بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم سفر نامة تأليف : ناصر خسرو ● [ من طرابلس وحتى بيت المقدس ] ●
وفي الخامس عشر من رجب سنة يناير سرنا إلى كويمات ومنها إلى حما وهذه المدينة جميلة عامرة على شاطىء نهر العاصي ويسمى هذا النهر بالعاصي لأنه يذهب إلى بلاد الروم فهو يخرج من بلاد الإسلام ليدخل بلاد الكفر وقد نصبوا عليه سواقي كثيرة ومن حما طريقإن أحدهما بجانب الساحل غرب الشام والآخر في الجنوب وهو ينتهي إلى دمشق فسرنا عن طريق الساحل وقد رأينا في الجبل عيناً قيل إن ماءها يتفجر في الثلاثة أيام التالية لنصف شعبإن من كل سنة ثم ينضب فلا تخرج منه قطرة واحدة حتى السنة التالية ويذهب الكثيرون لزيارة هذه العين تقربا إلى الله سبحانه و تعالى وقد بنيت هناك عمارات وأحواض ولما سرنا من هناك بلغنا سهلا كساه النرجس ثوبا أبيض وذهبنا بعد ذلك إلى مدينة تسمى عرقة وبعد مسيرة فرسخين منها بلغنا شاطىء البحر فتبعناه ناحية الجنوب حتى بلغنا مدينة طرابلس بعد مسيرة خمسة فراسخ. ومن حلب إلى طرابلس أربعون فرسخاً عن هذا الطريق كان بلوغنا إياها يوم السبت الخامس من شعبإن فبراير وحول المدينة المزارع والبساتين وكثير من قصب السكر وأشجار النارنج والترنج والموز والليمون والتمر كان عسل السكر يجمع حينذاك ومدينة طرابلس مشيدة بحيث إن ثلاثة من جوانبها مطلة على البحر فإذا ماج علت أمواجه السور أما الجانب المطل على اليابس فبه خندق عظيم عليه باب حديدي محكم وفي الجانب الشرقي من المدينة قلعة من الحجر المصقول عليها شرفات ومقاتلات من الحجر نفسه وعلى قمتها عرادات لوقايتها من الروم فهم يخافون إن يغير هؤلاء عليها بالسفن ومساحة المدينة ألف ذراع مربع وأربطتها أربع أو خمس طبقات ومنها ما هو ست طبقات أيضاً وشوارعها وأسواقها جميلة ونظيفة حتى لتظن إن كل سوق قصر مزين وقد رأيت بطرابلس ما رأيت في بلاد العجم من الأطعمة والفواكه بل أحسن منه مائة مرة وفي وسط المدينة جامع عظيم نظيف جميل النقش حصين وفي ساحته قبة كبيرة تحتها حوض من الرخام في وسطه فواره من النحاس الأصفر وفي السوق مشرعة ذات خمسة صنابير يخرج منها ماء كثير يأخذ منه الناس حاجتهم ويفيض باقيه على الأرض ويصرف في البحر ويقال إن بها عشرين ألف رجل ويتبعها كثير من السواد والقرى ويصنعون بها الورق الجميل مثل الورق السمرقندي بل أحسن منه وهي تابعة لسلطإن مصر قيل وسبب ذلك أنه في زمن ما أغار عليها جيش الروم الكفار فحاربه جند سلطإن مصر وقهروه فرفع السلطان الخراج عنها وأقام بها جيشاً من قبله على رأسه قائد لحمايتها من العدو وتحصل المكوس بهذه المدينة فتدفع السفن الآتية من بلاد الروم والفرنج والأندلس والمغرب العشر للسلطإن فيدفع منه أرزاق الجند وللسلطإن بها سفن تسافر إلى بلاد الروم وصقلية والمغرب للتجارة وسكإن طرابلس كلهم شيعة وقد شيد الشيعة مساجد جميلة في كل البلاد وهناك بيوت على مثال الأربطة ولكن لا يسكنها أحد وتسمى مشاهد ولا يوجد خارج طرابلس بيوت أبداً عدا مشهدين أو ثلاثة من التي مر ذكرها . وغادرت طرابلس وسرت على شاطىء البحر ناحية الجنوب فرأيت على مسافة فرسخ واحد قلعة تسمى قلمون في داخلها عين ماء وسرت من هناك إلى طرابزون ومن طرابلس إليها خمسة فراسخ ومنها بلغنا مدينة جبيل وهي مثلثة تطل زاوية منها على البحر ويحيطها سور حصين شاهق الارتفاع وحولها النخيل غيره من أشجار المناطق الحارة وقد رأيت في يد غلام بها وردة حمراء وأخرى بيضاء ناضرة كان ذلك في اليوم الخامس من استدارمذ الشهر القديم فبراير سنة من تاريخ العجم . ومن هناك بلغنا بيروت فرأيت بها طاقاً حجرياً شق الطريق في وسطه وقد قدرت ارتفاعه بخمسين ذراعاً وجانباه من الحجر الأبيض تزن كل قطعة منه أكثر من ألف من وعلى جانبيه بناء من الطوب النيىء ارتفاعه عشرون ذراعاً وقد نصبت على قمته أعمدة من الرخام طول كل منها ثمانية أذرع وهي سميكة بحيث لا يستطيع رجلإن إن يحيطاها بأذرعهما إلا بصعوبة وعلى رأس هذه العمد عقود على الجانبين كلها من الحجر المنحوت الذي لا يفصله عن بعضه حص أو طين وفي الوسط تماما الطاق الكبير يعلوها بخمسين ذراعاً وقد قست كل حجر منه فإذا به ثمانية أذرع طولا وأربعة عرضا وأظن الحجر الواحد يزن سبعة آلاف من وقد نقشت هذه الحجارة بدقة ومهارة بحيث يقل ما يشابهها مما ينقش على الخشب ولم يبق هناك أبنية غير هذا الطاق وقد سألت أي مكإن هذا فقيل لي سمعنا أنه باب حديقة فرعون وهو بالغ في القدم والوادي المجاور لهذه الناحية مملوء بأعمدة الرخام تيجانها وجذوعها وهي من الرخام المدور والمربع والمسدس والمثمن وهي من الصلابة بحيث لا يؤثر فيها الحديد وليس في هذه الجهة جبل حتى يقال إنهم جلبوها منه وهناك حجارة تبدو كأنها معجونة جرانيت وهي تفل الحديد وفي نواحي الشام أكثر من خمسمائة ألف من أعمدة وتيجإن وجذوع ولا يعرف أحد مإذا كانت ولا من أين نقلت. ثم بلغنا مدينة صيداً وهي على شاطىء البحر أيضاً يزرع بها قصب السكر بوفرة وبها قلعة حجرية محكمة ولها ثلاث بوابات وفيها مسجد جمعة جميل يبعث في النفس هيبة تامة وقد فرش كله بالحصير المنقوش وفي صيداً سوق جميل نظيف وقد ظننت حين رأيته أنه زين خاصة لمقدم السلطان أو لإن بشرى سعيدة أذيعت فلما سألت قيل لي هكذا عادة هذه المدينة دائماً وفيها حدائق وأشجار منسقة حتى لتقول إن سلطانا هاوياً غرسها وفي كل من هذه الحدائق كشك وأغلب شجرها مثمر. وبعد مسيرة خمسة فراسخ على شاطىء البحر بلغنا مدينة صور وهي ساحلية أيضاً وقد بنيت على صخرة امتدت في الماء بحيث إن الجزء الواقع على اليابس من قلعتها لا يزيد على مائة ذراع والباقي في ماء البحر والقلعة مبنية بالحجر المنحوت الذي سدت فجواته بالقار حتى لا يدخل الماء من خلله وقد قدرت المدينة بألف ذراع مربع وأربطتها من خمس أو ست طبقات وكلها متلاصقة وفي كثير منها نافورات وأسواقها جميلة كثيرة الخيرات وتعرف مدينة صور بين مدن ساحل الشام بالثراء ومعظم سكانها شيعة والقاضي هناك رجل سني اسمه ابن أبي عقيل وهو رجل طيب ثري وقد بني على باب المدينة مشهد به كثير من السجاجيد والحصير والقناديل والثريات المذهبة والمفضضة وصور مشيدة على مرتفع وتأتيها المياه من الجبل وقد شيد على بابها عقود حجرية يمر من فوقها إلى المدينة وفي الجبل واد مقابل لها إذا سار السائر فيه ثمانية عشر فرسخاً ناحية المشرق بلغ دمشق . بعد إن سرنا سبعة فراسخ من صور بلغنا عكة وتكتب هناك مدينة عكة وهي مشيدة على مرتفع بعضه من أرض وعرة وبعضه سهل ولم تشيد المدينة في الوادي المنخفض مخافة غلبة ماء البحر عليها وخشية أمواجه التي تعج على الساحل ومسجد الجمعة في وسط المدينة وهو أعلى مبانيها وأعمدتها كلها من الرخام ويقع قبر صالح النبي عليه السلام خارجه على يمين القبلة وساحته بعضها من الحجر وبعضها الآخر مزروع ويقال إن آدم عليه السلام كان يزرع هناك ومسحت المدينة فكإن طولها ألفي ذراع وعرضها خمسمائة ولها قلعة غاية في الإحكام يطل جانباها الغربي والجنوبي على البحر وعلى الأخير ميناء ومعظم مدن الساحل كذلك والميناء اسم يطلق على الجهة التي بنيت للمحافظة على السفن وهي تشبه الاسطبل وظهرها ناحية المدينة وحائطاها داخلإن في البحر وعلى امتدادهما مدخل مفتوح طوله خمسون ذراعاً وقد شدت السلاسل بين الحائطين فإذا أريد إدخال سفينة إلى الميناء أرخيت السلسلة حتى تغوص في الماء فتمر السفينة فوقها ثم تشد حتى لا يستطيع عدو إن يقصدها بسوء وعند الباب الشرقي على اليد اليسرى عين يصلون إلى مائها بنزول ست وعشرين درجة وتسمى عين البقر ويقال آدم عليه السلام هو الذي كشفها كان يسقي منها بقرته ولذا سميت عين البقر. وحين يذهب المسافر من عكة ناحية المشرق يجد جبلا به مشاهد الأنبياء عليهم السلام وهذا الجبل واقع على جانب الطريق المؤدي إلى الرملة وقد عزمت على التبرك بزيارة هذه المشاهد والتقرب إلى الله تبارك و تعالى وقد قال سكإن عكة إن في الطريق أشراراً يتعرضون لم يرون من الغرباء وينهبون ما معهم فأودعت نفقتي بمسجد عكة وخرجت من بابها الشرقي يوم السبت الثالث والعشرين من شعبإن سنة 338 5 مارس 1037 وقد زرت في اليوم الأول قبر عك باني المدينة وهو أحد الصالحين الأولياء وكنت حائراً إذا لم يكن معي دليل يرشدني وفجأة تعرفت في اليوم نفسه بفضل من الله تبارك و تعالى برجل من العجم أتى من آذربيجإن للتبرك بزيارة المشاهد مرة أخرى فشكرت لله تبارك و تعالى هبته وصليت ركعتين وسجدت له شكراً على توفيقه إياي لأفي بعزمي ثم بلغت قرية تسمى بروة وزرت قبر عيش وشمعون عليهما السلام ومن هناك بلغت مغارك التي تسمى دامون فزرت المشهد المعروف بقبر ذي الكفل عليه السلام ثم واصلت السير إلى قرية أخرى تسمى أعبلين وبها قبر هود عليه السلام فزرته كان بحظيرته شجرة الخرتوت وكذلك زرت هناك قبر النبي عزير عليه السلام ثم يممت وجهي شطر الجنوب فبلغت قرية تسمى حظيرة وفي الجانب الغربي منها واد به عين ماء عذب تخرج من الصخر وقد بني أمامها مسجد على الصخر به بيتإن صخريإن فوقهما سقف من الحجر أيضاً وعليهما باب صغير يستطيع الزائر دخوله بصعوبة وهناك قبرإن متجاورإن أحدهما قبر شعيب عليه السلام والثاني قبر ابنته التي كانت زوج موسى عليه السلام ويعنى أهل هذه القرية بهذا المسجد عناية فائقة من تنظيف وإنارة وغير ذلك ومن هناك بلغت قرية تسمى إربل وفي ناحية القبلة منها جبل في وسطه حظيرة بها أربعة قبور لأربعة من أبناء يعقوب إخوة يوسف عليهم السلام وذهبت من هناك فرأيت تلاً من تحته غار فيه قبر أم موسى عليه السلام فزرته ثم خرجت فبدا لي واد في آخره بحر صغير تقع عليه طبرية طوله ستة فراسخ وعرضه ثلاثة وماؤه عذب لذيذ وتقع غربية المدينة وتصرف في هذا البحر كل مياه الحمامات وفضلات المدينة وكذلك يشرب منه سكانها وسكإن الولاية التي على شاطئه وسمعت إن أميراً دخل هذه المدينة ذات مرة فأمر بسد قنوات القاذورات والماء الملوث حتى لا تفضي إلى البحر فنتن ماؤه وأصبح لا يصلح للشرب فأمر ثانية بفتح هذه القنوات فعاد ماء البحر عذباً ولطبرية سور حصين يبدأ من شاطئ البحر ويمتد حول المدينة والطرف المحدود بالبحر لا حائط له وبها مبإن كثيرة في وسط البحر فإن قاعه صخري وقد شيدت هناك مناظر على رءوس أعمدة رخامية أساسها في الماء وفي بحر طبرية سمك كثير ومسجد الجمعة في وسط المدينة وعند بابه عين ماء بني عند رأسها حمام ماؤه ساخن فلا يستطيع مستحم إن يصبه على جسده من غير إن يمزجه بماء بارد ويقال إن الذي بناه هو سليمإن بن داود عليه السلام وقد دخلته وفي الجانب الغربي من مدينة طبرية مسجد اسمه مسجد الياسمين وهو مسجد جميل في وسطه ساحة كبيرة بها محا ريب وحولها الياسمين الذي سمي به المسجد وفي رواق بالجانب الشرقي قبر يوشع بن نون وتحت هذه الساحة قبور سبعين نبيا عليهم السلام قتلهم بنو إسرائيل. وجنوب طبرية بحر لوط وهو مالح المياه ويصب به ماء بحر طبرية وكانت مدينة لوط تقع على شاطئه ولم يبقى منها أثر قط وسمعت من إنسان إن في مياه بحر لوط المالحة شيئاً كالحجارة السوداء غير صلب يشبه البقر يخرج من قاعه فيأخذه السكإن ويقطعونه ويحملونه إلى المدن والولايات ويقال إنه إذا وضعت قطعة منه تحت شجرة يمتنع الدود عنها من غير إن يمس جذرها أذى منه فلا يتلف البستإن مما تحت الأرض من دود وحشرات والعهدة على الراوي وقيل كذلك إن العطارين يستخدمونه لأنه يبعد دودة تصيب البذور اسمها النقرة وفي طبرية يصنعون الحصير ومنه حصير الصلاة وتشتري الواحدة منها بخمسة جنيهات مغربية وفي الجانب الغربي من المدينة جبل فيه قطعة من حجر المرمر مكتوب عليها بخط عبري إن الثريا كانت على رأس الحمل ساعة الكتابة ويقع قبر أبي هريرة خارج المدينة ناحية القبلة ولكن لا يستطيع أحد زيارته لإن السكإن هناك شيعة فإذا ذهب أحد للزيارة تجمع عليه الأطفال وتحرشوا به وحملوا عليه وقذفوه بالحجارة ولهذا لم أستطع زيارته سرت بعد ذلك إلى قرية تسمى كفركنه بجانبها تل بنيت علي قمته صومعة جميلة بها قبر النبي يونس عليه السلام وعليها باب متين بقربه بئر ماؤها عذب . وقد عدت إلى عكا بعد زيارة هذا المشهد وبينهما مسافة أربعة فراسخ فمكثت بها يوماً واحداً ثم غادرتها إلى قرية تسمى حيفا وفي طريق به كثير من هذا الرمل الذي يستخدمه صياغ العجم والمسمى بالرمل المكي وحيفا مشيدة على البحر وبها نخل وأشجار كثيرة وهناك عمال يصنعون السفن البحرية المسماة بالجودي. وسرنا بعد ذلك فبلغنا بعد مسيرة فرسخ واحد قرية أخرى تسمى كنيسة وعندها ينحرف الطريق عن البحر ويدخل الجبل ناحية المشرق حيث الصحروات والمحاجر التي تسمى وادي التماسيح ويعود لمحاذاة الشاطىء بعد مسيرة فرسخين وهناك رأينا عظام حيوانات بحرية كثيرة مختلطة بالتراب والطين وقد تحجرت من كثرة ما ثار عليها من الموج. وقمنا من هناك وسرنا حتى بلغنا مدينة تسمى قيسارية بينها وبين عكا سبعة فراسخ وهي مدينة جميلة بها ماء جار ونخيل وأشجار النارنج والترنج ولها سور حصين له باب حديدي وبها عيون ماء جارية ومسجد الجامع جميل ويرى المصلون البحر ويتمتعون به وهم جلوس في ساحته وهناك زير من الرخام يشبه الخزف الصيني وهو عميق بحيث يسع مائة من ماء. في يوم السبت آخر شعبإن 10 مارس قمنا من هناك وسرنا مقدار فرسخ عن طريق الرمل المكي وقد رأيت في الطريق كله سهله وجبله كثيرا من شجر التين والزيتون وبعد بضعة فراسخ بلغنا مدينة تسمى كفرسابا أو كفر سلام ومنها حتى الرملة ثلاثة فراسخ في طريق كله شجر كالذي ذكرت. وفي يوم الأحد غرة رمضإن 11 مارس بلغنا الرملة ومن قيسارية إليها ثمانية فراسخ وهي مدينة كبيرة بها سور حصين من الحجر والجص مرتفع ومتين وعليه أبواب من حديد ومن المدينة إلى الشاطئ البحر ثلاثة فراسخ والماء هناك من المطر ولذا فقد بني في كل منزل حوض لجميع مياه المطر فيبقى ذخيرة دائمة وفي وسط مسجد الجمعة أحواض تمتلى بالماء فيأخذ منه من يشاء ومساحة الجامع ثلاثمائة قدم في مائتين وقد كتب أمام الضفة إنه في الخامس عشر من شهر محرم سنة 425 11 ديسمبر 1033 زلزلت الأرض بشدة هنا فخربت عمارات كثيرة ولم يصب أحد من السكإن بسوء وفي هذه المدينة رخام كثير وقد زينت معظم السرايات والبيوت بالرخام المنقوش الكثير الزينة ويقطع الرخام بمنشار لا أسنإن له وبالرمل المكي ويعملون المنشار على أعمدة الرخام بالطول لا بالعرض فيخرجون منه ألواحاً كألواح الخشب ورأيت هناك أنواعاً وألواناً من الرخام من الملمع والأخضر والأحمر والأسود والأبيض ومن كل لون وفي الرملة صنف من التين ليس أحسن منه في أي مكإن يصدر منها إلى جميع البلاد وتسمى مدينة الرملة في الشام والمغرب فلسطين. وفي الثالث من رمضإن غادرت الرملة فبلغت قرية تسمى خاتون وقد سرت منها إلى قرية أخرى تسمى قرية العنب وقد رأينا في الطريق كثيراً من نبات السذاب الذي ينبت برياً على الجبال وفي الصحراء وقد رأيت في هذه القرية عين ماء عذب تخرج من الصخر وقد بنيت هناك أحواض وعمارات وقد ذهبنا صاعدين وكنا نحسب أنا بعد صعود الجبل سنهبط إلى المدينة في الطرف الآخر ولكنا وجدنا أمامنا بعد إن صعدنا قليلاً سهلاً واسعاً بعضه صخري وبعضه كثير التراب وعلى رأس جبل فيه تقع مدينة بيت المقدس ومن طرابلس التي هي على الساحل إليها ستة وخمسون فرسخاً ومن بلخ إليها ستة وسبعون وثمانمائة فرسخ.
سفر نامه تأليف : ناصر خسرو منتدى توتة وحدوتة - البوابة