بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
أالأذكياء لابن الجوزي
الباب التاسع عشر
في ذكر من استعمل بذكائه المعاريض
أخبرنا سعيد بن المسيب أن عائشة رضي الله عنها سئلت هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح قالت نهم كان عندي عجوز فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ادع الله أن يجعلني من أهل الجنة قال إن الجنة لا تدخلها العجائز وسمع النداء فخرج ودخل وهي تبكي فقال مالها قالوا إنك حدثتها أن الجنة لا يدخلها العجائز قال إن الله يحولهن أبكاراً عرباً أتراباً. قال وحدثنا الحرث بن نوفل أن العباس بن عبد المطلب قال يا رسول الله ما ترجو لأبي طالب قال كل خير أرجو من ربي.
● وحدثنا القرشي قال دخلت امرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من زوجك فسمته له فقال الذي في عينيه بياض فرجعت فجعلت تنظر إلى زوجها قال ما لك قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجك فلان قلت نعم قال الذي في عينيه بياض قال أوليس البياض في عيني أكثر من السواد.
● حدثنا أنس بن مالك قال جاء رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستحمله قال أنا حاملك على ولد ناقة قال يا رسول الله وما أصنع بولد ناقة قال وهل تلد الإبل إلا النوق.
● حدثنا محمد بن سلمى عن محمد بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر نزل قريباً منها ثم ركب هو ورجل من أصحابه قال ابن إسحاق حدثني محمد بن يحيى بن حبان أنه وقف على شيخ فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخبرتنا أخبرناك قال وذاك بذاك ثم قال الشيخ أنه بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان صدقني الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا بالمكان الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغنا أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان صدقني الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا بالمكان الذي به قريش فلما فرغ من خبره قال فمن أنتم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء العراق قال أحمد بن علي أوهمه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من العراق فكان العراق يسمى ماء وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم من العراق أنه خلق من نطفة ماء عن ابن أبي الزناد قال كان عند أسماء بنت أبي بكر قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قتل عبد الله بن الزبير ذهب القميص فيما ذهب وفيما انتهت فقالت أسماء للقميص أشد على من قتل عبد الله فوجد القميص عند رجل من أهل الشام فقال لا أرده أو تستغفر لي أسماء فقيل لها قالت كيف أستغفر لقاتل عبد الله قالوا أفليس يرد القميص قالت قولوا له فليجيء فجاء بالقميص ومعه عبد الله بن عروة فقالت ادفع القميص إلى عبد الله فدفعه قالت قبضت يا عبد الله قال نعم قالت غفر الله لك يا عبد الله وإنما عنت عبد الله بن عروة عن حجر المدري قال، قال لي علي رضي الله عنه كيف بك إذا أمرت أن تلعنني قلت أو كائن ذلك قال نعم قلت كيف أصنع قال الغني ولا تتبرأ مني قال فقام محمد بن يوسف إلى جنب المنبر يوم الجمعة فقال له العن علياً فقال إن الأمير أمرني أن ألعن علياً محمد بن يوسف العنوه لعنه الله فلقد تفرق أهل المسجد وما فهمها إلا رجل واحد.
● قال قامت الخطباء إلى المغيرة بن شعبة بالكوفة فقام صعصعة بن سرحان فتكلم فقال المغيرة أرجوه فأقيموه على المصطبة فليلعن علياً فقال لعن الله من لعن الله ولعن علي بن أبي طالب فأخبره بذلك فقال أقسم بالله لتقيدنه فخرج فقال إن هذا يا أبي إلا علي بن أبي طالب فالعنوه ولعنه الله فقال المغيرة أخرجوه أخرج الله نفسه. قال كلم رجل عيسى بن موسى في شيء وعنده عبد الله بن شبرمة القاضي فقال عيسى للرجل من يعرفك قال ابن شبرمة قال أتعرفه قال إني لا أعلم أن له شرفاً وبيتاً وقدماً فلما خرج ابن شبرمة سئل عن ذلك فقال اعلم أن له أذنين مشقوقتين وأن له بيتاً يأوي إليه وأن له قدماً يطأ بها.
● قال ضرب الحجاج عبد الرحمن بن أبي ليلى وأقامه للناس ومعه رجل يحثه ويقول العن علياً فيقول اللهم العن الكذابين ثم يسكت ويقول آه علي بن أبي طالب ثم يسكت ثم يقول المختار بن الزبير.
● حدثنا المبارك قال بينما الحجاج جالس إذ أقبل رجل مقارب الخلق أفجع ذو غدربين فلما رآه الحجاج قال مرحباً بأبي غادية فلم يرحب به حتى أجلسه على سريره ثم قال له أنت قاتل ابن سمنة قال نعم قال كيف قال صنعت كذا وفعلت كذا حتى قتلته قال الحجاج لأهل الشام من سره أن ينظر إلى رجل عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا الذي قتل ابن سمنة ثم ساره أبو غادية فسأله شيئاً فأبى عليه فقال أبو غادية نعطي لهم الدنيا ثم نسألهم منها شيئاً فلا يعطونا وتزعم أنه عظيم الباع يوم لقيمة قال أجل والله إن من كان ضرسه مثل أحد وفخذه مثل وقان وساقه البيضاء ومجلسه ما بين المدينة إلى الزبيد لعظيم الباع يوم القيامة والله لو أن عمار بن سمنة قتله أهل الأرض لدخلوا كلهم النار. قال القرشي قال كان مطرف بن عبد الله خرج مع ابن الأشعث فأتى به إلى الحجاج بعد ذلك فقال له الحجاج يا مطرف أكفرت قال لا ولكن كانت حيرة ولو نصرنا الحق وأهله كان خير لنا.
● قال القرشي وحدثنا أبو جعفر المديني فال خرج فوم من الخوارج بالبصرة فلقوا شيخاً أبيض الرأس واللحية فقالوا له من أنت قال أعهد إليكم من اليهود بشيء أو بدا لكم في قتل أهل الدية قالوا اذهب عنا إلى النار.
● أخبرنا أبو العباس أحمد بن يعقوب قال كان يحيى بن أكثم يحسد حسداً شديداً وكان مفنناً فكان إذا نظر إلى رجل يحفظ الفقه سأله عن الحديث وإذا رآه يحفظ الحديث سأله عن النحو وإذا رآه يعلم النحو سأله عن الكلام ليخجله ويقطعه فدخل إليه رجل من أهل خراسان ذكي حافظ فناظره فرآه مفنناً فقال له نظرت في الحديث قال نعم قال فما تحفظ من الأصول قال احفظ حديث شريك عن أبي إسحاق عن الحرث أن علياً رجم لوطياً فامسك فلم يكلمه. قال، قال رجل لهشام بن عمرو القوطي كم تعد قال من واحد إلى ألف ألف وأكثر قال لم أرد هذا قال فما أردت قال كم تعد من السن قال اثنين وثلاثين سنة عشر من أعلى وستة عشر من أسفل قال لم أرد هذا قال فما رأيت قال كم لك من السنين قال ما لي منها شيء كلها لله عزّ وجلّ قال فما سنك قال عظم قال فابن كم أنت قال ابن اثنين أب وأم قال فكم أتى عليك قال لو أتى علي شيء لقتلني قال فكيف أقول قال قل كم مضى من عمرك. وثب رجلان على بعض الملوك في ومن الإسكندر فقال الإسكندر أن من قتل هذا عظيم الفعال ولو ظهر لنا جازيناه بما يستحق ورفعناه على الناس فلما بلغهما ذلك ظهرا فقال الإسكندر أنا نجازيكما بما تستحقان فما يستحق من قتل سيده ورافع قدره فغدر به إلا القتل وأما رفعكما على الناس فإني سأصلبكما على أطول خشب يمكنني. روى أن رجلين من آل فرعون سعيا برجل مؤمن إلى فرعون فأحضره فرعون وأحضرهما وقال للساعيين من ربكما قالا أنت فقال للمؤمن من ربك قال ربي ربهما فقال فرعون سعيتما برجل على ديني لأقتله فقتلهما قالوا فذلك قوله تعالى فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب.
● حدثنا إسحاق بن هانئ قال كنا عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه في منزله ومعنا المروزي ومهنى بن يحيى الشامي فدق داق الباب وقال المروزي ههنا فكان المروزي كره أن يعلم موضعه فوضع مهني بن يحيى إصبعيه في راحته وقال ليس المروزي ههنا فضحك أحمد ولم ينكر عليه ذلك. بلغني عن أبي بكر الخلال قال أبو بكر المروزي جاء مهنى بن يحيى الشامي إلى أبي عبد الله ومعه أحاديث فقال يا أبا عبد الله معي هذه الأحاديث وأريد أن أخرج فحدثني بها فقال متى تريد أن تخرج قال الساعة اخرج فحدثه بها وخرج فلما كان من الغد أو بعد جاء إلى أبي عبد الله فقال له أبو عبد الله أليس قلت لي اخرج الساعة قال، قلت لك إني أخرج الساعة من بغداد إنما قلت اخرج من زقاقك عن مصعب الزبيري قال أتى العريان بشاب سكران فقال له من أنت فقال شعراً.
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره ● فمنهم قيام حولها وقعود
فقال لبعض شرطه سل عن هذا فسأل عنه فقال هو ابن صاحب باقلا قلت وفي رواية أخرى زيادة.
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره ● فمنهم قيام حولها وقعود
فظنه كبير القدر فخلى به فإذا هو ابن باقلاوى. أتى الحرث بن مسكين أيام المحنة وابن داود يمتحن الناس بخلق القرآن فقال للحارث أشهد أن القرآن مخلوق فقال أشهد أن هذه الأربعة مخلوقة وبسط أصابعه الأربع فقال التوراة والإنجيل والزبور والفرقان فعرض وكنى وتخلص من القتل. قال شيخنا عبد الوهاب الأنماطي كان أحمد بن عبد المحسن الوكيل إذا حمل إليه محضر كتب فيه يحل صدره فيكتب فيه فقيل له كيف تكتب خلاف الأول فقال أنا أكتب ما ذكر صحيح ومقصودي نفي الصحة.
الباب العشرون
في ذكر من فلج على خصمه في المناظرة
بالجواب المسكت
في ذكر من فلج على خصمه في المناظرة
بالجواب المسكت
حدثنا خبيب عن عبد الرحمن بن خبيب عن أبيه عن جده خبيب بن يسار قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزواً أنا ورجل من قومي ولم نسلم فقلنا إنا لنستحي أن يشهد قومنا مشهداً لا نشهده معهم قال وأسلمتما قلنا لا قال فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين قال فأسلمنا وشهدنا معه فقتلت رجلاً وضربني ضربة فتزوجت ابنته لعد ذلك فكانت تقول لا عدمت رجلاً وشحك هذا الوشاح فأقول لها لا عدمت رجلاً عجل أباك إلى النار. عن إبراهيم بن جعفر بن محمود الأشهلي عن أبيه قال كان حويطب بن عبد العزى قد بلغ مائة وعشرين سنة ستين في الجاهلية وستين في الإسلام فلما ولي مروان بن الحكم المدينة دخل عليه حويطب فقال له مروان ما نيتك فأخبره فقال له تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث فقال والله لقد هممت بالإسلام غير مرة وكل ذلك يعوقني عنه أبوك وينهاني ويقول تدع دين آبائك لدين محمد فأسكت مروان وندم على ما كان قال مروان لحبيش بن دلجة أظنك أحمق، فقال أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل بظنه.
● حدثنا محمد بن زكريا قال حضرت مجلساً فيه عبيد الله بن محمد بن عائشة التميمي وفيه جعفر بن القاسم الهاشمي فقال لابن عائشة ههنا آية نزلت في بتي هاشم خصوصاً قال وما هي قال قوله تعالى وإنه لذكر لك ولقومك فقال ابن عائشة قومه قريش وهي لنا معكم قال بل هي لنا خصوصاً قال فخذ معها وكذب به قومك وهو الحق قال فسكت جعفر فلم يجد جواباً. قال المصنف غفر الله له وروينا أن معاوية قال لعبد الله ابن عامر أن لي عندك حاجة تقضيها قال نعم ولي إليك حاجة أتقضيها قال نعم قال سل حاجتك قال أريد أن تهب لي دورك وضياعك بالطائف قد فعلت فسل حاجتك قال أن تردها علي قال قد فعلت. وافتخر قوم من اليمن عند هشام بن عبد الملك فقال لخالد بن صفوان أجبهم فقال هم بين حائك برد ودابغ جلد وسايس قرد وملكتهم امرأة ودلت عليهم هدهد وغرفتهم فارة. قال، قال غيلان لعبد الرحمن أنشدك الله أترى الله بحي أن يعصى ربيعة أنشدك الله أترى الله يعصى قسراً فكان ربيعة لقم غيلان حجراً. أنشدك الله أترى الله يعصى قسراً فكان ربيعة ألقم عيلان حجراً. قال وقف رجل بين يدي المأمون قد جنا جناية فقال له والله لأقتلنك فقال الرجل يا أمير المؤمنين تان علي فإن الرفق نصف العفو قال وكيف أن تلقاه قاتلاً قال فخلى سبيله. قال المنصور ولي يحيى بن أكثم قضاء البصرة وهو ابن إحدى وعشرين سنة قال فاستزرى بن الناس واستضعفوه فامتحنوه فقالوا كم سن القاضي قال سن عتاب بن أسيد حيث ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة. كان النظام لا يكتم سراً فأسر إليه يونس التمار سراً فأذاعه فلامه فقال النظام للناس سلوه هل أذعت سراً مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً فلمن الذنب الآن فلم يرضى أن يشاركه في الذنب حتى سار الذنب كله لصاحب السر.
● قال كان أصحاب المبرد إذا اجتمعوا واستأذنوا يخرج الإذن فيقول إن كان فيكم أبو العباس الزجاج وإلا انصرفوا فحضروا مرة ولم يكن الزجاج فيهم فقال لهم ذلك فانصرفوا وثبت رجل منهم فقال عثمان للآذن قل لأبي العباس انصرف القوم كلهم إلا عثمان فإنه لا ينصرف فعاد الآذن إليه وأخبره فقال له إن عثمان إذا كان نكرة انصرف ونحن لا نعرفك فانصرف راشداً. قال قال رجل من أهل الحجاز لرجل من أهل العلم خرج من عندنا قال نعم إلا أنه لم يرجع إليكم قال تكلم شاب يوماً عند الشعبي فقال الشعبي ما سمعنا بهذا فقال الشاب كل العلم سمعت قال لا قال فشطره قال لا قال فاجعل هذا في الشطر الذي لم تسمعه فأقحم الشعبي وقال عبد الله بن سليمان بن الأشعث سمعت أبي يقول كان هارون الأعور يهودياً فأسلم وحسن إسلامه وحفظ القرآن وضبطه وحفظ النحو فناظره إنسان يوماً في مسألة فغلبه هارون فلم يدر المغلوب ما صنع فقال له أنت كنت يهودياً فأسلمت فقال له هارون أفبئس ما صنعت أيضاً والله الموفق.
● قبال مالك بن سليمان كان لإبراهيم بن طهمان جراية من بيت المال فسئل عن مسألة في مجلس الخليفة فقال لا أدري فقالوا له تأخذ في كل شهر كذا وكذا ولا تحسن مسألة فقال إنما آخذ على ما أحسن ولو أخذت على ما لا أحسن لفتي بيت المال ولا يفتى ما لا أحسن فأعجب الخليفة جوابه وأمر له بجائزة فاخرة وزاد في جرايته قال أبو العباس المبرد ضاف رجل قوماً فكرهوه فقال الرجل لامرأته كيف لنا أن نعلم مقدار مقامه فقالت ألقِ بيننا شراً حتى نتحاكم إليه ففعلا فقالت للضيف بالذي يبارك لك في غدوك غداً أينا أظلم فقال الضيف والذي يبارك لي في مقامي عندكم شهراً ما أعلم.
● قال ابن خلف حدثني بعض أصحابنا قال بلغني أن الرشيد خرج يوماً متنزهاً وانفرد عن عسكره والفضل بن الربيع خلفه فإذا هو بشيخ قد ركب حماراً له وفي يده لجام كأنه مبعر محشو فنظر إليه فإذا هو رطب العينين فغمز الفضل عليه فقال له الفضل أين تريد قال حائطاً لي قال هل لك أن أدلك على شيء تداوي به عينيك فتذهب هذه الرطوبة قال ما أحوجني إلى ذلك قال له خذ عيدان الهواء وغبار الماء وورق الكماة فصيره في قشر جوزة واكتحل به فإنه يذهب عنك ما تجد قال فاتكأ على قربوسة فضرط ضرطة طويلة ثم قال تأخذ هذه أجرة لوصفتك فإن نفعتنا زدناك قال فاستضحك الرشيد حتى كاد أن يسقط عن ظهر دابته قال الجاحظ قال المهدي لشريك القاضي وعيسى بن موسى عنده لو شهد عندك عيسى كنت تقبله وأراد لن يضرب بينهما فقال شريك من سألت عنه لا يسأل عن عيسى غير أمير المؤمنين فإن زكيته قبلته فقلبها عليه. قال أبو بكر بن محمد كان لي أخ يجيد الشعر فقال له رجل منهم وقد حسدوه على شعره ما أدري ما معنى أعجمي يقول الشعر فقال له رجل دب إلى أمه عربي فقال له وكذلك يلزم في قياس قولك إذا لم يقل العربي شعراً فقد دب إلى أمه أعجمي غضب رجل على رجل فقال له ما أغضبك قال شيء تنقله إلى الثقة عنك فقال له لو كان ثقة ما تم. قال أبو الحسن بن المأمون قال، قال المأمون ليحيى بن أكثم من الذي يقول وهو يعرض به:
قاضٍ برى الحد في الزناء ولا ● يرى على من يلوط من باس
قال أو ما يعرف أمير المؤمنين من قاله، قال لا، قال. يقوله الفاجر أحمد بن أبي نسيم الذي يقول:
حاكمنا يرتشي وقاضينا ● يلوط والرأس شر ما رأس
لا أحسب الجور ينقضي وعلى ● السلامة وآل من آل عباس
قال فأقحم المأمون وسكت خجلاً وقال ينبغي أن بنفي أحمد بن أبي نعيم إلى السند. قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن شهاب العطار قال روى يعقوب الشحام قال، قال لي أبو الهذيل بلغني أن رجلاً يهودياً قدم البصرة وقد قطع وغلب عامة متكليميهم فقلت لعني امضي إلى هذا اليهودي كلمه فقال يا بني قد غلب جماعة متكلمي البصرة فقلت لا بد فأخذ بيدي فدخلنا على اليهودي فوجدته يقرر الناس الذين يكلمونه نبوة موسى عليه السلام ثم يجحد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول نحن على ما اتفقنا عليه من نبوة موسى إلى أن نتفق على غيره فنقربه فدخلت إليه فقلت له أسألك أو تسألني فقال يا بني أو ما ترى ما أفعله بمشايخك فقلت دع عنك هذا واختر قال بل أسألك أخبرني أليس موسى نبياً من أنبياء الله قد صحت نبوته وثبت دليله تقر بهذا أو تجحده فتخالف صاحبك فقلت له أن الذي سألتني عنه من أمر موسى عندي على أمرين أحدهما أني أقر بنبوة موسى الذي أخبر بصحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمرنا باتباعه وبشر نبوته فإن كان عن هذا تسألني فأنا مقر بنبوته وإن كان الذي سألتني عنه لا يقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولم يأمر باتباعه ولا بشر به فلست أعرفه ولا أقر بنبوته وهو عندي شيطان مخزي فتحير مما قلت له فقال لي فما تقول في التوراة فقلت أمر التوراة أيضاً عندي على وجهين إن كانت التوراة التي أنزلت على موسى الذي أقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهي التوراة الحق وإن كانت الذي تدعيه فباطل وأنا غير مصدق بها فقال احتاج أن أقول لك شيئاً بيني وبينك فظنت أنه يقول شيئاً من الخير فتقدمت إليه فسارني وقال أمك كذا وكذا وأم الذي علمك لا يكني وقد رأى أني أثب به فيقول وثبوا علي فأقبلت على من كان في المجلس فقلت أعزكم الله أليس قد أجبته قالوا نعم فقلت أليس عليه أن يرد جوابي فقالوا نعم فقلبت إنه لما سارني شتمني بالشتم الذي يوجب الحد وشتم من علمني وأنه ظن أني أثب به فيدعي أنا أثبناه وقد عرفتكم شأنه فأخذته الأيدي بالنعال فخرج هارباً من البصرة وقد كان له بها دين كثير فتركه وخرج هارباً لما لحقه من الانقطاع.
● قال لما دخل الجماز على المتوكل قال له إني أريد أن أستبريك فقال الجماز بحيضة أو بحيضتين فضحك الجماعة منه فقال له الفتح قد كلمت أمير المؤمنين فيك حتى ولاك جزيرة القرود فقال له الجماز أفلست في السمع والطاعة أصلحك الله فحصر الفتح وأسكت فأمر له المتوكل بعشرة آلاف درهم فأخذها وانحدر فمات فرحاً بها. قال العتبي دخل الوليد بن زيد على هشام بن عبد الملك وعلى الوليد عمامة وشيء فقال له الوليد بكم أخذت عمامتك قال بألف درهم فقال هشام عمامة بألف يستكثر ذلك فقال الوليد إنها لأكرم أطرافي يا أمير المؤمنين وقد اشتريت جارية بعشرة آلاف درهم لأخس أطرافك.
● كان معن بن زائدة يذكر عنه قلة دين فبعث إلى ابن عياش بألف دينار وكتب إليه بعثت إليك بألف دينار بها دينك فاقبض الثمن واكتب بالتسليم فكتب إليه قد قبضت وبعتك ديني ما خلا التوحيد لعلمي بزهدك فيه.
حدثنا يمون بن المزرع قال كان أبي والجماز يمشيان وأنا خلفهما بالعشى فممرنا بإمام وهو ينتظر من يمر عليه فيصلي معه فلما رآنا أقام الصلاة مبادراً فقال له الجماز دع عنك هذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يتلقى الجلب.
● أخبرنا ابن الأعرابي عن الأصمعي قال اجتزت في بعض سكك الكوفة فإذا برجل قد خرج من حبس على كتفه جرة وهو ينشد ويقول:
وأكرم نفسي أنني أن أهنتها ● وحقك لم تكرم على أحد بعدي
فقلت له تكرمت بمثل هذا فقال نعم واستغني عن سفلة مثلك إذا سالمته يقول صنع الله لك فقلت تراه عرفني فأسرعت فصاح بي يا أصمعي فالتفت إليه فقال:
لنقل الصخر من قلل الجبال ● أحب إلي من منن الرجال
يقول الناس كسب فيه عار ● وكل العار في ذل السؤال
● حدثنا أبو الطيب بن هرثمة قال كنت مجتازاً ببغداد ومخنث يمشي فرأته امرأة وكان حسن البدن فقالت ليت علي شحم هذا المخنث فقال لها المخنث مع بغاي فشتمته فقال لها كيف صار تأخذين الجيد وتدعين الرديء. ودخل رجل إلى الحمام فرأى مخنثاً بين يدي حطمي فقال الرجل أعطني منه قليلاً فأبى فقال الرجل كل قفيز بدرهم فقال المخنث كل أربعة أقفزة بدرهم احسب حسابك كم يصيبك بلا شيء.
● قال طراد بن محمد أن يهودياً ناظر مسلماً أظنه قال في مجلس المرتضي فقال اليهودي إيش أقول أقول في قوم سماهم الله مدبرين يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم حنين فقال المسلم فإذا كان موسى أدبر منهم قال له كيف قال لأن الله تعالى قال ولى مدبراً ولم يعقب وهؤلاء ما قال فيهم ولم يعقبوا فسكت. قال نصر بن سيار قلت لأعرابي هل أتخمت قط فقال أما من طعامك وطعام أبيك فلا فيقال أن نصر أحم من هذا الجواب أياماً.
قال رجل من اليهود لعلي بن أبي طالب ما دفنتم نبيكم حتى قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير فقال له علي عليه السلام أنتم ما جفت أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة.
● حبلت امرأة يزيد فقالت له وكان قبيح الصورة الويل لك أن كان يشبهك فقال لها والويل لك إن لم يشبهني. رأى رجل من الأعاجم رجلاً أعور فقال قد حان خروج الدجال فقال إنه يخرج من بلاد الأعاجم لا العرب. جاز أبو بكر بن قانع بالكرخ في زمن الرفض فقالت له امرأة يا سيدي أبا بكر فقال لها لبيك يا عائشة فقالت كان اسمي عائشة قال فيقتلوني وحدي أريد أن يضربون رقابنا جميعاً.
● ظفر رجل بخصمه في حرب فقال له ما تراني اصنع بك فقال مهلاً فما أمكنك الله مني إلا لشأن حلمك. قيل لأبي الأسود اشهد معاوية بدراً فقال نعم من ذاك الجانب كان أبو الحسن المتيم الصوفي يسكن الرصافة وكان مطبوعاً مضاحكاً وكان يتولع برجل شاهد فيه غفلة يعرف بأبي عبد الله اليكا قال ابن المتيم فلقيته يوماً فسلمت عليه وصحت به اشهد علي فاجتمع الناس علينا فقال بم أشهد فقلت بأن الله إله واحد لا إله إلا هو وأن محمد عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور فقال ابشر يا أبا الحسن سقط عنك الجزية وصرت أخاً من إخواننا فضحك الناس وانقلب الولع بي.
● قال الشيخ سمعت بعض أصدقائي يحكي أن رجلاً كان يشرب ليلة الجمعة فنهاه بعض العوام وقال له هذه ليلة عظيمة فقال له الرجل في مثل هذه الليلة يرفع القلم فقال العامي ولكن يكتب بصوفة قال فاتعظ الرجل ولم يرجع بعد إلى شرب الخمر. وقفت امرأة قبيحة على عطار ماجن فلما نظر إليها قال وإذا الوحوش حشرت فقالت وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه. استأجر رجل غلاماً ليخدمه فقال له كم أجرتك قال شبع بطني فقال له سامحني فقال أصوم الاثنين والخميس.
● شكا جماعة من الصالحين ضرر الأتراك إلى أمير المؤمنين فقال لهم أنتم تعتقدون أن هذا بقضاء الله فكيف أدفع قضاء الله فقال له أحدهم صاحب القضاء قال ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض فأفحم أمير المؤمنين.
الباب الحادي والعشرون
في ذكر من غلب من العوام بذكائه كبار الرؤساء
في ذكر من غلب من العوام بذكائه كبار الرؤساء