بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
أالأذكياء لابن الجوزي
الباب الثاني والثلاثون
فيما ذكر عن الحيوان البهيم مما يشبه كلام الآدميين
أخبرنا أبو سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر شفاء وأنه ليتقي بالذي فيه الداء فإذا وقع في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم لينزعه وعن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً كان يبيع الخمر في سفينة وكان يشوبه بالماء وكان معه في السفينة قرد فأخذ القرد الكيس الذي فيه الدنانير فصعد ذروة الدقل ففتح الكيس فجعل يلقي في البحر ديناراً وفي السفينة ديناراً حتى لم يبق فيه شيء قال محمد بن ناصر قدم رجل على بعض السلاطين وكان معه عامل إرمينية منصرفاً إلى منزله فمر في طريقه بمقبرة وإذا قبر عليه قبة مبنية مكتوب عليها هذا قبر الكلب فمن أحب أن يعلم خبره فليمضِ إلى قرية كذا وكذا فإن فيها من يخبره فسأل الرجل عن القرية فدلوه عليها فقصدها وسأل أهلها فدلوه على شيخ قد جاوز المائة فسأله فقال كان في هذه الناحية ملك عظيم الشأن وكان مشتهراً بالنزهة والصيد والسفر وكان له كلب قد رباه لا يفارقه فخرج يوماً إلى بعض منتزهاته وقال لبعض غلمانه قل للطباخ يصلح لنا ثردة لبن فقد اشتهيتها فأصلحوها ومضى منتزهه فوجه الطباخ فجاء بلبن وصنع له ثردة عظيمة ونسي أن يغطيها بشيء واشتغل بطبخ أشياء آخر فخرج من بعض شقوق الحيطان أفعى فكرع في ذلك اللبن ومج في الثردة من سمه والكلب رابض يرى ذلك كله ولو كان في الأفعى حيلة لدفعها وكان هناك جارية طفلة خرساء زمنة قدرات ما صنع الأفعى ووافى الملك من صيد في آخر النهار فقال يا غلمان أول ما تقدمون إلى الثردة فلما وضعت بين يديه أومأت الخرساء إليه فلم يفهم ما تقول ونبح الكلب وصلح فلم يلتفت إليه ولج في الصياح فلم يعلم مراده فأخذ ورمى إليه بما كان يرمي في كل يوم فلم يقربه ولج في الصياح فقال للغلمان نحوه عنا فإن له قصة ومد يده إلى اللبن فلما رآه الكلب يريد أن يأكل ظفر إلى وسط المائدة وأدخل فمه الغضارة وكرع من اللبن فسقط ميتاً وتناثر لحمه وبقي الملك متعجباً منه ومن فعله فأومأت الخرساء إليهم ففهموا مرادها بما صنع الكلب فقال الملك لندمائه وحاشيته أن من فداني بنفسه لحقيق بالمكافأة وما يحمله ويدفنه غيري فدفنه وبنى عليه قبة وكتب عليها ما قرأت.
● قال أبو عثمان المدائني كان في جوارنا ببغداد رجل يلعب بالكلاب فاسحر يوماً في حاجة ومعه كلب كان يختص به من كلابه فرده فلم يرجع فمشى حتى انتهى إلى قوم كان بينه وبينهم عداوة فصادفوه فقبضوا عليه والكلب يراهم فخرج الكلب وقد لحقته جراحة فجاء إلى بيت صاحبه يعوي وافتقدت أم الرجل ابنها فأثبتت أن الجراح التي بالكلب من فعل من قتل ابنها وأنه قد تلف فأقامت عليه المأتم فطردت الكلاب عن بابها فلزم ذلك الكلب طلب القاتل فاجتاز القاتل وهو رابض فعرفه ونهشه وعلق به فاجتهد المجتازون في تخليصه منه فلم يمكنهم وارتفعت ضجة وجاء حارس الدرب فقال إنه لم يعلق هذا الكلب بالرجل إلا وله معه قضية ولعله الذي جرحه وخرجت أم القتيل فرأت الكلب متعلقاً بالرجل وسمعت كلام الحارس فذكرت بأن هذا الرجل مما كان يعادي ابنها فوقع في نفسها أنه قاتله فتعلقت وادعت عليه القتل وارتفعا إلى صاحب الشرطة فحبسه بعد أن ضرب ولم يقر ولزم الكلب باب الحبس فلما كان بعد أيام أطلق الرجل فلما خرج علق به الكلب ففرق بينهما وما زال يسعى خلفه ويصيح إلى أن دخل بيته فدخل خلفه ومعه صاحب الشرطة من حيث لا يعلم فكبس الدار فأقبل الكلب بمخاليبه موضع القتيل فنبش فوجد الرجل فضرب المتهم فأقر على نفسه وعلى الباقين فقتل وصلبوا.
● وحدثنا محمد بن الحسين بن شداد قال رأيت رجلاً له كلب يقربه ويغطيه بديباج كان عليه فسألته عن السبب فقال كان لي رفيق يعاشرني فخرجنا في سفر وكان في وسطي هميان فيه جملة دنانير ومعي متاع كثير فنزلنا في موضع فعمد إليّ فأوثقني كتافاً ورمى بي في وادٍ وأخذ ما كان معي ومضى وقعد هذا الكلب معي ثم تركني ومضى فما كان بأسرع من أن وافاني ومعه رغيف فطرحه بين يدي فأكلته ولم أزل أحبو إلى موضع فيه ماء فشربت منه ولم يزل الكلب معي باقي ليلتي ثم نمت ففقدته فما كان بأسرع إن وافاني ومعه رغيف فأكلته فلما كان في اليوم الثالث غاب عني فقلت يمضي ويجيئني بالرغيف فجاء ومعه الرغيف فرمى به فلم أستتم أكله إلا وابني يبكي على رأسي وقال ما تصنع ههنا وما قصتك ونزل وحل كتافي وأخرجني فقلت له من أين علمت بمكاني ومن دلك عليّ فقال كان الكلب يأتينا في كل يوم فنطرح له الرغيف على اسمه فلا يأكله وقد كان معك فأنكرنا رجوعه ولست معه وكان يحمل الرغيف بفمه ولا يذوقه ويغدو فأنكرنا أمره فاتبعته حتى وقفت عليك فهذا خبري وخبر الكلب. قال كان للحرث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم فعبث أحدهم بزوجته وأرسلها وكان للحرث كلب قد رباه فخرج الحرث في بعض منتزهاته وتخلف عنه ذلك الرجل وجاء إلى زوجته فأقام عندها فلما جامعها وثب الكلب عليهما فقتلهما فلما رجع الحرث نظر إليهما فعرف القصة وترك من كان يعاشره واتخذ كلبه نديماً فتحدث به العرب فأنشأ يقول:
فللكلب خير من خليل يخونني ● وينكح عرسي بعد وقت رحيلي
سأجعل كلبي ما حييت منادمي ● وأمنــحه ودي وصـــفو خليلي
● وقال ابن عبيدة خرج رجل من البصرة فاتبعه كلب فوثب بالرجل قوم فجرحوه ورموه في بئر وحثوا عليه التراب فلما انصرفوا أتي الكلب رأس البئر فبحث حتى ظهر رأس الرجل وفيه نفس يتردد فمر قوم فأخرجوه حياً.
● قال ابن خلف وحدثني بعض أصدقائي قال: دخلت بستاناً ومعي كلبان لي قد ربيتهما فنمت فإذا هما فانتبهت فلم أر شيئاً أنكره فعاودوا النبح فضربتهما ونمت فإذا بهما يحركاني بأيديهما وأرجلهما كما يوقظ النائم فوثبت فإذا أسود سالح قد قرب مني وثبت فقتلته فكانا سبب سلامتي.
● قالت الحكماء ومن فطنة الكلب أنه إذا عاين الظباء قريبة كانت أو بعيدة عرف المعتلّ وغير المعتل والذكر من الأنثى فلم يقصد الصيد فيها إلا الذكر وإن علم أنه أشد عدواً وأبعد وثبة ويدع الأنثى على نقصان عدوها وسبب ذلك أنه قد علم أن الذكر إذا عدا شوطاً أو شوطين حقن ببوله وهكذا كل حيوان إذا اشتد فزعه فإنه يدركه الحقن وإذا حقن الذكر لم يستطع البول مع شدة العدو فيثقل حينئذ عدوه ويقصر مدى خطاه فيلحقه الكلب وإما الأنثى فإنها تحذف بولها لسعة السبيل وسهولة المخرج فتصير بذلك أدوم ومن فهم الكلب أنه إذا خرج الجليد والثلج وقد تراكم على الأرض والكلاب لا تدري حينئذ أين كناس الظبى وأين جحر الأرنب فيفر الكلب وينظر إلى أن يقف على تلك الجحرة وظنين معرفته أن أنفاس الحيوانات وبخار أجوافها يذيب ما لاقى من فم الجحر من الثلج الجامد حتى يرق وذلك خفي غامض لا يقع عليه إلا الكلب وأن الكلب إذا ظفر بشخص لم ينجه منه إلا أن يقعد بين يديه ذليلاً فحينئذ لا ينجه لأنه يراه تحت قدرته فيسمه بميسم ذل.
● حدثنا أبو بكر بن الحضنة عن مؤدبه أبي طالب المعروف بابن الدلو وكان رجلاً صالحاً يسكن نهر طابق أنه كان ليلة من الليالي قاعداً ينسخ قال وكنت ضيق اليد فخرجت فأرة كبيرة فجعلت تعدو في البيت ثم خرجت أخرى وجعلا يلعبان بيد يدي طاسة فكفيتها على إحداهما فجاءت الأخرى فجعلت تدور حول الطاسة وأنا ساكت فدخلت السرب فخرجت وفي فيها دينار صحيح وتركته بين يدي فاشتغلت بالنسخ وقعدت ساعة تنتظر ثم رجعت فجاءت بدينار آخر وقعدت ساعة إلى أن جاءت بأربعة أو خمسة وقعدت زماناً أطول من كل نوبة ورجعت فأخرجت جلدة كانت فيها الدنانير وتركتها فوق الدنانير فعرفت أنه ما بقي شيء فرفعت الطاسة ففرتا فدخلتا البيت وأخذت أنا الدنانير قال محمد بن عجلان مولوي بن زياد قال دخل زياد مجلسه ذات يوم فإذا هو بهر في زاوية البيت فذهبت أزجره فقال دعه فأرى ما له ثم صلى الظهر ثم عاد إلى مجلسه ثم صلى العصر فعاد إلى مجلسه كل ذلك يلاحظ الهر فلما كان قبل غروب الشمس خرج جرذ فوثب عليه الهر فأخذه فقال زياد من كانت له حاجة فليواظب عليها مواظبة الهر فإنه يظفر بها.
● قال القاسم بن أبي طالب التنوخي كنت ماضياً إلى الأنبار في رفقة بازيانية للسلطان فأطلقوا بازاً على دراج فطار فلحق الدراج فانتهى الدراج إلى غيضة فدخلها فألقى نفسه بين شوك كان فيها وأخذ من ذلك الشوك أصلين كبيرين في رجليه ونام على قفاه ورفع رجليه فاستتر بذلك من البازي فلما قرب منه البازي طار فصاده البازي فقالوا ما رأينا دراجاً قط احذر من هذا قال المصنف والعرب تقول احذر من غراب واحذر كم عقعق واحذر من ذئب ويزعمون أن الذئب يبلغ من حذره أنه يزاوج بين عينيه إذا نام فيفتح إحداهما لتكون حارسه قال حميد بن هلال في الذئب:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ● بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع
قال العسكري هذا محال لأن النوم يأخذه جملة الحي قال مؤلف الكتاب أرادوا بذلك أن يغمض عيناً عند بداية النوم ويفتح عيناً إلى أن يغلب عليه النوم فيكون الكلام صحيحاً ويقولون احذر من ظليم وهو ذكر النعام.
● روي عن ابن الأعرابي عن هشام ابن سالم قال أكلت حية بيضة مكاء فجعل المكاء يشرشر على رأسها ويدنو منها حتى إذا فتحت فاها تريده وهمت به ألقى في فيها حسكة فأخذت بحلقها حتى ماتت وروينا أن الهدهد قال لسليمان عليه السلام أريد أن تكون في ضيافتي قال سليمان أنا وحدي قال لا بل العسكر كله في جزيرة كذا في يوم كذا فمضى سليمان إلى هناك فصعد الهدهد إلى الجو جرادة وخنقها ورمى بها في البحر وقال يا نبي الله إن كان اللحم قليلاً فالمرق كثير فكلوا من فاته اللحم ناله المرق فضحك سليمان وجنوده من ذك حولاً كاملاً.
● قلت من أحوال الحيوان البهيم وأفعاله الدالة على الفطنة أن العصافير لا تقيم إلا في دار مسكونة فإن هجرها الناس لم تقم، وأما الهرة فإنها تألف الدار وإن رحل أهلها والكلب يرحل مع أهل الدار ولا يلتفت إلى الدار ومتى طرقت العصافير آفة استغاثت فأغاثها كل عصفور يسمع حتى أنه قد يقع فرخها فيستغيث فلا يلقى عصفور يسمع إلا جاء فيطيرون حول الفرخ ويحركونه بأفعالهم فيحدثون له بذلك قوة وحركة حتى يطير معهم قال بعض الصيادين ربما رأيت العصفور على حائط فأومي بيدي إلى الأرض كأنني أتناول شيئاً فلا يتحرك فإن مسست بيدي حصاة طار قبل أن تتمكن منها يدي.
● الحمام إذا علم الذكر أن الأنثى قد حملت اشتغل هو وهي بعمل العش وأشخصا لها حروفاً تحفظ البيض ثم سخناها ونفيا عنها طباعها وأحدثا لها طبيعة أخرى مستخرجة من رائحة أبدانها ثم يقلبان البيض في الأيام فتأخذ البيضة نصيبها من الحضن وساعات الحضن أكثرها على الأنثى كالمرأة التي تكفل الحضانة فإذا صار البيض فراخاً كان أكثر الزق على الذكر ومتى انصدع البيض علماً أن حواصل الفراخ لا تتسع للغذاء فينفخان الريح في حلوقهما لتنتفخ الحوصلة وتتسع ثم يعلمان أنه لا يصلح أن يزق الطعام فيزقان اللعاب المختلط بقواهما وقوى الطعام كاللبا ثم يعلمان أن الحوصلة تحتاج إلى دبغ وتقوية فيأكلان من سورج الحيطان وهو شيء بين الملح الخالص وبين التراب المالح فيزقانه فإذا علما أنه قد اشتد زقاه الحب فإذا علما أمه قد أطلق أن يلقط منعاه بعض المنع ليحتاج إلى اللفظ فيعوده فإذا علما أنه قد قوي على ذلك ضرباه إذا سألهما الكفاية ومنعاه ثم يبتدئان لغيره فيبتدئ الذكر بالدعاء وتبتدئ الأنثى بالتأني والاستدعاء ثم ترفق وتتشكل ثم تمتنع فتحبب ثم يتعاشقان ويتطاوعان ويحدث لهما من الغزل والتقبيل والرشف.
● والتنين إذا هلكت زوجته لم يتزوج وكذلك هي والعنكبوت تنسج بما هو يسكنها شبكة للذباب فإذا تعرقلت فيها صادها ويروى أن الليث وهو صنف من العناكب يلطا بالأرض ويجمع نفسه ويرى الذباب أنه لاهٍ عنه وثب وثوب الفهد فيصيدها. والثعلب إذا أعوزه القوت تماوت ونفخ بطنه فيحبسه الطير ميتاً فإذا وقع عليه وثب عليها.
● والخفاش ضعيف البصر فلا يطير إلا عند الغروب لأنه وقت لا ضوء فيه يغلب بصرع ولا ظلمة.
● والنملة والذرة تدخر في الصيف للشتاء ثم تخاف على المدخر من الحبوب العفن فتخرجه فتنشره ليضربه الهواء وربما اختارت ذلك في ليالي القمر لأنها فيه أبصر فإن كان مكانها ندياً وخافت أن تنبت نقرت وسط الحبة كأنها تعلم أنها تنبت من ذلك المكان وفلقتها نصفين فإن كان كزبرة فلقتها أربع لأن أنصاف الكزبرة تنبت من بين جميع الحبوب فهي من الشم ما ليس لشيء وربما أكل الإنسان أو ما أشبهه فتسقط من يده الواحدة أو بعضها وليس بقربه ذرة فلا تلبث تقبل ذرة أو نملة قاصدة إلى تلم الجرادة فتحاول نقلها إلى موضعها فتعجز فتكر راجعة إلى بيتها فلا تلبث أن تقبل وخلفها كالخيط فتتعاون فتحملها فانظر إلى صدق الشم لما لا يشمه الإنسان ثم إلى نقد الهمة إلى الجرأة في محاولة نقل شيء وزنها خمسمائة مرة أو أكثر وأقل أن تلقى أخرى إلا وقفت معها وحدثتها ويدل قوله تعالى ( قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ).
● ومن الحيات ما يغمس ذنبه في الرمل وينتصب قائماً نصف النهار في شدة الحر فيجيء الطائر فيكره الوقوع على الرمل لحره فيقع على رأس الحية على أنها عود فتقبض عليه وزعم قوم أن الحية في بلادهم تأتي البقرة فتنطوي على فخذها وتلتقم الثدي فلا تستطيع البقرة أن تتزمزم فتمتص اللبن.
● ومن فهم اليربوع لا يتخذ حجره إلا في كدوة وهو الموضع الصلب ليرتفع عن السيل فيسلم من مجاري المياه ومدق الحافر فيحفر في الصلابة ويعمق ثم يتخذ في زوايا بيته القاصعاء والنافقاء والرامقاء والرهطاء بيوت قد اتخذها ورق أبوابها فإذا أحس شراً دفع بعضها وخرج ولما علم من نفسه أنه كثير النسيان لم يحفر بيته إلا عند أكمة أو صخرة أو شجرة ليكون إذا تباعد عن حجره لطلب طعمه أو خوف حسن اهتداؤه إليه.
● والظبي لا يدخل كناسه إلا وهو مستدير يستقبل بعينيه ما يخاف على نفسه وخشفه والضبة تبيض ستين بيضة ثم تسد عليهن باب حجرها تدعهن أربعين صباحاً ثم تحفر عنهن وقد انشق البيض، والنسر كثير الشره فإذا امتلأ من الجيف لم يستطع الطيران فيثب وثبات ويدور حول مسقطه مرات ثم يرفع نفسه طبقة طبقة في الهواء حتى يدخل الريح تحته فيرفعه. والسنور يرى الفأرة في السقف فيحرك يده كالمشير لها بالعود فتعود ثم يشير إليها بالرجوع فترجع وإنما يطلب أن تنزلق فلا يزال يفعل ذلك حتى تسقط.
● والأسد ربما حبس العنز بيمينه وطعن بمخلب يساره في لبته وقد أقفاه على مؤخرة فيتلقى دمه شاخباً في فيه كأنه ينصب من فوارة حتى إذا شربه واستفرغه شق بطنه.
● والبق يخرج لطلب الرزق فيعرف أن الذي يعيشه الدم فإذا أبصر الجاموس علم أن خلف جلده غذاءه فسقط عليه وطعن بخرطومه وهو واثق بنفوذ سلاحه والعقاب لا تكاد تعاني الصيد بل تقف على موضع عالٍ فإذا اصطاد بعض الطير شيئاً انقضت عليه فإذا أبصره لم يكن له همة إلا الهرب وترك صيده في يدها.
● وكذلك الحية لا تحفر موضعاً تسكنه ولا تهتم بذلك بل تأتي إلى المكان الذي حفره غيرها فتسكنه فينفر عن ذلك والأيل يذهب قرنه في كل عام فإذا علم أنه قد هلك سلاحه لم يظهر من مخافة السبع فإذا قام في موضعه سمن فيعلم أن حركته تبطئ فيزيد في استخفائه فإذا ظهر قرنه تعرض للشمس والريح وأكثر الحركة والذهاب ليذهب شحمه ولحمه فإذا استقام قرنه عاد إلى عادته الأولى وهو يأكل الحيات فيعتريه عطش شديد فيدور حول الماء ولا يحجزه عن ذلك إلا علمه بأن الماء ينفذ السموم فيسرع هلاكه. وبيوت الزنابير مبنية من زبد المدود، والقنفذ وابن عرس إذا ناهشا الأفعى والحيات الكبار تعالجا بأكل الصعتر البري.
● والعقاب إذا اشتكت كبدها من رفعها الأرنب والثعلب في الهواء وحطها لذلك مراراً فإنها لا تأكل إلا من الأكباد حتى يبرأ وجعها. وإذا وضعت الفأرة والعقرب فسلمت من شرها ثم قتلتها كيف شاءت. وإذا وضعت الدب الأنثى ولدها كان حينئذ كقدرة لحم غير مفهوم الجوارح فخافت عليه الدر فرفعته في الهواء أياماً وتحوله من موضع إلى موضع إلى أن يشتد.
● والسمك إذا حصلت في الشبكة ولم تستطع الخروج علمت أنه لا ينجيها إلا الوثوب فتتأخر قدر رمح ثم تقبل واثبة نحو عشرة أذرع فتخرق الشبكة.
● والفهد إذا سمن علم أنه مطلوب وأن حركته قد ثقلت فهو يخفي نفسه بجهده حتى ينقضي الزمان الذي يسمن فيه الفهود في الهواء أياماً وتحوله من موضع إلى موضع إلى أن يشتد. والسمك إذا حصلت في الشبكة ولم تستطع الخروج علمت أنه لا ينجيها إلا الوثوب فتتأخر قدر رمح ثم تقبل واثبة نحو عشرة أذرع فتخرق الشبكة. والفهد إذا سمن علم أنه مطلوب وأن حركته قد ثقلت فهو يخفي نفسه بجهده حتى ينقضي الزمان الذي يسمن فيه الفهود.
الباب الثالث والثلاثون
في ذكر ما ضربته العرب والحكماء مثلا
على ألسنة الحيوان البهيم مما يدل على الذكاء
في ذكر ما ضربته العرب والحكماء مثلا
على ألسنة الحيوان البهيم مما يدل على الذكاء