بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
الأشباه والنظائر للسيوطي
الكتاب الثاني: في قواعد كلية
يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية
القواعد من السابعة عشرة وحتى نهاية الكتاب الثاني
● [ القاعدة السابعة عشرة ] ●
السؤال معاد في الجواب
فلو قيل له على وجه الاستخبار أطلقت زوجتك فقال نعم كان إقرارا به يؤاخذ به في الظاهر ولو كان كاذبا ولو قيل ذلك على وجه التماس الإنشاء فاقتصر على قوله نعم فقولان أحدهما أنه كناية لا يقع إلا بالنية، والثاني وهو الأصح صريح لأن السؤال معاد في الجواب فكأنه قال طلقتها وحينئذ لا يقدح كونه صريحا في حصرهم ألفاظ الصريح في الطلاق والفراق والسراح ولو قالت أبني بألف فقال أبنتك ونوى الزوج الطلاق دونها فوجهان أحدهما لا يقع الطلاق لأن كلامه جواب على سؤالها فكأن المال معاد في الجواب وهي لم يوجد منها القبول لعدم نية الفراق وهو إنما رضي بعوض وهذا ما صححه الإمام والثاني أنه يقع رجعيا ويحمل ذلك على ابتداء خطاب منه لأنه مستقل بنفسه ورجحه البغوي ومن فروع القاعدة مسائل الإقرار كلها إذا قال لي عندك كذا فقال نعم أو ليس عليك كذا فقال بلى أو قال أجل في الصورتين فهو إقرار بما سأله عنه ولو قال لي عليك مائة فقال إلا درهما ففي كونه مقرا بما عدا المستثنى وجهان أصحهما المنع لأن الإقرار لا يثبت بالمفهوم.
● [ القاعدة الثامنة عشرة ] ●
لا ينسب للساكت قول
هذه عبارة الشافعي رضي الله عنه ولهذا لو سكت عن وطء أمته لا يسقط المهر قطعا أو عن قطع عضو منه أو إتلاف شيء من ماله مع القدرة على الدفع لم يسقط ضمانه بلا خلاف بخلاف ما لو أذن في ذلك ولو سكتت الثيب عند الاستئذان في النكاح لم يقم مقام الإذن قطعا ولو علم البائع بوطء المشتري الجارية في مقدار مدة الخيار لا يكون إجازة في الأصح ولو حمل من مجلس الخيار ولم يمنع من الكلام لم يبطل خياره في الأصح وخرج عن القاعدة صور منها البكر سكوتها في النكاح إذن للأب والجد قطعا ولسائر العصبة والحاكم في الأصح.
ومنها سكوت المدعى عليه عن الجواب بعد عرض اليمين عليه يجعله كالمنكر الناكل وترد اليمين على المدعي.
ومنها لو نقض بعض أهل الذمة ولم ينكر الباقون بقول ولا فعل بل سكتوا انتقض فيهم أيضا.
ومنها لو رأى السيد عبده يتلف مالا لغيره وسكت عنه ضمنه.
ومنها إذا سكت المحرم وقد حلقه الحلال مع القدرة على منعه لزمه الفدية في الأصح.
ومنها لو باع العبد البالغ وهو ساكت صح البيع ولا يشترط أن يعترف بأن البائع سيده في الأصح ومنها القراءة على الشيخ وهو ساكت ينزل منزلة نطقه في الأصح ومنها مسائل أخر ذكرها القاضي جلال الدين البلقيني أكثرها على ضعيف وبعضها اقترن به فعل قام مقام النطق وبعضها فيه نظر.
● [ القاعدة التاسعة عشرة ] ●
ما كان أكثر فعلا كان أكثر فضلا
أصله قوله لعائشة رضى الله عنها أجرك على قدر نصبك رواه مسلم ومن ثم كان فصل الوتر أفضل من وصله لزيادة النية والتكبير والسلام وصلاة النفل قاعدا على النصف من صلاة القائم ومضطجعا على النصف من القاعد وإفراد النسكين أفضل من القران وخرج عن ذلك الصور:
الأولى القصر أفضل من الإتمام بشرطه.
الثانية الضحى أفضلها ثمان وأكثرها ثنتا عشر والأول أفضل تأسيا بفعله.
الثالثة الوتر بثلاث أفضل منه بخمس أو سبع أوتسع على ما قاله في البسيط تبعا لشيخه إمام الحرمين وهو ضعيف والمجزوم به في شرح المهذب خلافه وإن كان الأكثر أفضل منه ونقله ابن الرفعة عن الروياني وأبي الطيب وقال ابن الأستاذ ينبغي القطع به.
الرابعة قراءة سورة قصيرة في الصلاة أفضل من بعض سورة وإن طال كما قاله المتولي لأنه المعهود من فعله غالبا.
الخامسة الصلاة مرة في الجماعة أفضل من فعلها وحده خمسا وعشرين مرة.
السادسة صلاة الصبح أفضل من سائر الصلوات مع أنها أقصر من غيرها.
السابعة ركعة الوتر أفضل من ركعتي الفجر على الجديد بل من التهجد في الليل وإن كثرت ركعاته ذكره في المطلب قال ولعل سببه انسحاب حكمها على ما تقدمها.
الثامنة تخفيف ركعتي الفجر أفضل من تطويلهما.
التاسعة صلاة العيد أفضل من صلاة الكسوف مع كونها أشق وأكثر عملا.
العاشرة الجمع بين المضمضة والاستنشاق بثلاث غرفات والفصل بغرفتين أفضل منه بست.
الحادية عشرة التصدق بالأضحية بعد أكل لقم يتبرك بها أفضل من التصدق بجميعها.
الثانية عشرة الإحرام من الميقات أفضل منه من دويرة أهله في الأظهر.
الثالثة عشرة الحج والوقوف راكبا أفضل منه ماشيا تأسيا بفعله في الصورتين تنبيه أنكر الشيخ عز الدين كون الشاق أفضل وقال إن تساوى العملان من كل وجه في الشرف والشرائط والسنن كان الثواب على أشقهما أكثر كاغتسال في الصيف والشتاء سواء في الأفعال ويزيد أجر الاغتسال في الشتاء بتحمل مشقة البرد فليس التفاوت في نفس العملين بل فيما لزم عنهما وكذلك مشاق الوسائل كقاصد المساجد أو الحج أو العمرة من مسافة قريبة وآخر من بعيد فإن ثوابهما يتفاوت بتفاوت الوسيلة ويتساويان من جهة القيام بأصل العبادة وإن لم يتساو العملان فلا يطلق القول بتفضيل أشقيهما بدليل أن الإيمان أفضل الأعمال مع سهولته وخفته على اللسان وكذلك الذكر على ما شهدت به الأخبار وكذلك إعطاء الزكاة مع طيب النفس أفضل من إعطائها مع البخل ومجاهدة النفس وكذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم، الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة وجعل الذي يقرؤه ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران.
● [ القاعدة العشرون ] ●
المتعدي أفضل من القاصر
ومن ثم قال الأستاذ أبو إسحاق وإمام الحرمين وأبوه للقائم بفرض الكفاية مزية على العين لأنه أسقط الحرج عن الأمة وقال الشافعي طلب العلم أفضل من صلاة النافلة وأنكر الشيخ عز الدين هذا الإطلاق أيضا وقال قد يكون القاصر أفضل كالإيمان وقد قدم النبي التسبيح عقب الصلاة على الصدقة وقال خير أعمالكم الصلاة وسئل أي الأعمال أفضل فقال إيمان بالله ثم جهاد في سبيل الله ثم حج مبرور وهذه كلها قاصرة، ثم اختار تبعا للغزالي في الإحياء أن أفضل الطعات على قدر المصالح الناشئة عنها.
● [ القاعدة الحادية والعشرون ] ●
الفرض أفضل من النفل
قال فيما يحكيه عن ربه وما تقرب إلى المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم رواه البخاري قال إمام الحرمين قال الأئمة خص الله نبيه بإيجاب أشياء لتعظيم ثوابه فإن ثواب الفرائض يزيد على ثواب المندوبات بسبعين درجة وتمسكوا بما رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله قال في شهر رمضان من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه فقابل النفل فيه بالفرض في غيره وقابل الفرض فيه بسبعين فرضا في غيره فأشعر هذا بطريق الفحوى أن الفرض يزيد على النفل سبعين درجة اه قال ابن السبكي وهذا أصل مطرد لا سبيل إلى نقضه بشيء من الصور وقد استثنى فروع أحدها إبراء المعسر فإنه أفضل من إنظاره وإنظاره واجب وإبراؤه مستحب وقد انفصل عنه التقي السبكي بأن الإبراء يشتمل على الإنظار اشتمال الأخص على الأعم لكونه تأخيرا للمطالبة فلم يفضل ندب واجبا وإنما فضل واجب وهو الإنظار الذي تضمنه الإبراء وزيادة وهو خصوص الإبراء واجبا آخر وهو مجرد الإنظار قال ابنه أو يقال إن الإبراء محصل لمقصود الإنظار وزيادة من غير اشتماله عليه قال وهذا على تقدير تسليم أن الإبراء أفضل وغاية ما استدلوا عليه بقوله تعالى وأن تصدقوا خير لكم وهذا يحتمل أن يكون افتتاح كلام فلا يكون دليلا على أن الإبراء أفضل ويتطرق من هذا إلى أن الإنظار أفضل لشدة ما ينال المنظر من ألم الصبر مع تشويف القلب وهذا فضل ليس في الإبراء الذي انقطع فيه اليأس الثاني ابتداء السلام فإنه سنة والرد واجب والابتداء أفضل لقوله وخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام.
وحكى القاضي حسين في تعليقه وجهين في أن الابتداء أفضل أو الجواب ونوزع في ذلك بأنه ليس في الحديث أن الابتداء أفضل من الجواب بل إن المتبدئ خير من المجيب وذلك لأن المبتدئ فعل حسنة وتسبب إلى فعل حسنة وهي الجواب مع ما دل عليه الابتداء من حسن الطوية وترك الهجر والجفاء الذي كرهه الشارع الثالث قال ابن عبدالسلام صلاة نافلة واحدة أفضل من إحدى الخمس الواجب فعلها على من ترك واحدة منها ونسي عينها قلت لم أر من تعقبه وهو أولى بالتعقب من الأوليين وما ذكره من أن صلاة نافلة واحدة أفضل من إحدى الخمس المذكورة فيه نظر والذي يظهر أنها إن لم تزد عليها في الثواب لا تنقص عنها الرابع الأذان سنة وهو على ما رجحه الإمام النووي أفضل من الإمامة وهي فرض كفاية أو عين وقد سئل عن ذلك السبكي في الحلبيات فأجاب بوجوه منها أنه لا يلزم من كون الجماعة فرضا كون الإمامة فرضا لأن الجماعة تتحقق بنية المأموم الائتمام دون نية الإمام ولو نوى الإمام فنيته محصلة لجزء الجماعة والجزء هنا ليس مما يتوقف عليه الكل لما بيناه فلم يلزم وجوبه وإذا لم يلزم ذلك لم يلزم القول بأن الإمامة فرض كفاية فلم يحصل تفضيل نفل على فرض وإنما نية الإمام شرط في حصول الثواب له ومنها أن الجماعة صفة للصلاة المفروضة والأذان عبادة مستقلة والقاعدة المستقرة في أن الفرض أفضل من النفل في العبادتين المستقلتين أو في الصفتين أما في عبادة وصفة فقد تختلف ومنها أن الأذان والجماعة جنسان والقاعدة المستقرة في أن الفرض أفضل من النفل في الجنس الواحد أما في الجنسين فقد تختلف فإن الصنائع والحرف فروض كفايات ويبعد أن يقال إن واحدة من رذائلها أفضل من تطوع الصلاة وإن سلم أنه أفضل من جهة أن فيه خروجا من الإثم ففي تطوع الصلاة من الفضائل ما قد يجبر ذلك أو يزيد عليه وجنس الفرض أفضل من جنس النفل وقد يكون في بعض الجنس المفضول ما يربو على بعض أفراد الجنس الفاضل كتفضيل بعض النساء على بعض الرجال وإذا تؤمل ما جمعه الأذان من الكلمات العظيمة ومعانيها ودعوتها ظهر تفضيله وأنى يدانيه صناعة قيل إنها فرض كفاية الخامس الوضوء قبل الوقت سنة وهو أفضل منه في الوقت صرح به القمولي في الجواهر وإنما يجب بعد الوقت وقلت قديما الفرض أفضل من تطوع عابد حتى ولو قد جاء منه بأكثر إلا التطهر قبل وقت وابتدا ء للسلام كذاك إبرا معسر.
● [ القاعدة الثانيةوالعشرون ] ●
الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أولى من المتعلقة بمكانها
قال في شرح المهذب هذه قاعدة مهمة صرح بها جماعة من أصحابنا وهي مفهومة من كلام الباقين ويتخرج عليها مسائل مشهورة منها الصلاة في جوف الكعبة أفضل من الصلاة خارجها فإن لم يرج فيها الجماعة وكانت خارجها فالجماعة خارجها أفضل ومنها صلاة الفرض في المسجد أفضل منه في غيره فلو كان مسجد لا جماعة فيه وهناك جماعة في غيره فصلاتها مع الجماعة خارجه أفضل من الانفراد في المسجد ومنها صلاة النفل في البيت أفضل منها في المسجد لأن فعلها في البيت فضيلة تتعلق بها فإنه سبب لتمام الخشوع والإخلاص وأبعد من الرياء وشبهه حتى إن صلاة النفل في بيته أفضل منها في مسجد النبي لذلك ومنها القرب من الكعبة في الطواف مستحب والرمل مستحب فلو منعته الزحمة من الجمع بينهما ولم يمكنه الرمل مع القرب وأمكنه مع البعد فالمحافظة على الرمل مع البعد أولى من المحافظة على القرب بلا رمل لذلك وخرج عن ذلك صور منها الجماعة القليلة في المسجد القريب إذا خشي التعطيل لو لم يحضر فيه أفضل من الكثيرة في غيره ومنها الجماعة في المسجد أفضل منها في غيره وإن كثرت صرح به الماوردي لكن خالفه أبو الطيب.
● [ القاعدة الثالثة والعشرون ] ●
الواجب لا يترك إلا لواجب
وعبر عنها قوم بقولهم الواجب لا يترك لسنة وقوم بقولهم ما لا بد منه لا يترك إلا لما لا بد منه وقوم بقولهم جواز ما لو لم يشرع لم يجز دليل على وجوبه وقوم بقولهم ما كان ممنوعا إذا جاز وجب وفيها فروع منها قطع اليد في السرقة لو لم يجب لكان حراما.
ومنها إقامة الحدود على ذوي الجرائم.
ومنها وجوب أكل الميتة للمضطر.
ومنها الختان لو لم يجب لكان حراما لما فيه من قطع عضو وكشف العورة والنظر إليها.
ومنها العود من قيام الثالثة إلى التشهد الأول يجب لمتابعة الإمام لأنها واجبة ولا يجوز للإمام والمنفرد لأنه ترك فرض لسنة وكذا العود إلى القنوت.
ومنها التنحنح بحيث يظهر حرفان إن كان لأجل القراءة فعذر لأنه لواجب أو للجهر فلا لأنه سنة.
وخرج عن هذه القاعدة صور منها سجود السهو وسجود التلاوة لا يجبان ولو لم يشرعا لم يجوزا.
ومنها النظر إلى المخطوبة لا يجب ولو لم يشرع لم يجز.
ومنها الكتابة لا تجب إذا طلبها الرقيق الكسوب وقد كانت المعاملة قبلها ممنوعة لأن السيد لا يعامل عبده.
ومنها رفع اليدين على التوالي في تكبيرات العيد ومنها قتل الحية في الصلاة لا يجب ولو لم يشرع لكان مبطلا للصلاة.
ومنها زيادة ركوع في صلاة الكسوف لا يجب ولو لم يشرع لم يجز ومن المشكل هنا قول المنهاج ولا يجوز زيادة ركوع ثالث لتمادي الكسوف ولا نقصه للانجلاء في الأصح فإنه يشعر بوجوبه وهو مخالف لما في شرح المهذب من أنه لو صلاها ركعتين كسنة الظهر صحت وكان تاركا للأفضل وقد جمع بينهما الشيخ جلال الدين المحلي بأن ذاك حيث نوى في الإحرام أداءها على تلك الكيفية فلا يجوز له التغيير.
تنبيه: استنبطت من هذه القاعدة دليلا لما أفتيت به من أن الصلاة في صف شرع فيه قبل إتمام صف أمامه لا يحصل فضيلة الجماعة لأمرهم بالتخطي إذا كان أمامه فرجة لأنهم مقصرون بتركها وأصل التخطي مكروه أو حرام كما اختاره النووي فلولا أنه واجب لإتمام الصف لم يجز وليس هو واجبا لصحة الصلاة فتعين أن يكون لحصول الفضيلة.
● [ القاعدة الرابعة والعشرون ] ●
ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصه لا يوجب أهونهما بعمومه
ذكرها الرافعي وفيها فروع منها لا يجب على الزاني التعزير بالملامسة والمفاخذة فإن أعظم الأمرين وهو الحد قد وجب.
ومنها زنا المحصن لم يوجب أهون الأمرين وهو الجلد بعموم كونه زنا خلافا لابن المنذر.
ومنها خروج المني لا يوجب الوضوء على الصحيح بعموم كونه خارجا فإنه قد أوجب الغسل الذي هو أعظم الأمرين.
ونقضت هذه القاعدة بصور منها الحيض والنفاس والولادة فإنها توجب الغسل مع إيجابها الوضوء أيضا.
ومنها من اشترى فاسدا ووطئ لزمه المهر وأرش البكارة ولا يندرج في المهر.
ومنها لو شهدوا على محصن بالزنا فرجم ثم رجعوا اقتص منهم ويحدون للقذف أولا.
ومنها من قاتل من أهل الكمال أكثر من غيره يرضخ له مع السهم ذكره الرافعي عن البغوي وغيره.
● [ القاعدة الخامسة والعشرون ] ●
ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط
ولهذا لا يصح نذر الواجب ولو قال طلقتك بألف على أن لي الرجعة سقط قوله بألف ويقع رجعيا لأن المال ثبت بالشرط والرجعة بالشرع فكان أقوى ونحوه تدبير المستولدة لا يصح لأن عتقها بالموت ثابت بالشرع فلا يحتاج معه إلى التدبير، ولو اشترى قريبه ونوى عتقه عن الكفارة لا يقع عنها لأن عتقه بالقرابة حكم قهري والعتق عن الكفارة يتعلق بإيقاعه واختياره ومن لم يحج إذا أحرم بتطوع أو نذر وقع عن حجة الإسلام لأنه يتعلق بالشرع ووقوعه عن التطوع والنذر متعلق بإيقاعه عنهما والأول أقوى ولو نكح أمة مورثه ثم قال إذا مات سيدك فأنت طالق فمات السيد والزوج يرثه فالأصح أنه لا يقع الطلاق لأنه اجتمع المقتضي للانفساخ ووقوع الطلاق في حالة واحدة والجمع بينهما ممتنع فقدم أقواهما والانفساخ أقوى لأنه حكم ثبت بالقهر شرعا ووقوع الطلاق حكم تعلق باختياره والأول أقوى ولو شرط مقتضى العقد لم يضره ولم ينفعه ومقتضى العقد مستفاد منه بجعل الشارع لا من الشرط.
تنبيه: قال ابن السبكي هذه الفروع تدل لأنه إذا اجتمع خيار المجلس وخيار الشرط يكون ابتداء خيار الشرط من التفرق وهو وجه لأن ما قبله ثابت بالشرع فلا يحتاج إلى الشرط قال وقد يقال لا معارضة بينهما عند من يجوز اجتماع علتين.
● [ القاعدة السادسة والعشرون ] ●
ما حرم استعماله حرم اتخاذه
ومن ثم حرم اتخاذ آلات الملاهي وأواني النقدين والكلب لمن لا يصيد والخنزير والفواسق والخمر والحرير والحلي للرجل ونقضت هذه القاعدة بمسألة الباب في الصلح فإن الأصح أن له فتحه إذا سمره وأجيب عنها بأن أهل الدرب يمنعونه من الاستعمال فإن ماتوا فورثتهم وأما متخذ الإناء ونحوه فليس عنده من يمنعه فربما جره اتخاذه إلى استعماله.
● [ القاعدة السابعة والعشرون ] ●
ما حرم أخذه حرم إعطاؤه
كالربا ومهر البغي وحلوان الكاهن والرشوة وأجرة النائحة والزامر ويستثنى صور منها الرشوة للحاكم ليصل إلى حقه وفك الأسير وإعطاء شيء لمن يخاف هجره ولو خاف الوصي أن يستولي غاصب على المال فله أن يؤدي شيئا ليخلصه وللقاضي بذل المال على التولية ويحرم على السلطان أخذه.
تنبيه: يقرب من هذه القاعدة قاعدة ما حرم فعله حرم طلبه إلا في مسألتين الأولى إذا ادعى دعوة صادقة فأنكر الغريم فله تحليفه الثانية الجزية يجوز طلبها من الذمي مع أنه يحرم عليه إعطاؤها لأنه متمكن من إزالة الكفر بالإسلام فإعطاؤه إياها إنما هو على استمراره على الكفر وهو حرام.
● [ القاعدة الثامنة والعشرون ] ●
المشغول لا يشغل
ولهذا لو رهن رهنا بدين ثم رهنه بآخر لم يجز في الجديد ومن نظائره لا يجوز الإحرام بالعمرة للعاكف بمنى لاشتغاله بالرمي والمبيت ومنها لا يجوز إيراد عقدين على عين في محل واحد واعلم أن إيراد العقد على العقد ضربان أحدهما أن يكون قبل لزوم الأول وإتمامه فهو إبطال للأول إن صدر من البائع كما لو باع المبيع في زمن الخيار أو أجره أو أعتقه فهو فسخ وإمضاء للأول إن صدر من المشتري بعد القبض الثاني أن يكون بعد لزومه وهو ضربان الأول أن يكون مع غير العاقد الأول فإن كان فيه إبطال الحق الأول لغا كما لو رهن داره ثم باعها بغير إذن المرتهن أو آجرها مدة يحل الدين قبلها وإن لم يكن فيه إبطال للأول صح كما لو أجر داره ثم باعها لآخر فإنه يصح لأن مورد البيع العين والإجارة المنفعة وكذا لو زوج أمته ثم باعها الثاني أن يكون مع العاقد الأول فإن اختلف المورد صح قطعا كما لو أجر داره ثم باعها من المستأجر صح ولا تنفسخ الإجارة في الأصح بخلاف ما لو تزوج بأمة ثم اشتراها فإنه يصح وينفسخ النكاح لأن ملك اليمين أقوى من ملك النكاح فسقط الأضعف بالأقوى كذا عللوه واستشكله الرافعي بأن هذا موجود في الإجارة ولو رهنه دارا ثم أجرها منه جاز ولا يبطل الرهن جزم به الرافعي قال وهكذا لو أجرها ثم رهنها منه يجوز لأن أحدهما ورد على محل غير الآخر فإن الإجارة على المنفعة والرهن على الرقبة وإن اتحد المورد كما لو استأجر زوجته لإرضاع ولده فقال العراقيون لا يجوز لأنه يستحق الانتفاع بها في تلك الحالة فلا يجوز أن يعقد عليها عقدا آخر يمنع استيفاء الحق والأصح أنه يجوز ويكون الاستئجار من حين يترك الاستمتاع، ولو استأجر إنسانا الخدمة شهرا لم يجز أن يستأجر تلك المدة لخياطة ثوب أو عمل آخر ذكره الرافعي في النفقات قال الزركشي ومنه يؤخذ امتناع استئجار العكامين للحج قال وهذا من قاعدة شغل المشغول لا يجوز بخلاف شغل الفارغ.
● [ القاعدة التاسعة والعشرون ] ●
المكبر لا يكبر
ومن ثم لا يشرع التثليث في غسلات الكلب خلافا لما وقع في الشامل الصغير ولا التغليظ في أيمان القسامة ولا دية العمد وشبهه ولا الخطأ إذا غلظت بسبب فلا يزداد التغليظ بسبب آخر في الأصح وإذا أخذت الجزية باسم زكاة وضعفت لا يضعف الجبران في الأصح لأنا لو ضعفناه لكان ضعف الضعف والزيادة على الضعف لا تجوز تنبيه تجري هذه القاعدة في العربية ومن فروعها الجمع يجوز جمعه مرة ثانية بشرط أن لا يكون على صيغة منتهى الجموع.
ونظيرها في العربية أيضا قاعدة المصغر لا يصغر وقاعدة المعرف لا يعرف ومن ثم امتنع دخول اللام المعرفة على العلم والمضاف.
● [ القاعدة الثلاثون ] ●
من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه
من فروعها إذا خللت الخمرة بطرح شيء فيها لم تطهر ونظيره إذا ذبح الحمار ليؤخذ جلده لم يجز كما جزم به في الروضة قال بعضهم وقياسه أنه لو دبغ لم يطهر لكن صرح القمولي في الجواهر بخلافه ومنها حرمان القاتل الإرث ومنها ذكر الطحاوي في مشكل الآثار أن المكاتب إذا كانت له قدرة على الأداء فأخره ليدوم له النظر إلى سيدته لم يجز له ذلك لأنه منع واجبا عليه ليبقى له ما يحرم عليه إذا أداه ونقله عنه السبكي في شرح المنهاج وقال إنه تخريج حسن لا يبعد من جهة الفقه.
وخرج عن القاعدة صور منها لو قتلت أم الولد سيدها عتقت قطعا لئلا تختل قاعدة أن أم الولد تعتق بالموت وكذا لو قتل المدبر سيده ولو قتل صاحب الدين المؤجل المديون حل في الأصح ولو قتل الموصى له الموصي استحق الموصى به في الأصح ولو أمسك زوجته مسيئا عشرتها لأجل إرثها ورثها في الأصح أو لأجل الخلع نفذ في الأصح ولو شربت دواء فحاضت لم يجب عليها قضاء الصلاة قطعا وكذا لو نفست به أو رمى نفسه من شاهق ليصلي قاعدا لا يجب القضاء في الأصح ولو طلق في مرضه فرارا من الإرث نفذ ولا ترثه في الجديد لئلا يلزم التوريث بلا سبب ولا نسب أو باع المال قبل الحول فرارا من الزكاة صح جزما ولم تجب الزكاة لئلا يلزم إيجابها في مال لم يحل عليه الحول في ملكه فتختل قاعدة الزكاة أو شرب شيئا ليمرض قبل الفجر فأصبح مريضا جاز له الفطر قاله الروياني أو أفطر بالأكل متعديا ليجامع فلا كفارة ولوجبت ذكر زوجها أو هدم المستأجر الدار المستأجرة ثبت لهما الخيار في الأصح ولو خلل الخمر بغير طرح شيء فيها كنقلها من الشمس إلى الظل وعكسه طهرت في الأصح ولو قتلت الحرة نفسها قبل الدخول استقر المهر في الأصح تنبيه إذا تأملت ما أوردناه علمت أن الصور الخارجة عن القاعدة أكثر من الداخلة فيها بل في الحقيقة لم يدخل فيها غير حرمان القاتل الإرث وأما تخليل الخمر فليست العلة في الاستعجال على الأصح بل تنجيس الملاقى له ثم عوده عليه بالتنجيس وأما مسئلة الطحاوي فليست من الاستعجال في شيء وكنت أسمع شيخنا قاضي القضاة علم الدين البلقيني يذكر عن والده أنه زاد في القاعدة لفظا لا يحتاج معه إلا الاستثناء فقال من استعجل شيئا قبل أوانه ولم تكن المصلحة في ثبوته عوقب بحرمانه لطيفة رأيت لهذه القاعدة مثلا في العربية وهو أن اسم الفاعل يجوز أن ينعت بعد استيفاء معموله فإن نعت قبله امتنع عمله من أصله.
● [ القاعدة الحادية والثلاثون ] ●
النفل أوسع من الفرض
ولهذا لا يجب فيه القيام ولا الاستقبال في السفر ولا تجديد الاجتهاد في القبلة ولا تكرير التيمم ولا تبييت النية ولا يلزم بالشروع وقد يضيق النفل عن الفرض في صور ترجع إلى قاعدة ما جاز للضرورة يتقدر بقدرها من ذلك التيمم لا يشرع للنفل في وجه وسجود السهو لا يشرع في النفل في قول غريب والنيابة عن المعضوب لا تجزئ في حج التطوع في قول.
● [ القاعدة الثانية والثلاثون ] ●
الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة
ولهذا لا يتصرف القاضي مع وجود الولي الخاص وأهليته ولو أذنت للولي الخاص أن يزوجها بغير كفء ففعل صح أو للحاكم لم يصح في الأصح وللولي الخاص استيفاء القصاص والعفو على الدية ومجانا وليس للإمام العفو مجانا ولو زوج الإمام لغيبة الولي وزوجها الولي الغائب بآخر في وقت واحد وثبت ذلك بالبينة قدم الولي إن قلنا إن تزويجه بطريق النيابة عن الغائب وإن قلنا إنه بطريق الولاية فهل يبطل كما لو زوج الوليان معا أو تقدم ولاية الحاكم لقوة ولايته وعمومها كما لو قال الولي كنت زوجتها في الغيبة فإن نكاح الحاكم يقدم كما صرحوا به تردد فيه صاحب الكفاية والأصح أن تزويجه بالنيابة بدليل عدم الانتقال إلى الأبعد فعلى هذا يقدم نكاح الولي ضابط الولي قد يكون وليا في المال والنكاح كالأب والجد وقد يكون في النكاح فقط كسائر العصبة وكالأب فيمن طرأ سفهها وقد يكون في المال فقط كالوصي.
فائدة: قال السبكي مراتب الولايات أربعة:
● الأولى ولاية الأب والجد وهي شرعية بمعنى أن الشارع فوض لهما التصرف في مال الولد لوفور شفقتهما وذلك وصف ذاتي لهما فلو عزلا أنفسهما لم ينعزلا بالإجماع لأن المقتضى للولاية الأبوة والجدودة وهي موجودة مستمرة لا يقدح العزل فيها لكن إذا امتنعا من التصرف تصرف القاضي وهكذا ولاية النكاح لسائر العصبات.
● الثانية وهي السفلى الوكيل تصرفه مستفاد من الإذن مقيد بامتثال أمر الموكل فلكل منهما العزل وحقيقته أنه فسخ عقد الوكالة أو قطعه والوكالة عقد من العقود قابل للفسخ واختلف الأصحاب فيما إذا كانت بلفظ الإذن هل هي عقد فيقبل الفسخ أو إباحة فلا تقبله لأن الإباحة لا ترتد بالرد والمشهور الأول وفي الفرق بين الوكالة والإذن غموض.
● الثالثة الوصية وهي بين المرتبتين فإنها من جهة كونها تفويضا تشبه الوكالة ومن جهة كون الموصي لا يملك التصرف بعد موته وإنما جوزت وصيته للحاجة لشفقته على الأولاد وعلمه بمن هو أشفق عليهم تشبه الولاية وأبو حنيفة لاحظ الثاني فلم يجوز له عزل نفسه والشافعي لاحظ الأول فجوز له عزل نفسه على المشهور من مذهبه ولنا وجه كمذهب أبي حنيفة.
● الرابعة ناظر الوقف يشبه الوصي من جهة كون ولايته ثابتة بالتفويض ويشبه الأب من جهة أنه ليس لغيره تسلط على عزله والوصي يتسلط الموصي على عزله في حياته بعد التفويض بالرجوع عن الوصية ومن جهة أنه يتصرف في مال الله تعالى فالتفويض أصله أن يكون منه ولكنه أذن فيه للواقف فهي ولاية شرعية ومن جهة أنه إما منوط بصفة كالرشد ونحوه وهي مستمرة كالأبوة وإما منوط بذاته كشرط النظر لزيد وهو مستمر فلا يفيد العزل كما لا يفيد في الأب بخلاف الوكيل والموصي فإنه يقطع ذلك العقد أو يرفعه قال فلذلك أقول إن الذي شرط له الواقف النظر معينا أو موصوفا بصفة إذا عزل نفسه لا ينفذ عزله لنفسه لكن إن امتنع من النظر أقام الحاكم مقامه وإن لم نجد ذلك مصرحا به في كلام الأصحاب إلا ابن الصلاح قال في فتاويه لو عزل الناظر نفسه فليس للواقف نصب غيره فإنه لا نظر له بل ينصب الحاكم ناظرا وهذا يوهم أنه إذا عزل نفسه انعزل ويمكن تأويله، قال ويوضح ذلك أن شرط النظر من الواقف إما تمليك أو توكيل فإن كان توكيلا لم يصح أن يكون توكيلا عنه لأنه لا نظر له فكيف يؤكل ولأنه لو كان وكيلا عنه لجاز له عزله وهو لو عزله لم ينفذ ولا عن الموقوف عليه للأمرين فلم يبق إلا أنه تمليك أو توكيل عن الله تعالى أو إثبات حق في الوقف ابتداء فإن رقبة الموقوف تنتقل إلى الله تعالى ولا بد لها من متصرف واعتبر الشارع حكم الواقف في الصرف وفي تعيين المتصرف وهو الناظر فعلم أن استحقاق الناظر النظر بالشرط كاستحقاق الموقوف عليه الغلة والموقوف عليه لو أسقط حقه من الغلة لم يسقط فكذلك إسقاط النظر ثم إن جعلناه تمليكا منه حسن اشتراط القبول باللفظ كسائر التمليكات وإن جعلناه استخلافا عن الله تعالى لم يشترط قال ويحتمل أن لا يشترط أيضا على التمليك لأنه ليس بعقد مستقل بل وصف في الوقف كسائر شروطه قال وهذا هو الأقوى قال بل أزيد أنه لو رد لا يرتد بخلاف الوقف على معين حيث يرتد بالرد لما قلناه من أن النظر ليس مستقلا بل وصف في الوقف تابع له كسائر شروطه إلا أنا لا نضره بإلزام النظر بل إن شاء نظر وإن شاء لم ينظر فينظر الحاكم قال ثم هذا كله إذا كان المشروط له النظر معينا أما إذا كان موصوفا فينبغي أن لا يشترط القبول قطعا كالأوقاف العامة ثم قال فإن قيل النظر حق من الحقوق فيتمكن صاحبه من إسقاطه فإن كل من ملك شيئا له أن يخرجه عن ملكه عينا كان أو منفعة أو دينا فكيف لا يتمكن الناظر من إسقاط حقه من النظر فالجواب أن ذاك فيما هو في حكم خصلة واحدة وحق النظر في كل وقت يتجدد بحسب صفة فيه وهو الرشد مثلا إن علقه الواقف بها أو بحسب ذاته إن شروطه له بعينه فلا يصح إسقاطه كما لو أسقط الأب أو الجد حق الولاية من مال ولده أو التزويج ونحوه. انتهى كلام السبكي ملخصا من كتابه تسريح الناظر في انعزال الناظر.
● [ القاعدة الثالثة والثلاثون ] ●
لا عبرة بالظن البين خطؤه
من فروعها لو ظن المكلف في الواجب الموسع أنه لا يعيش إلى آخر الوقت تضيق عليه فلو لم يفعله ثم عاش وفعله فأداء على الصحيح ولو ظن أنه متطهر فصلى ثم بان حدثه أو ظن دخول الوقت فصلى ثم بان أنه لم يدخل أو طهارة الماء فتوضأ به ثم بان نجاسته أو ظن أن إمامه مسلم أو رجل قارئ فبان كافرا أو امرأة أو أميا أو بقاء الليل أو غروب الشمس فأكل ثم بان خلافه أو دفع الزكاة إلى من ظنه من أهلها فبان خلافه أو رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف فبان خلافه أو بان أن هناك خندقا أو استناب على الحج ظانا أنه لا يرجى برؤه فبرئ لم يجز في الصور كلها فلو أنفق على البائن ظانا حملها فبانت حائلا استرد وشبهه الرافعي بما إذا ظن أن عليه دينا فأداه ثم بان خلافه وما إذا أنفق على ظن إعساره ثم بان يساره ولو سرق دنانير ظنها فلوسا قطع بخلاف ما لو سرق مالا يظنه ملكه أو ملك أبيه فلا قطع كما لو وطئ امرأة يظنها زوجته أو أمته.
ويتثنى صور منها لو صلى خلف من يظنه متطهرا فبان حدثه صحت صلاته ولو رأى المتيمم ركبا فظن أن معهم ماء توجه عليه الطلب ولو خاطب امرأته بالطلاق وهو يظنها أجنبية أو عبده بالعتق وهو يظنه لغيره نفذ ولو وطئ أجنبي أجنبية حرة يظنها زوجته الرقيقة فالأصح أنها تعتد بقرئين اعتبارا بظنه أو أمة يظنها زوجة الحرة فالأصح أنها تعتد بثلاثة أقراء لذلك.
● [ القاعدة الرابعة والثلاثون ] ●
الاشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود
ولهذا لو حلف لا يسكن هذه الدار ولا يقيم فيها فتردد ساعة حنث وإن اشتغل بجمع متاعه والتهيؤ لأسباب النقلة فلا ولو قال طالب الشفعة للمشتري عند لقائه بكم اشتريت أو اشتريت رخيصا بطل حقه ولو كنت أنت طالق ثم استمد فكتب إذا جاءك كتابي فإن لم يحتج إلى الاستمداد طلقت وإلا فلا.
● [ القاعدة الخامسة والثلاثون ] ●
لا ينكر المختلف فيه وإنما ينكر المجمع عليه
ويستثنى صور ينكر فيها المختلف فيه إحداها أن يكون ذلك المذهب بعيد المأخذ بحيث ينقض ومن ثم وجب الحد على المرتهن بوطئه المرهونة ولم ينظر لخلاف عطاء الثانية أن يترافع فيه لحاكم فيحكم بعقيدته ولهذا يحد الحنفي بشرب النبيذ إذ لا يجوز للحاكم أن يحكم بخلاف معتقده الثالثة أن يكون للمنكر فيه حق كالزوج يمنع زوجته من شرب النبيذ إذا كانت تعتقد إباحته وكذلك الذمية على الصحيح.
● [ القاعدة السادسة والثلاثون ] ●
يدخل القوي على الضعيف ولا عكس
ولهذا يجوز إدخال الحج على العمرة قطعا لا عكسه على الأظهر ولو وطئ أمة ثم تزوج أختها ثبت نكاحها وحرمت الأمة لأن الوطء بفراش النكاح أقوى من ملك اليمين ولو تقدم النكاح حرم عليه الوطء بالملك لأنه أضعف الفراشين.
● [ القاعدة السابعة والثلاثون ] ●
يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد
ومن ثم جزم بمنع توقيت الضمان وجرى في الكفالة خلاف لأن الضمان التزام للمقصود وهو المال والكفالة التزام للوسيلة ويغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد وكذلك لم تختلف الأمة في إيجاب النية للصلاة واختلفوا في الوضوء.
● [ القاعدة الثامنة والثلاثون ] ●
الميسور لا يسقط بالمعسور
قال ابن السبكي وهي من أشهر القواعد المستنبطة من قوله إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم وبها رد أصحابنا على أبي حنيفة قوله إن العريان يصلي قاعدا فقالوا إذا لم يتيسر ستر العورة فلم يسقط القيام المفروض وذكر الإمام أن هذه القاعدة من الأصول الشائعة التي لا تكاد تنسى ما أقيمت أصول الشريعة وفروعها كثيرة منها إذا كان مقطوع بعض الأطراف يجب غسل الباقي جزما.
ومنها القادر على بعض السترة يستر به القدر الممكن جزما ومنها القادر على بعض الفاتحة يأتي به بلا خلاف.
ومنها إذا لم يمكنه رفع اليدين في الصلاة إلا بالزيادة على القدر المشروع أو نقص أتى بالممكن.
ومنها إذا كان محدثا وعليه نجاسة ولم يجد إلا ما يكفي أحدهما عليه غسل النجاسة قطعا ومنها لو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لزمه بلا خلاف عندنا.
ومنها نقل العراقيون عن نص الشافعي أن الأخرس يلزمه أن يحرك لسانه بدلا عن تحريكه إياه بالقراءة كالإيماء بالركوع والسجود.
ومنها لو خاف الجنب من الخروج من المسجد ووجد غير تراب المسجد وجب عليه التيمم كما صرح به في الروضة ووجه بأن أحد الطهورين التراب وهو ميسور فلا يسقط بالمعسور.
ومنها واجد ماء لا يكفيه لحدثه أو نجاسته فالأظهر وجوب استعماله ومنها واجد تراب لا يكفيه فالمذهب القطع بوجوب استعماله.
ومنها من بجسده جرح يمنعه استيعاب الماء والمذهب القطع بوجوب غسل الصحيح مع التيمم عن الجريح.
ومنها المقطوع العضد من المرفق يجب غسل رأس عظم العضد على المشهور.
ومنها واجد بعض الصاع في الفطرة يلزمه إخراجه في الأصح ومنها لو أعتق نصيبه وهو موسر ببعض نصيب شريكه فالأصح السراية إلى القدر الذي أيسر به.
ومنها لو انتهى في الكفارة إلى الإطعام فلم يجد إلا إطعام ثلاثين مسكينا فالأصح وجوب إطعامهم وقطع به الإمام ومنها لو قدر على الانتصاب وهو في حد الراكعين فالصحيح أنه يقف كذلك ومنها من ملك نصابا بعضه عنده وبعضه غائب فالأصح أنه يخرج عما في يده في الحال.
ومنها المحدث الفاقد للماء إذا وجد ثلجا أو بردا قيل يجب استعماله فيتيمم عن الوجه واليدين ثم يمسح به الرأس ثم يتيمم عن الرجلين ورجحه النووي في شرح المهذب نظرا للقاعدة والمذهب أنه لا يجب ومنها إذا أوصى بعتق رقاب فلم يوجد إلا اثنان وشقص ففي شراء الشقص وجهان أصحهما عند الشيخين لا وخالفهما ابن الرفعة والسبكي نظرا للقاعدة.
تنبيه: خرج عن هذه القاعدة مسائل منها واجد بعض الرقبة في الكفارة لا يعتقها بل ينتقل إلى البدل بلا خلاف ووجه بأن إيجاب بعض الرقية مع صوم الشهرين جمع بين البدل والمبدل وصيام شهر مع عتق نصف الرقبة فيه تبعيض الكفارة وهو ممتنع وبأن الشارع قال فمن لم يجد وواجد بعض الرقبة لم يجد رقبة فلو قدر على البعض ولم يقدر على الصيام ولا الإطعام فثلاثة أوجه لابن القطان أحدها يخرجه ويكفيه والثاني يخرجه ويبقي الباقي في ذمته والثالث لا يخرجه.
ومنها القادر على صوم بعض يوم دون كله لا يلزمه إمساكه ومنها إذا وجد الشفيع بعض ثمن الشقص لا يأخذ قسطه من الشقص ومنها إذا أوصى بثلثه يشتري به رقبة فلم يف بها لا يشتري شقص ومنها إذا اطلع على عيب ولم يتيسر له الرد ولا الإشهاد لا يلزمه التلفظ بالفسخ في الأصح.
● [ القاعدة التاسعة والثلاثون ] ●
ما لا يقبل التبعيض فاختيار بعضه كاختيار كله
وإسقاط بعضه كإسقاط كله
ومن فروعها إذا قال أنت طالق نصف طلقة أو بعضك طالق طلقت طلقة.
ومنها إذا عفا مستحق القصاص عن بعضه أو عفا بعض المستحقين سقط كله ومنها إذا عفا الشفيع عن بعض حقه فالأصح سقوط كله والثاني لا يسقط شيء لأن التبعيض تعذر وليست الشفعة مما يسقط بالشبهة ففارقت القصاص والطلاق.
ومنها عتق بعض الرقبة أو عتق بعض المالكيين نصيبه وهو موسر ومنها هل للإمام إرقاق بعض الأسير فيه وجهان فإن قلنا لا فضرب الرق على بعضه رق كله قال الرافعي وكان يجوز أن يقال لا يرق شيء وضعفه ابن الرفعة بأن في إرقاق درء القتل وهو يسقط بالشبهة كالقصاص ثم وجهه بنظيره من الشفعة ومنها إذا قال أحرمت بنصف نسك انعقد بنسك كالطلاق كما في زوائد الروضة ولا نظير لها في العبادات ومنها إذا اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا لم يجز إفراده بالرد فلو قال رددت المعيب منهما فالأصح لا يكون ردا لهما وقيل يكون.
ومنها حد القذف ذكر الرافعي في باب الشفعة أن بالعفو عن بعضه لا يسقط شيء منه واستشهد به للوجه القائل بمثله في الشفعة وتبعه جماعة آخرهم السبكي قال ولده ولم يذكر المسألة في باب حد القاذف وإنما ذكر فيه مسألة عفو بعض الورثة وفيها الأوجه المشهورة أصحها أن لمن بقي استيفاء جميعه وهو يؤيد أن حد القذف لا يتبعض قال وفيه نظر فإنه جلدات معروفة العدد ولا ريب في أن الشخص لو عفا بعد جلد بعضها سقط ما بقي منها فكذلك إذا أسقط منها في الابتداء قدرا معلوما تنبيه حيث جعلنا اختيار البعض اختيارا للكل فهل هو بطريق السراية أو لا بل اختياره للبعض نفس اختياره للكل فيه خلاف مشهور في تبعيض الطلاق وطلاق البعض وعتق البعض وإرقاق البعض ضابط لا يزيد البعض على الكل إلا في مسئلة واحدة وهي إذا قال أنت علي كظهر أمي فإنه صريح ولو قال أنت علي كأمي لم يكن صريحا
● [ القاعدة الأربعون ] ●
إذا اجتمع السبب أو الغرور والمباشرة قدمت المباشرة
من فروعها لو أكل المالك طعامه المغصوب جاهلا به فلا ضمان على الغاصب في الأظهر وكذا لو قدمه الغاصب للمالك على أنه ضيافة فأكله فإن الغاصب يبرأ ولو حفر بئرا فرداه فيها آخر أو أمسكه فقتله آخر أو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر فقده فالقصاص على المردي والقاتل والقاد فقط تنبيه يستثنى من القاعدة صور منها إذا غصب شاة وأمر قصابا بذبحها وهو جاهل بالحال فقرار الضمان على الغاصب قطعا قاله في الروضة ومنها إذا استأجره لحمل طعام فسلمه زائدا فحمله المؤجر جاهلا فتلفت الدابة ضمنها المستأجر في الأصح ومنها إذا أفتاه أهل للفتوى بإتلاف ثم تبين خطؤه فالضمان على المفتي ومنها قتل الجلاد بأمر الإمام ظلما وهو جاهل فالضمان على الإمام ومنها وقف ضيعة على قوم فصرفت غلتها إليهم فخرجت مستحقة ضمن الواقف لتغريره.
● [ تم الكتاب الثاني ويتبعه الكتاب الثالث ] ●
الأشباه والنظائر
تأليف : السيوطي
منتديات الرسالة الخاتمة . البوابة