطان فإنه إذا عجز عما ينفعه صار إلى الأماني الباطنة ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من العجز والكسل وهما مفتاح كل شر ويصدر عنهما الهم والحزن والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال فمصدرها كلها عن العجز والكسل وعنوانها لو فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فإن لو تفتح عمل الشيطان فالمتمني من أعجز الناس وأفلسهم وأصل المعاصي كلها العجز فإن العبد يعجز عن أسباب الطاعات وعن الأسباب التي تبعده عن المعاصي وتحول بينه وبينها فجمع في هذا الحديث الشريف أصل الشر وفروعه ومبادئه وغاياته وغاياته وموارده ومصادره وهو مشتمل على ثمان خصال كل خصلتين منها قرينتان فقال أعوذ بك من الهم والحزن وهما قرينان فإن المكروه الوارد على القلب إما أن يكون سببه أمرا ماضيا فهو يحدث الحزن وإما أن يكون توقع مستقبل فهو يورث الهم وكلاهما من العجز فإن ما مضى لا يدفع بالحزن بل بالرضى والحمد والصبر والايمان بالقدر وقول العبد قدر الله وما شاء فعل وما يستقبل لا يدفع بالهم بل إما أن تكون له حيلة في دفعه فلا يعجز عنه وإما أن تكون له حيلة في دفعه فلا يجزع ويلبس له لباسه من التوحيد والتوكل والرضى بالله ربا فيما يحب ويكره والهم والحزن يضعفان العزم ويوهنان القلب ويحولان بين العبد وبين الاجتهاد فيما ينفعه فهما حمل ثقيل على ظهر السائر ومن حكمة العزيز الحكيم تسليط هذين الجندين على القلوب المعرضة عنه ليردها عن كثير من معاصيها ولا تزال هذه القلوب في هذا السجن حتى تخلص الى فضاء التوحيد والإقبال على الله ولا سبيل الى خلاص القلب من ذلك إلا بذلك ولا بلاغ إلا بالله وحده فإنه لا يوصل اليه إلا هو ولا يدل عليه إلا هو وإذا أقام العبد في أي مقام كان فبحمده وحكمته أقامه فيه ولم يمنع العبد حقا هو له بل منعه ليتوسل اليه بمحابه فيعطيه وليرده إليه وليعزه بالتذلل له وليغنيه بالافتقار إليه وليجبره بالانكسار بين يديه وليوليه بعزله أشرف الولايات وليشهده حكمته في قدرته ورحمته في عزته وإن منعه عطاء وعقوبته تأديب وتسليط أعدائه عليه سائق يسوقه إليه والله أعلم حيث يجعل مواقع عطائه وأعلم حيث يجعل رسالته وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين فهو سبحانه أعلم بمحال التخصيص فمن رده المنع اليه انقلب عطاء ومن شغله عطاؤه عنه انقلب منعا وهو سبحانه وتعالى أراد منا الاستقامة واتخاذ السبيل إليه وأخبرنا أن هذا المراد لايقع حتى يريد من نفسه إعانتنا ومشيئتنا له كما قال تعالى (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين) فإن كان مع العبد روح أخرى نسبتها الى روحه كنسبة روحه الى جسده يستدعي بها إرادة الله من نفسه أن يفعل به ما يكون به العبد فاعلا وإلا فمحله غير قابل للعطاء وليس معه إناء يوضع فيه العطاء فمن جاء بغير إناء رجع بالحرمان فلا يلومن إلا نفسه والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من الهم والحزن وهما قرينان ومن العجز والكسل وهما قرينان فإن تخلف صلاح العبد وكماله عنه إما أن يكون لعدم قدرته عليه فهو عجز أو يكون قادرا لكن لا يريده فهو كسل وينشأ عن هاتين الصفتين فوات كل خير وحصول كل شر ومن ذلك الشر تعطيله عن النفع ببدنه وهو الجبن وعن النفع بماله وهو البخل ثم ينشأ له من ذلك غلبتان غلبة بحق وهي غلبة الدين وغلبة بباطل وهي غلبة الرجال وكل هذه ثمرة العجز والكسل ومن هذا قوله في الحديث الصحيح للذي قضى عليه فقال حسبي الله ونعم الوكيل إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل حسبي ا لله ونعم الوكيل فهذا قالها بعد عجزه عن الكيس الذي لو قام به لقضي له على خصمه فلو فعل الأسباب ثم غلب فقالها لوقعت موقعها كما أن إبراهيم الخليل لما فعل الأسباب المأمور بها ولم يعجز بترك شيء منها ثم غلبه العدو وألقوه في النار قال حسبي الله ونعم الوكيل فوقعت الكلمة موقعها فأثرت أثرها وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم أحد لما قيل لهم بعد انصرافهم من أحد إن الناس قد جمعوا لكم فتجهزوا وخرجوا لهم ثم قالوها فأثرت أثرهاولهذا قال الله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) وقال الله تعالى (واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) فالتوكل والحسب بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجز محض وإن كان مشوبا بنوع من التوكل فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكله عجزا ولا عجزه توكلا بل يجعل توكله من جملة الأسباب التي لايتم المقصود إلا بها كلها ومن هاهنا غلط طائفتان أحدهما زعمت أن التوكل وحده سبب مستقل فعطلت الأسباب التي اقتضتها حكمة الله الثانية قامت بالأسباب وأعرضت عن التوكل والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم أرشد العبد إلى مافيه غاية كماله أن يحرص على ما ينفعه ويبذل جهده وحينئذ ينفعه التحسب بخلاف من فرط ثم قال حسبي الله ونعم الوكيل فإن الله يلومه ولا يكون في هذه الحال حسبه فإنما هو حسب من اتقاه ثم توكل عليه.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر
كان أكمل الناس ذكرا لله عز وجل بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه وكان أمره ونهيه وتشريعه للأمة ذكرا منه لله وإخباره عن أسماء الرب وصفاته وأحكامه وأفعاله ووعده ووعيده ذكر منه له وثناؤه عليه بآلائه وتمجيده وتسبيحه وتحميده ذكر منه له وسؤاله ودعاؤه إياه ورغبته ورهبته ذكر منه له وسكوته ذكر منه له بقلبه فكان ذاكرا لله في كل أحيانه وكان ذكره لله يجري مع أنفاسه قائما وقاعدا وعلى جنبه وفي مشيه وركوبه وسيره ونزوله وظعنه وإقامته وكان إذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ثم ذكر أحاديث رويت فيما يقول إذا استيقظ وإذا استفتح الصلاة وإذا خرج من بيته وإذا دخل المسجد وما يقول في المساء والصباح وعند لبس الثوب ودخول المنزل ودخول الخلاء والوضوء والأذان ورؤية الهلال والأكل والعطاس.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم عند دخوله منزله
لم يكن ليفجأ أهله بغتة يتخونهم ولكن كان يدخل على علم منهم وكان يسلم عليهم وإذا دخل بدأ بالسواك وسأل عنهم وربما قال هل عندكم من عذاء وربما سكت حتى يحضر بين يديه ماتيسر وثبت عنه أن رجلا سلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه وأخبر أن الله سبحانه وتعالى يمقت الحديث على الغائط وكان لايستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول ونهى عن ذلك.
فصل سن الآذن وشرع الإقامة
ثبت عنه أنه سن الآذن بترجيع وغير ترجيع وشرع الإقامة مثنى وفرادى ولكن كلمة الإقامة قد قامت الصلاة لم يصح عنه إفرادها البتة وكذلك الذي صح عنه تكرار لفظ التكبير في أول الأذان ولم يصح عنه الاقتصار على مرتين وشرع لأمته عند الأذان خمسة أنواع أحدها أن يقولوا مثل ماقال المؤذن إلا في الحيعلتين فأبدلها ب لاحول ولا قوة إلا بالله ولم يجئ عنه الجمع بينهما ولا الاقتصار على الحيعلة وهذا مقتضى الحكمة فإن كلمات الأذان ذكر وكلمة الحيعلة دعاء الى الصلاة فسن للسامع أن يستعين على هذه الدعوة بكلمة الإعانة الثاني أن يقول رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا وأخبر أن من قال ذلك غفر له ذنبه الثالث أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من إجابة المؤذن وأكملها ماعلمه أمته وإن تحذلق المتحذلقون الرابع أن يقول بعد الصلاة علية اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الخامس أن يدعو لنفسه بعد ذلك وفي السنن عنه الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة قالوا فما نقول يارسول الله قال سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة حديث صحيح وكان يكثر الدعاء في عشر ذي الحجة ويأمر فيه بالإكثار من التهليل والتكبير والتحميد ويذكر عنه أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق فيقول الله اكبر الله اكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وهذا وإن كان لا يصح إسناده فالعمل عليه ولفظه هكذا يشفع التكبير وأما كونه ثلاثا فإنما روي عن جابر وابن عباس من فعلهما فقط وكلاهما حسن قال الشافعي وإن زاد فقال الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا كان حسنا.
فصل إذا وضع يده في الطعام قال بسم الله
وكان إذا وضع يده في الطعام قال بسم الله وأمر بذلك ويقول إذا نسي فليقل بسم الله في أوله وآخره حديث صحيح والصحيح وجوب التسمية عند الأكل وتاركها شريكه الشيطان في طعامه وشرابه وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة ولا معاض لها ولا إجماع يسوغ مخالفتها وهل تزول مشاركة الشيطان بتسمية أحد الجماعة فنص الشافعي على إجزاء تسمية الواحد وقد يقال لاترتفع مشاركة الشيطان للآكل إلا بتسميته هو وللترمذي وصححه عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعاما في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه لو سمى لكفاكم ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه سموا ولهذا جاء في حديث حذيفة حضرنا طعاما فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها ثم جاء أعرابي فأخذ بيده فقال إن الشيطان يستحل الطعام أن لايذكر اسم الله عليه وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده والذي نفسي بيده إن يده لفي يدي مع يديهما ثم ذكر اسم الله وأكل ولكن قد يجاب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن وضع يده ولكن الجارية ابتدأت وأما مسألة رد السلام وتشميت العاطس ففيها نظر وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم إذا عطس أحدكم فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته وإن سلم الحكم فيهما فالفرق بينهما وبين مسألة الأكل ظاهر فإن الشيطان إنما يتوصل الى مشاركته الأكل فإذا سمى غيره قلت مشاركة الشيطان له وتبقى المشاركة بينه وبين من لم يسم ويذكر عنه أنه كان إذا شرب تنفس في الإناء ثلاثة أنفاس يحمد الله في كل نفس ويشكره في آخرهن وما عاب طعاما قط بل إن كرهه تركه وسكت وربما قال أجدني أعافه أي لا أشتهيه وكان يمدح الطعام أحيانا كقوله نعم الإدام الخل لمن قال ماعندنا إلا خل تطييبا لقلب من قدمه لا تفضيلا له على سائر الأنواع وكان إذا قرب إليه الطعام وهو صائم قال إني صائم وأمر من قدم إليه الطعام وهو صائم أن يصلي أي يدعو لمن قدمه وإن كان مفطرا أن يأكل منه وإذا دعي الى طعام وتبعه أحد أعلم به رب المنزل فقال إن هذا تبعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع وكان يتحدث على طعامه كما قال لربيبه سم الله وكل مما يليك وربما كان يكرر على أضيافه عرض الأكل عليهم مرارا كما يفعله أهل الكرم كما في حديث أبي هريرة في اللبن وكان إذا أكل عند قوم لم يخرج حتى يدعو لهم وذكر أبو داود عنه في قصة أبي الهيثم فأكلوا فلما فرغوا قال أثيبوا أخاكم قالوا يارسول الله وما إثابته قال إن الرجل إذا دخل بيته فأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك إثابته وصح عنه أنه دخل منزله ليلة فالتمس طعاما فلم يجده فقال الله أطعم من أطعمني واسق من سقاني وكان يدعو لمن يضيف المساكين ويثني عليهم وكان لايأنف من مؤاكلة أحد صغير كان أو كبيرا حرا أو عبدا ويأمر بالأكل باليمنى وينهى عن الشمال ويقول إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ومقتضاه تحريم الأكل بها وهو الصحيح وأمر من شكوا إليه أنهم لا يشبعون أن يجتمعوا على طعامهم ولا يتفرقوا وأن يذكروا اسم الله عليه وروي عنه أنه قال أذيبوا طعامكم بذكر الله عز وجل والصلاة ولاتناموا عليه فتقسو قلوبكم وأحرى به أن يكون صحيحا والتجربة تشهد به.
فصل في هديه في السلام والاستئذان وتشميت العاطس
هديه صلى الله عليه وسلم في السلام والاستئذان وتشميت العاطس في الصحيحين عنه ان افضل الإسلام أن تطعم الطعام وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف وفيهما إن آدم لما خلقه الله قال له اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فسلم عليهم واستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليكم ورحمة الله فزادوه ورحمة الله وفيهما أنه أمر بإفشاء السلام وأنهم إذا أفشوه تحابواوأنهم لا يدخلون الجنة حتى يؤمنوا ولا يؤمنون حتى يتحابوا وقال البخاري في صحيحه قال عمار ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار وقد تضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه فإن الإنصاف يوجب عليه أداء حقوق الله كاملة وأداء حقوق الناس كذلك ويعاملهم بما يحب أن يعاملوه به ويدخل في هذا انصافه نفسه من نفسه فلا يدعي لها ماليس لها ولا يخبثها بتدنيسه لها بمعاصي الله والمقصود أن الإنصاف من نفسه يوجب عليه معرفة ربه ومعرفة نفسه ولا يزاحم بها مالكها ولا يقسم مراده بين مراد سيده ومرادها وهي قسمة ضيزى مثل قسمة الذين قالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون فلينظر العبد لا يكون من أهل هذه القسمة بين نفسه وشركائه وبين الله لجهله وظلمه وإلا لبس عليه وهو لايشعر فإنه خلق ظلوما جهولا وكيف يطلب الإنصاف ممن وصفه الظلم والجهل وكيف ينصف الخلق من لم ينصف الخالق كما في الأثر ابن آدم ما أنصفتني خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد وفي أثر آخر ابن آدم ما أنصفتني خلقتك وتعبد غيري وأرزقك وتشكر سواي ثم كيف ينصف غيره من لم ينصف نفسه بل قد ظلمها أقبح الظلم وهو يظن أنه يكرمها وبذل السلام للعالم يتضمن التواضع وأنه لا يتكبر على أحد والإنفاق من الإقتار لايصدر إلا عن قوة ثقة بالله وقوة يقين وتوكل ورحمة وزهد وسخاء نفس وتكذيب بوعد من يعده الفقر ويأمره بالفحشاء وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر بصبيان فسلم عليهم وذكر الترمذي أنه مر بجماعة نسوة فألوى بيده بالتسليم وقال أبو داود عن أسماء بنت يزيد مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا وهي رواية حديث الترمذي والظاهر أن القصة واحدة وأنه سلم عليهن بيده وفي البخاري أن الصحابة كانوا ينصرفون من الجمعة فيمرون على عجوز في طريقهم فيسلمون عليها فتقدم لهم طعاما من أصول السلق والشعير وهذا هو الصواب في مسألة السلام على النساء يسلم على العجوز وذوات المحارم دون غيرهن وفي صحيح البخاري يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والراكب على الماشي والقليل على الكثير وفي الترمذي يسلم الماشي على القائم وفي مسند البزار عنه والماشيان أيهما بدأ فهو أفضل وفي سنن أبي داود عنه إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام وكان من هديه السلام عند المجيء الى القوم والسلام عند الانصراف عنهم وثبت عنه أنه قال إذا قعد أحدكم فليسلم وإذا قام فليسلم فليس الأولى بأحق من الآخرة وذكر أبو داود عنه إذا لقي أحدكم صاحبه فليسلم عليه فإن حال بينهما شجرة أو جدار ثم لقيه فليسلم عليه أيضا وقال أنس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتماشون فإذا لقيتهم شجرة أو أكمة تفرقوا يمينا وشمالا وإذا التقوا من ورائها سلم بعضهم على بعض ومن هديه أن الداخل الى المسجد يبتدئ بركعتين ثم يجيء فيسلم فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله فإن تلك حق الله والسلام عليهم حق لهم وحق الله تعالى في مثل هذا أولى بالتقديم بخلاف الحقوق المالية فإن فيها نزاعا والفرق بينهما حاجة الآدمي وعدم اتساع المال لأداء الحقين وعلى هذا فيسن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مرتبة أحدها أن يقول عند دخوله بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ثم يصلي تحية المسجد ثم يسلم على القوم وكان إذا دخل على أهله بالليل سلم تسليما لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان ذكره مسلم وذكر الترمذي عنه السلام قبل الكلام ولأحمد عن ابن عمر مرفوعا السلام قبل السؤال فمن بدأ بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه ويذكر عنه لاتأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام وكان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول السلام عليكم وكان يسلم بنفسه على من يواجهه ويتحمل السلام كما تحمله من الله لخديجة وقال للصديقة الثانية هذا جبريل يقرأ عليك السلام وكن من هديه انتهاء السلام الى وبركاته وكان من هديه أن يسلم ثلاثا كما في البخاري عن أنس ولعله في الكثير الذي لم تبلغهم المرة وإذا ظن أنه لم يحصل الإسماع بالأول والثاني ومن تأمل هديه علم أن التكرير أمر عارض وكان يبدأ من لقيه بالسلام وإذا سلم عليه أحد رد عليه مثلها أو أحسن على الفور إلا لعذر مثل قضاء الحاجة ولم يكن يرد بيده ولا برأسه ولا بإصبعه إلا في الصلاة فإنه ثبت عنه الرد فيها بالإشارة وكان هديه في الابتداء السلام عليكم ورحمة الله ويكره أن يقول المبتدئ عليك السلام وكان يرد على المسلم وعليكم السلام بالواو ولو حذف الراد الواو فقالت طائفة لا يسقط به فرض الرد لأنه مخالف للسنة ولأنه لا يعلم هل رد أو ابتدأ التحية وذهبت طائفة الى أنه صحيح نص عليه الشافعي واحتج له بقوله تعالى (قالوا سلاما قال سلام) أي سلام عليكم لابد من هذا ولكن حسن الحذف في الرد لأجل الحذف في الابتداء واحتج له برد الملائكة على آدم المتقدم.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في السلام على أهل الكتاب
صح عنه لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم الى أضيق الطريق لكن قد قيل إنه في قضية خاصة لما سار الى بني قريظة قال لاتبدؤوهم بالسلام فهل هو عام في أهل الذمة أو يختص بمن كان حاله كأولئك لكن في صحيح مسلم لاتبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه الى أضيقه والظاهر أن هذا عام واختلف في الرد عليهم والصواب وجوبه والفرق بينهم وبين أهل البدع أنا مأمورون بهجرهم وثبت عنه أنه مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين فسلم عليهم وكتب إلى هرقل وغيره ب السلام على من اتبع الهدى ويذكر عنه تجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم فذهب إلى هذا من قال الرد فرض كفاية لكن ما أحسنه لو كان ثابتا فإن فيه سعيد بن خالد قال أبو زرعة ضعيف وكذلك قال أبو حاتم وكان من هديه إذا بلغه أحد السلام عن غيره أن يرد عليه وعلى المبلغ ومن هديه ترك السلام ابتداء وردا على من أحدث حدثا حتى يتوب.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الاستئذان
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الاستئذان ثلاثا فإن أذن لك وإلا فارجع وصح عنه إنما جعل الاستئذان من أجل البصر وصح عنه أنه أراد أن يفقأ عين الذي نظر إليه من شق حجرته وقال إنماجعل الإستئذان من أجل البصر وصح عنه التسليم قبل الاستئذان فعلا وتعليما واستأذن عليه رجل فقال أألج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل اخرج الى هذا فعلمه الاستئذان فقل له قل السلام عليكم أأدخل فسمعه الرجل فقال ذلك فأذن له فدخل وفيه رد على من قال يقدم الاستئذان وعلى من قال إن وقعت عينه على صاحب المنزل قبل دخوله بدأ بالسلام وإلا بالاستئذان وكان من هديه أنه إذا استأذن ثلاثا ولم يؤذن له انصرف وهو رد على من يقول إن ظن أنهم إن لم يسمعوه زاد على الثلاث وعلى من قال يعيده بلفظ آخر ومن هديه أن المستأذن إذا قيل له من أنت فيقول فلان ابن فلان أو يذكر كنيته ولا يقول أنا وروى أبو داود عنه أن رسول الرجل الى الرجل إذن له وذكره البخاري تعليقا ثم ذكر ما يدل على اعتبار الاستئذان بعد الدعوة وهو حديث دعاء أهل الصفة وفيه فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا وقالت طائفة إن الحديثين على حالين فإن جاء المدعو على الفور لم يحتج للاستئذان وإن تراخى احتاج إليه وقال آخرون إن كان عند الداعي من قد أذن له قبل مجيء المدعو لم يحتج للاستئذان وإلا استأذن وكان إذا دخل الى مكان يحب الانفراد فيه أمر من يمسك الباب فلا يدخل عليه أحد إلا بإذن وأما الاستئذان الذي أمر الله به المماليك ومن لم يبلغ الحلم في العورات الثلاث قبل الفجر ووقت الظهيرة وعند النوم فكان ابن عباس يأمر به ويقول ترك الناس العمل به وقالت طائفة الآية منسوخة ولم تأت بحجة وقالت طائفة أمر ندب وليس معها ما يدل على صرف الأمر عن ظاهره وقالت طائفة المأمور به النساء خاصة وهذا ظاهر البطلان وقالت طائفة عكس هذا نظروا الى لفظ الذين ولكن سياق الآية يأباه فتأمله وقالت طائفة كان الأمر لعلة وزال بزوالها وهي الحاجة فروى ابو داود في سننه أن نفرا قالوا لابن عباس كيف ترى هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ولا يعمل بها أحد فقال ابن عباس إن الله حكيم رؤوف بالمؤمنين يحب الستر وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجل على أهله فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات فجاءهم الله تعالى بالستور والخير فلم أر احدا يعمل بذلك بعد وقد أنكر بعضهم ثبوته وطعن في عكرمة ولم يصنع شيئا وطعن في عمرو بن أبي عمرو وقد احتج به صاحبا الصحيح فإنكاره تعنت لا وجه له وقالت طائفة الآية محكمة لا دافع لها والصحيح أن الحكم معلل بعلة قد أشارت إليها الآية فإن كان هناك ما يقوم مقام الاستئذان من فتح باب فتحه دليل على الدخول أو رفع ستر أو تردد الداخل والخارج ونحوه أغنى ذلك عن الاستئذان وإن لم يكن مايقوم مقامه فلا بد منه فإذا وجدت العلة وجد الحكم وإذا انتفت انتفى.
فصل قوله إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاوب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فيرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان ذكره البخاري وفي صحيح أيضا إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم وفي صحيح مسلم إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه وفي صحيحه حق المسلم على المسلم ست إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس وحمد الله فشمته وإذا مات فاتبعه وإذا مرض فعده وللترمذي عن ابن عمر علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العطاس ان نقول الحمد لله على كل حال وذكر مالك عن نافع عن ابن عمر إذا عطس أحدكم فقيل له يرحمك الله فليقل يرحمنا الله وإياكم ويغفر لنا ولكم وظاهر الحديث المبدوء به أن التشميت فرض عين اختاره ابن أبي زيد ولا دافع له ولما كان العاطس قد حصل له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة شرع له صلى الله عليه وسلم حمد الله على هذه النعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة شرع له حمد الله على هذه النعمة مع بقاء مع بقاء أعضاءه على هيئتها بعد هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها وكان إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض بها صوته ويذكر عنه أن التثاؤب الرفيع والعطسة الشديدة من الشيطان وصح عنه أنه عطس عنده رجل فقال يرحمك الله ثم عطس أخرى فقال له الرجل مزكوم لفظ مسلم ولفظ الترمذي أنه قال بعد العطسة الثالثة وقال حديث صحيح ولأبي داود عن أبي هريرة موقوفا شمت أخاك ثلاثا فمازاد فهو زكام فإن قيل الذي فيه زكام أولي أن يدعى له قيل يدعى له كما يدعى للمريض وأما سنة العطاس الذي يحبه الله وهو نعمة فإنه الى تمام الثلاث وقوله في هذا الحديث الرجل مزكوم تنبيه على الدعاء له بالعافية وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث وإذا حمد الله فسمعه بعضهم دون بعض فالصواب أن يشمته من لم يسمعه إذا تحقق أنه حمد الله والنبي صلى الله عليه وسلم قال فإن حمد الله فشمتوه وإذا نسسي الحمد فقال ابن العربي لايذكره وظاهر السنة يقوي هذا القول والنبي صلى الله عليه وسلم لم يذكره وهو أولى بفعل السنة وتعليمها وصح عنه أن اليهود كانوا يتعاطسون عنده يرجون أن يقول لهم يرحمكم الله فيقول يهديكم الله ويصلح بالكم.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في آداب السفر
صح عنه أنه قال إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين الحديث فعوض أمته بهذا عما كان عليه أمر الجاهلية من زجر الطير والاستقسام بالأزلام الذي نظيره هذه القرعة التي يفعلها إخوان المشركين يطلبون بها علم ما قسم لهم في الغيب ولهذا سمي استقساما فعوضهم بهذا الدعاء الذي هو توحيد وتوكل وسؤال للذي لايأتي بالحسنات إلا هو ولا يصرف السيئات إلا هو عن التطير والتنجيم واختيار المطالع ونحوه فهذا الدعاء هو طالع أهل السعادة لا طالع أهل الشرك الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون وتضمن الإقرار بصفات كماله والإقرار بربوبيته والتوكل عليه واعتراف العبد بعجزه عن العلم بمصالح نفسه وقدرته عليها وإرادته لها ولأحمد عن سعد مرفوعا إن من سعادة ابن آدم استخارة الله والرضى بما قضى الله وإن من شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفا بأمرين التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله والرضى بما يقضي الله بعده وكان إذا ركب راحلته كبر ثلاثا ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا الى ربنا لمنقلبون ثم يقول اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ماترضى اللهم هون علينا السفر واطو عنا بعده اللهم انت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا وكان إذا رجع قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون وذكر أحمد عنه أنه إذا دخل البلد قال توبا توبا لربنا أوبا لايغادر حوبا وكان إذا وضع رجله في الركاب لركوب دابته قال بسم الله فاذا استوى على ظهرها قال الحمد لله ثم يقول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وكان إذا ودع أصحابه في السفر يقول لأحدهم أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك وقال له رجل إني أريد سفرا قال أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف وكان هو وأصحابه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك وقال أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا علا شرفا من الأرض أو نشزا قال اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال وكان يقول لاتصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس وكان يكره للمسافر وحده أن يسير بالليل وقال لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار أحد وحده بليل بل كان يكره السفر للواحد وأخبر أن الواحد شيطان والاثنين شيطانان والثلاثة ركب وكان يقول إذا نزل أحدكم منزلا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ماخلق فانه لا يضره شيء حتى يرتحل منه وكان يقول إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حقها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فاسرعوا عليها السير وإذا عرستم فاجتنبوا الطرق فانها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل وكان ينهى أن يسافر بالقرآن الى أرض العدو مخافة أن يناله العدو وكان ينهى المرأة أن تسافر بغير محرم ولو مسافة بريد ويأمر المسافر إذا قضى نهمته من سفره أن يعجل الرجوع إلى أهله وينهى أن يطرق الرجل أهله ليلا إذا طالت غيبته عنهم وإذا قدم من سفر يلقى بالولدان من أهل بيته وكان يعتنق القادم من السفر ويقبله إذا كان من أهله قال الشعبي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدموا من سفر تعانقوا وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع ركعتين.
فصل ثبت عنه أنه علمهم خطبة الحاجة
ثبت عنه أنه علمهم خطبة الحاجة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وفي لفظ ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يقرأ الثلاث الآيات يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته الآية يا أيها الناس اتقوا ربكم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم قال شعبة قلت لأبي إسحاق هذه في خطبة النكاح أو في غيره قال في كل حاجة وقال إذا قاد أحدكم امرأة أو خادما أو دابة فليأخذ بناصيتها وليدع الله بالبركة وليسم الله عز وجل وليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرها وشر ماجبلت عليه وكان يقول للمتزوج بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير وصح عنه أنه قال مامن رجل رأى مبتلى فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا إلا لم يصبه ذلك البلاء كائنا ما كان وذكر عنه أنه ذكرت الطيرة عنده فقال أحسنها الفأل ولا ترد مسلما فإذا رأيت من الطيرة ما تكره فقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك.
فصل الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان
وصح عنه الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأى رؤيا يكره منها شيئا فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لاتضره ولايخبر بها أحدا فإن رأى رؤيا حسنة فليستبشر ولا يخبر بها إلا من يحب وأمر من رأى ما يكره أن يتحول من جنبه الذي كان عليه وأمره أن يصلي فأمره بخمسة أشياء أن ينفث عن يساره وأن يستعيذ بالله من الشيطان ولا يخبر بها أحدا وأن يتحول عن جنبه الذي كان عليه وأن يقوم يصلي وقال الرؤيا على رجل طائر مالم تعبر فإذا عبرت وقعت ولا يقصها إلا على واد أوذي رأي ويذكر عنه أنه كان يقول للرائي خيرا رأيت ثم يعبرها.
مختصر زاد المعاد لمحمد بن عبد الوهاب
منتدى ميراث الرسول
صلى الله عليه وسلم
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أخنع اسم عند الله عز وجل رجل تسمى ملك الأملاك لا مالك إلا الله وثبت عنه إن أحب الأسماء الى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تسمين غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح فإنك تقول أثم هو فلا يكون فيقول لا وثبت عنه أنه غير اسم عاصية وقال أنت جميلة وكان اسم جويرية برة فغيره باسم جويرية وقالت زينب بنت أم سلمة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمى بهذا الاسم وقال لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم وغير اسم أبي الحكم بأبي شريح وغير اسم أصرم بزرعة وغير اسم حزن جد ابن المسيب بسهل فأبى وقال السهل يوطأ ويمتهن وقال أبو داود وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب و حباب وشهاب فسماه هشاما وسمى حربا سلما وسمى المضطجع المنبعث وأرضا عفرة سماها خضرة وشعب الضلالة سماه شعب الهداية وبنو مغوية سماهم بني رشدة ولما كانت الأسماء قوالب للمعاني دالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض فإن الحكمة تأبى ذلك والواقع يشهد بخلافه بل للأسماء تأثير في المسميات وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح والخفة والثقل واللطافة والكثافة كما قيل وقل أن بصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن وأمر إذا أبردوا إليه بريدا أن يكون حسن الاسم حسن الوجه وكان يأخذ المعاني من أسمائها في المنام واليقظة كما رأى أنه هو وأصحابه في دار عقبة بن رافع فأتوا برطب من رطب ابن طاب فأوله أن العاقبة لهم في الدنيا والرفعة في الآخرة وأن الدين الذي اختاره الله لهم قد أرطب وطاب وتأول سهولة الأمر يوم الحديبية من مجيء سهيل وندب جماعة الى حلب شاة فقام رجل يحلبها فقال ما اسمك قال مرة فقال اجلس فقام آخر فقال ما اسمك قال أظنه حرب قال اجلس فقام آخر فقال ما اسمك قال يعيش قال احلبها وكان يكره الأمكنة المنكرة الأسماء ويكره العبور فيها كما مر بين جبلين فسأل عن اسمهما فقالوا فاضح ومخزي فعدل عنهما ولما كان بين الأسماء والمسميات من الارتباط والتناسب والقرابة ما بين قوالب الأشياء وحقائقها وما بين الأرواح والأجسام عبر العقل من كل منهما إلى الآخر كما كان إياس ابن معاوية وغيره يرى الشخص فيقول ينبغي أن يكون اسمه كيت وكيت فلا يكاد يخطئ وضد هذا العبور من اسمه الى مسماه كما سأل عمر رجلا عن اسمه فقال جمرة فقال واسم أبيك فقال شهاب قال فمنزلك قال بحرة النار قال فأين مسكنك قال بذات لظى قال اذهب فقد احترق مسكنك قال فذهب فوجد الأمر كذلك كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن اسم سهيل الى سهولة أمرهم وأمر أمته بتحسين أسمائهم وأخبر أنهم يدعون يوم القيامة بها وتأمل كيف اشتق للنبي صلى الله عليه وسلم من وصفه اسمان مطابقان لمعناه وهما أحمد ومحمد فهو لكثرة ما فيه من الصفات المحمودة وشرفها وفضلها على صفات غيره أحمد وكذلك تكنيته لأبي الحكم بأبي جهل وكذلك تكنية الله عز وجل لعبد العزى بأبي لهب لما كان مصيره الى ذات لهب ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واسمها يثرب سماها طيبة لما زال عنها من معنى التثريب ولما كان الاسم الحسن يقتضي مسماه قال صلى الله عليه وسلم لبعض العرب يا بني عبد الله ان الله قد أحسن اسمكم واسم أبيكم فانظر كيف دعاهم الى عبودية الله بذلك وتأمل أسماء الستة المتبارزين يوم بدر فالوليد له بداية الضعف وشيبة له نهاية وعتبة من العتب وأقرانهم علي وأبو عبيدة والحارث العلو والعبودية والسعي الذي هو الحرث ولذلك كان أحب الأسماء الى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه فإضافة العبودية الى اسمه الله و الرحمن أحب اليه من إضافتها الى القادر و القاهر وغيرها وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وربه إنما هو العبودية المحضة والتعلق بين الله وبين العبد الرحمة المحضة فبرحمته كان وجوده وكماله والغاية التي أوجده لأجلها أن يتألهه وحده محبة وخوفا ورجاء ولما كان كل عبد متحركا بالإرادة والهم مبدأ الإرادة وترتب على إرادته حرثه وكسبه كان أصدق الأسماء اسم همام وحارث ولما كان الملك الحق الله وحده كان أخنع اسم عند الله وأغضبه له اسم شاهان شاه أي ملك الملوك وسلطان السلاطين فإن ذلك ليس لأحد غير الله عز وجل فتسمية غيره بهذا باطل والله لا يحب الباطل وقد ألحق بعضهم بهذا قاضي القضاة ويليه في القبح سيد الناس لأن ذلك ليس لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولما كان مسمى الحرب والمرارة أكره شيء للنفوس كان أقبح الأشياء حربا ومرة وعلى قياسه حنظلة وحزن وما أشبههما ولما كانت أخلاق الأنبياء أشرف الأخلاق كانت في أسمائهم أحسن الأسماء فندب النبي صلى الله عليه وسلم أمته الى التسمي بأسمائهم كما في سنن أبي داود والنسائي عنه تسموا بأسماء الأنبياء ولو لم يكن فيه إلا أن الاسم يذكر بمسماه ويقتضي التعلق بمعناه لكفى به مصلحة وأما النهي عن تسمية الغلام بيسار ونحوه فهو لمعنى آخر أشار اليه في الحديث وهو قوله فإنك تقول أثم هو إلى آخره والله أعلم هل هي من تمام الحديث أو مدرجة فإن هذه الأسماء لما كنت قد توجب تطيرا وقد تقطع الطيرة على المتطيرين فاقتضت حكمة الرؤوف بأمته أن يمنعهم من أسباب توجب سماع المكروه أو وقوعه هذا الى ما ينضاف الى ذلك من تعليق ضد الاسم عليه بأن يسمى يسارا من هو من أعسر الناس ونجيحا من لا نجاح معه ورباحا من هو من الخاسرين فيكون قد وقع في الكذب عليه وعلى الله وأمر آخر وهو أن يطالب بمقتضى اسمه فلا يوجد فيجعل ذلك سببا لسبه كما قيل سموك من جهلهم سديدا والله ما فيك من سداد وهذا كما أن من المدح ما يكون ذما موجبا لسقوط الممدوح عند الناس فإنه يمدح بما ليس فيه فتطالبه النفوس بما مدح به وتظنه عنده فلا تجده كذلك فينقلب ذما ولو ترك لغير مدح لم تحصل تلك المفسدة وأمر آخر وهو اعتقاد المسمى انه كذلك فيقع في تزكية نفسه كما نهى أن تسمى برة فعلى هذا تكره التسمية بالرشيد والمطيع والطائع وأمثال ذلك وأما تسمية الكفار بذلك فلا يجوز التمكين منه ولا دعاؤهم بشيء من ذلك وأما الكنية فهو نوع تكريم وكنى النبي صلى الله عليه وسلم صهيبا بأبي يحيى وعليا بأبي تراب وكنى أخا أنس وهو صغير بأبي عمير وكان هديه تكنية من له ولد ومن لا ولد له ولم يثبت عنه أنه نهى عن كنية إلا الكنية بأبي القاسم فاختلف فيه فقيل لا يجوز مطلقا وقيل لا يجوز الجمع بينهما وبين اسمه وفيه حديث صححه الترمذي وقيل يجوز الجمع بينهما لحديث علي إن ولد لي من بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك قال نعم صححه الترمذي وقيل المنع مختص بحياته والصواب أن التكني بكنيته ممنوع منه والمنع في حياته أشد والجمع بينهما ممنوع منه وحديث علي في صحته نظر والترمذي فيه نوع تساهل في التصحيح وقد قال علي إنها رخصة له وهذا يدل على بقاء المنع لمن سواه وحديث عائشة ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي غريب لا يعارض بمثله الحديث الصحيح وكره قوم من السلف الكنية بأبي عيسى وأجازه آخرون فروى أبو داود عن زيد بن أسلم أن عمر ضرب ابنا له تكنى بأبي عيسى وكنى المغيرة بأبي عيسى فقال عمر أما يكفيك أن تكنى بأبي عبد الله فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بذلك فقال إن رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنا لفي جلجتنا فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك ونهى عن تسمية العنب كرما وقال الكرم قلب المؤمن وهذا لأن هذه اللفظة تدل على كثرة الخير والمنافع وقال لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا وإنها العشاء وإنهم يسمونها العتمة وقال لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا والصواب أنه لم ينه عن إطلاق هذا الاسم بالكلية وإنما نهى عن أن يهجر اسم العشاء وهذا محافظة منه على الاسم الذي سمى الله به العبادات فلا تهجر ويؤثر عليها غيرها كما فعله المتأخرون في هجران ألفاظ النصوص وإيثار المصطلحات الحادثة عليها ونشأ بسبب هذا من الجهل والفساد ما الله به عليم وهذا لمحافظته على تقديم ما قدمه الله وبدأ في العيد بالصلاة ثم نحر وبدأ في أعضاء الوضوء بالوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين وقدم زكاة الفطر على صلاة العيد لقوله قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ونظائره كثيرة.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ المنطق واختيار الألفاظ
كان يتخير في خطابه ويختار لأمته أحسن الألفاظ وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والفحش فلم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا ولا فظا وكان يكره أن يستعمل اللفظ الشريف في حق من ليس كذلك وأن يستعمل اللفظ المكروه في حق من ليس من أهله فمن الأول منعه أن يقال للمنافق سيد ومنه أن يسمى العنب كرما ومنعه من تسمية أبي جهل بأبي الحكم وكذلك تغييره لاسم أبي الحكم من الصحابة بأبي شريح وقال إن الله هو الحكم وإليه الحكم ومنه نهيه المملوك أن يقول لسيده ربي وللسيد أن يقول لمملوكه عبدي وأمتي وقال لمن ادعى أنه طبيب أنت رفيق وطبيبها الذي خلقها والجاهلون يسمون الكافر الذي له علم إما بشيء من الطبيعة حكيما ومنه قوله للذي قال ومن يعصهما فقد غوى بئس الخطيب أنت ومنه قوله لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان وفي معناه قول من لا يتوقى الشرك أنا بالله وبك وأنا في حسب الله وحسبك ومالي إلا الله وأنت وأنا متوكل على الله وعليك وهذا من الله ومنك ووالله وحياتك وأمثال هذه الألفاظ التي يجعل قائلها المخلوق ندا لله وهي أشد منعا وقبحا من قوله ما شاء الله وشئت فأما إذا قال أنا بالله ثم بك وما شاء الله ثم شئت فلا بأس كما في حديث الثلاثة لا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك وأما القسم الثاني وهو أن تطلق ألفاظ الذم على من ليس من أهلها فمثل نهيه عن سب الدهر وقال إن الله هو الدهر وفيه ثلاث مفاسد أحدها سب من ليس بأهل الثانية أن سبه متضمن للشرك فإنه ما سبه إلا لظنه أنه يضر وينفع وأنه ظالم وإشعار هؤلاء في سبه كثيرة جدا وكثيرا من الجهال يصرح بلعنه الثالثة أن السب إنما يقع على فاعل هذه الأفعال التي لو اتبع الحق فيها أهواءهم لفسدت السموات والأرض وإذا وافقت أهواءهم حمدوا الدهر وأثنوا عليه ومن هذا قوله لا يقولن أحدكم تعس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول صرعته بقوتي ولكن ليقل باسم الله فإنه يتصاغر حتى يكون مثل الذباب وفي حديث آخر إن العبد إذا لعن الشيطان يقول إنك لتلعن ملعنا وهكذا قول أخزى الله الشيطان وقبح الله الشيطان فإن ذلك كله يفرحه ويقول علم ابن آم أني نلته بقوتي وذلك ما يعينه على إغوائه فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم من مسه شيء من الشيطان أن يذكر الله ويذكر اسمه ويستعيذ بالله منه فإن ذلك أنفع له وأغيظ للشيطان ومن ذلك نهيه أن يقول الرجل خبثت نفسي ولكن يقول لقست نفسي ومعناهما واحد أي غثت نفسي وساء خلقها فكره لهم لفظ الخبث لما فيه من القبح والشناعة ومنه نهيه عن قول القائل بعد فوات الأمر لو أني فعلت كذا وكذا وقال إنها تفتح عمل الشيطان وأرشده إلى ماهو أنفع منها وهو أن يقول قدر الله وماشاء فعل وذلك لأن قوله لو كنت فعلت كذا لم يفتني ما فاتني أو لم أقع فيما وقعت فيه كلام لايجدي عليه فائدة فإنه غير مستقبل لما استدبر وغير مستقيل عثرته بلو وفي ضمنها أن الأمر لو كان كما قدره في نفسه لكان غير ماقضاه الله ووقوع خلاف المقدور محال فقد تضمن كلامه كذبا وجهلا ومحالا وإن سلم من التكذيب بالقدر لم يسلم من معارضته بلو فإن قيل فتلك الأسباب التي تمناها من القدر أيضا قيل هذا حق ولكن هذا ينفع قبل وقوع القدر المكروه فإذا وقع فلا سبيل الى دفعه أو تخفيفه بل وظيفته في هذه الحال أن يستقبل فعله الذي يدفع به أو يخفف أثر ما وقع ولا يتمنى مالا مطمع في وقوعه فإنه عجز محض والله يلوم على العجز ويحب الكيس وهو مباشرة الأسباب فهي تفتح الخير وأما العجز فيفتح عمل الشيطان فإنه إذا عجز عما ينفعه صار إلى الأماني الباطنة ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من العجز والكسل وهما مفتاح كل شر ويصدر عنهما الهم والحزن والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال فمصدرها كلها عن العجز والكسل وعنوانها لو فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فإن لو تفتح عمل الشيطان فالمتمني من أعجز الناس وأفلسهم وأصل المعاصي كلها العجز فإن العبد يعجز عن أسباب الطاعات وعن الأسباب التي تبعده عن المعاصي وتحول بينه وبينها فجمع في هذا الحديث الشريف أصل الشر وفروعه ومبادئه وغاياته وغاياته وموارده ومصادره وهو مشتمل على ثمان خصال كل خصلتين منها قرينتان فقال أعوذ بك من الهم والحزن وهما قرينان فإن المكروه الوارد على القلب إما أن يكون سببه أمرا ماضيا فهو يحدث الحزن وإما أن يكون توقع مستقبل فهو يورث الهم وكلاهما من العجز فإن ما مضى لا يدفع بالحزن بل بالرضى والحمد والصبر والايمان بالقدر وقول العبد قدر الله وما شاء فعل وما يستقبل لا يدفع بالهم بل إما أن تكون له حيلة في دفعه فلا يعجز عنه وإما أن تكون له حيلة في دفعه فلا يجزع ويلبس له لباسه من التوحيد والتوكل والرضى بالله ربا فيما يحب ويكره والهم والحزن يضعفان العزم ويوهنان القلب ويحولان بين العبد وبين الاجتهاد فيما ينفعه فهما حمل ثقيل على ظهر السائر ومن حكمة العزيز الحكيم تسليط هذين الجندين على القلوب المعرضة عنه ليردها عن كثير من معاصيها ولا تزال هذه القلوب في هذا السجن حتى تخلص الى فضاء التوحيد والإقبال على الله ولا سبيل الى خلاص القلب من ذلك إلا بذلك ولا بلاغ إلا بالله وحده فإنه لا يوصل اليه إلا هو ولا يدل عليه إلا هو وإذا أقام العبد في أي مقام كان فبحمده وحكمته أقامه فيه ولم يمنع العبد حقا هو له بل منعه ليتوسل اليه بمحابه فيعطيه وليرده إليه وليعزه بالتذلل له وليغنيه بالافتقار إليه وليجبره بالانكسار بين يديه وليوليه بعزله أشرف الولايات وليشهده حكمته في قدرته ورحمته في عزته وإن منعه عطاء وعقوبته تأديب وتسليط أعدائه عليه سائق يسوقه إليه والله أعلم حيث يجعل مواقع عطائه وأعلم حيث يجعل رسالته وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين فهو سبحانه أعلم بمحال التخصيص فمن رده المنع اليه انقلب عطاء ومن شغله عطاؤه عنه انقلب منعا وهو سبحانه وتعالى أراد منا الاستقامة واتخاذ السبيل إليه وأخبرنا أن هذا المراد لايقع حتى يريد من نفسه إعانتنا ومشيئتنا له كما قال تعالى (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين) فإن كان مع العبد روح أخرى نسبتها الى روحه كنسبة روحه الى جسده يستدعي بها إرادة الله من نفسه أن يفعل به ما يكون به العبد فاعلا وإلا فمحله غير قابل للعطاء وليس معه إناء يوضع فيه العطاء فمن جاء بغير إناء رجع بالحرمان فلا يلومن إلا نفسه والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من الهم والحزن وهما قرينان ومن العجز والكسل وهما قرينان فإن تخلف صلاح العبد وكماله عنه إما أن يكون لعدم قدرته عليه فهو عجز أو يكون قادرا لكن لا يريده فهو كسل وينشأ عن هاتين الصفتين فوات كل خير وحصول كل شر ومن ذلك الشر تعطيله عن النفع ببدنه وهو الجبن وعن النفع بماله وهو البخل ثم ينشأ له من ذلك غلبتان غلبة بحق وهي غلبة الدين وغلبة بباطل وهي غلبة الرجال وكل هذه ثمرة العجز والكسل ومن هذا قوله في الحديث الصحيح للذي قضى عليه فقال حسبي الله ونعم الوكيل إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل حسبي ا لله ونعم الوكيل فهذا قالها بعد عجزه عن الكيس الذي لو قام به لقضي له على خصمه فلو فعل الأسباب ثم غلب فقالها لوقعت موقعها كما أن إبراهيم الخليل لما فعل الأسباب المأمور بها ولم يعجز بترك شيء منها ثم غلبه العدو وألقوه في النار قال حسبي الله ونعم الوكيل فوقعت الكلمة موقعها فأثرت أثرها وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم أحد لما قيل لهم بعد انصرافهم من أحد إن الناس قد جمعوا لكم فتجهزوا وخرجوا لهم ثم قالوها فأثرت أثرهاولهذا قال الله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) وقال الله تعالى (واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) فالتوكل والحسب بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجز محض وإن كان مشوبا بنوع من التوكل فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكله عجزا ولا عجزه توكلا بل يجعل توكله من جملة الأسباب التي لايتم المقصود إلا بها كلها ومن هاهنا غلط طائفتان أحدهما زعمت أن التوكل وحده سبب مستقل فعطلت الأسباب التي اقتضتها حكمة الله الثانية قامت بالأسباب وأعرضت عن التوكل والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم أرشد العبد إلى مافيه غاية كماله أن يحرص على ما ينفعه ويبذل جهده وحينئذ ينفعه التحسب بخلاف من فرط ثم قال حسبي الله ونعم الوكيل فإن الله يلومه ولا يكون في هذه الحال حسبه فإنما هو حسب من اتقاه ثم توكل عليه.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر
كان أكمل الناس ذكرا لله عز وجل بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه وكان أمره ونهيه وتشريعه للأمة ذكرا منه لله وإخباره عن أسماء الرب وصفاته وأحكامه وأفعاله ووعده ووعيده ذكر منه له وثناؤه عليه بآلائه وتمجيده وتسبيحه وتحميده ذكر منه له وسؤاله ودعاؤه إياه ورغبته ورهبته ذكر منه له وسكوته ذكر منه له بقلبه فكان ذاكرا لله في كل أحيانه وكان ذكره لله يجري مع أنفاسه قائما وقاعدا وعلى جنبه وفي مشيه وركوبه وسيره ونزوله وظعنه وإقامته وكان إذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ثم ذكر أحاديث رويت فيما يقول إذا استيقظ وإذا استفتح الصلاة وإذا خرج من بيته وإذا دخل المسجد وما يقول في المساء والصباح وعند لبس الثوب ودخول المنزل ودخول الخلاء والوضوء والأذان ورؤية الهلال والأكل والعطاس.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم عند دخوله منزله
لم يكن ليفجأ أهله بغتة يتخونهم ولكن كان يدخل على علم منهم وكان يسلم عليهم وإذا دخل بدأ بالسواك وسأل عنهم وربما قال هل عندكم من عذاء وربما سكت حتى يحضر بين يديه ماتيسر وثبت عنه أن رجلا سلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه وأخبر أن الله سبحانه وتعالى يمقت الحديث على الغائط وكان لايستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول ونهى عن ذلك.
فصل سن الآذن وشرع الإقامة
ثبت عنه أنه سن الآذن بترجيع وغير ترجيع وشرع الإقامة مثنى وفرادى ولكن كلمة الإقامة قد قامت الصلاة لم يصح عنه إفرادها البتة وكذلك الذي صح عنه تكرار لفظ التكبير في أول الأذان ولم يصح عنه الاقتصار على مرتين وشرع لأمته عند الأذان خمسة أنواع أحدها أن يقولوا مثل ماقال المؤذن إلا في الحيعلتين فأبدلها ب لاحول ولا قوة إلا بالله ولم يجئ عنه الجمع بينهما ولا الاقتصار على الحيعلة وهذا مقتضى الحكمة فإن كلمات الأذان ذكر وكلمة الحيعلة دعاء الى الصلاة فسن للسامع أن يستعين على هذه الدعوة بكلمة الإعانة الثاني أن يقول رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا وأخبر أن من قال ذلك غفر له ذنبه الثالث أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من إجابة المؤذن وأكملها ماعلمه أمته وإن تحذلق المتحذلقون الرابع أن يقول بعد الصلاة علية اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الخامس أن يدعو لنفسه بعد ذلك وفي السنن عنه الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة قالوا فما نقول يارسول الله قال سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة حديث صحيح وكان يكثر الدعاء في عشر ذي الحجة ويأمر فيه بالإكثار من التهليل والتكبير والتحميد ويذكر عنه أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق فيقول الله اكبر الله اكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وهذا وإن كان لا يصح إسناده فالعمل عليه ولفظه هكذا يشفع التكبير وأما كونه ثلاثا فإنما روي عن جابر وابن عباس من فعلهما فقط وكلاهما حسن قال الشافعي وإن زاد فقال الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا كان حسنا.
فصل إذا وضع يده في الطعام قال بسم الله
وكان إذا وضع يده في الطعام قال بسم الله وأمر بذلك ويقول إذا نسي فليقل بسم الله في أوله وآخره حديث صحيح والصحيح وجوب التسمية عند الأكل وتاركها شريكه الشيطان في طعامه وشرابه وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة ولا معاض لها ولا إجماع يسوغ مخالفتها وهل تزول مشاركة الشيطان بتسمية أحد الجماعة فنص الشافعي على إجزاء تسمية الواحد وقد يقال لاترتفع مشاركة الشيطان للآكل إلا بتسميته هو وللترمذي وصححه عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعاما في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه لو سمى لكفاكم ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه سموا ولهذا جاء في حديث حذيفة حضرنا طعاما فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها ثم جاء أعرابي فأخذ بيده فقال إن الشيطان يستحل الطعام أن لايذكر اسم الله عليه وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده والذي نفسي بيده إن يده لفي يدي مع يديهما ثم ذكر اسم الله وأكل ولكن قد يجاب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن وضع يده ولكن الجارية ابتدأت وأما مسألة رد السلام وتشميت العاطس ففيها نظر وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم إذا عطس أحدكم فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته وإن سلم الحكم فيهما فالفرق بينهما وبين مسألة الأكل ظاهر فإن الشيطان إنما يتوصل الى مشاركته الأكل فإذا سمى غيره قلت مشاركة الشيطان له وتبقى المشاركة بينه وبين من لم يسم ويذكر عنه أنه كان إذا شرب تنفس في الإناء ثلاثة أنفاس يحمد الله في كل نفس ويشكره في آخرهن وما عاب طعاما قط بل إن كرهه تركه وسكت وربما قال أجدني أعافه أي لا أشتهيه وكان يمدح الطعام أحيانا كقوله نعم الإدام الخل لمن قال ماعندنا إلا خل تطييبا لقلب من قدمه لا تفضيلا له على سائر الأنواع وكان إذا قرب إليه الطعام وهو صائم قال إني صائم وأمر من قدم إليه الطعام وهو صائم أن يصلي أي يدعو لمن قدمه وإن كان مفطرا أن يأكل منه وإذا دعي الى طعام وتبعه أحد أعلم به رب المنزل فقال إن هذا تبعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع وكان يتحدث على طعامه كما قال لربيبه سم الله وكل مما يليك وربما كان يكرر على أضيافه عرض الأكل عليهم مرارا كما يفعله أهل الكرم كما في حديث أبي هريرة في اللبن وكان إذا أكل عند قوم لم يخرج حتى يدعو لهم وذكر أبو داود عنه في قصة أبي الهيثم فأكلوا فلما فرغوا قال أثيبوا أخاكم قالوا يارسول الله وما إثابته قال إن الرجل إذا دخل بيته فأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك إثابته وصح عنه أنه دخل منزله ليلة فالتمس طعاما فلم يجده فقال الله أطعم من أطعمني واسق من سقاني وكان يدعو لمن يضيف المساكين ويثني عليهم وكان لايأنف من مؤاكلة أحد صغير كان أو كبيرا حرا أو عبدا ويأمر بالأكل باليمنى وينهى عن الشمال ويقول إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ومقتضاه تحريم الأكل بها وهو الصحيح وأمر من شكوا إليه أنهم لا يشبعون أن يجتمعوا على طعامهم ولا يتفرقوا وأن يذكروا اسم الله عليه وروي عنه أنه قال أذيبوا طعامكم بذكر الله عز وجل والصلاة ولاتناموا عليه فتقسو قلوبكم وأحرى به أن يكون صحيحا والتجربة تشهد به.
فصل في هديه في السلام والاستئذان وتشميت العاطس
هديه صلى الله عليه وسلم في السلام والاستئذان وتشميت العاطس في الصحيحين عنه ان افضل الإسلام أن تطعم الطعام وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف وفيهما إن آدم لما خلقه الله قال له اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فسلم عليهم واستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليكم ورحمة الله فزادوه ورحمة الله وفيهما أنه أمر بإفشاء السلام وأنهم إذا أفشوه تحابواوأنهم لا يدخلون الجنة حتى يؤمنوا ولا يؤمنون حتى يتحابوا وقال البخاري في صحيحه قال عمار ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار وقد تضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه فإن الإنصاف يوجب عليه أداء حقوق الله كاملة وأداء حقوق الناس كذلك ويعاملهم بما يحب أن يعاملوه به ويدخل في هذا انصافه نفسه من نفسه فلا يدعي لها ماليس لها ولا يخبثها بتدنيسه لها بمعاصي الله والمقصود أن الإنصاف من نفسه يوجب عليه معرفة ربه ومعرفة نفسه ولا يزاحم بها مالكها ولا يقسم مراده بين مراد سيده ومرادها وهي قسمة ضيزى مثل قسمة الذين قالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون فلينظر العبد لا يكون من أهل هذه القسمة بين نفسه وشركائه وبين الله لجهله وظلمه وإلا لبس عليه وهو لايشعر فإنه خلق ظلوما جهولا وكيف يطلب الإنصاف ممن وصفه الظلم والجهل وكيف ينصف الخلق من لم ينصف الخالق كما في الأثر ابن آدم ما أنصفتني خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد وفي أثر آخر ابن آدم ما أنصفتني خلقتك وتعبد غيري وأرزقك وتشكر سواي ثم كيف ينصف غيره من لم ينصف نفسه بل قد ظلمها أقبح الظلم وهو يظن أنه يكرمها وبذل السلام للعالم يتضمن التواضع وأنه لا يتكبر على أحد والإنفاق من الإقتار لايصدر إلا عن قوة ثقة بالله وقوة يقين وتوكل ورحمة وزهد وسخاء نفس وتكذيب بوعد من يعده الفقر ويأمره بالفحشاء وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر بصبيان فسلم عليهم وذكر الترمذي أنه مر بجماعة نسوة فألوى بيده بالتسليم وقال أبو داود عن أسماء بنت يزيد مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا وهي رواية حديث الترمذي والظاهر أن القصة واحدة وأنه سلم عليهن بيده وفي البخاري أن الصحابة كانوا ينصرفون من الجمعة فيمرون على عجوز في طريقهم فيسلمون عليها فتقدم لهم طعاما من أصول السلق والشعير وهذا هو الصواب في مسألة السلام على النساء يسلم على العجوز وذوات المحارم دون غيرهن وفي صحيح البخاري يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والراكب على الماشي والقليل على الكثير وفي الترمذي يسلم الماشي على القائم وفي مسند البزار عنه والماشيان أيهما بدأ فهو أفضل وفي سنن أبي داود عنه إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام وكان من هديه السلام عند المجيء الى القوم والسلام عند الانصراف عنهم وثبت عنه أنه قال إذا قعد أحدكم فليسلم وإذا قام فليسلم فليس الأولى بأحق من الآخرة وذكر أبو داود عنه إذا لقي أحدكم صاحبه فليسلم عليه فإن حال بينهما شجرة أو جدار ثم لقيه فليسلم عليه أيضا وقال أنس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتماشون فإذا لقيتهم شجرة أو أكمة تفرقوا يمينا وشمالا وإذا التقوا من ورائها سلم بعضهم على بعض ومن هديه أن الداخل الى المسجد يبتدئ بركعتين ثم يجيء فيسلم فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله فإن تلك حق الله والسلام عليهم حق لهم وحق الله تعالى في مثل هذا أولى بالتقديم بخلاف الحقوق المالية فإن فيها نزاعا والفرق بينهما حاجة الآدمي وعدم اتساع المال لأداء الحقين وعلى هذا فيسن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مرتبة أحدها أن يقول عند دخوله بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ثم يصلي تحية المسجد ثم يسلم على القوم وكان إذا دخل على أهله بالليل سلم تسليما لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان ذكره مسلم وذكر الترمذي عنه السلام قبل الكلام ولأحمد عن ابن عمر مرفوعا السلام قبل السؤال فمن بدأ بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه ويذكر عنه لاتأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام وكان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول السلام عليكم وكان يسلم بنفسه على من يواجهه ويتحمل السلام كما تحمله من الله لخديجة وقال للصديقة الثانية هذا جبريل يقرأ عليك السلام وكن من هديه انتهاء السلام الى وبركاته وكان من هديه أن يسلم ثلاثا كما في البخاري عن أنس ولعله في الكثير الذي لم تبلغهم المرة وإذا ظن أنه لم يحصل الإسماع بالأول والثاني ومن تأمل هديه علم أن التكرير أمر عارض وكان يبدأ من لقيه بالسلام وإذا سلم عليه أحد رد عليه مثلها أو أحسن على الفور إلا لعذر مثل قضاء الحاجة ولم يكن يرد بيده ولا برأسه ولا بإصبعه إلا في الصلاة فإنه ثبت عنه الرد فيها بالإشارة وكان هديه في الابتداء السلام عليكم ورحمة الله ويكره أن يقول المبتدئ عليك السلام وكان يرد على المسلم وعليكم السلام بالواو ولو حذف الراد الواو فقالت طائفة لا يسقط به فرض الرد لأنه مخالف للسنة ولأنه لا يعلم هل رد أو ابتدأ التحية وذهبت طائفة الى أنه صحيح نص عليه الشافعي واحتج له بقوله تعالى (قالوا سلاما قال سلام) أي سلام عليكم لابد من هذا ولكن حسن الحذف في الرد لأجل الحذف في الابتداء واحتج له برد الملائكة على آدم المتقدم.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في السلام على أهل الكتاب
صح عنه لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم الى أضيق الطريق لكن قد قيل إنه في قضية خاصة لما سار الى بني قريظة قال لاتبدؤوهم بالسلام فهل هو عام في أهل الذمة أو يختص بمن كان حاله كأولئك لكن في صحيح مسلم لاتبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه الى أضيقه والظاهر أن هذا عام واختلف في الرد عليهم والصواب وجوبه والفرق بينهم وبين أهل البدع أنا مأمورون بهجرهم وثبت عنه أنه مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين فسلم عليهم وكتب إلى هرقل وغيره ب السلام على من اتبع الهدى ويذكر عنه تجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم فذهب إلى هذا من قال الرد فرض كفاية لكن ما أحسنه لو كان ثابتا فإن فيه سعيد بن خالد قال أبو زرعة ضعيف وكذلك قال أبو حاتم وكان من هديه إذا بلغه أحد السلام عن غيره أن يرد عليه وعلى المبلغ ومن هديه ترك السلام ابتداء وردا على من أحدث حدثا حتى يتوب.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الاستئذان
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الاستئذان ثلاثا فإن أذن لك وإلا فارجع وصح عنه إنما جعل الاستئذان من أجل البصر وصح عنه أنه أراد أن يفقأ عين الذي نظر إليه من شق حجرته وقال إنماجعل الإستئذان من أجل البصر وصح عنه التسليم قبل الاستئذان فعلا وتعليما واستأذن عليه رجل فقال أألج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل اخرج الى هذا فعلمه الاستئذان فقل له قل السلام عليكم أأدخل فسمعه الرجل فقال ذلك فأذن له فدخل وفيه رد على من قال يقدم الاستئذان وعلى من قال إن وقعت عينه على صاحب المنزل قبل دخوله بدأ بالسلام وإلا بالاستئذان وكان من هديه أنه إذا استأذن ثلاثا ولم يؤذن له انصرف وهو رد على من يقول إن ظن أنهم إن لم يسمعوه زاد على الثلاث وعلى من قال يعيده بلفظ آخر ومن هديه أن المستأذن إذا قيل له من أنت فيقول فلان ابن فلان أو يذكر كنيته ولا يقول أنا وروى أبو داود عنه أن رسول الرجل الى الرجل إذن له وذكره البخاري تعليقا ثم ذكر ما يدل على اعتبار الاستئذان بعد الدعوة وهو حديث دعاء أهل الصفة وفيه فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا وقالت طائفة إن الحديثين على حالين فإن جاء المدعو على الفور لم يحتج للاستئذان وإن تراخى احتاج إليه وقال آخرون إن كان عند الداعي من قد أذن له قبل مجيء المدعو لم يحتج للاستئذان وإلا استأذن وكان إذا دخل الى مكان يحب الانفراد فيه أمر من يمسك الباب فلا يدخل عليه أحد إلا بإذن وأما الاستئذان الذي أمر الله به المماليك ومن لم يبلغ الحلم في العورات الثلاث قبل الفجر ووقت الظهيرة وعند النوم فكان ابن عباس يأمر به ويقول ترك الناس العمل به وقالت طائفة الآية منسوخة ولم تأت بحجة وقالت طائفة أمر ندب وليس معها ما يدل على صرف الأمر عن ظاهره وقالت طائفة المأمور به النساء خاصة وهذا ظاهر البطلان وقالت طائفة عكس هذا نظروا الى لفظ الذين ولكن سياق الآية يأباه فتأمله وقالت طائفة كان الأمر لعلة وزال بزوالها وهي الحاجة فروى ابو داود في سننه أن نفرا قالوا لابن عباس كيف ترى هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ولا يعمل بها أحد فقال ابن عباس إن الله حكيم رؤوف بالمؤمنين يحب الستر وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجل على أهله فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات فجاءهم الله تعالى بالستور والخير فلم أر احدا يعمل بذلك بعد وقد أنكر بعضهم ثبوته وطعن في عكرمة ولم يصنع شيئا وطعن في عمرو بن أبي عمرو وقد احتج به صاحبا الصحيح فإنكاره تعنت لا وجه له وقالت طائفة الآية محكمة لا دافع لها والصحيح أن الحكم معلل بعلة قد أشارت إليها الآية فإن كان هناك ما يقوم مقام الاستئذان من فتح باب فتحه دليل على الدخول أو رفع ستر أو تردد الداخل والخارج ونحوه أغنى ذلك عن الاستئذان وإن لم يكن مايقوم مقامه فلا بد منه فإذا وجدت العلة وجد الحكم وإذا انتفت انتفى.
فصل قوله إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاوب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فيرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان ذكره البخاري وفي صحيح أيضا إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم وفي صحيح مسلم إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه وفي صحيحه حق المسلم على المسلم ست إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس وحمد الله فشمته وإذا مات فاتبعه وإذا مرض فعده وللترمذي عن ابن عمر علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العطاس ان نقول الحمد لله على كل حال وذكر مالك عن نافع عن ابن عمر إذا عطس أحدكم فقيل له يرحمك الله فليقل يرحمنا الله وإياكم ويغفر لنا ولكم وظاهر الحديث المبدوء به أن التشميت فرض عين اختاره ابن أبي زيد ولا دافع له ولما كان العاطس قد حصل له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة شرع له صلى الله عليه وسلم حمد الله على هذه النعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة شرع له حمد الله على هذه النعمة مع بقاء مع بقاء أعضاءه على هيئتها بعد هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها وكان إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض بها صوته ويذكر عنه أن التثاؤب الرفيع والعطسة الشديدة من الشيطان وصح عنه أنه عطس عنده رجل فقال يرحمك الله ثم عطس أخرى فقال له الرجل مزكوم لفظ مسلم ولفظ الترمذي أنه قال بعد العطسة الثالثة وقال حديث صحيح ولأبي داود عن أبي هريرة موقوفا شمت أخاك ثلاثا فمازاد فهو زكام فإن قيل الذي فيه زكام أولي أن يدعى له قيل يدعى له كما يدعى للمريض وأما سنة العطاس الذي يحبه الله وهو نعمة فإنه الى تمام الثلاث وقوله في هذا الحديث الرجل مزكوم تنبيه على الدعاء له بالعافية وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث وإذا حمد الله فسمعه بعضهم دون بعض فالصواب أن يشمته من لم يسمعه إذا تحقق أنه حمد الله والنبي صلى الله عليه وسلم قال فإن حمد الله فشمتوه وإذا نسسي الحمد فقال ابن العربي لايذكره وظاهر السنة يقوي هذا القول والنبي صلى الله عليه وسلم لم يذكره وهو أولى بفعل السنة وتعليمها وصح عنه أن اليهود كانوا يتعاطسون عنده يرجون أن يقول لهم يرحمكم الله فيقول يهديكم الله ويصلح بالكم.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في آداب السفر
صح عنه أنه قال إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين الحديث فعوض أمته بهذا عما كان عليه أمر الجاهلية من زجر الطير والاستقسام بالأزلام الذي نظيره هذه القرعة التي يفعلها إخوان المشركين يطلبون بها علم ما قسم لهم في الغيب ولهذا سمي استقساما فعوضهم بهذا الدعاء الذي هو توحيد وتوكل وسؤال للذي لايأتي بالحسنات إلا هو ولا يصرف السيئات إلا هو عن التطير والتنجيم واختيار المطالع ونحوه فهذا الدعاء هو طالع أهل السعادة لا طالع أهل الشرك الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون وتضمن الإقرار بصفات كماله والإقرار بربوبيته والتوكل عليه واعتراف العبد بعجزه عن العلم بمصالح نفسه وقدرته عليها وإرادته لها ولأحمد عن سعد مرفوعا إن من سعادة ابن آدم استخارة الله والرضى بما قضى الله وإن من شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفا بأمرين التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله والرضى بما يقضي الله بعده وكان إذا ركب راحلته كبر ثلاثا ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا الى ربنا لمنقلبون ثم يقول اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ماترضى اللهم هون علينا السفر واطو عنا بعده اللهم انت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا وكان إذا رجع قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون وذكر أحمد عنه أنه إذا دخل البلد قال توبا توبا لربنا أوبا لايغادر حوبا وكان إذا وضع رجله في الركاب لركوب دابته قال بسم الله فاذا استوى على ظهرها قال الحمد لله ثم يقول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وكان إذا ودع أصحابه في السفر يقول لأحدهم أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك وقال له رجل إني أريد سفرا قال أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف وكان هو وأصحابه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك وقال أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا علا شرفا من الأرض أو نشزا قال اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال وكان يقول لاتصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس وكان يكره للمسافر وحده أن يسير بالليل وقال لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار أحد وحده بليل بل كان يكره السفر للواحد وأخبر أن الواحد شيطان والاثنين شيطانان والثلاثة ركب وكان يقول إذا نزل أحدكم منزلا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ماخلق فانه لا يضره شيء حتى يرتحل منه وكان يقول إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حقها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فاسرعوا عليها السير وإذا عرستم فاجتنبوا الطرق فانها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل وكان ينهى أن يسافر بالقرآن الى أرض العدو مخافة أن يناله العدو وكان ينهى المرأة أن تسافر بغير محرم ولو مسافة بريد ويأمر المسافر إذا قضى نهمته من سفره أن يعجل الرجوع إلى أهله وينهى أن يطرق الرجل أهله ليلا إذا طالت غيبته عنهم وإذا قدم من سفر يلقى بالولدان من أهل بيته وكان يعتنق القادم من السفر ويقبله إذا كان من أهله قال الشعبي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدموا من سفر تعانقوا وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع ركعتين.
فصل ثبت عنه أنه علمهم خطبة الحاجة
ثبت عنه أنه علمهم خطبة الحاجة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وفي لفظ ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يقرأ الثلاث الآيات يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته الآية يا أيها الناس اتقوا ربكم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم قال شعبة قلت لأبي إسحاق هذه في خطبة النكاح أو في غيره قال في كل حاجة وقال إذا قاد أحدكم امرأة أو خادما أو دابة فليأخذ بناصيتها وليدع الله بالبركة وليسم الله عز وجل وليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرها وشر ماجبلت عليه وكان يقول للمتزوج بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير وصح عنه أنه قال مامن رجل رأى مبتلى فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا إلا لم يصبه ذلك البلاء كائنا ما كان وذكر عنه أنه ذكرت الطيرة عنده فقال أحسنها الفأل ولا ترد مسلما فإذا رأيت من الطيرة ما تكره فقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك.
فصل الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان
وصح عنه الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأى رؤيا يكره منها شيئا فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لاتضره ولايخبر بها أحدا فإن رأى رؤيا حسنة فليستبشر ولا يخبر بها إلا من يحب وأمر من رأى ما يكره أن يتحول من جنبه الذي كان عليه وأمره أن يصلي فأمره بخمسة أشياء أن ينفث عن يساره وأن يستعيذ بالله من الشيطان ولا يخبر بها أحدا وأن يتحول عن جنبه الذي كان عليه وأن يقوم يصلي وقال الرؤيا على رجل طائر مالم تعبر فإذا عبرت وقعت ولا يقصها إلا على واد أوذي رأي ويذكر عنه أنه كان يقول للرائي خيرا رأيت ثم يعبرها.
مختصر زاد المعاد لمحمد بن عبد الوهاب
منتدى ميراث الرسول
صلى الله عليه وسلم