بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
تحفة المودود بأحكام المولود
الباب التاسع : في ختان المولود وأحكامه
● [ تمهيد ] ●
الباب التاسع : في ختان المولود وأحكامه وفيه أربعة عشر فصلا
1 - الفصل الأول في معنى الختان واشتقاقه ومسماه
2 - الفصل الثاني في ختان ابراهيم الخليل والأنبياء من بعده
3 - الفصل الثالث في مشروعيته وأنه من أصل الفطرة
4 - الفصل الرابع في اختلاف أهل العلم في وجوبه
5 - الفصل الخامس في وقت الوجوب
6 - الفصل السادس في اختلافهم في الختان في السابع من الولادة هل هو مكروه أم لا وحجة الفريقين
7 - الفصل السابع في أحكام الختان وفوائده
8 - الفصل الثامن في بيان القدر الذي يؤخذ في الختان
9 - الفصل التاسع في أن حكمه يعم الذكر والأنثى
10 - الفصل العاشر في حكم جناية الخاتن وسراية الجناية
11 - الفصل الحادي عشر في أحكام الأقلف في طهارته وصلاته وإمامته وذبيمته وشهادته
12 - الفصل الثاني عشر في المسقطات لوجوبه
13 - الفصل الثالث عشر في ختان نبينا محمد والاختلاف فيه هل ولد مختونا أو ختن بعد الولادة ومتى ختن
14 - الفصل الرابع عشر في حكمه التي لأجلها يبعث الناس يوم القيامة غرلا غير مختونين
● [ الفصل الأول ] ●
في بيان معناه واشتقاقه
في بيان معناه واشتقاقه
الختان اسم لفعل الخاتن وهو مصدر كالنزال والقتال ويسمى به موضع الختن أيضا ومنه الحديث إذا التقى الختانان وجب الغسل ويسمى في حق الأنثى خفضا يقال ختنت الغلام ختنا وخفضت الجارية خفضا ويسمى في الذكر إعذارا أيضا وغير المعذور يسمى أغلف وأقلف وقد يقال الإعذار لهما أيضا قال في الصحاح قال أبو عبيدة عذرت الجارية والغلام أعذرهما عذرا ختنتهما وكذلك أعذرتهما قال والأكثر حفضت الجارية والقلفة والغرلة هي الجلدة التي تقطع قال وتزعم العرب أن الغلام إذا ولد في القمر فسنمت قلفته فصار كالمختون فختان الرجل هو الحرف المستدير على أسفل الحشفة وهو الذي ترتبت الأحكام على تغييبه في الفرج فيترتب عليه أكثر من ثلاثمائة حكم وقد جمعها بعضهم فبلغت أربعمائة إلا ثمانية أحكام وأما ختان المرأة فهي جلدة كعرف الديك فوق الفرج فإذا غابت الحشفة في الفرج حاذى ختانه ختانها فإذا تحاذيا فقد التقيا كما يقال التقى الفارسان إذا تحاذيا وإن لم يتضاما والمقصود أن الختان اسم للمحل وهي الجلدة التي تبقى بعد القطع واسم للفعل وهو فعل الخاتن ونظير هذا السواك فإنه اسم للآلة التي يستاك بها وقد يطلق الختان على الدعوة إلى وليمته كما تطلق العقيقة على ذلك أيضا
● [ الفصل الثاني ] ●
في ذكر ختان إبراهيم الخليل والأنبياء بعده
صلى الله عليهم أجميعن
في ذكر ختان إبراهيم الخليل والأنبياء بعده
صلى الله عليهم أجميعن
في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم قال البخاري القدوم مخففة وهو اسم موضع وقال المروزي سئل أبو عبد الله هل ختن إبراهيم عليه السلام نفسه بقدوم قال بطرف القدوم وقال أبو داود وعبد الله بن أحمد وحرب إنهم سألوا أحمد عن قوله اختتن بالقدوم قال هو موضع وقال غيره هو اسم للآلة واحتج بقول الشاعر فقلت أعيروني القدوم لعلني . أخط به قبرا لأبيض ماجد
وقالت طائفة من رواه مخففا فهو اسم الموضع ومن رواه مثقلا فهو اسم الآلة وقد رويت قصة ختان الخليل بألفاظ يوهم بعضها التعارض ولا تعارض فيها بحمد الله ونحن نذكرها ففي صحيح البخاري من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم وفي لفظ اختتن إبراهيم بعد ثمانين سنة بالقدوم مخففة وفي حديث يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة مثله وقال يحيى والقدوم الفأس وقال النضر بن شميل قطعه بالقدوم فقيل له يقولون قدوم قرية بالشام فلم يعرفه وثبت على قوله قال الجوهري القدوم الذي ينحت به مخفف قال ابن السكيت ولا تقل قدوم بالتشديد قال والقدوم أيضا اسم موضع مخفف والصحيح أن القدوم في الحديث الآلة لما رواه البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا أبو عبد الرحمن المقري حدثنا موسى بن علي قال سمعت أبي يقول إن إبراهيم الخليل أمر أن يختن وهو ابن ثمانين سنة فعجل فاختتن بقدوم فاشتد عليه الوجع فدعا ربه فأوحى الله إليه إنك عجلت قبل أن نأمرك بالآلة قال يا رب كرهت أن أؤخر أمرك قال وختن إسماعيل وهو ابن ثلاث عشرة سنة وختن إسحاق وهو ابن سبعة أيام وقال حنبل حدثنا عاصم حدثنا أبو أويس قال حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي قال إبراهيم أول من اختتن وهو ابن مائة وعشرين سنة اختتن بالقدوم ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة ولكن هذا حديث معلول رواه يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قوله ومع هذا فهو من رواية أبي أويس عبد الله ابن عبد الله المدني وقد روى له مسلم في صحيحه محتجا به وروى له أهل السنن الأربعة وقال أبو داود وهو صالح الحديث واختلفت الرواية فيه عن ابن معين فروى عنه الدوري في حديثه ضعف وروى عنه توثيقه ولكن المغيرة بن عبد الرحمن وشعيب بن أبي حمزة وغيرهما رووا عن أبي الزناد خلاف ما رواه أبو أويس وهو ما رواه أصحاب الصحيح أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة وهذا أولى بالصواب وهو يدل على ضعف المرفوع والموقوف وقد أجاب بعضهم بأن قال الروايتان صحيحتان ووجه الجمع بين الحديثين يعرف من مدة حياة الخليل فإنه عاش مائتي سنة منها ثمانون غير مختون ومنها عشرون ومائة سنة مختونا فقوله اختتن لثمانين سنة مضت من عمره والحديث الثاني اختتن لمائة وعشرين سنة بقيت من عمره في هذا الجمع نظر لا يخفى فإنه قال أول من اختتن إبراهيم وهو ابن مائة وعشرين سنة ولم يقل اختتن لمائة وعشرين سنة وقد ذكرنا رواية يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة موقوفا عليه أنه اختتن وهو ابن مائة وعشرين سنة والرواية الصحيحة المرفوعة عن أبي هريرة تخالف هذا على أن الوليد بن مسلم قد قال أخبرني الأوزاعي عن يحيى ابن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة يرفعه قال اختتن إبراهيم وهو ابن عشرين ومائة سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة وهذا حديث معلول فقد رواه جعفر بن عون وعكرمة بن إبراهيم عن يحيى بن سعيد عن أبي هريرة قوله والمرفوع الصحيح أولى منه والوليد بن مسلم معروف بالتدليس قال هيثم بن خارجة قلت للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث الأوزاعي قال كيف قلت تروي عن الأوزاعي عن نافع وعن الأوزاعي عن الزهري وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي وبينه وبين الزهري إبراهيم بن ميسرة وقرة وغيرهما فما يحملك على هذا قال أنبل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء قلت فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء وهؤلاء ضعاف أصحاب أحاديث مناكير فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات ضعفت الأوزاعي فلم يلتفت إلى قولي وقال أبو مسهر كان الوليد بن مسلم يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم وقال الدارقطني الوليد بن مسلم يروي عن الأوزاعي أحاديث هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل نافع وعطاء والزهري فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن عطاء وقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله كان الوليد رفاعا وفي رواية المروزي هو كثير الخطأ وقد روى هذا الحديث من غير هذا الطريق من نسخة نبيط بن شريط عن النبي أول من أضاف الضيف إبراهيم وأول من لبس السراويل إبراهيم وأول من اختتن إبراهيم بالقدوم وهو ابن عشرين ومائة سنة وهذه النسخة ضعفها أئمة الحديث وبالجملة فهذا الحديث ضعيف معلول لا يعارض ما ثبت في الصحيح ولا يصح تأويله بما ذكره هذا القائل لوجوه أحدها أن لفظه لا يصلح له فإنه قال اختتن وهو ابن عشرين ومائه سنة الثاني أنه قال ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة الثالث أن الذي يحتمله على تفسير واستكراه قوله اختتن لمائة وعشرين سنة ويكون المراد بقيت من عمره لا مضت والمعروف في مثل هذا الاستعمال إنما هو إذا كان الباقي أقل من الماضي فإن المشهور من استعمال العرب في خلت وبقيت أنه من أول الشهر إلى نصفه يقال خلت وخلون ومن نصفه إلى آخره بقيت وبقين فقوله لمائة وعشرين بقيت من عمره مثل أن يقال لاثنتين وعشرين ليلة بقيت من الشهر وهذا لا يسوغ وبالله التوفيق والختان كان من الخصال التي ابتلى الله سبحانه بها إبراهيم خليله فأتمهن وأكملهن فجعله إماما للناس وقد روى أنه أول من اختتن كما تقدم والذي في الصحيح اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة واستمر الختان بعده في الرسل وأتباعهم حتى في المسيح فأنه اختتن والنصارى تقر بذلك ولا تجحده كما تقر بأنه حرم لحم الخنزير وحرم كسب السبت وصلى إلى الصخرة ولم يصم خمسين يوما وهو الصيام الذي يسمونه الصوم الكبير وفي جامع الترمذي ومسند الإمام أحمد من حديث أبي أيوب قال قال رسول الله أربع من سنن المرسلين الحياء والتعطر والسواك والنكاح قال الترمذي هذا حديث حسن غريب واختلف في ضبطه فقال بعضهم الحياء بالياء والمد وقال بعضهم الحناء بالنون وسمعت شيخنا أبا الحجاج الحافظ المزي يقول وكلاهما غلط وإنما هو الختان فوقعت النون في الهامش فذهبت فاختلف في اللفظة قال وكذلك رواه المحاملي عن الشيخ الذي روى عنه الترمذي بعينه فقال الختان قال وهذا أولى من الحياء والحناء فإن الحياء خلق والحناء ليس من السنن ولا ذكره النبي في خصال الفطرة ولا ندب أليه بخلاف الختان
فصل في ختان الرجل نفسه بيده
قال المروزي سئل أبو عبد الله عن الرجل يختن نفسه فقال إن قوي وقال الخلال أخبرني عبد الكريم بن الهيثم قال سمعت أبا عبد الله وسئل عن الرجل يختن نفسه قال إن قوي على ذلك قال وأخبرني محمد بن هارون أن إسحاق حدثهم أن أبا عبد الله سئل عن المرأة يدخل عليها زوجها لم تختتن يجب عليها الختان فقال الختان سنة حسنة وذكر نحو مسألة المروزي في ختان نفسها قيل له فإن قويت على ذلك قال ما أحسنه وسئل عن الرجل يختن نفسه قال إذا قوي عليه فهو حسن وهي سنة حسنة
● [ الفصل الثالث ] ●
في مشروعيته وأنه من خصال الفطرة
في مشروعيته وأنه من خصال الفطرة
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط فجعل الختان رأس خصال الفطرة وإنما كانت هذه الخصال من الفطرة لأن الفطرة هي الحنيفية ملة إبراهيم وهذه الخصال أمر بها إبراهيم وهي من الكلمات التي ابتلاه ربه بهن كما ذكر عبد الرزاق عن معمر عن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في هذه الآية قال ابتلاه بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد خمس في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الأظافر وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء والفطرة فطرتان فطرة تتعلق بالقلب وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على ما سواه وفطرة عملية وهي هذه الخصال فالأولى تزكي الروح وتطهر القلب والثانية تطهر البدن وكل منهما تمد الأخرى وتقويها وكان رأس فطرة البدن الختان لما سنذكره في الفصل السابع إن شاء الله وفي مسند الإمام أحمد من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه قال قال رسول الله من الفطرة أو الفطرة المضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك وتقليم الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط والاستحداد والاختتان والانتضاح وقد اشتركت خصال الفطرة في الطهارة والنظافة وأخذ الفضلات المستقذرة التي يألفها الشيطان ويجاورها من بني آدم وله بالغرلة اتصال واختصاص ستقف عليه في الفصل السابع إن شاء الله وقال غير واحد من السلف من صلى وحج واختتن فهو حنيف فالحج والختان شعار الحنيفة وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها قال الراعي يخاطب أبا بكر رضي الله عنه
أخليفة الرحمن إنا معشر . حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
عرب نرى لله في أموالنا . حق الزكاة منزلا تنزيلا
● [ الفصل الرابع ] ●
في الاختلاف في وجوبه واستحبابه
في الاختلاف في وجوبه واستحبابه