بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مُختصر أخبار الزمان
ذكر ذرية نوح عليه السلام
وأنسابهم وتفرقهم في البلدان
حام بن نوح عليه السلام
يقول أهل الأثر إن نوحاً عليه السلام دعا عليه بتشويه الوجه وسواده، وأن يكون ولده عبيداً لولد سام.
فولد له بعد كنعان كوش، فكان أسود، فهم أن يقتل امرأته فمنعه سام، وذكره دعاء أبيه عليه فغضب، ونزغ الشيطان بين الاخوة وحمل بعضهم على بعض، وكان آخر أمر حام أن هرب الى مصر، وتفرق بنوه، ومضى على وجهه يؤم المغرب حتى انتهى الى الأقصى، الى موضع يعرف اليوم بأصيلا، وهو آخر مرسى تبلغه مراكب البحر من نحو الأندلس إلى ناحية القبلة، وليس بعده للمركب مذهب. فيقال ان بنيه اغتموا لمكانه، وندموا على تركه، فخرجوا على أثره يطلبونه في النواحي التي قصدها، فيقال ان منهم طوائف وقعت عليه، فكانوا معه الى ان مات وقطنوا ذلك البلد وسكنوا به وهم أصناف السودان فكل طائفة من ولده بلغت موضعاً فيطلبه فانقطع خبره عنهم أقاموا بذلك الموضع وتناسلوا فيه، ولم يصل اليه إلا بنوه فقط.
ولما مات حام خرج بعضهم من ذلك الموضع فأقاموا بمكان البربر، وكان عمر حام أربعمائة سنة وإحدى واربعين سنة. ولما مات دفنه بنوه في صخرة منقوبة في جبل أصيلا.
ذكر كنعان ابن حام
هو أكبر ولد حام وهو أول من غير دين نوح عليه السلام، وألقى العداوة بينه وبين بني جده من الجبابرة والكنعانيين الذين كانوا بالشام، ويقال فراعنة مصر منهم، وجالوت منهم الذي قتله داود عليه السلام فهؤلاء العمالقة، لأن العمالقة هم من ولد حام، ومن هؤلاء الكنعانيون الذين قاتلهم موسى عليه السلام، ويوشع بن النون من بعده وهم الذين عنى الله عز وجل بقوله ( ان فيها قوماً جبارين ) وكانت خلقهم عظيمة.
وفيما يقال ان كنعان الأصغر رتبهم في ناحية الشام والجزيرة ومن ولده فوسطن وصبرا ونهما وسمساوس، ومن ولده نبيط، والنبيط هو السواد وقيل سموا بذلك لأنهم استنبطوا الأرض وعمروها وكانوا اصحاب عمارة وتدبير.
ومن ولد سودان بن كنعان امم منهم الأشبان والزنج وأجناس كثيرة تناسلت بالمغرب نحو سبعين جنساً وهم مختلفون في أفعالهم، ولهم ملوك.
ومنهم أجناس يلبسون الجلود وهم عراة، ومنهم من يتزر بالحشيش، ومنهم قوم يعملون لرؤوسهم قرونا من عظام الدواب، وعندهم فأر ابيض يأكلونه ويسمونه منَّ السماء.
ويتزوج الواحد منهم عشرة نسوة يبيت كل ليلة عند اثنتين منهن، فان جامعهن على ما تحب وإلا طلقهن الملك بعد ثالثة.
فاذا أجدبوا وأرادوا ان يستسقوا جمعوا عظاماً فكوموها كالتل، ثم أضرموها بالنار، ودارو حولها ورفعوا ايديهم الى السماء، وتكلموا بكلام فينزل المطر ويسقوا.
فاذا اعرس أحدهم لطخوا وجهه بشيء يشبه الحبر، ثم أجلسوه على تل، وجلسوا على تل واجلسوا المرأة بين يديه وجعلوا قصبا مثل القبة، وستروها بشيء من الحشيش وأقاموا حولها ثلاثة أيام يشربون نبيذ الذرة ويلعبون، ثم ينصرفون ويأخذ الزوج امرأته ويسير بهاالى موضع سكناه.
ويلبسون حلق النحاس في ايديهم وآذان نسائهم، ويحمل اليهم الكرداونية التي تصبغ بالحمرة يلبسونها ولا يلبسها منهم إلا الملك.
ولهم شجرة عظيمة يعملون لها عيدا في كل سنة يجتمعون عندها، يلعبون حولها حتى يسقط عليهم ورقها فيتبركون به ويزينون المرأة بحلق النحاس والودع في شعرها.
ومن ولد سودان الكركر وبهم سميت المملكة، التي هي اعظم ممالك السودان وأجلها قدراً، وكل ملك لهم يعطي ملك الكركر حق الطاعة، وتنسب الى الكركر ممالك كثيرة.
ومملكة عانة وملكها ايضاً عظيم الشأن، ويتصل ببلاد معادن الذهب وبها منهم امم عظيمة، ولهم خط لا يجاوزه من صدر اليهم فاذا وصلوا الى ذلك الخط جعلوا الأمتعة والأكسية عليه وانصرفوا، فيأتون أولئك السودان، ومعهم الذهب فيتركونه عند الأمتعة وينصرفون، ويأتي اصحاب الأمتعة فإن أرضاهم وإلا عادوا ورجعوا فيعود من السودان، فيزيدونهم حتى تتم المبايعة كما يفعل التجار الذين يبتاعون القرنفل من أهله سواء بسواء، وربما رجع التجار بعد زوالهم مختفين فوضعوا النيران في الأرض، فيسيل الذهب فتسرقه التجار. ثم يهربون لأن الأرض كلها ذهب عندهم ومعدن ظاهر، وربما فطنوا لهم فيخرجون في آثارهم، فإن أدركوهم قتلوهم.
وفي صحاريهم معادن الأشبار ثم يكبر حتى يظهر مثل الحصى الظاهر في الرمل وكل ما يحصل للتجار من الذهب يضربونه بمدينة سجلماسة، وهي مدينة كبيرة فيها أربعة جوامع وشارع يسار منه نصف يوم، وفيها نخيل كثير وفيها يضربون الدنانير.
وتحت يد ملك عانة عدة ملوك وممالك كلها فيها الذهب ظاهر على الأرض يستخرجه أهله، ويعملونه مثل اللبن.
ومن الأجناس المشهورة منهم ملك الدهدم، يسار اليها من كركر على شاطئ البحر مغربا من هؤلاء ويحارب بعضهم بعضاً، ويأكلون الناس، ولهم ملك كبير تحت يده ملوك، وفي بلده قلعة عظيمة في صورة امرأة يتأهبون لها ويحجون اليها.
ومملكة الزغاوة واسعة كبيرة، منها على النيل مما يحاذي النوبة، ويحاربون النوبة.
ومملكة توان وهي كبيرة، ويسار فيها يوماً واحداً فيوجد فيها مومياء في ابيار غير انها تتحرك مثل الزئبق، وهذه الآبار في بقعة واحدة مقدارها نصف ميل بنوا عليها حصنًا وهم يستعملون المومياء. ويقال البقعة بمغرا من الصحراء،
وممالك النوبة وهم من ولد نوبا بن قوط بن مصر بن حام لأنهم لما صار جدهم الى مصر مع مصر مات مصر وبقي بنوه فتولى امره بعده قبطم وثبت القبط بمصر، وهو من أولاد قبطم بن مصر.ووجه قبطم اخوته يسعون في البلاد لطلب ممالك وعيش، فخرج نوب بن قوط بأهله وولده وسار على عبر النيل فملكوا هنالك.
ويقال لمدينتهم العظمى دنقله، وبلادهم بلاد نخل وزرع ومقدار اتساعها شهران، وهم نصارى على دين اليعقوبية.
ويكون هؤلاء مملكة النوبة من ناحية الصعيد، وهم أوسع ملكاً وأعظم خطراً وأصفى لوناً، ومسيرة ملكهم ثلاثة أشهر ومدينتهم العظمى يقال لها دخلولة وهم أيضاً نصارى وملكهم جليل، ولهم لباس وأساورة والذهب أيضاً عندهم يظهر على الارض، ولهم أيضاً نخل وكرم وهم أجناس كثيرة ولهم ملوك وبلدهم واسع.
مملكة البجة: وهي تلي النوبة وهي أيضاً ممالك عديدة، وهم بين النيل والبحر وفي كل مملكة ملك، فأول ممالك البجة من حد السودان وهي آخر عمل المسلمين، والمسلمون يعملون عندهم في المعادن ووراء ذلك ممالك ومدن.
وتتصل بهم الحبشة وهم من ولد حبش بن كوش بن حام، وأكبر ممالكهم مملكة النجاشي وهو على دين النصرانية، واسم مدينتهم الكبرى كفر، ولم تزل العرب على قديم الأيام تأتي هذه المملكة للتجارات.
وتتصل بمملكة الحبشة مملكة الزنج، وهم على البحر المالح، ولهم ممالك واسعة، وهم من ولد سودان بن كنعان، ولهم أيضاً ملوك عدة وممالك، واسم ملكهم الأكبر كوخه يكون بموضع يقال له نكد، وهو على البحر، يحدون أسنانهم حتى ترق، وهم كبار الأفواه نظاف الثغور على كثرة أكلهم السمك.
ولهم افيلة يبيعون أنيابها من تجار البلدان التي تقرب منهم، ولهم الجزائر التي يخرج منها الودع ويتحلون به، ويبيعونه، وهم أجناس كثيرة، ولهم ممالك.
وأما الكوكة فهم أمة لهم أربعة أملاك ملكوا الى أيلة الحجاز وبنى كل واحد منهم مدينة سماها باسمه، وجعلوا سائر الأرض خيما، وقسموها على ثلاثين كورة مقسومة على اربعة أعمال لكل عمل ثمانون كورة، ولكل عمل ملك يجلس في مدينة على منبر من ذهب، وفي كل عمل بربا وهو بيت الحكمة، وهيكل لأ حد الكواكب وفيه أصنام ذهب مرتبة له.
وكانت الاسكندرية لهم واسمها راقودة وجعلوا لها خمس عشرة كورة وجعلوا فيها كبار الكهنة ونصبوا في هياكلها من أصناف الذهب أكثر مما في غيرها، وقسموا الصعيد ثمانين كورة على أربعة أقسام.
وكان عدد مدن مصر الداخلة في كورها ثلاثين مدينة فيها جميع العجائب والكور مثل اخميم وقفط وقوص والفيوم.
ذكر يافث بن نوح
وأما ولد يافث بن نوح فقال اصحاب التاريخ ان جميع اللغات اثنان وسبعون لغة منها سبع وثلاثون في ولد يافث: وثلاث وعشرون في ولد حام، واثنتا عشرة في ولد سام، فذكروا ان ولد يافث من ظهره سبعة وثلاثون لكل واحد منهم لغة يتكلم بها هو ونسله.
وكان في قسم ولد يافث أرمينية وما جاوزها إلى الابواء؛ فمنهم الأشبان والروس والبرجمان والخرز والترك والصقالية ويأجوج ومأجوج وفارس ومزنان وأصحاب جزائر البحر والصين والبلغار وأمم لا تحصى.
ذكر يأجوج ومأجوج
فأما يأجوج ومأجوج فانه لا يقدر على استقصاء ذكرهم لكثرة عددهم، وقد زعم ان مقدار ربع الأرض مسيرة مائة وعشرين سنة.
فذكروا ان تسعين منها ليأجوج ومأجوج واثني عشر للسودان، وثمانية للروم، وثلاثة للعرب، وسبعة لبقية الأمم.
وسمى أصحاب التاريخ يأجوج ومأجوج أربعين أمة مختلفي الخلق والقدود، قي كل أمة منها ملك ولهم زي ولغة، فمنهم من طوله الشبر والشبران وأطول من ذلك، ومنهم المشوهون، ومن يفترش إحدى أذنيه ويتغطى بالأخرى، ومن له ذنب وقرن وأنياب بارزة، ومنهم من مشيه وثب ويأكلون الحيتان والناس والخشاش والطير كله والرخم والحدأة، وبعضهم يغير على بعض. ومنهم من لا يتكلم إلا همهمة وفيهم شدة وبأس، وأكثر طعامهم الصيد، وكانوا يغيرون على الأمم التي تليهم ويخربون بلدانهم، حتى عمل ذو القرنين السد وهم يستفتحونه آخر الزمان كما قال الله عز وجل. وربما أكل بعضهم بعضاً، والزلازل عندهم كثيرة، وذكر أن عندهم أمم تعرف المناسك.
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج هل بلغتهم دعوتك، فقال " جزت ليلة أسري بي عليهم فدعوتهم فلم يستجيبوا ".
ذكر الصقالبة
وأما الصقالبة فهم عدة أمم؛ فمنهم النصارى، و من يقولون بالمجوسية ويعبدون الشمس، ولهم بحر حلو يجري من ناحية الشمال إلى الجنوب، ولهم أيضاً بحر يجري من المشرق إلى المغرب حتى يتصل ببحر آخر يجيء من ناحية البلغر، ولهم أنهار كثيرة، وهم كلهم في ناحية الشمال، وليس لهم بحر مالح لأن بلدهم بعيد عن الشمس، فماؤهم حلو وما قرب من الشمس مالح، وما جاوزهم من الشمال لايسكن لبرده وكثرة زلازله، وأكثر قبائلهم مجوس يحرقون أنفسهم بالنار ويتعبدون لها.
ولهم مدن كثيرة وبلاد، ولهم كنائس فيها أجراس معلقة يضربونها كالنواقيس.
ومنهم أمة بين الصقالبة والافرنج على دين الصابئين، يقولون بعبادة الكواكب، ولهم عقول وصناعات لطيفة من كل فن، وهم يحاربون الصقالبة وبرجان والترك. ولهم سبعة أعياد في السنة بأسماء الكواكب، وأجلها عندهم عيد الشمس.
ذكر اليونانيين
وأما اليونانيون فهم الروم الأولى من ولد يونان بن يافث بن نوح وهم حكماء الأمم، ولهم النجامة، والحساب، والهندسة، و الطب، وصناعات المنطق، والصناعات اللطيفة، وكل حكم مذكور.
وكانت الأندلس والاسكندرية ومن جاورهم من الأمم يدينون بطاعتهم، إلى أن غلب عليهم رومي بن ديقطون من ولد عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام، لأن عيصو لما فارق أخاه يعقوب سار إلى العدوة القريبة، وهي مساكن الروم اليوم فغلب عليها، وهم الذين بنوا رومية وإليهم تنسب وهم بنو الأصفر.
وكان آخر ملوك اليونانين أيلاوبطره بنت بطليموس صاحب كتاب الحكمة والطلسمات، ثم رجع الملك الى الروم، وقد كان ملك قبلهما منهم كثير.
ومنهم الحكماء الذين تكلموا في علم الفلك والهندسة والطب والحساب والموسيقى والمرائي العجيبة والطلسمات والحيل الروحانية والزيجات وكل حكمة.
وكان أبقراط منهم وأبقراط الثاني وهرمس وسقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس واقليدس وجالينوس وجماعة يطول الكتاب بذكرهم.
ذكر الصين
وقطع قوم من بني عامر بن يافث الى ناحية الصين، وكان زعيمهم قد عمد الى مراكب على حكاية سفينة جده نوح عليه السلام فركب هو وأهله وولده فيها، وقطع البحر إلى الصين، فعمروه وبنوا المدن وعملوا الحكم ودقاق الصناعات ولطيفها، وأثاروا معادن الذهب فيها، وملكوا ثلاثمائة سنة.
وملك بعده ابنه صاني مائتي سنة، وبه سمي الصين، فجعل جسد أبيه في تمثال ذهب، وأقاموا يطوفون به وهو على سرير من ذهب، فصار ذلك رسم كل ملك يملكهم، وصوروا صورهم في هياكلهم، وهم على دين الصابئين ثم عبدوا الذرة بعد ذلك اقتداء بالهند، ومن ذلك عبدوا ملوكهم، وكانوا يجعلون أجسادهم في تماثيل ذهب ويسجدون لها.
ومنهم حكماء تكلموا في الفلك والطب والصنعة وكثير من علوم الهند، وبلد الصين واسع يقال إن فيه ثلاثمائة مدينة ونيفاً عامرة سوى القرى والرساتيق وبها عجائب كثيرة، ومن خرج في البحر قطع سبعة بحار لكل بحر منها ريح ولون سمك ليس لما يليه.
أولهما بحر فارس وملكهم اليوم اليعقوفز وهو في مدينتهم العظمى التي يقال لها انصوا، وبينها وبين خانقوا التي تتراءى لها مراكب التجار ثلاثون يوماً.
ومن سيرتهم أن عمال الملك وأصحاب خراجه وجيوشه خدم، وذلك أن المرأة إذا لم تكن محصنة وأرادت الفجور رفعت أمرها إلى الملك تذكر حالها فيدفع إليها خاتم نحاس من خواتم الملك فجعلته في عنقها ولبست المصبغات، وعملت ما شاءت علانية، وإذا ولدت الذكور خصوا واستعملهم الملك في داره وأعماله وان ولدت أنثى كانت على رسم أمها.
وأهل الصين بيض الى الصفرة فطس، ومن سنتهم أن احدهم اذا تظلم إلى الملك من بعض عماله كشف عن أمره، فان كان صادقاً أنصفه وعاتب ظالمه، وإن كان كاذباً ضرب بالخشبة ضربا شديداً لاجترائه على عمال الملك بالكذب.
ومن سنتهم أنه إذا أراد خادم من خدم الملك شيئا ضرب جرس كبير يدخل الناس دورهم، ويخلون له الطرقا ت لئلا يرونه.
ومن سنتهم ان تقسم المد ينة قسمين، فيكون الملك واهل بيته وعماله وحشمه في القسم الواحد، والعامة والرعية وأسواقهم في النصف الآخر، لا يدخل احد منهم الى ناحية الملك.
ومن سنتهم ان يورثوا الأنثى أكثر من الذكر، ولهم عند حلول الشمس الحمل عيد كبير يأكلون فيه ويشربون سبعة أيام.
واشرف حليهم من قرون الكركند، وهو الموشان، لأنها إذا استوت ظهر فيها صور عجيبة مختلفة فيتخذون منها مناطق تبلغ المنطقة اربعة آلاف مثقال من ذهب.
والذهب عندهم كثير حتى يتخذون منه لجم دوابهم وسلاسل كلابهم، ولهم ثياب الحرير المنسوجة بالذهب.
ذكر الاهتردة
وأما الاهتردة فهم من ولد عامر بن يافث نزلوا بين الروم والافرنج ومملكتهم واسعة، وملكهم جليل القدر ولهم مدن كثيرة وأكثرهم اليوم نصارى، ومنهم من لادين له وهم يحاربون الافرنج والصقالبة الذين يجاورونهم ويطرودونهم، وزيهم زي الروم، ومنهم صنف يحرقون أنفسهم.
ذكر الافرنج
وأما الافرنج فهم ايضاً من ولد يافث ومملكتهم واسعة كبيرة، ولهم ممالك يجمعها ملك واحد ومدينتهم الكبرى يقال لها دريوه، وهم ايضاً نصارى وهم اليوم اربع عشرة قبيلة ووراءهم اجناس اخرى وأكثر اعتدائهم الى الصقالبة، ولهم اتساع مملكة، وهم يحاربون الروم والاهتردة، ومنهم متجر وفيهم نصارى، ومجوس وزنادقة، ومنهم من يحرق نفسه.
مملكةالاندلس
الأندلس اربع وعشرون مدينة يملكهم ملك واحد إلا ان دينهم دين الصابئة، ولهم في ممالكهم أصنام للكواكب ثم انصرفوا عن ذلك وتنصروا وكانت لهم معرفة، وحكم وكان في دار مملكتهم بيت اذا ولي منهم ملك أقفل على بابه قفلا، الى ان ولي ملكهم لذريق ولم يكن من اهل الملك فطلب ان يفتح اقفال ذلك البيت وكانت عدتها اربعة وعشرين قفلاً، فاجتمعوا اليه وسألوه ان لا يفعل وبذلوا له على ذلك جميع ما في أيديهم من الأموال فأبى الا فتحها، فلما رأوا منه الجد تشاءموا به وتركوه، ففتح الأقفال ودخل البيت فوجد فيه صور العرب على الخيل والجمال، وعليهم العمائم الحمر وبأيديهم الرماح الطوال والقس وكتاب فيه " إذا فتح هذا البيت غلب على هذه البلاد قوم على صور هؤلاء "، ففتحت الاندلس في تلك السنة والتي بعدها تولى فتحها طارق بن زياد مولى موسى بن نصير في سنة اثنتين وتسعين ايام الوليد بن عبد الملك، وقتل ملكهم لذريق وسباهم وغنم، ووجد في ذلك البيت مائدة سليمان عليه السلام وكانت من ذهب عليها اطواق جوهر مفصلة، ووجد المرآة العجيبة الغريبة التي ينظر فيها إلى الأقاليم السبعة وهي مدبرة من أخلاط، ووجد فيها آنية سليمان من الذهب، والزبور منسوخاً بخط يوناني جليل بين ورقات ذهب مفصلا بجوهر، ووجد فيه اثنين وعشرين مصحفا محلاة كلها بالذهب منها التوراة وكتابآ آخر محلى بفضة فيه منافع الأشجار والأحجار، وعمل الطلسمات، وكان كتاب فيه عمل الصبغة وأصباغ اليواقيت، ووجد فيه فقاعة كبيرة من حجر مملوءة أكسيد الكيمياء مختومة بالذهب، فحمل ذلك كله إلى الوليد بن عبد الملك.
لما فتحت الأندلس نزلها المسلمون وتفرقوا في مدنها، وتملكوا أكثرها إلى ان صار اليها عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك في سنة ثمان وثلاثين ومائة فغلب عليها وتملكها.
ذكر مملكة البرجان
وأما البرجان فهم من ولد يونان بن يافث وهي مملكة كبيرة واسعة وهم يحاربون الروم والصقالبة والخزر والترك، وأشد الامم حربا لهم الروم.
وبين القسطنطينية وبلاد برجان خمسة عشر يوما، ومملكة برجان مسيرة عشرين يوما، وعلى برجان كله سياج وعليه شبه الشباك من الخشب فهو كالسور على الخندق والقرى دون السياج.
وأهل برجان مجوس، وليس لهم كتاب، ودوابهم التي للحرب راتعة أبدا في مرج لا يركبها أحد منهم إلا في وقت الحرب، وان وجدوا رجلاً قد ركب دابة حربية في غير وقت قتلوه، وإذا خرجوا للحرب اصطفوا صفوفا فجعلوا اصحاب النشاب أمامهم، وجعلوا خلفهم جميع العيال والذرية.
وليس لبرجان دنانير ولا دراهم وإنما تبايعهم وترويجهم بالبقر والغنم، وإذا وقع بينهم وبين الروم الصلح أدت برجان الى الروم جواري وغلمانا من بني الصقالبة ومن شبههم.
وإذا مات لأهل برجان ميت عمدوا الى ما ترك من خدم وحاشية، فجمعوهم وأوصوهم بوصايا وأحرقوهم مع الميت، ويقولون نحرقهم نحن في الدنيا فلا يحرقون في الآخرة.
ولهم ناووس عظيم إذا مات الميت أنزلوه فيه وانزلوا معه امرأته وحشمه فيبقون هناك حتى يموتوا.
ومن سنتهم إذا أذنب عبد أو أخطأ وأراد مولاه أن يضربه انبطح من قبل نفسه ولم يمسكه أحد فيضربه مولاه ما أحب فان قام من غير أن يأذن له مولاه وجب عليه القتل، ومن سنتهم أن يورثوا النساء أكثر من الرجال.
ذكر مملكة الترك
وأما الترك فهم من ولد يافث بن نوح عليه السلام، وهم أجناس كثيرة وهم اصحاب مدن وحصون، ومنهم قوم في رءوس الجبال والبراري، في خيم اللبود، وليس لهم عمل غير الصيد، ومن لم يصد شيئاً ذبح دابته وأخذ دمها وشواه، وهم يأكلون ألرخم والغربان وغيرها. وليس لهم دين، ومنهم من هو على دين المجوسية ومنهم من يتهود.
وملكهم الأكبر خاقان، وله سرير من ذهب وتاج ذهب ومنطقة ذهب ولباسهم الحرير، وقيل ان ملكهم الأعظم لا يكاد يظهر، وإن ظهر لم يقم بين يديه أحد، وفيهم مكر وفيهم حقد، وشدة وبأس.
وللملك عندهم يوم توقد لهم فيه نار عظيمة ويأتي ويقف وهو مطل عليها، ويتكلم بهمهمة فيرتفع منها وهج عظيم، فان كان الى الخضرة كان الغيث والخصب وإن كان إلى البياض كان الجدب، وإن كان الى الحمرة كانت هراقة الدماء، وإن كان الى الصفرة كانت علل ووباء، وإن كان الى السواد دل على موت الملك أوعلى سفر بعيد، فان كان ذلك عجل بالسفر والعودة.
ذكر مملكة الروم
وأما الروم فهم من بني عيصو والروم لقب لهم، فلما صار الأمر الى قسطنطين قال بالنصرانية وجمع الأساقفة على المعمودية ثم تفرقت النصارى بعده على طبقات: البطريق والأسقف والقسيس والشماس والمطران والدمستق صاحب الفرق، وهم يفطرون يوم الأحد اذا صاموا، ويفطرون السبت من الظهر، ولا يتزوج الرجل عندهم الا واحدة ولا يتسرى عليها، ولا يشرب من الخمر حتى يسكر، والسكر عندهم حرام، وتعظيم الأحد عندهم، ولا يرون الاغتسال من الجنابة ولا الوضوء، وإنما عبادتهم بالنية ولا يأخذون القربان، ويقولون هذا لحمك ودمك، يعنون المسيح عيسى عليه السلام، ويعتقدون أنه ليس بلحم ولا خبز وإذا تفرقوا بعد أخذه قتل بعضهم بعضا، ولا يتكلم إذا أخذ القربان حتى يغسل فمه، ويورثون النساء جزئين والرجال جزءا ً، وليس لهم طلاق.
ومن سيرتهم أن لا يلبس أحد منهم خفين أحمرين إلا الملك، فان كان ولي عهد لبس فرداً أحمر وفرداً أسود، ولا يأكل ملكهم إلا على الموسيقى والألحان والغناء، وأكثر طعامهم الكرديانات والمرققات والاستبدناجات والسكباجات.
ولهم الأرغن وفيهم الطب والحكمة وعمل الصناعات والحذق بالصور حتى أنهم ليصورون صورا يظهر عليها الحزن، ويصورون أخرى يظهر عليها الفرح والسرور، ويسمى ملكهم الملك الرحيم، ويظهر العدل والإنصاف وهو ينوح.
ذكر مملكة الفرس
وأما الفرس فهم من ولد يافث بن نوح، والفرس تدفع ذلك ويزعمون أنهم لا يعرفون نوحا ولا الطوفان ولا ولد نوح، ويحسبون ملوكهم من كيومرت الأول وهو آدم.
وزعموا أن الفرس كلها من ولد افريدون الملك، وزعم قوم أن أول ملك في العالم بعد الطوفان أوسبهبد بن نوح بن عامر بن يافث وأنه ملكهم ألف سنة وطلع إلى الفلك. وبعده منوشهر وهذه الطبقة الأولى إلى أن غلب الاسكندر دارا بن دارا ورتب ملوك الطوائف، ثم هلكت الأكاسرة من أل أردشير بن بابك إلى انقضاء ملكهم وقد نسبهم قوم الى سام، وبذلك جاءت الآثار.
وكان دينهم دين الصابئة، ثم تمجسوا وبنوا بيوت النيران، ويقال إنه كان يكسي ملكهم بيوت النيران ويذر فيها كبريتا وزرنيخا فيستوقد من نفسه لا يستعملون الحطب لتلك النار الا أوقية أوقية بثلاثين فضة.
ويقال إن من كان يريد التعبد في تلك البيوت، يقعد على كرسي وبين يديه هاون حجر كبير قد جعل فيه ماء وبيده دستج خشب يضرب به الماء أبدا ويحركه بعنف شديد وقوة واجتهاد كأنه يعذبه لعبادته النار.
وجميع أهل الممالك يعترفون للفرس ويقرون لهم بالرئاسة وحسن التملك وتدبير الحروب ودقيق الألوان وتأليف الطعام والطب واللباس وترتيب الاعمال ووضع الأشياء مواضعها والترتيل والخطابة ووفور العقل وتمام النظافة والشكل وهيبة الملوك، هذا كله لهم فيه السبق.
ومن كتب سيرتهم استعمال من جاء من بعهدهم من رسوم الملك وتدابير الرئاسة، وأمرهم أشهر من أن يستقصى في هذا المكان.
ذكر مملكة خراسان
فاما ملوك خراسان مثل الصغد وغيرهم من قد غلبه والأشروسنية والبرجان وهو اهل الد يلم والجبل واللد والاكراد والشماس، وما وراء النهر فقد كانت لهم ملوك عدة بطارقة اكثرهم كان يعبد النار ويتمجس.
ويقال ان اردشير رأى شيطانه فقال له علمني علما انتفع به، فقال له على أن تنكح أمك فهي أقرب اهلك، ففعل وصار دين المجوسية.
والفرس تزعم أن نكاح الاخوات من وقت آدم، ثم أطلق لهم بعد ذلك زنادقتهم نكاح الام، وقالوا لهم هي أحق اليه من الأخت ففعلوا
وخلف جزيرة الصين أمم عراة ينسق لون شعورهم وأمم لاشعور لهم وأمم حمر الوجوه شقر الشعور، وأمم إذا طلعت الشمس هربوا الى مغارات يأوون اليها من حر الشمس ولا يخرجون منها حتى تدور الشمس الى الوجه الغربي، وأكثر ما يغتذون نباتا يشبه الكمأة وسمك وخشاش الأرض، وتحاذيهم من ناحية الشمال أمم بيض شقر عراة يتناكحون كما تتناكح البهائم، ويجتمع على الواحدة الجماعة، ولايمنع أحد من أنثى لينالها.
ذكر سام بن نوح
واما سام بن نوح عليه السلام فان الله تعالى جعل له الرئاسة والكتب المنزلة والأنبياء، ووصية نوح في ولده سام خاصة دون اخوه، فولد سام، أرفخشذ. وكان عمره أربعمائة سنة وخمساً وستين سنة منه، وولد أرفخشذ شالخ، وولد شالخ عابر، وعاش عابر أربعمائة سنة وثلاثين سنة. وولد عابر قحطان، وولد قحطان فالغ، وولد فالغ يعرب، وقيل إنه أول من تكلم بالعربية، وكانت لغاتهم السريانية،
وولد يعرب سبأ وولد سبأ حمير، وسمي بذلك لأنه كان له تاج، وكان له جوهر أحمر فاذا جلس أضاء على بعد منه، فكان يقال له الملك الأحمر، ثم غير اللفظ فقيل له حمير.
وكهلان بعد حمير بن سبأ ومن كهلان كانت ملوك اليمن من التبابعة والأذوين، ومنهم كان أبرهة والاحابش، والمغاربة والانجاد.والاذواء جماعة غزوا الامم وتجولوا في البلاد، ومنهم إفريقس الذي بلغ آخر المغرب.
ذكر إبراهيم عليه السلام
وأما إبراهيم عليه السلام فولد له اسماعيل عليه السلام، وأمه هاجر القبطية واسحق علية السلام وأمه سارة بنت هارون، وهو من بني حران وكانت حياة إبراهيم عليه السلام مائة وخمسا وسبعين سنة، وكان ملك بابل في وقته النمروذ من ولد كوش بن حام، فلما ان حاجه إبراهيم عليه السلام وكسر الاصنام أضرم الملك له نارا عظيمة وألقاه فيها فجعلها الله تعالى عليه بردا وسلاما، واتت ريح فنسفت النار في وجوه الواقفين مع الملك كذلك.
وخرج إلى حران فآمن به ابن أخته لوط وسارة بنت عمه. وكان خروجه وهو ابن سبع وثلاثين سنة وتزوج سارة بوحي أتاه، وخرج معه ثلاث صحف بالعبرانية وكانت لغته سريانية، وكان في الصحف امثال وتسبيح وتهليل وتحميد، وأمر بالمسير فعبر الفرات وسار إلى مصر وسنذكر قصته في أخبار مصر.
ذكر اسماعيل عليه السلام
وأما اسماعيل عليه السلام فقطن الحرم ونبع له زمزم بامر الله تعالى، ونبأه الله وارسله إلى العماليق وجرهم وقبائل اليمن، فنهاهم عن عبادة الأوثان، فآمنت به طائفة منهم وكفر اكثرهم، وغلب على الحرم وتزوج في خيرهم. وولد له اثنا عشر ولداً ومات وهو ابن مائة سنة وسبع وستين سنة، وأوصى إلى ابنه عدنان بأمر البيت، فدبر امر البيت.
فمن عدنان ولد محمد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وجميع العرب العاربة من ولده.
وذكر آخرون أنه من ولد قيدار بن اسماعيل، واختلفوا في ولد اسماعيل اختلافا كبيرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ بالنسب الى معد بن عدنان، قال: عدنان بن أعراق الثري. ومن اسماعيل وعدنان أمم كثيرة.
يقول أهل الأثر إن نوحاً عليه السلام دعا عليه بتشويه الوجه وسواده، وأن يكون ولده عبيداً لولد سام.
فولد له بعد كنعان كوش، فكان أسود، فهم أن يقتل امرأته فمنعه سام، وذكره دعاء أبيه عليه فغضب، ونزغ الشيطان بين الاخوة وحمل بعضهم على بعض، وكان آخر أمر حام أن هرب الى مصر، وتفرق بنوه، ومضى على وجهه يؤم المغرب حتى انتهى الى الأقصى، الى موضع يعرف اليوم بأصيلا، وهو آخر مرسى تبلغه مراكب البحر من نحو الأندلس إلى ناحية القبلة، وليس بعده للمركب مذهب. فيقال ان بنيه اغتموا لمكانه، وندموا على تركه، فخرجوا على أثره يطلبونه في النواحي التي قصدها، فيقال ان منهم طوائف وقعت عليه، فكانوا معه الى ان مات وقطنوا ذلك البلد وسكنوا به وهم أصناف السودان فكل طائفة من ولده بلغت موضعاً فيطلبه فانقطع خبره عنهم أقاموا بذلك الموضع وتناسلوا فيه، ولم يصل اليه إلا بنوه فقط.
ولما مات حام خرج بعضهم من ذلك الموضع فأقاموا بمكان البربر، وكان عمر حام أربعمائة سنة وإحدى واربعين سنة. ولما مات دفنه بنوه في صخرة منقوبة في جبل أصيلا.
ذكر كنعان ابن حام
هو أكبر ولد حام وهو أول من غير دين نوح عليه السلام، وألقى العداوة بينه وبين بني جده من الجبابرة والكنعانيين الذين كانوا بالشام، ويقال فراعنة مصر منهم، وجالوت منهم الذي قتله داود عليه السلام فهؤلاء العمالقة، لأن العمالقة هم من ولد حام، ومن هؤلاء الكنعانيون الذين قاتلهم موسى عليه السلام، ويوشع بن النون من بعده وهم الذين عنى الله عز وجل بقوله ( ان فيها قوماً جبارين ) وكانت خلقهم عظيمة.
وفيما يقال ان كنعان الأصغر رتبهم في ناحية الشام والجزيرة ومن ولده فوسطن وصبرا ونهما وسمساوس، ومن ولده نبيط، والنبيط هو السواد وقيل سموا بذلك لأنهم استنبطوا الأرض وعمروها وكانوا اصحاب عمارة وتدبير.
ومن ولد سودان بن كنعان امم منهم الأشبان والزنج وأجناس كثيرة تناسلت بالمغرب نحو سبعين جنساً وهم مختلفون في أفعالهم، ولهم ملوك.
ومنهم أجناس يلبسون الجلود وهم عراة، ومنهم من يتزر بالحشيش، ومنهم قوم يعملون لرؤوسهم قرونا من عظام الدواب، وعندهم فأر ابيض يأكلونه ويسمونه منَّ السماء.
ويتزوج الواحد منهم عشرة نسوة يبيت كل ليلة عند اثنتين منهن، فان جامعهن على ما تحب وإلا طلقهن الملك بعد ثالثة.
فاذا أجدبوا وأرادوا ان يستسقوا جمعوا عظاماً فكوموها كالتل، ثم أضرموها بالنار، ودارو حولها ورفعوا ايديهم الى السماء، وتكلموا بكلام فينزل المطر ويسقوا.
فاذا اعرس أحدهم لطخوا وجهه بشيء يشبه الحبر، ثم أجلسوه على تل، وجلسوا على تل واجلسوا المرأة بين يديه وجعلوا قصبا مثل القبة، وستروها بشيء من الحشيش وأقاموا حولها ثلاثة أيام يشربون نبيذ الذرة ويلعبون، ثم ينصرفون ويأخذ الزوج امرأته ويسير بهاالى موضع سكناه.
ويلبسون حلق النحاس في ايديهم وآذان نسائهم، ويحمل اليهم الكرداونية التي تصبغ بالحمرة يلبسونها ولا يلبسها منهم إلا الملك.
ولهم شجرة عظيمة يعملون لها عيدا في كل سنة يجتمعون عندها، يلعبون حولها حتى يسقط عليهم ورقها فيتبركون به ويزينون المرأة بحلق النحاس والودع في شعرها.
ومن ولد سودان الكركر وبهم سميت المملكة، التي هي اعظم ممالك السودان وأجلها قدراً، وكل ملك لهم يعطي ملك الكركر حق الطاعة، وتنسب الى الكركر ممالك كثيرة.
ومملكة عانة وملكها ايضاً عظيم الشأن، ويتصل ببلاد معادن الذهب وبها منهم امم عظيمة، ولهم خط لا يجاوزه من صدر اليهم فاذا وصلوا الى ذلك الخط جعلوا الأمتعة والأكسية عليه وانصرفوا، فيأتون أولئك السودان، ومعهم الذهب فيتركونه عند الأمتعة وينصرفون، ويأتي اصحاب الأمتعة فإن أرضاهم وإلا عادوا ورجعوا فيعود من السودان، فيزيدونهم حتى تتم المبايعة كما يفعل التجار الذين يبتاعون القرنفل من أهله سواء بسواء، وربما رجع التجار بعد زوالهم مختفين فوضعوا النيران في الأرض، فيسيل الذهب فتسرقه التجار. ثم يهربون لأن الأرض كلها ذهب عندهم ومعدن ظاهر، وربما فطنوا لهم فيخرجون في آثارهم، فإن أدركوهم قتلوهم.
وفي صحاريهم معادن الأشبار ثم يكبر حتى يظهر مثل الحصى الظاهر في الرمل وكل ما يحصل للتجار من الذهب يضربونه بمدينة سجلماسة، وهي مدينة كبيرة فيها أربعة جوامع وشارع يسار منه نصف يوم، وفيها نخيل كثير وفيها يضربون الدنانير.
وتحت يد ملك عانة عدة ملوك وممالك كلها فيها الذهب ظاهر على الأرض يستخرجه أهله، ويعملونه مثل اللبن.
ومن الأجناس المشهورة منهم ملك الدهدم، يسار اليها من كركر على شاطئ البحر مغربا من هؤلاء ويحارب بعضهم بعضاً، ويأكلون الناس، ولهم ملك كبير تحت يده ملوك، وفي بلده قلعة عظيمة في صورة امرأة يتأهبون لها ويحجون اليها.
ومملكة الزغاوة واسعة كبيرة، منها على النيل مما يحاذي النوبة، ويحاربون النوبة.
ومملكة توان وهي كبيرة، ويسار فيها يوماً واحداً فيوجد فيها مومياء في ابيار غير انها تتحرك مثل الزئبق، وهذه الآبار في بقعة واحدة مقدارها نصف ميل بنوا عليها حصنًا وهم يستعملون المومياء. ويقال البقعة بمغرا من الصحراء،
وممالك النوبة وهم من ولد نوبا بن قوط بن مصر بن حام لأنهم لما صار جدهم الى مصر مع مصر مات مصر وبقي بنوه فتولى امره بعده قبطم وثبت القبط بمصر، وهو من أولاد قبطم بن مصر.ووجه قبطم اخوته يسعون في البلاد لطلب ممالك وعيش، فخرج نوب بن قوط بأهله وولده وسار على عبر النيل فملكوا هنالك.
ويقال لمدينتهم العظمى دنقله، وبلادهم بلاد نخل وزرع ومقدار اتساعها شهران، وهم نصارى على دين اليعقوبية.
ويكون هؤلاء مملكة النوبة من ناحية الصعيد، وهم أوسع ملكاً وأعظم خطراً وأصفى لوناً، ومسيرة ملكهم ثلاثة أشهر ومدينتهم العظمى يقال لها دخلولة وهم أيضاً نصارى وملكهم جليل، ولهم لباس وأساورة والذهب أيضاً عندهم يظهر على الارض، ولهم أيضاً نخل وكرم وهم أجناس كثيرة ولهم ملوك وبلدهم واسع.
مملكة البجة: وهي تلي النوبة وهي أيضاً ممالك عديدة، وهم بين النيل والبحر وفي كل مملكة ملك، فأول ممالك البجة من حد السودان وهي آخر عمل المسلمين، والمسلمون يعملون عندهم في المعادن ووراء ذلك ممالك ومدن.
وتتصل بهم الحبشة وهم من ولد حبش بن كوش بن حام، وأكبر ممالكهم مملكة النجاشي وهو على دين النصرانية، واسم مدينتهم الكبرى كفر، ولم تزل العرب على قديم الأيام تأتي هذه المملكة للتجارات.
وتتصل بمملكة الحبشة مملكة الزنج، وهم على البحر المالح، ولهم ممالك واسعة، وهم من ولد سودان بن كنعان، ولهم أيضاً ملوك عدة وممالك، واسم ملكهم الأكبر كوخه يكون بموضع يقال له نكد، وهو على البحر، يحدون أسنانهم حتى ترق، وهم كبار الأفواه نظاف الثغور على كثرة أكلهم السمك.
ولهم افيلة يبيعون أنيابها من تجار البلدان التي تقرب منهم، ولهم الجزائر التي يخرج منها الودع ويتحلون به، ويبيعونه، وهم أجناس كثيرة، ولهم ممالك.
وأما الكوكة فهم أمة لهم أربعة أملاك ملكوا الى أيلة الحجاز وبنى كل واحد منهم مدينة سماها باسمه، وجعلوا سائر الأرض خيما، وقسموها على ثلاثين كورة مقسومة على اربعة أعمال لكل عمل ثمانون كورة، ولكل عمل ملك يجلس في مدينة على منبر من ذهب، وفي كل عمل بربا وهو بيت الحكمة، وهيكل لأ حد الكواكب وفيه أصنام ذهب مرتبة له.
وكانت الاسكندرية لهم واسمها راقودة وجعلوا لها خمس عشرة كورة وجعلوا فيها كبار الكهنة ونصبوا في هياكلها من أصناف الذهب أكثر مما في غيرها، وقسموا الصعيد ثمانين كورة على أربعة أقسام.
وكان عدد مدن مصر الداخلة في كورها ثلاثين مدينة فيها جميع العجائب والكور مثل اخميم وقفط وقوص والفيوم.
ذكر يافث بن نوح
وأما ولد يافث بن نوح فقال اصحاب التاريخ ان جميع اللغات اثنان وسبعون لغة منها سبع وثلاثون في ولد يافث: وثلاث وعشرون في ولد حام، واثنتا عشرة في ولد سام، فذكروا ان ولد يافث من ظهره سبعة وثلاثون لكل واحد منهم لغة يتكلم بها هو ونسله.
وكان في قسم ولد يافث أرمينية وما جاوزها إلى الابواء؛ فمنهم الأشبان والروس والبرجمان والخرز والترك والصقالية ويأجوج ومأجوج وفارس ومزنان وأصحاب جزائر البحر والصين والبلغار وأمم لا تحصى.
ذكر يأجوج ومأجوج
فأما يأجوج ومأجوج فانه لا يقدر على استقصاء ذكرهم لكثرة عددهم، وقد زعم ان مقدار ربع الأرض مسيرة مائة وعشرين سنة.
فذكروا ان تسعين منها ليأجوج ومأجوج واثني عشر للسودان، وثمانية للروم، وثلاثة للعرب، وسبعة لبقية الأمم.
وسمى أصحاب التاريخ يأجوج ومأجوج أربعين أمة مختلفي الخلق والقدود، قي كل أمة منها ملك ولهم زي ولغة، فمنهم من طوله الشبر والشبران وأطول من ذلك، ومنهم المشوهون، ومن يفترش إحدى أذنيه ويتغطى بالأخرى، ومن له ذنب وقرن وأنياب بارزة، ومنهم من مشيه وثب ويأكلون الحيتان والناس والخشاش والطير كله والرخم والحدأة، وبعضهم يغير على بعض. ومنهم من لا يتكلم إلا همهمة وفيهم شدة وبأس، وأكثر طعامهم الصيد، وكانوا يغيرون على الأمم التي تليهم ويخربون بلدانهم، حتى عمل ذو القرنين السد وهم يستفتحونه آخر الزمان كما قال الله عز وجل. وربما أكل بعضهم بعضاً، والزلازل عندهم كثيرة، وذكر أن عندهم أمم تعرف المناسك.
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج هل بلغتهم دعوتك، فقال " جزت ليلة أسري بي عليهم فدعوتهم فلم يستجيبوا ".
ذكر الصقالبة
وأما الصقالبة فهم عدة أمم؛ فمنهم النصارى، و من يقولون بالمجوسية ويعبدون الشمس، ولهم بحر حلو يجري من ناحية الشمال إلى الجنوب، ولهم أيضاً بحر يجري من المشرق إلى المغرب حتى يتصل ببحر آخر يجيء من ناحية البلغر، ولهم أنهار كثيرة، وهم كلهم في ناحية الشمال، وليس لهم بحر مالح لأن بلدهم بعيد عن الشمس، فماؤهم حلو وما قرب من الشمس مالح، وما جاوزهم من الشمال لايسكن لبرده وكثرة زلازله، وأكثر قبائلهم مجوس يحرقون أنفسهم بالنار ويتعبدون لها.
ولهم مدن كثيرة وبلاد، ولهم كنائس فيها أجراس معلقة يضربونها كالنواقيس.
ومنهم أمة بين الصقالبة والافرنج على دين الصابئين، يقولون بعبادة الكواكب، ولهم عقول وصناعات لطيفة من كل فن، وهم يحاربون الصقالبة وبرجان والترك. ولهم سبعة أعياد في السنة بأسماء الكواكب، وأجلها عندهم عيد الشمس.
ذكر اليونانيين
وأما اليونانيون فهم الروم الأولى من ولد يونان بن يافث بن نوح وهم حكماء الأمم، ولهم النجامة، والحساب، والهندسة، و الطب، وصناعات المنطق، والصناعات اللطيفة، وكل حكم مذكور.
وكانت الأندلس والاسكندرية ومن جاورهم من الأمم يدينون بطاعتهم، إلى أن غلب عليهم رومي بن ديقطون من ولد عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام، لأن عيصو لما فارق أخاه يعقوب سار إلى العدوة القريبة، وهي مساكن الروم اليوم فغلب عليها، وهم الذين بنوا رومية وإليهم تنسب وهم بنو الأصفر.
وكان آخر ملوك اليونانين أيلاوبطره بنت بطليموس صاحب كتاب الحكمة والطلسمات، ثم رجع الملك الى الروم، وقد كان ملك قبلهما منهم كثير.
ومنهم الحكماء الذين تكلموا في علم الفلك والهندسة والطب والحساب والموسيقى والمرائي العجيبة والطلسمات والحيل الروحانية والزيجات وكل حكمة.
وكان أبقراط منهم وأبقراط الثاني وهرمس وسقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس واقليدس وجالينوس وجماعة يطول الكتاب بذكرهم.
ذكر الصين
وقطع قوم من بني عامر بن يافث الى ناحية الصين، وكان زعيمهم قد عمد الى مراكب على حكاية سفينة جده نوح عليه السلام فركب هو وأهله وولده فيها، وقطع البحر إلى الصين، فعمروه وبنوا المدن وعملوا الحكم ودقاق الصناعات ولطيفها، وأثاروا معادن الذهب فيها، وملكوا ثلاثمائة سنة.
وملك بعده ابنه صاني مائتي سنة، وبه سمي الصين، فجعل جسد أبيه في تمثال ذهب، وأقاموا يطوفون به وهو على سرير من ذهب، فصار ذلك رسم كل ملك يملكهم، وصوروا صورهم في هياكلهم، وهم على دين الصابئين ثم عبدوا الذرة بعد ذلك اقتداء بالهند، ومن ذلك عبدوا ملوكهم، وكانوا يجعلون أجسادهم في تماثيل ذهب ويسجدون لها.
ومنهم حكماء تكلموا في الفلك والطب والصنعة وكثير من علوم الهند، وبلد الصين واسع يقال إن فيه ثلاثمائة مدينة ونيفاً عامرة سوى القرى والرساتيق وبها عجائب كثيرة، ومن خرج في البحر قطع سبعة بحار لكل بحر منها ريح ولون سمك ليس لما يليه.
أولهما بحر فارس وملكهم اليوم اليعقوفز وهو في مدينتهم العظمى التي يقال لها انصوا، وبينها وبين خانقوا التي تتراءى لها مراكب التجار ثلاثون يوماً.
ومن سيرتهم أن عمال الملك وأصحاب خراجه وجيوشه خدم، وذلك أن المرأة إذا لم تكن محصنة وأرادت الفجور رفعت أمرها إلى الملك تذكر حالها فيدفع إليها خاتم نحاس من خواتم الملك فجعلته في عنقها ولبست المصبغات، وعملت ما شاءت علانية، وإذا ولدت الذكور خصوا واستعملهم الملك في داره وأعماله وان ولدت أنثى كانت على رسم أمها.
وأهل الصين بيض الى الصفرة فطس، ومن سنتهم أن احدهم اذا تظلم إلى الملك من بعض عماله كشف عن أمره، فان كان صادقاً أنصفه وعاتب ظالمه، وإن كان كاذباً ضرب بالخشبة ضربا شديداً لاجترائه على عمال الملك بالكذب.
ومن سنتهم أنه إذا أراد خادم من خدم الملك شيئا ضرب جرس كبير يدخل الناس دورهم، ويخلون له الطرقا ت لئلا يرونه.
ومن سنتهم ان تقسم المد ينة قسمين، فيكون الملك واهل بيته وعماله وحشمه في القسم الواحد، والعامة والرعية وأسواقهم في النصف الآخر، لا يدخل احد منهم الى ناحية الملك.
ومن سنتهم ان يورثوا الأنثى أكثر من الذكر، ولهم عند حلول الشمس الحمل عيد كبير يأكلون فيه ويشربون سبعة أيام.
واشرف حليهم من قرون الكركند، وهو الموشان، لأنها إذا استوت ظهر فيها صور عجيبة مختلفة فيتخذون منها مناطق تبلغ المنطقة اربعة آلاف مثقال من ذهب.
والذهب عندهم كثير حتى يتخذون منه لجم دوابهم وسلاسل كلابهم، ولهم ثياب الحرير المنسوجة بالذهب.
ذكر الاهتردة
وأما الاهتردة فهم من ولد عامر بن يافث نزلوا بين الروم والافرنج ومملكتهم واسعة، وملكهم جليل القدر ولهم مدن كثيرة وأكثرهم اليوم نصارى، ومنهم من لادين له وهم يحاربون الافرنج والصقالبة الذين يجاورونهم ويطرودونهم، وزيهم زي الروم، ومنهم صنف يحرقون أنفسهم.
ذكر الافرنج
وأما الافرنج فهم ايضاً من ولد يافث ومملكتهم واسعة كبيرة، ولهم ممالك يجمعها ملك واحد ومدينتهم الكبرى يقال لها دريوه، وهم ايضاً نصارى وهم اليوم اربع عشرة قبيلة ووراءهم اجناس اخرى وأكثر اعتدائهم الى الصقالبة، ولهم اتساع مملكة، وهم يحاربون الروم والاهتردة، ومنهم متجر وفيهم نصارى، ومجوس وزنادقة، ومنهم من يحرق نفسه.
مملكةالاندلس
الأندلس اربع وعشرون مدينة يملكهم ملك واحد إلا ان دينهم دين الصابئة، ولهم في ممالكهم أصنام للكواكب ثم انصرفوا عن ذلك وتنصروا وكانت لهم معرفة، وحكم وكان في دار مملكتهم بيت اذا ولي منهم ملك أقفل على بابه قفلا، الى ان ولي ملكهم لذريق ولم يكن من اهل الملك فطلب ان يفتح اقفال ذلك البيت وكانت عدتها اربعة وعشرين قفلاً، فاجتمعوا اليه وسألوه ان لا يفعل وبذلوا له على ذلك جميع ما في أيديهم من الأموال فأبى الا فتحها، فلما رأوا منه الجد تشاءموا به وتركوه، ففتح الأقفال ودخل البيت فوجد فيه صور العرب على الخيل والجمال، وعليهم العمائم الحمر وبأيديهم الرماح الطوال والقس وكتاب فيه " إذا فتح هذا البيت غلب على هذه البلاد قوم على صور هؤلاء "، ففتحت الاندلس في تلك السنة والتي بعدها تولى فتحها طارق بن زياد مولى موسى بن نصير في سنة اثنتين وتسعين ايام الوليد بن عبد الملك، وقتل ملكهم لذريق وسباهم وغنم، ووجد في ذلك البيت مائدة سليمان عليه السلام وكانت من ذهب عليها اطواق جوهر مفصلة، ووجد المرآة العجيبة الغريبة التي ينظر فيها إلى الأقاليم السبعة وهي مدبرة من أخلاط، ووجد فيها آنية سليمان من الذهب، والزبور منسوخاً بخط يوناني جليل بين ورقات ذهب مفصلا بجوهر، ووجد فيه اثنين وعشرين مصحفا محلاة كلها بالذهب منها التوراة وكتابآ آخر محلى بفضة فيه منافع الأشجار والأحجار، وعمل الطلسمات، وكان كتاب فيه عمل الصبغة وأصباغ اليواقيت، ووجد فيه فقاعة كبيرة من حجر مملوءة أكسيد الكيمياء مختومة بالذهب، فحمل ذلك كله إلى الوليد بن عبد الملك.
لما فتحت الأندلس نزلها المسلمون وتفرقوا في مدنها، وتملكوا أكثرها إلى ان صار اليها عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك في سنة ثمان وثلاثين ومائة فغلب عليها وتملكها.
ذكر مملكة البرجان
وأما البرجان فهم من ولد يونان بن يافث وهي مملكة كبيرة واسعة وهم يحاربون الروم والصقالبة والخزر والترك، وأشد الامم حربا لهم الروم.
وبين القسطنطينية وبلاد برجان خمسة عشر يوما، ومملكة برجان مسيرة عشرين يوما، وعلى برجان كله سياج وعليه شبه الشباك من الخشب فهو كالسور على الخندق والقرى دون السياج.
وأهل برجان مجوس، وليس لهم كتاب، ودوابهم التي للحرب راتعة أبدا في مرج لا يركبها أحد منهم إلا في وقت الحرب، وان وجدوا رجلاً قد ركب دابة حربية في غير وقت قتلوه، وإذا خرجوا للحرب اصطفوا صفوفا فجعلوا اصحاب النشاب أمامهم، وجعلوا خلفهم جميع العيال والذرية.
وليس لبرجان دنانير ولا دراهم وإنما تبايعهم وترويجهم بالبقر والغنم، وإذا وقع بينهم وبين الروم الصلح أدت برجان الى الروم جواري وغلمانا من بني الصقالبة ومن شبههم.
وإذا مات لأهل برجان ميت عمدوا الى ما ترك من خدم وحاشية، فجمعوهم وأوصوهم بوصايا وأحرقوهم مع الميت، ويقولون نحرقهم نحن في الدنيا فلا يحرقون في الآخرة.
ولهم ناووس عظيم إذا مات الميت أنزلوه فيه وانزلوا معه امرأته وحشمه فيبقون هناك حتى يموتوا.
ومن سنتهم إذا أذنب عبد أو أخطأ وأراد مولاه أن يضربه انبطح من قبل نفسه ولم يمسكه أحد فيضربه مولاه ما أحب فان قام من غير أن يأذن له مولاه وجب عليه القتل، ومن سنتهم أن يورثوا النساء أكثر من الرجال.
ذكر مملكة الترك
وأما الترك فهم من ولد يافث بن نوح عليه السلام، وهم أجناس كثيرة وهم اصحاب مدن وحصون، ومنهم قوم في رءوس الجبال والبراري، في خيم اللبود، وليس لهم عمل غير الصيد، ومن لم يصد شيئاً ذبح دابته وأخذ دمها وشواه، وهم يأكلون ألرخم والغربان وغيرها. وليس لهم دين، ومنهم من هو على دين المجوسية ومنهم من يتهود.
وملكهم الأكبر خاقان، وله سرير من ذهب وتاج ذهب ومنطقة ذهب ولباسهم الحرير، وقيل ان ملكهم الأعظم لا يكاد يظهر، وإن ظهر لم يقم بين يديه أحد، وفيهم مكر وفيهم حقد، وشدة وبأس.
وللملك عندهم يوم توقد لهم فيه نار عظيمة ويأتي ويقف وهو مطل عليها، ويتكلم بهمهمة فيرتفع منها وهج عظيم، فان كان الى الخضرة كان الغيث والخصب وإن كان إلى البياض كان الجدب، وإن كان الى الحمرة كانت هراقة الدماء، وإن كان الى الصفرة كانت علل ووباء، وإن كان الى السواد دل على موت الملك أوعلى سفر بعيد، فان كان ذلك عجل بالسفر والعودة.
ذكر مملكة الروم
وأما الروم فهم من بني عيصو والروم لقب لهم، فلما صار الأمر الى قسطنطين قال بالنصرانية وجمع الأساقفة على المعمودية ثم تفرقت النصارى بعده على طبقات: البطريق والأسقف والقسيس والشماس والمطران والدمستق صاحب الفرق، وهم يفطرون يوم الأحد اذا صاموا، ويفطرون السبت من الظهر، ولا يتزوج الرجل عندهم الا واحدة ولا يتسرى عليها، ولا يشرب من الخمر حتى يسكر، والسكر عندهم حرام، وتعظيم الأحد عندهم، ولا يرون الاغتسال من الجنابة ولا الوضوء، وإنما عبادتهم بالنية ولا يأخذون القربان، ويقولون هذا لحمك ودمك، يعنون المسيح عيسى عليه السلام، ويعتقدون أنه ليس بلحم ولا خبز وإذا تفرقوا بعد أخذه قتل بعضهم بعضا، ولا يتكلم إذا أخذ القربان حتى يغسل فمه، ويورثون النساء جزئين والرجال جزءا ً، وليس لهم طلاق.
ومن سيرتهم أن لا يلبس أحد منهم خفين أحمرين إلا الملك، فان كان ولي عهد لبس فرداً أحمر وفرداً أسود، ولا يأكل ملكهم إلا على الموسيقى والألحان والغناء، وأكثر طعامهم الكرديانات والمرققات والاستبدناجات والسكباجات.
ولهم الأرغن وفيهم الطب والحكمة وعمل الصناعات والحذق بالصور حتى أنهم ليصورون صورا يظهر عليها الحزن، ويصورون أخرى يظهر عليها الفرح والسرور، ويسمى ملكهم الملك الرحيم، ويظهر العدل والإنصاف وهو ينوح.
ذكر مملكة الفرس
وأما الفرس فهم من ولد يافث بن نوح، والفرس تدفع ذلك ويزعمون أنهم لا يعرفون نوحا ولا الطوفان ولا ولد نوح، ويحسبون ملوكهم من كيومرت الأول وهو آدم.
وزعموا أن الفرس كلها من ولد افريدون الملك، وزعم قوم أن أول ملك في العالم بعد الطوفان أوسبهبد بن نوح بن عامر بن يافث وأنه ملكهم ألف سنة وطلع إلى الفلك. وبعده منوشهر وهذه الطبقة الأولى إلى أن غلب الاسكندر دارا بن دارا ورتب ملوك الطوائف، ثم هلكت الأكاسرة من أل أردشير بن بابك إلى انقضاء ملكهم وقد نسبهم قوم الى سام، وبذلك جاءت الآثار.
وكان دينهم دين الصابئة، ثم تمجسوا وبنوا بيوت النيران، ويقال إنه كان يكسي ملكهم بيوت النيران ويذر فيها كبريتا وزرنيخا فيستوقد من نفسه لا يستعملون الحطب لتلك النار الا أوقية أوقية بثلاثين فضة.
ويقال إن من كان يريد التعبد في تلك البيوت، يقعد على كرسي وبين يديه هاون حجر كبير قد جعل فيه ماء وبيده دستج خشب يضرب به الماء أبدا ويحركه بعنف شديد وقوة واجتهاد كأنه يعذبه لعبادته النار.
وجميع أهل الممالك يعترفون للفرس ويقرون لهم بالرئاسة وحسن التملك وتدبير الحروب ودقيق الألوان وتأليف الطعام والطب واللباس وترتيب الاعمال ووضع الأشياء مواضعها والترتيل والخطابة ووفور العقل وتمام النظافة والشكل وهيبة الملوك، هذا كله لهم فيه السبق.
ومن كتب سيرتهم استعمال من جاء من بعهدهم من رسوم الملك وتدابير الرئاسة، وأمرهم أشهر من أن يستقصى في هذا المكان.
ذكر مملكة خراسان
فاما ملوك خراسان مثل الصغد وغيرهم من قد غلبه والأشروسنية والبرجان وهو اهل الد يلم والجبل واللد والاكراد والشماس، وما وراء النهر فقد كانت لهم ملوك عدة بطارقة اكثرهم كان يعبد النار ويتمجس.
ويقال ان اردشير رأى شيطانه فقال له علمني علما انتفع به، فقال له على أن تنكح أمك فهي أقرب اهلك، ففعل وصار دين المجوسية.
والفرس تزعم أن نكاح الاخوات من وقت آدم، ثم أطلق لهم بعد ذلك زنادقتهم نكاح الام، وقالوا لهم هي أحق اليه من الأخت ففعلوا
وخلف جزيرة الصين أمم عراة ينسق لون شعورهم وأمم لاشعور لهم وأمم حمر الوجوه شقر الشعور، وأمم إذا طلعت الشمس هربوا الى مغارات يأوون اليها من حر الشمس ولا يخرجون منها حتى تدور الشمس الى الوجه الغربي، وأكثر ما يغتذون نباتا يشبه الكمأة وسمك وخشاش الأرض، وتحاذيهم من ناحية الشمال أمم بيض شقر عراة يتناكحون كما تتناكح البهائم، ويجتمع على الواحدة الجماعة، ولايمنع أحد من أنثى لينالها.
ذكر سام بن نوح
واما سام بن نوح عليه السلام فان الله تعالى جعل له الرئاسة والكتب المنزلة والأنبياء، ووصية نوح في ولده سام خاصة دون اخوه، فولد سام، أرفخشذ. وكان عمره أربعمائة سنة وخمساً وستين سنة منه، وولد أرفخشذ شالخ، وولد شالخ عابر، وعاش عابر أربعمائة سنة وثلاثين سنة. وولد عابر قحطان، وولد قحطان فالغ، وولد فالغ يعرب، وقيل إنه أول من تكلم بالعربية، وكانت لغاتهم السريانية،
وولد يعرب سبأ وولد سبأ حمير، وسمي بذلك لأنه كان له تاج، وكان له جوهر أحمر فاذا جلس أضاء على بعد منه، فكان يقال له الملك الأحمر، ثم غير اللفظ فقيل له حمير.
وكهلان بعد حمير بن سبأ ومن كهلان كانت ملوك اليمن من التبابعة والأذوين، ومنهم كان أبرهة والاحابش، والمغاربة والانجاد.والاذواء جماعة غزوا الامم وتجولوا في البلاد، ومنهم إفريقس الذي بلغ آخر المغرب.
ذكر إبراهيم عليه السلام
وأما إبراهيم عليه السلام فولد له اسماعيل عليه السلام، وأمه هاجر القبطية واسحق علية السلام وأمه سارة بنت هارون، وهو من بني حران وكانت حياة إبراهيم عليه السلام مائة وخمسا وسبعين سنة، وكان ملك بابل في وقته النمروذ من ولد كوش بن حام، فلما ان حاجه إبراهيم عليه السلام وكسر الاصنام أضرم الملك له نارا عظيمة وألقاه فيها فجعلها الله تعالى عليه بردا وسلاما، واتت ريح فنسفت النار في وجوه الواقفين مع الملك كذلك.
وخرج إلى حران فآمن به ابن أخته لوط وسارة بنت عمه. وكان خروجه وهو ابن سبع وثلاثين سنة وتزوج سارة بوحي أتاه، وخرج معه ثلاث صحف بالعبرانية وكانت لغته سريانية، وكان في الصحف امثال وتسبيح وتهليل وتحميد، وأمر بالمسير فعبر الفرات وسار إلى مصر وسنذكر قصته في أخبار مصر.
ذكر اسماعيل عليه السلام
وأما اسماعيل عليه السلام فقطن الحرم ونبع له زمزم بامر الله تعالى، ونبأه الله وارسله إلى العماليق وجرهم وقبائل اليمن، فنهاهم عن عبادة الأوثان، فآمنت به طائفة منهم وكفر اكثرهم، وغلب على الحرم وتزوج في خيرهم. وولد له اثنا عشر ولداً ومات وهو ابن مائة سنة وسبع وستين سنة، وأوصى إلى ابنه عدنان بأمر البيت، فدبر امر البيت.
فمن عدنان ولد محمد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وجميع العرب العاربة من ولده.
وذكر آخرون أنه من ولد قيدار بن اسماعيل، واختلفوا في ولد اسماعيل اختلافا كبيرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ بالنسب الى معد بن عدنان، قال: عدنان بن أعراق الثري. ومن اسماعيل وعدنان أمم كثيرة.