بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
الأشباه والنظائر للسيوطي
الكتاب الثاني: في قواعد كلية
يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية
القواعد من الخامسة الى السادسة عشرة
● [ القاعدة الخامسة ] ●
تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة
هذه القاعدة نص عليها الشافعي وقال منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم قلت وأصل ذلك ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال قال عمر رضي الله عنه إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم إن إحتجت أخذت منه فاذا أيسرت رددته فان استغنيت استعففت ومن فروع ذلك أنه إذا قسم الزكاة على الأصناف يحرم عليه التفضيل مع تساوي الحاجات ومنها إذا أراد إسقاط بعض الجند من الديوان بسبب جاز وبغير سبب لا يجوز حكاه في الروضة ومنها ما ذكره المارودي أنه لا يجوز لأحد من ولاة الأمور أن ينصب إماما للصلوات فاسقا وإن صححنا الصلاة خلفه لأنها مكروهة وولى الأمر مأمور بمراعات المصلحة ولا مصلحة في حمل الناس على فعل المكروه ومنها أنه إذا تخير في الأسرى بين القتل والرق والمن والفداء لم يكن له ذلك بالتشهي بل بالمصلحة حتى إذا لم يظهر وجه المصلحة يحبسهم الى أن يظهر ومنها أنه ليس له العفو عن القصاص مجانا لأنه خلاف المصلحة بل إن رأى المصلحة في القصاص اقتص أو في الدية أخذها ومنها أنه ليس له أن يزوج إمرأة بغير كفء وإن رضيت لأن حق الكفاءة للمسلمين وهو كالنائب عنهم فلا يقدر على إسقاطه ومنها أنه لا يجيز وصية من لا وارث له بأكثر من الثلث ومنها أنه لا يجوز له أن يقدم في مال بيت المال غير الأحوج على الأحوج، قال السبكي في فتاويه فلو لم يكن إمام فهل لغير الأحوج أن يتقدم بنفسه فيما بينه وبين الله تعالى إذا قدر على ذلك ملت الى أنه لا يجوز واستنبطت ذلك من حديث إنما أنا قاسم والله المعطي قال ووجه الدلالة أن التمليك والإعطاء إنما هو من الله تعالى لا من الإمام فليس للإمام أن يملك أحدا إلا ما ملكه الله وإنما وظيفة الإمام القسمة والقسمة لا بد أن تكون بالعدل ومن العدل تقديم الأحوج والتسوية بين متساوي الحاجات فاذا قسم بينهما ودفعه إليهما علمنا أن الله ملكهما قبل الدفع وأن القسمة إنما هي معينة لما كان مبهما كما هو بين الشريكين فاذا لم يكن إمام وبدر أحدهما واستأثر به كان كما لو استأثر بعض الشركاء بالماء المشترك ليس له ذلك قال ونظير ذلك ما ذكره المارودي في باب التيمم أنه لو ورد إثنان على ماء مباح وأحدهما أحوج فبدر الآخر وأخذ منه أنه يكون مسيئا ومنها وقع بعد السبعمائة ببلاد الصعيد أن عبدا انتهى الملك فيه لبيت المال فاشترى نفسه من وكيل بيت المال فأفتى جلال الدين الدشناوي بالصحة فرفعت الواقعة الى القاضي شمس الدين الأصبهاني فقال لا يصح لأنه عقد عتاقه وليس لوكيل بيت المال أن يعتق عبد بيت المال قال ابن السبكي في التوشيح والصواب ما أفتى به الدشناوي فان هذا العتق إنما وقع بعوض فلا تضييع فيه على بيت المال.
● [ القاعدة السادسة ] ●
الحدود تسقط بالشبهات
قال ادرءوا الحدود بالشبهات أخرجه ابن عدي في جزء له من حديث ابن عباس وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة ادفعوا الحدود ما استطعتم وأخرج الترمذي والحاكم والبيهقي وغيرهم من حديث عائشة ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فان وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله فان الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة وأخرجه البيهقي عن عمر وعقبة بن عامر ومعاذ بن جبل موقوفا وأخرج من حديث علي مرفوعا ادرءوا الحدود فقط وقال مسدد في مسنده حدثنا يحيى القطان عن شعبة عن عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود قال ادرءوا الحدود بالشبهة وهو موقوف حسن الإسناد وأخرج الطبراني عنه موقوفا ادرءوا الحدود والقتل عن عباد الله ما استطعتم.
الشبهة تسقط الحد سواء كانت في الفاعل كمن وطىء امرأة ظنها حليلته أو في المحل بأن يكون للواطىء فيها ملك أو شبهة كالأمة المشتركة والمكاتبة وأمة ولده ومملوكته المحرم أو في الطريق بأن يكون حلالا عند قوم حراما عند آخرين كنكاح المتعة والنكاح بلا ولي أو بلا شهود وكل نكاح مختلف فيه وشرب الخمر للتداوي وإن كان الأصح تحريمه لشبهة الخلاف وكذا يسقط الحد بقذف من شهد أربعة بزناها وأربع أنها عذراء لاحتمال صدق بينة الزنا وأنها عذراء لم تزل بكارتها بالزنا وسقط عنها الحد لشبهة الشهادة بالبكارة ولا قطع بسرقة مال أصله وفرعه وسيده وأصل سيده وفرعه لشبهة استحقاق النفقة وسرقة ما ظنه ملكه أو ملك أبيه أو ابنه ولو ادعى كون المسروق ملكه سقط القطع نص عليه للشبهة وهو اللص الظريف ونظيره أن يزني بمن لا يعرف أنها زوجته فيدعي أنها زوجته فلا يحد ولا يقتل فاقد الطهورين بترك الصلاة متعمدا لأنه مختلف فيه وكذا من مس أو لمس وصلى متعمدا وهو شافعي أو توضأ ولم ينو ذكره القفال في فتاويه ويسقط القصاص أيضا بالشبهة فلو قد ملفوفا وزعم موته صدق الولي ولكن تجب الدية دون القصاص للشبهة ولو قتل الحر المسلم من لا يدري أمسلم أو كافر وحر أو عبد فلا قصاص للشبهة نقله في أصل الروضة عن البحر.
نتبيه: الشبهة لا تسقط التعزيز وتسقط الكفارة
فلو جامع ناسيا في الصوم أو الحج فلا كفارة للشبهة وكذا لو وطىء على ظن أن الشمس غربت أو أن الليل باق وبان خلافه فانه يفطر ولا كفارة قال القفال ولا تسقط الفدية بالشبهة لأنها تضمنت غرامة بخلاف الكفارة فانها تضمنت عقوبة فالتحقت في الاسقاط بالحد وتسقط الإثم والتحريم إن كانت في الفاعل دون المحل
تنبيه: شرط الشبهة أن تكون قوية وإلا فلا أثر لها
ولهذا يحد بوطء أمة أباحها السيد ولا يراعى خلاف عطاء في إباحة الجواري للوطء وفي سرقة مباح الأصل كالحطب ونحوه وفي القذف على صورة الشهادة ولو قتل مسلم ذميا فقتله ولي الذمي قتل به وإن كان موافقا لرأي أبي حنيفة ومن شرب النبيذ يحد ولا يراعى خلاف أبي حنيفة.
● [ القاعدة السابعة ] ●
الحر لا يدخل تحت اليد
ولهذا لو حبس حرا ولم يمنعه الطعام حتى مات حتف أنفه أو بانهدام حائط ونحوه لم يضمنه ولو كان عبدا ضمنه ولا يضمن منافعه ما دام في حبسه إذا لم يستوفها ويضمن منافع العبد ولو وطىء حرة بشبهة فأحبلها وماتت بالولادة لم تجب ديتها في الأصح ولو كانت أمة وجب القيمة ولو طاوعته حرة على الزنا فلا مهر لها بالاجماع ولو طاوعته أمة فلها المهر في رأي لأن الحق للسيد فلا يؤثر إسقاطها وإن كان الأصح خلافه ولو نام عبد على بعير فقاده وأخرجه عن القافلة قطع أو حر فلا في الأصح ولو وضع صبيا حرا في مسبعة فأكله السبع فلا ضمان في الأصح بخلاف ما لو كان عبدا ولو كانت امرأة تحت رجل وادعى أنها زوجته فالصحيح أن هذه الدعوى عليها لا على الرجل لأن الحرة لا تدخل تحت اليد ولو أقام كل بينة أنها زوجته لم تقدم بينة من هي تحته لما ذكرنا بل لو أقاما بينتين على خلية سقطتا ولو كان في يد المدبر مال فقال كسبته بعد موت السيد فهو لي وقال الوارث بل قبله فهو لي صدق المدبر بيمينه لأن اليد له بخلاف دعواهما الولد لأنهما تزعم أنه حر والحر لا يدخل تحت اليد وثياب الحر وما في يده من المال لا يدخل في ضمان الغاصب لأنها في يد الحر حقيقة وكذا لو كان صغيرا أو مجنونا على الأصح.
● [ القاعدة الثامنة ] ●
الحريم له حكم ما هو حريم له
الأصل في ذلك قوله الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبيهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه الحديث أخرجه الشيخان قال الزركشي الحريم يدخل في الواجب والحرام والمكروه وكل محرم له حريم يحيط به والحريم هو المحيط بالحرام كالفخذين فإنهما حريم للعورة الكبرى وحريم الواجب مالا يتم الواجب إلا به ومن ثم وجب غسل جزء من الرقبة والرأس مع الوجه ليتحقق غسله وغسل جزء من العضد والساق مع الذراع وستر جزء من السرة والركبة مع العورة وجزء من الوجه مع الرأس للمرأة وحرم الاستمتاع بما بين السرة والركبة في الحيض لحرمة الفرج.
ضابط: كل محرم فحريمه حرام إلا صورة واحدة
لم أر من تفطن لاستثنائها وهي دبر الزوجة فإنه حرام وصرحوا بجواز التلذذ بحريمه وهو ما بين الإليتين فصل ويدخل في هذه القاعدة حريم المعمور فهو مملوك لمالك المعمور في الأصح ولا يملك بالإحياء قطعا وحريم المسجد فحكمه حكم المسجد ولا يجوز الجلوس فيه للبيع ولا للجنب ويجوز الاقتداء فيه بمن في المسجد والاعتكاف فيه وضابط حريم المعمور تعرضوا له في باب إحياء الموات وأما رحبة المسجد فقال في شرح المهذب قال صاحب الشامل والبيان هي ما كان مضافا إلى المسجد وعبارة المحاملي هي المتصلة به خارجه قال النووي وهو الصحيح خلافا لقول ابن الصلاح إنها صحنه وقال البندنيجي هي البناء المبني بجواره متصلا به وقال القاضي أبو الطيب هو ما حواليه وقال الرافعي الأكثرون على عد الرحبة منه ولم يفرقوا بين أن يكون بينها وبين المسجد طريق أم لا وهو المذهب وقال ابن كج إن انفصلت عنه فلا.
● [ القاعدة التاسعة ] ●
إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما
دخل أحدهما في الآخر غالبا
فمن فروع ذلك إذا اجتمع حدث وجنابة كفى الغسل على المذهب كما لو اجتمع جنابة وحيض ولو باشر المحرم فيما دون الفرج لزمته الفدية فلو جامع دخلت في الكفارة على الأصح بناء على تداخل الحدث في الجنابة ولو اجتمع حدث ونجاسة حكمية كفت لهما غسلة واحدة في الأصح عند النووي ولو جامع بلا حائل فعن المسعودي أنه لا يوجب غير الجنابة واللمس الذي يتضمنه يصير مغمورا به كخروج الخارج الذي يتضمنه الإنزال والأكثرون قالوا يحصل الحدثان لأن اللمس يسبق حقيقة الجماع بخلاف الخروج فإنه مع الإنزال ولو دخل المسجد وصلى الفرض دخلت فيه التحية ولو دخل الحرم محرما بحج فرض أو عمرة دخل فيه الإحرام لدخول مكة ولو طاف القادم عن فرض أو نذر دخل فيه طواف القدوم بخلاف ما لو طاف للإفاضة لا يدخل في طواف الوداع لأن كلا منهما مقصود في نفسه ومقصودهما مختلف وبخلاف ما لو دخل المسجد الحرام فوجدهم يصلون جماعة فصلاها فإنه لا يحصل له تحية البيت وهو الطواف لأنه ليس من جنس الصلاة ولو صلى عقيب الطواف فريضة حسبت عن ركعتي الطواف اعتبارا بتحية المسجد نص عليه في القديم وليس في الجديد ما يخالفه وقال النووي إنه المذهب ولو تعدد السهو في الصلاة لم يتعدد السجود بخلاف جبرانات الإحرام لاتتداخل لأن القصد بسجود السهو رغم أنف الشيطان وقد حصل بالسجدتين آخر الصلاة والمقصود بجبرانات الإحرام جبر هتك الحرمة فلكل هتك جبر فاختلف المقصود ولو زنا بكر أو شرب خمرا أو سرق مرارا كفى حد واحد قال الرافعي وهل يقال وجب لها حدود ثم عادت إلى حد واحد أو لم يجب إلا حد واحد وجعلت الزنيات كالحركات في زنية واحدة ذكروا فيه احتمالين ولو زنا أو شرب فأقيم عليه بعض الحد فعاد إلى الجريمة دخل الباقي في الحد الثاني وكذا لو زنا في مدة التغريب غرب ثانيا ودخلت فيه بقية المدة ولو قذفه مرات كفى حد واحد أيضا في الأصح ولو زنا وهو بكر ثم زنا وهو ثيب فهل يكتفى بالرجم وجهان في أصل الروضة بلا ترجيح وجه المنع اختلاف جنسهما لكن صحح البارزي في التمييز التداخل بخلاف مالو سرق وزنى وشرب وارتد فلا تداخل لاختلاف الجنس ولو سرق وقتل في المحاربة فهل يقطع ثم يقتل أو يقتصر على القتل والصلب ويندرج حد السرقة في حد المحاربة وجهان في الروضة بلا ترجيح ولو وطىء في نهار رمضان مرتين لم تلزمه بالثاني كفارة لأنه لم يصادف صوما بخلاف مالو وطىء في الإحرام ثانيا فإن عليه شاة ولا تدخل في الكفارة لمصادفته إحراما لم يحل منه ولو لبس ثوبا مطيبا فرجح الرافعي لزوم فديتين وصحح النووي واحدة لاتحاد الفعل وتبعية الطيب ولو قتل المحرم صيدا في الحرم لزمه جزاء واحد وتداخلت الحرمتان في حقه لأنهما من جنس واحد كالقارن إذا قتل صيدا لزمه جزاء واحد وإن كان قد هتك به حرمة الحج والعمرة ولو أحرم المتمتع بالعمرة فجرح صيدا ثم أحرم بالحج فجرحه جرحا آخر ثم مات فهل يلزمه جزاءان قال الشيخ أبو إسحاق في الملخص هذه المسألة لا يعرف فيها نقل فلو كشط جلدة الرأس فلا فدية والشعر تابع قال الرافعي وشبهوه بما لو أرضعت أم الزوج زوجته يجب المهر ولو قتلها لم يجب ولو تكرر الوطء بشبهة واحدة تداخل المهر بخلاف ما إذا تعدد جنس الشبهة ولو وطىء بشبهة بكرا وجب أرش البكارة ولا تداخل لاختلاف الجنس والمقصود فإن أرض البكارة يجب إبلا والمهر نقدا والأرش للجناية والمهر للاستمتاع ولو قطع كامل الأصابع يدا ناقصة إصبعا فإن لقط أصابعه الأربعة فله حكومة أربعة أخماس الكف ولا يتداخل لأنها ليست من جنس القصاص وله حكومة خمس الكف أيضا وإن أخذ دية الأصابع الأربع فلا حكومة لمنابتها من الكف لأنها من جنس الدية فدخلت فيها وله حكومة خمس الكف لاختلاف الجهة ولو أزال أطرافا ولطائف ثم مات سراية أو حز دخلت في دية النفس ولو كان أحد الفعلين عمدا والآخر خطأ فلا تداخل للاختلاف فإن دية العمد مثلثة حالة على الجاني ودية الخطأ مخمسة مؤجلة على العاقلة ولو قطع الأجفان وعليها أهداب دخلت حكومتها في ديتها وكذا تدخل حكومة الشعر في دية الموضحة والشارب في دية الشفة والأظفار والكف في دية الأصابع والسنخ في دية السن والذكر في دية الجشفة والثدي في دية الحلمة على الأصح في الكل وكذا حكومة قصبة الأنف في دية المارن على ما قاله الإمام إنه الظاهر وصححه في أصل الروضة وقال في المهمات الفتوى على خلافه ولا يدخل أرش الجرح في دية العقل ولا الأسنان في اللحيين ولا الموضحة في الأذنين ولا حكومة جرح الصدر في دية الثدي ولا العانة في دية الذكر والشفرين لاختلاف محل الجناية فيها ولو لزمها عدتا شخص من جلس بأن طلق ثم وطىء في العدة تداخلتا بخلاف ما إذا كانتا لشخصين بأن وطىء غيره بشبهة فلا تداخل ولو كانتا لواحد واختلف الجنس بأن كانت الأولى بغير الحمل والثانية به فوجهان أصحهما التداخل وقيل لا لاختلاف الجنس والوجهان مبنيان على أن التداخل في العدد هل هو سقوط الأولى والاكتفاء بالثاني أو انضمام الأولى للثاني فيؤديان بانقضاء مدة واحدة وفيه وجهان على الأول يتداخل وعلى الثاني لا وقد علمت ما أوردناه من الفروع مع احترازنا عنه بقولنا من جنس واحد وبقولنا ولم يختلف مقصودهما وبقولنا غالبا.
● [ القاعدة العاشرة ] ●
إعمال الكلام أولى من إهماله
من فروعه ما لو أوصى بطبل وله طبل لهو وطبل حرب صح وحمل على الجائز نص عليه وألحق به القاضي حسين مالو كان له زق خمر وزق خل فأوصى بأحدهما صح وحمل على الخل.
ومنها لو قال لزوجته وحمار أحدكما طالق فإنها تطلق بخلاف مالو قال ذلك لها ولأجنبية وقصد الأجنبية يقبل في الأصح لكون الأجنبية من حيث الجملة قابلة ومنها لو وقف على أولاده وليس له إلا أولاد أولاد حمل عليهم كما جزم به الرافعي لتعذر الحقيقة وصونا للفظ عن الإهمال ونظيره مالو قال زوجاتي طوالق وليس له إلا رجعيات طلقن قطعا وإن كان في دخول الرجعية في ذلك مع الزوجات خلاف.
ومنها قال لزوجته إن دخلت الدار أنت طالق بحذف الفاء فإن الطلاق لا يقع قبل الدخول صونا للفظ عن الإهمال وقال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة يقع لعدم صلاحية اللفظ للجزاء بسبب عدم الفاء فحمل على الإستئناف ونقل الرافعي عدم الوقوع عن جماعة ثم نقل عن البوشنجي أنه يسأل فان قال أردت التنجيز حكم به قال الأسنوي وما قاله البوشنجي لا إشكال فيه إلا أنه يشعر بوجوب سؤاله ومنها قال لزوجته في مصر أنت طالق في مكة ففي الرافعي عن البويطي أنها تطلق في الحال وتبعه في الروضة قال الأسنوي وسببه أن المطلقة في بلد مطلقة في باقي البلاد قال لكن رأيت في طبقات العبادي عن البويطي أنها لا تطلق حتى تدخل مكة قال وهو متجه فإن حمل الكلام على فائدة أولى من إلغائه قال وقد ذكر الرافعي قبل ذلك بقليل عن إسماعيل البوشنجي مثله وأقره عليه ومنها وقع في فتاوي السبكي أن رجلا وقف عليه ثم على أولاده ثم على أولادهم ونسله وعقبه ذكرا وأنثى للذكر مثل حظ الأنثيين على أن من توفى منهم عن ولد أو نسل عاد ما كان جاريا عليه من ذلك على ولده ثم على ولد ولده ثم على نسله على الفريضة وعلى أن من توفى من غير نسل عاد ما كان جاريا عليه على من في درجته من أهل الوقف المذكور يقدم الأقرب إليه فالأقرب ويستوي الأخ الشقيق والأخ من الأب ومن مات من أهل الوقف قبل إستحقاقه لشئ من منافع الوقف وترك ولدا أو أسفل منه إستحق ما كان يستحقه المتوفي لو بقي حيا الى أن يصير إليه شئ من منافع الوقف المذكور وقام في الإستحقاق مقام المتوفي فاذا انقرضوا فعلى الفقراء وتوفى الموقوف عليه وانتقل الوقف الى ولديه أحمد وعبد القادر ثم توفى عبد القادر وترك ثلاثة أولاد هم علي وعمر ولطيفة وولدي ابنه محمد المتوفي في حياة والده وهما عبد الرحمن وملكة ثم توفي عمر من غير نسل ثم توفيت لطيفة وتركت بنتا تسمى فاطمة ثم توفي علي وترك بنتا تسمى زينب ثم توفيت فاطمة بنت لطيفة عن غير نسل فإلى من ينتقل نصيب فاطمة المذكورة فأجاب الذي يظهر لي الآن أن نصيب عبد القادر جميعه يقسم هذا الوقف على ستين جزءا لعبد الرحمن منه اثنان وعشرون ولملكة أحد عشر ولزينب سبعة وعشرون ولا يستمر هذا الحكم في أعقابهما بل كل وقت بحسبه قال وبيان ذلك أن عبد القادر لما توفي انتقل نصيبه الى أولاده الثلاثة وهم عمر وعلي ولطيفة للذكر مثل حظ الأنثيين لعلي خمساه ولعمر خمساه وللطيفة خمسه هذا هو الظاهر عندنا ويحتمل أن يقال يشاركهم عبد الرحمن وملكة ولدا محمد المتوفي في حياة أبيه ونزلا منزلة أبيهما فيكون لهما السبعان ولعلي السبعان ولعمر السبعان وللطيفة سبع وهذا وإن كان محتملا فهو مرجوح عندنا لأن الممكن في مأخذه ثلاثة أمور.
أحدهما أن مقصود الواقف أن لا يحرم أحد من ذريته وهذا ضعيف لأن المقاصد إذا لم يدل عليها اللفظ لا يعتبر.
الثاني إدخالهم في الحكم وجعل الترتيب بين كل أصل وفرعه لا بين الطبقتين جميعا وهذا محتمل لكنه خلاف الظاهر وقد كنت ملت إليه مرة في وقف للفظ اقتضاه فيه لست أعمه في كل ترتيب.
الثالث الاستناد الى قول الواقف إن مات من أهل الوقف قبل استحقاقه لشئ قام ولده مقامه وهذا أقوى لكنه إنما يتم لو صدق على المتوفي في حياة والده أنه من أهل الوقف وهذه مسألة كان قد وقع مثلها في الشأم قبل التسعين وستمائة وطلبوا فيها نقلا فلم يجدوه فأرسلوا إلى الديار المصرية يسألون عنها ولا أدري ما أجابوهم لكني رأيت بعد ذلك في كلام الأصحاب فيما إذا وقف على أولاده على أن من مات منهم انتقل نصيبه إلى أولاده ومن مات ولا ولد له انتقل الى الباقين من أهل الوقف فمات واحد عن ولد انتقل نصيبه إليه فإذا مات آخر عن غير ولد انتقل نصيبه إلى أخيه وابن أخيه لأنه صار من أهل الوقف فهذا التعليل يقتضي أنه إنما صار من أهل الوقف بعد موت والده فيقتضي أن ابن عبد القادر المتوفي في حياة والده ليس من أهل الوقف وأنه إنما يصدق عليه اسم أهل الوقف إذا آل إليه الإستحقاق قال ومما يتنبه له أن بين أهل الوقف و الموقوف عليه عموما وخصوصا من وجه فاذا وقف مثلا على زيد ثم عمرو ثم أولاده فعمرو موقوف عليه في حياة زيد لأنه معين قصده الواقف بخصوصه وسماه وعينه وليس من أهل الوقف حتى يوجد شرط إستحقاقه وهو موت زيد وأولاده إذا آل إليهم الإستحقاق كل واحد منهم من أهل الوقف ولا يقال في كل واحد منهم إنه موقوف عليه بخصوصه لأنه لم يعينه الواقف وإنما الموقوف عليه جهة الأولاد كالفقراء قال فتبين بذلك أن ابن عبد القادر والد عبد الرحمن لم يكن من أهل الوقف أصلا ولا موقوفا عليه لأن الواقف لم ينص على إسمه قال وقد يقال إن المتوفي في حياة أبيه يستحق أنه لو مات أبوه جرى عليه الوقف فينتقل هذا الإستحقاق إلى أولاده قال وهذا قد كنت في وقت أبحته ثم رجعت عنه فان قلت قد قال الواقف إن من مات من أهل الوقف قبل استحقاقه لشئ فقد سماه من أهل الوقف مع عدم استحقاقه فيدل على أنه أطلق أهل الوقف على من لم يصل اليه الوقف فيدخل محمد والد عبد الرحمن وملكة في ذلك فيستحقان ونحن إنما نرجع في الأوقاف إلى ما يدل عليه لفظ واقفها سواء وافق ذلك عرف الفقهاء أم لا قلت لا نسلم مخالفة ذلك لما قلناه أما أولا فلأنه لم يقل قبل استحقاقه وإنما قال قبل استحقاقه لشئ فيجوز أن يكون قد استحق شيئا صار به من أهل الوقف ويترقب استحقاقا من آخر فيموت قبله فنص الواقف على أن ولده يقوم مقامه في ذلك الشئ الذي لم يصل إليه ولو سلمنا أنه قال قبل استحقاقه فيحتمل أن يقال إن الموقوف عليه أو البطن الذي بعده وإن وصل إليه الإستحقاق أعني انه صار من أهل الوقف قد يتأخر إستحقاقه إما لأنه مشروط بمدة كقوله في كل سنة كذا فيموت في أثنائها أو ما أشبه ذلك فيصح أن يقال إن هذا من أهل الوقف وإلى الآن ما استحق من الغلة شيئا إما لعدمها أو لعدم شرط الإستحقاق بمضى زمان أو غيره فهذا حكم الوقف بعد موت عبد القادر فلما توفي عمر عن غير نسل انتقل نصيبه الى أخويه عملا بشرط الواقف لمن في درجته فيصير نصيب عبد القادر كله بينهما أثلاثا لعلي الثلثان وللطيفة الثلث ويستمر حرمان عبد الرحمن وملكة فلما ماتت لطيفة انتقل نصيبها وهو الثلث الى بنتها ولم ينتقل لعبد الرحمن وملكة شئ لوجود أولاد عبد القادر وهم يحجبونهم لأنهم أولاده وقد قدمهم على أولاد الأولاد الذين هم منهم فلما توفي علي بن عبد القادر وخلف بنته زينب احتمل أن يقال نصيبه كله وهو ثلثا نصيب عبد القادر لها عملا بقول الواقف من مات منهم عن ولد انتقل نصيبه لولده وتبقى هي وبنت عمتها مستوعبتين لنصيب جدهما لزينب ثلثاه ولفاطمة ثلثه واحتمل أن يقال إن نصيب عبد القادر كله يقسم الآن على أولاده عملا بقول الواقف ثم على أولاده ثم على أولاد أولاده فقد أثبت لجميع أولاد الأولاد استحقاقا بعد الأولاد وإنما حجبنا عبد الرحمن وملكة وهما من أولاد الأولاد بالأولاد فاذا انقرض الأولاد زال الحجب فيستحقان ويقسم نصيب عبد القادر بين جميع أولاد أولاده فلا يحصل لزينب جميع نصيب أبيها وينقص ما كان بيد فاطمة بنت لطيفة وهذا أمر اقتضاه النزول الحادث بانقراض طبقة الأولاد المستفاد من شرط الواقف أن أولاد الأولاد بعدهم ولا شك أن فيه مخالفة لظاهر قوله إن من مات فنصيبه لولده فان ظاهره يقتضي أن نصيب علي لبنته زينب واستمرار نصيب لطيفة لبنتها فاطمة فخالفناه بهذا العمل فيهما جميعا ولو لم نخالف ذلك لزمنا مخالفة قول الواقف إن بعد الأولاد يكون لأولاد الأولاد وظاهره يشمل الجميع فهذان الظاهران تعارضا وهو تعارض قوي صعب ليس في هذا الوقف محز أصعب منه وليس الترجيح فيه بالهين بل هو محل نظر الفقيه وخطر لي فيه طرق منها أن الشرط المقتضى لإستحقاق أولاد الأولاد جميعهم متقدم في كلام الواقف والشرط المقتضى لإخراجهم بقوله من مات انتقل نصيبه لولده متأخر فالعمل بالمتقدم أولى لأن هذا ليس من باب النسخ حتى يقال العمل بالمتأخر أولى ومنها أن ترتيب الطبقات أصل وذكر انتقال نصيب الوالد الى ولده فرع وتفصيل لذلك الأصل فكان التمسك بالأصل أولى ومنها أن من صيغة عامة فقوله من مات وله ولد صالح لكل فرد منهم ولمجموعهم وإذا أريد مجموعهم كان انتقال نصيب مجموعهم إلى مجموع الأولاد من مقتضيات هذا الشرط فكان إعمالا له من وجه مع إعمال الأول وإن لم نعمل بذلك كان إلغاء للأول من كل وجه وهو مرجوح ومنها إذا تعارض الأمر بين إعطاء بعض الذرية وحرمانهم تعارضا لا ترجيح فيه فالاعطاء أولى لأنه لا شك أقرب الى غرض الواقفين ومنها أن استحقاق زينب لأقل الأمرين وهو الذي يخصها إذا شرك بينها وبين بقية أولاد الأولاد محقق وكذا فاطمة والزائد على المحقق في حقها مشكوك فيه ومشكوك في استحقاق عبد الرحمن وملكة له فاذا لم يحصل ترجيح في التعارض بين اللفظين يقسم بينهم فيقسم بين عبد الرحمن وملكة وزينب وفاطمة وهل يقسم للذكر مثل حظ الأنثيين فيكون لعبد الرحمن خمساه ولكل من الإناث خمسه نظرا إليهم دون أصولهم أو ينظر إلى أصولهم فينزلون منزلتهم لو كانوا موجودين فيكون لفاطمة خمسه ولزينب خمساه ولعبد الرحمن وملكة خمساه فيه احتمال وأنا الى الثاني أميل حتى لا يفضل فخذ على فخذ في المقدار بعد ثبوت الاستحقاق فلما توفيت فاطمة من غير نسل والباقون من أهل الوقف زينب بنت خالها وعبد الرحمن وملكة ولدا عمها وكلهم في درجتها وجب قسم نصيبها بينهم لعبد الرحمن نصفه ولملكة ربعه ولزينب ربعه ولا نقول هنا ننظر الى أصولهم لأن الانتقال من مساويهم ومن هو في درجتهم فكان اعتبارهم بأنفسهم أولى فاجتمع لعبد الرحمن وملكة الخمسان حصلا لهما بموت علي ونصف وربع الخمس الذي لفاطمة بينهما بالفريضة فلعبد الرحمن خمس ونصف خمس وثلث خمس ولملكة ثلثا خمس وربع خمس واجتمع لزينب الخمسان بموت والدها وربع خمس فاطمة فاحتجنا الى عدد يكون له خمس ولخمسه ثلث وربع وهو ستون فقسمنا نصيب عبد القادر عليه لزينب خمساه وربع خمسه وهو سبعة وعشرون ولعبد الرحمن اثنان وعشرون وهي خمس ونصف خمس وثلث خمس ولملكة إحدى عشر وهي ثلثا خمس وربع خمس فهذا ما ظهر لي ولا أشتهي أحدا من الفقهاء يقلدني بل ينظر لنفسه انتهى كلام السبكي قلت الذي يظهر لي اختياره أولا دخول عبد الرحمن وملكة بعد موت عبد القادر عملا بقوله ومن مات من أهل الوقف ألخ وما ذكره السبكي من أنه لا يطلق عليه أنه من أهل الوقف ممنوع وما ذكره في تأويل قوله قبل استحقاقه خلاف الظاهر من اللفظ وخلاف المتبادر الى الأفهام بل صريح كلام الواقف أنه أراد بأهل الوقف الذي مات قبل استحقاقه لا الذي لم يدخل في الاستحقاق بالكلية ولكنه بصدد أن يصل اليه وقوله لشئ من منافع الوقف دليل قوي لذلك فانه نكره في سياق الشرط وفي سياق كلام معناه النفي فيعم لأن المعنى لم يستحق شيئا من منافع الوقف وهذا صريح في رد التأويل الذي قاله ويؤيده أيضا قوله استحق ما كان يستحقه المتوفي لو بقي حيا الى أن يصير إليه شئ من منافع الوقف فهذه الألفاظ كلها صريحة في أنه مات قبل الإستحقاق وأيضا لو كان المراد ما قاله السبكي لاستغنى عنه بقوله أولا على أن من مات عن ولد عاد ما كان جاريا عليه على ولده فانه يغني عنه ولا ينافي هذا اشتراطه الترتيب في الطبقات بثم لأن ذاك عام خصصه هذا كما خصصه أيضا قوله على أن من مات عن ولد إلى آخره وأيضا فانا إذا عملنا بعموم اشتراط الترتيب لزم منه إلغاء هذا الكلام بالكلية وأن لا يعمل في صورة لأنه على هذا التقدير إنما استحق عبد الرحمن وملكة لما استووا في الدرجة أخذا من قوله عاد على من في درجته فبقي قوله ومن مات قبل استحقاقه ألخ مهملا لا يظهر أثره في صورة بخلاف ما إذا أعملناه وخصصنا به عموم الترتيب فإن فيه إعمالا للكلامين وجمعا بينهما وهذا أمر ينبغي أن يقطع به وحينئذ فتقول لما مات عبد القادر قسم نصيبه بين أولاده الثلاثة وولدي ولده أسباعا لعبد الرحمن وملكة السبعان أثلاثا فلما مات عمر عن غير نسل انتقل نصيبه الى أخويه وولدي أخيه فيصير نصيب عبد القادر كلهم بينهم لعلي خمسان وللطيفة خمس ولعبد الرحمن وملكة خمسان أثلاثا ولما توفيت لطيفة انتقل نصيبها بكماله لبنتها فاطمة ولما مات علي انتقل نصيبه بكماله لبنته زينب ولما توفيت فاطمة بنت لطيفة والباقون في درجتها زينب وعبد الرحمن وملكة قسم نصيبها بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين اعتبارا بهم لا بأصولهم لما ذكر السبكي لعبد الرحمن نصف ولكل بنت ربع فاجتمع لعبد الرحمن بموت عمر خمس وثلث وبموت فاطمة نصف خمس ولملكة بموت عمر ثلثا خمس وبموت فاطمة ربع خمس ولزينب بموت علي خمسان وبموت فاطمة ربع خمس فيقسم نصيب عبد القادر ستين جزءا لزينب سبعة وعشرون وهي خمسان وربع خمس ولعبد الرحمن اثنان وعشرون وهي خمس ونصف وثلث ولملكة أحد عشر وهي ثلثا خمس وربع فصحت مما قاله السبكي لكن الفرق تقدم استحقاق عبدالرحمن وملكة والجزم حينئذ بصحة هذه القسمة والسبكي تردد فيها وجعلها من باب قسمة المشكوك في استحقاقه ونحن لا نتردد في ذلك وسئل السبكي أيضا عن رجل وقف على حمزة ثم أولاده ثم أولادهم وشرط أن من مات من أولاده انتقل نصيبه للمستحقين من إخوته ومن مات قبل استحقاقه لشيء من منافع الوقف وله ولد استحق ولده ما كان يستحقه المتوفى لو كان حيا فمات حمزة وخلف ولدين وهما عماد الدين وخديجة وولد ولد مات أبوه في حياة والده وهو نجم الدين بن مؤيد الدين بن حمزة فأخذ الوالدان نصيبهما وولد الولد النصيب الذي لو كان أبوه حيا لأخذه ثم ماتت خديجة فهل يختص أخوها بالباقي أو يشاركه ولد أخيه نجم الدين فأجاب تعارض فيه اللفظان فيحتمل المشاركة ولكن الأرجح اختصاص الأخ ويرجحه أن التنصيص على الإخوة وعلى المستحقين منهم كالخاص وقوله ومن مات قبل الاستحقاق كالعام فيقدم الخاص على العام تنبيه قال السبكي وولده محل هذه القاعدة أن يستوي الإعمال والإهمال بالنسبة إلى الكلام أما إذا بعد الإعمال عن اللفظ وصار بالنسبة إليه كاللغز فلا يصير راجحا ومن ثم لو أوصى بعود من عيدانه وله عيدان لهو وعيدان قسي وبناء فالأصح بطلان الوصية تنزيلا على عيدان اللهو لأن اسم العود عند الإطلاق له واستعماله في غيره مرجوح وليس كالطبل لوقوعه على الجميع وقوعا واحدا كذا فرق الأصحاب بين المسئلتين ولو قال زوجتك فاطمة ولم يقل بنتي لم يصح على الأصح لكثرة الفواطم.
فصل:
يدخل في هذه القاعدة قاعدة: التأسيس أولى من التأكيد
فإذا دار اللفظ بينهما تعين حمله على التأسيس وفيه فروع منها قال أنت طالق أنت طالق ولم ينو شيئا فالأصح الحمل على الاستئناف ومنها إذا قال لزوجته إن ظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي ثم تزوج تلك وظاهر فهل يصير مظاهرا من الزوجة الأولى وجهان أصحهما في التنبيه لا حملا للصفة على الشرط فكأنه علق ظهاره على ظهاره من تلك حال كونها أجنبية وذلك تعليق على مالا يكون ظهارا شرعيا والثاني نعم ويجعل الوصف بقوله الأجنبية توضيحا لا تخصيصا وهذا هو الأصح عند النووي.
● [ القاعدة الحادية عشرة ] ●
الخراج بالضمان
هو حديث صحيح أخرجه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث عائشة وفي بعض طرقه ذكر السبب وهو أن رجلا ابتاع عبدا فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي فرده عليه فقال الرجل يا رسول الله قد استعمل غلامي فقال الخراج بالضمان قال أبو عبيد الخراج في هذا الحديث غلة العبد يشتريه الرجل فيستغله زمانا ثم يعثر منه على عيب دلسه البائع فيرده ويأخذ جميع الثمن ويفوز بغلته كلها لأنه كان في ضمانه ولو هلك هلك من ماله انتهى وكذا قال الفقهاء معناه ما خرج من الشيء من غلة ومنفعة وعين فهو للمشتري عوض ما كان عليه من ضمان الملك فإنه لو تلف المبيع كان من ضمانه فالغلة له ليكون الغنم في مقابلة الغرم وقد ذكروا هنا سؤالين أحدهما لو كان الخراج في مقابلة الضمان لكانت الزوائد قبل القبض للبائع ثم العقد أو انفسخ لكونه من ضمانه ولا قائل به وأجبيب بأن الخراج معلل قبل القبض بالملك وبعده به وبالضمان معا واقتصر في الحديث على التعليل بالضمان لأنه أظهر عند البائع وأقطع لطلبه واستبعاده أن الخراج للمشتري الثاني لو كانت العلة الضمان لزم أن يكون الزوائد للغاصب لأن ضمانه أشد من ضمان غيره وبهذا احتج لأبي حنيفة في قوله إن الغاصب لا يضمن منافع المغصوب وأجيب بأنه قضى بذلك في ضمان الملك وجعل الخراج لمن هو مالكه إذا تلف تلف على ملكه وهو المشتري والغاصب لا يملك المغصوب وبأن الخراج هو المنافع جعلها لمن عليه الضمان ولا خلاف أن الغاصب لا يملك المغصوب بل إذا أتلفها فالخلاف في ضمانها عليه فلا يتناول موضع الخلاف نعم خرج عن هذا مسئلة وفي ما لو أعتقت المرأة عبدا فإن ولاءه يكون لابنها ولو جنى جناية خطأ فالعقل على عصبتها دونه وقد يجيء مثله في بعض العصبات يعقل ولا يرث.
● [ القاعدة الثانية عشرة ] ●
الخروج من الخلاف مستحب
فروعها كثيرة جدا لا تكاد تحصى فمنها استحباب الدلك في الطهارة واستيعاب الرأس بالمسح وغسل المني بالماء والترتيب في قضاء الصلوات وترك صلاة الأداء خلف القضاء وعكسه والقصر في سفر يبلغ ثلاث مراحل وتركه فيما دون ذلك وللملاح الذي يسافر بأهله وأولاده وترك الجمع وكتابة العبد القوي الكسوب ونية الإمامة واجتناب استقبال القبلة واستدبارها مع الساتر وقطع المتيمم الصلاة إذا رأى الماء خروجا من خلاف من أوجب الجميع وكراهة الحيل في باب الربا ونكاح المحلل خروجا من خلاف من حرمه وكراهة صلاة المنفرد خلف الصف خروجا من خلاف من أبطلها وكذا كراهة مفارقة الإمام بلا عذر والاقتداء في خلال الصلاة خروجا من خلاف من لم يجز ذلك تنبيه لمراعاة الخلاف شروط أحدها أن لا يوقع مراعاته في خلاف آخر ومن ثم كان فصل الوتر أفضل من وصله ولم يراع خلاف أبي حنيفة لأن من العلماء من لا يجيز الوصل الثاني أن لا يخالف سنة ثابتة ومن ثم سن رفع اليدين في الصلاة ولم يبال برأي من قال بإبطاله الصلاة من الحنفية لأنه ثابت عن النبي من رواية نحو خمسين صحابيا الثالث أن يقوي مدركه بحيث لا يعد هفوة ومن ثم كان الصوم في السفر أفضل لمن قوي عليه ولم يبال بقول داود إنه لا يصح وقد قال إمام الحرمين في هذه المسئلة إن المحققين لا يقيمون لخلاف أهل الظاهر وزنا تنبيه شكك بعض المحققين على قولنا بأفضلية الخروج من الخلاف فقال الأولوية والأفضلية إنما تكون حيث سنة ثابتة وإذا اختلفت الأمة على قولين قول بالحل وقول بالتحريم واحتاط المستبرىء لدينه وجرى على الترك حذرا من ورطات الحرمة لا يكون فعله ذلك سنة لأن القول بأن هذا الفعل يتعلق به الثواب من غير عقاب على الترك لم يقل به أحد والأئمة كما ترى بين قائل بالإباحة وقائل بالتحريم فمن أين الأفضلية وأجاب ابن السبكي بأن أفضليته ليست لثبوت سنة خاصة فيه بل لعموم الاحتياط والاستبراء للدين وهو مطلوب شرعا مطلقا فكان القول بأن الخروج من الخلاف أفضل ثابت من حيث العموم واعتماده من الورع المطلوب شرعا.
خاتمة
من فروع هذه القاعدة في العربية إذا دار الأمر في ضرورة الشعر أو التناسب بين قصر الممدود ومد المقصور فالأول أولى لأنه متفق على جوازه والثاني مختلف فيه.
● [ القاعدة الثالثة عشرة ] ●
الدفع أقوى من الرفع
ولهذا الماء المستعمل إذا بلغ قلتين في عوده طهورا وجهان ولو استعمل القلتين ابتداء لم يصر مستعملا بلا خلاف والفرق أن الكثرة في الابتداء دافعة وفي الأثناء رافعة والدفع أقوى من الرفع ومن ذلك للزوج منع زوجته من حج الفرض ولو شرعت فيه بغير إذنه ففي جواز تحليلها قولان ووجود الماء قبل الصلاة للمتيمم يمنع الدخول فيها وفي أثنائها لا يبطلها حيث تسقط به واختلاف الدين المانع من النكاح يدفعه ابتداء ولا يرفعه في الأثناء بل يوقف على انقضاء العدة والفسق يمنع انعقاد الإمامة ابتداء ولو عرض في الأثناء لم ينعزل.
● [ القاعدة الرابعة عشرة ] ●
الرخص لا تناط بالمعاصي
ومن ثم لا يستبيح العاصي بسفره شيئا من رخص السفر من القصر والجمع والفطر والمسح ثلاثا والتنفل على الراحلة وترك الجمعة وأكل الميتة وكذا التيمم على وجه اختاره السبكي ويأثم بترك الصلاة إثم تارك لها مع إمكان الطهارة لأنه قادر على استباحة التيمم بالتوبة والصحيح أنه يلزمه التيمم لحرمة الوقت ويلزمه الإعادة لتقصيره بترك التوبة ولو وجد العاصي بسفره ماء واحتاج إليه للعطش لم يجز له التيمم بلا خلاف وكذا من به مرض وهو عاص بسفره لأنه قادر على التوبة قال القفال في شرح التلخيص فإن قيل كيف حرمتم أكل الميتة على العاصي بسفره مع أنه مباح للحاضر في حال الضرورة وكذا من به مرض يجوز له التيمم في الحضر فالجواب أن ذلك وإن كان مباحا في الحضر عند الضرورة لكن سفره سبب لهذه الضرورة وهو معصية فحرمت عليه الميتة في الضرورة كما لو سافر لقطع الطريق فجرح لا يجوز له التيمم لذلك الجرح مع أن الحاضر الجريح يجوز له فإن قيل تحريم الميتة يؤدي إلى الهلاك فالجواب أنه قادر على استباحته بالتوبة انتهى وهل يجوز للعاصي بسفره مسح المقيم وجهان أصحهما نعم لأن ذلك جائز بلا سفر والثاني لا تغليظا عليه كأكل الميتة وحكى الوجهان في العاصي بالإقامة كعبد أمره سيده بالسفر فأقام قال في شرح المهذب والمشهور القطع بالجواز وطرد الإصطخري القاعدة في سائر الرخص فقال إن العاصي بالإقامة لا يستبيح شيئا منها وفرق الأكثرون بأن الإقامة نفسها ليست معصية لأنها كف وإنما الفعل الذي يوقعه في الإقامة معصية والسفر في نفسه معصية ومن فروع القاعدة لو استنجى بمحترم أو مطعوم لا يجزئه في الأصح لأن الاقتصار على الحجر رخصة فلا يناط بمعصية ومنها لو استنجى بذهب أو فضة ففي وجه لا يجزيه لأنه رخصة واستعمال النقد حرام والصحيح الإجزاء ومنها لو لبس خفا مغصوبا ففي وجه لا يمسح عليه لأنه رخصة لمشقة النزع وهذا عاص بالترك واستدامة اللبس والصحيح الجواز كالتيمم بتراب مغصوب فإنه يجوز مع أن التيمم رخصة قال البلقيني ونظيره المسح على خف مغصوب غسل الرجل المغصوبة في الوضوء وصورته أن يجب عليه التمكين من قطعها في قصاص أو سرقة فلا يمكن من ذلك ولو لبس خفا من ذهب أو فضة ففيه الوجهان في المغصوب وقطع المتولي هنا بالمنع لأن التحريم هنا لمعنى في نفس الخف فصار كالذي لا يمكن متابعة المشي عليه قال في شرح المهذب وينبغي أن يكون الحرير مثله ولو لبس المحرم الخف فلا نقل فيه عندنا والمصحح عند المالكية أنه ليس له المسح وهو ظاهر فإن المعصية هنا في نفس اللبس ثم رأيت الأسنوي ذكر المسألة في ألغازه وقال إن المتجه المنع جزما ولا يتخرج على الخلاف في المغصوب ونحوه فإن المنع هناك بطريق العرض لا لمعنى في اللبس ولهذا يلبس غيره ويمسح عليه وأما المحرم فقام به معنى آخر أخرجه عن أهلية المسح لامتناع اللبس مطلقا ومنها لو جن المرتد وجب عليه قضاء صلوات أيام الجنون أيضا بخلاف ما إذا حاضت المرتدة لا تقضي صلوات أيام الحيض لأن سقوط القضاء عن الحائض عزيمة وعن المجنون رخصة والمرتد ليس من أهل الرخصة ومنها لو شربت دواء فأسقطت ففي وجه تقضي صلوات أيام النفاس لأنها عاصية والأصح لا لأن سقوط القضاء عن النفساء عزيمة لا رخصة ومنها لو ألقى نفسه فانكسرت رجله وصلى قاعدا ففي وجه يجب القضاء لعصيانه والأصح لا ومنها يجوز تقديم الكفارة على الحنث رخصة فلو كان الحنث بمعصية فوجهان لأن الرخص لا تناط بالمعاصي ومنها لو صب الماء بعد الوقت لغير غرض وتيمم ففي وجه تجب الإعادة لعصيانه والأصح لا لأنه فاقد ومنها إذا حكمنا بنجاسة جلد الآدمي بالموت ففي وجه لا يطهر بالدباغ لأن استعماله معصية والرخص لا تناط بالمعاصي والأصح أنه يطهر كغيره وتحريمه ليس لعينه بل للامتهان على أي وجه كان ولأنه يحرم استعماله وإن قلنا بطهارته تنبيه معنى قولنا الرخص لا تناط بالمعاصي أن فعل الرخصة متى توقف على وجود شيء نظر في ذلك الشيء فإن كان تعاطيه في نفسه حراما امتنع معه فعل الرخصة وإلا فلا وبهذا يظهر الفرق بين المعصية بالسفر والمعصية فيه فالعبد الآبق والناشزة والمسافر للمكس ونحوه عاص بالسفر فالسفر نفسه معصية والرخصة منوطة به مع دوامه ومعلقة ومترتبة عليه ترتب المسبب على السبب فلا يباح ومن سافر مباحا فشرب الخمر في سفره فهو عاص فيه أي مرتكب المعصية في السفر المباح فنفس السفر ليس معصية ولا آثما به فتباح فيه الرخص لأنها منوطة بالسفر وهو في نفسه مباح ولهذا جاز المسح على الخف المغصوب بخلاف المحرم لأن الرخصة منوطة باللبس وهو للمحرم معصية وفي المغصوب ليس معصية لذاته أي لكونه لبسا بل للاستيلاء على حق الغير ولذا لو ترك اللبس لم تزل المعصية بخلاف المحرم.
● [ القاعدة الخامسة عشرة ] ●
الرخص لا تناط بالشك
ذكرها الشيخ تقي الدين السبكي وفرع عليها أنه إذا غسل إحدى رجليه وأدخلها لا يستبيح لأنه لم يدخلهما طاهرتين ومن فروعها وجوب الغسل لمن شك في جواز المسح ووجوب الإتمام لمن شك في جواز القصر وذلك في صور متعددة.
● [ القاعدة السادسة عشرة ] ●
الرضى بالشيء رضى بما يتولد منه
وقريب منها قاعدة المتولد من مأذون فيه لا أثر له ومن فروعها رضى أحد الزوجين بعيب صاحبه فزاد فلا خيار له على الصحيح ومنها أذن المرتهن للراهن في ضرب العبد المرهون فهلك في الضرب فلا ضمان لأنه لولد من مأذون فيه كما لو أذن في الوطء فأحبل ومنها قال مالك أمره اقطع يدي ففعل فسرى فهدر على الأظهر ومنها لو قطع قصاصا أو حدا فسرى فلا ضمان ومنها تطيب قبل الإحرام فسرى إلى موضع آخر بعد الإحرام فلا فدية فيه ومنها محل الاستجمار معفو عنه فلو عرق فتلوث منه فالأصح العفو ومنها لو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى جوفه ولم يبالغ لم يفطر في الأصح بخلاف ما إذا بالغ لأنه تولد من منهي عنه ويستثنى من القاعدة ما كان مشروطا بسلامة العاقبة كضرب المعلم والزوج والولي وتعزير الحاكم وإخراج الجناح ونحو ذلك.
● [ تمت القاعدة السادسة عشرة ] ●
الأشباه والنظائر
تأليف : السيوطي
منتديات الرسالة الخاتمة . البوابة