بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
أالأذكياء لابن الجوزي
الباب الثالث عشر
في سياق المنقول من ذلك عن علماء هذه الأمة وفقهائها
فمن المنقول عن الشعبي قال مجاهد دخل الشعبي الحمام فرأى داود الأزدي بلا مئزر فغمض عينيه فقال داود متى عميت يا أبا عمر وقال منذ هتك الله سترك ودخل الشعبي على عبد الملك بن مروان قال منذ هتك الله سترك ودخل الشعبي على عبد الملك بن مروان الماء البارد ثم قال كم عطاك فقلت ألفي درهم فجعل يسار أهل الشام ويقول لحن العراقي ثم قال كم عطاؤك لأرد قولي فيغلطني فقلت ألفاً درهم فقال ألم تقل ألفي درهم فقلت لحنت يا أمير المؤمنين فلحنت لأني كرهت أن تكون راجلاً وأكون فارساً فقال صدقت واستحيا من المنقول عن ابراهيم النخعي قال الشيخ حدثنا المبارم بن علي قال حدثنا جرير عن مغيرة قال كان ابراهيم إذا طلبه إنسان لا يحب أن يلقاه وخرجت الخادم فقالت اطلبوه في المسجد قال القرشي حدثني الأعمش عن إبراهيم قال أتاه رجل فقال إني ذكرت رجلاً بشيء فبلغه عني فكيف لي أن أعتذر إليه قال تقول والله أن والله ليعلم ما قلت من ذلك من شيء. قال إبراهيم بن هاشم عن رجل قد سماه قال كنا إذا خرجنا من عند إبراهيم يقول إن سئلتم عني فقولوا لا ندري أين هو فإنكم إذا أخرجتم لا تدرون أين أكون ومن المنقول عن الأعمش أخبرنا جرير قال جئنا الأعمش يوماً فوجدناه قاعداً في ناحية فجلسنا في ناحية أخرى وفي الموضع خليج من ماء المطر فجاء رجل عليه سواد فلما بصر بالأعمش وعليه فروة حقيرة قال قم عبرني هذا الخليج وجذب بيده فأقامه وركبه وقال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين فمضى به الأعمش حتى توسط به الخليج ثم رمى به وقال وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين ثم خرج وترك المسود يتخبط في الماء.
● حدثنا أبو بكر بن عياش قال كان الأعمش إذا صلى الفجر جاءه القراء فقرؤوا عليه وكان أبو حصين أمامهم فقال الأعمش يوماً أن أبا حصين يتعلم القراءة منا لا يقوم من مجلسه كل يوم حتى يفرغ ويتعلم بغير شكر ثم قال لرجل ممن يقرأ عليه إن أبا حصين يكثر أن يقرأ بالصافات في صلاة الفجر فإذا كان غدا فاقرأ على الصافات واهمز الحوت فلما كان من الغد قرأ عليه الصافات وهمز الحوت ولم يأخذ عليه الأعمش فلما كان بعد يومين أو ثلاثة قرأ أبو حصين بالصافات في الفجر فلما بلغ الحوت همز فلما فرغوا من صلاتهم ورجع الأعمش إلى مجلسه دخل عليه بعض إخوانه فقال له الأعمش يا أبا فلان لو صليت معنا الفجر لعلمت ما لفي الحوت من هذا المحراب فعلم أبو الحصين ما الذي فعل به فأمر بالأعمش فسحب حتى أخرج من المسجد قال وكان أبو حصين عظيم القدر في قومه من بني أسد.
● أخبرنا أبو الحسن المدايني قال جاء رجل إلى الأعمش فقال يا أبا محمد اكتريت حماراً بنصف درهم فأتيتك لا سألك عن حديث كذا وكذا فقال أكثر بالنصف وارجع ومن المنقول عن أبي حنيفة رضى الله تعالى عنه أخبرنا ابن المبارك قال رأيت أبا حنيفة في طريق مكة وشوى لهم فصيل ثمين فاشتهوا أن يأكلوه بخل فلم يجدوا شيا يصبون فيه الخل فتحيروا فرأيت أبا حنيفة وقد حفر في الرمل حفرة وبسط عليها السفرة وسكب الخل على ذلك الموضع فأكلوا الشواء بالخل فقالوا له تحسن كل شيء فقال عليكم بالشرك فإن هذا شيء ألهمته لكم فضلاً من الله عليكم.
حدثنا محمد بن الحسن قال دخل اللصوص على رجل فأخذوا متاعه واستحلفوه بالطلاق ثلاثا أن لا يعلم أحداً قال فاصبح الرجل وهو لا يرى اللصوص يبيعون متاعه وليس يقدر أن يتكلم من أجل يمينه فجاء الرجل يشاور أبا حنيفة فقال له أبو حنيفة أحضرني أمام حيك والمؤذن والمستورين منهم فأحضره إياهم فقال لهم أبو حنيفة هل تحبون أن يرد الله على هذا متاعه قالوا نعم قال فاجمعوا كل ذي فجر عندكم وكل متهم فأدخلوهم في دار أو في مسجد ثم أخرجوا وأحداً واحداً فقولوا هذا لصك فإن كان ليس بلصه وإن كان لصه فليسكت فإذا سكت فاقبضوا عليه ففعلوا ما أمرهم به أبو حنيفة فرد الله عليه جميع ما سرق منه.
● حدثنا حسين الأشقر قال كان بالكوفة رجل من الطالبين من خيارهم فمر بأبي حنيفة فقال له أين تريد قال أريد ابن أبي ليلى قال فإذا رجعت ناحب أن أراك وكانوا يتبركون بدعائه فمضى إلى ابن أبي ليلى ثلاثة أيام وإذ رجع مر بأبي حنيفة فدعاه وسلم عليه فقال له أبو حنيفة ما جاء بك ثلاثة أيام إلى ابن أبي ليلى فقال شيء كتمته الناس فأملت أن يكون لي عنده فرج فقال أبو حنيفة قل ما هو قال أني رجل موسر وليس لي من الدنيا إلا ابن كلما زوجته امرأة طلقها وإن اشتريت له جارية اعتقها قال فما لي ما عندي في هذا شيء فقال أبو حنيفة اقعد عندي حتى أخرجك من ذلك فقرب إليه ما حضر عنده فتغدى عنده ثم قال له ادخل أنت وابنك إلى السوق فأي جارية أعجبته ونالت يدك ثمنها فاشترها لنفسك لا تشترها له ثم زوجها منه فإن طلقها رجعت إليك وإن اعتقها لم يجز عتقه وإن ولدت ثبت نسبه إليك قال وهذا جائز قال نعم هو كما قلت فمر الرجل إلى ابن أبي ليلى فأخبره فقال هو كما قال لك، وعن أبي يوسف قال دعا المنصور أبا حنيفة، فقال الربيع حاجب المنصور وكان يعادي أبا حنيفة يا أمير المؤمنين هذا أبو حنيفة يخالف جدك كان عبد الله بن عباس يقول إذا حلف على اليمين ثم استثنى بعد ذلك بيوم أو يومين جاز الاستثناء وقال أبو حنيفة لا يجوز الاستثناء إلا متصلاً باليمين فقال أبو حنيفة يا أمير المؤمنين إن الربيع يزعم أن ليس لك في رقاب جندك بيعة قال وكيف قال يحلفون لك ثم يرجعون إلى منازلهم فيتثنون فتبطل أيمانهم فضحك المنصور وقال يا ربيع لا تعرض لأبي حنيفة فلما خرج أبو حنيفة قال له الربيع أردت أن تشيط بدمي قال لا ولكنك أردت أن تشيط بدمي فخلصتك وخلصت نفسي.
● حدثنا عبد الواحد بن غياث قال كان أبو العباس الطوسي سيء الرأي في أبي حنيفة وكان أبو حنيفة يعرف ذلك فأقبل عليه فقال يا أبا حنيفة إن أمير المؤمنين يدعو الرجل منا فيأمره بضرب عنق الرجل لا يدري ما هو أيسعه أن يضرب عنقه فقال يا أبا العباس أمير المؤمنين يأمر بالحق أو الباطل قال بالحق قال انفذ الحق حيث كان ولا تسأل عنه ثم قال أبو حنيفة لمن قرب منه إن هذا أراد أن يوثقني فربطته. حدثنا علي بن عاصم قال دخلت على أبي حنيفة وعنده حجام يأخذ من شعره فقال للحجام تتبع مواضع البياض لا تزد قال ولم، قال لأنه يكثر فتتبع مواضع السواد لعله يكثر.
● حدثنا يحيى بن جعفر قال سمعت أبا حنيفة يقول احتجت إلى ماء بالبادية فجاءني أعرابي ومعه قربة من ماء فأبى أن يبيعها إلا بخمسة دراهم فدفعت إليه خمسة دراهم وقبضت القربة ثم قلت يا أعرابي ما رأيك في السويق فقال هات فأعطيته سويقاً ملتوياً بالزيت فجعل يأكل حتى امتلأ ثم عطش فقال شربة قلت بخمسة دراهم فلم أنقصه من خمسة دراهم على قدح من ماء فاسترددت الخمسة وبقي معي الماء.
● حدثنا عبد المحسن ابن علي قال ذكر أبو حنيفة وفطنته فقال استودع رجل من الحجاج رجلاً بالكوفة وديعة فحج ثم رجع فطلب وديعته فأنكر المستودع وجعل يحلف له فانطلق الرجل إلى أبي حنيفة يشاوره فقال لا تعلم أحداً بجحوده قال وكان المستودع يجالس أبا حنيفة فخلا به وقال له أن هؤلاء قد بعثوا يستشيروني في رجل يصلح للقضاء فهل تنشط فتمانع الرجل قليلاً وأقبل أبو حنيفة يرغبه فانصرف على ذلك وهو طمع ثم جاء صاحب الوديعة فقال له أبو حنيفة اذهب إليه وقل له أحسبك نسيتني أودعتك في وقت كذا والعلامة كذا قال فذهب الرجل فقال له فدفع إليه الوديعة فلما رجع المستودع قال أبو حنيفة أني نظرت في أمرك فأردت أن أرفع قدرك ولا اسميك حتى يحضر ما هو أجل من هذا.
● حدثنا ابن الوليد قال كان في جوار أبي حنيفة فتى يعتني مجلس أبي حنيفة ويكثر الجلوس عنده فقال يوماً لأبي حنيفة أني أريد التزويج إلى فلان من أهل الكوفة وقد خطبت إليهم وقد طلبوا مني من المهر فوق وسعي وطاقتي وقد تعلقت نفسي بالتزويج فقال أبو حنيفة فاستخر الله تعالى وأعطهم ما يطلبونه منك فأجابهم إلى ما طلبوه فلما عقدوا النكاح بينهم وبينه جاء إلى أبي حنيفة فقال له أني قد سألتهم أن يأخذوا مني البعض وليس في وسعي الكل وقد أبوا أن يحملوها إلا بعد وفاء الدين كله فماذا ترى قال احتل وافترض حتى تدخل بأهلك فإن الأمر يكون أسهل عليك من تشدد هؤلاء القوم ففعل ذلك واقرضه أبو حنيفة فيمن اقرضه فلما دخل بأهله وحملت إليه قال أبو حنيفة ما عليك أن تظهر أنك تريد الخروج عن هذا البلد إلى موضع بعيد وأنك تريد أن تسافر بأهلك معك فاكترى الرجل جملين وجاء بهما وأظهر أنه يريد الخروج إلى خراسان في طلب المعاش وأنه يريد حمل أهله معه فاشتد ذلك على أهل المرأة وجاؤوا إلى ابن حنيفة ليسألوه ويستعينوه في ذلك فقال لهم أبو حنيفة له أن يخرجها ليسألوه ويستعينوه في ذلك فقال لهم أبو حنيفة له أن يخرجها إلى حيث شاء قالوا له ما يمكننا أن ندعها تخرج فقال لهم أبو حنيفة فأرضوه بأن تردوا عليه ما أخذتموه منه فأجابوه إلى ذلك فقال أبو حنيفة للفتى أن القوم قد سمحوا أن يردوا عليك ما أخذوه منك من المهر ويبرؤك منه فقال له الفتى وأنا أريد منهم شيئاً آخر فوق ذلك فقال أبو حنيفة أيما أحب إليك أن ترضى بهذا الذي بذلوه لك وإلا أقرت المرأة لرجل يدين لا يمكنك أن تحملها ولا تسافر بها حتى تقضي ما عليها من الدين قال فقال الرجل الله الله لا يسمعوا بهذا فلا آخذ منهم شيا فأجاب إلى الجلوس وأخذ ما بذلوه من المهر.
● أخبرنا أحمد بن الدقاق قال بلغني أن رجلاً من أصحاب أبي حنيفة أراد أن يتزوج فقال أهل المرأة نسأل عنه أبا حنيفة فأوصاه أبو حنيفة فقال إذا دخلت علي فضع يدك على ذكرك ففعل ذلك فلما سألوه عنه قال قد رأيت في يده ما قيمته عشرة آلاف درهم. وبلغنا أن رجلاً جاء إلى أبي حنيفة فشكا له أنه دفن مالاً في موضع ولا يذكر الموضع فقال أبو حنيفة ليس هذا فقهاً فاحتال لك فيه ولكن اذهب فصل الليلة إلى الغداة فإنك ستذكره إن شاء الله تعالى ففعل الرجل ذلك فلم يمض إلا أقل من ربع الليل حتى ذكر الموضع فجاء إلى أبي حنيفة فأخبره فقال قد علمت أن الشيطان لا يدعك تصلي حتى تذكر فهلا أتممت ليلتك شكر الله عز وجل ومن المنقول عن ابن عون قال أبو بكر القرشي حدثنا ابن مثنى أن ابن عون كان في جيش فخرج رجل من المشركين فدعا للبراز فخرج إليه ابن عون وهو متلثم فقتله لم اندس فجهد الوالي أن يعرفه فمل يقدر عليه فنادى مناديه أعزم على من قتل هذا المشرك إلا جاءني فجاءه ابن عون فقال وما على الرجل أن يقول أنا قتلته. وعن يحيى بن يزيد قال جاء شرطي يطلب رجلاً من مجلس ابن عون فقال يا أبا عون فلاناً رأيته قال ما في كل الأيام يأتينا فذهب وتركه ومن المنقول عن هشام بن الكلبي أخبرنا محمد بن أبي السرى قال قال لي هشام بن الكلبي حفظت ما لم يحفظ أحد ونسيت ما لم ينسه أحد كان لي عم يعاتبني على حفظ القرآن فدخلت بيتاً وحلفت أن لا أخرج منه حتى أحفظ القرآن فحفظته في ثلاثة أيام ونظرت يوماً في المرآة فقبضت على لحيتي لآخذ ما دون القبضة فأخذت ما فوق القبضة ومن المنقول عن عمارة بن حمزة بلغنا عن عمارة بن حمزة أنه دخل على المنصور فجلس على مرتبته المرسومة له فقام رجل فقال مظلوم يا أمير المؤمنين فقال من ظلمك قال عمارة غصبني ضيعتي فقال المنصور قم يا عمارة فاجلس مع خصمك قال ما هو لي بخصم قال وكيف وهو يتظلم منك قال إن كانت لي فقد تركتها له ولا أقوم من مجلس شرفني أمير المؤمنين بالرفعة فيه فاجلس في أدناه بسبب ضيعة ومن المنقول عن ابن المبارك رضى الله عنه قال ابن حميد قال عطس رجل عند ابن المبارك فلم يحمد الله فقال له ابن المبارك أي شيء يقول العاطس إذا عطس قال الحمد لله قال يرحمك الله.
● ومن المنقول عن أبي يوسف رحمه الله تعالى حدثنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال حدثني أبي قال كان عند الرشيد جارية من جواريه وبحضرته عقد جوهر فأخذ يقلبه ففقده فاتهمها فسأله عن ذلك فأنكرت فحلف بالطلاق والعتاق والحج لتصدقته فأقامت على الإنكار وهو متهم لها وخاف أن يكون قد حنث في يمينه فاستدعى أبا يوسف وقص عليه القصة فقال أبو يوسف بتخليني مع الجارية وخادم معنا حتى أخرجك من يمينك ففعل ذلك فقال لها أبو يوسف إذا سألك أمير المؤمنين عن العقل فأنكريه فإذا أعاد عليك السؤال فقولي قد أخذته فإذا أعاد عليك الثالثة فأنكري وخرج فقال للخادم لا تقل لأمير المؤمنين ما جرى وقال للرشيد سلها يا أمير المؤمنين ثلاث دفعات متواليات عن العقد فإنها تصدقك فدخل الرشيد فسألها فأنكر أول مرة وسألها الثانية فقالت تصدقك فدخل الرشيد فسألها فأنكرت أول مرة وسألها الثانية فقالت نعم قد أخذته فقال أي شيء تقولين فقالت والله ما أخذته ولكن هكذا قال لي أبو يوسف فخرج إليه فقال ما هذا قال يا أمير المؤمنين قد خرجت من يمينك لأنها أخبرتك أنها قد أخذته وأخبرتك أنها لم تأخذه فلا يخلو أن تكون صادقة في أحد القولين وقد خرجت أنت من يمينك فسر ووصل أبا يوسف فلما كان بعد مدة وجد العقد وبلغنا أن الرشيد قال لأبي يوسف ما تقول في الفالوذج واللورينج أيها أطيبن فقال يا أمير المؤمنين لا أقضي بين غائبين عني فأمر بإحضارهما فجعل أبو يوسف يأكل من هذا لقمة ومن ذاك أخرى حتى نصف جاميهما ثم قال يا أمير المؤمنين ما رأيت خصمين أجدل منهما كلما أردت أن أسجل لأحدهما أدلى الآخر بحجة.
● ومن المنقول عن يزيد بن هارون قال أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان قال قال لي يزيد بن هارون أنت أثقل عندي من نصف رحى البزر قلت يا أبا خالد لم لم تقل من الرحى كله فقال أنه إذا كان صحيحاً تدحرج وإذا كان نصفاً لم يرفع إلا بجهد ومن المنقول عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه حدثنا الحسن بن الصياح قال لما أن قدم الشافعي إلى بغداد وأوفق عقد الرشيد للأمين والمأمون على العهد قال فبكر الناس ليهنوا الرشيد فجلسوا في دار العامة ينتظرون الأذن فجعل الناس يقولون كيف ندعو لهما فإنا إذا فعلنا ذلك كان دعاء على الخليفة وإن لم ندعو لهما كان تقصيراً قال فدخل الشافعي فجلس فقيل له في ذلك الله الموفق فلما إذن دخل الناس فكان أول متكلم فقال:
لا قصراً عنها ولا بلغنها ● حتى يطول على يديك طولها
قال عبد العزيز بن أبي رجاء سمعت الربيع يقول مرض الشافعي فدخلت عليه فقلت يا أبا عبد الله قوى الله ضعفك فقال يا أبا محمد والله لو قوى الله ضعفي على قوتي أهلكني قلت يا أبا عبد الله ما أردت إلا الخير لو دعوت الله ما أردت إلا الخير فقال لو دعوت الله على لعلمت أنك لم ترد إلا الخير قال المؤلف من فقه الشافعي رضى الله عنه أنه أخذ بظاهر اللفظ فعلم أنه إذا نوى الضعف حصل الأذى وقد جاءني حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علم رجلاً دعاء فقال قل اللهم قوفي رضاك ضعفي إلا أن معناه قوماً ضعف وفي هذا نوع تجوز والربيع تجوز والشافعي قصد الحقيقة.
● حدثنا الربيع قال رأيت الشافعي وقد جاءه رجل يسأله عن مسألة فقال من أهل صنعاء أنت قال نعم قال فلعلك حداد قال نعم. حدثنا حرملة بن يحيى قال سمعت الشافعي وقد سأله رجل فقال حلفت بالطلاق أن أكلت هذه الثمرة أو رميت بها قال تأكل نصفها وترمي نصفها.
● قال المؤلف وهذا المنقول عن الشافعي هو قول أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه وقد ذكر أصحابنا من جنس هذه المسألة كثيراً لا يكاد يتنبه له في الفتوى إلا الفطن فتذكر منه ههنا مسائل لأن ذكر مثل هذا ينبه الفطن فمنها إذا قال لزوجته وهي في ماء أن أقمت في هذا الماء فأنت طالق وأن خرجت منه فأنت طالق فإننا ننظر فإن كان الماء جارياً ولا نية له لم تطلق سواء خرجت أو أقامت وإن كان راكداً فالحيلة أن تحمل في الحال مكرهة فإن كانت على سلم فقال لها إن صعدت فيه أو نزلت أو أقمت أو رميت نفسك أو حطك أحد فأنت طالق فإنها تنتقل إلى سلم آخر فإن أكل رطباً كثيراً قم قال أنت طالق إن لم تخبريني بعدد ما أكلت فخلاصها أن تعد من واحد إلى عدد يتحقق إن ما أكله قد دخل فيه فإن أكل رطباً فقال لها أنت طالق إن لم تميزي نوى ما أكلت من نوى ما أكلت وقد اختلط فإنها تفرد كل نواة على حدة فإن قال لها أنت طالق أن لم تصدقيني هل سرقت مني أم لا فإنها إذا قالت سرقت ما سرقت لم تطلق فإن كان له ثلاث زوجات فاشترى لهن خمارين فاختصمن عليهما قال أنتن طوالق إن لم تختمر كل واحدة منكن عشرين يوماً في هذا الشهر فالوجه أن تختمر الكبرى والوسطى بالخمارين عشرة أيام ثم تدفع الكبرى الخمار إلى الصغرى ويبقى خمار الوسطى إلى تمام عشرين يوماً ثم تأخذ الكبرى خمار الوسطى إلى تمام الشهر مسألة إذا سافر بالنسوة سفراً قدره ثلاثة فراسخ ومعه بغلان فاختصمن على الركوب فحلف بالطلاق لتركبن كل واحدة منكن فرسخين فتركب الكبرى والوسطى فرسخاً ثم تنزل الوسطى وتركب الكبرى مكانها وتركب الصغرى مكان الوسطى إلى تمام المسافة وتركب الوسطى مكان الكبرى عند تمام الفرسخين والله أعلم مسألة إذا حمل إلى بيته ثلاثين قارورة عشرة ملأى وعشرة في كل واحدة نصفها وعشرة فرغ ثم قال انتن طوالق إن لم أقسمها بينكن بالسوية من غير أن استعين على القسمة بميزان ولا مكيال فإنه يملأ خمساً من المنصفات بالخمس الآخر ثم يدفع إلى كل واحدة خمسة مملوءة وخمسة فرغاً فإن رأى مع زوجته إناء فيه ماء فقال اسقنيه فامتنعت فحلف بالطلاق لا شربت هذا الماء ولا أرقيته ولا تركتيه في الإناء ولا فعل غير ذلك فالحيلة أن تطرح في الإناء ثوباً يشرب الماء ثم يجفف في الشمس فإن حلف رجل إن امرأته بعثت إليه قد حرمت عليك وتزوجت بغيرك وأوجبت عليك أن تبعث بالمملوك في تجارة فمات الأب فإن البنت ترثه وينفسخ نكاح العبد وتقضي العدة وتتزوج برجل فتبعث إليه أنفذ لي المال الذي معك فهو لي.
فإن كان له زوجتان أحدهما في الغرفة والأخرى في الدار فصعد في الدرجة فقالت كل واحدة إلي فحلف لا صعدت إليك ولا نزلت إليك ولا أقمت مكاني ساعتي هذه فإن التي في الدار تصعد والتي في الغرفة تنزل وله أن يصعد أو ينزل إلى أيتهما شاء، فإن حلف على زوجته لا أدخل بيتك بارية ولا وطئتك إلا على بارية فوطئها في البيت ولم يحنث فوجهه أن يحمل إلى بيته قصباً وينسج له الصانع بارية في البيت ويطأها عليه فإن حلف لا بد أن يطأ زوجته نهار يوم ولا يغتسل فيه من جنابة مع قدرته على استعمال الماء ولا تفوته الصلاة في الجماعة مع الإمام فإنه يصلي مع الإمام الفجر والظهر والعصر ومن يطأ بعد العصر فإذا غربت الشمس اغتسل وصلى مع الإمام فإن حلف إني رأيت رجلاً يصلي أمام بنفسين وهو صائم فالتفت عن يمينه فنظر إلى قوم يتحدثون فحرمت عليه امرأته وبطل صومه ووجب جلد المأمومين ونقض الجامع فهذا رجل تزوج بامرأة قد غاب زوجها وشهد المأمومان بوفاته وأنه وصى بداره أن تجعل مسجداً وكان مقيماً صائماً فالتفت فرأى زوج المرأة قد قدم والناس يقولون خرج يوم الصوم وجاء يوم العيد وهو لم يعلم بأن هلال شوال قد رؤى إلى جانبه ماء وعلى ثوبه نجاسة فإن المرأة تحرم عليه بقدوم زوجها وصومه يبطل بكون اليوم عيداً وصلاته تبطل برؤية الماء ويجلد الرجلان لكونهما شاهدي زور ويجد نقض المسجد لأن الوصية ما صحت والدار لمالكها، فإن كان عنده تمر وتين وزبيب ووزن الجميع عشرين رطلاً فحلف أنه باع التمر كل رطل بنصف درهم والتين كل رطل بدرهمين والزبيب كل رطل بثلاثة دراهم فجاء ثمن الجميع عشرين درهماً فإنه قد كان الثمر أربع عشرة رطلا والتين خمسة أرطال والزبيب رطل واحد.
● ومن المنقول عن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي قال محمد بن يحيى النديم حدثنا المبرد قال سأل المأمون يحيى بن المبارك عن شيء فقال لا وجعلني الله فداك يا أمير المؤمنين فقال لله درك ما وضعت واوقط موضعاً أحسن منها في هذا الموضع ووصله وجمله ومن المنقول عن أبي العيناء أخبرنا محمد بن يحيى قال حدثنا أبو العيناء قال، قال المتوكل قد أردتك لمجالستي فقلت لا أطيق ذلك ولا أقول هذا جهلاً بمالي في هذا المجلس من الشرف ولكنني محجوب والمحجوب تختلف إشارته ويخفى عليه الإيماء ويجوز أن يتكلم بكلام غضبان ووجهك راض وبكلام راض ووجهك غضبان ومتى لم أميز هذين هلكت قال صدقت ولكن تلزمنا فقلت لزوم الفرض الواجب فوصلني بعشرة آلاف درهم.
● قال وروى أن المتوكل قال أشتهي أن أنادم أبا العيناء لولا أنه ضرير فقال أبو العيناء أن عفاني أمير المؤمنين من رؤية الهلال ونقش الخواتم فإن أصلح وبلغنا عن أبي العيناء أنه شكا تأخر رزقه إلى عبد الله بن سليمان فقال ألم يكن كتبنا لك إلى فلان فما فعل في رأيك قال جرني على شوك المطل قال أنت اخترته قال وما علي وقد اختار موسى قومه سبعين رجلاً فما كان فيهم رشيد فأخذتهم الرجفة واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي سرح كاتباً فلحق بالكفار مرتداً واختار على أبا موسى فحكم عليه.
● شكا بعض الوزراء كثرة الأشغال فقال أبو العيناء لا رآني الله يوم فراغك وقيل لأبي العيناء بقي من يلقى قال نعم في البئر وسأل أبو العيناء عن حماد بن زيد بن درهم وعن عماد بن سلمة ابن دينار فقال بينهما في القدر ما بين أبوابهما في الصرف ومن المنقول عن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري حدثنا غلام لابن المرزوق البغدادي قال كان مولاي مكرماً لي فاشترى جارية وزوجنيها فأحببتها حباً شديداً وأبغضتني بغضاً شديداً عظيماً وكانت تنافرني دائماً واحتملها إلى أن أضجرتني يوماً فقلت لها أنت طالق ثلاثاً أن خاطبتيني بشيء إلا خاطبتك بمثله فقد أفسدك احتمالي لك فقالت لي في الحال أنت طالق ثلاثا بتاتاً قال فأبلست ولم أدر ما أجيبها به خوفاً أن أقول لها مثل ما قالت فتصير بذلك طالقاً مني فأرشدت إلى أبي جعفر الطبري فأخبرته بما جرى فقال أقم معها بعد أن تقول لها أنت طالق ثلاثاً أن أنا طلقتك فتكون قد خاطبتك به فوفيت بيمينك ولم تطلقها ولا تعاود الإيمان. ومن المنقول عن علي بن عيسى الربيع أنه كان يمشي على دجلة فرأى الرضى والمرتضى في سفينة ومعهما عثمان بن جنى فقال من أجب أحوال الشريفين أن يكون عثمان جالساً بينهما وعلي يمشي على الشط بعيداً عنهما.
● ومن المنقول عن أبي الوفاء بن عقيل رضي الله عنه حدثني أزهر بن عبد الوهاب قال جاء رجل إلى ابن عقيل فقال إني كلما انغمس في النهر غمستين وثلاثاً لا أتيقن أنه قد غمسني الماء ولا أني قد تطهرت فكيف أصنع قال له لا تصل فقيل له كيف قلت هذا قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى ينتبه وعن المجنون حتى يفيق ومن ينغمس في النهر مرة أو مرتين أو ثلاثاً ويظن أنه ما اغتسل فهو مجنون.
● قال حدثني أبو حكيم ابراهيم بن دينار عن ابن عقيل قال بلغني أن السلطان محمد بن علي عزم على القدوم إلى بغداد فخرجت متطيلساً فجلست على تل في طريقه فلما وصل سأل عني فقيل هذا ابن عقيل فانحرف فنزل وجلس معي وقال كنت أحب أن ألقاك وسألني عن مسائل في الطهارة ثم قال لخادمه أي شيء معك فأخرج خمسين دينار فقال تقبل هذه فقلت لست بمحتاج فإن أمير المؤمنين لا يحوجني إلى أحد ولا أقبلها فلما انصرفت إلى المنزل إذا خادم قد جاءني بمال من عند الخليفة وشكر فعلى قال وأنا علمت إن ثم من هو عين للخليفة يخبره بما جرى، وبلغني عن ابن عقيل أنه تعوق يوماً فاستوحشوا له فقال أنا صليت عند المنارة وإنما عنى صناديق بيته ومنارة بيته ومن المنقول عن بعض الفقهاء إن رجلاً قال له إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر اغتسل أتوجه إلى القبلة أم إلى غيرها قال توجه إلى ثيابك التي نزعتها.
الباب الرابع عشر
في سياق المنقول من ذلك عن العباد والزهاد
في سياق المنقول من ذلك عن العباد والزهاد