من طرف كراكيب الأربعاء 26 أغسطس 2015 - 7:23
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
من فتاوى دار الإفتاء لمدة مائة عام
الباب: من أحكام الزكاة وما يتعلق بها.
رقم الفتوى : ( 1141)
الموضوع :
دفع الزكاة لمشروع انشاء معهد أمراض الكبد.
المفتى:
فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق. 3 ذو الحجة 1400 هجرية.
المبادئ :
1 - الدعوة إلى التداوى واضحة صريحة فى السنة النبوية الشريفة.
2- عجز موارد كثير من الناس عن مواجهة نفقات العلاج المتخصص يوجب على المجتمع أن يتساند ويتكافل.
3- الزكاة مفروضة فى أموال الأغنياء لتعود إلى الفقراء. ومصارفها محددة فى قوله تعالى { إنما الصدقات } الآية.
4- يجوز للمسلمين دفع جزء من زكاة أموالهم للمعاونة فى إقامة المعاهد العلمية التى تعين على الدراسة واستحداث الوسائل للعلاج ومكافحة الأمراض.
سُئل :
بالطلب المقدم من مجلس إدارة مشروع إنشاء معهد أمراض الكبد، المطلوب به بيان ما إذا كان يجوز شرعا دفع الزكاة أو جزء منها لهذا المشروع أم لا يجوز. وبعد الاطلاع على الكتيب الذى حوى فكرة المشروع، وتقدير تكاليف إنشائه وضرورته بسبب انتشار أمراض الكبد انتشارا كبيرا فى مصر وباقى الأقطار العربية، وفى مراحل العمر المختلفة. وأن الجمعية القائمة على المشروع قد تم شهرها وتسجيلها فى 9/12/1979 برقم 2681 بالشئون الاجتماعية جنوب القاهرة. وأن المعهد سيلحق به مستشفى لعلاج القادرين بأجر فى حدود نسبة معينة من المرضى، وذلك كمورد لتشغيل المعهد ومؤسساته بالإضافة إلى الموارد الأخرى المبينة بالكتيب.
أجاب :
إن فقهاء المسلمين قد استنبطوا من القرآن الكريم والسنة الشريفة أن لأحكام الشريعة الإسلامية مقاصد ضرورية كانت هى الغاية من تشريعاتها وقد أطلقوا عليها الضروريات الخمس هى حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال. ومن أوضح الأدلة فى القرآن على الأمر بحفظ النفس قول الله سبحانه { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } البقرة 195 ، وقوله { ولا تقتلوا أنفسكم } النساء 29 ، وفى السنة الشريفة الدعوة الواضحة الصريحة إلى التداوى. فقد روى أحمد عن أسامة بن شريك قال جاء أعرابى. فقال يا رسول الله ألا نتداوى قال نعم. فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله،وفى لفظ قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى قال نعم. عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء، إلا داء واحدا. قالوا يا رسول الله وما هو. قال الهرم. رواه ابن ماجه وأبو داود والترمذى وصححه ( ج - 8 منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار لابن تيمية وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ص 200 فى باب الطب ) وفى سنن ابن ماجه ( ج- 1 ص 41 مع حاشية المندى ) عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير ). وقوة المؤمن فى عقيدته وفى بدنه وفى كل شىء يحتاج إلى العزم والعزيمة والمجالدة. ومن هذه النصوص - من القرآن والسنة - نرى أن الإسلام قد حث الناس على المحافظة على أنفسهم صحيحة قوية قادرة على أداء واجبات الدين والدنيا. وإذا كان التداوى من المرض مطلوبا ليشفى المريض، ويصير عضوا نافعا فى مجتمعه الإسلامى والإنسانى. وإذا كانت أمراض الحضارة قد انتشرت واستشرت، تقوض بناء الإنسان بعد أن تسرى فى دمائه وأوصاله. وإذا كان العلم الذى علمه الله الإنسان، قد وقف محاربا لهذه الأمراض والأوبئة فى صورة معاهد ومستشفيات متخصصة فى نوعيات من المرض فى بعض أعضاء الإنسان. وإذا كان الكثيرون من الناس قد تعجز مواردهم عن مواجهة نفقات العلاج المتخصص. إذا كان كل ذلك وجب على المجتمع أن يتساند ويتكافل، كما هو فرض الإسلام، وكما تدعو إليه غريزة حب البقاء مع النقاء والتكافل والتعاون بين الناس فى درء المفاسد والأمراض يدعو إليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى سائره بالحمى والسهر ) ( من حديث النعمان بن بشير رضى الله عنه متفق عليه ). وإذا كانت الزكاة قد فرضها الله فى أموال الأغنياء لتعود إلى الفقراء، فإنه لم يترك أمر صرفها وتوزيعها دون تحديد، وإنما بينها فى قوله تعالى { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } التوبة 60 ، وها نحن نجد أن أول الأصناف المستحقين للزكاة بترتيب الله سبحانه الفقراء، وتحديد معنى الفقر وإن تناقش فيه الفقهاء وتنوعت أقوالهم، كما تنوع الرأى فى حد العطاء، ولكنا هنا سنأخذ الفقير والمسكين. بمعنى صاحب الحاجة التى لابد منها ولا يستطيع الحصول عليها. ومن ثم ينبغى أن تكون من الحاجات تيسير سبل العلاج إذا مرض الفقير أو المسكين، هو أو أحد أفراد أسرته الذين تلزمهم نفقته، ولا يترك المريض الفقير أو المسكين للمرض يفترسه ويقضى عليه، لأن تركه على هذه الحال وإلى هذا المآل، قتل للنفس وإلقاء باليد إلى التهلكة، وذلك محرم طبعا وشرعا بالآيات الكريمة، وبالأحاديث الشريفة، ومنها ما سبق التنويه عنه. وإذا أمعنا النظر فى باقى مصارف الصدقات نجد منها { وفى سبيل الله }. وقد تحدث المفسرون والفقهاء فى بيان هذا الصنف، واختلفت أقوالهم فى مداه. والذى أستخلصه وأميل للإخذ به أن سبيل الله ينصرف - والله أعلم - إلى المصالح العامة التى عليها وبها قوام أمر الدين والدولة والتى لا ملك فيها لأحد، ولا يختص بالانتفاع بها شخص محدد، وإنما ينتفع بها خلق الله، فهى ملك لله سبحانه، ومن ثم يدخل فى نطاقها إعداد المعاهد والمستشفيات الصحية التى يلجأ إليها المرضى، والإنفاق عليها ودوام تشغيلها وإمدادها بالجديد من الأدوات والأدوية وكل ما يسفر عنه العلم من وسائل. وهذا المعنى هو مؤدى ما قال به الإمام ( ج- 4 ص 464 ) الرازى فى تفسيره من أن ظاهر اللفظ فى قوله تعالى { وفى سبيل الله } لا يوجب القصر على كل الغزاة، ثم قال نقل القفال فى تفسيره عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد. لأن قوله { وفى سبيل الله } عام فى الكل، وبهذا قال غير الرازى أيضا ( محاسن التأويل للقاسمى ج- 7 ص 3181 وتفسير المنار لرشيد رضا ج - 20 ص 585 و 587 ) ولا مراء فى أن هذه وجوه عامة لا تعتبر تكرارا للأصناف المحددة قبلا فى آية المصارف ( الآية 60 من سورة التوبة ) وإذ كان ذلك وكان من أهداف إنشاء المعهد والمستشفى المسئول عنهما إيجاد مكان لدراسة نوع خطير من الأمراض وعلاجه بالمتابعة العلمية، ويمتد إلى علاج الفقراء الذين تعجز مواردهم عن تحمل نفقات العلاج المتخصص، أصبح إنشاؤه ومستلزماته وتوابعه من المصالح العامة التى تدخل فى وجوه الخير التى ليست موجهة لفرد بذاته وإنما لعمل عام، بالإضافة إلى توافر صفة الفقر أو المسكنة فيمن ينتفعون بالعلاج فيه بالمجان فى الأعم الأغلب. لما كان ذلك يجوز للمسلمين الذين وجب فى أموالهم حق للسائل والمحروم، أن يدفعوا جزءا من زكاة هذه الأموال للمعاونة فى إقامة المعاهد العلمية التى تعين على الدرس واستحداث الوسائل والأدوية الناجعة للعلاج ومكافحة الأمراض، والإرشاد إلى طرق الوقاية منها، لأن فى سلامة البدن قوة للمسلمين. والمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير. وهذا متى كانت غايته دفع شرور الأمراض عن المسلمين ولاسيما الفقراء والمساكين منهم. والله سبحانه وتعالى أعلم..