بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ أحداث شهرى المحرم وصفر سنة 1223 }
واستهلت سنة ثلاث وعشرين ومائتين والف
فكان اول المحرم يوم الاحد فيه برز القابجي المسمى بيانجي بك الى السفر على طريق البر وخرج الباشا لوداعه وهذا القابجي كان حضر بالأوامر بخروج العساكر للبلاد الحجازية وخلاص البلاد من ايدي الوهابية وفي مراسيمه التى حضر بها التأكيد والحث على ذلك فلم يزل الباشا يخادعه ويعده بإنفاذ الامر ويعرفه أن هذا الامر لا يتم بالعجلة ويحتاج الى استعداد كبير وانشاء مراكب في القلزم وغير ذلك من الاستعدادات وعمل الباشا ديوانا جمع فيه الدفتردار والمعلم غالي والسيد عمرو المشايخ وقال لهم لا يخفاكم أن الحرمين استولى عليها الوهابيون ومشوا احكامهم بها وقد وردت علينا الاوامر السلطانية المرة بعد المرة للخروج اليهم ومحاربتهم وجلائهم وطردهم عن الحرمين الشريفين ولا تخفى عنكم الحوادث والوقائع التى كانت سببا في التأخير عن المبادرة في امتثال الاوامر والآن حصل الهدوء وحضر قابجي باشا بالتأكيد والحث على خروج العساكر وسفرهم وقد حسبنا المصاريف اللازمة في هذه الوقت فبلغت اربعة وعشرين ألف كيس فاعملوا رأيكم في تحصيلها فحصل ارتباك واضطراب وشاع ذلك في الناس وزاد بهم الوسواس ثم اتفقوا على كتابة عرضحال ليصحبه ذلك القابجي معه بصورة نمقوها
وفي سادسه حضر مرزوق بك وسليم بك المحرمجي وعلي كاشف الصابونجي المرسل فطلعوا الى القلعة وقابلوا الباشا وخلع على مرزوق بك والمحرمجي فروتين ونزلا الى دورهما ثم ترددوا وطلعوا ونزلوا وبلغوا رسائل الامراء القبليين وذكروا مطالبهم وشروطهم وشروط الباشا عليهم والاتفاق في تقرير الصلح والمصالحة عدة ايام
وفيه حضر عرب الهنادي والجهنة وصالحوا على انفسهم وان يرجعوا الى منازلهم بالبحيرة ويطردوا أولاد على وكانوا تغلبوا على الأقليم وحصل منهم الفساد والافساد وكانت مصالحتهم بيد شاهين بك الألفي وسافر معهم شاهين بك وخشداشينه ولم يبق بالجيزة سوى نعمان بك وذهبوا الى ناحية دمنهور وارتحل اولاد علي الى حوش ابن عيسى وذلك اواخر المحرم ثم أن شاهين بك ركب بمن معه وحاربهم ووقع بينهم مقتلة عظيمة وقتل فيها شخصان من كبار الاجناد الالفية وهما عثمان كاشف وآخر ونحو ستة مماليك وقتل جملة كثيرة من العرب وانكشف الحرب عن هزيمة العرب واسروا منهم نحو الاربعين وغنموا منهم غنائم كثيرة من اغنام وجمال وتفرقوا وتشتتوا وذهبوا الى ناحية قبلي والفيوم وذلك في شهر صفر في عاشره حضر شاهين بك الألفي وباقي الالفية
{ أحداث شهر ربيع الثاني سنة 1223 }
واستهل شهر ربيع الثاني وفي عشرينه ورد الخبر بموت شاهين بك المرادي فخلع الباشا على سليم بك المحرمجي وجعله كبيرا ورئيسا على المرادية عوضا عن شاهين بك وسافر الى قبلي
وفيه أيضا حضر امين بك الألفي من غيبته وكان مسافرا مع الانكليز الذين كانوا حضروا الى الاسكندرية ورشيد وحصل ما حصل فلم يزل غائبا حتى بلغه صلح خشداشينه مع الباشا فرجع وطلع على ردته فأرسلوا له الملاقاة والخيول واللوازم وحضر في التاريخ المذكور
وفيه زوج الباشا شاهين بك سرية انتقتها زوجة الباشا ونظمتها وفرش له سبعة مجالس بقصر الجيزة وجمعوا لذلك المنجدين وتقيد بتجهيز الشوار والاقمشة واللوازم الخواجا محمود حسن وكذلك زوج نعمان بك سرية اخرى وسكن بيت المشهدي بدرب الدليل بعد أن عمرت له الدار وفرشت على طرف الباشا وكذلك تزوج عمر بك بجارية من جواري الست نفيسة المرادية وجهزتها جهازا نفيسا من مالها وتزوج أيضا علي كاشف الكبير الألفي بزوجة استاذه
{ أحداث شهر جمادي الاول سنة 1223 }
شهر جمادي الاول فيه سافر مرزوق بك بعد تقرير امر الصلح بينه وبين الامراء المصريين القبالي وقلد الباشا مرزوق بك ولاية جرجا وامارة الصعيد والبسه الخلعة وشرط عليه ارسال المال والغلال الميرية فعند ذلك اطمأنت الناس وسافرت السفار والمتسببون ووصل الى السواحل مراكب الغلال والاشياء التي تجلب من الجهة القبلية
{ أحداث شهر جمادى الثانية سنة 1223 }
واستهل شهر جمادى الثانية فيه قطع الباشا مرتب الدلاة الاغراب وأخرجهم وعزل كبيرهم الذي يسمى كردى بوالي الساكن ببولاق وقلد ذلك مصطفى بك من اقاربه وجعله كبيرا على طائفة الدلاتية الباقين وضم اليه طائفة من الاتراك البسهم طراطير وجعلهم دلاتية وسافر كردي بوالي لبلاده في منتصف الشهر وخرج صحبته عدة كبيرة من الدلاة
وفي اواخره وردت الاخبار من اسلامبول وذلك أن طائفة من الينكجرية تعصبت وقامت على السلطان سليم وعزلوه واجلسوه مكانه السلطان مصطفى وابطلوا النظام الجديد وقتلوا دفتردار النظام الجديد وكتخدا الدولة ودفتردار الدولة وغيرهم وقطعوهم في آت ميدان بعد أن تغيبوا واختفوا في اماكن حتى في بيوت النصارى واستدلوا عليهم واحدا بعد واحد فكانوا يستحبون الامير منهم المترفه على صورة منكرة الى آت ميدان فيقتلونه وبعضهم قطعوه في الطريق وسكن الحال على سلطنة السلطان مصطفى بن عبدالحميد وكان السلطان سليم عندما احس بحركة الينكجرية ارسل يستنجد ويستدعي مصطفى باشا البيرقدار وكان يرشق بالروملي بمخيم العرضي المتعين على حرب الموسكوب ووصل خبر الواقعة الى من بالعرضى فأقام أيضا الينكجرية الفتنة بالعرضي وقتلوا آغات العرضي وخلافه عند مصطفى باشا المذكور وقد وصله مراسلة السلطان سليم فحركوا همته على القيام بنصرة السلطان سليم على الينكجرية فركب من العرضي في عدة وافرة وحضر الى اسلامبول وشق بجمعه وعسكره من وسطها في كبكبة حتى وصل الى باب السراية فوجده مغلقا فأراد كسره او حرقه الى أن فتحوه بالعنف وعبر الى داخل السراية وطلب السلطان سليم فعند ذلك ارسل السلطان مصطفى المتولي جماعة من خاصته فدخلوا على السلطان سليم في المكان الذي هو مختف به وقتلوه بالخناجر والسكاكين حتى مات واحضره ميتا الى مصطفى باشا البيرقدار وقالوا له ها هو السلطان سليم الذي تطلبه فلما رآه ميتا بكى وتأسف ثم انه عزل السلطان مصطفى واحضر محمودا اخاه بن عبدالحميد واجلسه على تخت الملك ونودى باسمه وكان ذلك يوم الخميس خامس جمادى الثانية من السنة وعمره ثلاث وعشرون سنة
ومات السلطان سليم وعمره احدى وخمسون سنة لأنه ولد سنة 1172 ومدة ولايته نحو العشرين سنة تنقص شهرا فلما وردت هذه الاخبار وتواترت في مكاتبات التجار والسفار خطب بعض الخطباء يوم الجمعة سادس عشرينه باسم السلطان محمود وبعضهم اطلق في الدعاء ولم يذكر الاسم
وفيه قوى عزم الباشا على السفر الى جهة دمياط ورشيد والاسكندرية فطلب لوازم السفر ووعد بسفره بعد قطع الخليج وطفق يستعجل بالوفاء ويطلب ابن الرداء المقياسي ويسأله عن الوفاء ويقول اقطعوا جسر الخليج وفي غد او بعد غد فيقول تأمرونا بقطعه قبل الوفاء فيقول لا ويقول ليس الوفاء بأيدينا
فلما كان يوم السبت سابع عشرينه وخامس عشر مسرى القبطي نقص النيل نحو خمسة اصابع وانكشف الحجر الراقد الذي عند فم الخليج تحت الحجر القائم فضج الناس ورفعو الغلال من الرقع والعرصات والسواحل وانزعجت الخلائق بسبب شحة النيل في العام الماضي وهيفان الزرع وموع المظالم وخراب الريف وجلاء اهله واجتمع في ذلك اليوم المشايخ عند الباشا فقال لهم اعملوا استسقاء وامروا الفقراء والضعفاء والاطفال بالخروج الى الصحراء وادعوا الله فقال له الشيخ الشرقاوي ينبغي أن ترافقوا بالناس وترفعوا الظلم فقال انا لست بظالم وحدي وانتم اظلم منى فإني رفعت عن حصتكم الفرض والمغارم اكراما لكم وانتم تاخذونها من الفلاحين وعندي دفتر محرر فيه ما تحت ايديكم من الحصص بلغ الفي كيس ولا بد اني افحص عن ذلك وكل ما وجدته يأخذ الفرضة المرفوعة من فلاحيته ارفع الحصة عنه فقالوا له ذلك ثم اتفقوا على الخروج والتقيا في صبحها بجامع عمرو بن العاص لكونه محل الصحابة والسلف الصالح يصلون به صلاة الاستسقاء ويدعون الله ويستغفرونه ويتضرعون اليه في زيادة النيل وبالجملة ركب السيد عمر والمشايخ واهل الازهر وغيرهم والاطفال واجتمع عالم كثير وذهبوا الى الجامع المذكور بمصر القديمة فلما كان صبحها وتكامل الجمع صعد الشيخ جاد المولى على المنبر وخطب بعد أن صلى الاستسقاء ودعا الله وامن الناس على دعائه وحول رداءه ورجع الناس بعد صلاة الظهر وبات السيد عمر هناك
وفي تلك الليلة رجع الماء الى محل الزيادة الاولى واستتر الحجر الراقد بالماء
وفي يوم الاثنين خرجوا ايضا واشار بعض الناس باحضار النصارى أيضا فحضروا وحضر المعلم غالي ومن يصحبه من الكتبة الاقباط وجلسوا في ناحية من المسجد يشربون الدخان وانفض الجمع أيضا
وفي تلك الليلة التى هي ليلة الثلاثاء زاد الماء ونودى بالوفاء وفرح الناس وطفق النصارى يقولون أن الزيادة لم تحصل الا بخروجنا
فلما كانت ليلة الاربعاء طاف المنادون بالرايات الحمر ونادوا بالوفاء وعمل الشنك والوقدة تلك الليلة على العادة
وفي صبحها حضر الباشا والقاضي واجتمع الناس وكسروا السد وجرى الماء في الخليج جريانا ضعيفا لعلو ارض الخليج وعدم تنظيفه من الاتربة المتراكمة فيه من مدة سنين وكان ذلك يوم الاربعاء غرة شهر رجب وتاسع عشر مسرى القبطى
{ أحداث شهرى رجب وشعبان سنة 1223 }
واستهل شهر رجب بيوم الاربعاء في ثانية يوم الخميس وصل الى بولاق راغب افندي وهو اخو خليل افندي الرجائي الدفتردار المقتول على يده مرسوم باجراء الخطبة باسم السلطان محمد بن عبدالحميد وانزلوه ببيت ابن السباعي بالغورية وضربوا مدافع بالقلعة وشنكا ثلاثة ايام في الاوقات الخمسة وخطب الخطباء في صبحها بإسم السلطان محمود الدعاء له في جميع المساجد
وفي ليلة الاحد خامسه سافر محمد علي باشا الى بحري ونزل في المراكب وارسل قبل نزوله بأيام بتشهيل الاقامات والكلف على البلاد من كل صنف خمسة عشر واخلوا لمن معه بيوت البنادر مثل المنصورة ودمياط ورشيد والمحلة والاسكندرية وفرض الفرض والمغارم على البلاد على حكم القراريط التى كانوا ابتدعوها في العام الماضى على كل قيراط سبعة آلاف وسبعمائة نصف فضة وسماها كلفة الذخيرة وامر بكتابة دفتر لذلك فكتب اليه الروزنامجي أن الخراب استولى على كثير من البلاد فلا يمكن تحصيل هذا الترتيب فأرسل من المنصورة يأمر بتحرير العمار بدفتر مستقل والخراب بدفتر آخر فلما فعل الروزنامجي ذلك ادخل فيها بلاد بها بعض الرمق لتخلص من الفرضة وفيها ما هو لنفسه فلما وصلت اليه امر بتوزيع ذلك الخراب على اولاده واتباعه واغراضه وعدتها مائة وستون بلدة وامر الروزنامجي بكتابة تقاسيطها بالاسماء التى عينها له فلم يمكن الروزنامجي أن يتلاقى ذلك فتظهر خيانته ووزعت وارتفعت عن اصحابها وكذلك حصل باقليم البحيرة لما عمها الخراب وتعطل خرابها وطلبوا الميري من الملتزمين فتظلموا واعتذروا بعموم الخراب فرفعوها عنهم وفرقها الباشا على اتباعه واستولوا عليها وطلبوا الفلاحين الشاردة والمتسحبة من البلاد الاخر وامروهم بسكناهم وزادوا في الطنبور نقمات وهو انهم صاروا ينتبعون اولاد البلد ارباب الصنائع الذين لهم نسبة قديمة بالقرى وذلك باغراء اتباعهم واعوانهم فيكون الشخص منهم جالسا في حانوته وصناعته فما يشعر الا والاعوان محيطون به ويطلبونه الى مخدومهم فإن امتنع او تلكأ سحبوه بالقهر وادخلوه الى الحبس وهو لا يعرف له ذنبا فيقول وما ذنبي فيقال له عليك مال الطين فيقول واي شيء يكون الطين فيقولون له طين فلاحتك من مدة سنين لم تدفعه وقدره كذا وكذا فيقول لا اعرف ذلك ولااعرف البلد ولا رأيتها في عمرى لا انا ولا أبي ولا جدي فيقال له الست فلانا الشيراوي الو الميناوي مثلا فيقول لهم هذه نسبة قديمة سرت الي من عمي او خالي او جدي فلا يقبل منه ويحبس ويضرب حتى يدفع ما الزموه به او يجد شافعا يصالح عليه وقد وقع ذلك لكثير من المتسببين والتجار وصناع الحرير وغيرهم ولم يزل الباشا في سيره حتى وصل الى دمياط وفرض على اهلها اكياسا واخذ من حكامها هدايا وتقادم ثم رجع الى سمنود وركب في البر الى المحلة وقبض ما فرضه عليها وهو خمسون كيسا نقصت سبعة اكياس عجزوا عنها بعد الحبس والعقاب وقدم له حاكمها ستين جملا واربعين حصانا خلاف الاقمشة المحلاوية مثل الززدخانات والمقاطع الحرير وما يصنع بالمحلة من انواع الثياب والامتعة صناعة من بقي بها من الصناع ثم ارتحل عنها ورجع الى بحر منوف وذهب الى رشيد والاسكندرية ولما استقر بها اعبى هدية الى الدولة وارسل الى مصر فطلب عدة قناطير من البن والاقمشة الهندية وسبعمائة اردب ارز ابيض اخذت من بلاد الارز وارسل الهدية صحبة ابراهيم افندى المهردار وحضر اليه وهو بالاسكندرية قابجي من طرف مصطفى باشا البيرقدار الوزير برسالة ورجع بالجواب على اثره ولم يعلم ما دار بينهما
وفي منتصفه اعنى ! شعبان حضر محمد علي باشا من غيبته وطلع على ساحل بولاق ليلة الخميس خامس عشره وذهب الى داره بالازبكية ثم طلع في ثاني يوم الى القلعة وضربوا لحضوره مدافع
{ أحداث شهر رمضان سنة 1223 }
واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة فيه وردت الاخبار بحرق القمامة القدسية وظهر حريقها من كنيسة الاروام
وفيه سافر عدة من العسكر والدلاة وعمر بك الالفي ومعه طائفة من المماليك الى البحيرة بسبب عربان اولاد علي فإنهم كانوا بعد الحوادث المتقدمة نزلوا باقليم وشاركوا وزرعوا مثل ما كان عليه الهنادي والجهنة فلما اصطلح الالفية مع الباشا توسط شاهين بك في صلح الهنادى والجهنة على قدر وذلك لما كان بينهم وبين استاذه من النسابة ونزل صحبتهم الى البحيرة وغمرهم بأرضها كما كانوا اولاد وطرد اولاد علي وحاربهم ومكن الهنادي والجهنة ورجع الى الجيزة فراسل اولاد علي باشا بوساطة بعض اهل الدولة وعملوا للباشا مائة ألف ريال على رجوعهم للبحيرة واخراج الهنادي فأجابهم طمعا في المال فحنق اولئك وعصوا وحاربوا اولاد علي ونهبوا ونالوا منهم بعد أن كانوا ضيقوا عليهم وحصلت اختلافات وامتنع اولاد علي من دفع المال الذي قرروه على انفسهم واجتمعوا بحوش ابن عيسى فأرسل اليهم الباشا عمر بك المذكور ومن معه فحاربوهم مع الهنادي فظهر عليهم اولاد علي وهزموهم وقتل من الدلاة اكثر من مائة وكذلك من العسكر ونحو الخمسة عشر من المماليك فأمر الباشا بسفر عساكر أيضا وصحبتهم نعمان بك وخلافه وسافرت طائفة من العرب الى ناحية الفيوم فأرسلوا لهم عدة من العسكر
وفي اواخره سافر أيضا شاهين بك وباقي الالفية خلاف احمد بك فإنه اقام بالجيزة
وفيه نودى على المعاملة بأن يكون صرف الريال الفرنسا بمائتين وعشرين وكان بلغ في مصارفته الى مائتين واربعين والمحبوب بمائتين وخمسين فنودى على صرفه بمائتين واربعين وذلك كله من عدم الفضة العددية بأيدي الناس والصيارف لتحكيرهم عليها ليأخذها تجار الشام بفرط في مصارفتها تضم للميري فيدور الشخص على صرف القرش الواحد فلا يجد صرفه الا بعد جهد شديد ويصرفه الصراف او خلافه للمضطر بنقص نصفين او ثلاثة
وفيه سافر أيضا حسن الشماشرجي ولحق بالمجردين
وفي اواخره ورد الخبر بأن محو بك كاشف البحيرة قبض على السيد حسين نقيب الاشراف بدمنهور واهانه وضربه وصادره واخذ منه الفي ريال بعد أن حلف انه لم يأت بها في مدة اربع وعشرين ساعة والا قتله فوقع في عرض النصارى المباشرين فدفعوها عنه حتى تخلص بالحياة وكذلك قبض على رجل من التجار وقرر عليه جملة كثيرة من المال فدفع الذي حصلته يده وبقي عليه باقي ما قرره عليه فلم يزل في حبسه حتى مات تحت العقوبة فطلب اهله رمته فحلف لا يعطيها لهم حتى يكون ابنه في الحبس مكانه
ومن الحوادث السماوية أن في سابع عشرين رمضان غيمت السماء بناحية الغربية والمحلة الكبرى وامطرت بردا في مقدار بيض الدجاج واكبر واصغر فهدمت دورا واصابت انعاما غير انها قتلت الدودة من الزرع البدري
{ أحداث شهر شوال سنة 1223 }
واستهل شهر شوال بيوم الاحد
وفي اواخره حضر شاهين بك الألفي من ناحية البحيرة وذلك بعد ارتحال اولاد علي من الاقليم
وفيه أيضا حضر سليمان كاشف البواب من ناحية قبلي وصحبته عدة من المماليك واربعة من الكشاف فقابل الباشا وخلع عليه وانزله ببيت طنان بسويقة العزى وسكن بها وحضر مطرودا من اخوانه المرادية
{ أحداث شهر ذى القعدة سنة 1223 }
واستهل شهر ذى القعدة بيوم الاثنين
وفيه عزل الباشا السيد المحروقي عن نظارة الضربخانه ونصب بها شخصا من اقاربه
وفي ثالث عشره نزل والى الشرطة وامامه المناداة على ما يستقرضه الناس من العسكر بالربا والزيادة على أن يكون على كل كيس ستة عشر قرشا في كل شهر لا غير والكيس عشرون ألف نصف فضة وهو الكيس الرومي وذلك بسبب ما انكسر على المحتاجين والمضطرين من الناس من كثرة الربا لضيق المعاش وانقطاع المكاسب وغلو الاسعار وزيادة المكوس فيضطر الشخص الى الاستدانة فلا يجد من يداينه من اهل البلد فيستدين من احد العسكر ويحسب عليه على كل كيس خمسين قرشا في كل شهر واذا قصرت يد المديون عن الوفاء اضافوا الزيادة على الاصل وبطول الزمن تفحش الزيادة ويؤل الامر لكشف حال المديون وجرى ذلك على كثير من مساتير الناس وباعوا املاكهم ومتاعهم والبعض لما ضاق به الحال ولم يجد شيئا خرج هاربا وترك اهله وعياله خوفا من العسكري وما يلاقي منه وربما قتله فعرض بعض المديونين الى الباشا فامر بكتابة هذا البيور لدي ونزل به والي الشرطة ونادى به في الاسواق فعد ذلك من غرائب الحكام حيث ينادى على الربا جهارا في الاسواق من غير احتشام ولا مبالاة لأنهم لا يرون ذلك عيبا في عقيدتهم
وفي رابع عشرينه غضب الباشا على محو بك الكبير الذي كان كاشفا بالبحيرة ونفاه الى أبي قير واخذ امواله وانعم ببيته وهو بيت حسين أغا شنين بحارة عابدين وما بها من الخيل والجمال والجوار والخيام والمتاع على محو بك الصغير الاورفلي
{ أحداث شهر ذي الحجة سنة 1223 }
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الثلاثاء
وفيه وصلت الاخبار من اسلامبول بوقوع فتنة عظيمة وانه لما حصل ما حصل في منتصف السنة من دخول مصطفى باشا البيرقدار على الصورة المذكورة وقتل السلطان سليم وتولية السلطان محمود وخذلان الينكجرية وقتلهم ونفيهم وتحكم مصطفى باشا في امور الدولة واستمر من بقي منهم تحت الحكم فاجمعوا امرهم ومكرا مكرهم وحذر بعضهم مصطفى باشا من المذكورين فلم يكترث بذلك واستهون امرهم واحتقر جانبهم وقال اي شيء هؤلاء منا ولري بمعنى انهم بياعون الفاكهة فكان حاله كما قيل فلا تحتقر كيد العدو فربما تموت الافاعي من سموم العقارب ثم انهم تحزبوا وحضروا الى سرايته على حين غفلة بعد السحور ليلة السابع والعشرين من رمضان وجماعته وطائفته متفرقون في اماكنهم فحرقوا باب السراية وكبسوا عليه فقتل من قتل من اتباعه وهرب من هرب على حمية واختفى مصطفى باشا في سرداب فلم يجدوه واوقعوا بالسراية الحرق والهدم والنهب وخاف السلطان لأن سراية الوزير بجانب السراية السلطانية ففتح باب السراية التى بناحية البحر وارسل يستعجل قاضى باشا بالحضور وكذلك قبطان باشا فحضرا الى السراية واشتد الحرب بين الفريقين واكثر الينكجرية من الحريق في البلدة حتى احرقوا منها جانبا كبيرا فلما عاين السلطان ذلك هاله وخاف من عموم حريق البلدة وهو ومن معه محصورون بالسراية يوما وليلة فلم يسعه الا تلافي الامر فراسل كبار الينكجرية وصالحهم وابطلوا الحرب وشرعوا في اطفاء الحريق وخرج قاضي باشا هاربا وكذلك قبودان باشا وهو عبدالله رامز افندي الذي كان في ايام الوزير بمصر ثم انهم اخرجوا مصطفى باشا من المكان الذي اختفى فيه ميتا من تحت الردم وسحبوه من رجليه الى خارج وعلقوه في شجرة ومثلوا به واكثروا على رمته من السخرية وعند وقوع هذه الحادثة ومجيء قاضي الباشا وكان من اغراض السلطان مصطفى المنفصل فخاف السلطان أن قاضي باشا أن غلب على الينكجرية فيعزله ويولي اخاه ويرده الى السلطنة فقتل السلطان محمود اخاه مصطفى خنقا ثم لما سكن الحال عينوا على قاضي باشا وقتلوه وكذلك عبدالله افندي رامز قبودان باشا وكان مصطفى باشا البيرقدار هذا مشكور السيرة يحب اقامة العدل والوقت بخلاف ذلك
وفيه قوي الاهتمام بسد ترعة الفرعونية وتعين لذلك شخص يسمي عثمان السلانكلي الذي كان مباشرا على جسر الاسكندرية
وفي منتصفه سافر الباشا وصحبته حسن باشا لمباشرة الترعة التي يريدون سدها وامر بوسق الاحجار وافردوا لذلك عدة كثيرة من المراكب تشحن بالاحجار والاخشاب الكثيرة وترجع فارغة وتعود موسوقة في كل يوم مرة وامر بجمع الرجال من القرى للعمل
وفيه أيضا شرع الباشا في انشاء ابنية بساحل شبرا الشهيرة الآن بشبرا المكاسة واشيع أن قصده انشاء سواقي وعمائر وبساتين ومزارع واخذ في الاستيلاء على ما يحاذي ذلك من القرى والاطيان والرزق والاقطاعات من ساحل شبرا الى جهة بركة الحاج عرضا
وفي سابع عشره خرجت عساكر كثيرة الى البر الغربي بقصد الذهاب الى الفيوم صحبة شاهين بك والالفية بسبب اولاد علي الذين كانوا بالبحيرة
وفي ثاني عشرينه وصل واحد قابجي واشيع انه طلع من بولاق وذهب الى بيت الباشا وعلى يده مرسومان احدهما تقرير للباشا على ولاية مصر والثاني يذكر فيه أن يوسف باشا المعدني الصدر السابق تعين بالسفر على جهة الشام لتنظيم بلاد العرب والحجاز أن يقوم محمد علي باشا بلوازمه وما يحتاج اليه من ادوات وذخير وغير ذلك ولم يظهر لذلك الكلام اثر ولما اصبح النهار وحضر القابجي في موكب الى بيت الباشا وحضر الاشياخ والاعيان وكان الباشا غائبا في الترعة كما تقدم وعوضه كتخدا بك واكابر دولتهم وقرئت المراسيم تحقق الخبر وانقضت السنة بحوادثها التى لا يمكن ضبط جزئياتها لعدم الوقوف على حقيقتها فمن الحوادث العامة توالي الفرض والمظالم المتوالية واحداث انواع المظالم على كل شىء والتزايد فيها واستمرار الغلاء في جميع اسعار المبيعات والمأكل والمشارب بسبب ذلك وفقر اهل القرى وبيعهم لمواشيهم في الغارم فقل اللحم والسمن والجبن واخذ مواشيهم واغنامهم من غير ثمن في الكلف ثم رميها على الجزارين بأغلى ثمن ولا يذبحونها الا في المذابح ويؤخذ منهم اسقاطها وجلودها ورؤوسها ورواتب الباشا واهل دولته ثم يذهبون بما يبقى لهم لحوانيتهم فتباع على اهل البلد بأغلى ثمن حتى يخلص للجزار رأس ماله واذا عثر المحتسب على جزار ذبح شاة اشتراها في غير المذبح قبض عليه واشهره واخذ ما في حانوته من اللحم من غير ثمن ثم يحبس ويضرب ويغرم مالا ولا يغفر ذنبه ويسمى خائنا وفلاتيا ومنها انقطاع الحج الشامي والمصري معتلين بمنع الوهابي الناس عن الحج والحال ليس كذلك فانه لم يمنع احدا يأتي الحج على الطريقة المشروعة وانما يمنع من يأتي بخلاف ذلك من البدع التى لا يجيزها الشرع مثل المحمل والطبل والزمر وحمل الاسلحة وقد وصل طائفة من حجاج المغاربة وحجوا ورجعوا في هذا العام وما قبله ولم يتعرض لهم احد بشيء ولما امتنعت قوافل الحج المصري والشامي وانقطع عن اهل المدينة ومكة ما كان يصل اليهم من الصدقات والعلائف والصرر التى كانوا يتعيشون منها خرجوا من اوطانهم باولادهم ونسائهم ولم يمكث الا الذي ليس له ايراد من ذلك واتوا الى مصر والشام ومنهم من ذهب الى اسلامبول يتشكون من الوهابي ويستغيثون بالدولة في خلاص الحرمين لتعود لهم الحالة التي كانوا عليها من اجراء الارزاق واتصال الصلات والنيابات والخدم في الوظائف التى بأسماء رجال الدولة كالفراشة والكناسة ونحو ذلك ويذكرون أن الوهابي استولى على ما كان بالحجرة الشريفة من الذخائر والجواهر ونقلها واخذها فيرون أن اخذه لذلك من الكبائر العظام وهذه الاشياء ارسلها ووضعها خساف العقول من الاغنياء والملوك والسلاطين الاعاجم وغيرهم اما حرصا على الدنيا وكراهة أن يأخذها من يأتي بعدهم او لنوائب الزمان فتكون مدخرة ومحفوظة لوقت الاحتياج اليها فيستعان بها على الجهاد ودفع الاعداء فلما تقادمت عليها الازمنة وتوالت عليها السنين والاعوام الكثيرة وهي في الزيادة فارتدت معنى لاحقيقة وارتسم في الاذهان حرمة تناولها وانها صارت مالا للنبي صلى الله عليه و سلم فلا يجوز لأحد اخذها ولا انفاقها والنبي عليه الصلاة و السلام منزه عن ذلك ولم يدخر شيئا من عرض الدنيا في حياته وقد اعطاه الله الشرف الاعلى وهو الدعوة الى الله تعالى والنبوة والكتاب واختار أن يكون نبيا عبدا ولم يختر أن يكون نبيا ملكا
وثبت في الصحيحين وغيرهما انه قال اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا
وروى الترمذي بسنده عن أبي امامة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا قلت لا يارب ولكن اشبع يوما واجوع يوما او قال ثلاثا او نحو ذلك فإذا جعت تضرعت اليك وذكرتك واذا شعبت شكرتك وحمدتك ثم ان كانوا وضعوا هذه الذخائر والجواهر صدقة على الرسول ومحبة فيه فهو فاسد فهو لقول النبي صلى الله عليه و سلم أن الصدقة لا تنبغي لآل محمد انما هي اوساخ الناس ومنع بنى هاشم من تناول الصدقة وحرمها عليهم والمراد الانتفاع في حال الحياة لا بعدها فان المال اوجده المولى سبحانه وتعالى من امور الدنيا لا من امور الآخرة قال الله تعالى انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد وهو من جملة السبعة التى ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب فهذه السبعة تكون الخبائث والقبائح وليست هي في نفسها امورا مذمومة بل قد تكون معينة على الآخرة اذا صرفت في محلها
وعن مطرف عن ابيه قال اتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقرا الهاكم التكاثر قال يقول ابن آدم مالي مالي فهل لك يا ابن ادم من مالك الا ما اكلت فافنيت او لبست فابليت او تصدقت فأمضيت الى غير ذلك ومحبة الرسول بتصديقه واتباع شريعته وسنته لا بمخالفة اوامره وكنز المال بحجرته وحرمان مستحقيه من الفقراء والمساكين وباقي الاصناف الثمانية وان قال المدخر اكنزها لنوائب الزمان ليستعان بها على مجاهدة الكفار والمشركين عند الحاجة اليها قلنا قد رأينا شدة احتياج ملوك زماننا واضطرارهم في مصالحات المتغلبين عليهم من قرانات الافرنج وخلو خزائنهم من الاموال التى افنوها بسوء تدبيرهم وتفاخرهم ورفاهيتهم فيصالحون المتغلبين بالمقادير العظيمة بكفالة احدى الفرق من الافرنج المسالمين لهم واحتالوا على تحصيل المال من رعاياهم بزيادة المكوس والمصادرات والطلبات والاستيلاء على الاموال بغير حق حتى افقروا تجارهم ورعاياهم ولم يأخذوا من هذه المدخرات شيئا بل ربما كان عندهم او عند خونداتهم جوهر نفيس من بقايا المدخرات فيرسلونه هدية الى الحجرة ولا ينتفعون به في مهماتهم فضلا عن اعطائه لمستحقه من المحتاجين واذا صار في ذلك المكان لا ينتفع به احد الا ما يختلسه العبيد الخصيون الذين يقال لهم اغوات الحرم والفقراء من اولاد الرسول واهل العلم والمحتاجون وابناء السبيل يموتون جوعا وهذه الذخائر محجور عليها وممنوعة منها الى أن حضر الوهابي واستولى على المدينة واخذ تلك الذخائر فيقال انه عبى اربعة سحاحير من الجواهر المحلاة بالالماس والياقوت العظيمة القدر ومن ذلك اربع شمعدانات من الزمرد وبدل الشمعة قطعة الماس مستطيلة يضيء نورها في الظلام ونحو مائة سيف قراباتها ملبسة بالذهب الخالص ومنزل عليها الماس وياقوت ونصابها من الزمرد واليشم ونحو ذلك وسلاحها من الحديد الموصوف كل سيف منها لا قيمة له وعليها دمعات باسم الملوك والخلفاء السالفين وغير ذلك
ومنها أن الباشا عزم على عمارة المجراة التى تنقل الماء الى القلعة وقد خربت وتلاشى امرها وتهدمت قناطرها وبطل نقل الماء عليها من نحو عشرين سنة فقيد بعمارتها محمد افندي طبل ناظر المهمات فعمرها واجرى الماء بها في اواخر الشهر الماضي
ومنها احداث عدة مكوس على اصناف كثيرة منها على بضاعة اللبان عن كل قطعة ثلثمائة نصف فضة وكذلك على صنف الحناء عن كل مخلة عشرة انصاف وكذلك الموزونات كل مائة درهم اربعة دراهم على البائع درهمان وعلى المشتري درهمان وغير ذلك حوادث كثيرة لا نعلمها
{ من مات بهذه السنة ممن له ذِكر }
واما من مات بها ممن له ذِكر
فمات الاجل المبجل والمحترم المفضل السيد خليل البكري الصديقي ووالدته من ذرية شمس الدين الحنفي وهو اخو الشيخ احمد البكري الصديقي الذي كان متوليا على سجادتهم ولما مات اخوه لم يلها المترجم لما فيه من الرعونة وارتكابه امورا غير لائقة بل تولاها ابن عمه السيد محمد افندي مضافة لنقابة الاشراف فتنازع مع ابن عمه المذكور وقسموا البيت الذي هو مسكنهم بالازبكية نصفين وعمر منابه عمارة متقنة وزخرفة وانشأ فيه بستانا زرع فيه اصناف الاشجار والفواكه فلما توفي السيد محمد افندي تولى المترجم مشيخة السجادة وتولى نقابة الاشراف السيد عمر مكرم الاسيوطي فلما طرق البلاد الفرنساوية تداخل المترجم فيهم وخرج السيد عمر مع من خرج هاربا من الفرنساوية الى بلاد الشام وعرف المترجم الفرنساوية أن النقابة كانت لبيتهم وانهم غصبوها منه فقلدوه اياها واستولى على وقفها وايرادها وانفرد بسكن البيت وصار له قبول عند الفرنساوية وجعلوه من اعاظم رؤساء الديوان الذي كانوا نظموه لاجراء الاحكام بين المسلمين فكان وافر الحرمة مسموع الكلمة مقبول الشفاعة عندهم فازدحم بيته بالدعاوى والشكاوى واجتمع عنده مماليك من مماليك الامراء المصرية الذين كانوا خائفين ومتغيبين وعدة خدم وقواسة ومقدم كبير وسراجين واجناد واستمر على ذلك الى أن حضر يوسف باشا الوزير في المرة الاولى التى انتقض فيها الصلح ووقعت الحروب في البلدة بين العثمانية والفرنساوية والامراء المصرية واهل البلدة فهجم على داره المتهورون من العامة ونهبوه وهتكوا حريمه وعروه عن ثيابه وسحبوه بينهم مكشوف الرأس من الازبكية الى وكالة ذى الفقار بالجمالية وبها عثمان كتخدا الدولة فشفع فيه الحاضرون واطلقوه بعد أن اشرف على الهلاك واخذه الخواجا احمد بن محرم الى داره واسكن روعه والبسه ثيابا واكرمه وبقي بداره الى أن انقضت ايام الفتنة وظهرت الفرنساوية على المحاربين لهم وخرجوا من البلدة واستقر بها الفرنساوية فعند ذلك ذهب اليهم وشكا لهم ما حل به بسبب موالاته لهم فعوضوا عليه ما نهب له ورجع الى الحالة التي كان عليها معهم وكانت داره اخربها النهابون فسكن ببيت البارودي بباب الخرق ثم انتقل منه الى بيت عبدالرحمن كتخدا القازدغلي بحارة عابدين وجدد بها عمارة وكان له ابنة خرجت عن طورها في ايام الفرنسيس فلما اشيع حضور الوزير والقبودان والانكليز وظهر على الفرنساوية الخروج من مصر فقتل ابنته المذكورة بيد حاكم الشرطة فلما استقرت العثمانية بالديار المصرية عزل المترجم عن نقابة الاشراف وتولاها السيد عمر مكرم كما كان قبل الفرنساوية ولما حضر محمد باشا خسرو انهى اليه الكارهون له بأنه مرتكب للموبقات ويعاقر الشراب وغير ذلك وأن ابنته كانت تذهب الى الفرنسيس بعلمه وانه قتلها خوفا وتبرئة لنفسه من الشهرة التى لا يمكنه سترها ولا يقبل عذره فيها ولا التنصل منها وانه لايصلح لمشيخة سجادة السادة البكرية وعرفوه أن هناك شخصا من سلسلتهم يقال له الشيخ محمد سعد وهو من جملة اتباع المترجم ولكنه فقير لايملك شيئا ولا دابة بركبها فقال الباشا انا اواسيه واعطيه فاحضروه له بعد أن البسوه تاجا كبيرا وثيابا وهو رجل مبارك طاعن في السن فالبسه فروة سمور وقدم له حصانا معددا وقيد له ألف قرش وسكن دار بناحية باب الخرق وتريش حاله وخمل امر المترجم واشترى دارا بدرب الجماميز بعطفه الفرن وكان بظاهرها قطعة جنينة فاشتراها وغرس بها اشجارا وحسنها واتقنها وبنى له مجلسا مطلا عليها وبالاسفل مساطب ولواوين جلوس لطيفة واشترى دارين من دور الامراء المتقدمين بظاهر ذلك وهدمهما وبنى بانقاضهما واخشا بها وباع ما كان تحت يده من حصص الالتزام وسد بأثمانها ديونه واقتصر على ايراده فيما يخصه من وقف جده لامه الاستاذ الحنفي وتصدى لفاقمته واذيته انفار من المتظاهرين مثل السيد عمر مكرم النقيب والشيخ محمد وفا السادات وخلافهما حتى انه كان عقد لأبنه سيدي احمد على بنت المرحوم محمد افندي البكري فتعصبوا عليه بعد عزله من المشيخة والنقابة وابطلوا العقد وفسخوا النكاح ببيت القاضي وتسلط عليه من له دين او دعوى او مطالبة حتى بيعوه حصصه وكان قد اشترى مملوكا في ايام الفرنساوية جميل الصورة فلما حصل له ماحصل ادعى عليه البائع انه اخذه بدون القيمة ولم يدفع له الثمن فلم يثبت عليه ذلك وكان المملوك ذهب من عنده وتم الامر والمصالحة على ان عثمان بك المرادي اخذ ذلك المملوك لنفسه وقد تقدم ذكر قصته في الحوادث السابقة ولم يزل المترجم على حالة خموله حتى تحرك عليه داء الفتق ومات على حين غفلة في منتصف شهر ذي الحجة وصلى عليه بمسجد جده لامه الشيخ شمس الدين أبو محمد الحنفي ودفن عند اسلافه بمشهد السادة البكرية بالقرافة رحمه الله وعفا عنا وعنه
ومات الامير شاهين بك المرادي ويعرف بباب اللوق لأنه كان ساكنا هناك وهو من مماليك مراد بك واصله جركسي الجنس ولما اعتقه مراد بك انعم عليه بكشوفية اقليم الغربية ثم رجع الى مصر واقام بطالا متطلعا للامارة ويرى انه احق بها من غيره ولما رجع المصريون الى مصر بعد قتل طاهر باشا وكان الألفي غائبا ببلاد الانكليز انضم اليه عثمان بك البرديسي ووافقه على كراهة الألفي الباطنية وكان هو احد المباشرين والضاربين لحسين بك الوشاش بالبر الغربي ليلة خروجهم وتعديتهم لملاقاة الألفي ثم خرج من مصر مع عشيرته ولم يزل حتى مات في منتصف شهر ربيع الاول من السنة المذكوره والله اعلم
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة