بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم مكتبة الأسرة الثقافية كتاب : عيوب النفس ● [ وصية الشيخ أبي عبد الرحمن السلمي ] ●
هذه وصية الشيخ أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمى رحمة الله تعالى عليه آمين آمين بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أوصيكم يا أخي أحسن الله توفيقكم ونفسي تقوى الله كفاك كل هم وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا قال تعالى ) ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ( وقال تعالى ) ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ( وأوصيك بإيثار طاعة الله تعالى واجتناب مخالفته والإقبال بالكلية عليه والرجوع في كل هم ونائبة إليه وترك الركون إلى الخلق والاعتماد عليهم وإياك والرجوع إليهم في كل شيء من أسبابك بل يكون رجوعك إلى الله اعتمادك وتوكلك عليه فإن الله تعالى يقول ) ومن يتوكل على الله فهو حسبه ( واعلم أن الخلق كلهم عاجزون ومدبرون ومن عجز عن نفع نفسه كيف يقدر على نفع غيره ولذلك قال بعض السلف استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون وانظر ألا يشغلك عن الله تعالى أهل ولا مال ولا ولد فتخسر عمرك قال الله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ( ويقربك إلى الله تعالى ذكره بقراءة كتابه والتدبر والتفكر والتفهم فيما خاطبك به من أوامره ونواهيه فتمتثل لأوامره وتنزجر عن نواهيه صحبة الأخيار وترك الأشرار واتبع سنة النبي {صلى الله عليه وسلم} في كل أفعالك وأقوالك وجميع أسبابك وأحوالك وإياك ومخالفة السنة فيما دق وجل فإن الله تعالى يقول ) فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ( وقال تعالى ) وإن تطيعوه تهتدوا ( واقتدوا بسير السلف الصالح من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وابدأ في ذلك بنفسك فإن الله يقول مخبرا عن شعيب عليه السلام ) وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ( وأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام ( يا عيسى عظ نفسك فإن اتعظت وإلا فاستحى مني ) عود نفسك صحبة الأخيار والتباعد عن صحبة الأشرار فإنه روى عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال من تشبه بقوم فهو منهم ) وقال ( من أحب قوما فهو منهم ) وقال ( المرء مع من احب ) وقال ( لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ) وقال أبو تراب النخشبيى صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار عدم الدخول على السلاطين وإياك والدخول على السلاطين ووطء بساطهم ومحلهم والتقرب إليهم فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( إياك والدخول عليهم فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولم يرد على الحوض ومن يدخل عليهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد على الحوض ) وإن اضطررت إلى ذلك فلا تحرمهم النصيحة وأمرهم بالمعروف وانهاهم عن المنكر فإنه روى عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال ( أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه عدم ازدراء نعم الله وأقلل من الدخول على المترفهين أبناء الدنيا فإن الدخول عليهم والنظر في زينتهم يصغر في عينك عظيم نعم الله عليك فإن الله تعالى يقول لنبيه عليه السلام ) ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ( وقال النبي {صلى الله عليه وسلم} ( انظر إلى من هو دونك ولا تنظر إلى من هو فوقك فإنه أجدر ألا تزدرى نعم الله عليك ) ولا تهتم بشيء من الدنيا فإنه عن يحيى بن معاذ أنه قال الدنيا عدم لا تساوي غم ساعة فكيف بغم طول عمرك فيها مع قليل نصيب منها طالب نفسك بما هو أولى وطالب نفسك في كل وقت بما هو أولى بك في ذلك الوقت فإن سهل ابن عبد الله قال وقتك أعز الأشياء عليك فاشغله بأعز الأشياء وقال بعضهم وأعز شيء لك قلبك ووقتك منيعتهما جميعا واترك مالا يعنيك من الأفعال والأقوال والحركات والسعي فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه عليك بالإخلاص والزم الإخلاص في جميع أفعالك وطاعتك وتصرفاتك لأن الله تعالى يقول ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ( وروى عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال ( أخلص العمل يكفيك القليل منه ) وطالب نفسك بالصدق في إخلاصك وفي جميع تصرفاتك فإن كل حال خلا من الصدق فهو هباء قال الله تعالى ) من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( وقال النبي {صلى الله عليه وسلم} ( الصدق يهدي إلى البر أكثر من الاستغفار وداوم التفكر فيما سبق منك من المخالفات فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} كان دائم التفكر متواصل الأحزان وتفكر في تفكيرك ما ارتكبته من المخالفات والذنوب فجدد لك وخذ بالتذكر ندما وتوبة واستغفارا فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( الندم توبة ) وقال عليه السلام ( من اكثر الاستغفار جعل الله له من كل غم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ) وقال عليه السلام ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له إياك وحب الدنيا وأقلل من مخالطة أبناء الدنيا فإنهم يحملوك على طلبها والكثر منها والاشتغال بها عن الله تعالى والله تعالى قد نهاك عنها وعرفك حالها بقوله تعالى ) اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ( الأية وعليك بصحبة الزهاد في الدنيا ومخالطة الصالحين والراغبين في الآخرة والتاركين حظوظهم عن هذه الدنيا الفانية طلبا بذلك رضي الله عنه والدار الآخرة فإن الله تعالى أخبر عن الفريقين فقال ) من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ( جعل عاقبة طالبي الدنيا من أي وجه كأن المحبين لها والراغبين فيها نار جهنم خالدين فيها وجعل عاقبة طالبي الآخرة والساعين لها سعيا مشكورا والسعي هو حسن الإقبال على الله والقيام بين يديه والرغبة فيما عنده فشكر الله لهم سعيهم وبلغهم أفضل مطالبهم ومرادهم وهو مجاورته والنظر إليه قال تعالى ) إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ( وقال تعالى ) وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ( وقلل من الدنيا ما أمكنك إلا مقدار الكفاية منها فإنها تشغلك عن طاعة ربك قال النبي {صلى الله عليه وسلم} ( يكفيك منها ما سد جوعتك ووارى عورتك وإن كان بيتا يواريك كفاك فلق الخبز وماء الجر وما فوق الإزار حساب عليك عليك بطاعة الوالدين وصلة الأرحام ) وأطع والديك فإن الله تعالى قرن حقهما بحقه فقال تعالى ) أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ( وسئل النبي {صلى الله عليه وسلم} ( من أبر قال أمك قيل ثم من قال أمك قيل ثم من قال أمك قيل ثم من قال أباك ثم الأقرب فالأقرب ) وصل رحمك فان صلة الرحم تزيد في العمر وقطيعة الرحم من الكبائر، فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} يقول ( الرحم شجنة من الرحمن يقول الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته ) واحسن خلقك لإخوانك وأصحابك وخدامك ومن ولاك الله أمره فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن ( أحسن خلقك للناس يا معاذ ابن جبل ) وقال عليه السلام ( أثقل ما يوضع في الميزان خلق حسن فضل إحسان الجوار وأكرم جيرانك وأحسن إليهم فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( أحسن جوار من جاورك تكن مسلما ) وقال ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) وأعن من يستعين بك فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه المسلم ) واقبل عذر من اعتذر إليك صادقا كان أو كاذبا فإن الله تعالى مدح نبيه يوسف عليه السلام بقبول عذر إخوته بقوله ) لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ( وروى عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال ( من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل عذره كان عليه مثل ذنب صاحب مكس تعلم كيف تعامل الكبير والصغير ولا تهتك عن مسلم سترا فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته في الدنيا والآخرة ) وقابل القطيعة بالصلة والإساءة بالإحسان والظلم بالصبر والغفران فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( صل من قطعك واعف عمن ظلمك وأحسن إلى من أساء إليك ) واجتنب الحسد في أمور الدنيا فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( لا تحاسدوا ) وعظم الأكابر وارحم الأصاغر لقوله {صلى الله عليه وسلم} ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا ) الزم الحياء والزم الحياء فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( الحياء من الإيمان ) وقال ( الحياء خير كله ) وتواضع للفقراء ولن لهم وارفق بهم فإن الله تعالى عاتب فيهم نبيه عليه السلام فقال تعالى ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ( وتكبر على الأغنياء فإن سفيان الثوري قال التكبر على الأغنياء يوصل الحقوق إلى أربابها ومستحقيها أو غنيا يكون مستغنيا بربه لا شيء من عروض الدنيا فإنه روى عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال ( الغني الشاكر له مثل أجر الفقير الصابر ) وشاور أمورك الذين يخشون ربهم بالغيب ومن يتق الله بدينه وأمانته فإن الله تعالى قال لنبيه عليه السلام ) وشاورهم في الأمر ( وإذا صح عزمك بعد المشورة فتوكل على الله وحده واقطع شركك عن الخلق فإن الله تعالى يقول ) فإذا عزمت فتوكل على الله ( والتوكل هو أن تكل أمورك بالكلية إلى الله سبحانه وتعالى وترضى بحسن اختياره لك وليكفيك تدبيره فيك عليك بالرفق وتودد إلى إخوانك وأصحابك بالاصطناع إليهم والرفق بهم فإنه روى عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال ( اصنع المعروف إلى من هو أهله وإلى من ليس هو أهله فان لم يكن أهله كنت أهله ) وقال عليه السلام ( ما دخل الرفق في شيء إلا زانه ولا دخل الخرق في شيء إلا شانه ) وعود لسانك الصدق والنطق بالخير والقول به فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ) وأخذ أبو بكر الصديق رضى الله عنه بلسان نفسه ينصحه وجعل يقول هذا الذي أوردني الموارد أنصف الخلق من نفسك وصن نفسك وسمعك عن الاستماع إلى الكذب والغيبة والبهتان والفضول فإن الله تعالى يقول ) إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ( وقال عليه السلام ( المستمع شريك القائل ) وانصف الخلق من نفسك ولا تطالبهم بالإنصاف فإنه روى عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال ( أشرف الأعمال ذكر الله عز وجل وإنصاف الخلق من نفسك ) وأدمن التوبة في كل وقت مع نفسك فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( إني لأتوب إلى الله في اليوم مائة مرة عليك بذكر الله واجتنب أكل الحرام والشبهات وطعام الفساق والقعود على موائدهم خصوصا مال السلطان وعماله فإن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ( كل لحم نبت من السحت فالنار أولى به ) ونهى النبي {صلى الله عليه وسلم} عن الإجابة إلى طعام الفاسقين وراقب الله تعالى في خلواتك وأفعالك وأحوالك فإن الله تعالى يقول ) إن الله كان عليكم رقيبا ( وداوم على ذكر الله فإنك تستجلب بذكرك له قال الله تعالى ) فاذكروني أذكركم ( وقال عليه السلام يقول الله تعالى من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين النصح لكل مسلم واقلل الضحك فإنه روى عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال ( كثرة الضحك تميت القلب ) وقرب أجلك وبعد أملك فإنه عون لك على الخيرات وحكي عن الجنيد أنه قال من كان في طرفي فهو فان والله تعالى يقول ) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ( الآية والنبي عليه السلام رسم خطين وقال ( هذا ابن آدم وهذا أجله وثم أجله ) وأكثر نصيحة الخلق فإن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال بايعت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} على النصح لكل مسلم واعلم أنك لا تصل إلى شيء مما ذكرته لك إلا بتوفيق الله سبحانه و تعالى خاتمة وصية الشيخ عليه رحمة الله وداوم المجاهدة وأكل الحلال وغض البصر عن الحرام والشبهات وحفظ اللسان عن الخنا ومراقبة القلب ومراعاة السر والشفقة على الخلق والنصيحة لهم وكثرة الالتجاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يرزقك هذه المقامات واتهام النفس وسوء الظن بها وحسن الظن بالخلق والتحبب إلى أولياء الله سبحانه وتعالى بالمحبة لهم والإحسان إلى الفقراء وما يجرى مجرى هذه الأخلاق الجميلة واعلم يا أخي أكرمك الله بطاعته أني أوصيك بما أوصيك به ولا يعلم أحد أشد تضييعا لها مني وأقرب الخلق إلى محل الشقاوة من يعظ ولا يتعظ ويرضى بالخير وإني أسأل الله تعالى ذكره أن يزيل عنا غطاء الغفلة ويهتك عنا حجب الظنون فأوصيك ولاك الله برعايته أن تدعو لي بالتوبة أوقاتك لعل الله تعالى يكرمني فيها بمنه أنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والحمد لله رب العالمين آمين
● [ بحمد الله تعالى تم الكتاب ] ●
كتاب : عيوب النفس المؤلف : محمد بن الحسين بن موسى السلمي منتديات الرسالة الخاتمة - البوابة