بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة التاريخ عجائب الآثار الجزء الأول
{ الفصل الثاني } في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات من طاعون 1228 وحتى ختام الجزء الأول { من مات في هذه السنة ممن له ذِكر }
واما من مات في هذه السنة ممن له ذِكر مات الشيخ الفهامة والنحرير العلامة الفقيه النحوي الاصولي ابراهيم البسيوني البجيرمي الشيخ الصالح المقتصد الورع الزاهد حضر جل الاشياخ المتقدمين وهو في عداد الطبقة الاولى ودرس وافاد وانتفع به الطلبة بل غالب الناس كان طارحا للتكلف متقشفا مع التواضع والانكسار ملازما على العبادة مستحضرا للفروع الفقهية والمعقولية والمناسبات الشعرية والشواهد النحوية والادبية جيدا لحافظة لا تمل مجالسته ومؤانسته ولم يزل على حالته وافادته وانجماعه وعفته حتى تمرض وتوفي يوم السبت منتصف المحرم من السنة عن نحو الخمسة وسبعين وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل رحمه الله تعالى وايانا ومات الشيخ العلامة الاصولي الفقيه النحوي على الحصاوي الشافعي نسبة الى بلدة بالقليوبية تسمى الحصة حضر الى الجامع الازهر صغير وحفظ القران والمتون وحضر دروس الاشياخ كالشيخ على العدوي المنسفيسي الشهير بالصعيدي والشيخ عبد الرحمن النحريري الشهير بالمقرى ولازم الشيخ سليمان الجمل وبه تخرج وحضر على الشيخ عبد الله الشرقاوي مصطلح الحديث وكان يحفظ جمع الجوامع مع شرحه للجلال المحلي في الاصول ومختصر السعد ويقرأ الدروس ويفيد الطلبة وكان انسانا حسنا مهذبا متواضعا ولايرى لنفسه مقاما عاش معانقا للخمول في جهد وقلة من العيش مع العفة وعدم التطلع لغيره صابرا على مناكدة زوجته وبآخره اصيب في شقه بداء الفالج انقطع بسببه اشهرا ثم انجلى عنه يسيرا مع سلامة حواسه وعاد الى الاقراء والافادة ولم يزل على حسن حاله ورضاه وانشراح صدره وعدم تضجره وشكواه للخلوقين الى ان توفي في شهر جمادي الثانية سنة احدى وثلاثين ومائتين والف رحمة الله وايانا ومات الشيخ العلامة والنحرير الفهامة السيد احمد بن محمد بن اسمعيل من ذرية السيد محمد الدوقاطي الطهطاوي الحنفي والده رومي حضر الى ارض مصر متقلدا القضاء بطهطا بلدة بالقرب من اسيوط بالصعيد الادنى فتزوج بامرأة شريفة فولد له منها المترجم واخوه السيد اسمعيل ولم يزل مستوطنا بها الى ان مات وترك ولديه المذكورين واختالهما حضر المترجم الى مصر في سنة احدى وثمانين ومائة والف وكان قد بدا نبات لحيته بعد ما حفظ القرآن ببلدة وقرا شيئا من النحو فدخل الازهر ولازم الحضور في الفقه على الشيخ احمد الحماقي والمقدسي والحريري والشيخ مصطفى الطائي والشيخ عبد الرحمن العريشي حضر عليه من اول كتاب الدر المختار الى كتاب البيوع وتمم حضوره على المرحوم الوالد مع الجماعة لتوجسه الشيخ عبد الرحمن لدار السلطنة لبعض المقتضيات عن امر علي بك في سنة ثلاث وثمانين ومائة والف فالتمس الجماعة تكملة الكتاب على الوالد فأجابهم لذلك فكانوا يأتون للتلقي عنه في المنزل والمترجم معهم وفي اثناء ذلك قرأت مع المترجم عل الوالد متن نور الايضاح بعد انصراف الجماعة عن الدرس ويتحلف المترجم وذلك لعلو السند فإن الوالد تلقاه عن ابن المؤلف وهو عن جد الوالد عن المؤلف وجد الوالد والمؤلف يسميان بحسن فهو من عجيب الاتفاق وكان المترجم يلائم طبع الفقير في الصحبة فكنت معه في غالب الاوقات اما في الجامع او في المنزل للطاقة طبعه وقرب سني من سنه وكان الوالد يرى ذلك ويسألني عنه اذا تخلف في بعض الاحيان ويقول أين رفيقك الصعيدي فكان يعيد معي ويفهمني ما يصعب على فهمه ولم يزل يدأب في الاشتغال والطلب مع جودة ذهنه وخلو باله وتفرغه والفقير بخلاف ذلك وتلقى المترجم الحديث سماعا واجازة عن كل من الشيخ حسن الجداوي والشيخ محمد الامير والشيخ عبد العليم الفيومي ثلاثتهم عن الشيخ علي العدوي المنسفيسي عن الشيخ محمد عقيلة بسنده المشهور والمترشح للافادة والتدريس وكان مسكنه بناحية لصليبة وجلس للاقراء بالمدرسة الشيخونيه والصرفثمئية احتف به سكان تلك الناحية واكابرهم واعتنوا بشانه واسكنوه في دار تليق به وهاوده وواسوه واكرموه وكانت تلك الناحية عامرة بأكابرها وانفرد المترجم عندهم لكونه على مذهبهم واصله من جنس الاتراك وخلو تلك النواحي من اهل العلم وخصوصا الاحناف وملازمة المترجم للحالة المحمودة من الافادة مع شرف النفس والتباعد عما يخل بالمروءة الاماياتيه عفوا فازدادت محبتهم له ووثقوا فيما يقضيه ثم تصدى لوقف الشيخونيتين وايرادهما واستخلاص اماكنهما وشرع في تعميرهما وساعده على ذلك كل من كان يحب الاصلاح فجدد عمارة المسجد والتكية وانشأ بها صهريجا وفي اثناء ذلك انتقل بأهله الى دار مليحة بجوار المسجد بالدرب المعروف بدرب الميضاة وقفها بانيها على المسجد كل ذلك والمترجم لم ينقطع عن الحضور الى الازهر في كل يوم ويقرأ درسه ايضا بالجامع ولما كثرت جماعته انتقل الى المدرسة العينية بالقرب من الازهر ولما عمر محمد افندي الودنلي الجامع المجاور لمنزله تجاه القنطرة المعروفة بعمار شاه والمكتب قرر المترجم في درس الحديث بها في كل يوم بعد العصر وقرر له عشرة من الطلبة ورتب للشيخ والطلبة معلوما وافرا يقبض من الديوان ولما مات الشيخ ابراهيم الحريري تعين المترجم لمشيخة الحنفية فتقلدها على امتناع منه فاستمر الى ان اخرج السيد عمر مكرم من مصر منفيا وكتبوا في شأنه عرضحال الى الدولة نسبوا اليه فيه اشياء لم تحصل منه وطلبوا الشهادة فيها فامتنع فشنعوا عليه وبالغوا في الحطط عليه وعزلوه من المشيخة وقلدوه الشيخ حسينا المنصورى فلما مات المذكور أعيد المترجم إلى مشيخة الحنفية وذلك في غرة شهر صفر سنة الف ومائتين وثلاثين ولبس الخلع من الشيخ الشنواني شيخ الجامع ثم من الباشا وباقي المشايخ ارباب المظاهر ولم يختلف عليه اثنان وفي هذه السنة استأذن الفقير في بناء مقبرة يدفن فيها اذا مات بجوار الشيخ ابي جعفر الطحاوي بالقرافة لكوني ناظرا عليها فأذنت له في ذلك فبنى له قبرا بجانب مقام الاستاذ ولما توفي دفن فيه وكانت وفاته ليلة الجمعة بعد الغروب خامس عشر شهر رجب سنة احدى وثلاثين ومائتين والف وله من المآثر حاشية على الدر المختار شرح تنوير الابصار في اربع مجلدات جمع فيها المواد التي على الكتاب وضم اليها غيرها ومات النجيب الاريب والنادرة العجب اعجوبة الزمان وبهجة الخلان حسن افندي المعروف بالدرويش الموصلي كما اخبر عن نفسه الذكي الالمعي والسميذع اللوذعي كان وانسانا عجيبا في نفسه مميزا شهيرا في مصر طاف البلاد والنواحي وجال في الممالك والضواحي واطلع على عجائب المخلوقات وعرف الكثير من الالسن واللغات ويتعزى لكل قبيل ويخالط كل جيل فمرة ينتسب الى فارس واخرى الى بني مكانس فكأنه المعنى بما قيل طور ايمان اذا لاقيت ذا يمن وان رايت معديا فعدناني هذا مع فصاحة لسان وقوة جنان والمشاركة في كل فن من الرياضيات والادبيات حتى يظن سامعه انه مجيد في ذلك الفن منفرد به وليس الامر كذلك وانما ذلك بقوة الفهم والحفظ ومافيه من القابلية فيستغنى بذلك عن التلقي من الاشياخ وايضا فقد انقرض اهل الفنون فيحفظ اصطلاحات الفن واوضاع اهله ويرزه في الفاظ ينمقها ويحسنها ويذكر اسماءكتب مؤلفه واشياخا وحكما يقل الاطلاع عليها والوصول اليها ولمعرفته باللغات خالط كل ملة حتى يظن كل اهل ملة انه واحد منهم ويحفظ كثيرا من الشبه والمدركات العقلية والبراهين الفلسفية واهمل الواجبات الشرعية والفرائض القطعية وربما قلد كلام الملحدين وشكوك المارقين ويزلق لسانه في بعض المجالس بغلطات من ذلك ووساوس فلذلك طعن الناس عليه في الدين واخرجوه عن اعتقاد المسلمين وساءت فيه الظنون وكثر عليه الطاعنون وصرحوا بعد موته بما كانوا يخفونه في حياته لاتقاء شره وسطواته وكان له تداخل عجيب في الاعيان ومع كل اهل دولة وزمان ورؤساء الكتبة والمباشرين من الاقباط والمسلمين بالمعزة الزائدة واستجلاب الفائدة لا تمل مجالسته ولا معاشرته وباخره لما رغب الباشا في انشاء محل لمعرفة علم الحساب والهندسة والمساحة تعين المترجم رئيسا ومعلما لمن يكون متعلما بذلك المكتب وذلك انه تداخل بتحيلاته لتعليم مماليك الباشا الكتابة والحساب ونحو ذلك ورتب له خروجا وشهرية ونجب تحت يده بعض المماليك في معرفة الحسابيات ونحوها واعجب الباشا ذلك فذاكره وحسن له بأن يفرد مكانا للتعليم ويضم الى مماليكه من يريد التعليم من اولاد الناس فأمر بإنشاء ذلك المكتب وحضر اليه اشياء من الات الهندسة والمساحة والهيئة الفلكية من بلاد الانكليز وغيرهم واستجلب من اولاد البلد ما ينيف على الثمانين شخصا من الشبان الذين فيهم قابلية للتعليم ورتبوا لكل شخص شهرية وكسوة في اخر السنة فكان يسعى في تعجيل كسوة الفقير منهم ليتجمل بها بين اقرانه ويواسي من يستحق المواساة ويشتري لهم الحمير مساعدة لطلوعهم ونزولهم الى القلعة فيجتمعون للتعليم في كل يوم من الصباح الى بعد الظهر واضيف اليه اخر حضر من اسلامبول له معرفة بالحسابيات والهندسيات لتعليم من يكون اعجميا لايعرف العربية مساعدا للمترجم في التعليم يسمى روح الدين افندي فاستمرا نحوا من تسعة اشهر ومات المترجم وذلك انه اقتصد وطلع الى القلعة فحنق على بعض المتعلمين وضربه فانحلت الرفادة فسال منه دم كثير فحم حمى مختلطة واستمر اياما وتوفي ودفن بجامع السراج البلقيني بين السيارج وعند ذلك زاد قول الشامتين وصرحوا بما كانوا يخفونه في حياته فيقول البعض مات رئيس الملحدين واخر يقول انهدم ركن الزندقة ونسبوا اليه ان عنده الكتاب الذي الفه ابن الرواني لبعض اليهود وسماه دافع القرآن وانه كان يقرؤه ويعتقد به واخبروا بذلك كتخدا بك فطلب كتبه وتصفحوها فلم يجدوا بها ذلك الكتاب وما كفى مبغضه وحاسده من الشناعات حتى رأوا له منامات شنيعة تدل على انه من اهل النار والله اعلم بخلقة وبالجملة فكان غريبا في بابه وكانت وفاته يوم الخميس سابع عشري جمادي الثانية من السنة وانفرد برياسة المكتب روح الدين افندي المذكور ومات الاجل المكرم الشريف غالب بسلانيك وهو المنفصل عن امارة مكة وجدة والمدينة وما انضاف الى ذلك من بلاد الحجاز فكانت امارته نحوا من سبع وعشرين سنة فانه تولى بعد موت الشريف سرور في سنة ثلاث ومائتين والف وكان من دهاة العالم واخباره ومناقبه تحتاج الى مجلدين ولم يزل حتى سلط الله عليه بأفاعيله هذا الباشا فلم يزل يخادعه حتى تمكن منه وقبض عليه وارسله الى بلدة سلانيك وخرج من سلطته وسيادته الى بلاد الغربة ونهبت امواله وماتت اولاده وجواريه ثم مات هو في هذه السنة ومات الامير مصطفى بك دالي باشا ونسيبه ايضا وكان من اعاظم اركان دولته شهير الذكر موصوفا بالاقدام والشجاعة ومات بالاسكندرية ولما وصل خبره الى الباشا اغتم غما شديدا وتأسف عليه وكان الباشا ولاه كشوفية الشرقية وقرن به على كاشف فاقام بها نحو السنتين ومهد البلاد واخاف العربان واذلهم وقتل منهم الكثير وجمع لمخدومه اموالا جمة وكان جسيما بطينا ياكل التيس المخصي وحده ويشرب عليه الزق من الشراب ثم يتبعه بشالية او اثنتين من اللبن ويستلقي نائما مثل العجل العظيم ذي الخوار الا انه كان يقضي حاجة من التجا اليه ويحب اولاد الناس ويواسيهم يتجاوز عن الكثير ويعطي ما يلزمه من الحقوق لاربابها ولما تحققت اخته التي هي زوج الباشا وكذلك والدته امرتا بإحضار رمته الى مصر ويدفن بمدفنهم وتعين لذلك سليمان اغا السلحدار فسافر الى الاسكندرية ووضعه في صندوق من فق على عربية ووصل به بعد اثني عشر يوما من موته وكان وصوله في ثاني ساعة من ليلة الجمعة سادس عشري جمادي الثانية وذهبوا به الى المدفن في المشاعل من خلف المجراة فلما وصلوا الى المدفن ارادوا انزله الى القبر بالصندوق فلم يمكنهم فكسروا الصندوق فعبقت رائحته وقد تهرى فهرب كل من كان حاضرا فكبوه على حصير ولفوه فيه وانزلوه الى الحفرة وغشي على الفحارين وخزعت النفوس من رائحة اخشاب الصندوق فحثوا عليه الاتربة وليس من يفتكر ويعتبر ومات ايضا حسن اغا حاكم بندر السويس مطعونا قولي الباشا عوضه السيد احمد الملا الترجمان ومات ايضا سليما اغا حاكم رشيد ومات الامير الكبير المشهير بإبراهيم بك المحمدي عين اعيان امراء الالوف المصريين ومات بدنقلة متغربا عن مصر وضواحيها وهو من مماليك محمد بك ابي الذهب تقلد الامرة والامارة في سنة اثنتين وثمانين ومائة والف في ايام علي بك الكبير وتقلد مشيخة البلد ورياسة مصر بعد موت استاذه في سنة تسع وثمانين ومائة والف مع مشاركة خشداشه مراد بك وباقي امرائهم والجميع راضون برياسته وامارته لايخالفهم ولايخالفونه ويراعي جانب الصغير منهم قبل الكبير ويحرص على جمعية امرهم والفة قلوبهم فطالت ايامه وتولى قائم مقامية مصر على الوزراء نحو العشرة مرار وطلع اميرا على الحج في سنة ست وثمانين وتولى الدفتردارية في سنة سبع وثمانين وكلاهما في حياة استاذه واشترى المماليك الكثيرة ورباهم واعتقهم وامر وقلد منهم صناجق وكشافا واسكنهم الدور الواسعة واعطاهم الاقطاعات ومات الكثير منهم في حياته واقام خلافهم من مماليكه ورأى اولاد اولاده بل واولادهم وما زال يولد له واقام في الامارة نحو ثمان واربعين سنة وتنعم فيها وقاسى في اواخر امره شدائد واغترابا عن الاهل والاوطان وكان موصوفا بالشجاعة والفروسية وباشر عدة حروب وكان ساكن الجأش صبور ذا تؤدة وحلم قريبا للانقياد للحق متجنبا للهزل الا نادرا مع الكمال والحشمة لايحب سفك الدماء مرخصا لخشداشينه في افاعيلهم كثير التغافل عن مساويهم مع معارضتهم له في كثير من الامور وخصوصا مراد بك واتباعه فيغضي ويتجاوز ولايظهر غما ولا خلافا ولا تأثرا حرصا على دوام الالفة وعدم المشاغبة وان حدث فيما بينهم ما يوجب وحشة تلافاه واصلحه وكان هذا الاهمال والترخص والتغافل سببا لمبادئ الشرور فانهم تمادوا في التعدي وداخلهم الغرور وغمرتهم الغفلة عن عواقب الامور واستصغروا من عداهم وامتدت ايديهم لاخذ اموال التجار وبضائع الافرنج الفرنساوية وغيرهم بدون الثمن مع الحقارة لهم ولغيرهم وعدم المبالاة والاكتراث بسلطانهم الذي يدعون انهم في طاعته مع مخالفة اوامره ومنع خزينته واحتقار الولاة ومنعهم من التصرف والحجر عليهم فلا يصل للمولى عليهم الا بعض صدقاتهم الى ان تحرك عليهم حسن باشا الجزائرلي في سنة مائتين والف وحضر على الصورة التي حضر فيها وساعدته الرعية وخرجوا من المدينة الى الصعيد وانتهكت حرمتهم ثم رجعوا بعد الفصل في سنة ست ومائتين الى امارتهم ودولتهم وعادوا الى حالتهم الاولى بل وازيد منها في التعدي فأوجب ذلك ركوب الفرنساوية عليهم ولم يزل الحال يتزايد والاهوال يتلو بعضها بعضا حتى انقلبت اوضاع الديار المصرية وزالت حرمتها بالكلية وادي الحال بالمترجم الى الخروج والتشتيت والتشريد هو ومن بقي من عشيرته الى بلاد العبيد يزرعون الدخن ويتقوتون منه وملابسهم القمصان التي يلبسها الجلابة في بلادهم الى ان وردت الاخبار بموته في شهر ربيع الاول من السنة واما جملة اخباره فقد تقدمت في ضمن السوابق والماجريات واللواحق ومات الامير الاجل احمد اغا الخازندار المعروف ببونابارته وهو ايضا شهير الذكر من اعاظم الدولة وقد تقدم كثير من اخباره وسفره الى الحجاز وكان عمر دارا عظيمة على بركة الازبكية جهة الرويعي ثم عمل مهما كبير الزواج ابنه وهو اذ ذاك مريض في حياض الموت حتى اشيع في الناس يوم زفة العروس ثم مات بعد ايام قليلة مضت من الفرح وذلك يوم الاربعاء ثالث شهر جمادي الثانية وماتت الست الجليلة خاتون وهي سرية علي بك بلوط قبان الكبير وكانت محظيته وبنى لها الدار العظيمة على بركة الازبكية بدرب عبد الحق والساقية والطاحون بجانبها ولما مات علي بك وتأمر مراد بك فتزوج بها وعمرت طويلا مع العز والسيادة والكلمة النافذة واكثر نساء الامراء من جواريها ولم يأت بعد الست شويكار من اشتهر ذكره وخبره سواها وكان ايام الفرنساوية واصطلح معهم مراد بك حصل لها منهم غاية الكرامة ورتبوا لها من ديوانهم في كل شهر مائة الف نصف فضة وشفاعتها عندهم مقبولة لاترد بالجملة فإنها كانت من الخيرات ولها على الفقراء بر واحسان ولها من المآثر الخان الجديد والصهريج داخل باب زويلة توفيت يوم الخميس لعشرين من شهر جمادي الاولى بمنزلها المذكور بدرب عبد الحق ودفنت بحوشهم في القرافة الصغرى بجوار الاما الشافعي واضيفت الدار الى الدولة وسكنها بعض اكابرها وسبحان الحي الذي لايموت ومات المقر الكريم المخدوم احمد باشا الشهير بطوسون ابن حضرة الوزير محمد علي باشا مالك الاقاليم المصرية والحجازية والثغور وما اضيف اليها وقد تقدم ذكر رجوعه من البلاد الحجازية وتوجهه الى الاسكندرية ورجوعه الى مصر ثم عود الى ناحية رشيد وعرضي خيامة جهة الحماد بالعسكر على الصورة المذكورة وهو ينتقل من العرضي الى رشيد ثم الى برنبال وابي منضور والعزب ولما رجع في هذا المرة اخذ صحبته من مصر المغنين وارباب الالات المطربة بالعود والقانون والناي والكمنجات وهم ابراهيم الوراق والحباني وقشوة ومن يصحبهم من باقي رفقائهم فذهب ببعض خواصه الى رشيد ومعه الجماعة المذكورون فاقام اياما وحضر اليه من جهة الروم جوار وغلمان ايضا رقاصون فانتقل بهم الى قصر برنبال ففي ليلة حلوله بها نزل به ما نزل به من المقدور فتمرض بالطاعون وتململ نحو عشرة ساعات وانقضى نحبه وذلك ليلة الاحد سابع شهر القعدة وحضره خليل افندي قوللي حاكم رشيد وعندما خرجت روحه انتفخ جسمه وتغير لونه الى الزرقة فغسلوه وكفنوه ووضعوه في صندوق من الخشب ووصل به في السفينة منتصف ليلة الاربعاء عاشره وكان والده بالجيزة لم يتجاسروا على اخباره فذهب اليه احمد اغا اخو كتخدا بك فلما علم بوصوله ليلا استنكر حضوره في ذلك الوقت فأخبره عنه انه ورد الى شبرا متوعكا فركب في الحين القنجة وانحدر الى شبرا وطلع الى القصر وصار يمر بالمخادع ويقول اين هو فلم يتجاسر احد ان يصرح بموته وكانوا ذهبوا به وهو في السفية الى بولاق ورسوا به عند الترسخانة واقبل كتخدا بك على الباشا فرآه يبكي فانزعج انزعاجا شديدا وكاد ان يقع على الارض ونزل السفينة فأتى بولاق اخر الليل وانطلقت الرسل لاخبار الاعيان فركبوا بأجمعهم الى بولاق وحضر القاضي والاشياخ والسيد المحروقي ثم نصبوا تظلك ساترا على السفينة واخرجوا الناووس والدم والصديد يقطر منه وطلبوا القلاقطة لسد خروقة ومنافسه ونصبوا عودا عند رأسه ووضعوا عليه تاج الوزارة المسمى بالطلخان وانجروا بالجنازة من غير ترتيب والجميع مشاه امامه وخلفه وليس فيها من جوقات الجنائز المعتادة كالفقهاء واولاد الكتاتيب والاحزاب شئ من ساحل بولاق على طريق المدابغ وباب الخرق على الدرب الاحمر على التبانة الى الرميلة فصلوا عليه بمصلى المؤمنين وذهبوا به الى المدفن الذي اعده الباشا لنفسه ولموتاه كل هذه المسافة ووالده خلف نعشه ينظر اليه ويبكي ومع الجنازة اربعة من الحمير تحمل القروش وربعيات الذهب ودراهم انصاف عديدة ينثرون صبها على الارض وعلى الكيمان وعن يمين الكتخدا ويساره شخصان يتناول منهما قراطيس الفضة يفرق على من يتعرض له من الفقراء والصبيان فاذا تكاثروا عليه نثر ما بقي في يده عليهم فيشتغلون عنه بالتقاطها من الارض فكان جملة ما فرق وبدر من الانصاف العددية فقط خمسة وعشرين كيسا عنها خمسمائة الف فضة وذلك خلاف القروش وساقوا امام الجنازة ستة رؤوس من الجواميس الكبار اخذ منها خدمة التربة ومن حولهم وخدمة ضريح الامام الشافعي ولم ينل الفقراء الا ما فضل عنهم واخرجوا لاسقاط صلاة المتوفي خمسة واربعين كيسا تناولها فقراء الازهر وفرقت بجامع الفاكهاني بحسب الاغراض للغني منهم اضعاف قسم الفقير واكثر الفقراء من الفقهاء لم ينالوا ولا القليل ولما وصلوا الى المدفن هدموا التربة وانزلوه فيها بتابوته الخشب لتعسر اخراجه منه بسبب انتفاخه وتهربه حتى انهم كانوا يطلقون حول تابوته البخورات في المجامر الذهب والرائحة غالبة على ذلك وليس ثم من يتعظ او يعتبر ولما مات لم يخبروا والدته بموته الا بعد دفنه فجزعت عليه جزعا شديدا ولبست السواد وكذلك جميع نسائهم واتباعهم وصبغوا براقعهم بالسواد والزرقة وكذلك من ينافقهم من الناس حتى لطخوا ابواب البيوت ببولاق وغيرها بالوحل وامتنع الناس بالامر عليهم من عمل الافراح ودق الطبول مطلقا ونوبة الباشا واسمعيل باشا وطاهر باشا حتى ما يفعله دراويش المولوية في تكاياهم عند المقابلة من الناي والطبل اربعين يوما واقامو عليه العزاء عن القبر وعدة من الفقهاء والمقرئين ينتابون قراءة القرآن مدة الاربعين يوما ورتبوا له ذبائح ومآكل وكل ما يحتاجونه ثم ترادفت عليهم العطايا من والدته واخواته والواردين من اقاربه وغيرهم على حد قول القائل مصائب قوم عند قوم فوائد ومات وهو مقتبل الشبيبة لم يبلغ العشرين وكان ابيض جسيما كما قد دارت لحيته بطلا شجاعا جوادا له ميل لاولاد العرب منقادا لملة الاسلام ويتعرض على أبيه في افعاله تخافه العسكر وتهايه ومن اقترف ذنبا صغيرا قتله مع احسانه وعطاياه للمنقاد منهم ولامرائه ولغالب الناس اليه ميل وكانوا يرجون تأمره بعد ابيه ويأبى الله الا ما يريد ومات الوزير المعظم يوسف باشا المنفصل عن امارة الشام وحضر الى مصر من نحو ثلاث سنوات هاربا وملتجئا الى حاكم مصر وذلك في اواخر سنة سبع وعشرين ومائتين والف واصله من الاكراد الدكرلية وينسب الى الاكراد الملية وابتداء امره بأخبار من يعرفه انه هرب من اهله وعمره اذ ذاك خمس عشرة سنة فوصل الى حماة وتعاطى بيع الحشيش والسرجين والروث ثم خدم عند رجل يسمى ملا حسين مدة سنين الى ان البسه قلبق ثم خدم بعده ملا اسمعيل بالكتاش وتعلم الفروسية والرماحة فلعب يوما في القمار وخسر فيه وخاف على نفسه فخرج هاربا الى عمر اغا باسيلي من اشراقات ابراهيم باشا المعروف بالازدن فتوجه معه إلى غزة وكان مع المترجم جواد اشقر من جياد الخيل فقلد علي اغا متسلم غزة عمر اغا المذكور وجعله دالي باش ففي بعض الايام طلب المتسلم من المترجم الجواد فقال له ان قلدتني دالي باشا قدمته لك فأجابه الى ذلك وعزل عمر اغا وقلد المترجم المنصب عوضا عنه وامتنع من اعطائه ذلك الجواد واقام في خدمته مدة فوصل مرسوم من احمد باشا الجزار خطابا للمترجم بالقبض على المتسلم واحضاره الى طرفه وان فعل ذلك ينعم عليه بمبلغ خمسين كيسا ومائة بيرق ففعل ذلك واوقع القبض على علي اغا المتسلم وتوجه الى عكا بلدة الجزار فقال المتسلم للمترجم في اثناء الطريق تعلم ان الجزار رجل سفاك دماء فلا توصلني اليه وان كان وعدك بمال انا اعطيك اضعافه واطلقني اذهب حيث شاء الله ولا تشاركه في دمي فلم يجبه الى ذلك واوصله الى الجزار فحبسه ثم قتله ورماه في البحر واقام المترجم بباب الجزار اياما ثم ارسل اليه يأمره بالذهاب الى حيث يريد فانه لا خير فيه لخيانته لمخدومه فذهب الى حماة واقام عند اغاته اسمعيل اغا وهو متول من طرف عبد الله باشا المعروف بابن العظم فأقام في حدمته كلاجي زمنا نحو الثلاث سنوات وكان بين عبد الله باشا وأحمد باشا الجزار عداوة فتوجه عبد الله باشا الى الدورة فارسل الجزار عساكره ليقطع عليه الطريق فسلك طريقا اخرى فلما وصل الى جنيني وهي مدينة قريبة من بلاد الجزار وجه الجزار عساكره عليه فلما تقارب العسكران وتسامعت اهل النواحي امتنعوا من دفع الاموال فما وسع عبدالله باشا الا الرحيل وتوجه الى ناحية نابلس مسافة يومين وحاصر بلدة تسمى صوفين واخذ مدافع من يافا واقام محاصرا لها ستة ايام ثم طلبوا الامان فأمنهم ورحل عنهم الى طرف الجليل مسيرة نصف ساعة وفرق عساكره لقبض اموال الميري من البلاد واقام هو في قلة من العسكر فوصل اليه خيال وقت العصر في يوم من الايام يخبره بوصول عساكر الجزار وانه لم يكن بينه وبينهم الا نصف ساعة وهم خمسة الاف مقاتل فارتبك في امره وارسل الى النواحي فحضر اليه من حضروهم نحو الثلثمائة خيال وهو بدائرته نحو الثمانين فأمر بالركوب فلما تقاربا هاله كثرة عساكر العدو وايقنوا بالهلاك فتقدم المترجم الى العسكر واشار عليهم بالثبات وقال لهم لم يكن غير ذلك فاننا ان قررنا هلكنا عن اخرنا وتقدم المترجم مع اغاته ملا اسمعيل وتبعهم العسكر وولجوا اوسط خيل العدو وصدقوا الحملة جملة واحدة فحصلت في العدو الهزيمة وركبوا اقفيتهم وتبعهم المترجم حتى حال الليل بينهم فرجعوا برؤوس القتلى والقلائع فلما اصبح النهار عرضوها على الوزير وهي نحو الالف رأس والف قليعة فخلع عليهم وشكرهم وارتحلوا الى دمشق وذهب المترجم مع اغاته الى مدينة حماة واستمر هناك الى ان حضر الوزير الاعظم يوسف باشا المعروف بالمعدن الى دمشق بسبب الفرنساوية ففارق المترجم مخدومه في نحو السبعين خيالا وجعل يدور بأراضي حماة بطالا ويقال له قيس فيراسل الجزار لينضم اليه وكان الجزار عند حضور الوزير انفصل حكمه عن دمشق ووجه ولايتها الى عبد الله باشا العظم فلما بلغ المترجم ذلك توجه الى لقاء عبد الله باشا بالمعرة فأكرمه عبد الله باشا وقلده دالي باشا كبيرا على جميع الخيالة حتى على اغاته ملا اسمعيل اغا واقام بدمشق مدة الى ان حاصر عبد الله باشا مدينة طرابلس فوصل اليه الخبر بان عساكر لجزار استولوا على دمشق وبلادها فركب عبد الله باشا وذهب الى دمشق ودخلها بالسيف ونصب عرضيه خارجها فوصل خبر ذلك الى جزار فكاتب عساكر عبد الله باشا يستميلهم لان معظمهم غرباء فاتفقوا على خيانته والقبض عليه وتسليمه الى الجزار وعلم ذلك وتثبته فركب في بعض مماليكه وخاصته الى وطاق المترجم وهو اذ ذاك دالي باشا واعلمه الخبر وانه يريد النجاة بنفسه فركب بمن معه واخرجه من بين العسكر قهرا عنهم واوصله الى شول بغداد ثم ذهب على الهجن الى بغداد ورجع المترجم الى حماة فقبل وصوله اليها ورد عليه مرسوم الجزار يستدعيه فذهب اليه فجعله مقدم الف وقلده باش الجردة فسافر الى الحجاز بالملاقاة وكان امير الحاج الشامي اذ ذاك سليمان باشا عوضا عن مخدومه احمد باشا الجزار فلما حصلوا في نصف الطريق وصلهم خبر موت الجزار فرجع يوسف المترجم الى الشام واستولى اسمعيل باشا على عكا وتوجه منصب ولاية الشام الى ابراهيم باشا المعروف بقطر اغاسي اي اغات البغال وفي فرمان ولايته الامر بقطع رأس اسمعيل باشا وضبط مال الجزار فذهب المترجم بخيله واتباعه الى ابراهيم باشا وخدم عنده وركب الى عكا وحصروها وحطوا في ارض الكرداني مسيرة ساعة من عكا وكانت الحرب بينهم سجالا وعساكر اسمعيل باشا نحو العشرة الاف والمترجم يباشر الوقائع وكل وقعة يظهر فيها على الخصم ففي يوم من الايام لم يشعروا الا وعسكر اسمعيل باشا نافذ اليهم من طريق اخرى فركب المترجم واخذ صحبته ثلاثة مدافع وتلاقى معهم وقاتلهم وهزمهم الى ان حصرهم بقرية تسمى دعوق ثم اخرجهم بالامان الى وطاقه واكرمهم وعمل لهم ضيافة ثلاثة ايام ثم ارسلهم الى عكا بغير امر الوزير ثم توجه ابراهيم باشا الى الدورة وصحبته المترجم وتركوا سليمان باشا مكانهم وخرج اسمعيل باشا من عكا واغلقت ابوابها فاتفقت عساكره وقبضوا عليه وسلموه الى ابراهيم باشا فعند ذلك برز امر ابراهيم باشا بتسليم عكا الى سليمان باشا وذهب بالمرسوم المترجم فأدخله اليها ورجع الى مخدومه وذهب معه الى الدورة ثم عاد معه الى الشام وورد الامر بعزل ابراهيم باشا عن الشام وولاية عبد الله باشا المعروف بالعظم على يد باشت بغداد فخرج المترجم لملاقاته من على حلب فقلده دالي باشا على جميع العسكر فلما وصل الى الشام ولاه على حوران واربد والقنيطرة ليقبض اموالها فأقام نحو السنة ثم توجه صحبه الباشا مع الحج وتلاقوا مع الوهابية في الجديدة فحاربهم المترجم وهزمهم وحجوا واعتمروا ورجعوا ومكثوا الى السنة الثانية فخرج عبد الله باشا بالحج وابقى المترجم نائبا عنه بالشام فلما وصل الى المدينة المنورة منعه الوهابيون ورجع من غير حج ووصل خبر ذلك الى الدولة فورد الامر بعزل عبد الله باشا عن ولاية الشام وولاية المترجم على الشام وضواحيها فارتاعت النواحي و العربان و اقام السنة و لم يخرج بنفسه الى الحج بل ارسل ملا حسن عوضا عنه فمنع أيضا عن الحج فلما كانت القابلة انفتح عليه أمر الدورة و عصى عليه بعض البلاد فخرج اليها و حاصر بلدة تسمى كردانية ووقع له فيها مشقة كبيرة الى ان ملكها بالسيف و قتل اهلها ثم توجه الى جبل نابلس وقهرهم وجبى منهم اموالا عظيمة ثم رجع الى الشام واستقام أمره وحسنت سيرته وسلك طريق العدل في الاحكام واقام الشريعة والسنة وابطل البدع والمنكرات واستتاب الخواطئ وزوجهن وطفق يفرق الصدقات على الفقراء واهل العلم والغرباء وابن السبيل وامر بترك الاسراف في المأكل والملابس وشاع خبر عدله في النواحي ولكن نقل ذلك على اهل البلاد بترك مألوفهم ثم انه ركب الى بلاد النصيرية وقاتلهم وانتصر عليهم وسبى نساءهم واولادهم وكان خيرهم بين الدخول في الاسلام أو الخروج من بلادهم فامتنعوا وحاربوا واتخذلوا وبيعت نساؤهم واولادهم فلما شاهدوا ذلك اظهروا الاسلام تقيه فعفا عنهم وعمل بظاهر الحديث وتركهم ورحل عنهم الى طرابلس وحصارها بسبب عصيان اميرها بربر باشا على الوزير واقام محاصرا لها عشرة اشهر حتى ملكها واستولى على قلعتها ونهبت منها اموال للتجار وغيرهم ثم ارتحل الى دمشق واقام بها مدة فطرقه خبر الوهابية انهم حضروا الى المزيريب فبادر مسرعا وخرج الى لقائهم فلما وصل إلى المزيرب وجدهم قد ارتحلوا من غير قتال فأقام هناك اياما فوصل اليه الخبر بأن سليمان باشا وصل الى الشام وملكها فعاد مسرعا الى الشام وتلاقى مع عسكر سليمان باشا وتحارب العسكران الى المساء وبات كل منهم في محله ففي نصف الليل في غفلتهم والمترجم نائم وعساكره ايضا هامدة فلم يشعروا الا وعساكر سليمان باشا كبستهم فحضر اليه كتخداه وايقظه من منامه وقال له ان لم تسرع والا قبضوا عليك فقام في الحين وخرج هاربا وصحبته ثلاثة اشخاص من مماليكه فقط ونهبت امواله وارزاقه وزالت عنه سيادته في ساعة واحدة ولم يزل حتى وصل الى حماة فلم يتمكن من الدخول اليها ومنعه اهلها عنها وطردوه فذهب الى سيجر وارتحل منها الى بلدة يعمل بها البارود ومنها الى بلدة تسمى ريمة ونزل عند سعيد اغا فاقام عنده ثلاثة ايام ثم توجه الى نواحي انطاكية بصحبته جماعة من عند سعيد اغا المذكور ثم الى السويدة ولم يبق معه سوى فرس واحد ثم انه ارسل الى محمد علي باشا صاحب مصر واستأذنه في حضوره الى مصر فكاتبه بالحضور اليه والترحيب به فوصل الى مصر في التاريخ المذكور فلاقاه صاحب مصر واكرمه وقدم اليه خيولا وقماشا ومالا وانزله بدار واسعة بالازبكية ورتب له خروجا زائدة من لحم وخبز وسمن وارز وحطب وجميع اللوازم المحتاج اليها وانعم عليه بجوار وغير ذلك واقام بمصر هذه المدة وارسل في شانه الدولة وقبلت شفاعة محمد علي باشا فيه ووصله العفو والرضا ما عدا ولاية الشام وحصلت فيه علة ذات الصدر فكان يظهر به شبه السلعة مع الفواق بصوت يسمعه من يكون بعيداغ عنه ويذهب اليه جماعة الحكماء من الافرنج وغيرهم ويطالع في كتب الطب مع بعض الطلبة من المجاورين فلم ينجع فيه علاج وانتقل الى قصر الاثار بقصد تبديل الهواء ولم يزل مقيما هناك حتى اشتد به المرض ومات في ليلة السبت العشرين من شهر ذي القعدة وحملت جنازته من الاثار الى القرافة من ناحية الخلاء ودفن بالحوش الذي انشأه الباشا واعده لموتاه وكان مدة اقامته بمصر نحو ستة سنوات فسبحان الحي الذي لايموت الدائم الملك السلطان
عجائب الآثار في التراجم والأخبار المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة