بّسم الله الرّحمن الرّحيم
غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
وسراياه
غزوة الطائفثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الطائف في شوال سنة ثمان من مهاجره.
قالوا: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من حنين يريد الطائف وقدم خالد بن الوليد على مقدمته، وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة، فلما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم وأغلقوه عليهم وتهيأوا للقتال، وسار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنزل قريباً من حصن الطائف وعسكر هناك فرموا المسلمين بالنبل رمياً شديداً كأنه رجل جراد حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة، وقتل منهم اثنا عشر رجلاً، فيهم عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة وسعيد بن العاص، ورمي عبد الله بن أبي بكر الصديق يومئذ فاندمل الجرح ثم انتقض به بعد ذلك فمات منه فارتفع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى موضع مسجد الطائف اليوم وكان معه من نسائه أم سلمة وزينب، فضرب لهما قبتين، وكان يصلي بين القبتين حصار الطائف كله فحاصرهم ثمانية عشر يوماً، ونصب عليهم المنجنيق ونثر الحسك سقبين من عيدان حول الحصن، فرمتهم ثقيف بالنبل فقتل منهم رجال، فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقطع أعنابهم وتحريقها فقطع المسلمون قطعاً ذريعاً ثم سألوه أن يدعها لله وللرحم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: فإني أدعها لله وللرحم ! ونادى منادي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر ! فخرج منهم بضعة عشر رجلاً منهم أبو بكرة نزل في بكرة فقيل أبو بكرة، فأعتقهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه، فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة ولم يؤذن لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، في فتح الطائف. واستشار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نوفل بن معاوية الديلي فقال: ما ترى ؟ فقال: ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك ! فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمر بن الخطاب فأذن في الناس بالرحيل فضج الناس من ذلك وقالوا: نرحل ولم يفتح علينا الطائف ؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: فاغدوا على القتال؛ فغدوا فأصابت المسلمين جراحات فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنا قافلون إن شاء الله؛ فسروا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يضحك. وقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده؛ فلما ارتحلوا واستقلوا قال: قولوا آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون ! وقيل: يا رسول الله ادع الله على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم.
أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، أخبرنا أبو الأشهب، أخبرنا الحسن قال: حاصر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أهل الطائف قال فرمي رجل من فوق سورها فقتل، فأتى عمر فقال: يا نبي الله ادع على ثقيف ! قال: إن الله لم يأذن في ثقيف، قال: فكيف نقتل في قوم لم يأذن الله فيهم ؟ قال: فارتحلوا، فارتحلوا.
أخبرنا قبيصة بن عقبة، أخبرنا سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن مكحول: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوماً.
أخبرنا نصر بن باب عن الحجاج، يعني ابن أرطاة، عن الحكم بن مقسم عن ابن عباس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الطائف: من خرج إلينا من العبيد فهو حر ! فخرج عبيد من عبيدهم فيهم أبو بكرة فأعتقهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ثم بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المصدقين قالوا: لما رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هلال المحرم سنة تسع من مهاجره بعث المصدقين يصدقون العرب فبعث عيينة بن حصن إلى بني تميم يصدقهم وبعث بريدة بن الحصيب إلى أسلم وغفار يصدقهم، ويقال كعب بن مالك، وبعث عباد بن بشر الأشهلي إلى سليم ومزينة.
وبعث رافع بن مكيث إلى جهينة. وبعث عمرو بن العاص إلى بني فزارة. وبعث الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب. وبعث بسر ابن سفيان الكعبي إلى بني كعب. وبعث ابن اللتبية الأزدي إلى بني ذبيان. وبعث رجلاً من سعد هذيم على صدقاتهم وأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مصدقيه أن يأخذوا العفو منهم ويتوقوا كرائم أموالهم.
سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم
ثم سرية عيينة بن الحصن الفزاري إلى بني تميم، وكانوا فيما بين السقيا وأرض بني تميم، وذلك في المحرم سنة تسع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم في خمسين فارساً من العرب ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري، فكان يسير الليل ويكمن النهار فهجم عليهم في صحار فدخلوا وسرحوا مواشيهم، فلما رأوا الجمع ولوا وأخذ منهم أحد عشر رجلاً، ووجدوا في المحلة إحدى عشرة امرأة وثلاثين صبياً فجلبهم إلى المدينة فأمر بهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحبسوا في دار رملة بنت الحارث فقدم فيهم عدة من رؤسائهم عطارد بن حاجب والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم والأقرع بن حابس وقيس بن الحارث ونعيم بن سعد وعمرو بن الأهتم ورباح بن الحارث بن مجاشع، فلما رأوهم بكى إليهم النساء والذراري فعجلوا فجاؤوا إلى باب النبي، صلى الله عليه وسلم، فنادوا: يا محمد، اخرج إلينا ! فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأقام بلال الصلاة وتعلقوا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، يكلمونه فوقف معه ثم مضى فصلى الظهر ثم جلس في صحن المسجد فقدموا عطارد بن حاجب فتكلم وخطب؛ فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثابت بن قيس بن شماس فأجابهم، ونزل فيهم: " إنّ الّذينَ يُنَادُونَكَ منْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ " . فرد عليهم رسول الله الأسرى والسبي ثم بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بلمصطلق من خزاعة يصدقهم، وكانوا قد أسلموا وبنوا المساجد، فلما سمعوا بدنو الوليد خرج منهم عشرون رجلاً يتلقونه بالجزور والغنم فرحاً به، فلما رآهم ولى راجعاً إلى المدينة فأخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أنهم لقوه بالسلاح يحولون بينه وبين الصدقة، فهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يبعث إليهم من يغزوهم، وبلغ ذلك القوم فقدم عليه الركب الذين لقوا الوليد فأخبروا النبي الخبر عن وجهه، فنزلت هذه الآية: " يَا أيّهَا الّذينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسقٌ بنَبَإ فَتَبَيّنُوا أنْ تُصِيبُوا قَوْماً بجَهَالَةٍ " إلى آخر الآية فقرأ عليهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، القرآن وبعث معهم عباد بن بشر يأخذ صدقات أموالهم ويعلمهم شرائع الإسلام ويقرئهم القرآن، فلم يعد ما أمره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يضيع حقاً، وأقام عندهم عشراً ثم انصرف إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، راضياً.
سرية قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم
ثم سرية قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم بناحية بيشة قريباً من تربة في صفر سنة تسع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قطبة بن عامر بن حديدة في عشرين رجلاً إلى حي من خثعم بناحية تبالة وأمره أن يشن الغارة عليهم، فخرجوا على عشر أبعرة يعتقبونها فأخذوا رجلاً فسألوه فاستعجم عليهم فجعل يصيح بالحاضر ويحذرهم فضربوا عنقه ثم أمهلوا حتى نام الحاضر فشنوا عليهم الغارة فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعاً، وقتل قطبة بن عامر من قتل وساقوا النعم والشاء والنساء إلى المدينة، وجاء سيل أتي فحال بينهم وبينه فما يجدون إليه سبيلاً، وكانت سهمانهم أربعة أبعرة أربعة أبعرة، والبعير يعدل بعشر من الغنم، بعد أن أخرج الخمس.
سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب
ثم سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب في شهر ربيع الأول سنة تسع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جيشاً إلى القرطاء عليهم الضحاك بن سفيان بن عوف بن أبي بكر الكلابي، ومعه الأصيد ابن سلمة بن قرط، فلقوهم بالزج زج لاوه فدعوهم إلى الإسلام فأبوا، فقاتلوهم فهزموهم فلحق الأصيد أباه سلمة، وسلمة على فرس له في غدير بالزج، فدعا أباه إلى الإسلام وأعطاه الأمان، فسبه وسب دينه، فضرب الأصيد عرقوبي فرس أبيه، فلما وقع الفرس على عرقوبيه ارتكز سلمة على رمحه في الماء ثم استمسك به حتى جاءه أحدهم فقتله ولم يقتله ابنه.
سرية علقمة بن مجزز المدلجي إلى الحبشة
ثم سرية علقمة بن مجزز المدلجي إلى الحبشة في شهر ربيع الآخر سنة تسع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن ناساً من الحبشة تراياهم أهل جدة فبعث إليهم علقمة بن مجزز في ثلثمائة، فانتهى إلى جزيرة في البحر وقد خاض إليهم البحر فهربوا منه، فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهلهم فأذن لهم فتعجل عبد الله بن حذافة السهمي فيهم فأمره على من تعجل، وكانت فيه دعابة، فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا ناراً يصطلون عليها ويصطنعون فقال: عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذه النار ! فقام بعض القوم فاحتجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال: اجلسوا إنما كنت أضحك معكم ! فذكروا ذلك لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: من أمركم بمعصية فلا تطيعوه.
سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس صنم طيء ليهدمه
ثم سرية علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، إلى الفلس صنم طيء ليهدمه في شهر ربيع الآخر سنة تسع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب في خمسين ومائة رجل من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرساً، ومعه راية سوداء ولواء أبيض إلى الفلس ليهدمه، فشنوا الغارة على محلة آل حام مع الفجر فهدموا الفلس وخربوه وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء، وفي السبي أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشأم ووجد في خزانة الفلس ثلاثة أسياف: رسوب والمخذم وسيف يقال له اليماني، وثلاثة أدراع. واستعمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على السبي أبا قتادة واستعمل على الماشية والرثة عبد الله بن عتيك، فلما نزلوا ركك اقتسموا الغنائم وعزل للنبي، صلى الله عليه وسلم، صفياً رسوباً والمخذم ثم صار له بعد السيف الآخر، وعزل الخمس وعزل آل حاتم فلم يقسمهم حتى قدم بهم المدينة.
سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب أرض عذرة وبلي
ثم سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب، أرض عذرة وبلي، في شهر ربيع الآخر سنة تسع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
غزوة تبوك
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تبوك في رجب سنة تسع من مهاجره.
قالوا: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشأم وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء، فندب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك. وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم، وذلك في حر شديد، وأمرهم بالصدقة فحملوا صدقات كثيرة وقووا في سبيل الله، وجاء البكاؤون وهم سبعة يستحملونه فقال: لا أجد ما أحملكم عليه، تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً أن لا يجدوا ما ينفقون. وهم: سالم بن عمير وهرمي بن عمرو وعبلة بن زيد وأبو ليلى المازني وعمرو بن عنمة وسلمة بن صخر والعرباض بن سارية.
وفي بعض الروايات من يقول: إن فيهم عبد الله بن المغفل ومعقل ابن يسار. وبعضهم يقولون: البكاؤون بنو مقرن السبعة، وهم من مزينة. وجاء ناس من المنافقين يستأذنون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في التخلف من غير علة فأذن لهم وهم بضعة وثمانون رجلاً. وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم فاعتذروا إليه فلم يعذرهم وهم اثنان وثمانون رجلاً. وكان عبد الله بن أبي بن سلول قد عسكر على ثنية الوداع في حلفائه من اليهود والمنافقين فكان يقال ليس عسكره بأقل العسكرين. وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، استخلف على عسكره أبا بكر الصديق يصلي بالناس، واستخلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المدينة محمد بن مسلمة، وهو أثبت عندنا ممن قال استخلف غيره. فلما سار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تخلف عبد الله بن أبي ومن كان معه وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب، منهم: كعب بن مالك وهلال بن ربيع ومرارة ابن الربيع وأبو خيثمة السالمي وأبو ذر الغفاري. وأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كل بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواءً أو رايةً ومضى لوجهه يسير بأصحابه حتى قدم تبوك في ثلاثين ألفاً من الناس، والخيل عشرة آلاف فرس، فأقام بها عشرين ليلةً يصلي بها ركعتين ولحقه بها أبو خيثمة السالمي وأبو ذر الغفاري، وهرقل يومئذ بحمص، فبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خالد بن الوليد في أربعمائة وعشرين فارساً في رجب سنة تسع سرية إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل، وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلةً، وكان أكيدر من كندة قد ملكهم، وكان نصرانياً، فانتهى إليه خالد وقد خرج من حصنه في ليلة مقمرة إلى بقر يطاردها هو وأخوه حسان، فشدت عليه خيل خالد بن الوليد فاستأسر أكيدر وامتنع أخوه حسان وقاتل حتى قتل وهرب من كان معهما، فدخل الحصن وأجار خالد أكيدر من القتل حتى يأتي به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أن يفتح له دومة الجندل، ففعل وصالحه على ألفي بعير وثمانمائة رأس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح. فعزل للنبي، صلى الله عليه وسلم، صفياً خالصاً ثم قسم الغنيمة فأخرج الخمس، وكان للنبي، صلى الله عليه وسلم، ثم قسم ما بقي بين أصحابه فصار لكل رجل منهم خمس فرائض، ثم خرج خالد بن الوليد بأكيدر وبأخيه مصاد وكان في الحصن وبما صالحه عليه قافلاً إلى المدينة، فقدم بأكيدر على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأهدى له هدية فصالحه على الجزية وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما. وكتب له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كتاباً فيه أمانهم وما صالحهم عليه وختمه يومئذ بظفره. وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، استعمل على حرسه بتبوك عباد بن بشر فكان يطوف في أصحابه على العسكر ثم انصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من تبوك ولم يلق كيداً وقدم المدينة في شهر رمضان سنة تسع فقال: الحمد لله على ما رزقنا في سفرنا هذا من أجر وحسبة ! وجاءه من كان تخلف عنه فحلفوا له فعذرهم واستغفر لهم وأرجأ أمر كعب ابن مالك وصاحبيه حتى نزلت توبتهم بعد، وجعل المسلمون يبيعون أسلحتهم ويقولون: قد انقطع الجهاد ! فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنهاهم وقال: لا تزال عصابة من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الدجال.
أخبرنا عتاب بن زياد قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يونس عن الزهري، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك قال: سمعت كعب بن مالك يقول: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قل ما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حر شديد واستقبل سفراً بعيداً وغزو عدو كثير، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم وأخبرهم بوجهه الذي يريده.
أخبرنا محمد بن حميد العبدي عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل ابن أبي طالب في قوله: الذين اتبعوه في ساعة العسرة، قال: خرجوا في غزوة تبوك الرجلان والثلاثة على بعير وخرجوا في حر شديد فأصابهم يوماً عطش شديد حتى جعلوا ينحرون إبلهم فيعصرون أكراشها ويشربون ماءها، فكان ذلك عسرة من الماء وعسرة من الطهر وعسرة من النفقة.
أخبرنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، أخبرنا سليمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حنظلة الغسيل، حدثني ابن لعبد الرحمن بن عبد الله أو ابن لعبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه عن جده أن النبي، صلى الله عليه وسلم، خرج إلى غزوة تبوك يوم الخميس وكانت آخر غزوة غزاها وكانت يستحب أن يخرج يوم الخميس.
أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي، أخبرنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: غزا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تبوكاً فأقام بها عشرين ليلة يصلي بها صلاة المسافر.
أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: رجعنا من غزوة تبوك فلما دنونا من المدينة قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم. قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة ؟ قال: نعم حبسهم العذر ! أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني، حدثني إبراهيم بن عقيل ابن معقل عن أبيه عن وهب عن جابر قال: سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول في غزوة تبوك بعد أن رجعنا إلى المدينة: إن بالمدينة أقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم المرض.
كتاب غزوات الرسول وسراياه
المؤلف : ابن سعد
منتدى ميراث الرسول . البوابة
غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
وسراياه
غزوة الطائف
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الطائف في شوال سنة ثمان من مهاجره.
قالوا: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من حنين يريد الطائف وقدم خالد بن الوليد على مقدمته، وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة، فلما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم وأغلقوه عليهم وتهيأوا للقتال، وسار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنزل قريباً من حصن الطائف وعسكر هناك فرموا المسلمين بالنبل رمياً شديداً كأنه رجل جراد حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة، وقتل منهم اثنا عشر رجلاً، فيهم عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة وسعيد بن العاص، ورمي عبد الله بن أبي بكر الصديق يومئذ فاندمل الجرح ثم انتقض به بعد ذلك فمات منه فارتفع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى موضع مسجد الطائف اليوم وكان معه من نسائه أم سلمة وزينب، فضرب لهما قبتين، وكان يصلي بين القبتين حصار الطائف كله فحاصرهم ثمانية عشر يوماً، ونصب عليهم المنجنيق ونثر الحسك سقبين من عيدان حول الحصن، فرمتهم ثقيف بالنبل فقتل منهم رجال، فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقطع أعنابهم وتحريقها فقطع المسلمون قطعاً ذريعاً ثم سألوه أن يدعها لله وللرحم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: فإني أدعها لله وللرحم ! ونادى منادي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر ! فخرج منهم بضعة عشر رجلاً منهم أبو بكرة نزل في بكرة فقيل أبو بكرة، فأعتقهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه، فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة ولم يؤذن لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، في فتح الطائف. واستشار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نوفل بن معاوية الديلي فقال: ما ترى ؟ فقال: ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك ! فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمر بن الخطاب فأذن في الناس بالرحيل فضج الناس من ذلك وقالوا: نرحل ولم يفتح علينا الطائف ؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: فاغدوا على القتال؛ فغدوا فأصابت المسلمين جراحات فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنا قافلون إن شاء الله؛ فسروا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يضحك. وقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده؛ فلما ارتحلوا واستقلوا قال: قولوا آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون ! وقيل: يا رسول الله ادع الله على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم.
أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، أخبرنا أبو الأشهب، أخبرنا الحسن قال: حاصر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أهل الطائف قال فرمي رجل من فوق سورها فقتل، فأتى عمر فقال: يا نبي الله ادع على ثقيف ! قال: إن الله لم يأذن في ثقيف، قال: فكيف نقتل في قوم لم يأذن الله فيهم ؟ قال: فارتحلوا، فارتحلوا.
أخبرنا قبيصة بن عقبة، أخبرنا سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن مكحول: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوماً.
أخبرنا نصر بن باب عن الحجاج، يعني ابن أرطاة، عن الحكم بن مقسم عن ابن عباس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الطائف: من خرج إلينا من العبيد فهو حر ! فخرج عبيد من عبيدهم فيهم أبو بكرة فأعتقهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ثم بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المصدقين قالوا: لما رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هلال المحرم سنة تسع من مهاجره بعث المصدقين يصدقون العرب فبعث عيينة بن حصن إلى بني تميم يصدقهم وبعث بريدة بن الحصيب إلى أسلم وغفار يصدقهم، ويقال كعب بن مالك، وبعث عباد بن بشر الأشهلي إلى سليم ومزينة.
وبعث رافع بن مكيث إلى جهينة. وبعث عمرو بن العاص إلى بني فزارة. وبعث الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب. وبعث بسر ابن سفيان الكعبي إلى بني كعب. وبعث ابن اللتبية الأزدي إلى بني ذبيان. وبعث رجلاً من سعد هذيم على صدقاتهم وأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مصدقيه أن يأخذوا العفو منهم ويتوقوا كرائم أموالهم.
سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم
ثم سرية عيينة بن الحصن الفزاري إلى بني تميم، وكانوا فيما بين السقيا وأرض بني تميم، وذلك في المحرم سنة تسع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم في خمسين فارساً من العرب ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري، فكان يسير الليل ويكمن النهار فهجم عليهم في صحار فدخلوا وسرحوا مواشيهم، فلما رأوا الجمع ولوا وأخذ منهم أحد عشر رجلاً، ووجدوا في المحلة إحدى عشرة امرأة وثلاثين صبياً فجلبهم إلى المدينة فأمر بهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحبسوا في دار رملة بنت الحارث فقدم فيهم عدة من رؤسائهم عطارد بن حاجب والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم والأقرع بن حابس وقيس بن الحارث ونعيم بن سعد وعمرو بن الأهتم ورباح بن الحارث بن مجاشع، فلما رأوهم بكى إليهم النساء والذراري فعجلوا فجاؤوا إلى باب النبي، صلى الله عليه وسلم، فنادوا: يا محمد، اخرج إلينا ! فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأقام بلال الصلاة وتعلقوا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، يكلمونه فوقف معه ثم مضى فصلى الظهر ثم جلس في صحن المسجد فقدموا عطارد بن حاجب فتكلم وخطب؛ فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثابت بن قيس بن شماس فأجابهم، ونزل فيهم: " إنّ الّذينَ يُنَادُونَكَ منْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ " . فرد عليهم رسول الله الأسرى والسبي ثم بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بلمصطلق من خزاعة يصدقهم، وكانوا قد أسلموا وبنوا المساجد، فلما سمعوا بدنو الوليد خرج منهم عشرون رجلاً يتلقونه بالجزور والغنم فرحاً به، فلما رآهم ولى راجعاً إلى المدينة فأخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أنهم لقوه بالسلاح يحولون بينه وبين الصدقة، فهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يبعث إليهم من يغزوهم، وبلغ ذلك القوم فقدم عليه الركب الذين لقوا الوليد فأخبروا النبي الخبر عن وجهه، فنزلت هذه الآية: " يَا أيّهَا الّذينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسقٌ بنَبَإ فَتَبَيّنُوا أنْ تُصِيبُوا قَوْماً بجَهَالَةٍ " إلى آخر الآية فقرأ عليهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، القرآن وبعث معهم عباد بن بشر يأخذ صدقات أموالهم ويعلمهم شرائع الإسلام ويقرئهم القرآن، فلم يعد ما أمره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يضيع حقاً، وأقام عندهم عشراً ثم انصرف إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، راضياً.
سرية قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم
ثم سرية قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم بناحية بيشة قريباً من تربة في صفر سنة تسع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قطبة بن عامر بن حديدة في عشرين رجلاً إلى حي من خثعم بناحية تبالة وأمره أن يشن الغارة عليهم، فخرجوا على عشر أبعرة يعتقبونها فأخذوا رجلاً فسألوه فاستعجم عليهم فجعل يصيح بالحاضر ويحذرهم فضربوا عنقه ثم أمهلوا حتى نام الحاضر فشنوا عليهم الغارة فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعاً، وقتل قطبة بن عامر من قتل وساقوا النعم والشاء والنساء إلى المدينة، وجاء سيل أتي فحال بينهم وبينه فما يجدون إليه سبيلاً، وكانت سهمانهم أربعة أبعرة أربعة أبعرة، والبعير يعدل بعشر من الغنم، بعد أن أخرج الخمس.
سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب
ثم سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب في شهر ربيع الأول سنة تسع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جيشاً إلى القرطاء عليهم الضحاك بن سفيان بن عوف بن أبي بكر الكلابي، ومعه الأصيد ابن سلمة بن قرط، فلقوهم بالزج زج لاوه فدعوهم إلى الإسلام فأبوا، فقاتلوهم فهزموهم فلحق الأصيد أباه سلمة، وسلمة على فرس له في غدير بالزج، فدعا أباه إلى الإسلام وأعطاه الأمان، فسبه وسب دينه، فضرب الأصيد عرقوبي فرس أبيه، فلما وقع الفرس على عرقوبيه ارتكز سلمة على رمحه في الماء ثم استمسك به حتى جاءه أحدهم فقتله ولم يقتله ابنه.
سرية علقمة بن مجزز المدلجي إلى الحبشة
ثم سرية علقمة بن مجزز المدلجي إلى الحبشة في شهر ربيع الآخر سنة تسع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن ناساً من الحبشة تراياهم أهل جدة فبعث إليهم علقمة بن مجزز في ثلثمائة، فانتهى إلى جزيرة في البحر وقد خاض إليهم البحر فهربوا منه، فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهلهم فأذن لهم فتعجل عبد الله بن حذافة السهمي فيهم فأمره على من تعجل، وكانت فيه دعابة، فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا ناراً يصطلون عليها ويصطنعون فقال: عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذه النار ! فقام بعض القوم فاحتجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال: اجلسوا إنما كنت أضحك معكم ! فذكروا ذلك لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: من أمركم بمعصية فلا تطيعوه.
سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس صنم طيء ليهدمه
ثم سرية علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، إلى الفلس صنم طيء ليهدمه في شهر ربيع الآخر سنة تسع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب في خمسين ومائة رجل من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرساً، ومعه راية سوداء ولواء أبيض إلى الفلس ليهدمه، فشنوا الغارة على محلة آل حام مع الفجر فهدموا الفلس وخربوه وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء، وفي السبي أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشأم ووجد في خزانة الفلس ثلاثة أسياف: رسوب والمخذم وسيف يقال له اليماني، وثلاثة أدراع. واستعمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على السبي أبا قتادة واستعمل على الماشية والرثة عبد الله بن عتيك، فلما نزلوا ركك اقتسموا الغنائم وعزل للنبي، صلى الله عليه وسلم، صفياً رسوباً والمخذم ثم صار له بعد السيف الآخر، وعزل الخمس وعزل آل حاتم فلم يقسمهم حتى قدم بهم المدينة.
سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب أرض عذرة وبلي
ثم سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب، أرض عذرة وبلي، في شهر ربيع الآخر سنة تسع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
غزوة تبوك