بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
أالأذكياء لابن الجوزي
مقدمة المؤلف
الحمد لله الذي أحلنا محلة الفهم وحلانا حلية العلم وملكنا عقال العقل وزيننا بنطق المنطق ونعوذ به من كدر صفاء الفكر وعكر ذهن الذهن وصلى الله على المبعوث بجوامع الكلم إلى أعقل الأمم وعلى جميع أتباعه والسائرين في منهاج أتباعه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد فإن أجل الأشياء موهبة العقل فإنه الآلة في تحصيل معرفة الإله وبه تضبط المصالح وتلحظ العواقب وتدرك الغوامض وتجمع الفضائل ولما كان العقلاء يتفاوتون في موهبة العقل ويتباينون في تحصيل ما يتقنه من التجارب والعلم أحببت أن اجمع كتاباً في أخبار الأذكياء الذين قويت فطنتهم وتوقد ذكاؤهم لقوة جوهرية عقولهم وفي ذلك ثلاثة أغراض أحدها معرفة أقدارهم بذكر أحوالهم والثاني تلقيح الباب السامعين إذا كان فيهم نوع استعداد لنيل تلك المرتبة وقد ثبت أن رؤية العاقل ومخالطته تفيد ذا اللب فسماع أخباره تقوم مقام رؤيته كما قال الرضى:
فاتني أن أرى الديار بطرفي ● فلعلي أعي الديار بسمعي
وقد أنبأنا جماعة من أشياخنا قالوا أخبرنا مضر بن محمد قال سعت يحيى بن أكثم يقول سمعت المأمون يقول لإبراهيم لا شيء أطيب من النظر في عقول الرجال. والثالث تأديب المعجب برأيه إذا سمع أخبار من تعسر عليه لحاقه والله الموفق.
باب في ذكر تراجم أبواب الكتاب
وهي ثلاثة وثلاثون بابا الباب الأول في ذكر فضل العقل الباب الثاني في ذكر ماهية العقل ومحله الباب الثالث في بيان معنى الذهن والفهم والذكاء الباب الرابع في ذكر العلامات التي يستدل بها على ذكاء الذكي الباب الخامس في سياق المنقول عن الأنبياء المتقدمين مما يدل على قوة الفطنة الباب السادس في سياق المنقول من ذلك عن الأمم السالفة الباب السابع في سياق المنقول من ذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم الباب الثامن في سياق المنقول من ذلك عن أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام الباب التاسع في سياق المنقول من ذلك عن الخلفاء الباب العاشر في سياق المنقول من ذلك عن الوزراء الباب الحادي عشر في سياق المنقول من ذلك عن السلاطين والأمراء والحجاب والشرطة الباب الثاني عشر في سياق المنقول من ذلك عن القضاة الباب الثالث عشر في سياق المنقول من ذلك عن كبار علماء هذه الأمة وفقهائها الباب الرابع عشر في سياق المنقول من ذلك عن العباد والزهاد الباب الخامس عشر في سياق المنقول من ذلك عن العرب وعلماء العربية الباب السادس عشر في ذكر من احتال بذكائه لبلوغ غرض الباب السابع عشر فيمن احتال فانعكس عليه مقصوده الباب الثامن عشر فيمن وقع في آفة فتخلص بالحيلة منها الباب التاسع عشر في ذكر من استعمل بذكائه المعاريض الباب العشرون في ذكر من فلج على خصمه بالجواب المسكت الباب الحادي والعشرون فيمن غلب من العوام بذكائه كبار الرؤساء الباب الثاني والعشرون في أقوال وأفعال صدرت من أوساط الناس وعوامهم تدل على قوة الذكاء الباب الثالث والعشرون في طرف من أحوال الشعراء والمداحين الباب الخامس والعشرون في طرف من حيل المحاربين الباب السادس والعشرون في طرف من فطن المتطببين الباب السابع والعشرون في طرف من فطن المتطفلين الباب الثامن والعشرون في طرف من فطن المتلصصين الباب التاسع والعشرون في طرف من أخبار فطناء الصبيان الباب الثلاثون في طرف من فطن عقلاء المجانين الباب الحادي والثلاثون في طرف من أخبار النساء المتفطنات الباب الثاني والثلاثون فيما ذكر عن الحيوان البهيم مما يشبه ذكاء الآدميين الباب الثالث والثلاثون في ذكر ما ضربته العرب والحكماء مثلاً على ألسنة الحيوان.
الباب الأول
في ذكر فضل العقل
في ذكر فضل العقل
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد والقزاز قالا أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال أنا محمد بن أحمد بن رزق قال حدثنا جعفر بن محمد الخلدي قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا داود بن المجبر قال حدثنا عباد بن كثير عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أنه دخل على عائشة فقال يا أم المؤمنين أرأيت الرجل يقل قيامه ويكثر رقاده على عائشة فقال يا أم المؤمنين أرأيت الرجل يقل قيامه ويكثر رقاده وآخر يكثر قيامه ويقل رقاده أيهما أحب إليك قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني عنه فقال أحسنهما عقلا، قلت يا رسول الله أسألك عن عبادتهما فقال يا عائشة إنما يسئلان عن عقولهما فمن كان أعقل كان أفضل في الدنيا والآخرة. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب قال أخبرنا أبو أحمد الحسين بن علي النيسابوري قال حدثنا محمد بن المسيب قال حدثنا موسى بن سليمان قال حدثنا بقية قال حدثنا عبد الله ابن عمرو عن اسحق بن عبد الله بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجبوا بإسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة عقله. أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف قال أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الملك بن بشر قال أخبرنا علي بن عمر الدار قطنى قال حدثنا القاضي أبو طاهر محمد بن أحمد بن نصر قال حدثنا جعفر الفيريابي قال حدثنا أبو مروان هشام بن خالد الأزرق قال حدثنا الحسن بن يحيى الخشني عن أبي عبد الله مولى بني أمية عن أبي صالح عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أول شيء خلقه الله القلم ثم خلق النور وهي الدواة ثم قال هل أكتب قال وما أكتب قال اكتب ما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ثم خلق العقل وقال وعزتي لأكملنك فيمن أحببت ولأنقصنك ممن أبغضت.
● أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أخبرنا ابن المبارك بن عبد الجبار قال أخبرنا أحمد بن الحرث قال حدثنا جدي محمد بن عبد الكريم قال حدثنا الهيثم ابن عدي قال حدثنا الأعمش عن عمر وبن مرة عن عبد الرحمن بن سابط عن ابن عباس قال لما خلق الله العقل قال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل قال وعزتي ما خلقت خلقاً قط أحسن منك فبك أعطي وبك آخذ وبك أعاقب.
● أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا أحمد بن أحمد الحداد قال أنبأنا أبو نعمي أحمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن أحمد بن علي قال حدثنا الرث عن أبي أسامة قال حدثنا داود بن المجبر قال حدثنا عباد كثير عن إدريس عن وهب بن منبه قال إني وجدت فيما انزل الله على أنبيائه أن الشيطان لم يكابد شيئاً أشد عليه من مؤمن عاقل وأنه يكابد مائة جاهل فيستجرهم حتى يركب رقابهم فينقادون له حيث شاء ويكابد المؤمن العاقل فيتصعب عليه حتى لا ينال منه شيئاً من حاجته وقال وهب لإزالة الجبل صخرة صخرة وحجراً حجراً أيسر على الشيطان من مكايدة المؤمن العاقل لأنه إذا كان مؤمناً عاقلاً ذا بصيرة فهو أثقل على الشيطان من الجبال وأصعب من الحديد وأنه ليزاوله بكل حيلة فإذا لم يقدر أن يستنزله قال يا ويله ماله ولهذا لا طاقة له بهذا ويرفضه ويتحول إلى الجاهل فيستأتسره ويتمكن من قياده حتى يسلمه إلى الفضائح التي يتعجلها في عاجل الدنيا كالجلد والرجم والحلق وتسخيم الوجوه والقطع والصلب وإن الرجلين ليستويان في أعمال البر ويكون بينهما كما بين المشرق والمغرب أو أبعد إذا كان أحدهما أعقل من الآخر.
● أنبأنا يحيى بن ثابت عن بندار قال أخبرنا أبي قال أخبرنا أبي على بن دوما قال أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرنا الحسن بن علي القطان قال أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار قال أنبأنا اسحق بن بشر القرشي قال أخبرنا إدريس عن جده وهب بن منبه أن لقمان عليه السلام قال لابنه يا بني اعقل عن الله عز وجل فإن أعقل الناس عن الله عز وجل أحسنهم عملاً وإن الشيطان ليفر من العاقل وما يستطيع أن يكابده يا بني ما عبد الله بشيء أفضل من العقل.
● أخبرنا محمد بن أبي القاسم قال أخبرنا أحمد بن أحمد قال أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا عبدي الله بن محمد العيشي قال حدثنا وهيب قال أخبرنا الجريري عن أبي العلاء عن طرف أنه قال ما أوتي عبد بعد الإيمان أفضل من العقل.
● أخبرنا محمد قال أخبرنا أحمد قال أخبرنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا علي قال حدثنا محمد بن الحسن بن الطفيل قال حدثنا محمد بن أبي السرى قال حدثنا داود عن خليد بن دعلج قال سمعت معاوية بن قرة يقول إن القوم ليحجون ويعتمرون ويجاهدون ويصلون ويصومون وما يعطون يوم القيامة إلا على قدر عقولهم.أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أخبرنا صاعد بن سيار قال أخبرنا أحمد بن سهل الفروجي قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحفاظ إجازة قال أخبرنا الحسن بن أحمد الفقيه قال أخبرنا عبد الله بن ضريس عن أبي زكريا قال إن الرجل ليتلذذ في الجنة بقدر عقله.
الباب الثاني
في ذكر ماهية العقل ومحله
في ذكر ماهية العقل ومحله
نقل إبراهيم الحربي عن أحمد بن حنبل أنه قال العقل غريزة ومثله عن الحرب المحاسبي. وروى عن المحاسبي أيضاً أنه قال هو نور وقال آخرون هو قوة يفصل بها بين حقائق المعلومات وقال قوم هو نوع من العلوم الضرورية وهو العلم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات وقال آخرون هو جوهر بسيط وقال آخرون هو جسم شفاف وسئل إعرابي عن العقل فقال لب اغتنمته بتجريب واعلم أن التحقيق في هذا أن يقال هنا الاسم أعنى العقل ينطلق بالاشتراك على أربعة معان أحدها الوصف الذي يفارق به الإنسان البهائم وهو الذي استعد لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية وهو الذي أراده من قال غريزة وكأنه نور يقذف في القلب يستعذبه لإدراك الأشياء والثاني ما وضع في الطباع من العلم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات والثالث علوم تستفاد من التجارب تسمى عقلاً والرابع أن منتهى قوته الغريزية إلى أن نقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة والناس يتفاوتون في هذه الأحوال إلا في القسم الثاني الذي هو العلم الضروري وقد شرحنا هذا وذكرنا فضائل العقل في كتابنا المسمى بمنهاج القاصدين وهذه الإشارة تكفي ههنا فصل وما اشتقاق هذا الاسم أعني العقل فقال ثعلب أصله الامتناع يقال عقلت الناقة إذا منعتها من السير وعقل بطن الرجل إذا حبس فصل وأما محله فنقل الفضل بن زياد عن أحمد أن محله الدماغ وهو قول أبي حنيفة وذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه في القلب كما يروى عن الشافعي واستدلوا بقوله تعالى فتكون لهم قلوب يعقلون بها وقوله تعالى لمن كان له قلب أي عقل فعبر بالقلب عنه لأنه محله.
الباب الثالث
في بيان معنى الذهن والفهم والذكاء
في بيان معنى الذهن والفهم والذكاء
حد الذهن قوة النفس المهيأة المستعدة لاكتساب الآراء وحد الفهم جودة التهيئ لهذه القوة وحد الذكاء جودة حدس من هذه القوة تقع في زمان قصير غير ممهل فيعلم الذكي معنى القول عند سماعه وقال بعضهم حد الذكاء سرعة الفهم وحدته والبلادة جموده وقال الزجاج الذكاء في اللغة تمام الشيء ومنه الذكاء في السن وهو تمام السن ومنه الذكاء في اللغة تمام الشيء ومنه الذكاء في السن هو تمام السن ومنه الذكاء في الفهم وهو أن يكون فهماً تاماً سريع القبولِ وذكيت النار إذا أتممت إشعالها. أخبرنا أبو غالب أحمد ابن الحسن بن البناء وحدثنا عنه المبارك بن علي قال أخبرنا القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين قال أخبرنا إسماعيل بن سويد قال أخبرنا أبو بكر بن الأنياري قال قولهم فلان ذكي معناه كامل الفطنة تامها من قول العرب قد ذكت النار تذكو إذا تم وقودها ويقال أذكيتها إنا إذا أتممت وقودها ويقال مسك ذكي إذا كان تام الطيب كامل نفاذ الربح.
قال جميل:
صادت فؤادي بعينيها ومبتسم ● كأنه حين أبدته لنا برد
عذب كان ذكي المسك خالطه ● والزنجبيل وماء المزن والشهد
ويقال قد ذكيت الشاة إذا أتممت ذبحها وبلغت الحد الواجب فيه قال الشاعر:
نعم هو ذكاها وأنت أضعتها ● والهاك عنها خرفة وفطيم
والعرب تقول جرى المذكيات غلاب أي جرى المسان مغالبة وذلك أن المذكية من الخيل وهي التي تمت قوتها وشبابها تحمل على الخشن من الأرض للثقة بقوتها وصلابتها وأنها ليست كالجذاع والصغار التي تطلب لها الرخاوة من الأرض لضعفها وصغرها فإنها لا تثبت ثبات المذكيات وبعضها يقول جرى المذكيات غلاء والغلاء جمع غلوة وهو مدى الرمقة قال الشاعر في الذي الذكاء معناه تمام الفطنة:
سهم الفؤاد ذكاؤه ما مثله ● عند العزيمة في الأنام ذكاء
وقال زهير في الذكاء الذي معناه تمام السن:
ويفضلها إذا اجتهدت عليه ● تمام السن منه والذكاء
والذكاء في هذين المعنيين ممدود والذكاء تمام اتقاد النار مقصور يكتب بالألف. قال الشاعر
وتضرم في القلب اضطراماً كأنه ● ذكا النار ترفيه الرياح النوافخ
ويقال مسك ذكي ومسك ذكية والذي يذكر المسك يذكر والذي يؤنث يقول ذهبت إلى الرائحة أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء.
لقد عاجلتني بالسباب وثوبها ● جديد ومن أثوابها المسك تنفح
وقد أراد به رائحة المسك قال ابن الأنباري أخبرني أبي قال أخبرنا أبو عفان المهزمي قال المسك والعنبر يؤنثان ويذكران.
الباب الرابع
في ذكر العلامات التي يستدل بها على
عقل العاقل وذكاء الذكي
في ذكر العلامات التي يستدل بها على
عقل العاقل وذكاء الذكي
قال مؤلف الكتاب هذه العلامات تنقسم قسمين أحدها من حيث الصورة والثاني من حيث المعنى والأحوال والأفعال.
● ● ذكر القسم الأول
قال الحكماء الخلق المعتدل والبنية المتناسبة دليل على قوة العقل وجودة الفطنة.
وإذا غلظت الرقبة دلت على قوة الدماغ ووفوره ومن كانت عينه تتحرك بسرعة وحدة فهو مكار محتال لص وأحمد العيون الشهل وإذا لم تكن الشهلاء شديدة البريق ولا يظهر عليها صفرة ولا حمرة دلت على طبع جيد وإذا كانت العين صغيرة غائرة فصاحبها مكار حسود ومن كان نحيف الوجه فهو فهم مهتم بالأمور واللطف في التحاف القصار أظهر و المعتدلون في الطول صالحوا الحال.
● أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أخبرنا أحمد بن أحمد قال أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا الحسين بن علي بن نصر قال حدثنا محمد بن عبد الكريم قال حدثنا الهيثم بن عدي قال حدثنا ابن عياش قال حدثنا الشعبي قال حدثني عجلاً قال لي زياد أدخلت على رجلاً عاقلاً قلت أتاه برجل حسن الوجه مديد القامة فصيح اللسان قلت ادخل فدخل فقال زياد يا هذا إني قد أردت مشاورتك في أمر فما عندك قال أني حاقن ولا رأي لحاقن قال يا عجلان أدخله المتوضأ فلما خرج قال إني جائع ولا رأي لجائع قال يا عجلان أئته بالطعام فأتى به فطعم ثم قال سل عما بدا لك فما سأله عن شيء إلا وجد عنده بعض ما يريد أخبرنا المحمد أن ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا أخبرنا حمد بن أحمد قال أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا عثمان بن محمد قال أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى قال سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول من وجدت فيه خمس خصال رجيت له السعادة ولو قبل موته بساعتين قيل ما هي قال استواء الخلق وخفة الروح وغزارة العقل وصفاء التوحيد وطيب المولد.
● ● ذكر القسم الثاني
وهو الاستدلال على عقل العاقل بالأفعال والأقوال
قال المؤلف يستدل على عقل العاقل بسكوته وسكونه وخفض بصره وحركاته في أماكنها اللائقة بها ومراقبته للعواقب فلا تستفزه شهوة عاجلة عقباها ضرر وتراه ينظر في الفضاء فيتخير الأعلى والأحمد عاقبة من مطعم ومشرب وملبس وقول وفعل ويترك ما يخاف ضرره ويستعد لما يجوز وقوعه.
● أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار قال أخبرنا أبي قال أخبرنا الحسن بن الحسين دوماً قال أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار قال أخبرنا أبو حذيفة إسحاق ابن بشر القرشي قال أخبرنا جعفر بن الحرث عن شهر بن حوشب قال. قال أبو الدرداء أبو حذيفة أنبئكم بعلامة العاقل يتواضع لمن فوقه ولا يزدري من دونه يمسك الفضل من منطقة يخالق الناس بأخلاقهم ويحتجر الإيمان فيما بينه وبين ربه عز وجل فهو يمشي في الدنيا بالتقية والكتمان.
● قال القرشي وأخبرني إدريس عن جده وهب بن منبه أن لقمان قال لابنه يا بني ما يتم عقل امرئ حتى يكون فيه عشر خصال الكبر منه مأمون والرشد فيه مأمول يصيب من الدنيا القوت وفضل ماله مبذول، التواضع أحب إليه من الشرف والذل، أحب إليه من العز لا يسام من طلب الفقه طول دهره ولا يتبرم من طلب الحوائج من قبله يستكثر قليل المعروف من غيرها ويستقل كثير المعروف من نفسه والخصلة العاشرة التي بها مجده وأعلى ذكره أن يرى جميع أهل الدنيا خيراً منه وأنه شرهم وإن رأى خيراً منه سره ذلك وتمنى أن يلحق به وأن رأى شراً منه قال لعل هذا ينجو وأهلك أنا فهنالك حين استكمل العقل قال القرشي وأخبرني عثمان بن عبد الرحمن عن مكحول أن لقمان قال لأبنه غاية الشرف والسؤدد حسن العقل ومن حسن عقله غطى ذلك جميع ذنوبه واصلح ذلك مساويه ورضى عنه مولاه. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الدربندي قال أخبرنا محمد بن بكر الوراق قال حدثنا أبو أحمد علي بن محمد بن عبد الله المروزي قال حدثنا شهاب بن الحسن العكبري قال سمعت الأصمعي يقول سمعت إبان بن جرير يقول قال الملهب بن أبي صفرة يعجبني أن أرى عقل الكريم زائداً على لسانه ولا يعجبني أن أرى لسانه زائداً على عقله.
الباب الخامس
في سياق المنقول من ذلك عن الأنبياء
المتقدمين مما يدل على قوة الفطنة
في سياق المنقول من ذلك عن الأنبياء
المتقدمين مما يدل على قوة الفطنة
معلوم أن فطن الأنبياء فوق الفطن ولكنا أحببنا أن لا نخلى كتابنا هذا من شيء عنهم فمن المنقول عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أنبأنا محمد بن عبد الملك قال أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرنا أبو الحسين بن زرقويه قال أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال أخبرنا الحسن بن علي القطان قال أخبرنا إسماعيل بن عيسى قال أخبرنا أبو حذيفة اسحق بن بشر عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال لما رأت سارة إبراهيم قد شغف بأم إسماعيل غارت غيرة شديدة وحلفت لتقطعن عضوا من أعضاء هاجر فبلغ ذلك هاجر فلبست درعا وجرت ذيلها فهي أول نساء العالمين جرت الذيل وإنما فعلت ذلك لتعفى أثرها في الطريق على سارة فقال إبراهيم هل لك في خير أن فعلت ذلك لتعفى عنها وترضى بقضاء الله عز وجل قالت وكيف لي بما قد حلفت قال اخفضيها فتكون سنة النساء وتبر يمينك قالت افعل فخفضتها فمضت السنة للنساء بالخفض منها أخبرنا عبد الله قال أنبأنا الداوودي قال أخبرنا ابن أعين قال حدثنا الفريري قال حدثنا البخاري قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس لما شب إسماعيل تزوج امرأة فقالت خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم فقالت نحن بشر في ضيق وشدة وشكت إليه فقال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء فأخبرته قال ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحق بأهلك.
قال المؤلف وهذا الحديث يدل على فطنة إسماعيل أيضاً ومن المنقول عن سليمان عليه الصلاة والسلام أخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا الحسن بن علي بن المذهب قال أخبرنا أبو بكر بن مالك قال أخبرنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا يونس قال حدثنا ليث عن محمد بن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال خرجت امرأتان ومعهما صبيان فعدا الذئب على أحدهما فأخذتا يختصمان في الصبي الباقي فاختصما إلى داود عليه الصلاة والسلام فقضى به للكبرى منهما فمرتا على سليمان عليه السلام فقال ما أمركما فقصتا عليه القصة فقال ائتوني بالسكين اشق الغلام بينكما فقالت الصغرى اشتقه قال نعم قالت لا تفعل حظي منه لها فقال هو ابنك فقضى به لها أخرجاه في الصحيحين.
● أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أخبرنا أحمد بن أحمد الحداد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال حدثنا الحسن بن محمد بن علي قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن سنان قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يقول بعث سليمان عليه السلام إلى ما روى من مردة الجن فأتى به وراء الحائط فوقع بين يدي سليمان أخذ عودا فذرعه بذراعه ورمى به وراء الحائط فوقع بني يدي سليمان فقال ما هذا فأخبر بما صنع المارد قال أتدرون ما أراد قالوا لا قال يقول اصنع ما شئت فإنك تصير إلى مثل هذا من الأرض.
● أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا أحمد بن أحمد قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سليمان بن أحمد قال حدثنا محمد بن هارون بن بكار الدمشقي قال حدثنا سعيد بن داود عليه السلام يسعى في موكبه إذ مر بامرأة تصيح بابنها يالدين فوقف سليمان وقال إن دين الله ظاهر فأرسل إلى المرأة فسألها فقالت أن زوجها سافر وله شريك فزعم شريكه أنه مات وأوى أن ولدت غلاماً أن اسميه يالدين فأرسل إلى الشريك فاعترف أنه قتله فقتله سليمان عليه السلام.
● حدثنا محمد بن كعب القرظي قال جاء رجل إلى سليمان النبي صلى الله عليه وسلّم فقال يا نبي الله إن لي جيرانا يسرقون أوزي فنادى الصلاة جامعة ثم خطبهم فقال في خطبته وأحدكم يسرق أوز جاره ثم يدخل المسجد والريش على رأسه فمسح رجل برأسه فقال سليمان خذوه فإنه صاحبكم ومن المنقول عن عيسى عليه السلام أن إبليس جاء إليه فقال له الست تزعم أنه لا يصيبك إلا ما كتب الله لك قال بلى قال فارم بنفسك من هذا الجبل فإنه إن قدر لك السلامة تسلم فقال له يا معلون إن الله عز وجل إن يختبر عباده وليس للعبد أن يختبر ربه عز وجل.
الباب السادس
في سياق المنقول من ذلك عن الأمم السالفة
في سياق المنقول من ذلك عن الأمم السالفة