بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة السيرة والتاريخ
تاريخ الخلفاء للسيوطيي
الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما
● [ نسبه و فضله وحب الرسول إياه ] ●
الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أبو محمد سبط رسول الله صلى الله عليه و سلم و ريحانته و آخر الخلفاء بنصه
أخرج ابن سعد عن عمران بن سليمان قال : الحسن و الحسين أسمان من أسماء أهل الجنة ما سمت العرب بهما في الجاهلية
ولد الحسن رضي الله عنه في نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة و روي له عن النبي صلى الله عليه و سلم أحاديث و روت عنه عائشة رضي الله عنها و خلائق من التابعين : منهم ابنه الحسن و أبو الحوراء ربيعة بن سنان و الشعبي و أبو وائل و ابن سيرين و كان شبيها للنبي صلى الله عليه و سلم سماه النبي صلى الله عليه و سلم الحسن و عق عنه يوم سابعه و حلق شعره و أمر أن يتصدق بزنة شعره فضة و هو خامس أهل الكساء
قال العسكري : لم يكن هذا الاسم يعرف في الجاهلية
و قال المفضل : إن الله حجب اسم الحسن و الحسين حتى سمى بهما النبي صلى الله عليه و سلم ابنيه و أخرج البخاري عن أنس قال : لم يكن أحد أشبه النبي صلى الله عليه و سلم من الحسن بن علي
و أخرج الشيخان عن البراء قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و الحسن على عاتقه و هو ينظر إلى الناس مرة و إليه مرة يقول : [ إن ابني هذا سيد و لعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ]
و أخرج البخاري [ عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : هما ريحانتاي من الدنيا ] يعني الحسن و الحسين
و أخرج الترمذي و الحاكم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ]
و أخرج الترمذي عن أسامة بن زيد قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم و الحسن و الحسين على وركيه فقال : [ هذان ابناي و ابنا ابنتي اللهم إني احبهما فأحبهما و أحب من يحبهما ]
و أخرج [ عن أنس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم : أي أهل بيتك أحب إليك ؟ قال : الحسن و الحسين ] و أخرج الحاكم [ عن ابن عباس قال : أقبل النبي صلى الله عليه و سلم و قد حمل الحسن على رقبته فلقيه رجل فقال : نعم المركب ركبت يا غلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و نعم الراكب هو ]
و أخرج ابن سعد عن عبد الله بن الزبير قال : أشبه أهل النبي صلى الله عليه و سلم به و أحبهم إليه الحسن بن علي رأيته يجيء و هو ساجد فيركب رقبته ـ أو قال : ظهره ـ فلما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل و لقد رأته و هو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر
و أخرج ابن سعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : كان رسول الله يدلع لسانه للحسن بن علي فإذا رأى الصبي حمرة اللسان يهش إليه
و أخرج الحاكم [ عن زهير بن الأرقم قال : قام الحسن بن علي يخطب فقام رجل من أزد شنوءة فقال : أشهد لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم واضعه في حبوته و هو يقول : من أحبني فليحبه و ليبلغ الشاهد الغائب ] و لولا كرامة رسول الله صلى الله عليه و سلم ما حدثت به أحدا
و كان الحسن رضي الله عنه له مناقب كثيرة سيدا حليما ذا سكينة و وقار و حشمة جوادا ممدوحا يكره الفتن و السيف تزوج كثيرا و كان يجيز الرجل الواحد بمائة ألف
و أخرج الحاكم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : حج الحسن خمسا و عشرين حجة ماشيا و إن النجائب لتقاد معه
و أخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال : ما تكلم عندي أحد كان أحب إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي و ما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة فإنه كان بين الحسن و عمرو بن عثمان خصومة في أرض فعرض الحسن أمرا لم يرضه عمرو فقال الحسن : فليس له عندنا إلا ما رغم أنفه قال : فهذه أشد كلمة فحش سمعتها منه
و أخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال : كان مروان أميرا علينا فكان يسب عليا كل جمعة على المنبر و حسن يسمع فلا يرد شيئا ثم أرسل إليه رجلا يقول له : بعلي و بعلي و بعلي و بك و بك و ما وجدت إلا مثل البغلة يقال لها : من أبوك ؟ فتقول : أمي الفرس فقال له الحسن : ارجع إليه فقل له : إني و الله لا أمحو عنك شيئا مما قلت بأن أسبك و لكن موعدي و موعدك الله فإن كنت صادقا جزاك الله بصدقك و إن كنت كاذبا فالله أشد نقمة
و أخرج ابن سعد عن زريق بن سوار قال : كان بين الحسن و بين مروان كلام فأقبل عليه مروان فجعل يغلظ له ـ و الحسن ساكت ـ فامتخط مروان بيمينه فقال له الحسن : ويحك ! أما علمت أن اليمين للوجه و الشمال للفرج ؟ أف لك ! فسكت مروان
و أخرج ابن سعد عن أشعث بن سوار عن رجل قال : جلس رجل إلى الحسن فقال : إنك جلست إلينا على حين قيام منا أفتأذن ؟
و أخرج ابن سعد عن علي بن زيد بن جدعان قال : أخرج الحسن من ماله لله مرتين و قاسم الله ماله ثلاث مرات حتى إنه كان يعطي نعلا و يمسك نعلا و يعطي خفا و يمسك خفا
و أخرج ابن سعد عن علي بن الحسين : قال : كان الحسن مطلاقا للنساء و كان لا يفارق امرأة إلا و هي تحبه و أحصن تسعين امرأة
و أخرج ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : كان الحسن يتزوج و يطلق حتى خشيت أن يورثنا عداوة في القبائل
و أخرج ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : قال علي : يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق فقال رجل من همدان : و الله انزوجنه فما رضي امسك و ما كره طلق
و أخرج ابن سعد عن عبد الله بن حسن قال : كان حسن رجلا كثير نكاح النساء و كن قلما يحظين عنده و كان قل امرأة تزوجها إلا أحبته و صبت إليه
و أخرج ابن عساكر عن جويرية بن أسماء قال : لما مات الحسن بكى مروان في جنازته فقال له الحسين : أتبكيه و قد كنت تجرعه ما تجرعه ؟ فقال : إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا و أشار بيده إلى الجبل
و أخرج ابن عساكر عن المبرد قال : قيل للحسن بن علي : إن أبا ذر يقول : الفقر أحب إلي من الغنى و السقم أحب إلي من الصحة فقال : رحم الله أبا ذر أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختارها الله له و هذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء
● [ خلافته و تنازله عنها ] ●
40هـ ـ 41 هـولي الحسن رضي الله عنه الخلافة بعد قتل أبيه بمبايعته أهل الكوفة فأقام فيها ستة أشهر وأياما ثم سار إليه معاوية ـ و الأمر إلى الله ـ فأرسل إليه الحسن يبذل له تسليم الأمر إليه على أن تكون له الخلافة من بعده و على أن لا يطالب أحدا من أهل المدينة و الحجاز و العراق بشيء مما كان أيام أبيه و على أن يقضي عنه ديونه فأجابه معاوية إلى ما طلب فاصطلحا على ذلك فظهرت المعجزة النبوية في قوله صلى الله عليه و سلم : [ يصلح الله به بين فئتين من المسلمين ] و نزل له عن الخلافة و قد استدل البلقيني بنزوله عن الخلافة ـ التي هي أعظم المناصب ـ على جواز النزول عن الوظائف و كان نزوله عنها في سنة إحدى و أربعين في شهر ربيع الأول ـ و قيل : الآخر و قيل : في جمادى الأولى ـ فكان أصحابه يقولون له : يا عار المؤمنين فيقول : العار خير من النار و قال له رجل : السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال : لست بمذل المؤمنين و لكني كرهت أن أقتلكم على الملك
ثم ارتحل الحسن عن الكوفة إلى المدينة فأقام بها
و أخرج الحاكم عن جبير بن نفير قال : قلت للحسن : إن الناس يقولون : إنك تريد الخلافة فقال : قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت و يسالمون من سالمت فتركتها ابتغاء وجه الله و حقن دماء أمة محمد صلى الله عليه و سلم ثم أبتزها باتياس أهل الحجاز
توفي الحسن رضي الله عنه بالمدينة مسموما سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس دس إليها يزيد بن معاوية أن تسمه فيتزوجها ففعلت فلما مات الحسن بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها فقال : إنا لم نرضك للحسن أفنرضاك لنفسنا ؟ و كانت وفاته سنة تسع و أربعين و قيل : في خامس ربيع الأول سنة خمسين و قيل : سنة إحدى و خمسين و جهد به أخوه أن يخبره بمن سقاه فلم يخبره و قال : الله أشد نقمة إن كان الذي أظن و إلا فلا يقتل بي و الله بريء
و أخرج ابن سعد عن عمران بن عبد الله بن طلحة قال : رأى الحسن كأن بين عينيه مكتوبا { قل هو الله أحد } فاستبشر به أهل بيته فقصوها على سعيد بن المسيب فقال : إن صدقت رؤياه فقل ما بقي من أجله فما بقي إلا أيام حتى مات
و أخرج البيهقي و ابن عساكر عن طريق ابن المنذر هشام بن محمد عن أبيه قال : أضاق الحسن بن علي و كان عطاؤه في كل سنة مائة ألف فحسبها عنه معاوية في إحدى السنين فأضاق إضاقة شديدة قال : فدعوت بدواة لكتب إلى معاوية لأذكره نفسي ثم أمسكت فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام فقال : كيف أنت يا حسن ؟ فقلت : بخير يا أبت و شكوت إليه تأخر المال عني فقال : أدعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكره ذلك ؟ فقلت : نعم يا رسول الله فكيف أصنع ؟ فقال : قل : اللهم اقذف في قلبي رجاءك و اقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجوا أحدا غيرك اللهم و ما ضعفت عنه قوتي و قصر عنه عملي و لم تنته إليه رغبتي و لم تبلغه مسألتي و لم يجر على لساني مما أعطيت أحدا من الأولين و الآخرين من اليقين فخصني به يارب العالمين قال : فو الله ما ألححت به أسبوعا حتى بعث إلى معاوية بألف ألف و خمسمائة ألف فقلت : الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره و لا يخيب من دعاه فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقال : يا حسن كيف أنت ؟ فقلت : بخير يا رسول الله و حدثته بحديثي فقال : يا بني هكذا من رجا الخالق و لم يرج المخلوق
● [ وفاته ] ●و في الطيوريات عن سليم بن عيسى قارىء أهل الكوفة قال : لما حضرت الحسن الوفاة جزع فقال له الحسين : يا أخي ما هذا الجزع ؟ إنك ترد على رسول الله صلى الله عليه و سلم و على علي و هما أبواك و على خديجة و فاطمة و هما أماك و على القاسم و الطاهر و هما خلاك و على حمزة و جعفر و هما عماك فقال له الحسن أي أخي إني داخل في أمر من أمر الله تعالى لم أدخل في مثله و أرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط
قال ابن عبد البر : و روينا من و جوه أنه لما احتضر قال لأخيه : يا أخي إن أباك استشرف لهذا الأمر فصرفه الله عنه و وليها أبو بكر ثم استشرف لها و صرفت عنه إلى عمر ثم لم يشك و قت الشورى أنها لا تعدوه فصرفت عنه إلى عثمان فلما قتل عثمان بويع علي ثم نوزع حتى جرد السيف فما صفت له و إني و الله ما أرى أن يجمع الله فينا النبوة و الخلافة فلا أعرفن ما استخلفك سفهاء الكوفة فأخرجوك و قد كنت طلبت من عائشة رضي الله عنها أن أدفن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : نعم فإذا مت فاطلب ذلك إليها و ما أظن القوم إلا سيمنعوك فإن فعلوا فلا تراجعهم فلما مات أتى الحسين إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت : نعم و كرامة فمنعهم مروان فلبس الحسين و من معه السلاح حتى رده أبو هريرة ثم دفن بالبقيع إلى جنب أمه رضي الله عنها
40هـ ـ 41 هـ