بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة الثقافة الأدبية طرائف الظرفاء وحكايات الفطناء
● [ تابع القسم الثالث ] ● فيما يروى عن العلماء والحكماء
● قال الأصمعي : كان بعض الكرماء في مجلسه وعنده جماعةٌ ، فضرط رجلٌ من جلسائه ، فانقبض لذلك ، واغتمّ بانقباضه صاحب المجلس ، فلمّا كان من الغد ، أمر فترك تحت الفرش نفّاخة السمك ، فلمّا جلس الناس عنده تفرقعت من تحت الجلساء ، فقال : ما هذا ؟ انظروا ! فأخرجت وقد انشقّت ، فقال : هذا بالأمس ، وهذا اليوم ! وأمر بصفع الفراشين ، فزالت الظنّة عن الضّارط ، وبرئت ساحته ● قال أبو أحمد العسكري : حدثني شيخٌ من شيوخ بغداد ، قال : كان حيّان بن بشرٍ قد ولي قضاء بغداد وقضاء إصبهان أيضاً ، وكان من جلّة أصحاب الحديث ، فروى يوماً أنّ عرفجة قطع أنفه يوم الكلام ! وكان مستمليه رجلاً يقال له : كجّة ، فقال : أيّها القاضي ! إنّما هو يوم الكلاب ؛ فأمر بحبسه ، فدخل إليه الناس ، وقالوا : ما الذي دهاك ؟ فقال : قطع أنف عرفجة في الجاهلية ، وامتحنت أنا به في الإسلام ● قال محمد بن حفص جارُ بشر : دخلنا على بشر بن الحارث وهو مريضٌ ، فقال له رجلٌ : أوصني ! فقال : إذا دخلت إلى مريضٍ فلا تطل القعود عنده ● دفع أبو الطّيب الطبري خفاً إلى خفاف ليصلحه ، فكان كلّما مرّ عليه يتقاضاه ، وكان الخفّاف كلما رأى القاضي أخذ الخف وغمسه في الماء ، وقال : الساعة الساعة ؛ فلمّا طال عليه ، قال له : إنّما دفعته إليك لتصلحه ، ولم أدفعه إليك لتعلّمه السباحة ● قال عبدالله بن البوّاب : كان المأمون يحلم حتى يغيظنا في بعض الأوقات ؛ جلس يستاك على دجلة من وراء ستر ونحن قيامٌ بين يديه ، فمرّ ملاّحٌ وهو يقول : أتظنّون أنّ هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه ؟ قال : فوالله ما زاد على أن تبسّم ، وقال لنا : ما الحيلة عندكم حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل ؟ ● قال أبو الحسن المدائني : قال بعض أهل العلم : كان لنا صديقٌ من أهل البصرة ، وكان ظريفاً أديباً ، فوعدنا أن يدعونا إلى منزله ، فكان يمرّ بنا ، فكلما رأيناه قلنا له : ! ( متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) " سورة الأنبياء / الآية : 38 " فيسكت إلى أن اجتمع ما نريد ، فمرّ بنا ، فأعدنا عليه ، فقال : ( انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ) ! " سورة المرسلات / الآية : 29 " ● قال الزهري : سمعت سعيد بن المسيب يقول لرجل : ألك امرأةٌ إذا أخذتها قالت لك : قتلتني ؟ قال : نعم ! قال : فاقتلها ، فإن ماتت ، فعلي ديتها ● قال أبو محمدٍ عبد الله بن علي المقرئ : كان حاجب الباب ابن النسوي ذكياً ، فسمع في بعض ليالي الشتاء بصوت برّادةٍ ، فأمر بكبس الدّار ، فأخرجوا رجلاً وامرأة ، فقيل له : من أين علمت ؟ فقال : في الشتاء لا يبرّد الماء ، وإنّما هذه علامةٌ بين هذين ● كان لأحمد بن الخصيب وكيلٌ في ضياعه ، فرفعت عليه جنايةٌ ، فهرب ، فكتب إليه أحمد يؤنسه ويحلف له على بطلان ما اتصل به ، ويأمره بالرّجوع ، فكتب إليه: أنّا لك عبدٌ سامعٌ ومطيعٌ ● وإنّي بما تهوى إليك سريع ولكن لي كفّاً أعيش بفضلها ● فما أشتري إلا بها وأبيع أأجعلها تحت الرّحى ثمّ أبتغي ● خلاصاً لها ! إنّي إذن لرقيع ● وروّينا أنّ المتوكل قال : أشتهي أنادم أبا العيناء لولا أنّه ضريرٌ ؛ فقال أبو العيناء : إن أعفاني أميرُ المؤمنين من رؤية الهلال ونقش الخواتيم فإني أصلح ● وقيل لأبي العيناء : بقي من يلقى ؟ قال : نعم ! في البئر ● قال علي بن سليمان الأخفش : سمعت أبا العيناء يقول : كنت يوماً في الورّاقين ، إذ رأيت منادياً مغفّلاً ، في يده مصحف مخلّق الأداة ، فقلت له : ناد عليه بالبراءة ممّا فيه ؛ وأنا أعني أداته ، فأقبل ينادي بذلك ، فاجتمع أهل السّوق والمارّة على المنادي ، وقالوا لهُ : يا عدوّ الله ! تنادي على مصحف بالبراءة ممّا فيه قال : وأوقعوا به ، فقال لهم : ذلك الرّجل القاعد أمرني بذلك ؛ فتركوا المنادي ، وأقبلوا عليّ ، ورفعوني إلى الوالي ، وكتب في أمري إلى السلطان ، فأمر بحملي ، فحملت مستوثقاً مني ، واتصل خبري بابن أبي داؤدٍ ، فلم يزل يتلطّف في أمري حتى خلّصني ● قال أبو العيناء : كان سبب خروجي من البصرة وانتقالي عنها ، أني مررت بسوق النّخّاسين يوماً ، فرأيت غلاماً ينادي عليه وقد بلغ ثلاثين ديناراً وهو يساوي ثلاث مئة دينار ، فاشتريته ، وكنت أبني داراً ، فدفعت إليه عشرين ديناراً على أن ينفقها على الصّناع ، فجاءني بعد أيّام يسيرةٍ ، فقال : قد نفدت النّفقة ، قلت : هات حسابك ؛ فرفع حساباً بعشرة دنانير ، قلت : فأين الباقي ؟ قال : اشتريت به ثوباً مصمتاً وقطعته ، قلت : ومن أمرك بهذا ؟ قال : يا مولاي ! لا تعجل ، فإن أهل المروءات والأقدار لا يعيبون على غلمانهم إذا فعلوا فعلاً يعود بالزّين على مواليهم ؛ فقلت في نفسي : أنا اشتريت الأصمعي ولم أعلم ! قال : وكانت في نفسي امرأةٌ أردت أن أتزوّجها سرّاً من ابنة عمي ، فقلت له يوماً : أفيك خيرٌ ؟ قال : إي لعمري ؛ فأطلعته على الخبر ، فقال : أنا نعم العون لك ؛ فتزوجت ، ودفعت إليه ديناراً ، فقلت له : اشتر لنا كذا وكذا ، ويكون فيما تشتريه سمكٌ هازبى ؛ فمضى ، ورجع وقد اشترى ما أردت ، إلا أنّه اشترى سمكاً مارماهى ، فغاظني ، فقلت : أليس أمرتك أن تشتري هازبى ؟ قال : بلى ! ولكنّي رأيت بقراط يقول : إنّ الهازبى يولّد السّوداء ويصف المارماهى ؛ ويقول : إنّه أقل غائلةً ؛ فقلت : أنا لم أعلم إني اشتريت جالينوس ؟ ! وقمت إليه ، فضربته عشر مقارع ، فلمّا فرغت من ضربه ، أخذني وأخذ المقرعة ، وضربني سبع مقارع ، وقال : يا مولاي ! الأدب ثلاث ، والسبع فضلٌ ، ولذلك قصاصٌ ، فضربتك هذه السبع خوفاً عليك من القصاص يوم القيامة ؛ فغاظني جدّاً ، فرميته ، فشجحته ، فمضى من وقته إلى ابنة عمي ، فقال لها : يا مولاتي ! الدين النصيحة ، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من غشّنا فليس منا ) وأنا أعلمك أنّ مولاي قد تزوّج واستكتمني ، فلمّا قلت له : لا بدّ من إعلام مولاتي ، ضربني بالمقارع ، وشجّني ؛ فمنعتني بنت عمّي من دخول الدار ، وحالت بيني وبين ما فيها ، فلم أر الأمر يصلح إلاّ بأن طلقت المرأة التي تزوّجتها ، فصلح أمري مع ابنة عمّي وسمّت الغلام ، ' النّاصح ' ، فلم يتهيّأ لي أن أكلّمه ، فقلت : أعتقه وأستريح ، لعلّه أن يمضي عنّي ؛ فأعتقته ، فلزمني ؛ قال : الآن وجب حقّك عليّ ؛ ثمّ إنّه أراد الحجّ ، فجهّزته وزوّدته ، وخرج ، فغاب عليّ عشرين يوماً ، ثمّ رجع ، فقلت له : لم رجعت ؟ قال : قطع الطريق ، وفكّرت ، فإذا الله تعالى يقول : ! ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) " سورة آل عمران / الآية : 97 " وكنت غير مستطيع ، وفكرت ، فإذا حقك عليّ أوجب ، فرجعت ؛ ثم أراد الغزو ، فجهزته ، فشخص ، فلمّا غاب عني بعت كل ما أملكه بالبصرة من عقارٍ وغيره ، وخرجت عنها خوفاً أن يرجع ● وسئل أبو العيناء عن حماد بن زيدٍ بن درهم ، وحمّاد بن سلمة بن دينار ، فقال : بينهما في القدر ما بين أبويهما في الصرف ● وشكى بعض الوزراء كثرة الأشغال ، فقال أبو العيناء : لا أراني الله يوم فراغك ● وشكى أبو العيناء إلى عبيد الله بن سليمان تأخّر رزقه ، فقال : ألم نكن كتبنا لك إلى فلانٍ ، فما فعل في أمرك ؟ قال : جرّني على شوك المطل ؛ قال : أنت اخترته ؛ قال : وما علي وقد اختار موسى قومه سبعين رجلاً ، فما كان فيهم رشيدٌ ، فأخذتهم الرجفة ● قال بعض العلويّة لأبي العيناء : أنت تبغضني ، ولا تصحّ صلاتك إلاّ بالصّلاة عليّ ، لأنّك تقول : اللّهم صلّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ ، قال : إذا قلت : ' الطّيّبين ' خرجت منهم ● وقال له رجل : أشتهي أرى الشيطان ، قال : انظر في المرآة ● كان علي بن عيسى الرّبعي يمشي على جانب دجلة ، فرأى الرّضيّ والمرتضى في سفينةٍ ، ومعهما عثمان بن جنّي ، فقال : من أعجب أحوال الشّريفين أن يكون عثمان جالساً بينهما وعليّ يمشي على الشط بعيداً عنهما ● دخل حميد الطوسي على المأمون وعنده بشرٌ المريسيّ ، فقال المأمون لحميد : أتدري من هذا ؟ قال : لا ! قال : هذا بشرٌ المريسيّ ؛ فقال حميدٌ : يا أمير المؤمنين ! هذا سيّد الفقهاء ، هذا قد رفع عذاب القبر ومسألة منكر ونكير ، والميزان والصّراط ، انظر هل يقدر أن يرفع الموت فيكون سيّد الفقهاء حقّاً ؟ ! ● قال السري : اعتللت بطرطوس علة الذرب ، فدخل عليّ هؤلاء القرّاء يعودوني ، فجلسوا ، فأطالوا ، فآذاني جلوسهم ، ثمّ قالوا : إن رأيت أن تدعو الله ؟ فمددت يدي ، فقلت : الّلهمّ علّمنا أدب العيادة ● قال عبد الله بن سليمان بن الأشعث ؛ سمعت أبي يقول : كان هارون الأعور يهودياً ، فأسلم وحسن إسلامه ، وحفظ القرآن والنحو ، فناظره إنسانٌ في مسألة ، فغلبه هارون ، فلم يدر المغلوب ما يصنع ، فقال له : أنت كنت يهودياً فأسلمت ، فقال هارون : فبئس ما صنعت ؟ ! فغلبه في هذا أيضاً ● قال المبرّد : ضاف رجلٌ قوماً ، فكرهوه ، فقال الرجل لامرأته : كيف نعلم مقدار مقامه ؟ فقالت : ألقِِ بيننا شرّاً حتى نتحاكم إليه ، ففعل ، فقالت للضّيف : بالذي يبارك لك في غدوّك غداً ، أيّنا أظلم ؟ فقال الضّيف : والذي يبارك لي في مقامي عندكم شهراً ما أعلم ● لما دخل أبو محمد عبد الله بن أحمد السمرقندي بيت المقدس ، قصد أبا عثمان ابن ورقاء ، فطلب منه جزءاً ، فوعده به ، ثم رجع ورجع مرّات ، والشيخ ينسى ، فقال له أبو محمدٍ : أيّها الشيخ ! لا تنظر إليّ بعين الصّبوة ، فإن الله تعالى قد رزقني من هذا الشأن ما لم يرزق أبا زرعة الرّازي فقال الشيخ : الحمد لله ثم رجع إليه في طلب الجزء ، فقال الشيخ : أيّها الشاب ! إنّي طلبت البارحة الأجزاء ، فلم أر جزءاً يصلح لأبي زرعة الرّازي ! فخجل وقام ● كان أبو الحسين بن المتيّم الصوفي يسكن الرّصافة ، وكان مطبوعاً مضحاكاً ، وكان دائماً يتولّع برجلٍ شاهد فيه غفلةً ، يعرف بأبي عبد الله إلكيا قال ابن المتيّم : فلقيته يوماً في شارع الرصافة ، فسلّمت عليه ، وصحت به : لتشهد عليّ ؛ فاجتمع النّاس علينا ، فقال : بماذا ؟ قلت : إن الله تعالى إله واحدٌ لا إله إلا هو وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأن الجنّة حقّ ، والنّار حقّ ، والسّاعة آتيةٌ لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ؛ فقال : أبشر يا أبا الحسين ! سقطت عنك الجزية ، وصرت أخاً من إخواننا فضحك النّاس وانقلب الولع بي ● استأجر رجلٌ رجلاً يخدمه ، فقال له : كم أجرتك ؟ قال : شبع بطني ؛ فقال له : سامحني ؛ فقال : أصوم كل اثنين وخميس ● قال الجاحظ : كنت مجتازاً في بعض الطرق فإذا أنا برجلٍ قصيرٍ بطينٍ كبير الهامة ، متّزرٍ بمئزرٍ وبيده مشطٌ ، يسقي به شقةً ، ويمشطها به ؛ فاستزريته ، فقلت : أيها الشيخ ! قد قلت فيك شعراً ؛ فترك المشط من يده ، وقال : هات ؛ فقلت: كأنّك صعوةٌ في أصل حشّ ● أصاب الحشّ طشٌ بعد رش فقال لي : اسمع الجواب ؛ قلت : هات ! فقال: كأنّك كندنٌ في ذنب كبش ● يدلدل هكذا والكبش يمشي ● منع عمرو بن العاص أصحابه ما كان يصل إليهم ؛ فقام إليه رجلٌ ، فقال له : اتّخذ جنداً من الحجارة لا تأكل ولا تشرب ؛ فقال له عمرو : اخسأ أيّها الكلب فقال له الرجل : أنا من جندك ، فإن كنت كلباً فأنت أمير الكلاب وقائدها ● قال رجلٌ لغلامه : يا فاجر ! فقال : مولى القوم منهم ● قال الصّاحب بن عباد : جئت من دار السلطان ضجراً من أمر عرض لي ؛ فقال لي رجلٌ : من أين أقبلت ؟ فقلت : من لعنةِ الله ؛ فقال : ردّ الله عليك غربتك ● قال شيخنا أبو منصور ابن زريق : كان رجلٌ من الأصبهانّيين قد لازم أبي يسمع منه الحديث ، فأضجره ، فخرج أبي يوماً ، فتبعه الأصبهانيُّ ، وقال له : إلى أين ؟ قال : إلى المطبق ، قال : وأنا معك ● قال رجلٌ لرجلٍ : بماذا تداوي عينك ؟ قال : بالقرآن ودعاء العجوز ؛ فقال : اجعل معهما شيئاً من أنزروت ● قال الأصمعي : رأيت رجلاً قاعداً في زمن الطّاعون يعدّ الموتى في كوزٍ ، فعدّ أوّل يوم عشرين ومئة ألفٍ ، وعدّ في اليوم الثاني خمسين ومئة ألفٍ ؛ فمرّ قومٌ بميتّهم وهو يعدّ ، فلما رجعوا إذا عند الكوز غيره ، فسألوا عنه ، فقالوا : هو في الكوز ● قال جعفر بن يحيى لبعض جلسائه : أشتهي والله أن أرى إنساناً تليق به النعّمة ؛ فقال : أنا أريك ؛ قال : هات ؛ فأخذ المرآة وقرّبها من وجهه ● قال أبو الحسن السّلاميّ الشاعر : مدح الخالديان سيف الدّولة ابن حمدان بقصيدةٍ أوّلها: تصدّ ودارها صدد ● وتوعده ولا تعد وقد قتلته ظالمةً ● فلا عقلٌ ولا قود وقال فيها في مدحه: فوجهٌ كلّهُ قمرٌ ● وسائر جسمه أسد فأعجب بها سيف الدّولة واستحسن هذا البيت ، وجعل يردّده ؛ فدخل عيه الشّيظميُّ الشاعر ، فقال له : اسمع هذا البيت ؛ وأنشده ؛ فقال الشيظميُّ : احمد ربّك ! فقد جعلك من عجائب البحر ● سئل جحظةُ عن دعوة حضرها ، فقال : كلُّ شيءٍ كان منها بارداً إلاّ الماء ● قال شاعرٌ لشاعر : أنا أقول البيت وأخاه ، وأنت تقوله وابن عمّه ● قال أبو حنيفة السائح : لقيت بهلول المجنون وهو يأكل في السوق ، فقلت : يا بهلول ! تجالس جعفر بن محمدٍ ، وتأكل في السوق ؟ ! فقال : حدّثنا مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( مطل الغني ظلمٌ ) ولقيني الجوع وخبزي في كمي ، فما أمكنني أماطله ● قال عليّ بن الحسين الرّازي : مرّ بهلول بقومٍ في أصل شجرةٍ ، فقالوا : يا بهلول ! تصعد هذه الشجرة وتأخذ عشرة دراهم ؟ فقال : نعم ؛ فأعطوه عشرة دراهم ، فجعلها في كمّه ، ثمّ التفت إليهم ، فقال : هاتوا سلّماً ؛ فقالوا : لم يكن هذا في شرطنا ! قال : كان في شرطي ● ومرّ بهلول بسويق البزّازين ، فرأى قوماً مجتمعين على باب دكّانٍ قد نقب ، فنظر فيه ، وقال : ما تعلمون من عمل هذا ؟ قالوا : لا ، قال : فأنا أعلم، فقالوا : هذا مجنونٌ ، يراهم بالليل ولا يتحاشونه ، فالطفوا به لعلّه يخبركم ؛ فقالوا : خبرنا ؛ قال : أنا جائع ؛ فجاؤه بطعام سني وحلواء ، فلمّا شبع ، قام ، فنظر في النّقب ، وقال : هذا عمل اللّصوص ● وسئل بهلول عن رجلٍ مات وخلّف ابناً وبنتاً وزوجةً ، ولم يترك شيئاً ؛ فقال : للابن اليتم ، وللبنت الثكل ، وللزوجة خراب البيت ، وما بقي للعصبة ● ودخل بهلول وعليّان المجنون على موسى ابن المهديّ ، فقال لعليّان : إيش معنى عليّان ؟ فقال عليّان : فإيش معنى موسى ؟ فقال : خذوا برجل ابن الفاعلة ؛ فالتفت عليّان إلى بهلول ، فقال : خذ إليك ، كنّا اثنين صرنا ثلاثة ● بعث بلال بن أبي بردة إلى ابن أبي علقمة المجنون ، فلمّا جاء قال له : أحضرتك لأضحك منك ! فقال المجنون : لقد ضحك أحد الحكمين من صاحبه ؛ يعرض بأبي موسى ● قال أبو جعفر محمد بن جعفر البربي : مررت بسائل على الجسر وهو يقول : مسكيناً ضريراً ؛ فدفعت إليه قطعة وقلت لهُ : لم نصبت ؟ فقال : فديتك ! بإضمار ' ارحموا ' ● قال محمد بن القاسم : سئل بعض المجّان ، فقيل لهُ : كيف أنت في دينك ؟ فقال : أخرقه بالمعاصي ، وأرقعه بالاستغفار ● صحب مجوسي قدرياً ، فقال له القدري : مالك لا تسلم ؟ قال : حتى يريد الله ! قال : قد أراد ذلك ، ولكن الشّيطان لا يريده ؛ قال : فأنا مع أقواهما ● قال محمد بن سكرة : دخلت حماماً ، وخرجت وقد سرق مداسي ، فعدت إلى داري حافياً ، وأنا أقول: إليك أذم حمّام ابن موسى ● وإن فاق المنى طيباً وحرّا تكاثرت اللّصوص عليه حتى ● ليحفى من يطيف به ويعرى ولم أفقد به ثوباً ولكن ● دخلت محمداً وخرجت بشراً ● جهل رجل على بعض العلماء ، فقال العالم : جرح العجماء جبار ● قال محمد بن يوسف القطان : يحكى أن أبا الحسين الطّرائفي لمّا رحل إلى عثمان بن سعيد الدّرامي ، فدخل عليه ، قال له عثمان : متى قدمت هذا البلد ؟ فأراد أن يقول : أمس ، فقال : قدمت غداً فقال له عثمان : فأنت بعد في الطريق ● جاء رجل إلى ابن عقيل ، فقال له : إني أغتمس في النهر غمستين وثلاثاً ولا أتيقّن أنه قد عمّني الماء ولا أني قد تطهّرت ! فقال له : لا تصل قيل له : كيف قلت هذا ؟ قال : لأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( رفع القلم عن المجنون حتى يفيق ) ومن ينغمس في النهر مرّتين وثلاثاً ويظن أنه ما اغتسل ، فهو مجنون ● دخل كلثوم بن عمرو العتّابي على المأمون وعنده إسحاق الموصلي ، فغمز المأمون إسحاق عليه ، فجعل العتّابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فيه إسحاق ، فقال له العتّابي : ما اسمك ؟ فقال : كل بصل ؛ قال : هذا اسم منكر قال : أتنكر أن يكون اسمي كل بصل واسمك كل ثوم ! والبصل أطيب من الثوم ! ؟ فقال : أظنك إسحاق ! فقال : نعم ؛ فتوادّا ● خرج الرشيد يوماً في ثياب العوام ومعه يحيى بن خالد وخالد الكاتب وإسحاق بن إبراهيم الموصلي وأبو نواس وعليهم ثياب العامة ، فنزلوا سهرية مع ملاّح غريب اختلاطا بالعوام فنزل معهم عامي ، فثقل على الرشيد ، وهمّ بإخراجه وعقوبته ، فقال أبو نواس : عليّ إخراجه من غير إساءةٍ إليه ؛ فقال أبو نواس للجماعة : عليّ مأكولكم من اليوم وإلى يوم مثله ؛ فقال الرشيد : وعليّ مشروبكم من اليوم وإلى يوم مثله ؛ وقال يحيى : عليّ مشمومكم من اليوم وإلى يوم مثله ؛ وقال خالد : عليّ بقلكم من اليوم إلى يوم مثله ؛ وقال إسحاق : عليّ أن أغنيكم من اليوم إلى يوم مثله ؛ ثمّ التفت أبو نواس إلى الرجل ، فقال : ما الذي لنا عليك أنت ؟ فقال : عليّ أن لا أفارقكم من اليوم إلى يوم مثله ؛ فقال الرشيد : هذا ظريفٌ لا يحسن إخراجه ، فصحبهم في تفرّجهم بقيةً يومهم ● تغدى أعرابيٌ مع مزبدٍ ، فقال له مزبد : كيف مات أبوك ؟ فأخذ يحدثه بحاله وأخذ مزبّد يمضي في أكله ، فلمّا فطن الأعرابي ، قطع الحديث ، وقال له : أنت ! كيف مات أبوك ؟ فقال : فجأة ؛ وأخذ يأكل ● قال سفيان الثّوري : ما نظرت قطّ إلى ثقيل أو بغيضٍ إلا كحّلت عينيّ بماء وردٍ مخافة أن يكون قد التصق بها شيءٌ ● قال بعض المجّان : قال إبليس : لقيت من أصحاب البلغم شزّةً ، ينسون ويلعنوني ! ● قال الجمّاز : قال لي أبو كعب القاص : والدتي بالبصرة ، وأنا شديد الشّفقة عليها ، وأخاف إن حملتها إلى بغداد في الماء أن تغرق ، وإن حملتها على الظّهر أن تتعب ، فما تشير عليّ في أمرها ؟ فقلت له : أشير عليك أن تأخذ بها سفتجةً ● قال محمد بن حرب الهلالي : أتيت بمزبدٍ في تهمةٍ ، فضربته سبعين درّةً ، ثمّ تبيّن لي أنّه كان مظلوماً ، فدعوته ، وقلت : أحلنّي منها ، فقال : لا تعجل ، ودعها لي عندك ، فإنّي أجيء إليك كثيراً ، فكلّما وجب عليّ شيءٌ قاصصتني عليها فكنت أوتى به في الشيء الذي يجب عليه فيه التقويم ، فأحاسبه على العشرة منها وعلى الخمسة ، حتى استوفى ● قال الحسين بن فهم : كان المرتمي - مضحك الرّشيد - يأكل قبل طلوع الشمس ، فقيل له : لو انتظرت حتى تطلع الشمس ! فقال : لعنني الله إن انتظرت غائباً من وراء سمرقند ، لا أدري ما يحدث عليه في الطريق ● قال أبو العيناء : دفع الجمّاز إلى غسّال ثياباً ، فدفع إليه أقصر منها ، فطالبه ، فقال : لمّا غسلت تشمّرت قال : ففي كم غسلةٍ يصير القميص زنقاً ● نزل عيارٌ في شاروفة الدّار فانقطعت ، فوقع ، فانكسرت رجله ؛ فصاحت المرأة : خذوه ؛ فقال لها : ما عليك عجلةٌ ، أنا عندك اليوم وغداً وبعده ● قال سليمان الأعمش لابنه : اذهب فاشتر لنا حبلاً يكون طوله ثلاثين ذراعاً ، فقال : يا أبةِ ! في عرض كم ؟ قالك في عرض مصيبتي فيك ● قيل لجمّير : من يحضر مائدة فلانٍ ؟ فقال : أكرم الخلق وألأمهم ، يعني : الملائكة والذباب ● رأى منصورٌ الفقيه ابنه يلعب ويعدو ، فقال له : لو علمت أنّ رجلك من قلب أبيك لرفقت بها ● جاء شاعران إلى بعض النّحاة ، فقالا : اسمع شعرنا، وأخبرنا بأجودنا ؛ فسمع شعر أحدهما ، وقال : ذاك أجود ؛ قال له : فما سمعت شعره ! ؟ ما يكون أنحس من هذا قطّ ● دخل قومٌ من بني تيم الله على مجنون من بني أسدٍ ، فأكثروا العبث به ، فقال لهم : يا بني تيم الله ! ما أعلم قوماً خيراً منكم قالوا : كيف ؟ قال : بنو أسدٍ ليس فيهم مجنونٌ غيري ، قد قيّدوني ؛ وأنتم كلّكم مجانين ، وليس فيكم مقيّدٌ ● قال سعيد بن حفص المدينيّ : قال أبي : أتي المأمون بأسود قد ادّعى النبّوة ، وقال : أنا موسى بن عمران ! فقال له : إنّ موسى أخرج يده من جيبه بيضاء ، فأخرج يدك بيضاء حتى أؤمن بك ! فقال الأسود : إنّما فعل موسى ذلك لمّا قال فرعون : أنا ربّكم الأعلى ! فقل أنت كما قال حتى أخرج يدي بيضاء ، وإلاّ لم تبيضّ ● سقي رجلٌ ماءً بارداً ، ثمّ عاد فطلب ، فسقي ماءً حارّاً ، فقال : لعلّ مزمّلتكم يعتريها حمى الرّبع ● قال الحسن بن موسى : أضاف رجلٌ رجلاً ، فقال المضيف : يا جاريةُ ! هاتِ خبزاً وما رزق الله ؛ فجاءت بخبزٍ وكامخٍ ؛ ثمّ قال أيضاً : يا جاريةُ ! هات خبزاً وما رزق الله ؛ فجاءت بخبزٍ وكامخٍ ؛ فقال الضيف : يا جارية ! هات خبزاً ودعي ما رزق الله ● قال الماجشون : كان بالمدينة عطّاران يهوديّان ، فأسلم أحدهما وخرج فنزل العراق ، فالتقيا ذات يوم ، فقال اليهودي للمسلم : كيف رأيت دين الإسلام ؟ قال : خير دين ، إلاّ أنّهم لا يدعونا نفسو في الصلاة كما كنّا نصنع ونحن يهودٌ ! فقال له اليهودي : ويلك ! افس وهم لا يعلمون ! ● قال ابن الأعرابي : قيل لكذّاب : تذكر أنّك صدقت قطّ ؟ فقال : لولا أني أخاف أن أصدق لقلت : نعم ● قال عبد الله بن أحمد المقرئ : صلى بنا إمامٌ لنا وكان شيخاً صالحاً ، وقد اشترى سطلاً ، فاستحيا أن يجعله قدّامه في الصلاة ، فجعله خلفه ، فلمّا ركع شغل قلبه به ، فظن أنّه قد سرق ، فرفع رأسه ، فقال : ربنّا ولك السطل ! فقلت له : السطل خلفك ، لا بأس ● سمع يزيد بن أبي حبيبٍ رجلاً يقول : جئت من أسفل الأرض ! فقال : كيف تركت قارون ؟ ● عن أبي حميدٍ أو حميدٍ ، قال : مرض مولى لسعيد بن العاص ، فبعث إلى سعيد بن العاص أنّه ليس له وارثٌ غيرك ، وههنا ثلاثون ألفاً مدفونةٌ ، فإذا أنا مت فخذها ؛ فقال سعيدٌ : ما أرانا إلا قد قصّرنا في حقه ، وهو من شيوخ موالينا ؛ فبعث إليه بفرسٍ ، وتعاهده ، فلمّا مات اشترى له كفناً بثلاثِ مئة درهم ، وشهد جنازته ، فلمّا رجع إلى البيت ، وردّ الباب ، وأمر أن يحفر الموضع الذي ذكر ، فلم يوجد شيءٌ ، ثمّ حفر موضعٌ آخر فلم يوجد شيءٌ ، فحفر البيت كلّه فلم يوجد شيءٌ ، وجاءه صاحب الكفن يطلب ثمن الكفن ، فقال : لقد هممت أن أنبش عنه لما تداخله ● قال علي بن عاصم : تنبّأ حائكٌ بالكوفة ، فاجتمع عليه الناس ، فقالوا : أتق الله ، خف الله ، رأيت حائك نبيّ ؟ قال : ما تريدون أن يكون نبيّكم إلا صيرفيّ
عن كتاب أخبارالظراف والمتماجنين لابن الجوزي مجلة همسات الإلكترونية ـ البوابة