بّسم الله الرّحمن الرّحيم
غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
وسراياه
غزوة بني لحيانثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بني لحيان، وكانوا بناحية عسفان، في شهر ربيع الأول سنة ست من مهاجره. قالوا: وجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على عاصم بن ثابت وأصحابه وجداً شديداً، فأظهر أنه يريد الشأم وعسكر لغرة هلال شهر ربيع الأول في مائتي رجل ومعهم عشرون فرساً، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ثم أسرع السير حتى انتهى إلى بطن غران، وبينها وبين عسفان خمسة أميال حيث كان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهم فسمعت بهم بنو لحيان فهربوا في رؤوس الجبال فلم يقدروا على أحد، ثم خرج حتى أتى عسفان، فبعث أبا بكر في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم، فأتوا الغميم ثم رجعوا ولم يلقوا أحداً، ثم انصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة وهو يقول: آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون ! وغاب عن المدينة أربع عشرة ليلة.
أخبرنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر وعبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خرج في غزوة بني لحيان وأظهر أنه يريد الشأم ليصيب منهم غرة، فخرج من المدينة فسلك على غراب ثم على مخيض ثم على البتراء ثم صفق ذات اليسار، فخرج على بيبن ثم على صخيرات الثمام ثم استقام به الطريق على السيالة فأغذ السير سريعاً حتى نزل على غران، هكذا قال ابن إدريس، وهي منازل بني لحيان، فوجدهم قد تمنعوا في رؤوس الجبال، فلما أخطأه من عدوه ما أراد قالوا: لو أنا هبطنا عسفان فنري أهل مكة أنا قد جئناها، فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم كرا وراح قافلاً؛ فكان جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: تائبون آئبون، إن شاء الله، حامدون لربنا عابدون ! أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال.
أخبرنا روح بن عبادة، أخبرنا حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سعيد مولى المهدي عن أبي سعيد الخدري قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعثاً إلى بني لحيان من هذيل وقال: لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني، حدثني إبراهيم بن عقيل ابن معقل عن أبيه عن وهب قال: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول أول ما غزا عسفان ثم رجع: آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون.
غزوة الغابة
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الغابة وهي على بريد من المدينة طريق الشأم في شهر ربيع الأول سنة ست من مهاجره.
قالوا: كانت لقاح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي عشرون لقحة ترعى بالغابة، وكان أبو ذر فيها، فأغار عليهم عيينة بن حصن ليلة الأربعاء في أربعين فارساً فاستاقوها وقتلوا ابن أبي ذر، وجاء الصريخ فنادى: الفزع الفزع ! فنودي: يا خيل الله اركبي، وكان أول ما نودي بها، وركب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فخرج غداة الأربعاء في الحديد مقنعاً فوقف، فكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو وعليه الدرع والمغفر شاهراً سيفه، فعقد له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لواء في رمحه وقال: امض حتى تلحقك الخيول، إنا على أثرك. واستخلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وخلف سعد بن عبادة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة. قال المقداد: فخرجت فأدركت أخريات العدو وقد قتل أبو قتادة مسعدة فأعطاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرسه وسلاحه، وقتل عكاشة بن محصن أثار بن عمرو بن أثار، وقتل المقداد بن عمرو حبيب ابن عيينة بن حصن وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر، وقتل من المسلمين محرز بن نضلة قتله مسعدة، وأدرك سلمة بن الأكوع القوم وهو على رجليه فجعل يراميهم بالنبل ويقول: خذها.
وأنا ابن الأكوع ● اليوم يوم الرّضع
حتى انتهى بهم إلى ذي قرد، وهي ناحية خيبر مما يلي المستناخ. قال سلمة: فلحقنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والناس والخيول عشاءً فقلت: يا رسول الله إن القوم عطاش فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما بأيديهم من السرح وأخذت بأعناق القوم؛ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: ملكت فأسجح، ثم قال: إنهم الآن ليقرون في غطفان. وذهب الصريخ إلى بني عمرو بن عوف فجاءت الأمداد فلم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذي قرد فاستنقذوا عشر لقائح وأفلت القوم بما بقي وهي عشر، وصلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذي قرد صلاة الخوف وأقام به يوماً وليلة يتحسس الخبر، وقسم في كل مائة من أصحابه جزوراً ينحرونها، وكانوا خمسمائة، ويقال سبعمائة، وبعث إليه سعد بن عبادة بأحمال تمر وبعشر جزائر فوافت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذي قرد، والثبت عندنا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمر على هذه السرية سعد بن زيد الأشهلي، ولكن الناس نسبوها إلى المقداد لقول حسان بن ثابت:
غداة فواس المقداد
فعاتبه سعد بن زيد فقال: اضطرني الروي إلى المقداد. ورجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة يوم الاثنين وقد غاب خمس ليال.
أخبرنا هاشم بن القاسم، أخبرنا عكرمة بن عمار العجلي، أخبرنا إياس ابن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: خرجت أنا ورباح غلام النبي، صلى الله عليه وسلم، بظهر النبي، صلى الله عليه وسلم، وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله كنت أريد أن أنديه مع الإبل، فلما أن كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقتل راعيها وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل فقلت: يا رباح اقعد على هذا الفرس فألحقه بطلحة، وأخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قد أغير على سرحه. قال: وقمت على تل فجعلت وجهي من قبل المدينة ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه ! ثم اتبعت القوم ومعي سيفي ونبلي فجعلت أرميهم وأعقر بهم وذلك حين يكثر الشجر فإذا رجع إلي فارس جلست له في أصل شجرة ثم رميت، فلا يقبل علي فارس إلا عقرت به، فجلت أرميهم وأقول:
أنا ابن الأكوع ● واليوم يوم الرّضّع
فألحق برجل فأرميه وهو على رحله فيقع سهمي في الرجل حتى انتظمت كبده فقلت: وأنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرضع ! فإذا كنت في الشجرة أحدقتهم بالنبل، وإذا تضايقت الثنايا علوت الجبل فرميتهم بالحجارة، فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم وأرتجز حتى ما خلق الله شيئاً من ظهر النبي، صلى الله عليه وسلم، إلا خلفته وراء ظهري واستنقذته من أيديهم ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحاً وأكثر من ثلاثين بردةً يستخفون منها ولا يلقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى إذا امتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزاري مدداً لهم، وهم في ثنية ضيقة، ثم علوت الجبل فأنا فوقهم. قال عيينة: ما هذا الذي أرى ؟ قالوا: لقينا من هذا البرح ما فارقنا بسحر حتى الآن وأخذ كل شيء في أيدينا وجعله وراء ظهره، فقال عيينة: لولا أن هذا يرى أن وراءه طلباً لقد ترككم، ثم قال: ليقم إليه نفر منكم؛ فقام إلي نفر منهم أربعة فصعدوا في الجبل فلما أسمعتهم الصوت قلت لهم: أتعرفونني ؟ قالوا: ومن أنت ؟ قلت: أنا ابن الأكوع، والذي كرم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني ! فقال رجل منهم: إن ذا ظن. قال: فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يتخللون الشجر، وإذا أولهم الأخرم الأسدي وعلى أثره أبو قتادة فارس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعلى أثر أبي قتادة المقداد، فولى المشركون مدبرين وأنزل من الجبل فأعرض للأخرم فآخذ عنان فرسه قلت: يا أخرم انذر القوم ! يعني احذرهم، فإني لا آمن أن يقتطعوك فاتئد حتى يلحق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، قال: يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة ! فخليت عنان فرسه فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة ويعطف عليه عبد الرحمن، فاختلفا طعنتين فعقر الأخرم بعبد الرحمن، فطعنه عبد الرحمن فقتله، فتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن فاختلفا طعنتين فعقر بأبي قتادة وقتله أبو قتادة، وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم ثم إني خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، شيئاً ويعرضون إلى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد، فأرادوا أن يشربوا منه فأبصروني أعدو وراءهم فعطفوا عنه وأسندوا في الثنية ثنية ذي دبر وغربت الشمس فألحق رجلاً فأرميه فقلت: خذها.
وأنا ابن الأكوع ● واليوم يوم الرّضّع
فقال: يا ثكل أمي، أأكوعي بكرة ؟ قال: قلت نعم يا عدو نفسه ! فكان الذي رميته بكرة فاتبعته بسهم آخر فعلق فيه سهمان ويخلفون فرسين فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو على الماء الذي حلأتهم عنه ذو قرد، فإذا نبي الله في خمسمائة، وإذا بلال قد نحر جزوراً مما خلفت فهو يشوي لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، من كبدها وسنامها، فأتيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله خلني فأنتخب من أصحابك مائة فآخذ على الكفار بالعشوة فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته؛ قال: أكنت فاعلاً ذلك يا سلمة ؟ قلت: نعم، والذي أكرمك ! فضحك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى رأيت نواجذه في ضوء النار ثم قال: إنهم الآن يقرون بأرض بني غطفان، فجاء رجل من غطفان فقال: مروا على فلان الغطفاني فنحر لهم جزوراً، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرةً فتركوها وخرجوا هراباً، فلما أصبحنا قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا اليوم سلمة، فأعطاني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سهم الراجل والفارس ثم أردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة، فلما كان بيننا وبينها قريباً من ضحوة، وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق جعل ينادي: هل من مسابق ؟ ألا رجل يسابق إلى المدينة؟ فأعاد ذلك مراراً وأنا وراء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مردفي فقلت له: ما تكرم كريماً ولا تهاب شريفاً ؟ قال: لا إلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي خلني فلأسابق الرجل ! فقال: إن شئت؛ فقلت: اذهب إليك. فطفر عن راحلته وثنيت رجلي فطفرت عن الناقة ثم إني ربطت عليه شرفاً أو شرفتين يعني استبقيت نفسي ثم إني عدوت حتى ألحقه فأصك بين كتفيه بيدي. قلت: سبقتك والله إلى فوزه أو كلمة نحوها، قال: فضحك وقال: إني إن أظن حتى قدمنا المدينة.
سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر
ثم سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر غمر مرزوق، وهو ماء لبني أسد على ليلتين من فيد طريق الأول إلى المدينة، وكانت في شهر ربيع الأول سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: وجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عكاشة بن محصن إلى الغمر في أربعين رجلاً فخرج سريعاً يغذ السير ونذر به القوم فهربوا فنزلوا علياء بلادهم ووجدوا دارهم خلوفاً، فبعث شجاع بن وهب طليعةً فرأى أثر النعم فتحملوا فأصابوا ربيئةً لهم، فأمنوه فدلهم على نعم لبني عم له، فأغاروا عليها فاستاقوا مائتي بعير فأرسلوا الرجل وحدروا النعم إلى المدينة وقدموا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يلقوا كيداً.
سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة
ثم سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة في شهر ربيع الآخر سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، محمد بن مسلمة إلى بني ثعلبة وبني عوال من ثعلبة وهم بذي القصة، وبينها وبين المدينة أربعة وعشرون ميلاً طريق الربذة في عشرة نفر، فوردوا عليهم ليلاً فأحدق به القوم، وهم مائة رجل، فتراموا ساعةً من الليل ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح فقتلوهم، ووقع محمد بن مسلمة رجل من المسلمين فحمله حتى ورد به المدينة، فبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلاً إلى مصارع القوم فلم يجدوا أحداً ووجدوا نعماً وشاءً فساقه ورجع.
سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة
ثم سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في شهر ربيع الآخر سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: أجدبت بلاد بني ثعلبة وأنمار، ووقعت سحابة بالمراض إلى تغلمين والمراض على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة، فسارت بنو محارب وثعلبة وأنمار إلى تلك السحابة، وأجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة، وهو يرعى بهيفا موضع على سبعة أميال من المدينة، فبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلاً من المسلمين حين صلوا المغرب، فمشوا إليهم حتى وافوا ذا القصة مع عماية الصبح، فأغاروا عليهم فأعجزوهم هرباً في الجبال، وأصاب رجلاً واحداً فأسلم وتركه، فأخذ نعماً من نعمهم فاستاقه ورثةً من متاعهم وقدم بذلك المدينة فخمسه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقسم ما بقي عليهم.
سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم
ثم سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم في شهر ربيع الآخر سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زيد بن حارثة إلى بني سليم فسار حتى ورد الجموم ناحية بطن نخل عن يسارها، وبطن نخل من المدينة على أربعة برد، فأصابوا عليه امرأةً من مزينة يقال لها حليمة، فدلتهم عن محله من محال بني سليم فأصابوا في تلك المحلة نعماً وشاءً وأسرى، فكان فيهم زوج حليمة المزنية، فلما قفل زيد بن حارثة بما أصاب وهب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للمزنية نفسها وزوجها فقال بلال بن الحارث في ذلك شعراً:
لعمرك ما أخنى المسول ولا ونت ● حليمة حتى راح ركبهما معا
سرية زيد بن حارثة إلى العيص
ثم سرية زيد بن حارثة إلى العيص، وبينها وبين المدينة أربع ليال، وبينها وبين ذي المروة ليلة، في جمادى الأولى سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن عيراً لقريش قد أقبلت من الشأم فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب يتعرض لها، فأخذوها وما فيها وأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية وأسروا ناساً ممن كان في العير، منهم أبو العاص بن الربيع، وقدم بهم المدينة فاستجار أبو العاص بزينب بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأجارته ونادت في الناس حين صلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الفجر: إني قد أجرت أبا العاص ! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: وما علمت بشيء من هذا وقد أجرنا من أجرت، ورد عليه ما أخذ منه.
سرية زيد بن حارثة إلى الطرف
ثم سرية زيد بن حارثة إلى الطرف في جمادى الآخرة سن ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زيد بن حارثة إلى الطرف، وهو ماء قريب من المراض دون النخيل على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة طريق البقرة على المحجة، فخرج إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلاً فأصاب نعماً وشاءً وهربت الأعراب وصبح زيد بالنعم المدينة، وهي عشرون بعيراً، ولم يلق كيداً وغاب أربع ليال وكان شعارهم: أمت أمت.
سرية زيد بن حارثة إلى حسمى
ثم سرية زيد بن حارثة إلى حسمى وهي وراء وادي القرى في جمادى الآخرة سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: أقبل دحية بن خليفة الكلبي من عند قيصر وقد أجاره وكساه، فلقيه الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد في ناس من جذام بحسمى، فقطعوا عليه الطريق فلم يتركوا عليه إلا سمل ثوب، فسمع بذلك نفر من بني الضبيب فنفروا إليهم فاستنقذوا لدحية متاعه، وقدم دحية على النبية، صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك فبعث زيد بن حارثة في خمسمائة رجل ورد معه دحية، فكان زيد يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل له من بني عذرة، فأقبل بهم حتى هجم بهم مع الصبح على القوم، فأغاروا عليهم فقتلوا فيهم فأوجعوا وقتلوا الهنيد وابنه وأغاروا على ماشيتهم ونعمهم ونسائهم، فأخذوا من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آلاف شاة، ومن السبي مائة من النساء والصبيان، فرحل زيد بن رفاعة الجذامي في نفر من قومه إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فدفع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كتابه الذي كان كتب له ولقومه ليالي قدم عليه، فأسلم وقال: يا رسول الله لا تحرم علينا حلالاً ولا تحل لنا حراماً؛ فقال: كيف أصنع بالقتلى ؟ قال أبو يزيد بن عمرو: أطلق لنا يا رسول الله من كان حياً ومن قتل فهو تحت قدمي هاتين، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: صدق أبو يزيد ! فبعث معهم علياً، رضي الله عنه، إلى زيد بن حارثة يأمره أن يخلي بينهم وبين حرمهم وأموالهم، فتوجه علي فلقي رافع بن مكيث الجهني بشير زيد بن حارثة على ناقة من إبل القوم، فردها علي على القوم، ولقي زيداً بالفحلتين، وهي بين المدينة وذي المروة، فأبلغه أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرد إلى الناس كل ما كان أخذ لهم.
سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى
ثم سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زيداً أميراً سنة ست.
سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل
ثم سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: دعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عبد الرحمن بن عوف فأقعده بين يديه وعممه بيده وقال: اغز بسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله ! لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليداً ! وبعثه إلى كلب بدومة الجندل وقال: إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم، فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي، وكان نصرانياً وكان رأسهم، وأسلم معه ناس كثير من قومه وأقام من أقام على إعطاء الجزية وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ وقدم بها إلى المدينة، وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن.
سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك
ثم سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك في شعبان سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن لهم جمعاً يريدون أن يمدوا يهود خيبر، فبعث إليهم علي بن أبي طالب في مائة رجل، فسار الليل وكمن النهار حتى انتهى إلى الهمج، وهو ماء بين خيبر وفدك، وبين فدك والمدينة ست ليال، فوجدوا به رجلاً فسألوه عن القوم فقال: أخبركم على أنكم تؤمنوني، فآمنوه فدلهم، فأغاروا عليهم فأخذوا خمسمائة بعير وألفي شاة وهربت بنو سعد بالظعن ورأسهم وبر بن عليم فعزل علي صفي النبي، صلى الله عليه وسلم، لقوحاً تدعى الحفذة ثم عزل الخمس وقسم سائر الغنائم على أصحابه وقدم المدينة ولم يلق كيداً.
سرية زيد بن حارثة إلى أُم قرفة بوادي القرى
ثم سرية زيد بن حارثة إلى أُم قرفة بناحية بوادي القرى، على سبع ليال من المدينة؛ في شهر رمضان سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: خرج زيد بن حارثة في تجارة إلى الشأم ومعه بضائع لأصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم. فلما كان دون وادي القرى لقيه ناس من فزارة من بني بدر فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم، ثم استبل زيد وقدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره فبعثه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إليهم فكمنوا النهار وساروا الليل، ونذرت بهم بنو بدر ثم صبحهم زيد وأصحابه فكبروا وأحاطوا بالحاضر وأخذوا أم قرفة، وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر، وابنتها جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر، فكان الذي أخذ الجارية مسلمة بن الأكوع فوهبها لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فوهبها رسول الله بعد ذلك لحزن بن أبي وهب، وعمد قيس بن المحسر إلى أم قرفة، وهي عجوز كبيرة، فقتلها قتلاً عنيفاً: ربط بين رجليها حبلاً ثم ربطها بين بعيرين ثم زجرهما فذهبا فقطعاها، وقتل النعمان وعبيد الله ابني مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر، وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك فقرع باب النبي، صلى الله عليه وسلم، فقام إليه عرياناً يجر ثوبه حتى اعتنقه وقبله وسايله فأخبر بما ظفره الله به.
سرية عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع
ثم سرية عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع سلام بن أبي الحقيق النضري بخيبر في شهر رمضان سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: كان أبو رافع بن أبي الحقيق قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب، وجعل لهم الحفل العظيم لحرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبعث رسول الله عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وأبا قتادة والأسود بن خزاعي ومسعود بن سنان وأمرهم بقتله، فذهبوا إلى خيبر فكمنوا، فلما هدأت الرجل جاؤوا إلى منزله فصعدوا درجةً وله قدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية، فاستفتح وقال: جئت أبا رافع بهدية، ففتحت له امرأته فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشاروا إليها بالسيف فسكتت، فدخلوا عليه فما عرفوه إلا ببياضه كأنه قبطية فعلوه بأسيافهم؛ قال ابن أنيس: وكنت رجلاً أعشى لا أبصر فأتكىء بسيفي على بطنه حتى سمعت خشه في الفراش وعرفت أنه قد قضى، وجعل القوم يضربونه جميعاً، ثم نزلوا وصاحت امرأته فتصايح أهل الدار واختبأ القوم في بعض مناهر خيبر، وخرج الحارث أبو زينب في ثلاثة آلاف في آثارهم يطلبونهم بالنيران فلم يروهم، فرجعوا ومكث القوم في مكانهم يومين حتى سكن الطلب ثم خرجوا مقبلين إلى المدينة كلهم يدعي قتله، فقدموا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: أفلحت الوجوه ! فقالوا: أفلح وجهك يا رسول الله ! وأخبروه خبرهم فأخذ أسيافهم فنظر إليها فإذا أثر الطعام في ذباب سيف عبد الله بن أنيس، فقال: هذا قتله.
سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن زارم
ثم سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير زارم اليهودي بخيبر في شوال سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: لما قتل أبو رافع سالم بن أبي الحقيق أمرت يهود عليهم أسير بن زارم فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فوجه عبد الله بن رواحة في ثلاثة نفر في شهر رمضان سراً فسأل عن خبره وغرته فأخبر بذلك، فقدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره فندب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس فانتدب له ثلاثون رجلاً، فبعث عليهم عبد الله بن رواحة فقدموا على أسير فقالوا: نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له ؟ قال: نعم، ولي منكم مثل ذلك ؟ وقالوا: نعم؛ فقلنا: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك؛ فطمع في ذلك فخرج وخرج معه ثلاثون رجلاً من اليهود مع كل رجل رديف من المسلمين، حتى إذا كنا بقرقرة ثبار ندم أسير فقال عبد الله بن أنيس، وكان في السرية: وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت له ودفعت بعيري وقلت: غدراً أي عدو الله ! فعل ذلك مرتين، فنزلت فسقت بالقوم حتى انفد لي أسير فضربته بالسيف فأندرت عامة فخذه وساقه وسقط عن بعيره وبيده مخرش من شوحط فضربني فشجني مأمومةً، وملنا على أصحابه فقتلناهم كلهم غير رجل واحد أعجزنا شداً، ولم يصب من المسلمين أحد، ثم أقبلنا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحدثناه الحديث فقال: قد نجاكم الله من القوم الظالمين.
سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين
ثم سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين في شوال سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: قدم نفر من عرينة ثمانية على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسلموا واستوبأ والمدينة، فأمر بهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى لقاحه وكانت ترعى بذي الجدر ناحية قباء قريباً من عير، على ستة أميال من المدينة، فكانوا فيها حتى صحوا وسمنوا فغدوا على اللقاح فاستاقوها فيدركهم يسار مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومعه نفر فقاتلهم فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات. وبلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الخبر فبعث في أثرهم عشرين فارساً واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري فأدركوهم فأحاطوا بهم وأسروهم وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة. وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالغابة فخرجوا بهم نحوه فلقوه بالزغابة بمجتمع السيول، وأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم فصلبوا هناك وأنزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إنّما جَزَاءُ الّذيِنَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الأرْضِ فَسَاداً " الآية فلم يسمل بعد ذلك عيناً. وكانت اللقاح خمس عشرة لقحة غزاراً فردوها إلى المدينة ففقد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منها لقحةً تدعى الحناء، فسأل عنها فقيل: نحروها.
سرية عمرو بن أمية الضمري
ثم سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم بن حريس إلى أبي سفيان بن حرب بمكة، وذلك أن أبا سفيان بن حرب قال لنفر من قريش: ألا أحد يغتال محمداً فإنه يمشي في الأسواق؟ فأتاه رجل من الأعراب فقال: قد وجدت أجمع الرجال قلباً وأشده بطشاً وأسرعه شداً، فإن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله ومعي خنجر مثل خافية النسر فأسوره ثم آخذ في عير وأسبق القوم عدواً فإني هاد بالطريق خريت ! قال: أنت صاحبنا. فأعطاه بعيراً ونفقة وقال: اطو أمرك، فخرج ليلاً فسار على راحلته خمساً وصبح ظهر الحرة صبح سادسة ثم أقبل يسأل عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى دل عليه؛ فعقل راحلته ثم اقبل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو في مسجد بني عبد الأشهل، فلما رآه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: إن هذا ليريد غدراً ! فذهب ليجني على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة إزاره فإذا الخنجر فسقط في يديه وقال: دمي ! دمي ! فأخذ أسيد بلبته فذعته، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اصدقني ما أنت ؟ قال: وأنا آمن ؟ قال: نعم ! فأخبره بأمره وما جعل له أبو سفيان، فخلى عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسلم وبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمرو بن أمية وسلمة بن اسلم إلى أبي سفيان بن حرب وقال: إن أصبتما منه غرة فاقتلاه ! فدخلا مكة ومضى عمرو بن أمية يطوف بالبيت ليلاً فرآه معاوية بن أبي سفيان فعرفه، فأخبر قريشاً بمكانه فخافوه وطلبوه، وكان فاتكاً في الجاهلية، وقالوا: لم يأت عمر لخير؛ فحشد له أهل مكة وتجمعوا وهرب عمرو وسلمة، فلقي عمرو عبيد الله بن مالك بن عبيد الله التيمي فقتله، وقتل آخر من بني الديل سمعه يتغنى ويقول:
ولست بمسلمٍ ما دمت حيّا ● ولست أدين دين المسلمينا
ولقي رسولين لقريش بعثتهما يتحسبان الخبر فقتل أحدهما وأسر الآخر فقدم به المدينة، فجعل عمرو يخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خبره ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يضحك.
كتاب غزوات الرسول وسراياه
المؤلف : ابن سعد
منتدى ميراث الرسول . البوابة
غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
وسراياه
غزوة بني لحيان
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بني لحيان، وكانوا بناحية عسفان، في شهر ربيع الأول سنة ست من مهاجره. قالوا: وجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على عاصم بن ثابت وأصحابه وجداً شديداً، فأظهر أنه يريد الشأم وعسكر لغرة هلال شهر ربيع الأول في مائتي رجل ومعهم عشرون فرساً، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ثم أسرع السير حتى انتهى إلى بطن غران، وبينها وبين عسفان خمسة أميال حيث كان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهم فسمعت بهم بنو لحيان فهربوا في رؤوس الجبال فلم يقدروا على أحد، ثم خرج حتى أتى عسفان، فبعث أبا بكر في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم، فأتوا الغميم ثم رجعوا ولم يلقوا أحداً، ثم انصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة وهو يقول: آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون ! وغاب عن المدينة أربع عشرة ليلة.
أخبرنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر وعبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خرج في غزوة بني لحيان وأظهر أنه يريد الشأم ليصيب منهم غرة، فخرج من المدينة فسلك على غراب ثم على مخيض ثم على البتراء ثم صفق ذات اليسار، فخرج على بيبن ثم على صخيرات الثمام ثم استقام به الطريق على السيالة فأغذ السير سريعاً حتى نزل على غران، هكذا قال ابن إدريس، وهي منازل بني لحيان، فوجدهم قد تمنعوا في رؤوس الجبال، فلما أخطأه من عدوه ما أراد قالوا: لو أنا هبطنا عسفان فنري أهل مكة أنا قد جئناها، فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم كرا وراح قافلاً؛ فكان جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: تائبون آئبون، إن شاء الله، حامدون لربنا عابدون ! أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال.
أخبرنا روح بن عبادة، أخبرنا حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سعيد مولى المهدي عن أبي سعيد الخدري قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعثاً إلى بني لحيان من هذيل وقال: لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني، حدثني إبراهيم بن عقيل ابن معقل عن أبيه عن وهب قال: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول أول ما غزا عسفان ثم رجع: آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون.
غزوة الغابة