بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مُختصر أخبار الزمان
تابع ذكر عجائب مصر وملوكها بعد الطوفان
تابع ذكر ملوك مصر بعد الطوفان
جلس مناوس الملك بعد أبيه على سرير الملك فطلب الحكمة بعد، مثل أبيه وأكرم أهلها، وبذل الجوائز على الغرائب التي لم يتقدم عملها لمن تقدم قبله، وأثبت كل ما عمل من ذلك في كتب تواريخهم، وزبر على الحجارة في هياكلهم.
ومناوس أول من عبد البقر، وكان السبب في ذلك انه اعتل علة فيئس فيها من نفسه، وأنه رأى في منامه روحانياُ عظيماً يخاطبه ويقول له: لايخرجك من علتك إلا عبادتك البقر، لان الطالع كان وقت حلولها، فلك الثور، وهو في صورة ثور بقرنين فأمر عند انتباهه، فأخذوا ثوراً أبلق حسن الصورة، وعمل له مجلساً في قصره وسقفه قبة مذهبة، وكان يبخره ويطيبه ويحسن علفه، ووكل به سايساً من خدمه يقوم به وينظفه ويكنس تحته، وكان يتعبد له سراً من أهل مملكته فبرىء من علته وعاد الى أحسن أحواله.
وقيل إنه أول من عملت له عجل مموهة بالذهب، وعليها قباب من خشب مذهب، وكانت تفرش بأحسن الفرش وتساق الى موضع المتنزهات، وقيل إنه عملت له في علته لانه كان لايقدر على الركوب، وكانت البقر تجره في العجلة فكان إذا مر بمكان نزه أقام به، وان مر بمكان خرب أمر بعمارته وقيل انه نظر يوماً الى ثور من البقر التي تجره أبلق حسن الخلقة والقرنين، فأمر بتوقيفه والتعريض منه، وساقه بين يديه الى موضع نزهته إعجاباً به، وجعل عليه حللا من حرير منسوج بالذهب، فلما كان في بعض الايام خلا في موضع، وقد تفرد عن عبيده سار اليه وسجد بين يديه.
فقال له: لو دام الملك على تربيتي واكرامي، وتعبد لي كفيته مهمه على ما يريده، وقويته في جميع أموره وأزلت عنه جميع علله.
فارتاع الملك لقوله، وأمر بأن يغسل ويطيب ويكسى بالحرير المذهب ويوقف في الهيكل، ووكل به من يخدمه في جميع أموره ويتعاهده بالمسح والتطييب وأمره بعبادته.
وأقام ذلك الثور يعبد مدة طويلة، وافتتن الناس به، وصار ذلك اصلا لعبادة البقر، وبنى مواضع كثيرة في الصحراء والجبال وكنز فيها كنوزاً كثيرة وأقام عليها أعلاماً.
وبنى في صحراء الغرب مدينة يقال لها ديماس، وأقام بها مناراً وكنز حولها كنوزاً، ويقال ان هذه المدينة قائمة الى الآن، وان قوماً جازوا بها من ناحية الغرب فسمعوا فيها عزف الجن ورأوا نيرانهم.
وفي بعض كتبهم أن ذلك الثور بعد مدة من عبادتهم له، أمرهم أن يعملوا صورته من ذهب ويعملوه أجوف ويؤخذ من رأسه شعرات ومن ذنبه، ويؤخذ من نحاتة قرنه وأظلافه ويجعل في ذلك التمثال، وعرفهم أنه يلحق بعالمه، وأن يجعلوا جسده في جرن من حجارة، وينصب في الهيكل وينصب تمثاله عليه، وزحل في شرفه والشمس ناظرة اليه من تثليث، وأن ينقش في التمثال، علامات صورة الكواكب السبعة ففعلوا ذلك.
وعملت الصورة من ذهب وكللت بأنواع الجوهر، وأدخلت صنعتها سواد في بياض، وجعل جسد الثور في الحدود التي حدها، ونصب عليه التمثال فكان يخبرهم بالعجائب وبما يحدث وقتاً بعد وقت ويجيبهم بكل ما يسالونه عنه.
وعظم أمر ذلك التمثال ونذرت له النذور وقربت له القرابين، وقصده الناس من جميع أعمال مصر وما قرب منها، فكان يخبرهم بما يريدون.
وأقام مناوس ملكاً خمساً وثلاثين سنة، وهلك من سل أصابه، وعمل له ناووس تحت الجبل الغربي وجعل في جرن من حجارة. وجعل وصيه من بعده ابنه مريدس الملك، فجلس على سرير ملكه بعد أبيه وملك احدى وعشرين سنة، وكان مضعفاً فلم يبن بنياناً ولاينصب مناراً، ولاعملت في وقته أعجوبة، فمات ودفن مع أبيه في جرن من رصاص. وولي بعده اشمون الملك، واشمون أخو قبطيم الملك وكان وحده من اشمون الى منف، وفي الشرق الى البحر المالح الى ما حاذى برقة الحمراء، وهي آخر حد مصر، وفي الصعيد الى حدود اخميم.
وكان ينزل اشمون لانه سماها باسمه عند بنيانها، ونقل اليها أهله وولده وطولها اثنا عشر ميلاُ في مثلها.
وأشمون أول من أتخذ الملاعب بالكرة والصولجان وغير ذلك، وبنى القصور وغرس الأجنة وأقام المنائر ونصب الأعلام وبنى المدن وأكثر فيها من العجائب.
والقبط تزعم ان خبر اشمون كان اكثر الأخبار ذكراً وعجائباً وسحراً.منها أنه بنى مدينة في سفح الجبل سماها أفطراطس وجعل لها أربعة أبواب جعل على الشرقي صورة عقاب، وعلى الغربي صورة ثور، وعلى الجنوبي صورة كلب، وعلى الشمالي صورة أسد.
وأسكن الكهنة بسحرهم في تلك الصور روحانية، وكانت تنطق إذا قصدها القاصد الغريب، ولا يقدر على الدخول إليها إلا بإذن الموكلين بها، وجعل فيها شجرة تثمر كل لون من الفاكهة.
وجعل فيها مناراً طوله ثمانون ذراعاً، على رأسه قبة تتلون كل يوم لونا حتى تمضي سبعة أيام بسبعة ألوان، ثم تعود إلى اللون الأول.
وكانت تلك الألوان تكسو المدينة لوناً شعاعياً، وأجرى حول ذلك المنار ماء ساقه من النيل وجعل في ذلك الماء سمكا من كل لون.
وجعل حول المدينة طلسمات رءوسها رءوس القرود وأبدانها أبدان الناس، كل منها لدفع مضرة واجتلاب منفعة.
ودفن تحت كل صنم من الأصنام المبنية الأربعة على أبوابها صنفاً من الكنوز ولكل واحد منها قربان وبخور، وكلام يوصل به اليه، وأسكن فيها السحرة.
وبنى بالقرب منها مدينة تعرف في كتبهم ذات العجائب في وسطها قبة عليها أبداً مثل السحابة تمطر مطراً خفيفاً شتاء وصيفاً، وتحت كل قبة مطهرة فيها ماء أخضر يتداوى به من كل داء فيبريه.
وفي شرقها بربا لطيف له أربعة أبواب لكل باب منها عضادتان، في كل عضادة منهاصورة وجه كأنه يخاطب صاحبه، وهو يكلمه بكلام يفهمه، ويخبره بما حدث في يومه.
ومن دخل ذلك البربا على غير طهارة نفخا عليه فأصابته فظيعة لا تفارقه أبداً إلى أن يموت.
ويقال ان في وسطها ابدا مهبط نور كأنه عمود من اعتنقه لم يغرب عن نظره شيء من الروحانيات، وسمع كلامهم ورأى ما يعملون.
وعلى كل باب من أبواب هذه المدينة صورة راهب في يده كالمصحف فيه علم من العلوم، فمن أحب ذلك العلم أتى تلك الصورة فمسحها بيده وأمرها على صدره فيثبت ذلك العلم في صدره.
ويقال ان هاتين المدينتين سميتا على اسم هرمس وهو عطارد وأنهما إلى الآن على حالهما.
وحكي عن رجل أتى عبد العزيز بن مروان وهو والي مصر، فعرفه انه رأى في صحراء الغرب وقد أوغل في طلب جمل له ضل، فوقع إلى مدينة خراب وانه وجد منها شجرة عظيمة تحمل من كل صنف من الفاكهة، وانه قد أكل منها وتزود، فقال له رجل من القبط هذه إحدى مدن هرمس وفيها كنوز كثيرة، فوجه عبد العزيز جماعة من ثقاته، ووجهه معهم، وتزودوا زاد شهر ومشوا يطوفون تلك الصحارى زمانا، فما وجدوا لها أثراً.
وكان أشمون أعدل ولد أبيه وأرغبهم في صنيعه، وأحبهم في عمل يبقي ذكره وهو الذي بنى المجالس المصفحة بالزجاج الملون في وسط النيل.
وتقول القبط إنه بنى سرباً تحت الأرض من اشمون الى انصباب النيل، وقيل إنه عمله لنسائه لأنهن كن يمضين إلى هيكل الشمس، وكان هذا السرب مبلط الأرض، والحيطان بالزجاج الملون العجيب.
وقيل إن أشمون كان اطول إخوته ملكا، وقال أهل الأثر إن ملكه ثمانمائة سنة، وإن قوم عاد انتزعوا الملك منه بعد ستمائة سنة من ملكه، وأقاموا تسعين سنة ثم كرهوا البلد واستوبؤوه فرحلوا عنه إلى الراهبة من طريق الحجاز إلى وادي القرى، فعمروها واتخذوا المنازل والمصانع والقرى، وسلط الله عليهم القر فاهلكهم.
وعاد ملك مصر إلى أشمون بعد خروجهم من البلد، ويقال إنه عمل في وقته وزة من نحاس، وكان الغريب إذا جاء ليدخل صاحت الوزة وصفقت بجناحيها فيعلم به أهل البلد، فان أحبوا أدخلوه، وأن أحبوا تركوه.
وكثرت الحيات في وقته فاحتال لها بحيلة كانوا يأخذونها بأيديهم، ويعملون من شحومها ولحومها أدوية ودرياقات.
وهو أول من عمل النيروز بمصر، يقيمون سبعة أيام يأكلون ويشربون إكراماً للكواكب بزعمهم.
وفي زمانه بنيت البهنسا، وأقام بها مطراناً، وجعل فوقها مجلساً من زجاج أصفر وعليه قبة مذهبة، وكانت الشمس إذا طلعت ألقت شعاعها على المدينة.
ويقال إنه ملكهم ثمانمائة سنة وثلاثين سنة، ومات ودفن في احدى الاهرامات الصغار القبلية وقيل بل عمل له ناووس في آخر أشمون ودفن معه مال كثير وعجائب كثيرة ومن الذخائر مالا يحصى كثرة، ودفنت معه أصنام الكواكب السبعة التي كانت في هيكله، وعشرة آلاف سرج من ذهب وفضة وعشرة آلاف جا ونضار من ذهب وفضة، وزجاج مسبوك وألف برنية من العقاقير المدبرة لقبول الأعمال، وزبر على ذلك كله اسمه ومدة ملكه.
وخلف على الملك ابنه الشاد الملك، فولي وهو ابن خمس وأربعين سنة وكان متجبراً معجباً طماح العين، فابتز امرأة من نساء أبيه، فانكشف أمره وعرف خبره، وكان أكبر همه اللهو واللعب، فاجتمع اليه كل مله كان في ملكه وقصده كل من كان في يده شيء من أنواع الملاهي والملاعب، وانفرد للعب بهم وترك النظر في أمور الناس.
وعمل قصوراً من خشب عليها قباب منقوشة مموهة بالذهب، وكان يحملها على المراكب في النيل ويتنزه فيها مع من يحب من نسائه وخدمه ومن يلهيه.
وعمل عليه الأروقة المذهبة وفرشها بأحسن الفرش وفاخره، وكان يتنزه عليها وتجرها البقر، ويقيم في نزهته شهوراً لا يمر بموضع إلا أقام فيه، وولد من السحر توليداً كثيراً واستنفذ أكثرها ما في خزائن أبيه، وذهب خراجه في جرائد الملهين والنفقات في غير وجوهها، فلما اسرف في ذلك اجتمع الناس إلى وزيره فانكروا حاله عنده، وسألوه مساءلته والاشارة عليه بالاقلاع عما هو عليه، فضمن لهم ذلك، ثم فاوضه فيه وبين له ما يجب تبينه وحذره من العواقب اللاحقة من التفريط بما يكره فلم ينته، وسلط أصحابه على الناس فأساءوا إليهم وأضروا بهم.
وخرج الملك ذات يوم إلى متنزه له قد صفح مجالسه بصفائح الذهب والفضة وغرائب الجوهر الملون، وأجرى اليه المياه وغرس فيه نفيس الرياحين، وفرشه بأصناف الفرش الملونة.
وكان إذا أحب ان يخلو بامرأة من نسائه خلى بها هناك، وأنه في ذلك المتنزه، وقد أقام فيه أياماً إذ خرج غلام من بعض خدمه، فأتى بعض التجار في حاجة له، وكانت له خادم فأراد أخذها منه بغير ثمن فمنعه منها فوثب عليه يريد ضربه، فاجتمعوا عليه وضربوه حتى أسالوا دمه وحمل وقيد.
واتصل خبره بالوزير وصاحب الجيش فركبا إلى الموضع وانكرا على الناس ما فعلوه وأسمعاهم فأغلظوا لهما وأسمعوهما، فانصرفا مغضبين وقالا ما نرى ستر هذا عن الملك وعرفاه الخبر، فلم يحفل بهما وأمر بالنداء في الناس من تعرضكم من خدم الملك وأصحابه، فاقتلوه، فحمد الناس أمره وشكروا فعله وتواصلوا بالوثوب على أصحابه، حتى إذا مضى لذلك اسبوع وجه إلى وزيره وصاحب جيشه أنه عزم أن يركب إلى صحراء الغرب يتصيد هناك، وأمر أن يركب معه جيشه، وأن يتزودوا لثلاثة ايام ففعلوا، واجتمعوا إلى بابه فاستدعى الوزير، وأسر اليه انه يريد الانتقام من العامة، وخرج الملك وجيشه في أحسن زي وهيئة وسار إلى موضع غير بعيد.
فلما اختلط الظلام رجع بالجيش حتى وافى باب المدينة، وأمر أصحابه أن يضعوا أيديهم في الناس فقتلوا خلقاً كثيراً، وأمر بحرق الموضع الذي قتل فيه الغلام.
ثم أمر ان ينادى: هذا جزاء من أقدم على الملك من رعاياه وأصحاب مهنتهم من العامة وغيرهم، فاستغاث الناس، فأسر إلى وزيره ان يطرح نفسه بين يديه ويسأله فيهم ففعل فامنهم، وقال لهم، من عاد منكم فقد أحل دمه فشكروا فعله وانصرفوا ورجع إلى ما كان عليه وأعظم.
واحتجب عن الناس واستحلت الهياكل والكهنة فأبغضه العامة والخاصة وابتغوا له الغوائل، فاحتال عليه خاصته بطباخه وسقاته فسماه، فمات وهو ابن مائة وعشرين سنة، فكان ملكه خمساً وسبعين سنة.
وصار الملك بعده إلى ابنه صاصا، وأكثر القبط تزعم ان صاصا هذا اخو الشاد وانه ابن مربيس الملك.
ولما جلس صاصا على سرير الملك دخل الناس عليه يهنئونه، فوعدهم العدل فيهم وحسن النظر لهم، وسكن منف ونفى الملهين وأهل المجالات وأهل الشر ومن كان يصحب أباه.
وأصلح الهياكل ورد الكهنة إلى مراتبهم، وعمل بمنف عجائب كثيرة وطلسمات، وأجرى فيها الأنهار، ونصب العقاب الذي كان عمل قبله على موضعه وشرف هيكله ودعى اليه.
وعمل بمنف مرآة يعرف بها زمان الخصب والجدب وما يحدث ببلده، وبنى داخل الواحات مدائن، وغرس فيها نخلا كثيراً، ونصب غرب البحر أعلاماً كثيرة، وعمل خلف المقطم صنماً يقال له صنم الحيلة، فكان كل من أعجزه امر أتاه يسأله، فيخبره ويبين له ما عزب عن معرفة منه. وجعل على أطراف مصر أصحاباً يرفعون له ما يجري في حدود أرضه، وعمل على غربي النيل منابر إذا قصدهم قاصد يوقد عليها فيصل اليه الخبر من ليله أو من يومه، وجعل على البحر المالح مثل ذلك، ووكل بجمعها جماعة يحرسونها. وهو أول من اتخذها، ويقال إنه بنى أكثر منف، وكان له بنيان عظيم بالاسكندرية.
ولما ملك واستولى على البلد بأسره، جمع اليه حكماء أهل بلده ونظر في النجوم وكان بها حاذقاً، ورأى أن بلده لا بد له من أن يدخل اليه طوفان عظيم من نيلها فيكاد يغرقها، ورأى أنه يحدث على يدي رجل يأتي من ناحية الشام.
فجمع كل فاعل بمصر وجهاتها وبنى في ألواح الأقصى مدينة، جعل طول حصنها في الارتفاع خمسين ذراعاً، وأودعها جميع الحكم والأموال، وهي المدينة التي وقع عليها موسى بن نصير في زمن بني أمية لما قلد المغرب، لأنه لما دخل مصر، أخذ على الواح الأقصى بالنجوم وكان عنده علم منها.
فأقام سبعة أيام يسير في رمال بين سمت الغرب والجنوب، إلى ان ظهرت له مدينة فيها حصن وأبواب حديد، فرام أن يفتح باباُ من أبوابها، فأعياه ذلك لغلبة الرمل عليها، وعلى ما حولها، فأصعد اليها الناس، فكل من صعد منهم وأشرف، وثب داخلها لايعلم كيف يقع، ولا على ما يسقط، ولا مايصيب.
ولما لم يجد فيها حيلة تركها ومضى، وقد فقد فيها جماعة من أصحابه، وحرروا عرض حصنها عشرين ذراعاً، وهلك في طريقه منصرفاً عنهاجماعة من أصحابه، ولم يسمع أن أحداً قبل موسى بن نصير، ولا بعده وقع عليها.
وفي تلك الصحارى اكثر متنزهاتهم ومدائنهم العجيبة وكنوزهم العظيمة، إلا أن الرمال غلبت عليها.ولم يكن لمصر ملك، الا وقد عمل للرمل طلسما يبعدها ويوقفها، ثم تفسد طلسماتها على تقادم الأيام.ولا ينبغي لأحد أن ينكر كثرة بنيانهم ومدائنهم. وما نصبوه من الأعلام العظام.
فقد كان للقوم بطش لم يكن لغيرهم، وفيما يظهر من آثارهم بيان تحقيق ما يذكر عنهم.
من ذلك مثل هذه الأهرام والأعلام العظام المشهورة بالاسكندرية، وفي صحراء المغرب عجائب باقية من ذلك، وما لهم من الجبال المنحوتة التي جعلوا كنوزهم فوقها، فلا يصل أحد اليها، وكذلك الأودية المنحوتة، ومثل ما بالصعيد من مدائنهم، وما نقشوه عليها من حكمهم، فانه لو تعاطى أحد من ملوك الأرض أن يبني مثل الهرمين، أو جميعهم ما تهيأ لهم ذلك، وكذلك لو أرادوا أن ينقشوا ثوباً واحداً لطال عليهم الأمر وتركوه.
وحكي عن قوم في ضياع الغرب، ان عاملاً من عمالهم عنق بهم، فدخلوا في صحراء الغرب، وحملوا معهم زاداً إلى أن تصلح أمورهم ويرجعوا إلى منازلهم، وكانوا على يوم وبعض آخر، فدلجوا الى جبل، فوجدوا عيرا أهلياً قد خرج من بعض شعابه، فتبعه نفر منهم، فأخرجه إلى مساكن وأشجار ونخل ومياه وناس، فهم يسكنون تلك الناحية، ويتناسلون ويزرعون، ولا يطالبهم أحد بخراج.
وأخبروهم أنهم لم يدخلوا إلى ضياع الغرب، فصاروا نحوهم بأهليهم ومواشيهم وجميع أموالهم، فأقاموا مدة يطلبون الطريق فما وجدوه، ولا عرفوه، ولا وقفوا له على خبر، ولا تأتى لهم الوصول اليهم، فرجعوا آيسين على ما فاتهم من ذلك الموضع.
وحكي أيضاً عن آخرين انهم ضلوا في طريق الغرب، فوقعوا إلى مدينة كثيرة الماء والشجر والناس والمواشي والنخل والزرع، فأضافوهم وأكلوا عندهم وأباتوهم في دار فيها طاحونة يعمل فيها الخمر، فشربوا معهم حتى سكروا وناموا، فلما انتبهوا عند طلوع الشمس وجدوا أنفسهم في مدينة خراب ليس فيها أنيس ولا عمارة، فارتاعوا وخرجوا على وجوههم كالهاربين، وساروا يومهم على غير سمت حتى قرب المساء، فظهرت لهم مدينة أكبر من الأولى، وأعمر وأكثر أهلاً ودواباً ونخلاً وشجراً وزرعاً ومواشي، فأنسوا بها، ونزلوا عندهم فأخبروهم بخبر المدينة الأولى. فجعلوا يعجبون من ذلك ويضحكون منهم، وإذا لبعض أهل المدينة وليمة فانطلقوا بهم اليها فأطعموهم بها، وسقوهم وغنوهم بأصناف الملاهي، وسألوهم عن أخبارهم، فأخبروهم أنهم ضلوا عن الطريق في بعض هذه الصحاري، فقالوا لهم الطريق بين أيديكم واضح، ولا يمكن أن تغلطوا فيه فان أحببتم المسير وجهنا معكم، من يوقفكم على سمت الطريق الكبير الذي يؤديكم إلى مكانكم، وإن أحببتم أن تقيموا عندنا، أرفدناكم وزوجناكم عندنا، وكنتم أصهارنا وإخواننا، فسروا بذلك من قولهم، فأجمع بعضهم على المقام معهم، وأجمع أكثر من كان منهم له أهل وولد على أن يأخذ أهله وولده فيسير نحوهم قالوا فبتنا معهم خير مبيت، ثم نمنا فلما كان في الغد انتبهنا فوجدنا أنفسنا في مدينة عظيمة خراب قد تشعث بعض حصونها، وليس بها احد من الناس إلا ان حولها نخلا كثيرا قد تساقط ثمرها، وتكدس حولها. فلحقنا لذلك من الخوف والارتياع والوحشة ما كاد يتلفنا.
فخرجنا منها مفكرين فيما عايناه، وإنا لنجد روائح الخمر معنا ومعاني السكر فينا ظاهرة، فلم نزل نسير يومنا أجمع، وليس بنا جوع ولا عطش، حتى إذا كان المساء وافينا راعياً يرعى غنما له، فسألناه عن العمارة والطريق، قال إن العمارة قريب منكم، فاذا نحن بأنهار فيها الماء، فنزلنا وشربنا منها وبتنا ثم أصبحنا، فاذا نحن في غير موضعنا الذي كنا فيه، وإذا معنا الناس والعمران، وما مشينا إلا بعض يوم حتى دخلنا مدينة الأشمون في الصعيد، فكنا نحدث الناس فلا يقبلون منا.
وهذه مدائن القوم الداخلة القديمة قد غلبت عليها الجن، ومنها ما قد ستر عن العيون فلا يراه أحد.
وذكر بعض القبط، أن رجلاً من بني الكهنة الذين قتلهم الشاد سار إلى الافرنجة فذكر لملكهم كثرة كنوز مصر وعجائبها، وضمن له أن يوصله إليها وإلى ملكها وأموالها، ويدفع عنها طلسماتها حتى يبلغ جميع ما يريده، ويعرفه مواضع الكنوز.
فعزم ملك الافرنجة على غزو مصر وجهاتها، فلما اتصل بصاحب مصر أن ملك الافرنجة تجهز إليها، عمد إلى جبل بين البحر المالح وشرقي النيل، فأصعد إليه أكثر كنوزه، وما كان في خزائنه، وصفح ظاهرها بالرصاص.
وأمر فنحتوا جوانب الجبل إلى منتهى خمسين ذراعاً، وجعلوا في آخر المنحوت منه الصور البارزة خارجة في النحت بقدر ذراع، وهو جبل مدور في جرمه إلا أنه رفيع السمك.
ثم انصرف الملك إلى مصر، وتأهب بماقدر عليه، واستظهر بما أمكنه، وجعل ينتظر ملك الافرنجة. وان ملك الافرنجة حشد جيش ما امكنه وقصد مصر، وكان لايمر بشيء من عجائبها وطلاسمها وغرائب أعمالها ومناراتها إلا قدرعليه وغيره وأفسد ما صادف من أصنامها، وذلك كله أمكنه بمعونة ذلك الكاهن.
حتى أتى الاسكندرية الأولى فعاث فيها وهدم كثيرا منها وغير معالمها، إلى أن دخل النيل من ناحية رشيد، وصعد إلى منف، وأهل تلك البلاد يحاربونه وهو ينتهب ما مر عليه، فوجد منفا ممتنعة بالطلسمات الشداد، والمياه العميقة والسرادقات العالية فأقام عليها أياما كثيرة فحاربها طمعاً أن يصل اليها، فلم يقدر ورأى كثرة الناس عليها، وأنهم كل يوم يزيدون وأصحابه ينقصون، فاغتاظ على الكاهن وأراد قتله فلم يمكنه.
وفر إلى أهله فسيروه حتى أمر الكهان إلى أوله من الظهور فرجع إلى حاله وهلك من أصحابه خلق كثير، واجتمع أهل النواحي فقصدوا مراكبه، فأحرقوا أكثرها فأجمع هو ومن معه على الهروب.
ولما علم أهل مصر بذلك الكاهن الذي كان معه، انحشدوا اليه بما قدروا عليه من المراكب، وظفروا بأكثر أصحابه فقتلوهم وغرقوا مراكبهم، فكان أعظم مطالب ملكهم أن يخلص نفسه، فأسرع الهرب في مركب استجاده لمثل ذلك الحال.
ففر وسلط الله على مراكبهم رياحا غرقت كثيرا منها، فما عادوا إلى الافرنجة إلا وملكهم قد ثقل بالجراحات التي أصابته، ورجع الناس إلى منازلهم وقرارهم ورجع الملك إلى مصر وترك ما كنزه في موضعه عتيداً له. ويقال انه كان هناك إلى هذا الوقت،
ولم يزل بعد ذلك الوقت يغزو بلاد الروم، وأهل الجزائر، يعبث فيها ويخربها، فهابته الملوك.
وأقام ملكا سبعا وستين سنة، وهلك ودفن بمنف في ناووسه الذي كان عمل له في وسط المدينة من تحت الأرض، وجعل الدخول اليه من خارج المدينة من الجهة الغربية، وحمل اليه أموالا عظيمة، وجواهر كثيرة وطلسمات وتماثيل كما فعل أجداده من قبله. وكان فيه أربعة آلاف تمثال على صور شتى برية وبحرية، وتمثال عقاب من جوهر أخضر عند رأسه، وتمثال تنين أخضر من ذهب مسبوك عند رجليه، وزبر عليه اسمه وسيرته وجميع أموره.
وعهد إلى ابنه بداونس الملك وهو أول من ملك الأجناد وصفا له ملك مصر وكان بداونيس الملك محنكا مجربا ذا أيد وقوة ومعرفة بالأمور، فأظهر فيهم العدل، واقام الهياكل ورد أهلها وأكرم الكهنة، وزاد في ألطافهم، وبنى بغربي منف بيتاً عظيماً للزهرة، وزبر فيه كتبا كثيرة من العلوم وكساه الحرير وعمل عيداً كبيراً اجتمع اليه جميع الأجناد.
وكان صنم الزهرة من اللازورد موشحا بذهب يبرق مسورا بسواري زبرجد أخضر، وكان في صورة امرأة لها ضفيرتان من ذهب أسود مدبر، وفي رجليها خلخالان من حجر أحمر كالياقوت، ونعلان من ذهب، وفي يدها قضيب مرجان وهي تشير بسبابتها كالمسلمة على من في الهيكل.
وجعل حذاءها من الجانب الآخر بقرة ذات قرنين وضرعين من نحاس أحمر مموه بالذهب موشحة بحجر اللازورد ووجه البقرة محاذ إلى وجه صنم الزهرة، وجعلوا بينهما مطهرة من أخلاط الأجساد على عمود رخام مجزع فيها ماء مدبر بقوة من الزهرة يستشفى بها من كل داء، وفرش الهيكل بحشيشة الزهرة تنالوها في كل سبعة أيام.
وجعل فيها كراسي الكهنة مصفحة بالذهب والفضة، وقرب فيها ألف رأس من الضأن والمعز والوحش والطير، وكان يحضره يوم الزهرة ويطوف به، وكان قد فرش الهيكل وستره عن يمين الزهرة وشمالها.
وكان في أعلى قبة الهيكل صورة رجل راكب على فرس له جناحان ومعه حربة سنانها رأس إنسان معلق، وبقي هذا الهيكل إلى زمان بخت نصر وهو الذي هدمه.
ويقال ان بداونس وهو الذي حفر خليج بخارى فارتفع له من الخراج في بلده مائة الف الف وخمسون الف الف.
وقصده بعض العمالقة غازيا له من الشام، فلما سمع به جيش الجيش وخرج اليه، ولقيه وهزمه ودخل فلسطين فقتل فيها وسبا خلقا كثيرا، وسبا بعض حكمائها واسكنهم مصر فهابته الملوك.
وعلى رأس ثلاثين سنة من ملكه طمع السودان من الزنج والنوبة في ارضه، فهجموا على بعض الاطراف فعاثوا وافسدوا. فأمر بجمع الجيوش من اعمال مصر، وأعد المراكب ووجه قائدا من قواده يقال له بلوطس وفي ثلاثمائة ألف بين راكب وراجل، واتبعه بقائد آخر في مثلها ووجه في البحر ثلاثمائة سفينة وجعل في كل سفينة كاهنا يعمل أعجوبة.
وسار هو في أثرهما فيمن بقي من الجيوش، فلقوا جيوش السودان وكانوا زهاء الف الف فهزموهم وقتل اكثرهم، فأسر منهم كثيرا، وتبعهم الجيوش حتى وصلوا إلى أرض الفيلة من أرض الزنج فأخذوا منها عدة كثيرة، وأخذ معها كثيراً من النمور والوحش وسيقت الى مصر.
ونصب على حدوده منارات وزبروا عليها مسيره وظهوره والوقت الذي غزا فيه السودان وذكر كل ما عمل في أيامه.
ولما انصرف الى مصر واستقر بها، اعتل ورأى رؤيا تدل على موته، فعمل لنفسه ناووساً ونقل اليه من أصنام الكواكب كثيراً، ومن الذهب والجوهر الملون والتماثيل الغريبة الصنعة والآلات والذخائر ما لايعلم جودته وكثرته، فلما هلك دفن فيه وزبر على بابه في الحجارة اسمه وتاريخ الوقت الذي مات فيه، جعلت عليه طلاسم تمنع منه.
وكان قد عهد إلى ابنه بعده مماليك الملك،
وكان مماليك الملك أديباً عاقلاً كريماً حسن الوجه مجربا مخالفا لأبيه في عبادة الكواكب والبقر، ويقال إنه موحد على دين قبطيم ومصرايم، فكانت القبط تذمه بذلك.
وكان سببه فيما ذكر، أنه رأى رؤيا فيما يراه النائم، كأنه أتاه رجلان لهما أجنحة فاختطفاه واحتملاه إلى الفلك، وأوقفاه حذاء شيخ أسود أبيض الرأس واللحية، فقال له هل تعرفني، فدخلته منه روعة لحداثته، وكان سنه نيفاً وثلاثين سنة، فقال له: ما أعرفك، فقال له أنا بشر، يعني رجلاً، فقال قد عرفتك، قال أنت إلاهي، فقال إنك وإن كنت تدعوني إلهاً فاني مربوب ملك، وإلهي وإلهك الذي خلق السموات والأرض وخلقني وخلقك، قال: فأين هو، قال: في العلوالأعلى، تعالى لا تلحقه الظنون ولا تراه العيون، ولا يشبهه شيء، وهو الذي جعلنا سبباً لاقامة العالم الأسفل وتدبيره قال: كيف نعمل إذاً، قال: تضمر في نفسك ربوبيته وتخلص وحدانيته وتعترف بأزليته، ثم أمر الرجلين فأنزلاه الى موضعه، فاستيقظ مذعوراً وهو على فراشه.
فدعا رأس الكهنة فقص عليه رؤياه، فقال له: عاهدتك أن لا تتخذ الأصنام آلهة فانها لا تضر ولا تنفع، قال فمن أعبد، قال: الله الذي خلق السموات والأرض وخلق جميع ما فيها من أموال وغيرها.
قال وكيف أقدرعلى رد نفوس العالم عماهم عليه، قال: اعقد على ذلك نيتك، وأخلص ضميرك وصف به قلبك، وإذا غبت عن عيون الناس وانفردت فاعمل ما أمكنك، ودم للناس في الظاهر على ما كان عليه جدودك، فقبل الملك ذلك القول منه واعتقده وعمل به.
فكان يحضر للهيكل ويسجد للصنم، منحرفاً عنه بقلبه مبغضاً له كافراً به، وهو يضمر أن سجوده لله عز وجل واستعمل كثرة الغزوات وموالاة الأسفار والجولان في البلاد، وكل ذلك لتطول غيبته عن مصر ويبعد عن الهيكل.
وقال بعض أهل مصر إن الله أيده بملك من الملائكة يعضده ويرشده، وربما أتاه في نومه فأمره ونهاه، وأخبره بما يريد معرفته، فأمر الناس عند ذلك باتخاذ كل جادة من الخيل وكل جيد وجميل من السلاح، وأعد الزاد، واتخذ في بحر المغرب مائتي سفينة.
وخرج في جيش عظيم في البر وفي البحر، فلقيه جموع البربر فهزمهم وقتل أكثرهم. وبلغ أفريقية، واستأصل أكثرها، وخرج منها، وكان لا يمر بأمة إلا أبادها إلى ان غزا من ناحية الأندلس يريد الافرنجة.
وكان بها ملك عظيم يقال له افريوس، فحشد اليه من كل النواحي، فأقام يحاربه شهراً ثم طلب صلحه، وأهدى اليه هدايا كثيرة، فقبل ذلك منه وسار عنه ودعا الأمم المتصلة بالبحر الأخضر فأطاعوه، ومر بأمة لها حوافر ولهم قرون صغار، ولهم شعور كشعور الذئبة، ولهم أنياب د لف بارزة من أفواههم، فقاتلوهم قتالاً شديداً حتى اثخنهم، ففروا عنه الى غيران لهم مظلمة، فلم يمكن لهم دخولها عليهم.
والقبط تزعم أنه رأى سبعين اعجوبة سنذكر منها بعد هذا، وعمل على البحر أعلاماً وزبر عليها اسمه، وخرب مدن البربر حيث كانت، وألجأهم إلى قرون الجبال، ورجع فتلقاه أهل مصر بصنوف اللهو والطيب والرياحين، وفرشوا له الطرق، ودخل قصره موفوراً ظاهراً. وأخرج إليه ابنه، وكان ولد له من بعده فسر به وابتهج وكمل فرحه، واتصل خبره بالملوك فهابوه، وحملوا اليه الهدايا من كل جهة.
وبلغه أن قوماً من البربر والسحرة لهم تماثيل وبخورات عجيبة يضلون بها، وتخاييل وهم في مدينة لهم يقال لها قرمودة في المغرب من أرض مصر، وقد ملكوا عليهم امرأة منهم ساحرة يقال لها سطا.
واتصل به كثرة أذاهم للناس، فغزاهم حتى إذا قرب منهم ستروا عنهم مدينتهم وسحروه، فلم يرها وطمسوا مياههم، فلم يعرفها، فهلك كثير من أصحابه عطشاً، فلم يجد لهم حيلة في الوصول اليهم، فزال عنهم ثم صعد إلى ناحية الجنوب.
ثم رجع اليهم على غير الطريق الذي سار اليهم عليها أولا، فمر بهم بهيكل كانوا يحضرونه في بعض أعيادهم، فأمر بهدمه فهدم بعضه، وسقط منه موضع على جماعة من أصحابه ممن تولى هدمه فاهلكهم، فلما رأى ذلك تركهم وانصرف عنهم، وخرجوا إلى هيكلهم فبنوه وأصلحوا ما فسد منه وحرسوه بطلسمات محكمة، ونصبوا في قبته صنماً من نحاس مذهب.
وكان إذا قصدهم أحد صاح الصنم صياحاً عظيماً منكراً يرعب منه كل ذي روح ويبهت،
وكانت ملكتهم أحذق منهم بالسحر فقالوا لها نعمل الحيلة في افساد مصر وأيذاء أهلها، فقالت لهم نعم، فقالوا أنت اقدرمنا، فاعملي فيها ما رأيتيه.
فعملت لهم أدوية سحرت فيها النيل ودفعتها إلى بعضهم، وأمرتهم أن يمضوا بها الى مصر، والزرع في حقله على أن تؤخذ فيطرحون منها في النيل في أعلى مصر، ويغرق بعضهم على أقطار مصر، وحيث زروعهم الكثيرة، فيفرقونها في كل جهة، قليل غبار في كل جهة.
فلما فعلوا ذلك فاض النيل في غير وقته وزاد على المعهود، وأقام الماء طويلاً على مزارعهم، وأفسد زروعهم وغلاتهم، وكثر فيه التماسيح والضفادع وكثرت العلل في الناس وانبثت فيهم الثعابين والعقارب.
فأحضر الملك الكهنة والحكماء، وقال لهم أخبروني عن هذه الحوادث التي حدثت في بلادنا، ولم تذكروه في الطالع الذي وضعتموه لهذه السنة، فكنا نتأهب لها. فاجتمعوا في دار الكهنة، ونظروا وبحثوا حتى علموا أنهم أوتوا من قبل ناحية المغرب، وأن امرأة عملته وألقته في النيل، وفرقته على الجهات.
فعلم الملك أنه من قبل تلك الساحرة، فقال لهم أجهدوا أنفسكم في هلاكها فقد بلغت فيكم من أذائها فاجتمعوا إلى الهيكل الذي فيه صور الكواكب وسألوه أن يحضر معهم فلم يمكنه الخلاف، فلما أمسى لبس مسحاً، وفرش رماداً، واستقبل مصلاه، وأقبل على الدعاء والابتهال والتضرع إلى الله تعالى، وقال: يا رب أنت إله الآلهة وملك الملوك، وخالق الكل، ولا يكون شيء مما دق وجل إلا بأمرك وحولك، أسألك بجميع فضائلك وآياتك وأسمائك أن تكفينا أمر هؤلاء القوم.
فلم يزل كذلك حتى غلبته سنة من النوم، فنام مكانه فرأى كأن آتياً أتاه، فقال له قد رحم الله تضرعك، وعلم ضميرك وأجاب دعوتك، وهو مهلك هؤلاء القوم ومدمرهم، وصارف عنك الماء المفسد والدواب المضرة، والأمراض المهلكة.
فلما أصبح الكهنة غدوا عليه وسألوه حضور هيكلهم على ما وجههم به فقال لهم قد كفيتم أمر عدوكم، وأزيل الماء المفسد والدواب المضرة عنكم، ولن تروا بعدها شيئاً تكرهونه، فسكتوا ونظر بعضهم إلى بعض كالمنكرين لما سمعوه، ثم قالوا له قد سررنا بما ذكره الملك دام عمره، وهم يضمرون التكذيب والاستهزاء.
وخرجوا عنه فقال بعضهم لبعض الرأي أن لا تقولوا شيئاً في هذا، فان كان حقاً ظهر سريعاً، وإن كان باطلا اتسع لكم اللفظ في ذمه، وسيتبين أمره.
فلما كان بعد يومين انكشف ذلك الماء المفسد، وجففته الشمس، وهلكت تلك الدواب المضرة، فعلم القوم صدق ما أخبرهم به. وأمر الملك قائداً من قواده ورجلاً من الكهنة أن يمضوا بجيش حتى يعلموا علم تلك المدينة، فخرجوا اليها فأتوها، فلم يروا مكروهاً ولا وجدوا مانعاً.
فلما وصلوا اليها وجدوا حصنها قد سقط، وأهلها عن آخرهم موتى، واحترق بعضهم، واسودت وجوههم، ووجدوا بعض الأصنام ساقطة على وجوهها، وأموالهم ظاهرة بين أيديهم.
فطافوا المدينة وفتشوها فلم يجدوا فيها غير رجل واحد حياً، كان مخالفاً لدينهم بسبب رؤيا رآها، ووجدوا من الأموال والجواهر وأصناف الذهب والتماثيل ما لا يحصى كثرة؛ ولا يعرف له قيمة.
ووجدوا صورة كاهن لهم كانوا يتعبدونها، وهي من زبرجد أخضر على قائمة من حجر البسد، ووجدوا صورة روحاني من ذهب ورأسه من جوهر أحمر وله جناحان من در، وفي يديه صحيفة فيها كثير من علوم مصر في دفتين من ذهب مرصعتين بذهب ملون.ووجدوا مطهرة من ياقوت أزرق على قاعدة من زجاج أخضر مسبوك، وفيها فضلة من الماء الدافع للأسقام. ووجدوا فرساً من فضة من عزم عليه بعزائمه ودخنه بدخنه وركبه طار به فيما زعموا.
ووجدوا غير ذلك من العجائب والآلات التي يستعملها السحرة والأصنام التي يتخذونها، فجمعوا من ذلك ما خف حمله وثقل ثمنه، وأقروا به دوابهم من جميع العجائب والتماثيل وغرائب ما كان فيها من الأشكال، وحملوا جميعه إلى الملك، وحمل الرجل الذي وجد حياً، ووصلوا بذلك كله إلى الملك، فابتهج بذلك وحمد الله تعالى على ما أولاه، وسر الناس.
وبهت منه كهنة مصر، ولم يعرفوا أصله، فوجه الملك دواباً وعسكراً ونهض معهم من شاء من العامة بأشمون ومصر، فنقلوا جميع ما كان تبقى في المدينة من شيء له خطر، فصار بأيدي الناس منه شيء كثير وصار الموضع بعد ذلك زماناً طويلاً مطلباً لمن أمكنه المسير اليه، وقل من مشى اليه ورجع خائبا.
واستحضر الملك ذلك الرجل الذي وجد حياً فاستخبره عن احاديثهم، فحدثه بأشياء معجبة، ثم قال: وأعجب ما رأيت منهم انه قصد المدينة منذ دهر ملك من ملوك البربر جبار من أهل بيت تجبر، فجاء بجموع كثيرة وجيوش كثيفة وتخاييل هائلة فأغلق أهل مدينتنا حصنهم، ورتبوا المراهقين على أسوارها ولجأوا ألى أصنامهم وشيوخهم وكهنتهم يخضعون لها ويتضرعون اليها وكان لهم كاهن عظيم الشأن لا يكاد أن يخرج من منزله، فسار اليه رؤساؤهم، وشكوا اليه ما دهاهم من عدوهم، فخرج معهم الى بركة لهم عظيمة بعيدة القعر، كانوا يشربون منها الماء فجلس على حافتها، وأحاط الكهنة بها، وأقبل يزمزم على ماء البركة، فلم يزل كذلك حتى فاض الماء وفار، وخرج من وسطه نار تتأجج وخرج من وسطها وجه كدائرة الشمس وعلى ضوئها فخرت الجماعة سجودا لذلك الوجه وجللهم نوره، وجعل يعزم حتى ملأ البركة وارتفع حتى صعد على أعلى القبة ثم ارتفع الى السماء فسمعوه يقول قد كفيناكم أمر عدوكم، فاخرجوا فخذوا أموالهم فخرجنا بأجمعنا متخوفين حتى وصلنا مضربهم، فوجدناهم أمواتا لم يبقى منهم حي، فأخذنا جميع ما تركوه من مال وثياب ودواب وآلة وانصرف أهل المدينة إلى مدينتهم فرحين، وكانوا يأكلون ويشربون، فقلت لبعض الكهنة لقد رأيت عجباً من ذلك الوجه فما هو، قال ملك الشمس تبدت فماتوا عن آخرهم كما رأيت،
قال له الملك فما الذي أهلكهم الآن، قال لا أدري، غير أني أفقت من نومي في الليل فسمعت هدة عظيمة إذ تهدم الحصن فأردت الخروج ولا علم لي بذلك فاذا بأصوات انكرتها وضوء نار وروائح حريق، وكنت ساكناً في موضع كالخان فيه خلق كثير، فصحت بكثير منهم فلم يستجب لي أحد، فسرت أفتقد باب المنزل فوجدته مغلقا فدخلت بيتي وأوقدت سراجا بنار كانت عندي، ثم مشيت على جميع من في الدار رجالا ونساء صغارا كبارا، فلم أجد أحد منهم حيا فاقمت في نهاية من الرعب ابتهل إلى الله عز وجل وأدعو. فلما أصبحت أقمت حتى طلعت الشمس و بدا النهار، فلم أسمع صوتا ولاحركة، فخرجت فوجدت المدينة على ما وجدها أصحاب الملك.
وكان هذا الرجل عاقلا مجربا فاتخذه الملك صاحباً ووزيرا وأنيسا، ولم يزل مماليك الملك على التوحيد لله تعالى والايمان به، وهو يسايس أهل بلاده ويداريهم عما في نفسه خوفا من اضطراب ملكه عليه.
وأمر فبني له ناووس، وأمر أن يدفن فيه إذا مات وحده ولا يدفن معه أحد من أهله، وأمر أن لايدفن معه ذهب ولا فضة ولا تمثال، وكتب بخطه صحيفة ( هذا ناووس مماليك الملك، ملك مصر وأعمالها، مات وهو يؤمن بالله لا يعبد معه غيره، ومتبريء من الأصنام وعبادتها، ومؤمن بالبعث والحساب والمجازاة على الأعمال عاش بكذا وكذا، فمن احب النجاة من عباد الله، فليدن بما دان به )،
وقد كان دفن بموضع آخر كنوزا كثيرة وزبر عليها انه لا يخرجها إلا أمة النبي المبعوث في آخر الزمان يعني محمدا عليه الصلاة والسلام ودفع الصحيفة التي كتبها إلى الآمر بعده وأمره بسترها والاحتفاظ بها فاذا هو مات زبر ما فيها على ناووسه.
وكان طول حياته يقصد ناووسه يتعبد فيه مستترا عن جميع العالم ولما أيقن بالموت دعا ابنه فأسر إليه التوحيد وأعلمه انه دينه، ولم ير منه إلا الخير، وأمره أن يدين به، ونهاه عن عبادة الأصنام، فدان بذلك مدة حياة أبيه، ومات فدفنه ابنه في ناووسه وزبر عليه ما في الصحيفة . فلما فرغ من أمره جلس على سرير الملك ابنه اخريتا الملك.
جلس مناوس الملك بعد أبيه على سرير الملك فطلب الحكمة بعد، مثل أبيه وأكرم أهلها، وبذل الجوائز على الغرائب التي لم يتقدم عملها لمن تقدم قبله، وأثبت كل ما عمل من ذلك في كتب تواريخهم، وزبر على الحجارة في هياكلهم.
ومناوس أول من عبد البقر، وكان السبب في ذلك انه اعتل علة فيئس فيها من نفسه، وأنه رأى في منامه روحانياُ عظيماً يخاطبه ويقول له: لايخرجك من علتك إلا عبادتك البقر، لان الطالع كان وقت حلولها، فلك الثور، وهو في صورة ثور بقرنين فأمر عند انتباهه، فأخذوا ثوراً أبلق حسن الصورة، وعمل له مجلساً في قصره وسقفه قبة مذهبة، وكان يبخره ويطيبه ويحسن علفه، ووكل به سايساً من خدمه يقوم به وينظفه ويكنس تحته، وكان يتعبد له سراً من أهل مملكته فبرىء من علته وعاد الى أحسن أحواله.
وقيل إنه أول من عملت له عجل مموهة بالذهب، وعليها قباب من خشب مذهب، وكانت تفرش بأحسن الفرش وتساق الى موضع المتنزهات، وقيل إنه عملت له في علته لانه كان لايقدر على الركوب، وكانت البقر تجره في العجلة فكان إذا مر بمكان نزه أقام به، وان مر بمكان خرب أمر بعمارته وقيل انه نظر يوماً الى ثور من البقر التي تجره أبلق حسن الخلقة والقرنين، فأمر بتوقيفه والتعريض منه، وساقه بين يديه الى موضع نزهته إعجاباً به، وجعل عليه حللا من حرير منسوج بالذهب، فلما كان في بعض الايام خلا في موضع، وقد تفرد عن عبيده سار اليه وسجد بين يديه.
فقال له: لو دام الملك على تربيتي واكرامي، وتعبد لي كفيته مهمه على ما يريده، وقويته في جميع أموره وأزلت عنه جميع علله.
فارتاع الملك لقوله، وأمر بأن يغسل ويطيب ويكسى بالحرير المذهب ويوقف في الهيكل، ووكل به من يخدمه في جميع أموره ويتعاهده بالمسح والتطييب وأمره بعبادته.
وأقام ذلك الثور يعبد مدة طويلة، وافتتن الناس به، وصار ذلك اصلا لعبادة البقر، وبنى مواضع كثيرة في الصحراء والجبال وكنز فيها كنوزاً كثيرة وأقام عليها أعلاماً.
وبنى في صحراء الغرب مدينة يقال لها ديماس، وأقام بها مناراً وكنز حولها كنوزاً، ويقال ان هذه المدينة قائمة الى الآن، وان قوماً جازوا بها من ناحية الغرب فسمعوا فيها عزف الجن ورأوا نيرانهم.
وفي بعض كتبهم أن ذلك الثور بعد مدة من عبادتهم له، أمرهم أن يعملوا صورته من ذهب ويعملوه أجوف ويؤخذ من رأسه شعرات ومن ذنبه، ويؤخذ من نحاتة قرنه وأظلافه ويجعل في ذلك التمثال، وعرفهم أنه يلحق بعالمه، وأن يجعلوا جسده في جرن من حجارة، وينصب في الهيكل وينصب تمثاله عليه، وزحل في شرفه والشمس ناظرة اليه من تثليث، وأن ينقش في التمثال، علامات صورة الكواكب السبعة ففعلوا ذلك.
وعملت الصورة من ذهب وكللت بأنواع الجوهر، وأدخلت صنعتها سواد في بياض، وجعل جسد الثور في الحدود التي حدها، ونصب عليه التمثال فكان يخبرهم بالعجائب وبما يحدث وقتاً بعد وقت ويجيبهم بكل ما يسالونه عنه.
وعظم أمر ذلك التمثال ونذرت له النذور وقربت له القرابين، وقصده الناس من جميع أعمال مصر وما قرب منها، فكان يخبرهم بما يريدون.
وأقام مناوس ملكاً خمساً وثلاثين سنة، وهلك من سل أصابه، وعمل له ناووس تحت الجبل الغربي وجعل في جرن من حجارة. وجعل وصيه من بعده ابنه مريدس الملك، فجلس على سرير ملكه بعد أبيه وملك احدى وعشرين سنة، وكان مضعفاً فلم يبن بنياناً ولاينصب مناراً، ولاعملت في وقته أعجوبة، فمات ودفن مع أبيه في جرن من رصاص. وولي بعده اشمون الملك، واشمون أخو قبطيم الملك وكان وحده من اشمون الى منف، وفي الشرق الى البحر المالح الى ما حاذى برقة الحمراء، وهي آخر حد مصر، وفي الصعيد الى حدود اخميم.
وكان ينزل اشمون لانه سماها باسمه عند بنيانها، ونقل اليها أهله وولده وطولها اثنا عشر ميلاُ في مثلها.
وأشمون أول من أتخذ الملاعب بالكرة والصولجان وغير ذلك، وبنى القصور وغرس الأجنة وأقام المنائر ونصب الأعلام وبنى المدن وأكثر فيها من العجائب.
والقبط تزعم ان خبر اشمون كان اكثر الأخبار ذكراً وعجائباً وسحراً.منها أنه بنى مدينة في سفح الجبل سماها أفطراطس وجعل لها أربعة أبواب جعل على الشرقي صورة عقاب، وعلى الغربي صورة ثور، وعلى الجنوبي صورة كلب، وعلى الشمالي صورة أسد.
وأسكن الكهنة بسحرهم في تلك الصور روحانية، وكانت تنطق إذا قصدها القاصد الغريب، ولا يقدر على الدخول إليها إلا بإذن الموكلين بها، وجعل فيها شجرة تثمر كل لون من الفاكهة.
وجعل فيها مناراً طوله ثمانون ذراعاً، على رأسه قبة تتلون كل يوم لونا حتى تمضي سبعة أيام بسبعة ألوان، ثم تعود إلى اللون الأول.
وكانت تلك الألوان تكسو المدينة لوناً شعاعياً، وأجرى حول ذلك المنار ماء ساقه من النيل وجعل في ذلك الماء سمكا من كل لون.
وجعل حول المدينة طلسمات رءوسها رءوس القرود وأبدانها أبدان الناس، كل منها لدفع مضرة واجتلاب منفعة.
ودفن تحت كل صنم من الأصنام المبنية الأربعة على أبوابها صنفاً من الكنوز ولكل واحد منها قربان وبخور، وكلام يوصل به اليه، وأسكن فيها السحرة.
وبنى بالقرب منها مدينة تعرف في كتبهم ذات العجائب في وسطها قبة عليها أبداً مثل السحابة تمطر مطراً خفيفاً شتاء وصيفاً، وتحت كل قبة مطهرة فيها ماء أخضر يتداوى به من كل داء فيبريه.
وفي شرقها بربا لطيف له أربعة أبواب لكل باب منها عضادتان، في كل عضادة منهاصورة وجه كأنه يخاطب صاحبه، وهو يكلمه بكلام يفهمه، ويخبره بما حدث في يومه.
ومن دخل ذلك البربا على غير طهارة نفخا عليه فأصابته فظيعة لا تفارقه أبداً إلى أن يموت.
ويقال ان في وسطها ابدا مهبط نور كأنه عمود من اعتنقه لم يغرب عن نظره شيء من الروحانيات، وسمع كلامهم ورأى ما يعملون.
وعلى كل باب من أبواب هذه المدينة صورة راهب في يده كالمصحف فيه علم من العلوم، فمن أحب ذلك العلم أتى تلك الصورة فمسحها بيده وأمرها على صدره فيثبت ذلك العلم في صدره.
ويقال ان هاتين المدينتين سميتا على اسم هرمس وهو عطارد وأنهما إلى الآن على حالهما.
وحكي عن رجل أتى عبد العزيز بن مروان وهو والي مصر، فعرفه انه رأى في صحراء الغرب وقد أوغل في طلب جمل له ضل، فوقع إلى مدينة خراب وانه وجد منها شجرة عظيمة تحمل من كل صنف من الفاكهة، وانه قد أكل منها وتزود، فقال له رجل من القبط هذه إحدى مدن هرمس وفيها كنوز كثيرة، فوجه عبد العزيز جماعة من ثقاته، ووجهه معهم، وتزودوا زاد شهر ومشوا يطوفون تلك الصحارى زمانا، فما وجدوا لها أثراً.
وكان أشمون أعدل ولد أبيه وأرغبهم في صنيعه، وأحبهم في عمل يبقي ذكره وهو الذي بنى المجالس المصفحة بالزجاج الملون في وسط النيل.
وتقول القبط إنه بنى سرباً تحت الأرض من اشمون الى انصباب النيل، وقيل إنه عمله لنسائه لأنهن كن يمضين إلى هيكل الشمس، وكان هذا السرب مبلط الأرض، والحيطان بالزجاج الملون العجيب.
وقيل إن أشمون كان اطول إخوته ملكا، وقال أهل الأثر إن ملكه ثمانمائة سنة، وإن قوم عاد انتزعوا الملك منه بعد ستمائة سنة من ملكه، وأقاموا تسعين سنة ثم كرهوا البلد واستوبؤوه فرحلوا عنه إلى الراهبة من طريق الحجاز إلى وادي القرى، فعمروها واتخذوا المنازل والمصانع والقرى، وسلط الله عليهم القر فاهلكهم.
وعاد ملك مصر إلى أشمون بعد خروجهم من البلد، ويقال إنه عمل في وقته وزة من نحاس، وكان الغريب إذا جاء ليدخل صاحت الوزة وصفقت بجناحيها فيعلم به أهل البلد، فان أحبوا أدخلوه، وأن أحبوا تركوه.
وكثرت الحيات في وقته فاحتال لها بحيلة كانوا يأخذونها بأيديهم، ويعملون من شحومها ولحومها أدوية ودرياقات.
وهو أول من عمل النيروز بمصر، يقيمون سبعة أيام يأكلون ويشربون إكراماً للكواكب بزعمهم.
وفي زمانه بنيت البهنسا، وأقام بها مطراناً، وجعل فوقها مجلساً من زجاج أصفر وعليه قبة مذهبة، وكانت الشمس إذا طلعت ألقت شعاعها على المدينة.
ويقال إنه ملكهم ثمانمائة سنة وثلاثين سنة، ومات ودفن في احدى الاهرامات الصغار القبلية وقيل بل عمل له ناووس في آخر أشمون ودفن معه مال كثير وعجائب كثيرة ومن الذخائر مالا يحصى كثرة، ودفنت معه أصنام الكواكب السبعة التي كانت في هيكله، وعشرة آلاف سرج من ذهب وفضة وعشرة آلاف جا ونضار من ذهب وفضة، وزجاج مسبوك وألف برنية من العقاقير المدبرة لقبول الأعمال، وزبر على ذلك كله اسمه ومدة ملكه.
وخلف على الملك ابنه الشاد الملك، فولي وهو ابن خمس وأربعين سنة وكان متجبراً معجباً طماح العين، فابتز امرأة من نساء أبيه، فانكشف أمره وعرف خبره، وكان أكبر همه اللهو واللعب، فاجتمع اليه كل مله كان في ملكه وقصده كل من كان في يده شيء من أنواع الملاهي والملاعب، وانفرد للعب بهم وترك النظر في أمور الناس.
وعمل قصوراً من خشب عليها قباب منقوشة مموهة بالذهب، وكان يحملها على المراكب في النيل ويتنزه فيها مع من يحب من نسائه وخدمه ومن يلهيه.
وعمل عليه الأروقة المذهبة وفرشها بأحسن الفرش وفاخره، وكان يتنزه عليها وتجرها البقر، ويقيم في نزهته شهوراً لا يمر بموضع إلا أقام فيه، وولد من السحر توليداً كثيراً واستنفذ أكثرها ما في خزائن أبيه، وذهب خراجه في جرائد الملهين والنفقات في غير وجوهها، فلما اسرف في ذلك اجتمع الناس إلى وزيره فانكروا حاله عنده، وسألوه مساءلته والاشارة عليه بالاقلاع عما هو عليه، فضمن لهم ذلك، ثم فاوضه فيه وبين له ما يجب تبينه وحذره من العواقب اللاحقة من التفريط بما يكره فلم ينته، وسلط أصحابه على الناس فأساءوا إليهم وأضروا بهم.
وخرج الملك ذات يوم إلى متنزه له قد صفح مجالسه بصفائح الذهب والفضة وغرائب الجوهر الملون، وأجرى اليه المياه وغرس فيه نفيس الرياحين، وفرشه بأصناف الفرش الملونة.
وكان إذا أحب ان يخلو بامرأة من نسائه خلى بها هناك، وأنه في ذلك المتنزه، وقد أقام فيه أياماً إذ خرج غلام من بعض خدمه، فأتى بعض التجار في حاجة له، وكانت له خادم فأراد أخذها منه بغير ثمن فمنعه منها فوثب عليه يريد ضربه، فاجتمعوا عليه وضربوه حتى أسالوا دمه وحمل وقيد.
واتصل خبره بالوزير وصاحب الجيش فركبا إلى الموضع وانكرا على الناس ما فعلوه وأسمعاهم فأغلظوا لهما وأسمعوهما، فانصرفا مغضبين وقالا ما نرى ستر هذا عن الملك وعرفاه الخبر، فلم يحفل بهما وأمر بالنداء في الناس من تعرضكم من خدم الملك وأصحابه، فاقتلوه، فحمد الناس أمره وشكروا فعله وتواصلوا بالوثوب على أصحابه، حتى إذا مضى لذلك اسبوع وجه إلى وزيره وصاحب جيشه أنه عزم أن يركب إلى صحراء الغرب يتصيد هناك، وأمر أن يركب معه جيشه، وأن يتزودوا لثلاثة ايام ففعلوا، واجتمعوا إلى بابه فاستدعى الوزير، وأسر اليه انه يريد الانتقام من العامة، وخرج الملك وجيشه في أحسن زي وهيئة وسار إلى موضع غير بعيد.
فلما اختلط الظلام رجع بالجيش حتى وافى باب المدينة، وأمر أصحابه أن يضعوا أيديهم في الناس فقتلوا خلقاً كثيراً، وأمر بحرق الموضع الذي قتل فيه الغلام.
ثم أمر ان ينادى: هذا جزاء من أقدم على الملك من رعاياه وأصحاب مهنتهم من العامة وغيرهم، فاستغاث الناس، فأسر إلى وزيره ان يطرح نفسه بين يديه ويسأله فيهم ففعل فامنهم، وقال لهم، من عاد منكم فقد أحل دمه فشكروا فعله وانصرفوا ورجع إلى ما كان عليه وأعظم.
واحتجب عن الناس واستحلت الهياكل والكهنة فأبغضه العامة والخاصة وابتغوا له الغوائل، فاحتال عليه خاصته بطباخه وسقاته فسماه، فمات وهو ابن مائة وعشرين سنة، فكان ملكه خمساً وسبعين سنة.
وصار الملك بعده إلى ابنه صاصا، وأكثر القبط تزعم ان صاصا هذا اخو الشاد وانه ابن مربيس الملك.
ولما جلس صاصا على سرير الملك دخل الناس عليه يهنئونه، فوعدهم العدل فيهم وحسن النظر لهم، وسكن منف ونفى الملهين وأهل المجالات وأهل الشر ومن كان يصحب أباه.
وأصلح الهياكل ورد الكهنة إلى مراتبهم، وعمل بمنف عجائب كثيرة وطلسمات، وأجرى فيها الأنهار، ونصب العقاب الذي كان عمل قبله على موضعه وشرف هيكله ودعى اليه.
وعمل بمنف مرآة يعرف بها زمان الخصب والجدب وما يحدث ببلده، وبنى داخل الواحات مدائن، وغرس فيها نخلا كثيراً، ونصب غرب البحر أعلاماً كثيرة، وعمل خلف المقطم صنماً يقال له صنم الحيلة، فكان كل من أعجزه امر أتاه يسأله، فيخبره ويبين له ما عزب عن معرفة منه. وجعل على أطراف مصر أصحاباً يرفعون له ما يجري في حدود أرضه، وعمل على غربي النيل منابر إذا قصدهم قاصد يوقد عليها فيصل اليه الخبر من ليله أو من يومه، وجعل على البحر المالح مثل ذلك، ووكل بجمعها جماعة يحرسونها. وهو أول من اتخذها، ويقال إنه بنى أكثر منف، وكان له بنيان عظيم بالاسكندرية.
ولما ملك واستولى على البلد بأسره، جمع اليه حكماء أهل بلده ونظر في النجوم وكان بها حاذقاً، ورأى أن بلده لا بد له من أن يدخل اليه طوفان عظيم من نيلها فيكاد يغرقها، ورأى أنه يحدث على يدي رجل يأتي من ناحية الشام.
فجمع كل فاعل بمصر وجهاتها وبنى في ألواح الأقصى مدينة، جعل طول حصنها في الارتفاع خمسين ذراعاً، وأودعها جميع الحكم والأموال، وهي المدينة التي وقع عليها موسى بن نصير في زمن بني أمية لما قلد المغرب، لأنه لما دخل مصر، أخذ على الواح الأقصى بالنجوم وكان عنده علم منها.
فأقام سبعة أيام يسير في رمال بين سمت الغرب والجنوب، إلى ان ظهرت له مدينة فيها حصن وأبواب حديد، فرام أن يفتح باباُ من أبوابها، فأعياه ذلك لغلبة الرمل عليها، وعلى ما حولها، فأصعد اليها الناس، فكل من صعد منهم وأشرف، وثب داخلها لايعلم كيف يقع، ولا على ما يسقط، ولا مايصيب.
ولما لم يجد فيها حيلة تركها ومضى، وقد فقد فيها جماعة من أصحابه، وحرروا عرض حصنها عشرين ذراعاً، وهلك في طريقه منصرفاً عنهاجماعة من أصحابه، ولم يسمع أن أحداً قبل موسى بن نصير، ولا بعده وقع عليها.
وفي تلك الصحارى اكثر متنزهاتهم ومدائنهم العجيبة وكنوزهم العظيمة، إلا أن الرمال غلبت عليها.ولم يكن لمصر ملك، الا وقد عمل للرمل طلسما يبعدها ويوقفها، ثم تفسد طلسماتها على تقادم الأيام.ولا ينبغي لأحد أن ينكر كثرة بنيانهم ومدائنهم. وما نصبوه من الأعلام العظام.
فقد كان للقوم بطش لم يكن لغيرهم، وفيما يظهر من آثارهم بيان تحقيق ما يذكر عنهم.
من ذلك مثل هذه الأهرام والأعلام العظام المشهورة بالاسكندرية، وفي صحراء المغرب عجائب باقية من ذلك، وما لهم من الجبال المنحوتة التي جعلوا كنوزهم فوقها، فلا يصل أحد اليها، وكذلك الأودية المنحوتة، ومثل ما بالصعيد من مدائنهم، وما نقشوه عليها من حكمهم، فانه لو تعاطى أحد من ملوك الأرض أن يبني مثل الهرمين، أو جميعهم ما تهيأ لهم ذلك، وكذلك لو أرادوا أن ينقشوا ثوباً واحداً لطال عليهم الأمر وتركوه.
وحكي عن قوم في ضياع الغرب، ان عاملاً من عمالهم عنق بهم، فدخلوا في صحراء الغرب، وحملوا معهم زاداً إلى أن تصلح أمورهم ويرجعوا إلى منازلهم، وكانوا على يوم وبعض آخر، فدلجوا الى جبل، فوجدوا عيرا أهلياً قد خرج من بعض شعابه، فتبعه نفر منهم، فأخرجه إلى مساكن وأشجار ونخل ومياه وناس، فهم يسكنون تلك الناحية، ويتناسلون ويزرعون، ولا يطالبهم أحد بخراج.
وأخبروهم أنهم لم يدخلوا إلى ضياع الغرب، فصاروا نحوهم بأهليهم ومواشيهم وجميع أموالهم، فأقاموا مدة يطلبون الطريق فما وجدوه، ولا عرفوه، ولا وقفوا له على خبر، ولا تأتى لهم الوصول اليهم، فرجعوا آيسين على ما فاتهم من ذلك الموضع.
وحكي أيضاً عن آخرين انهم ضلوا في طريق الغرب، فوقعوا إلى مدينة كثيرة الماء والشجر والناس والمواشي والنخل والزرع، فأضافوهم وأكلوا عندهم وأباتوهم في دار فيها طاحونة يعمل فيها الخمر، فشربوا معهم حتى سكروا وناموا، فلما انتبهوا عند طلوع الشمس وجدوا أنفسهم في مدينة خراب ليس فيها أنيس ولا عمارة، فارتاعوا وخرجوا على وجوههم كالهاربين، وساروا يومهم على غير سمت حتى قرب المساء، فظهرت لهم مدينة أكبر من الأولى، وأعمر وأكثر أهلاً ودواباً ونخلاً وشجراً وزرعاً ومواشي، فأنسوا بها، ونزلوا عندهم فأخبروهم بخبر المدينة الأولى. فجعلوا يعجبون من ذلك ويضحكون منهم، وإذا لبعض أهل المدينة وليمة فانطلقوا بهم اليها فأطعموهم بها، وسقوهم وغنوهم بأصناف الملاهي، وسألوهم عن أخبارهم، فأخبروهم أنهم ضلوا عن الطريق في بعض هذه الصحاري، فقالوا لهم الطريق بين أيديكم واضح، ولا يمكن أن تغلطوا فيه فان أحببتم المسير وجهنا معكم، من يوقفكم على سمت الطريق الكبير الذي يؤديكم إلى مكانكم، وإن أحببتم أن تقيموا عندنا، أرفدناكم وزوجناكم عندنا، وكنتم أصهارنا وإخواننا، فسروا بذلك من قولهم، فأجمع بعضهم على المقام معهم، وأجمع أكثر من كان منهم له أهل وولد على أن يأخذ أهله وولده فيسير نحوهم قالوا فبتنا معهم خير مبيت، ثم نمنا فلما كان في الغد انتبهنا فوجدنا أنفسنا في مدينة عظيمة خراب قد تشعث بعض حصونها، وليس بها احد من الناس إلا ان حولها نخلا كثيرا قد تساقط ثمرها، وتكدس حولها. فلحقنا لذلك من الخوف والارتياع والوحشة ما كاد يتلفنا.
فخرجنا منها مفكرين فيما عايناه، وإنا لنجد روائح الخمر معنا ومعاني السكر فينا ظاهرة، فلم نزل نسير يومنا أجمع، وليس بنا جوع ولا عطش، حتى إذا كان المساء وافينا راعياً يرعى غنما له، فسألناه عن العمارة والطريق، قال إن العمارة قريب منكم، فاذا نحن بأنهار فيها الماء، فنزلنا وشربنا منها وبتنا ثم أصبحنا، فاذا نحن في غير موضعنا الذي كنا فيه، وإذا معنا الناس والعمران، وما مشينا إلا بعض يوم حتى دخلنا مدينة الأشمون في الصعيد، فكنا نحدث الناس فلا يقبلون منا.
وهذه مدائن القوم الداخلة القديمة قد غلبت عليها الجن، ومنها ما قد ستر عن العيون فلا يراه أحد.
وذكر بعض القبط، أن رجلاً من بني الكهنة الذين قتلهم الشاد سار إلى الافرنجة فذكر لملكهم كثرة كنوز مصر وعجائبها، وضمن له أن يوصله إليها وإلى ملكها وأموالها، ويدفع عنها طلسماتها حتى يبلغ جميع ما يريده، ويعرفه مواضع الكنوز.
فعزم ملك الافرنجة على غزو مصر وجهاتها، فلما اتصل بصاحب مصر أن ملك الافرنجة تجهز إليها، عمد إلى جبل بين البحر المالح وشرقي النيل، فأصعد إليه أكثر كنوزه، وما كان في خزائنه، وصفح ظاهرها بالرصاص.
وأمر فنحتوا جوانب الجبل إلى منتهى خمسين ذراعاً، وجعلوا في آخر المنحوت منه الصور البارزة خارجة في النحت بقدر ذراع، وهو جبل مدور في جرمه إلا أنه رفيع السمك.
ثم انصرف الملك إلى مصر، وتأهب بماقدر عليه، واستظهر بما أمكنه، وجعل ينتظر ملك الافرنجة. وان ملك الافرنجة حشد جيش ما امكنه وقصد مصر، وكان لايمر بشيء من عجائبها وطلاسمها وغرائب أعمالها ومناراتها إلا قدرعليه وغيره وأفسد ما صادف من أصنامها، وذلك كله أمكنه بمعونة ذلك الكاهن.
حتى أتى الاسكندرية الأولى فعاث فيها وهدم كثيرا منها وغير معالمها، إلى أن دخل النيل من ناحية رشيد، وصعد إلى منف، وأهل تلك البلاد يحاربونه وهو ينتهب ما مر عليه، فوجد منفا ممتنعة بالطلسمات الشداد، والمياه العميقة والسرادقات العالية فأقام عليها أياما كثيرة فحاربها طمعاً أن يصل اليها، فلم يقدر ورأى كثرة الناس عليها، وأنهم كل يوم يزيدون وأصحابه ينقصون، فاغتاظ على الكاهن وأراد قتله فلم يمكنه.
وفر إلى أهله فسيروه حتى أمر الكهان إلى أوله من الظهور فرجع إلى حاله وهلك من أصحابه خلق كثير، واجتمع أهل النواحي فقصدوا مراكبه، فأحرقوا أكثرها فأجمع هو ومن معه على الهروب.
ولما علم أهل مصر بذلك الكاهن الذي كان معه، انحشدوا اليه بما قدروا عليه من المراكب، وظفروا بأكثر أصحابه فقتلوهم وغرقوا مراكبهم، فكان أعظم مطالب ملكهم أن يخلص نفسه، فأسرع الهرب في مركب استجاده لمثل ذلك الحال.
ففر وسلط الله على مراكبهم رياحا غرقت كثيرا منها، فما عادوا إلى الافرنجة إلا وملكهم قد ثقل بالجراحات التي أصابته، ورجع الناس إلى منازلهم وقرارهم ورجع الملك إلى مصر وترك ما كنزه في موضعه عتيداً له. ويقال انه كان هناك إلى هذا الوقت،
ولم يزل بعد ذلك الوقت يغزو بلاد الروم، وأهل الجزائر، يعبث فيها ويخربها، فهابته الملوك.
وأقام ملكا سبعا وستين سنة، وهلك ودفن بمنف في ناووسه الذي كان عمل له في وسط المدينة من تحت الأرض، وجعل الدخول اليه من خارج المدينة من الجهة الغربية، وحمل اليه أموالا عظيمة، وجواهر كثيرة وطلسمات وتماثيل كما فعل أجداده من قبله. وكان فيه أربعة آلاف تمثال على صور شتى برية وبحرية، وتمثال عقاب من جوهر أخضر عند رأسه، وتمثال تنين أخضر من ذهب مسبوك عند رجليه، وزبر عليه اسمه وسيرته وجميع أموره.
وعهد إلى ابنه بداونس الملك وهو أول من ملك الأجناد وصفا له ملك مصر وكان بداونيس الملك محنكا مجربا ذا أيد وقوة ومعرفة بالأمور، فأظهر فيهم العدل، واقام الهياكل ورد أهلها وأكرم الكهنة، وزاد في ألطافهم، وبنى بغربي منف بيتاً عظيماً للزهرة، وزبر فيه كتبا كثيرة من العلوم وكساه الحرير وعمل عيداً كبيراً اجتمع اليه جميع الأجناد.
وكان صنم الزهرة من اللازورد موشحا بذهب يبرق مسورا بسواري زبرجد أخضر، وكان في صورة امرأة لها ضفيرتان من ذهب أسود مدبر، وفي رجليها خلخالان من حجر أحمر كالياقوت، ونعلان من ذهب، وفي يدها قضيب مرجان وهي تشير بسبابتها كالمسلمة على من في الهيكل.
وجعل حذاءها من الجانب الآخر بقرة ذات قرنين وضرعين من نحاس أحمر مموه بالذهب موشحة بحجر اللازورد ووجه البقرة محاذ إلى وجه صنم الزهرة، وجعلوا بينهما مطهرة من أخلاط الأجساد على عمود رخام مجزع فيها ماء مدبر بقوة من الزهرة يستشفى بها من كل داء، وفرش الهيكل بحشيشة الزهرة تنالوها في كل سبعة أيام.
وجعل فيها كراسي الكهنة مصفحة بالذهب والفضة، وقرب فيها ألف رأس من الضأن والمعز والوحش والطير، وكان يحضره يوم الزهرة ويطوف به، وكان قد فرش الهيكل وستره عن يمين الزهرة وشمالها.
وكان في أعلى قبة الهيكل صورة رجل راكب على فرس له جناحان ومعه حربة سنانها رأس إنسان معلق، وبقي هذا الهيكل إلى زمان بخت نصر وهو الذي هدمه.
ويقال ان بداونس وهو الذي حفر خليج بخارى فارتفع له من الخراج في بلده مائة الف الف وخمسون الف الف.
وقصده بعض العمالقة غازيا له من الشام، فلما سمع به جيش الجيش وخرج اليه، ولقيه وهزمه ودخل فلسطين فقتل فيها وسبا خلقا كثيرا، وسبا بعض حكمائها واسكنهم مصر فهابته الملوك.
وعلى رأس ثلاثين سنة من ملكه طمع السودان من الزنج والنوبة في ارضه، فهجموا على بعض الاطراف فعاثوا وافسدوا. فأمر بجمع الجيوش من اعمال مصر، وأعد المراكب ووجه قائدا من قواده يقال له بلوطس وفي ثلاثمائة ألف بين راكب وراجل، واتبعه بقائد آخر في مثلها ووجه في البحر ثلاثمائة سفينة وجعل في كل سفينة كاهنا يعمل أعجوبة.
وسار هو في أثرهما فيمن بقي من الجيوش، فلقوا جيوش السودان وكانوا زهاء الف الف فهزموهم وقتل اكثرهم، فأسر منهم كثيرا، وتبعهم الجيوش حتى وصلوا إلى أرض الفيلة من أرض الزنج فأخذوا منها عدة كثيرة، وأخذ معها كثيراً من النمور والوحش وسيقت الى مصر.
ونصب على حدوده منارات وزبروا عليها مسيره وظهوره والوقت الذي غزا فيه السودان وذكر كل ما عمل في أيامه.
ولما انصرف الى مصر واستقر بها، اعتل ورأى رؤيا تدل على موته، فعمل لنفسه ناووساً ونقل اليه من أصنام الكواكب كثيراً، ومن الذهب والجوهر الملون والتماثيل الغريبة الصنعة والآلات والذخائر ما لايعلم جودته وكثرته، فلما هلك دفن فيه وزبر على بابه في الحجارة اسمه وتاريخ الوقت الذي مات فيه، جعلت عليه طلاسم تمنع منه.
وكان قد عهد إلى ابنه بعده مماليك الملك،
وكان مماليك الملك أديباً عاقلاً كريماً حسن الوجه مجربا مخالفا لأبيه في عبادة الكواكب والبقر، ويقال إنه موحد على دين قبطيم ومصرايم، فكانت القبط تذمه بذلك.
وكان سببه فيما ذكر، أنه رأى رؤيا فيما يراه النائم، كأنه أتاه رجلان لهما أجنحة فاختطفاه واحتملاه إلى الفلك، وأوقفاه حذاء شيخ أسود أبيض الرأس واللحية، فقال له هل تعرفني، فدخلته منه روعة لحداثته، وكان سنه نيفاً وثلاثين سنة، فقال له: ما أعرفك، فقال له أنا بشر، يعني رجلاً، فقال قد عرفتك، قال أنت إلاهي، فقال إنك وإن كنت تدعوني إلهاً فاني مربوب ملك، وإلهي وإلهك الذي خلق السموات والأرض وخلقني وخلقك، قال: فأين هو، قال: في العلوالأعلى، تعالى لا تلحقه الظنون ولا تراه العيون، ولا يشبهه شيء، وهو الذي جعلنا سبباً لاقامة العالم الأسفل وتدبيره قال: كيف نعمل إذاً، قال: تضمر في نفسك ربوبيته وتخلص وحدانيته وتعترف بأزليته، ثم أمر الرجلين فأنزلاه الى موضعه، فاستيقظ مذعوراً وهو على فراشه.
فدعا رأس الكهنة فقص عليه رؤياه، فقال له: عاهدتك أن لا تتخذ الأصنام آلهة فانها لا تضر ولا تنفع، قال فمن أعبد، قال: الله الذي خلق السموات والأرض وخلق جميع ما فيها من أموال وغيرها.
قال وكيف أقدرعلى رد نفوس العالم عماهم عليه، قال: اعقد على ذلك نيتك، وأخلص ضميرك وصف به قلبك، وإذا غبت عن عيون الناس وانفردت فاعمل ما أمكنك، ودم للناس في الظاهر على ما كان عليه جدودك، فقبل الملك ذلك القول منه واعتقده وعمل به.
فكان يحضر للهيكل ويسجد للصنم، منحرفاً عنه بقلبه مبغضاً له كافراً به، وهو يضمر أن سجوده لله عز وجل واستعمل كثرة الغزوات وموالاة الأسفار والجولان في البلاد، وكل ذلك لتطول غيبته عن مصر ويبعد عن الهيكل.
وقال بعض أهل مصر إن الله أيده بملك من الملائكة يعضده ويرشده، وربما أتاه في نومه فأمره ونهاه، وأخبره بما يريد معرفته، فأمر الناس عند ذلك باتخاذ كل جادة من الخيل وكل جيد وجميل من السلاح، وأعد الزاد، واتخذ في بحر المغرب مائتي سفينة.
وخرج في جيش عظيم في البر وفي البحر، فلقيه جموع البربر فهزمهم وقتل أكثرهم. وبلغ أفريقية، واستأصل أكثرها، وخرج منها، وكان لا يمر بأمة إلا أبادها إلى ان غزا من ناحية الأندلس يريد الافرنجة.
وكان بها ملك عظيم يقال له افريوس، فحشد اليه من كل النواحي، فأقام يحاربه شهراً ثم طلب صلحه، وأهدى اليه هدايا كثيرة، فقبل ذلك منه وسار عنه ودعا الأمم المتصلة بالبحر الأخضر فأطاعوه، ومر بأمة لها حوافر ولهم قرون صغار، ولهم شعور كشعور الذئبة، ولهم أنياب د لف بارزة من أفواههم، فقاتلوهم قتالاً شديداً حتى اثخنهم، ففروا عنه الى غيران لهم مظلمة، فلم يمكن لهم دخولها عليهم.
والقبط تزعم أنه رأى سبعين اعجوبة سنذكر منها بعد هذا، وعمل على البحر أعلاماً وزبر عليها اسمه، وخرب مدن البربر حيث كانت، وألجأهم إلى قرون الجبال، ورجع فتلقاه أهل مصر بصنوف اللهو والطيب والرياحين، وفرشوا له الطرق، ودخل قصره موفوراً ظاهراً. وأخرج إليه ابنه، وكان ولد له من بعده فسر به وابتهج وكمل فرحه، واتصل خبره بالملوك فهابوه، وحملوا اليه الهدايا من كل جهة.
وبلغه أن قوماً من البربر والسحرة لهم تماثيل وبخورات عجيبة يضلون بها، وتخاييل وهم في مدينة لهم يقال لها قرمودة في المغرب من أرض مصر، وقد ملكوا عليهم امرأة منهم ساحرة يقال لها سطا.
واتصل به كثرة أذاهم للناس، فغزاهم حتى إذا قرب منهم ستروا عنهم مدينتهم وسحروه، فلم يرها وطمسوا مياههم، فلم يعرفها، فهلك كثير من أصحابه عطشاً، فلم يجد لهم حيلة في الوصول اليهم، فزال عنهم ثم صعد إلى ناحية الجنوب.
ثم رجع اليهم على غير الطريق الذي سار اليهم عليها أولا، فمر بهم بهيكل كانوا يحضرونه في بعض أعيادهم، فأمر بهدمه فهدم بعضه، وسقط منه موضع على جماعة من أصحابه ممن تولى هدمه فاهلكهم، فلما رأى ذلك تركهم وانصرف عنهم، وخرجوا إلى هيكلهم فبنوه وأصلحوا ما فسد منه وحرسوه بطلسمات محكمة، ونصبوا في قبته صنماً من نحاس مذهب.
وكان إذا قصدهم أحد صاح الصنم صياحاً عظيماً منكراً يرعب منه كل ذي روح ويبهت،
وكانت ملكتهم أحذق منهم بالسحر فقالوا لها نعمل الحيلة في افساد مصر وأيذاء أهلها، فقالت لهم نعم، فقالوا أنت اقدرمنا، فاعملي فيها ما رأيتيه.
فعملت لهم أدوية سحرت فيها النيل ودفعتها إلى بعضهم، وأمرتهم أن يمضوا بها الى مصر، والزرع في حقله على أن تؤخذ فيطرحون منها في النيل في أعلى مصر، ويغرق بعضهم على أقطار مصر، وحيث زروعهم الكثيرة، فيفرقونها في كل جهة، قليل غبار في كل جهة.
فلما فعلوا ذلك فاض النيل في غير وقته وزاد على المعهود، وأقام الماء طويلاً على مزارعهم، وأفسد زروعهم وغلاتهم، وكثر فيه التماسيح والضفادع وكثرت العلل في الناس وانبثت فيهم الثعابين والعقارب.
فأحضر الملك الكهنة والحكماء، وقال لهم أخبروني عن هذه الحوادث التي حدثت في بلادنا، ولم تذكروه في الطالع الذي وضعتموه لهذه السنة، فكنا نتأهب لها. فاجتمعوا في دار الكهنة، ونظروا وبحثوا حتى علموا أنهم أوتوا من قبل ناحية المغرب، وأن امرأة عملته وألقته في النيل، وفرقته على الجهات.
فعلم الملك أنه من قبل تلك الساحرة، فقال لهم أجهدوا أنفسكم في هلاكها فقد بلغت فيكم من أذائها فاجتمعوا إلى الهيكل الذي فيه صور الكواكب وسألوه أن يحضر معهم فلم يمكنه الخلاف، فلما أمسى لبس مسحاً، وفرش رماداً، واستقبل مصلاه، وأقبل على الدعاء والابتهال والتضرع إلى الله تعالى، وقال: يا رب أنت إله الآلهة وملك الملوك، وخالق الكل، ولا يكون شيء مما دق وجل إلا بأمرك وحولك، أسألك بجميع فضائلك وآياتك وأسمائك أن تكفينا أمر هؤلاء القوم.
فلم يزل كذلك حتى غلبته سنة من النوم، فنام مكانه فرأى كأن آتياً أتاه، فقال له قد رحم الله تضرعك، وعلم ضميرك وأجاب دعوتك، وهو مهلك هؤلاء القوم ومدمرهم، وصارف عنك الماء المفسد والدواب المضرة، والأمراض المهلكة.
فلما أصبح الكهنة غدوا عليه وسألوه حضور هيكلهم على ما وجههم به فقال لهم قد كفيتم أمر عدوكم، وأزيل الماء المفسد والدواب المضرة عنكم، ولن تروا بعدها شيئاً تكرهونه، فسكتوا ونظر بعضهم إلى بعض كالمنكرين لما سمعوه، ثم قالوا له قد سررنا بما ذكره الملك دام عمره، وهم يضمرون التكذيب والاستهزاء.
وخرجوا عنه فقال بعضهم لبعض الرأي أن لا تقولوا شيئاً في هذا، فان كان حقاً ظهر سريعاً، وإن كان باطلا اتسع لكم اللفظ في ذمه، وسيتبين أمره.
فلما كان بعد يومين انكشف ذلك الماء المفسد، وجففته الشمس، وهلكت تلك الدواب المضرة، فعلم القوم صدق ما أخبرهم به. وأمر الملك قائداً من قواده ورجلاً من الكهنة أن يمضوا بجيش حتى يعلموا علم تلك المدينة، فخرجوا اليها فأتوها، فلم يروا مكروهاً ولا وجدوا مانعاً.
فلما وصلوا اليها وجدوا حصنها قد سقط، وأهلها عن آخرهم موتى، واحترق بعضهم، واسودت وجوههم، ووجدوا بعض الأصنام ساقطة على وجوهها، وأموالهم ظاهرة بين أيديهم.
فطافوا المدينة وفتشوها فلم يجدوا فيها غير رجل واحد حياً، كان مخالفاً لدينهم بسبب رؤيا رآها، ووجدوا من الأموال والجواهر وأصناف الذهب والتماثيل ما لا يحصى كثرة؛ ولا يعرف له قيمة.
ووجدوا صورة كاهن لهم كانوا يتعبدونها، وهي من زبرجد أخضر على قائمة من حجر البسد، ووجدوا صورة روحاني من ذهب ورأسه من جوهر أحمر وله جناحان من در، وفي يديه صحيفة فيها كثير من علوم مصر في دفتين من ذهب مرصعتين بذهب ملون.ووجدوا مطهرة من ياقوت أزرق على قاعدة من زجاج أخضر مسبوك، وفيها فضلة من الماء الدافع للأسقام. ووجدوا فرساً من فضة من عزم عليه بعزائمه ودخنه بدخنه وركبه طار به فيما زعموا.
ووجدوا غير ذلك من العجائب والآلات التي يستعملها السحرة والأصنام التي يتخذونها، فجمعوا من ذلك ما خف حمله وثقل ثمنه، وأقروا به دوابهم من جميع العجائب والتماثيل وغرائب ما كان فيها من الأشكال، وحملوا جميعه إلى الملك، وحمل الرجل الذي وجد حياً، ووصلوا بذلك كله إلى الملك، فابتهج بذلك وحمد الله تعالى على ما أولاه، وسر الناس.
وبهت منه كهنة مصر، ولم يعرفوا أصله، فوجه الملك دواباً وعسكراً ونهض معهم من شاء من العامة بأشمون ومصر، فنقلوا جميع ما كان تبقى في المدينة من شيء له خطر، فصار بأيدي الناس منه شيء كثير وصار الموضع بعد ذلك زماناً طويلاً مطلباً لمن أمكنه المسير اليه، وقل من مشى اليه ورجع خائبا.
واستحضر الملك ذلك الرجل الذي وجد حياً فاستخبره عن احاديثهم، فحدثه بأشياء معجبة، ثم قال: وأعجب ما رأيت منهم انه قصد المدينة منذ دهر ملك من ملوك البربر جبار من أهل بيت تجبر، فجاء بجموع كثيرة وجيوش كثيفة وتخاييل هائلة فأغلق أهل مدينتنا حصنهم، ورتبوا المراهقين على أسوارها ولجأوا ألى أصنامهم وشيوخهم وكهنتهم يخضعون لها ويتضرعون اليها وكان لهم كاهن عظيم الشأن لا يكاد أن يخرج من منزله، فسار اليه رؤساؤهم، وشكوا اليه ما دهاهم من عدوهم، فخرج معهم الى بركة لهم عظيمة بعيدة القعر، كانوا يشربون منها الماء فجلس على حافتها، وأحاط الكهنة بها، وأقبل يزمزم على ماء البركة، فلم يزل كذلك حتى فاض الماء وفار، وخرج من وسطه نار تتأجج وخرج من وسطها وجه كدائرة الشمس وعلى ضوئها فخرت الجماعة سجودا لذلك الوجه وجللهم نوره، وجعل يعزم حتى ملأ البركة وارتفع حتى صعد على أعلى القبة ثم ارتفع الى السماء فسمعوه يقول قد كفيناكم أمر عدوكم، فاخرجوا فخذوا أموالهم فخرجنا بأجمعنا متخوفين حتى وصلنا مضربهم، فوجدناهم أمواتا لم يبقى منهم حي، فأخذنا جميع ما تركوه من مال وثياب ودواب وآلة وانصرف أهل المدينة إلى مدينتهم فرحين، وكانوا يأكلون ويشربون، فقلت لبعض الكهنة لقد رأيت عجباً من ذلك الوجه فما هو، قال ملك الشمس تبدت فماتوا عن آخرهم كما رأيت،
قال له الملك فما الذي أهلكهم الآن، قال لا أدري، غير أني أفقت من نومي في الليل فسمعت هدة عظيمة إذ تهدم الحصن فأردت الخروج ولا علم لي بذلك فاذا بأصوات انكرتها وضوء نار وروائح حريق، وكنت ساكناً في موضع كالخان فيه خلق كثير، فصحت بكثير منهم فلم يستجب لي أحد، فسرت أفتقد باب المنزل فوجدته مغلقا فدخلت بيتي وأوقدت سراجا بنار كانت عندي، ثم مشيت على جميع من في الدار رجالا ونساء صغارا كبارا، فلم أجد أحد منهم حيا فاقمت في نهاية من الرعب ابتهل إلى الله عز وجل وأدعو. فلما أصبحت أقمت حتى طلعت الشمس و بدا النهار، فلم أسمع صوتا ولاحركة، فخرجت فوجدت المدينة على ما وجدها أصحاب الملك.
وكان هذا الرجل عاقلا مجربا فاتخذه الملك صاحباً ووزيرا وأنيسا، ولم يزل مماليك الملك على التوحيد لله تعالى والايمان به، وهو يسايس أهل بلاده ويداريهم عما في نفسه خوفا من اضطراب ملكه عليه.
وأمر فبني له ناووس، وأمر أن يدفن فيه إذا مات وحده ولا يدفن معه أحد من أهله، وأمر أن لايدفن معه ذهب ولا فضة ولا تمثال، وكتب بخطه صحيفة ( هذا ناووس مماليك الملك، ملك مصر وأعمالها، مات وهو يؤمن بالله لا يعبد معه غيره، ومتبريء من الأصنام وعبادتها، ومؤمن بالبعث والحساب والمجازاة على الأعمال عاش بكذا وكذا، فمن احب النجاة من عباد الله، فليدن بما دان به )،
وقد كان دفن بموضع آخر كنوزا كثيرة وزبر عليها انه لا يخرجها إلا أمة النبي المبعوث في آخر الزمان يعني محمدا عليه الصلاة والسلام ودفع الصحيفة التي كتبها إلى الآمر بعده وأمره بسترها والاحتفاظ بها فاذا هو مات زبر ما فيها على ناووسه.
وكان طول حياته يقصد ناووسه يتعبد فيه مستترا عن جميع العالم ولما أيقن بالموت دعا ابنه فأسر إليه التوحيد وأعلمه انه دينه، ولم ير منه إلا الخير، وأمره أن يدين به، ونهاه عن عبادة الأصنام، فدان بذلك مدة حياة أبيه، ومات فدفنه ابنه في ناووسه وزبر عليه ما في الصحيفة . فلما فرغ من أمره جلس على سرير الملك ابنه اخريتا الملك.