منتدى دنيا الكراكيب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الباب الثاني والعشرون والباب الثالث والعشرون

    avatar
    كراكيب
    Admin


    عدد المساهمات : 2419
    تاريخ التسجيل : 01/01/2014

    الباب الثاني والعشرون والباب الثالث والعشرون Empty الباب الثاني والعشرون والباب الثالث والعشرون

    مُساهمة من طرف كراكيب الأربعاء 10 مايو 2017 - 11:38

    الباب الثاني والعشرون والباب الثالث والعشرون Azkeya10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الثقافة الأدبية
    أالأذكياء لابن الجوزي
    الباب الثاني والعشرون والباب الثالث والعشرون 1410
    الباب الثاني والعشرون
    في ذكر أقوال وأفعال صدرت من أواسط الناس
    وعوامهم تدل على قوة الذكاء

    حدثنا يحيى المرزوي قال كنت آكل مع الرشيد يوماً فرفع رأسه إلى خادم فكلمه بالفارسية فقلت له يا أمير المؤمنين إن كنت تريد أن تسر إليه شيئاً فإني أفهم بالفارسية فاستحسن الرشيد ذلك مني وقال ليس نطوي سراً. قال عاد أبو عمر الضرير رجلاً من أصحابه فأخذت أمة بيده فصعدت به فلما أراد أن ينزل جاءت فأخذت بيده فقال رديني إلى مولاك فردنه فقال إن جاريتك أخذت بيدي حين صعدت وهي بكر ثم أخذت بيدي الساعة وهي ثيب فسأل عن ذلك فأخبر أن ابناً للرجل افترشها. قال مصعب بن عبد الله قال مالك بن أنس صلى بعض الشطار خلف رجل فلما قرأ ارتج عليه فلم يدر ما يقول فجعل يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وجعل يردد ذلك مراراً فقال الشاطر من خلفه ما للشيطان ذنب إلا أنك ما تحسن تقرأ.
    ● قال محمد بن عبد الرحمن دعا مغن مرة أخاً له فأقعده إلى العصر فلم يطعمه شيئاً فاشتد جوعه فأخذه مثل الجنون فأخذه صاحب البيت العود وقال له بحياتي أي صوت تشتهي أن أسمعك قال صوت المقلي أخبرنا الجماز قال سمعت واحد يقول لا آخر قد رمد بأي شيء تداوي عينيك قال بالقرآن ودعاء الوالدة فقال اجعل معهما شيئاً من أنزروت قال أبو الحسن علي بن هشام بن عبيد الله الكعب المعروف أبوه بأبي قيراط قال سمعت حامد بن العباس يقول ربما انتفع الإنسان في نكبته بالرجل الصغير أكثر من منفعته بالرجل الكبير فمن ذلك أن إسماعيل بن بلبل لما حبسني جعلني في يد بواب كان يخدمه فكان رجلاً حراً فأحسنت إليه وبررته وكان ذلك البواب يدخل لي مجلس الخاصة ولا ينكر عليه لسابق خدمته فجاءني في بعض الليالي وقال قد حرر الوزير علي ابن الفرات وقال ما يكسر المال على حامد غيرك ولا بد من الجد في مطالبته بباق مصادرته وسيدعو بك الوزير غداً إلى حضرته ويهددك فشغل ذلك قلبي فقلت له هل عندك من رأي فقال اكتب رقعة إلى رجل من معامليك تعرف شحه والتمس منه لعاليك ألف درهم يقرضك إياها واسأله أن يجيبك على ظهر الرقعة لترجع إليك لتخرجها فإنه لشحه يردك بعذر احتفظ بالرقعة فإذا طالبك أخرجتها إليه وقلت له قد أفضت حالي إلى هذا فأخرجتها على غير مواطئة فلعل ذلك ينفعك ففعلت ما قال وجاءني الجواب بالرد كما حسبنا فلما كان من الغد أخرجني الوزير وطالبني فأخرجت الرقعة فقرأها فلان واستحى وكان ذلك سبب خفة أمري وزوال محنتي.
    ● قال عيسى بن محمد الطوماري سمعت أبا عمرو محمد بن يوسف القاضي يقول اعتل أبي علة شهوراً فانتبه ذات ليلة فدعا بي وبأخوتي وقال لنا رأيت في النوم كأن قائلاً يقول كل لا واشرب لا فإنك تبرأ فلم ندر تفسيره. وكان بباب الشام رجل يعرف بأبي علي الخياط حسن المعرفة بعبارة الرؤية فجئنا به فقص عليه المنام فقال ما أعرف تفسيره ولكني أقرأ كل ليلة نصف القرآن فأخلوني الليلة حتى أقرأ رسمي وأتفكر فلما كان من الغد جاءنا فقال مررت على هذه الآية لا شرقية ولا غربية فنظرت إلى لا. وهي تردد فيها اسقوه زيتاً وأطعموه زيتاً، ففعلنا وكانت سبب عافيته.
    ● قال حدثنا الأصمعي قال رأيت رجلاً قاعداً على قصر أوس في الطاعون، يعد الموتى في كوز، فعد أول يوم عشرين ومائة ألف، فلما كان في اليوم الثاني عد خمسين ومائة ألف، فمر قوم بميتهم وهو يعد فلما رجعوا، إذا عند الكوز غيره فسألوه عنه فقالوا لهم هو في الكوز. حكى جعفر البرني قال مررت بسائل على الجسر وهو يقول مسكيناً ضريراً فدفعت إليه قطعة وقلت يا هذا لم نصبت قال فديتك بإضمار ارحموا. حدثنا أبو عثمان الخالدي قال علمت قصيدة أمدح سيف الدولة أبا الحسن أبن حمدان وعرضتها على جماعة أتعرف ما عندهم فيها، إذ حضر مخنث وأنا أقرؤها فلما انتهيت إلى قولي:
    وأنكرت شيبة في الرأس واحدة ● فعاد يسخطها ما كان يرضيها
    قال هذا غلط، قلت ما هو، قال تقول للأمير في الرأس واحدة ألا قلت في الرأس طالعة أو لائحة فعجبت من فطنته وجودة خاطره. روى سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه قال كان فتيان من قريش يرمون فرمى منهم من ولد أبي بكر وطلحة فقرطس فقال أنا بن القرنين فرمى آخر من ولد عثمان فقرطس فقال أنا ابن الشهيد ورمى رجل من الموالي فقرطس فقال أنا ابن من سجدت له الملائكة فقالوا له من هو فقال آدم. قال المبرد قدم بعض البصريين من أصحاب أبي هذيل بغداد قال فلقيت مخنثين لهما أيد منزلا وكان هذا الرجل في نهاية القبح فقال أحدهما بالله من أين أنت قلت من البصرة فأقبل على الآخر وقال لا إله إلا الله يا أخنى كل شيء من الدنيا حتى هذا كانت القرود تجيء من اليمن صارت تجيء من البصرة.
    ● بلغنا عن أبي الحرث أنه كان يهوى جارية يتعرس بطيفها، فشكا حاله إلى محمد بن منصور فاشتراها له وأنفذها إليه فلم يساعده ما معه عليها فبكر إليه فقال كيف كانت ليلتك قال شر ليلة صار ما عندي قرشياً من بني أمية قال كيف ذاك قال صار كما قال الأخطل:
    شمس العداوة حتى تستفاد لهم ● وأعظم الناس أحلاماً إذ قدروا
    فضحك محمد بن منصور مضى إلى الفضل وجعفر فأخبرهما وكان خبره حديثهم عامة يومهم. شكا أصحاب هشام إلى أسلم بن الأحنف احتباس أرزاقهم فدخل على هشام فقال يا أمير المؤمنين لو أن منادياً نادى يا مفلس ما بقي أحد من أصحابك إلا التفت فضحك وأمر بصلة أرزاقهم. عربد هاشمي على قوم فشكوه إلى عمه فأراد عمه أن يتناوله بالأدب فقال إني أسأت وليس معي عقلي فلا نسيء إلي ومعك عقلك فصفح عنه. قال قدم وفد من العراق على سليمان بن عبد الملك فقام رجل منهم فقال يا أمير المؤمنين ما أتيناك رغبة ولا رهبة قال فلم جئتم قال نحن وفد الشكر، أما الرغبة فقد وصلت إلينا في رحالنا وأما الرهبة فقد أمناها بعدلك ولقد حببت إلينا الحياة وهونت علينا الموت فأما تحبيبك إلينا الحياة فلما انتشر من عدلك وأما تهوينك علينا الموت فلما نثق منك فيمن تخلف من أعقابنا عليك، فوصله وأحسن جائزته وجوائز أصحابه.
    ● حدثنا أبو الحسن المدايني قال بعض العلماء كان لنا صديق من أهل البصرة وكان ظريفاً أديباً فوعدنا أن يدعونا إلى منزله فكان يمر بنا فكلما رأيناه قلنا متى هذا الوعد إن كنتم صادقين فيسكت إلى أن اجتمع ما يريده فمر بنا فأعدنا عليه القول فقال انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون. ذكر هلال بن المحسن أن رجلاً كان يقال له أبو العجب لم ير مثله فيما كان يعمل من الشعبذة دخل يوماً إلى دار المقتدر بالله فرأى خادماً من خواصه يبكي على بلبل مات له فقال له ما عليك أيها الأستاذ إن أحييته فقال ما تريد فأخذ البلبل الميت فأدخله كمه وأدخل رأسه وأخرج بعد ساعة بلبلاً حياً فماجت الدار وعجب الحاضرون فاستدعاه علي بن عيسى وقال والله إن لم تصدقني عن حقيقة الأمر لأضربن عنقك، فقال إني شاهدت الخادم يبكي على بلبله فطمعت بما آخذه منه فمضيت في الحال إلى السوق وابتعت بلبلاً وخبأته في كمي وعدت إلى الخادم فقلت ما قلته وأخذت البلبل الميت وأدخلت رأسه في كمي وأكلته وأخرجت الحي فلم يشك أنه بلبله وهذا رأس الميت.
    ● أحضر رجل بين يدي المأمون قد أذنب فقال له أنت الذي فعلت كذا وكذا قال نعم أنا ذاك يا أمير المؤمنين الذي أسرف على نفسه واتكل على عفوك فعفا عنه. قال بعض الأدباء لصديق له أنت والله بستان الدنيا فقال الآخر أنت النهر الذي يشرب منه ذلك البستان.
    ● تظلم أهل الكوفة من عاملها إلى المأمون فقال ما علمت في عمالي أعدل منه فقال رجل من القوم يا أمير المؤمنين فقد لزمك أن تجعل لسائر البلدان نصيباً من عدله حتى تكون قد ساويت بين رعاياك في حسن النظر، فأما نحن فلا تخصنا منه بأكثر من ثلاث سنين فضحك المأمون وأمر بصرفه. دعا بعض الظرفاء قوماً فجاؤوا ومعهم طفيلي ففطن الرجل به وأراد أن يعلمهم أنه قد فطن فقال ما أدري لمن أشكر لكم أن دعوتكم فجئتم أو لهذا الذي تجشم من غير أن دعوته.
    ● قال يموت بن المزرع قال لي سهل بن صدقة يوماً وكانت بيننا مداعبة ضربك الله باسمك فقلت له مسرعاً أحوجك الله إلى اسم أبيك.
    ● مر رجل من الأذكياء برجل قائم في الطريق قال ما وقوفك قال انتظر إنساناً فقال يطول قيامك إذن. تقدم رجل سيئ الأدب إلى حجام فقال له تقدم يا ابن الفاعلة وأصلح شاربي فقال له إن كان خطابك للناس كذا فعن قليل تسترح منه. حضر خياط عند بعض الأتراك ليفصل له قباء فأخذ يفصل والتركي ينظر إليه فلم يتهيأ له أن يسرق منه شيا فضرط فضحك التركي حتى استلقى فأخرج الخياط من الثوب ما أراد فجلس التركي وقال يا خياط ضرطة أخرى فقال لا يجوز يضيق القباء. قال رجل لرجل بكم ابتعت هذه الشاة فقال أخذتها بستة وهي خير من سبعة وقد أعطيت بها ثمانية فإن كانت من حاجتك بتسعة فزن عشرة. تزوج أعمى امرأة فقالت له لو رأيت حسني وبياضي لعجبت فقال لو كنت كما تقولين ما تركك لي البصراء.
    ● قال رجل لبعض المياسير وعدتني وعداً فأنجزه لي فقال ما أذكر هذا الوعد فقال صدقت أنت لا تذكره لأن من تعد مثلي كثير وأنا لا أنسى لأن من أسأله بمثلك قليل فقال أحسنت وقضى حاجته. كان رجل في دار بأجرة وكان خشب السقف يتفرقع كثيراً فلما جاء رب الدار يطالبه بالأجرة قال له اصلح هذا السقف فإنه يتفرقع قال لا بأس عليك فإنه يسبح الله قال أخشى أن تدركه الرأفة فيسجد.
    ● وقف قوم على مزيد وهو يطبخ قدراً فأخذ أحدهم قطعة لحم فأكلها وقال يا مزيد تحتاج القدر إلى الخل وأخذ آخر قطعة لحم فأكلها وقال تحتاج القدر إلى إبزار وأخذ آخر قطعة لحم وقال يحتاج القدر إلى ملح فأخذ الطباخ قطعة لحم وقال تحتاج القدر إلى لحم فتضاحكوا منه وانصرفوا. قال رجل لأعرابي ما اسمك فقال فرأت بن البحرين الفياض قال فما كنيتك قال أبو الغيث قال بأبي أنت ينبغي أن نلقي فيك زورقاً وإلا غرقنا. قال سعيد بن مسلم لبعض جلسائه في بستانه ما أحسن هذا البستان قال أنت أحسن منه لأنه يؤتى أكله كل عام مرة وأنت تؤتي أكلك كل يوم.
    ● قام رجل على رأس ملك فقال له لم قمت قال لا قعد فولاه دخل مخنث على العريان بن الهيثم وهو أمير المؤمنين بالكوفة فقال يا عدو الله أتتخنث وأنت شيخ فقال مكذوب علي كما كذب على الأمير أعزه الله فاستوى جالساً وقال وما قيل في، قال يسمونك العريان وأنت صاحب عشرين جبة فضحك وخلى سبيله رمى رجل عصفوراً فأخطأه فقال له رجل أحسنت فغضب وقال أتهزأ بي قال لا ولكن أحست إلى العصفور.
    ● قال جعفر بن يحيى البرمكي لبعض ندمائه اشتهي والله أن أرى إنساناً تليق به النعمة فقال له الرجل أنا أريك ذاك عياناً فقال هات فأخذ المرآة فقربها من وجهه قص قاص فقال إذا مات العبد وهو سكران دفن وهو سكران وحشر وهو سكران فقال رجل في طرف الحلقة هذا والله نبيذ جيد يساوي الكوز منه عشرين درهماً نظر الأصبهاني إلى أبي هفان يسار رجلاً فقال فيم تكذبان قال في مدحك كان رجل من الظرف مع الرشيد في سفره إلى خراسان فلما علا عقبة ماسدان قال الرشيد الحمد لله الذي أخرجنا من الدنيا سالمين اجتاز بالناشيء البغدادي قصاب يبيع لحم بقر هزيل وهو يقول أين من حلف لا يغبن فقال له الناشىء حتى تحنثه قال تاب مخنث فلقيه مخنث آخر فقال من أين تأكل قال من بقية ذاك الكسب فقال لحم الخنزير طرياً أطيب منه قديداً وقال رأى عبادة المخنث ثغر دابة فمط ذنبها وقال هذه تمشي على استحياء أطعم رجل من جدي أربعة أيام فقال له هذا الجدي موته أطول عمراً منه في حياته اجتمع قوم في دعوة وفيهم رجل له محبوب في الجماعة فلما ناموا قام المحب فأطفأ السراج وأخذ بيده حتى أن رآه أحد وضع المخدة تحت رأسه وقام فلما بلغ إلى المكان خرجت جارية بشمعة فالصق المخدة بالحائط واتكأ عليها يغط، فقالت الجارية ويحك تنام وتغط قائماً فقال لها إيش عليك مني كيفما أردت أن أنام نمت.
    ● دخل رجل ذكي إلى المسجد يصلي فسرقوا نعله فتركوها في كنيسة بجوار المسجد فجعل يفتش عليها فرآها في الكنيسة فقال ويحك لما أسلمت أنا تهودت أنت، قال بعض الأذكياء إذا رأيت رجلاً من صلاة الغداة على باب داره وهو يقول وما عند الله خير وأبقى فاعلم أن في جواره وليمة لم يدع إليها وإذا رأيت قوماً يخرجون من مجلس القاضي وهو يقولون وما شهدنا إلا بما علمنا فاعلم أن شهادتهم لم تقبل وإذا تزوج الرجل فسئل عن حاله فإن قال ما رغبنا إلا في الصلاح فاعلم أن زوجته قبيحة، قال الشيخ حكي لنا أن بعض الناس ضاف رجلاً فانتبه صاحب الدار بالليل فسمع ضحك الرجل من الغرفة فصاح به فلان قال لبيك قال أنت كنت في الدار فما الذي رقاك إلى الغرفة قال تدحرجت قال الناس يتدحرجون من فوق إلى أسفل فكيف تدحرجت أنت قال فمن هذا أضحك.
    ● قال رجل لرجل إن لطمتك لطمة لأبلغن بك المدينة فقال له فأحب إن تردفها بأخرى لعل الله تعالى أن يرزقني الحج على يديك، قال صبي ليهودي يا عم قف حتى أصفعك قال أنا مستعجل اصفع أخي قال رجل لبعض المغنين ما تعرف الثقيل الأول ولا الثقيل الثاني فقال وكيف لا أعرفهما وأنا أعرفك وأعرف أباك، نظر أبو الفضل الهمداني إلى رجل طويل بارد فقال قد أقبل ليل الشتاء، رؤي فقير في قرية فقيل له ما تصنع فقال ما صنع موسى والخضر عليهما السلام يعني استطعما أهلها وسئل بعض السوقة عن سوقهم فقال مثل سوق الجنة يعني أنه لا بيع فيه ولا شراء. قال شتم رجلاً من العوام فقال له إيش قلت لك فأوهمه أنه يسأل أي شيء قلته لك حتى تشتمني وإنما أراد أي شيء قلته فهو لك وهذا من عجيب الفطنة، جاءت جارية رجل إليه وهو في الموت بشيء يشربه فكرهه فقالت له يا سيدي غمض عينيك وخذه فقال كذا افعل بشرى لي أني أموت.
    ● قال رجل لرجل بأي وجه تلقاني وقد فعلت كذا وكذا قال بالوجه الذي ألقى به ربي عز وجل وذنوبي إليه أكثر من ذنوبي إليك، تكلم بعض القصائص قال في السماء ملك يقول كل يوم لدوا للموت وابنو للخراب فقال بعض الأذكياء اسم ذلك الملك أبو العتاهية، قال استدعي رجل مغنيين فلما هما بالغناء قال أحدهما للآخر اتبعني قال لا بل أنت اتبعني قال لا بل أنت اتبعني فلما طال هذا بينهما قال صاحب البيت اتبعاني جميعاً. قال قدم طباخ إلى بعض الأذكياء طبقاً وعليه رغيفان ثم قال له إيش تشتهي أجيئك به فقال خبزاً، وحكى أيضاً إن بعض المحتسبين جاز يوماً على رجل ينادي على الخبيص رطلين بحبة فقال له ويحك الدبس يباع رطل بحبة والشيرج رطل بقيراط فكيف تبيع أنت الخبيص رطلين بحبة فقال يا سيدنا ما في الخبيص شيء من اللذين ذكرت قال فبع الآن كيف شئت والله الموفق.

    الباب الثالث والعشرون
    في احترازات الأذكياء

    قال الشيخ رضي الله عنه روينا عن العباس بن عبد المطلب أنه سئل أيما أكبر أنت أو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر وأنا ولدت قبله، وروينا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال لبعض أهل المدينة أنا أسن أن أنت فقال له لا أذكر ليلة زفت أمك المباركة على أبيك الطيب وهذا الاحتراز مليح لأنه لم يقل أمك الطيبة. قال ابن عرابة المؤدب حكي لي محمد بن عمر الصبي أنه حفظ ابن المعتز وهو يؤدبه والنازعات وقال له إذا سألك أمير المؤمنين أبوك في أي شيء أنت فقل له في السورة التي تلي عبس ولا تقل أنا في النازعات قال فسأله أبوه في أي شيء أنت قال في السورة التي تلي عبس فقال من علمك هذا قال مؤدبي قال فأمر له بعشرة آلف درهم. قال عبد الواحد بن نصر المخزومي قال أخبرني من أثق به أنه خرج في طريق الشام مسافراً يمشي وعليه مرقعة وهو في جماعة نحو الثلاثين رجلاً كلهم على هذه الصفة فصحبنا في بعض الطريق رجل شيخ حسن الهيئة معه حمار فأره يركبه ومعه بغلان عليهما رجل وقماش ومتاع فاخر فقلنا له يا هذا إنك لا تفكر في خروج الأعراب علينا فإنه لا شيء معنا يؤخذ وأنت لا تصلح لك صحبتنا مع ما معك فقال يكفينا الله ثم سار ولم يقبل منا وكان إذا نزل يأكل استدعي أكثرنا فأطعمه وسقاه وإذا عيي الواحد منا أركبه على أحد بغليه وكانت جماعة تخدمه وتكرمه وتتدبر برأيه إلى أن بلغنا موضعاً فخرج علينا نحو ثلاثين فارساً من الأعراب فتفرقنا عليهم وما نعناهم فقال الشيخ لا تفعلوا فتركناهم ونزل فجلس وبين يديه سفرته ففرشها وجلس يأكل وأظلتنا الخيل فلما رأوا الطعام دعاهم إليه فجلسوا يأكلون ثم حل رحله وأخرج منه حلوى كثيرة وتركها بين يدي الأعراب فلما أكلوا وشبعوا جمدت أيديهم وخدرت أرجلهم ولم يتحركوا فقال لنا أن الحلو مبنج أعددته لمثل هذا وقد تمكن منهم وتمت الحيلة ولكن لا يفك البنج إلا أن تصفعوهم فافعلوا فإنهم لا يقدرون لكم على ضرر وسير ففعلوا فما قدروا على الامتناع فعلمنا صدق قوله وأخذنا أسلحتهم وركبنا دوابهم وسرنا حواليه في موكب ورماحهم على أكتافنا وسلاحهم علينا فما نجتاز بقوم ألا يظنونا من أهل البادية فيطلبون النجاة منا حتى بلغنا ما مننا.
    ● حدثنا أبو محمد عبد الله ابن علي المقري قال دفن رجل مالاً في مكان وترك عليه طابقاً وتراباً كثيراً ثم ترك فوق ذلك خرقة فيها عشرون ديناراً وترك عليها أتراباً كثيراً ومضى فلما احتاج إلى الذهب كشف عن العشرين فلم يجدها فكشف عن الباقي فوجده فحمد الله على سلامة ماله وإنما فعل ذلك خوفاً أن يكون قد رآه أحد وكذلك كان فأنه لما جاءه الذي رآه وجد العشرين فأخذها ولم يعتقد أن شيئاً آخر، حدثني بعض المشايخ أن رجلاً يهودياً كان معه مال فاحتاج إلى دخول الحمام وخاف أن ينكسر سبته إن حمله معه فدخل إلى خزانة الحمام فحفر ودفنه ثم دخل إلى الحمام وخرج فبحث عنه فلم يجده فسكت ولم يخبر أحداً لا زوجته ولا ولداً ولا صديقاً فجاءه بعد أيام رجل فقال كيف أنت من شغل قلبك فلزمه وقال رد مالي لي فقالوا له من أين علمت قال رآني لما دفنته مخلوق ولا حدثت به مخلوقاً قال إن هذا أخذه ما قال كيف أنت من شغل قلبك.
    ● وقال بعضهم خرجت في الليل لحاجة فإذا أعمى على عاتقه جرة وفي يده سراج فلم يزل يمشي حتى أتى النهر وملأ جرته وانصرف راجعاً فقلت يا هذا أنت أعمى والليل والنهار عندك سواء فقال يا فضولي حملتها معي لأعمى القلب مثلك يستضيء بها فلا يعثر بي في الظلمة فيقع علي فيكسر جرتي. روى أبو الحسن الأصفهاني أن إبراهيم الموصلي دخل على الرشيد وبين يديه جارية كأنها خوط بان فقال لها الرشيد غني فغنت:
    توهمه قلبي فأصبح خده ● وفيه مكان الوهم من نظري أثر
    ومر بوهمي خاطراً فجرحته ● ولم أر جسماً قط يجرحه الفكر
    قال إبراهيم فذهبت والله بعقلي حتى كدت أفتضح فقلت من هذه يا أمير المؤمنين قال هذه التي يقول فيها الشاعر:
    لها قلبي الغداة وقلبها لي ● فنحن كذاك في جسدين وروح
    ثم قال غني يا إبراهيم فغنيت:
    تشرب قلبي حبها ومشى بها ● تمشي حميا الكأس في جسم شارب
    ودب هواها في عظامي فشفها ● كما دب في الملسوع سم العقارب
    قال ففطن بتعريضي وكانت غلطة مني فأمرني بالانصراف ولم يدعني شهراً ثم دس إلي خادماً ومعه رقعة فيها مكتوب:
    قد تخوفت أن أموت من الوجد ● ولم يدر من هويت بحالي
    يا كتابي اقرأ السلام على من ● لا أسمى وقل له يا كتابي
    إن كفـا إليـك قــــــد كـتـبـتـني ● في شقاء مواصل وعذاب
    فأتاني الخادم بالرقعة فقلت له ما هذا قال رقعة من فلانة الجارية التي غنتك بين يدي أمير المؤمنين فأحسست بالقصة فشمت الخادم وقمت إليه فضربته ضرباً شفيت منه نفسي وركبت إلى الرشيد من فوري فأخبرته بالقصة وأعطيته الرقعة فضحك حتى كاد أن يستلقي وقال علي عمد فعلت ذاك لامتحنك وأعرف مذهبك وطريقتك ثم دعا لي الخادم فخرج فلما رآني قال قطع الله يديك ورجليك ويلك قتلتني فقلت القتل بعض حفك لما وردت به علي ولكني أبقيت عليك وأخبرت أمير المؤمنين ليأتي في عقوبتك ما تستحقه فأمر لي الرشيد بصلة سنية والله يعلم أني ما فعلت ما فعلته عفافاً بل خوفاً. وقعت على ابن المهلب حية فلم يدفعها عن نفسه فقال له أبوه يا بني ضيعت العقل من حيث حفظت الشجاعة.

    الباب الثاني والعشرون والباب الثالث والعشرون Fasel10

    كتاب : الأذكياء
    لابن الجوزي
    منتدى حُكماء رحُماء . البوابة

    الباب الثاني والعشرون والباب الثالث والعشرون E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 1 نوفمبر 2024 - 21:17