بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة الثقافة الأدبية أخبار الحمقى والمغفلين
● [ الباب الثامن عشر ] ● المغفلين من المتحذلقين فيمن قصد الفصاحة والاعراب في كلامه من المغفلين
عن أبي زيد الانصاري قال كنت ببغداد فأردت الانحدار الى البصرة فقلت لابن أخي إكتر لنا فجعل ينادي يا معشر الملاحون فقلت ويحك ما تقول جعلت فداك فقال أنا مولع بالنصب عن أبي طاهر قال دخل ابو صفوان الحمام وفيه رجل مع ابنه فأراد ان يعرف خالدا أما عنده من البيان فقال يا بني ابدأ بيداك ورجلاك ثم التفت الى خالد فقال يا أبا صفوان هذا كلام قد ذهب أهله فقال هذا كلام لم يخلق الله له أهلا قط. وعن أبي العيناء عن العطري الشاعر أنه دخل الى رجل عندنا بالبصرة وهو يجود بنفسه فقال له يا فلان قل لا إله الا الله وإن شئت فقل لا إله إلا الله والاولى أحب الى سيبويه ثم اتبع ابو العيناء ذاك بأن قال سمعتم ابن الفاعلة يعرض اقوال النحويين على رجل يموت وعن عبدالله بن صالح العجلي قال اخبرني ابو زيد النحوي قال قال رجل للحسن ما تقول في رجل ترك أبيه واخيه فقال الحسن ترك أباه وأخاه فقال الرجل فما لأباه وأخاه فقال الحسن فما لأبيه وأخيه فقال الرجل للحسن أراني كلما كلمتك خالفتني وعن ابن اخي شعيب بن حرب قال سمعت ابن اخي عمير الكاتب يقول وهو يعزي قوما آجركم لله وإن شئتم أجركم الله كلاهما سماعي من الفراء. وعن سلمة قال كان عند المهدي مؤدب يؤدب الرشيد فدعاه يوما المهدي وهو يستاك فقال كيف تأمر من السواك قال استك يا امير المؤمنين فقال المهدي إنا لله ثم قال التمسوا من هو أفهم من هذا قالوا رجل يقال له علي بن حمزة الكسائي من اهل الكوفة قدم من البادية قريبا فلما قدم على الرشيد قال له يا علي قال لبيك يا أمير المؤمنين قال كيف تأمر من السواك قال سك يا امير المؤمنين قال أحسنت وأصبت وأمر له بعشرة آلاف درهم وقد روينا عن الوليد انه قال لرجل ما شأنك فقال الرجل شيخ نايفي فقال عمر بن عبدالعزيز إن أمير المؤمنين يقول لك ما شأنك فقال ختني ظلمني فقال الوليد ومن ختنك فنكس الاعرابي راسه وقال ما سؤال أمير المؤمنين عن هذا فقال عمر إنما أراد امير المؤمنين من ختنك فقال هذا وأشار الى رجل معه وعن أبي معمر عن أبيه قال كان أمير على الكوفة من بني هاشم وكان لحانا فاشترى دورا من جيرانه ليزيدها في داره فاجتمع اليه جيرانه فقالوا أصلحك الله هذا الشتاء قد هجم علينا فأمهلنا أن رأيت حتى يقبل الصيف ونتحول قال لسنا بخارجيكم يريد بمخرجيكم وعن ميمون بن هرون قال قال رجل لصديق له ما فعل فلان بحماره قال باعه قال باعه قال فلم قلت بحماره قال الباء تجر قال فمن جعل باءك تجر وبائي ترفع وعن سعيد بن احمد قال دعاني محمد بن أحمد بن الخصيب يوما فأقمنا عنده فقال لابن له صغير يا عبدالله اخدم عماك فقال اخدم عمي قالوا يقول لك اخدم عمك وتلحن فقلت له جعلت فداك أنت أعلم الناس بالنحو فمن أفسد بيان هذا الصبي قال من قبل أمه وعن أبي عبدالله أحمد بن فتن قال دعاني إنسان من جيراننا فوجه الى البقال وجه إلي جزرا بدانقان فقلت سبحان الله ما هذا قال أردت أن يهابني وقدم على ابن علقمة النحوي ابن أخ له فقال له ما فعل ابوك قال مات قال وما فعلت علته قال ورمت قدميه قال قل قدماه قال فارتفع الورم الى ركبتاه قال قل ركبتيه فقال دعني يا عم فما موت أبي بأشد علي من نحوك هذا ووقف نحوي على رجل فقال كم لي من هذا الباذنجان بقيراط فقال خمسين فقال النحوي قل خمسون ثم قال لي اكثر فقال ستين قال قل ستون ثم قال لي أكثر فقال إنما تدور على مئون وليس لك مئون ولقي رجلا من أهل الادب واراد أن يسأله عن أخيه وخاف ان يلحن فقال أخاك أخوك اخيك ها هنا فقال الرجل لا لي لو ما هو حضر وسمعت شيخنا أبا بكر محمد بن عبدالباقي البزار يقول قال رجل لرجل قد عرفت النحو الا اني لا أعرف هذا الذي يقولون أبو فلان وأبا فلان وابي فلان فقال له هذا أسهل الاشياء في النحو إنما يقولون أبا فلان لمن عظم قدره وابو فلان للمتوسطين ن وأبي فلان للرذلة وعن الاصمعي عن عيسى بن عمر قال كان عندنا رجل لحان فلقي رجلا مثله فقال من اين جئت فقال من عند أهلونا فتعجب منه وحسده وقال أنا اعلم من أين أخذتها أخذتها من قوله تعالى شغلتنا اموالنا وأهلونا وعن أبي القاسم الحسن قال كتب بعض الناس كتبت من طيس يريد طوس فقيل له في ذلك فقال لأن من تخفض ما بعدها فقيل إنما تخفض حرفا واحدا لا بلدا له خمسمائة قرية قال أبو الفضل بن المهدي قال لي ابو محمد الازدي واظب على العلم فانه يزين الرجال كنت يوما في حلقة ابي سعيد يعني السيرافي فجاء ابن عبدالملك خطيب جامع المنصور وعليه السواد والطويلة والسيف والمنطقة فقام الناس اليه واجلوه فلما جلس قال لقد عرفت قطعة من هذا العلم واريد ان استزيد منه فايهما خير سيبويه أو الفصيح فضحك الشيخ ومن في حلقته ثم قال يا سيدنا محبرة اسم او فعل أو حرف فسكت ثم قال حرف فلما قام لم يقم له احد. فصل : وقد تكلم قوم من النحويين بالاعراب مع العوام فكان ذلك من حنس التغفيل وإن كان صوابا لانه لا ينبغي ان يكلم كل قوم الا بما يفهمون. قال ابن عقيل كان شيخنا ابو القاسم بن برهان الاسدي يقول لاصحابه اياكم والنحو بين العامة فانه كاللحن بين الخاصة قال ابن عقيل وتعليل هذا ان التحقيق بين المحرفين ضائع وتضييع العلم لا يحل ولهذا روى حدثوا الناس بما يعقلون اتحبون ان يكذب على الله ورسوله وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا ابا عمير ما فعل النغير ولعب مع الحسن والحسين وإنما نسب المعلمون للحماقة لمعاملتهم الصبيان بالتحقيق قال الاصمعي كان يحيى بن معمر قاضيا بخراسان فتقدم اليه رجل وامرأته فقال يحيى للرجل رايت ان سألتك حق شكرها وشبرك ان ان شاءت تطلها وتضهلها قال يقول الرجل لامرأته والله ما أدري ما يقول قومى حتى ننصرف الشكر الفرج والشبر النكاح وتطلها تبطل حقها وتضهلها تعطيها حقها قليلا قليلا وكذلك قال عيسى بن عمر ليوسف بن عمر وهو يضربه بالسياط والله ان كانت الا اثيابا في اسيفاط قبضها عشاروك قال ابن قتيبة ومثل هذا يستقبح والادب عض فكيف اليوم وقع نحوي في كنيف فصاح به الكناس أنت في الحياة قال ابغ لي سلما وثيقا وامسكه امساكا رفيقا ولا بأس علي فقال له لو كنت تركت الفضول يوما لتركته الساعة وانت في الخراالى الحلق وقف نحوي على صاحب بطيخ فقال بكم تلك وذانك الفاردة فنظر يمنا وشمالا ثم قال اعذرني فما عندي شيء يصلح للصفع وقف نحوي على زجاج فقال بكم هاتان القنينتان اللتان فيهما نكتتان خضراوتان فقال الزجاج مدهامتان فبأي آلاء ربكما تكذبان وعن أبي زيد النحوي قال وقفت على قصاب وعنده بطون فقلت بكم البطنان فقال بدرهمان يا ثقيلان وعن احمد بن محمد الجوهري قال سمعت أبا زيد النحوي قال وقفت على قصاب وقد اخرج بطنين سمينين فعلقهما فقلت بكم البطنان فقال بمصفعان يا مضرطان ففرت لئلا يسمع الناس فيضحكون قال حدثنا أبوحمزة المؤدب قال حدثنا أحمد بن محمد القزويني وكان شاعرا أنه دخل سوق النخاسين بالكوفة فقعد الى نخاس فقال يا نخاس اطلب لي حمارا لا بالصغير المحتقر ولا بالكبير المشتهر ان اقللت علفه صبر وان اكثرت علفه شكر لا يدخل تحت البواري ولا يزاحم بي السواري اذا خلا في الطريق تدفق واذا اكثر الزحام ترفق فقال له النخاس بعد أن نظر اليه ساعة دعني إذا مسخ الله القاضي حمارا اشتريته لك حدثنا بعض أصحابنا قال قلت لبقال عندك بسر فرسا قال عندي قرعة. وعن إسحاق بن محمد الكوفي قال جاء أبو علقمة إلى عمر الطبيب فقال أكلت دعلجا فأصابني في بطني سجح فقال خذ غلوص وخلوص فقال أبو علقمة وما هذا قال وما الذي قلت أنت كلمني بما أفهم قال أكلت زبدا في سكرجة فأصابني نفخ في بطني فقال خذ صعترا ودخل أبو علقمة النحوى علي أعين الطبيب فقال امتع الله بك إني أكلت من لحوم هذه الجوازم فطئست طسأة فأصابني وجع من الوالبة الى ذات العنق فلم يزل يربو وينمو حتى خالط الحلب والشراسيف فهل عندك دواء قال نعم خذ حرفقا وسلقفا وسرقفا فزهرقه وزقزقه واغسله بماء روث واشربه فقال أبو علقمة لم أفهم عنك هذا فقال أفهمتك كما أفهمتني قال حدثنا أبو عثمان عن أبي حمزة المؤدب قال دخل أبو علقمة النحوي سوق الجرارين بالكوفة فوقف على جرار فقال أجد عندك جرة لا فقداء ولا دباء ولا مطربلة الجوانب ولتكن نجوية خضراء نضراء قد خف محملها وأتعبت صانعها قد مستها النار بألسنتها أن نقرتها طنت وان أصابتها الريح رنت فرفع الجرار رأسه اليه ثم قال له النطس بكور الجروان أحر وجكى والدقس باني والطبر لري شك لك بك ثم صاح الجرار يا غلام شرج ثم درب والى الوالي فقرب يا أيها الناس من بلي بمثل ما نحن فيه وأنشد لثعلب إن شئت أن تصبح بين الوري ما بين شتام ومغتاب فكن عبوسا حين تلقاهم وكلم الناس باعراب.
أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي منتدى بنات بنوتات ـ البوابة