منتدى دنيا الكراكيب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الوصول الى مدينة بيت المقدس ووصفها

    avatar
    كراكيب
    Admin


    عدد المساهمات : 2419
    تاريخ التسجيل : 01/01/2014

    الوصول الى مدينة بيت المقدس ووصفها Empty الوصول الى مدينة بيت المقدس ووصفها

    مُساهمة من طرف كراكيب السبت 17 مايو 2014 - 6:28

    الوصول الى مدينة بيت المقدس ووصفها Nama10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    سفر نامة
    تأليف : ناصر خسرو
    الوصول الى مدينة بيت المقدس ووصفها 1410
    ● [ الوصول الى مدينة بيت المقدس ووصفها ] ●

    وفي الخامس من رمضإن سنة 438 16مارس 1047 بلغنا بيت المقدس كان قد مضى على خروجنا من بلدنا سنة شمسية وطوال رحلتنا لم نقر في مكإن قط ولا وجدنا راحة كاملة وأهل الشام وأطرافها يسمون بيت المقدس القدس ويذهب إلى القدس في موسم الحج من لا يستطيع الذهاب إلى مكة من أهل هذه الولايات فيتوجه إلى الموقف ويضحي ضحية العيد كما هي العادة ويحضر هناك لتأدية السنة وفي بعض السنين أكثر من عشرين ألف شخص في أوائل ذي الحجة ومعهم أبناؤهم كذلك يأتي لزيارة بيت المقدس من ديار الروم كثير من النصارى واليهود وذلك لزيارة الكنيسة والكنيش هناك وهناك كنيسة عظيمة سيأتي وصفها في مكانه وسواد ورساتيق بيت المقدس جبلية كلها والزراعة وأشجار الزيتون والتين وغيرها تنبت كلها بغير ماء والخيرات بها كثيرة ورخيصة وفيها أرباب عائلات يملك الواحد منهم خمسين ألف من من زيت الزيتون يحفظونها في الآبار والأحواض ويصدرونها إلى أطراف العالم ويقال إنه لا يحدث قحط في بلاد الشام وسمعت من ثقات إن وليا رأى النبي عليه السلام في المنام فقال له ساعدنا في معاشنا يا رسول الله فأجابه النبي عليه السلام على خبز الشام وزيته . والإن أصف مدينة بيت المقدس.
    وصف بيت المقدس
    هي مدينة مشيدة على قمة الجبل ليس بها ماء غير الأمطار ورساتيقها ذات عيون والمدينة محاطة بسور حصين من الحجر والجص وعليها بوابات حديدية وليس بقربها أشجار قط فإنها على رأس صخر وهي مدينة كبير كان بها في ذلك الوقت عشرون ألف رجل وبها أسواق جميلة وأبنية عالية وكل أرضها مبلطة بالحجارة وقد سووا الجهات الجبلية والمرتفعات وجعلوها مسطحة بحيث تغسل الأرض كلها وتنظف حين تنزل الأمطار وفي المدينة صناع كثيرون لكل جماعة منهم سوق خاصة والجامع شرقي المدينة وسوره هو سورها الشرقي وبعد الجامع سهل كبير مستو يسمى الساهرة يقال أنه سيكون ساحة القيامة والحشر ولهذا يحضر إليه خلق كثيرون من أطراف العالم ويقيمون به حتى يموتوا فإذا جاء وعد الله كانوا بأرض الميعاد اللهم عفوك ورحمتك بعبيدك ذلك اليوم آمين يا رب العالمين وعلى حافة هذا السهل قرافة عظيمة ومقابر كثير من الصالحين يصلي بها الناس ويرفعون بالدعاء أيديهم فيقضي الله حاجاتهم " اللهم تقبل حاجاتنا واغفر ذنوبنا وسيئاتنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين " وبين الجامع وسهل الساهرة واد عظيم الانخفاض كأنه خندق وبه أبنية كثيرة على نسق أبنية الأقدمين ورأيت قبة من الحجر المنحوت مقامة على بيت لم أر عجب منها حتى إن الناظر إليها ليسأل نفسه كيف رفعت في مكانها ويقول العامة إنها بيت فرعون واسم هذا الوادي وادي جهنم وقد سألت عمن أطلق هذا اللقب عليه فقيل إن عمر رضي الله عنه أنزل جيشه أيام خلافته في سهل الساهرة هذا فلما رأى الوادي قال هذا وادي جهنم ويقول العوام إن من يذهب إلى نهايته يسمع صياح أهل جهنم فإن الصدى يرتفع من هناك وقد ذهبت فلم أسمع شيئاً وحين يسير السائر من المدينة جنوبا مسافة نصف فرسخ وينزل المنحدر يجد عين ماء تنبع من الصخر تسمى عين سلوإن وقد أقيمت عندها عمارات كثيرة ويمر ماء هذا العين بقرية شيدوا فيها عمارات كثيرة وغرسوا بها البساتين ويقال إن من يستحم من ماء هذه العين يشفى مما ألم به من الأوصاب والأمراض المزمنة وقد وقفوا عليها مالاً كثيراً وفي بيت المقدس مستشفى عظيم عليه أوقاف طائلة ويصرف لمرضاه العديدين العلاج والدواء وبه أطباء يأخذون مرتباتهم من الوقف المقرر لهذه المستشفى ومسجد الجمعة على حافة المدينة من الناحية الشرقية وإحدى حوائط المسجد على حافة وادي جهنم وحين ينظر السائر من خارج المسجد يرى الحائط المطل على هذا الوادي يرتفع مائة ذراع من الحجر الكبير الذي لا يفصله عن بعضه ملاط أو جص والحوائط داخل المسجد ذات ارتفاع مستو وقد بني المسجد في هذا المكإن لوجود الصخرة به وهي الصخرة التي أمر الله عز وجل موسى عليه السلام إن يتخذها قبلة فلما قضي هذا الأمر واتخذها موسى قبلة له لم يعمر كثيراً بل عجلت به المنية حتى إذا كانت أيام سليمإن عليه السلام وكانت الصخرة قبلة بنى مسجداً حولها بحيث أصبحت في وسطه وظلت الصخرة قبلة حتى عهد نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام فكإن المصلون يولون وجوههم شطرها إلى إن أمرهم الله تعالى إن يولوا وجوههم شطر الكعبة وسيأتي وصف ذلك في مكانه.
    وقد أردت إن أقيس هذا المسجد ولكني آثرت إن أتقن معرفة هيأته ووضعه أولا ثم أقيسه فلبثت فيه زمنا أمعن النظر فرأيت عند الجانب الشمالي بجوار قبة يعقوب عليه السلام طاقاً مكتوباً على حجر منه إن طول هذا المسجد أربع وخمسون وسبعمائة ذراع وعرضه خمس وخمسون وأربعمائة ذراع وذلك بذراع الملك المسمى في خراسان كزشايكإن وهو أقل قليلاً من ذراع ونصف وأرض المسجد مغطاة بحجارة موثوقة إلى بعضها البعض بالرصاص والمسجد شرقي المدينة والسوق فإذا دخله السائر من السوق فإنه يتجه شرقاً فيرى رواقاً عظيماً جميلاً ارتفاعه ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون وللرواق جناحإن وواجهتاهما وإيوانه منقوشة كلها بالفسيفساء المثبتة بالجص على الصورة التي يريدونها وهي من الدقة بحيث تبهر النظر ويرى على هذا الرواق كتابة منقوشة بالمينا وقد كتب هناك لقب سلطإن مصر فحين تقع الشمس على هذه النقوش يكون لها من الشعاع ما يحير الألباب وفوق الرواق قبة كبيرة من الحجر المصقول وله بابإن مزخرفإن وواجهتاهما من النحاس الدمشقي الذي يلمع حتى لتظن أنهما طليا بالذهب وقد طعما بالذهب وحليا بالنقوش الكثيرة وطول كل منهما خمس عشرة ذراعاً وعرضه ثمإن ويسميإن باب داود عليه السلام وحين يجتاز السائر هذا الباب يجد على اليمين رواقين كبيرين في كل منهما تسعة وعشرون عموداً من الرخام تيجانها وقواعدها مزينة بالرخام الملون ووصلاتها مثبتة بالرصاص وعلى تيجإن الأعمدة طيقإن حجرية وهي مقامة فوق بعضها بغير ملاط وجص لا يزيد عدد حجارة الطاق منها على أربع أو خمس قطع وهذإن الرواقإن ممتدإن إلى المقصورة ثم يجد على اليسار وهو ناحية الشمال رواقاً طويلاً به أربعة وستون طاقاً كلها على تيجإن أعمدة من رخام وعلى هذا الحائط نفسه باب آخر اسمه باب السقر وطول المسجد من الشمال إلى الجنوب وهو ساحة مربعة إذا اقتطعت المقصورة منه والقبلة في الجنوب وعلى الجانب الشمالي بابإن آخرإن متجاورإن عرض كل منهما سبع أذرع وارتفاعه اثنتي عشرة ذراعاً ويسميإن باب الأسباط فإذا اجتازه السائر وذهب مع عرض المسجد الذي هو جهة المشرق يجد رواقاً أخراً عظيماً كبيراً به ثلاثة أبواب متجاورة في حجم باب الأسباط وكلها مزينة بزخارف من الحديد والنحاس قل ما هو أجمل منها تسمى باب الأبواب لإن للمواضع الأخرى بابين وله ثلاثة وبين هذين الرواقين الواقعين على الجانب الشمالي في الرواق ذي الطيقإن المحملة على أعمدة الرخام قبة رفعت على دعائم عالية وزينت بالقناديل والمسارج تسمى قبة يعقوب عليه السلام لأنه كان يصلي هناك وفي عرض المسجد رواق في حائطة باب خارجه صومعتإن للصوفية وهناك مصليات ومحاريب جميلة يقيم بها جماعة منهم ويصلون ولا يذهبون للجامع إلا يوم الجمعة لأنهم لا يسمعون التكبير حيث يقيمون.
    وعند الركن الشمالي للمسجد رواق جميل وقبة جميلة لطيفة مكتوب عليها هذا محراب زكريا النبي عليه السلام ويقال إنه كان يصلي هناك دائماً وعند الحائط الشرقي وسط الجامع رواق عظيم الزخرف من الحجر المصقول حتى تظن إنه نحت من قطعة واحدة ارتفاعه خمسون ذراعاً وعرضه ثلاثون عليه نقوش ونقر وله بابإن جميلإن لا يفصلهما أكثر من قدم واحدة وعليهما زخارف كثيرة من الحديد والنحاس الدمشقي وقد دق عليهما الحلق والمسامير ويقال إن سليمإن بن داود عليه السلام بنى هذا الرواق لأبيه .
    وحين يدخل السائر هذا الرواق متجهاً ناحية الشرق فالأيمن من هذين البابين هو باب الرحمة والإيسر باب التوبة ويقال إن هذا الباب هو الذي قبل الله تعالى عنده توبة داود عليه السلام وعلى هذا الرواق مسجد جميل كان في وقت ما دهليزاً فصيروه جامعاً وزينوه بأنواع السجاد وله خدم مخصصون ويذهب إليه كثير من الناس ويصلون فيه ويدعون الله تبارك و تعالى فإنه في هذا المكإن قبل توبة داود وكل إنسان هناك يأمل في التوبة والرجوع عن المعاصي ويقال إن داود عليه السلام لم يكد يطأ عتبة هذا المسجد حتى بشره الوحي بإن الله سبحانه تعالى قد قبل توبته فاتخذ هذا المكإن مقاماً وانصرف إلى العبادة وقد صليت أنا ناصر في هذا المقام ودعوت الله تعالى إن يوفقني لطاعته وإن يغفر ذنبي الله سبحانه و تعالى يهدي عباده جميعاً لما يرضاه ويغفر لهم ذنوبهم بحق محمد وآله الطاهرين.
    وحين يمضي السائر بحذاء الجدار الشرقي إلى إن يبلغ الزاوية الجنوبية عند القبلة التي تقع على الضلع الجنوبي يجد أمام الحائط الشمالي مسجداً بهيئة السرداب ينزل إليه بدرجات كثيرة مساحته عشرون ذراعاً في خمس عشرة وسقفه من الحجر مرفوع على أعمدة الرخام وبهذا السرداب مهد عيسى عليه السلام وهو من الحجر حجمه كبير بحيث يصلي عليه الناس وقد صليت هناك وقد أحكم وضعه في الأرض حتى لا يتحرك وهو المهد الذي أمضى فيه عيسى طفولته وكلم الناس منه وهو في المسجد مكإن المحراب وفي الجانب الشرقي من هذا المسجد محراب مريم عليها السلام وبه محراب آخر لزكريا عليه السلام وعلى هذين المحرابين آيات القرإن التي نزلت في حق زكريا ومريم ويقال إن عيسى عليه السلام ولد بهذا المسجد وعلى حجر من عمده نقش أصبعين كان شخصاً أمسكه ويقال إن مريم أمسكته بأصبعيها وهي تلد ويعرف هذا المسجد بمهد عيسى عليه السلام وبه قناديل كثيرة من النحاس والفضة توقد كل مساءز حين يخرج السائر من هذا المسجد متبعاً الحائط الشرقي يجد عندما يبلغ زاوية المسجد الكبير مسجداً آخر عظيماً جداً أكبر مرتين من مسجد مهد عيسى يسمى المسجد الأقصى وهو الذي أسرى الله عز وجل بالمصطفى صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من مكة إليه ومنه صعد إلى السماء كما جاء في القرآن" سبحإن الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" وقد بنوا به أبنية غاية في الزخرف وفرش بالسجاد الفاخر ويقوم عليه خدم مخصصون يعملون به دواماً.
    وحين يعود السائر إلى الحائط الجنوبي على مائتي ذراع من تلك الزاوية لا يجد سقفاً وهناك ساحة المسجد وأما الجزء المسقوف من المسجد الكبير والذي به المقصورة فيقع عند الحائطين الجنوبي والغربي وطول هذا الجزء عشرون وأربعمائة ذراع وعرضه خمسون ومائة ذراع وبه ثمانون ومائتا عمود من الرخام على تيجانها طيقإن من الحجارة وقد نقشت تيجإن الأعمدة وهياكلها وثبتت الوصلات فيها بالرصاص في منتهى الإحكام وبين كل عمودين ست أذرع مغطاة بالرخام الملون الملبس بشقاق الرصاص والمقصورة في وسط الحائط الجنوبي وهي كبيرة جداً تتسع لستة عشر عموداً وعليها قبة عظيمة جداً منقوشة بالميناء على نسق ما وصفت وهي مفروشة بالحصير المغربي وبها قناديل ومسارج معلقة بالسلاسل ومتباعد بعضها عن بعض وبها محراب كبير منقوش بالميناء وعلى جانبيه عمودإن من الرخام لونهما كالعقيق الأحمر وإزار المقصورة كله من الرخام الملون وعلى يمينه محراب معاوية وعلى يساره محراب عمر رضي الله عنه وسقف هذا المسجد مغطى بالخشب المنقوش المحلى بالزخارف وعلى باب المقصورة وحائطها المطلإن على الساحة خمسة عشر رواقاً عليها أبواب مزخرفة ارتفاع كل منها عشرة أذرع وعرضه ست عشرة من هذه الأبواب تفتح على الجدار الذي طوله عشرون وأربعمائة ذراع وخمسة منها على الجدار الذي طوله خمسون ومائة ذراع وقد زين باب منها غاية الزينة وهو من الحسن بحيث تظن أنه من ذهب وقد نقش بالفضة وكتب عليه اسم الخليفة المأمون ويقال انه هو الذي أرسله من بغداد وحين تفتح الأبواب كلها ينير المسجد حتى لتظن أنه ساحة مكشوفة أما حين تعصف الريح وتمطر السماء وتغلق الأبواب فإن النور ينبعث للمسجد من الكوات وعلى الجوانب الأربعة من الحرم المسقوف صناديق من مدن الشام والعراق يجلس بجانبها المجاورون كما هو الحال في المسجد الحرام بمكة شرفها الله تعالى .
    وخارج هذا الحرم عند الحائط الكبير الذي مر ذكره رواق به أثنإن وأربعون طاقاً وكل أعمدته من الرخام الملون وهذا الرواق متصل بالرواق المغربي .
    وتحت الأرض في الحرم المسقوف حوض جعل بحيث يكون في مستوى الأرض حين يغطى وقد بنى لتجمع فيه مياه المطر وعلى الحائط الجنوبي باب يؤدي إلى ميضأة يذهب إليها من يحتاج إلى الوضوء فيجدده وذلك لأنه لا يلحق الصلاة إذا هو خرج من المسجد ليتوضأ إذ إن أكبر المسجد يفوت عليه الصلاة إذا اجتازه وكل الأسقف ملبسة بالرصاص، وقد حفرت في ارض المسجد أحواض وصهاريج كثيرة فإن المسجد مشيد كله على صخرة فمهما يهطل من المطر لا يذهب خارج الأحواض ولا يضيع سدى بل ينصرف إلى الأحواض وينتفع به الناس وهناك ميازيب من الرصاص ينزل منها الماء إلى أحواض حجرية تحتها وقد ثقبت هذه الأحواض ليخرج منها الماء ويصب في الصهاريج بواسطة قنوات بينها غير ملوث أو عفن وقد رأيت على ثلاثة فراسخ من المدينة صهريجاً كبيراً تنحدر إليه المياه من الجبل وتتجمع فيه وقد أوصلوه بقناة إلى مسجد المدينة حيث يوجد أكبر مقدار من مياه المدينة وفي المنازل كلها أحواض لجمع ماء المطر إذ لا يوجد غيره هناك ويجمع كل إنسان ما على سطح بيته من مياه فإن ماء المطر هو الذي يستعمل في الحمامات وغيرها.
    والأحواض التي بالمسجد لا تحتاج إلى عمارة أبداً لأنها من الحجر الصلب فإذا حدث بها شق أو ثقب أحكم إصلاحه حتى لا تتخرب ويقال إن سليمإن عليه السلام هو الذي عمل هذه الأحواض وقد جعل القسم الأعلى منها على هيئة التنور وعلى رأس كل حوض غطاء من حجر حتى لا يسقط فيه شيء وماء هذه المدينة أعذب وأنقى من أي ماء آخر وتستمر الميازيب في قطر المياه يومين أو ثلاثة ولو كان المطر قليلاً إلى إن يصفو الجو وتزول آثاره السيئة وحينئذ يبدأ المطر.
    قلت إن مدينة بيت المقدس تقع على قمة جبل وإن أرضها غير مستوية أما المسجد فأرضه مستوية فخارج المسجد حيثما تكون الأرض منخفضة يرتفع حائطه إذ يكون أساسه في أرض واطئة وحيثما تكون الأرض مرتفعة يقصر الجدار وفي الجهات الواطئة من أحياء المدينة فتحوا في المسجد أبواباً كأنها نقب تؤدي لساحته ومن هذه الأبواب باب يسمى باب النبي عليه الصلاة والسلام وهو بجانب القبلة اي في الجنوب وقد عمل بحيث يكون عرضه عشرة أذرع وأما ارتفاعه فيتفاوت حسب المكان فهو في مكإن خمس أذرع أي علو سقف هذا الممر وفي مكان آخر عشرون والجزء المسقوف من المسجد الأقصى مشيد فوق هذا الممر وهو محكم بحيث يحتمل إن يقام فوقه بناء بهذه العظمة من غير إن يؤثر فيه قط وقد استخدمت في بنائه حجارة لا يصدق العقل كيف استطاعت قوة البشر نقلها واستخدامها ويقال إن سليمإن بن داود عليه السلام هو الذي بناه وقد دخل فيه نبينا عليه الصلوات والسلام إلى المسجد ليلة المعراج وهذا الباب على جانب طريق مكة.
    وعلى الحائط بقرب هذا الباب نقش دقيق لمجن كبير يقال إن حمزة بن عبد المطلب عم النبي عليه السلام كان جالساً هناك وعلى كتفه المجن وظهره مسند إلى الحائط وإن هذا نقش مجنه.
    وعند بوابة المسجد حديث هذا الممر الذي عليه باب ذو مصراعين يبلغ ارتفاع الجدار من الخارج ما يقرب من خمسين ذراعاً وقد قصد بهذا الباب إن يدخل منه سكان المحلة المجاورة لهذا الضلع من المسجد فلا يلجأون إلى الذهاب لمحلة أخرى حين يريدون دخوله وعلى الحائط الذي يقع يمين الباب حجر ارتفاعه خمس عشرة ذراعاً وعرضه أربع أذرع فليس في المسجد حجر أكبر منه وفي الحائط على ارتفاع ثلاثين أو أربعين ذراعاً من الأرض كثير من الحجارة التي تبلغ حجمها أربع أذرع أو خمس.
    وفي عرض المسجد باب شرقي يسمى باب العين إذا خرجوا منه نزلوا منحدراً فيه عين سلوإن وهناك أيضاً باب تحت الأرض يسمى الحطة يقال إنه هو الباب الذي أمر الله عز وجل بني إسرائيل أن يدخلوا منه إلى المسجد قوله تعالى" وأدخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين" وهناك باب آخر يسمونه باب السكينة في دهليزه مسجد به محاريب كثيرة باب أولها مغلق حتى لا يلجه أحد ويقال إن هناك تابوت السكينة الذي ذكره الله تبارك و تعالى في القرآن والذي حمله الملائكة وأبواب بيت المقدس ما تحت الأرض وما فوقها تسعة أبواب كما ذكرت.
    وصف الدكة التي بوسط ساحة المسجد
    والصخرة التي كانت قبلة الإسلام أقيمت هذه الدكة في وسط المساحة لأنه لم يتيسر نقل الصخرة إلى الجزء المسقوف من المسجد لعلوها وهي تظل مساحة من الأرض مقدارها ثلاثون وثلاثمائة ذراع في ثلاثمائة وارتفاعها اثنتي عشرة ذراعاً وصحنها مستو ومزخرف بالرخام الملبس بوصلات الرصاص وعلى جوانبها الأربعة ألواح الرخام كما يعمل في المقابر وهي مبينة بحيث لا يستطيع أحد الصعود عليها من غير المراقي المخصصة لهذا الأمر ويشرف من يصعد عليها على سقف الجامع وقد حفر في أرضها في الوسط حوض يصب فيه مياه المطر بواسطة قنوات أعدت لذلك وماء هذا الحوض أنقى وأعذب من كل ماء في الجامع وعلى هذه الدكة أربع قباب أكبرها قبة الصخرة التي كانت القبلة.
    وصف قبة الصخرة
    بني المسجد بحيث تكون الدكة في وسط الساحة وقبة الصخرة في وسط الدكة والصخرة وسط القبة وقبة الصخرة بيت مثمن منظم كل ضلع من أضلاعه الثمانية ثلاث وثلاثون ذراعاً وله أربعة أبواب على الجهات الأربع الأصلية باب شرقي وآخر غربي وثالث شمالي ورابع جنوبي وبين كل بابين ضلع وجميع الحوائط من الحجر المنحوت وارتفاعها عشرون ذراعاً ومحيط الصخرة مائة ذراع وهي غير منتظمة الشكل لا هي مدورة ولا مربعة ولكنها حجر غير منتظم كحجارة الجبل وقد بنوا على جوانب الصخرة الأربعة أربعة دعائم مربعة بارتفاع حائط البيت المذكور وبين كل دعامتين على الجوانب الأربعة عمودإن أسطوانيإن من الرخام بنفس الارتفاع وعلى قمة تلك الدعائم وهذه الأعمدة الأثني عشر بنوا القبة التي تحتها الصخرة والتي يبلغ محيطها مائة وعشرين ذراعاً.
    وبين حائط هذا البناء والدعائم والأعمدة أسمي المربعة المبنية ستون دعامة والمنحوتة المستديرة التي من حجر واحد اسطوانة عموداً ثمإن دعائم أخرى مبنية من الحجارة المنحوتة وبين كل اثنتين منهما ثلاثة أعمدة من الرخام الملون على أبعاد متساوية بحيث يكون في الصف الأول عمودإن بين كل دعامتين ويكون هنا ثلاثة أعمدة بين كل دعامتين وعلى تاج كل دعامة أربعة عقود على كل عقد طاق وعلى كل عمود عقدإن فوق كل منها طاق وهكذا يكون على العمود متكأ لطاقين وعلى الدعامة متكأ لأربعة فكانت هذه القبة العظيمة في ذلك الوقت مرتكزة على هذه الدعامات الاثنتي عشرة المحيطة بالصخرة فتراها على بعد فرسخ كأنها قمة جبل لأنها من أساسها إلى قمتها ثلاثون ذراعاً وهي تستند إلى أعمدة ودعامات ارتفاعها عشرون ذراعاً وقبة الصخرة مشيدة على بيت ارتفاعه اثنتا عشرة ذراعاً وإذا فمن ساحة المسجد إلى رأس القبة اثنتإن وستون ذراعاً.
    وسقوف هذه الدكة وقبابها مكسوة بالنجارة وكذلك الدعائم والعمد والحوائط وذلك بدقة قل نظيرها والصخرة أعلى من الأرض بمقدار قامة رجل وقد أحيطت بسياج من الرخام حتى لا تصل يد إليها.
    والصخرة حجر أزرق لونه لم يطأها أحد برجله أبداً وفي ناحيتها المواجهة للقبلة انخفاض كان إنساناً سار عليها فبدت آثار قدمه فيها كما تبدو على الطين الطري فإن آثار أصابع قدميه باقية عليها وقد بقيت عليها آثار سبع أقدام وسمعت إن إبراهيم عليه السلام كان هناك كان اسماعيل طفلاً فمشى عليها وهذه هي آثار قدمه ويقيم في بيت الصخرة هذا جماعة من المجاورين والعابدين وقد زينت أرضه بالسجاد الجميل من الحرير وغيره وفي وسطه قنديل من الفضة معلق بسلسلة فضية فوق الصخرة وهناك قناديل كثيرة من فضة كتب عليها " أمر بصنعها سلطإن مصر ".
    ورأيت هناك أيضاً شمعة كبيرة جداً طولها سبع أذرع وقطرها ثلاثة أشبار لونها كالكافور الزباجي وشمعها مخلوط بالعنبر ويقال إن سلطإن مصر يرسل هناك كل سنة كثيراً من الشمع منه هذه الشمعة الكبيرة ويكتب عليها اسمه بالذهب وهذا المسجد هو ثالث بيوت الله سبحانه و تعالى والمعروف عند علماء الدين إن كل صلاة في بيت المقدس تساوي خمسة وعشرين ألف صلاة وكل صلاة في مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام تعد بخمسين ألف صلاة وإن صلاة مكة المعظمة شرفها الله تعالى تساوي مائة ألف صلاة وفق الله عز وجل عباده جميعا لهذا الثواب.
    وقد قلت إن أسقف وظهور القباب ملبسة بالرصاص وعلى جوانب البيت الأربعة أبواب كبيرة مصاريعها من خشب الساج وهي مقفلة دائما وبعد قبة الصخرة قبة تسمى قبة السلسلة وهي السلسلة التي علقها داود عليه السلام والتي لا تصل إليها إلا يد صاحب الحق أما يد الظالم والغاصب فلا تبلغها وهذا المعنى مشهور عند العلماء وهذه القبة محمولة على رأس ثمانية أعمدة من الرخام وست دعائم من الحجر وهي مفتوحة من جميع الجوانب عدا جانب القبلة فهو مسدود حتى نهايته وقد نصب عليه محراب جميل.
    وعلى هذه الدكة أيضاً قبة أخرى مقامة على أربعة أعمدة من الرخام وهي مغلقة من ناحية القبلة أيضاً حيث بني محراب جميل وتسمى هذه القبة قبة جبريل عليه السلام وليس فيها فرش بل إن أرضها من حجر سووه. ويقال إن هناك أعد البراق ليركبه النبي عليه السلام ليلة المعراج وبعد قبة جبريل قبة أخرى يقال لها قبة الرسول عليه الصلاة والسلام وبينهما عشرون ذراعاً وهي مقامة على أربع دعائم من الرخام أيضاً ويقال إن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى ليلة المعراج في قبة الصخرة أولاً ثم وضع يده على الصخرة فلما خرج وقفت لجلاله فوضع الرسول عليه الصلاة السلام يده عليها لتعود إلى مكانها وتستقر وهي بعد نصف معلقة وقد ذهب الرسول عليه السلام من هناك إلى القبة التي تنتسب إليه وركب البراق وهذا سبب تعظيمها.
    وتحت الصخرة غار كبير يضاء دائماً بالشمع ويقال انه حين قامت الصخرة خلا ما تحتها فلما استقرت بقي هذا الجزء كما كان.
    وصف المراقي المؤدية إلى الدكة التي بساحة الجامع
    يسار إلى هذه الدكة من ستة مواضع لكل منها اسم فبجانب القبلة طريقإن يصعد فيهما على درجات فإذا وقفت في وسط ضلع الدكة وجدت أحدهما على اليمين والثاني على اليسار والذي على اليمين يسمى مقام النبي عليه السلام والذي على اليسار يسمى مقام الغورى وسمي الأول مقام النبي لإن النبي عليه الصلاة والسلام صعد على درجاته إلى الدكة ليلة المعراج ودخل إلى قبة الصخرة ويقع طريق الحجاز على هذا الجانب وعرض درجاته اليوم عشرون ذراعاً وهي من الحجر المنحوت المنتظم وكل درجة قطعة أو قطعتان من الحجر المربع وهي معدة بحيث يستطيع الزائر الصعود عليها راكباً وعلى قمة هذه الدرجات أربعة أعمدة من الرخام الأخضر الذي يشبه الزمرد لولا إن به نقطاً كثيرة من كل لون ويبلغ ارتفاع كل عمود منها عشرة أذرع وقطره بقدر ما يحتضن رجلان وعلى رأس هذه الأعمدة الأربعة ثلاثة طيقان أحدها مقابل للباب والآخران على جانبيه وسطح الطيقان أفقي من فوقه شرفات بحيث يبدو مربعاً وهذه العمد والطيقان منقوشة كلها بالذهب وبالمينا ليس أجمل منها ودرابزين الدكة كله من الرخام الأخضر المنقط حتى لتقول إن عليه روضة ورد ناضر.
    وقد أعد مقام الغوري بحيث تكون ثلاثة سلالم على موضع واحد أحدها محاذ للدكة والآخرإن على جانبيها حتى يستطاع الصعود من ثلاثة أماكن ومن فوق هذه السلالم الثلاثة أعمدة عليها طريقإن وشرفة والدرجات بالوصف الذي ذكرت من الحجر المنحوت كل درجة قطعتإن أو ثلاث من الحجر المستطيل وكتب بخط جميل بالذهب على ظاهر الإيوان أمر به الأمير ليث الدولة نوشتكين الغوري ويقال إنه كان تابعاً لسلطان مصر وهو الذي أنشأ هذه الطرق والمراقي.
    وعلى الجانب الغربي للدكة سلمان في ناحيتين منها وهناك طريق عظيم مشابه لما ذكرت وكذلك في الجانب الشرقي طريق عظيم مماثل عليه أعمدة فوقها طيقإن وشرفة يسمى المقام الشرقي وعلى الجانب الشمالي طريق أكثر علواً وأكبر منها كلها به أعمدة فوقها طيقان يسمى المقام الشامي وأظن أنهم صرفوا على هذه الطرق الستة مائة ألف دينار.
    وفي الجانب الشمالي لساحة المسجد لا على الدكة بناء به كأنه مسجد صغير يشبه الحظيرة وهو من الحجر المنحوت يزيد ارتفاع حوائطه على قامة رجل ويسمى محراب داود وبالقرب منه حجر غير مستو يبلغ قامة رجل وقمته تتيح وضع حصيرة صلاة صغيرة عليها ويقال إنه كرسي سليمإن عليه السلام الذي كان يجلس عليه أثناء بنا المسجد .
    هذا ما رأيت في جامع بيت المقدس قد صورته وضممته إلى مذكراتي ومن النوادر التي رأيتها في بيت المقدس شجرة الحور.
    بعد الفراغ من زيارة بيت المقدس عزمت على زيارة مشهد إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام في يوم الأربعاء غرة ذي القعدة سنة إبريل سنة 1047 والمسافة بينهما ستة فراسخ عن طريق جنوبي به قرى كثيرة وزرع وحدائق وشجر بري لا يحصى من عنب وتين وزيتون وسماق وعلى فرسخين من بيت المقدس أربع قرى بها عين وحدائق وبساتين كثيرة تسمى الفراديس لجمال موقعها وعلى فرسخ واحد من بيت المقدس مكان للنصارى يعظمونه كثيراً يقيم بجانبه مجاورون دائماً ويحج إليه كثيرون اسمه بيت اللحم وهناك يقدم النصارى القرابين ويقصده الحجاج من بلاد الروم وقد بلغته مساء اليوم الذي قمت فيه من بيت المقدس.
    وصف قبر الخليل صلوات الله عليه
    يسمى أهل الشام وبيت المقدس هذا المشهد الخليل ولا يذكرون اسم القرية التي هو فيها قرية مطلون وهي موقوفة عليه مع قرى كثيرة وفي هذه القرية عين ماء تخرج من الصخر يتفجر ماؤها رويداً رويداً وهو ينقل من مسافة بعيدة بواسطة قناة إلى خارج القرية حيث بنى حوض مغطى يصب فيه الماء فلا يذهب هباء حتى يفي بحاجة أهل القرية وغيرهم من الزائرين.
    والمشهد على حافة القرية من ناحية الجنوب وهي في الجنوب الشرقي والمشهد يتكون من بناء ذي أربع حوائط من الحجر المصقول طوله ثمانون ذراعاً وعرضه أربعون وارتفاعه عشرون وثخانة حوائطه ذراعإن وبه مقصورة ومحراب في عرض البناء وبالمقصورة محاريب جميلة بها قبرإن رأسهما للقبلة وكلاهما من الحجر المصقول بارتفاع قامة الرجل الأيمن قبر اسحق بن إبراهيم والآخر قبر زوجه عليها السلام وبينهما عشرة أذرع وأرض هذا المشهد وجدرانه مزينة بالسجاجيد القيمة والحصر المغربية التي تفوق الديباج حسنا وقد رأيت هناك حصير صلاة قيل أرسلها أمير الجيوش وهو تابع لسلطإن مصر وقد اشتريت من مصر بثلاثين دينارا من الذهب المغربي ولو كانت من الديباج الرومي لما بلغت هذا الثمن ولم أر مثلها في مكان قط.
    حين يخرج السائر من المقصورة إلى وسط ساحة المشهد يجد مشهدين أمام القبلة الأيمن به قبر إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وهو مشهد كبير ومن داخله مشهد آخر لا يستطاع الطواف حوله ولكن له أربع نوافذ يرى منها فيراه الزائرون وهو يطوفون حول المشهد الكبير وقد كسيت أرضه وجدرانه ببسط من الديباج والقبر من الحجر ارتفاعه ثلاث أذرع وعلق به كثير من القناديل والمصابيح الفضية .
    والمشهد الثاني الذي على يسار القبلة به قبر سارة زوج إبراهيم عليه السلام وبين القبرين ممر عليه باباهما وهو كالدهليز وبه كثير من القناديل والمسارج .
    وبعد هذين المشهدين قبران متجاوران الأيمن قبر النبي يعقوب عليه السلام والأيسر قبر زوجه وبعدهما المنازل التي اتخذها إبراهيم للضيافة وبها ستة قبور.
    وخارج الجدران الأربعة منحدر به قبر يوسف بن يعقوب عليه السلام وهو من حجر وعليه قبة جميلة وعلى جانب الصحراء بين قبر يوسف ومشهد الخليل عليهما السلام قرافة كبيرة يدفن بها الموتى من جهات عديدة وعلى سطح المقصورة التي في المشهد حجرات للضيوف الوافدين وقد وقف عليها أوقاف كثيرة من القرى ومستغلات بيت المقدس.
    وأغلب الزراعة هناك الشعير والقمح قليل والزيتون كثير ويعطون الضيوف والمسافرين والزائرين الخبز والزيتون وهناك طواحين كثيرة تديرها البغال والثيران لطحن الدقيق وبالمضيفة خادمات يخبزن طول اليوم ويزن رغيفهم منا واحداً ويعطي من يصل هناك رغيفاً مستديراً وطبقاً من العدس المطبوخ بالزيت وزبيباً كل يوم وهذه عادة بقيت من أيام خليل الرحمن عليه السلام حتى الساعة وفي بعض الأيام يبلغ عدد المسافرين خمسمائة فتهيأ الضيافة لهم جميعاً.
    ويقال إنه لم يكن لهذا المشهد باب كان دخوله مستحيلاً بل كان الناس يزورونه من الايوان في الخارج فلما جلس المهدي على عرش مصر أمر بفتح باب فيه وزينه وفرشه بالسجاجيد وأدخل على عمارته اصلاحاً كثيراً وباب المشهد وسط الحائط الشمالي على أرتفاع أربع أذرع فوق الأرض وعلى جانبيه درجات من الحجر فيصعد إليه من جانب ويكون النزول من الجانب الثاني ووضع هناك باب صغير من الحديد .
    ثم رجعت إلى بيت المقدس ومن هناك سرت ماشيا مع جماعة تقصد الحجاز كان دليلنا رجلاً اسمه أبو بكر الهمداني وهو رجل جلد يقدر على المشي وجهه جميل غادرت بيت المقدس في منتصف ذي القعدة سنة 437 أول مايو1047 وبعد ثلاثة أيام بلغت جهة تسمى أعز القرى بها ماء جار وأشجار ثم بلغنا منزلاً آخر يسمى وادي القرى ومن بعده نزلنا مكانا ثالثا ثم بلغنا مكة بعد عشرة أيام لم تحضر لمكة قافلة من أي بلد في هذه السنة وشح الطعام وقد نزلت في سكة العطارين أمام باب النبي عليه السلام وفي يوم الاثنين طلعت عرفات كان الناس مملوئين رعباً من العرب ولما عدت من عرفات لبثت بمكة يومين ثم رجعت إلى بيت المقدس عن طريق الشام.
    وبلغنا المقدس في الخامس من المحرم سنة 339 يوليو1037 ولا أذكر هنا وصف مكة والحج سأذكر ذلك عند الكلام على الحجة الأخيرة.
    كنيسة بيعة القيامة
    وللنصارى في بيت المقدس كنيسة يسمونها بيعة القمامة لها عندهم مكانة عظيمة ويحج إليها كل سنة كثير من بلاد الروم ويزورها ملك الروم متخفيا حتى لا يعرفه الناس وقد زارها أيام عزيز مصر الحاكم بأمر الله فبلغ ذلك الحاكم فأرسل إليه أحد حراسه بعد إن عرفه إن رجلاً بهذه الحلية والصورة يجلس في كنيسة بيت المقدس وقال له اذهب عنده وقل له إن الحاكم أرسلني إليك ويقول لا تحسبني أجهل أمرك ولكن كن آمنا فلن أقصدك بسوء وقد أمر الحاكم هذا بالإغارة على الكنيسة فهدمها وخربها وظلت خربة مدة من الزمان وبعد ذلك بعث القيصر إليه رسلاً وقدم كثيراً من الهدايا والخدمات وطلب الصلح والشفاعة ليؤذن له بإصلاح الكنيسة فقبل الحاكم وأعيد تعميرها.
    وهذه الكنيسة فسيحة تسع ثمانية آلاف رجل وهي عظيمة الزخرف من الرخام الملون والنقوش والصور وهي مزدانة من الداخل بالديباج الرومي والصور وزينت بطلاء من الذهب وفي أماكن كثيرة منها صورة عيسى عليه السلام راكباً حماراً وصور الأنبياء الآخرين مثل إبراهيم وإسحق ويعقوب وأبنائهم عليهم السلام وهذه الصور مطلية بزيت السندروس وقد غطى سطح كل صورة بلوح من الزجاج الشفاف على قدها بحيث لا يحجب منها شيء وذلك حتى لا يصل الغبار إليها وينظف الخدم هذا الزجاج كل يوم وهناك عدا ذلك عدة مواضع أخرى كلها مزينة ولو وصفتها لطالت كتابتي وفي هذه الكنيسة لوحة مقسمة إلى قسمين وعملا لوصف الجنة والنار فنصف يصف الجنة وأهلها ونصف يصف النار وأهلها ومن يبقى فيها وليس لهذه الكنيسة نظير في أي جهة من العالم ويقيم بها كثير من القس والرهبان يقرأون الإنجيل ويصلون ويشتغلون بالعبادة ليل نهار.

    الوصول الى مدينة بيت المقدس ووصفها Fasel10

    سفر نامه
    تأليف : ناصر خسرو
    منتدى توتة وحدوتة - البوابة
    الوصول الى مدينة بيت المقدس ووصفها E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 1 نوفمبر 2024 - 15:37