بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة الثقافة الأدبية أخبار الحمقى والمغفلين
● [ الباب الثامن ] ● في ذكر اخبار من ضرب المثل بحمقه وتغفيله
هؤلاء ينقسمون إلى رجال ونساء فمنهم هبنقة واسمه يزيد بن ثروان ويقال ابن مروان أحد بني قيس ابن ثعلبة ومن حمقه انه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظام وخزف وقال أخشى أن أضل نفسي ففعلت ذلك لاعرفها به فحولت القلادة ذات ليلة من عنقه لعنق أخيه فلما أصبح قال يا أخي أنت أنا فمن أنا وأضل بعيرا فجعل ينادى من وجده فهو له فقيل له فلم تنشده قال فأين حلاوة الوجدان وفي رواية من وجده فله عشرة فقيل له لم فعلت هذا قال للوجدان حلاوة في القلب واختصمت طفاوة وبنو راسب في رجل ادعى كل فريق انه في عرافتهم فقال هبنقة حكمه أن يلقى في الماء فان طفا فهو من طفاوة وإن رسب فهو من راسب فقال الرجل إن كان الحكم هذا فقد زهدت في الديوان وكانوا إذا رعى غنما جعل يختار المراعي للسمان وينحي المهازيل ويقول لا أصلح ما أفسده الله. ومنهم أبو غبشان وهو من خزاعة كان يلي الكعبة فاجتمع مع قصى بن كلاب بالطائف على الشرب فلما سكر اشترى منه قصي ولاية البيت بزق خمر وأخذ منه مفاتيحه وسار بها إلى مكة وقال يا معشر قريش هذه مفاتيح بيت أبيكم اسماعيل ردها الله عليكم من غير غدر ولا ظلم وأفاق أبو غبشان فندم فقيل أندم من أبي غبشان وأخسر من أبي غبشان وأحمق من أبي غبشان قال بعضهم باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت بزق خمر فبئست صفقة البادي باعت سدانتها بالخمر وانقرضت عن المقام وضل البيت والنادي ثم جاءت خزاعة فغالبوا قصيا فغلبهم ومنهم شيخ مهو وهي قبيلة من عبد القيس واسمه عبد الله بن بيدرة وكانت إياد تعير بالفسو فقام رجل منهم بعكاظ ومعه بردا حبرة فنادى ألا إنني من إياد فمن يشتري مني عار الفسو ببردي هذين فقام عبد الله بن بيدرة فقال أنا واتزر باحدهما وارتدى بالآخر واشهد الايادي عليه أهل القبائل وانصرف عبد الله إلى قومه فقال جئتكم بعار الابد فلزم العار بذلك عبد القيس. ومنهم عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل من حمقه انه قيل له ما سميت فرسك فقام اليه ففقأ إحدى عينيه وقال سميته الاعور قال العنزي رمتني بنو عجل بداء أبيهم وأي امرىء في الناس أحمق من عجل ألبس أبوهم عار عين جواده فصارت به الامثال تضرب بالجهل ومنهم حمزة بن بيض عن أبي طالب عمر بن ابراهيم انه قال دعا حمزة بن بيض حجاما وكان الحجام ثقيلا كثير الكلام فلما أرهف المشاريط قال له الساعة توجعني قال لا قال فانصرف اليوم قال لا تفعل فانك محتاج إلى إخراج الدم وذلك بين في وجهك وهي سنة نبوية قال انصرف وعد إلي غدا قال لست تدري ما يحدث إلى غد والمشاريط حادة وإنما هي لحظة قال إن كان كما تقول فاعطني فردة بيضة من خصيتك تكون في يدي رأينة إن أوجعتني أوجعتك فقام الحجام وقال أرى أن تدع الحجامة في هذا العام وانصرف عن محمد بن العلاء الكاتب انه قال قال حمزة بن بيض لغلام له أى يوم صلينا الجمعة في الرصافة ففكر الغلام ساعة ثم قال يوم الثلاثاء وقيل لحمزة بن بيض كم تشرب من النبيذ قال أكثر من رطلين شىء. ومنهم أبو أسيد عن محمد بن رجاء قال قال أبو أسيد وحدث بحديث كان ذلك في خلافة المهدي قبل موت المنصور وقال مر على أبي أسيد بعيران فقال قوم كانوا حوله ما أفرههما فقال أبو أسيد أحدهما أفره من الآخر قالوا أيهما أفره قال القدامى أفره من الاول وعزى أبا أسيد رجل عن مصيبته فقال له رزقنا الله مكافأتك وعن محمد بن عبد المطلب قال قال أبو أسيد ونظر الى رجل نائم قم فكم تنام كأنك بعير ناد وقيل لأبي أسيد حدثنا عن ابن عمر فقال كان يحف شاربه حتى يبدو بياض إبطيه. ومنهم جحا ويكنى أبا الغصن وقد روي عنه ما يدل على فطنة وذكاء إلا أن الغالب عليه التغفيل وقد قيل إن بعض من كان يعاديه وضع له حكايات والله اعلم عن مكي بن ابراهيم انه يقول رأيت جحا رجلا كيسا ظريفا وهذا الذي يقال عنه مكذوب عليه وكان له جيران مخنثون يمازحهم ويمازحونه فوضعوا عليه وعن أبي بكر الكلبي انه قال خرجت من البصرة فلما قدمت الكوفة إذا أنا بشيخ جالس فى الشمس فقلت يا شيخ أين منزل الحكم فقال لي وراءك فرجعت إلى خلفي فقال يا سبحان الله أقول لك وراءك وترجل إلى خلفك أخبرني عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا قال بين أيديهم فقلت أبو من قال أبو الغصن فقلت الاسم قال جحا وقد رويت لنا هذه الحكاية على غير هذه الصفة وعن عبادة بن صهيب قال قدمت الكوفة لأسمع من اسماعيل بن خالد فمررت بشيخ جالس فقلت يا شيخ كيف امر إلى منزل اسماعيل بن خالد فقال إلى ورائك فقلت أرجع فقال أقول لك وراءك وترجع فقلت أليس ورائي خلفي قال لا ثم قال حدثني عكرمة عن ابن عباس وكان وراءهم أي بين أيديهم قال قلت بالله من أنت يا شيخ قال أنا حجا قال المصنف وجمهور ما يروى عن حجا تغفيل نذكره كما سمعناه عن أبي الحسن قال رجل لجحا سمعت من داركم صراخا قال سقط قميصي من فوق قال وإذا سقط من فوق قال يا أحمق لو كنت فيه أليس كنت قد وقعت معه وحكى أبو منصور الثعالبي في كتاب غرر النوادر قال تأذى أبو الغصن جحا بالريح مرة فقال يخاطبها ليس يعرفك إلا سليمان بن داود الذي حبسك حتى أكلت خراك وخرج يوما من الحمام في يوم بارد فضربته الريح فمس خصيتيه فاذا احدى بيضته قد تقلصت فرجع الى الحمام وجعل يفتش الناس فقالوا ما لك فقال قد سرقت إحدى بيضتي ثم انه دفىء وحمى فرجعت البيضة فلما وجدها سجد شكرا لله وقال كل شىء لا تأخذه اليد لا يفقد ومات جار له فارسل الى الحفار ليحفر له فجرى بينهما لجاج فى أجرة الحفر فمضى حجا إلى السوق واشترى خشبة بدرهمين وجاء بها فسئل عنها فقال ان الحفار لا يحفر باقل من خمسة دراهم وقد اشترينا هذه الخشبة بدرهمين لنصلبه عليها ونربح ثلاثة دراهم ويستريح من ضغطة القبر ومسألة منكر ونكير وحكي أن جحا تبخر يوما فاحترقت ثيابه فغضب وقال والله لا تبخرت إلا عريانا وهبت يوما ريح شديدة فأقبل الناس يدعون الله ويتوبون فصاح جحا يا قوم لا تعجلوا بالتوبة وإنما هي زوبعة وتسكن وذكر أنه اجتمع على باب دار أبي جحا تراب كثير من هدم وغيره فقال أبوه الآن يلزمني الجيران برمي هذا التراب واحتاج إلى مؤنة وما هو بالذي يصلح لضرب اللبن فما أدري ما أعمل به فقال له جحا إذا ذهب عنك هذا المقدار فليت شعري أي شىء تحسن فقال أبوه فعلمنا أنت ما تصنع به فقال يحفر له آبار ونكبسه فيها واشترى يوما دقيقا وحمله على حمال فهرب بالدقيق فلما كان بعد أيام رآه جحا فاستتر منه فقيل له ما لك فعلت كذا فقال أخاف أن يطلب مني كراه ووجهه أبوه ليشتري رأسا مشويا فاشتراه وجلس قي الطريق فأكل عينيه وأذنيه ولسانه ودماغه وحمل باقيه الى أبيه فقال ويحك ما هذا فقال هو الرأس الذي طلبته قال فأين عيناه قال كان أعمى قال فأين أذناه قال كان أصم قال فاين لسانه قال كان أخرس قال فأين دماغه قال فكان أقرع قال ويحك رده وخذ بدله قال باعه صاحبه بالبراءة من كل عيب وحكي أن جحا دفن دراهم في الصحراء وجعل علامتها سحابة تظلها ومات أبوه فقيل له إذهب واشتر الكفن فقال أخاف أن أشتري الكفن فتفوتني الصلاة عليه وحكي أن المهدي أحضره ليمزح معه فدعا بالنطع والسيف فلما أقعد في النطع قال للسياف أنظر لا تصب محاجمي فاني قد احتجمت ورأوه يوما في السوق يعدوا فقالوا ما شأنك قال هل مرت بكم جارية رجل مخضوب اللحية واجتاز يوما بباب الجامع فقال ما هذا فقيل مسجد الجامع فقال رحم الله جامعا ما أحسن ما بنى مسجده ومر بقوم وفي كمه خوخ فقال من أخبرني بما في كمي فله أكبر خوخة فقالوا خوخ فقال ما قال لكم هذا الا من أمه زانية وسمع قائلا يقول ما أحسن القمر فقال أي والله خاصة فى الليل وقال رجل أتحسن الحساب باصبعك قال نعم قال خذ جريبين حنطة فعقد الخنصر والبنصر فقال له خذ جريبين شعيرا فعقد السبابة والابهام وأقام الوسطى فقال الرجل لم أقمت الوسطى قال لئلا يختلط الحنطة بالشعير ومر يوما بصبيان يلعبون ببازي ميت فاشتراه منهم بدرهم وحمله إلى البيت فقالت أمه ويحك ما تصنع به وهو ميت فقال لها أسكتي فلو كان حيا ما طمعت في شرائه بمائة درهم وخرج أبوه مرة الى مكة فقال له عند وداعه بالله لا تطل غيبتك واجتهد أن تكون عندنا في العيد لأجل الضحية. ومنهم مزبد قال أبو يزيد قيل لمزبد إن فلانا الحفار قد مات فقال ابعده الله من حفر حفرة سوء وقع فيها وقال مزبد لرجل أيسرك أن تعطى ألف درهم وتسقط من فوق البيت قال لا قال مزبد وددت أنها لي وأسقط من فوق الثريا فقال له الرجل ويلك فإذا سقطت مت قال وما يدريك لعلي سقطت في التبانين أو على فرش زبيدة وقيل له أيسرك أن تكون هذه الجبة لك قال نعم وأضرب عشرين سوطا قالوا ولم تقول هذا قال لأنه لا يكون شىء إلا بشيء. ومنهم أزهر الحمار كان جالسا بين يدي الأمير عمرو بن الليث يوما يأكل بطيخا فقال له عمرو كيف طعمه يا أزهر أحلو هو قال ما أكلت الخرا قط وقدم على الأمير عمرو رسول من عند السلطان فأحضر مائدته فقال لأزهر جملنا بسكوتك اليوم فسكت طويلا ثم لم يصبر فقال بنيت في القرية برجا ارتفاعه الف خطوة فأومأ اليه حاجبه أن أسكت فقال له الرسول في عرض كم قال في عرض خطوة فقال له الرسول ما كان ارتفاعه الف خطوة لا يكفي عرضه خطوة قال أردت أن أزيد فيه فمنعني هذا الواقف وقدم رسول آخر فقيل لأزهر لا تتكلم اليوم وتجمل لهذا الرسول فسكت ساعة فعطس الرسول فأراد أزهر أن يشمته فيقول يرحمك الله فقال صبحك الله فقال الأمير أليس قد قدمت اليك أن لا تتكلم فقال أردت أن لا يرجع الرسول إلى بغداد فيقول إن هؤلاء لا يعرفون العربية وقال له الطبيب خذ رمانتين فاعصرهما بشحمهما واشرب ماءهما فعمد إلى رمانتين وقطعة شحم ودقهما في موضع واحد وعصرهما وأخذ ماءهما فشربه. ومنهم أبو محمد جامع الصيدلاني قال علي بن معاذ كتبت إلى جامع الصيدلاني كتابا فكتب جوابه وجعل عنوانه إلى الذي كتب إلي وجاء اليه قوم في أمر حائط فقالوا يا أبا محمد منذ كم تعرف هذا الحائط فقال أعرفه منذ كان وهو صغير لفلان وقيل له يوما كم سنة تعد فقال إحدى وسبعين سنة قيل له فمن تذكر من ولد العباس قال ايتاخ وركب زورقا فأعطى الملاح قطعة فاستزاده فقال مسخني الله ذو أربع قوائم مثلك إن زدتك شيئا ومضى إلى السوق ليشتري لابنه نعلا فقيل له كم سنه فقال لا أدري ولكنه ولد أول ما جاء العنب الداراني ومحمد ابني استودعه الله أكبر منه بشهرين ونصف سنة وكانت له بنت فقيل له كم سنها فقال ما أدري إلا أنها ولدت أيام البراغيث وانبثق كنيف لجامع الصيدلاني فقال لغلامه بادر وأحضر من يصلحه حتى نتغدى به قبل أن يتعشى بنا وحج ابنه في بعض السنين فقال له يا بني أنت تعلم انني لا أصبر عنك فأجهد نفسك أن لا تضحي إلا عندنا فانك تعلم أن أمك لا تأكل شيئا في العيد حتى تجيء من الصلاة. ومنهم أبو عبد الله الجصاص حكي عنه أنه كان يوما يأكل مع الوزير فلما فرغ من الأكل قال الحمد لله الذي لا يحلف بأعظم منه ونظر يوما قي المصحف وجعل يقول رخيص والله وهذا من فضل ربي آكل وأتمتع بدرهم وإذا في المصحف ذرهم يأكلوا ويتمتعوا فصحف ذرهم فظن انه درهم ودخل ابن الجصاص يوما على ابن الفرات الوزير الخاقاني وفي يده بطيخة كافور فاراد أن يعطيها الوزير ويبصق في دجلة فبصق في وجه الوزير ورمى البطيخة في دجلة فارتاع الوزير وانزعج ابن الجصاص وتحير وقال والله العظيم لقد أخطأت وغلطت أردت أن أبصق في وجهك وأرمي البطيخة في دجلة فقال له الوزير كذلك فعلت يا جاهل فغلط في الفعل وأخطأ في الاعتذار ونظر يوما في المرآة فقال اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وسودها يوم تسود وجوه وقال يوما أشتهي بغلة مثل بغلة النبي صلى الله عليه و سلم حتى أسميها دلدل وقال يوما خريت على يدي فلو غسلتها الف مرة لم تنظف حتى أغسلها مرتين ونظر يوما في المرآة فقال لانسان عنده ترى لحيتي طالت فقال له المرآة في يدك فقال صدقت ولكن الشاهد يرى ما لا يراه الغائب وكسر يوما لوزة فطارت لوزة فقال لا إله إلا الله كل شىء يهرب من الموت حتى البهائم وأهدى إلى العباس بن الاحنف الوزير نبقا وكتب اليه تفيلت أن تبقى فأهديتك النبقا فكتب في جوابه ما تفيلت يا أبا عبد الله ولكن تبقرت وكان ابن الجصاص يسبح كل يوم فيقول نعوذ بالله من نعمه ونتوب اليه من إحسانه ونستقيله من عافيته ونسأله عوائق الامور حسبي الله وأنبياؤه والملائكة الكرام ومن دعائه اللهم ادخلنا في بركة القصور على قبورهم والبيع والثغور الكنائس سبحان الله قبل الله سبحان الله بعد الله وأتاه غلامه يوما بفرخ فقال أنظروا إلى هذا الفرخ ما أشبهه بامه ثم قال أمه ذكر أم أنثى واعتل مرة فقيل له كيف تجدك فقال الدنيا كلها محمومة وذكر محمد بن أحمد الترمذي قال كنت عند الزجاج أعزيه بأمه وعنده الخلق من الرؤساء والكتاب إذ أقبل ابن الجصاص فدخل ضاحكا وهو يقول الحمد لله قد سرني والله يا أبا إسحاق فدهش الزجاج ومن حضر وقيل له يا هذا كيف سرك ما غمه وغمنا فقال ويحك بلغني انه هو الذي مات فلما صح عندي أنها هي التي ماتت سرني ذلك فضحك الناس جميعا وكتب ابن الجصاص إلى وكيل له يحمل اليه مائة من قطنا فحملها فلما حلجها خرج منها ربع الوزن فكتب الى الوكيل لم يحصل من هذا القطن إلا خمسة وعشرون منا فلا تزرع بعد هذا الا قطنا محلوجا وشيئا من الصوف أيضا ودخل يوما بستانا فثار به المرار فطلب بصلا بخل ليطفىء المرار ولم يكن عند البستاني فقال له لم لم تزرع لنا بصل بخل وكان يوما خلف الامام فقال الامام ولا الضالين فقال ابن الجصاص أي لعمري وكان إذا سبح يقول حسبي الله وحدي وقال يوما ما ينبغي للأنسان أن يصير إلى المقابر ليغتاظ أراد يسير ليتعظ وقال يوما كان الفأر يؤذينا في سقوفنا فوصف لي إنسان دواء فما سمعت لهم حسوة وأراد حسا وذكر يوما ثلاثة أصناف من الثياب ثم قال إذا لبست واحدا من هؤلاء فما أبالي بغيرها وقال يوما كان الهواء البارحة باردا إلا اني لم أجده وقدمت له هريسة من نعامة فاستطابها فقال كيف لو أكلتها بقرية أراد سكباجا ومرض فقيل له لعلك تناولت شيئا ضارا فقال لا والله ما أكلت إلا مزورة بفرخ فروج. وذكر بين يديه رجل فقال أخبرتني أمه أنه ولد أبوه وله ثمانون سنة وقدمت اليه اسفيداجة فقال لمن حوله كلوا فهذه أم القرى وقال يوما قمت البارحة إلى المستراح وقد انطفأ القنديل فما زلت أتلمظ المقعدة حتى وجدتها ودخل يوما على مريض فجلس عنده فشكا اليه الكتف فقال والله ما أغفل من وجع كتفي هذين وضرب بيديه على ركبتيه وقد نقل عن ابن الجصاص ما يدل على انه كان يقصد التطابع لا انه كان بهذه المثابة عن علي بن أبي علي التنوخي عن أبيه قال اجتمعت ببغداد سنة ست وخمسين وثلاثمائة مع أبي علي بن أبي عبد الله بن الجصاص فرأيته شيخا حسنا طيب المحاضرة فسألته عن الحكايات التي تنسب إلى أبيه مثل قوله خلف الامام حين قرأنا ولا الضالين فقال أي لعمري بدلا عن آمين ومثل قوله أراد أن يقبل رأس الوزير فقيل له أفيه ذهب فقال لو كان في رأس الوزير خرا لقبلته ومثل قوله وقد وصف مصحفا بالعتق فقال كسروي فقال اما أي لعمري ونحو هذا فكذب وما كان فيه سلامة تخرجه إلى هذا وما كان إلا من أدهى الناس ولكنه يطلق بحضرة الوزراء قريبا مما يحكى عنه لسلامة طبع كان فيه ولأنه كان يحب أن يصور نفسه عندهم بصورة الأبله ليأمنه الوزراء لكثرة خلواته بالخلفاء فيسلم عليهم وأنا أحدثك عنه حديثا حدثنا به تعلم معه انه كان في غاية الحزم فانه حدثني فقال إن أبا الحسن بن الفرات لما ولي الوزارة قصدني قصدا قبيحا فأنفذ العمال إلى ضياعي وأمر بقبض معاملاتي وبسط لسانه بثلبي وتنقصني في مجلسه فدخلت يوما داره فسمعت حاجبه يقول وقد وليت أي بيت مال يمشي على وجه الأرض ليس له من يأخذه فقلت إن هذا من كلام صاحبه وإني مسلوب وكان عندي في ذلك الوقت سبعة آلاف ألف دينار عينا وجواهر سوى ما يحتويه عليه ملكي فسهرت ليلتي أفكر في أمري معه فوقع لي الرأي في الثلث الأخير فركبت إلى داره في الحال فوجدت الابواب مغلقة فطرقتها فقال البوابون من هذا قلت ابن الجصاص فقالوا ليس هذا وقت وصول والوزير نائم فقلت عرفوا الحجاب إني حضرت في مهم فعرفوهم فخرج إلي أحدهم فقال انه إلى ساعة ينتبه فيجلس فقلت الامر أهم من ذلك فنبهه وعرفه عني فدخل وأبطأ ساعة ثم خرج وأدخلني الى دار حتى انتهيت إلى مرقده وهو جالس على سرير له وحواليه نحو خمسين فراشا وغلمان كأنهم حفظة وهو مرتاع قد ظن أن حادثة حدثت وأني جئته برسالة الحليفة وهو متوقع لما أورده فقام فرفعني وقال ما الذي جاء بك في هذا الوقت هل حدثت حادثة أو معك من الخليفة رسالة قلت خير ما حدثت حادثة ولا معي رسالة ولا جئت إى في أمر يخصني ويخص الوزير ولم تصلح المفاوضة فيه إلا على خلوة فسكن وقال لمن حوله انصرفوا فمضوا وقال هات قلت أيها الوزير إنك قد قصدتني أقبح قصد وشرعت في هلاكي وإزالة نعمتي وفي إزالتها خروج نفسي وليس عن النفس عوض ولعمري إني أسأت في خدمتك وقد كان في هذا التقويم بلاغ وجد عندي وقد اجتهدت في إصلاحك بكل ما قدرت عليه وأبيت إلا الاقامة على إيذائي وليس شىء أضعف في الدنيا من السنور وإذا عوينت في دكان البقال وظفر صاحبها بها ولزها إلى زاوية ليخنقها وثبت عليه فخدشت وجهه وبدنه ومزقت ثيابه وطلبت الحياة بكل ما يمكنها وقد وجدت نفسي معك في هذه الصورة ولست اضعف من السنور بطشا وقد جعلت هذا الكلام عذرا بينا فإن نزلت تحت حكمي في الصلح وإلا فعلي وعلى وحلفت أيمانا مغلظة لأقصدن الخليفة الساعة ولأحولن إليه من خزائني ألفي ألف دينار عينا وورقا ولا أصبح إلا وهي عنده وأنت تعلم قدرتي عليها وأقول خذ هذا المال وسلم ابن الفرات إلى فلان واستوزره وأذكر له أقرب من يقع في نفسي أنه يجيب إلى تقليده ممن له وجه مقبول ولسان عذب وخط حسن ولا أعتمد إلا على بعض كتابك فانه لا يفرق بينك وبينهم إذا رأى المال حاضرا فيسلمك في الحال ويراني المتقلد بعين من أخذه وهو صغير فجعله وزيرا وغرم عليه هذا المال الكثير فيخدمني ويتدبر برأيي وأسلمك اليه فيفرغ عليك العذاب حتى يأخذ ألفي الف الدينار منك بأسرها وأنت تعلم ان حالك تفي بهذا ولكنك تفتقر بعدها ويرجع المال إلي ولا يذهب مني شىء وأكون قد أهلكت عدوي وشفيت غيظي واسترجعت مالي وصفت نعمتي وزاد محلي بصرفي وزيرا وتقليدي وزيرا فلما سمع هذا الكلام سقط قي يده وقال يا عدو الله أو تستحل هذا قلت لست عدو الله بل عدو الله من استحل مني هذا الذي أخرجني إلى الفكر في مثل هذا ولم لا أستحل مكروه من أراد هلاكي وزوال نعمتي فقال أو إيش فقلت أو تحلف الساعة بما استحلفك به من الايمان المغلظة انك تكون لي لا علي في صغير أمري وكبيره ولا تنقص لي رسما ولا تغير لي معاملة ولا تدسس علي المكاره ولا تشر لي في سوء أبدا ظاهرا ولا باطنا فقال وتحلف أنت أيضا لي بمثل هذا اليمين على جميل النية وحسن الطاعة والمؤازرة فقلت افعل فقال لعنك الله فما انت الا إبليس والله لقد سحرتني واستدعى دواة وعملنا نسخة يمين فأحلفته أولا بها ثم حلفت له فلما أردت القيام قال يا أبا عبد الله لقد عظمت في نفسي وخففت ثقلا عني والله ما كان المقتدر يفرق بين كفاءتي وبين أخس كتابي مع المال الحاضر فليكن ما جرى مطويا فقلت سبحان الله فقال إذا كان غدا فصر الى المجلس لتر ما أعاملك به فنهضت فقال يا غلمان بأسركم بين يدي أبى عبد الله فخرج بين يدي نحو مائتي غلام وعدت إلى داري ولما طلع الفجر واسترحت جئته في المجلس فعرفني الذين كانوا بحضرته وعرفهم ما جرى من التفريط التام وعاملني بما شاهده الحاضرون وأمر بانشاء الكتب إلى عمال النواحي باعزازي واعزاز وكلاتي وعمالي وصيانة أسبابي وضياعي فشكرت الله وقمت فقال يا غلمان بين يديه فخرج الحجاب يجردون سيوفهم بين يدي والناس يعجبون ولم يعلم أحد سبب ذلك فما حدثت بذلك الا بعض القبض عليه قال لي أبو علي هل هذا فعل من يحكى عنه تلك الحكايات قلت لا وقد حكي التنوخي ان ابن الجصاص صودر في أيام المقتدر فارتفعت مصادراته سوى ما بقى له من الظاهر وكانت ستة آلاف الف دينار قال التنوخي وحدثني أبومحمد عبد الله بن أحمد بن مكرم قال حدثني بعض شيوخنا قال كنا بحضرة أبي عمرو القاضي فجرى ذكر ابن الجصاص وغفلته فقال أبو عمرو معاذ الله ما هو كما يقال عنه ولقد كنت عنده منذ أيام وفي صحن داره سرادق مضروب فجلسنا بالقرب منه نتحدث فاذا بصرير نعل من خلف السرادق فقال يا غلام جئني بصاحب هذا النعل فأخرجت اليه جارية سوداء فقال ما كنت تصنعين ها هنا قالت جئت إلى الخادم أعرفه أني قد فرغت من الطبيخ وأستأذن في تقديمه فقال انصر في لشأنك فعلمت انه اراد يعرفني بذاك الوطء انه وطء جارية سوداء مبتذلة وأانها ليست من حرمه فهل يكون هذا من التغفيل عن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال حدثني أبو القاسم الجهني قال كنت بحضرة أبي الحسن بن الفرات وابن الجصاص حاضر فذكروا ما يعتقده الناس لأولادهم فقال ابن الفرات ما أجل ما يعتقده الناس لاعقابهم فقال من حضر الضياع وقال بعضهم العقار وقال بعضهم العقار الصامت وقال بعضهم الجوهر الخفيف الثمين فان بني أمية سئلوا أي الاموال كانت أنفع لكم في نكبتكم فقالوا الجوهر الخفيف المثمن كنا نبيعه فلا نطالب بمعرفته والواحدة منه أخف من ثمنها وابن الجصاص ساكت فقال له ابن الفرات ما تقول انت يا أبا عبد الله فقال أجل ما يعتقده الناس لاولادهم الضياع والاخوان فانهم إن اعتقدوا لهم ضياعا أو عقارا أو صامتا من غير إخوان ضاع ذلك وتمحق وأحدث الوزير بحديث جرى منذ مديدة يعلم منه صدق قولي فقال له ابن الفرات ما هو فقال الناس يعرفون أن أبا الحسن كان رجلا مشتهرا بالجوهر يعتقده لنفسه وأولاده وجواريه فكنت جالسا يوما في داري فجاءني بوابي فقال بالباب امرأة تستأذن فاذنت لها فدخلت فقالت لي تخلي لي مجلسك فاخليته فقالت لي أنا فلانة جارية أبي الحسن فعرفتها وبكيت لما شاهدتها عليه ودعوت غلماني ليحضروا لي شيئا أغير به حالها فقالت لا تدع أحدا فاني أضنك دعوتهم لتغير حالي وأنا في غنية وكفاية ولم أقصدك لذلك ولكن لحاجة هي أهم من هذا فقلت ما هي فقالت تعلم أن أبا الحسن لم يكن يعتقد لنا إلا الجوهر فلما جرى وتشتتنا وزال عنا ما كنا فيه كان عندي جوهر قد سلمه الي ووهبه لي ولابنته مني فلانة وهي معي ها هنا فخشيت أن أظهره بمصر فيؤخذ مني فتجهزت للخروج وخرجت مستخفية وابنتي معي فسلم الله تعالى ووصلنا هذا البلد وجميع مالنا سالم فاخرجت من الجواهر شيئا قيمته خمسة آلاف دينار وسرت به لى السوق فبلغ ألفى دينار فقلت هاتوا فلما أحضروا المال قالوا أين صاحب المتاع قلت أنا هي قالوا ليس محلك أن يكون هذا لك وأنت لصة فعلقوا بي ليحملوني الى صاحب الشرطة فخشيت أن اقع فاعرف فيؤخذ الجوهر وأطالب أنا بمال فرشوت القوم دنانير كانت معي وتركت الجوهر عليهم وأقبلت فما نمت ليلتي غما مما جرى علي من خشية الفقر لان مالي هذا سبيله فأنا غنية فقيرة فلم أدر ما أفعل فذكرت ما بيننا وبينك فجئتك والذي أريد منك جاهك وبذله لي حتى تخلص لي حقي وما أخذ مني وتبيع الباقي وتخلص لي ثمنه وتشتري لي ولابنتي عقارا نقتات من غلته قال فقلت من أخذ منك الجوهر قالت فلان فانفذت إليه فاستخليت به وقلت هذه امرأة من داري وإنما أنفذت المتاع لاعرف قيمته ولئلا يراني الناس أبيع شيئا بدون قيمته فلم تعرضتم لها فقالوا ما علمنا ذلك ورسمنا كما تعلم لا نبيع شيئا إلا بمعرفة ولما طالبناها بذلك اضطربت فخشينا أن تكون لصة فقلت له أريد الجوهر الساعة فجاء به فلما رأيته عرفته وكنت انا اشتريته لأبي الحسن بخمسة آلاف دينار فاخذته منه وصرفته وأقامت المرأة في داري وتلطفت لها في بيع الجوهر باوفى ثمن فخصها منه أكثر من خمسة آلاف دينار فابتعت لها بذلك ضياعا ومسكنا فهي تعيش في ذلك وولدها إلى الآن فنظرت فاذا الجوهر لما كان معها بلا صديق حجر بل كان سببا لمكروه ولما وجدت صديقا يعنيها حصل لها منه هذا المال الحليل فالصديق أفضل من العقد فقال ابن الفرات أجدت يا أبا عبد الله ينسبون هذا الرجل إلى التغفيل وقد سمعتم ما قال فكيف يكون هذا مغفلا. فصل : فأما النساء المنسوبات إلى التغفيل فمنهن التي نقضت غزلها قال مقاتل بن سليمان هي امرأة من قريش تسمى ريطة بنت عمرو بن كعب كانت إذا غزلت نقضته قال ابن السائب اسمها رايطة وقال أبو بكر بن الانباري أسماها ريطة بنت عمرو المرية ولقبها الجعرا وهي من أهل مكة وكانت معروفة عند المخاطبين فعرفوها بصنعتها ولم يكن لها نظير في فعلها وكانت متناهية الحمق تغزل الغزل من القطن أو الصوف فتحكمه ثم تأمر خادمها بنقضه قال بعضهم كانت تغزل هي وجواريها ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلنز ومنهن دغة بنت مغنج ومغنج هو ربيعة بن عجل واسم دغة ماوية ودغة لقب وكانت قد تزوجت صغيرة في بني العنبر فحبلت فلما جاءها المخاض ظنت أنها أحدثت فقالت لضرتها يا هنتهاه هل يفتح الجعر فاه قالت نعم ويدعوا أباه فمضت ضرتها فأخذت الولد فبنو العنبر تنسب اليها فسموا بنو الجعر لذلك ورأت يافوخ ولدها يضطرب فشقته بسكين وأخرجت دماغه وقالت أخرجت هذه المادة من دماغه ليسكن وجعه وذكر عنها أنها كانت حسنة الثغر فولدت غلاما وكان أبوه يقبله ويقول وابأبي دردرك فظنت أن الدردر أعجب اليه فحطمت أسنانها فلما قال وابأبي دردرك قالت يا شيخ كلنا ذو دردر فقال أعييتني باشر فكيف بدردر والاشر التحزيز في أطراف أسنان الاحداث والدردر مغارز الاسنان فضرب المثل بحمق دغة. ومنهن ريطة بنت عامر بن نمير كانت تعلم رأس أولادها بالقزع لتعرف اولادها من أولاد غيرها ومنهن المهورة إحدى خدمتيها أنبأنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا ابن خلف قال يقال هو أحمق من الممهورة إحدى خدمتيها وهي امرأة من فزارة. ومنهن حذنة وقد مضى الخلاف في هذا الاسم وذكرنا في أحد الأقوال إنه اسم امرأة كانت تمتخط بكوعها.
أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي منتدى بنات بنوتات ـ البوابة