بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة الثقافة الأدبية طرائف الظرفاء وحكايات الفطناء
● [ القسم الرابع ] ● فيما يروى من ذلك عن العرب
● قال الأصمعي : كان أعرابيّان متواخيين بالبادية ، فاستوطن أحدهما الريف ، واختلف إلى باب الحجّاج ، فاستعمله على أصبهان ، فسمع أخوه الذي بالبادية ، فضرب إليه ، فأقام ببابه حيناً لا يصل إليه ، ثمّ أذن له بالدّخول ، فأخذه الحاجب ، فمشى به ، هو يقول : سلّم على الأمير ؛ فلم يلتفت إلى قوله ، وأنشد: ولست مسلّماً ما دمت حيّا ● على زيدٍ بتسليم الأمير فقال : لا أبالي ؛ فقال الأعرابي : أتذكر إذ لحافك جلد كبشٍ ● وإذ نعلاك من جلد البعير فقال : نعم ، فقال الأعرابي : فسبحان الذي أعطاك ملكاً ● وعلمك الجلوس على السرير وقال الأصمعي : أتيت البادية ، فإذا أعرابيّ قد زرع برّاً ، فلمّا استوى وقام على سنبله ، مرّ به رجلٌ من جرادٍ ، وتضيّفوا به ، فجعل الأعرابي ينظر إليه ولا حيلة له ، فأنشأ يقول: مر الجراد على زرعي فقلت له ● ألمم بخيرٍ ولا تلمم بإفساد فقال منهم عظيمٌ فوق سنبلةٍ ● إنّا على على سفرٍ لا بد من زاد ● قال إبراهيم بن عمر : خرج أبو نواس في أيّام العشر يريد شراءَ أضحيةٍ ، فلمّا صار في المربد إذا هو بأعرابي قد أدخل شاةً له يقدمها كبشٌ فارهٌ ، فقال : لأجرِّبنّ هذا الأعرابي فأنظر ما عنده ، فإني أظنّه عاقلاً ؛ فقال أبو نواسٍ: أيا صاحب الشّاة الّتي قد تسوقها ● بكم ذاكم الكبش الذي قد تقدّما فقال الأعرابيّ : أبيعكه إن كنت ممّن يريده ● ولم تكُ مزّاحاً بعشرين درهما فقال أبو نواسٍ : أجدت رعاك الله ردَّ جوابنا ● فأحسن إلينا إن أردت التّكرما فقال الأعرابي : أحطُّ من العشرين خمساً فإننّي ● أراك ظريفاً فأقبضنه مسلماً قال : فدفع إليه خمسة عشر درهماً ، وأخذ كبشاً يساوي ثلاثين درهماً ● قال أبو جعفرٍ محمد بن عبد الرحمن البصري : حدّثني ابن عائشة أنّ فتيان من فتيان أهل البصرة خرجوا إلى ظهر البصرة ، فأخذوا في شرابهم ، وما زالوا يتناشدون ويتنادمون ويتحدّثون حتى كربت الشمس أن تغرب ، فطلبوا خلوةً ممّن يغلُ عليهم في شرابهم ، فإذا أعرابيٌ كالنّجم المنقض يهوي حتى جلس بينهم ، فقال بعضهم لبعض : قد علمنا أنّ مثل هذا اليوم لا يتم لنا ؛ ثمّ قال أحدهم: أيها الواغل الثّقيل علينا ● حين طاب الحديث لي ولصحبي فقال الآخر: خفَّ عنّا فأنت أثقل واللّه ● علينا من فرسخي دير كعب فقال الثالث: فمن النّاس من يخف ومنهم ● كرحى البزر ركبت فوق قلب فقال الأعرابي: لست بالنّازح العشيّة والله ● لشجِّ ولا لشدَّةِ ضرب أو تروون بالكبار حشاشي ● وتعلّون بعدهن بقعبي وطرح قعباً كان معلّقاً ؛ فضحكوا من ظرفهِ ، وحملوه معهم إلى البصرة ، فلم يزل نديماً لهم ● قال العتبيّ : اشتدّ الحرُّ عندنا بالبصرة وركدت الرّيح ، فقيل لأعرابيّ : كيف كان هواؤكم البارحة ؟ قال : أمسك ! كأنّه يسمع ● قال ابن الأعرابي : قال رجلٌ من الأعراب لأخيه : تشرب الخازر من اللبن ولا تتنحنح ؟ فقال : نعم ؛ فتجاعلا جعلاً ، فلمّا شربه آذاه ؛ فقال : كبشٌ أملحُ ، وبيت أفيح ، وأنَا فيه أتبحبح فقال له أخوه : قد تنحنحت ! فقال : من تنحنح فلا أفلح ● قال إبراهيم بن المنذر الحزاميّ : قدم أعرابيُّ من أهل البادية على رجلٍ من أهل الحضر ، فأنزله ، وكان عنده دجاجٌ كثيرٌ ، وله امرأة وابنان وبنتان قال : فقلت لامرأتي : اشوي دجاجةٌ وقدميها إلينا نتغدى بها ؛ وجلسنا جميعاً ، ودفعنا إليه الدجاجة ، فقلنا : اقسمها بيننا ؛ نريد بذلك أن نضحك منه ، قال : لا أحسن القسمة ، فإن رضيتم بقسمتي قسمت بينكم ؛ قلنا : نرضى ؛ فأخذ رأس الدجاجة ، فقطعه ، فناولينه ، وقال : الرّأس للرئيس ؛ ثمّ قطع الجناحين ، وقال : الجناحان للابنين ؛ ثمّ قطع السّاقين ، وقال : الساقان للابنتين ؛ ثمّ قطع الزّمكّى ، وقال : العجز للعجوز ؛ ثمّ قال : والزّور للزائر ؛ فلمّا كان من الغد ، قلت لامرأتي : اشوي لي خمس دجاجاتٍ ؛ فلمّا حضر الغداء ، قلنا : اقسم بيننا ؛ قال : شفعاً أو وتراً ؟ قلنا : وتراً ، قال : أنت وامرأتك ودجاجةٌ ثلاثةٌ ؛ ثمّ رمى بدجاجةٍ ، وقال : وابناك ودجاجةٌ ثلاثةٌ ؛ ورمى إليهما بدجاجةٍ ، وقال : وابنتاك ودجاجةٌ ثلاثةٌ ؛ ثمّ قال : وأنا ودجاجتان ثلاثةٌ ؛ فأخذ الدجاجتين ؛ فرآنا ننظر إلى دجاجتيه فقال : لعلّكم كرهتم قسمتي الوتر ؟ قلنا : اقسمها شفعاً ؛ فقبضهن إليه ، ثمّ قال : أنت وابناك ودجاجةٌ أربعةٌ ؛ ورمى إلينا دجاجةٌ ، ثمّ قال : والعجوز وابنتاها ودجاجةٌ أربعة ؛ ورمى إليهنّ دجاجةٌ ، ثم قال : وأنا وثلاث دجاجات أربعةٌ ؛ وضم ثلاث دجاجاتٍ ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : الحمد لله ، أنت فهّمتنيها ● قال الشعبيّ : قال عمرو بن معدي كرب : خرجت يوماً حتى انتهيت إلى حي ، فإذا بفرسٍ مشدودةٍ ورمحٍ مركوز ، وإذا صاحبه في وهدةٍ يقضي حاجة له ، فقلت له : خذ حذرك ؛ فإني قاتلك ؛ قال : ومن أنت ؟ قلت : أنا ابن معدي كرب ؛ قال : يا أبا ثور ! ما أنصفتني ؛ أنت على ظهر فرسك وأنا في بئرٍ ! فأعطني عهداً أنّك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري ؛ فأعطيته عهداً أني لا أقتله حتى يركب فرسه ويأخذ حذره ؛ فخرج من الموضع الذي كان فيه حتى احتبى بسيفه وجلس ؛ فقلت له : ما هذا ! ؟ قال : ما أنا براكبٍ فرسي ، ولا مقاتلك ! فإن نكثت عهداً فأنت أعلم ؛ فتركته ومضيت ؛ فهذا أحيل من رأيت ● قال قحذمٌ : وجد في سجن الحجّاج ثلاثةٌ وثلاثون ألفاً ، ما يجب على أحدٍ منهم قطعٌ ولا قتلٌ ولا صلبٌ ، وأخذ فيهم أعرابيٌّ رئي جالساً يبول عند ربط مدينة واسط ، فخلّي عنهم ، فانصرف الأعرابي وهو يقول: إذا نحن جاوزنا مدينة واسطٍ ● خرينا وصلّينا بغير حساب ● سمع أعرابيٌّ رجلاً يروي عن ابن عباس أنّه قال : من نوى الحجّ وعاقه عائقٌ كتب له الحجّ ؛ فقال الأعرابي : ما وقع العام كراءٌ أرخص من هذا ! ● استأذن حاجب بن زرارة على كسرى ، فقال له الحاجب : من أنت ؟ فقال : رجلٌ من العرب ؛ فأذن له ، فلمّا وقف بين يديه ، قال : من أنت ؟ قال : سيد العرب ؛ قال : ألم تقل للحاجب أنا رجلٌ منهم ؟ قال : بلى ! ولكني وقفت بباب الملك وأنا رجلٌ منهم ، فلمّا وصلت إليه سدتهم ؛ فقال كسرى : زه ! احشوا فاه درّاً ● نزل أعرابي في سفينةٍ ، فاحتاج إلى البراز ، فصاح : الصلاة الصلاة ؛ فقربوا إلى الشطّ ، فخرج ، فقضى حاجته ، ثم رجع ، فقال : ادفعوا ، فعليكم بعد وقتٌ ● قيل لأعرابي : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت وأرى كلّ شيءٍ مني في إدبارٍ ، وإدباري في إقبال ● اشترى أعرابيٌّ غلاماً ، فقيل له : إنّه يبول في الفراش ؛ فقال : إن وجد فراشاً فليبل فيه ● نظر أعرابيٌ إلى البدر في رمضان ، فقال : سمنت وأهزلتني ، أراني فيك السّلّ ● قيل لبعضهم : أيّ وقتٍ تحبّ أن تموت ؟ قال : إن كان ولا بد ، فأوّل يوم من رمضان ● قال رجلٌ لرجلٍ : ممّن أنت ؟ قال : من العرب ، من بني تميم قال : من أكثرها أو من أقلها ؟ قال : من أقلها . يشير إلى قوله تعالى : ! ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) ! سورة الحجرات / الآية : 4 ● قال الأصمعي : حدّثني شيخٌ من بني العنبر ، قال : أسر بنو شيبان رجلاً من بني العنبر ، فقال لهم : أرسلوا إلى أهلي ليفدوني ؟ قالوا : ولا تكلم الرسول إلا بين أيدينا ؛ فجاءوه برسولٍ ، فقال له : ائتِ قومي ، فقل لهم : إن الشجر قد أورق ، وإنّ النساء قد اشتكت ؛ ثمّ قال له : أتعقل ؟ قال : نعم ، أعقل ؛ قال : فما هذا ؟ وأشار بيده إلى الليل ؛ فقال : هذا الليل ؛ قال : أراك تعقل ، انطلق فقل لأهلي : عرّوا جملي الأصهب ، واركبوا ناقتي الحمراء ، وسلوا حارثة عن أمري ؛ فأتاهم الرسول ، فأرسلوا إلى حارثة ، فقص عليه القصة فلمّا خلا معهم ، قال : أما قوله : إن الشجر قد أورق ؛ فإنه : إن القوم قد تسلحوا ؛ وقوله : إن النساء قد اشتكت ؛ فإنه يريد : إنها قد اتخذت الشكاء للغزو ، وهي أسقيةٌ ، وقوله : هذا الليل ؛ يريد : يأتونكم مثل الليل أو في الليل ؛ وقوله : عروا جملي الأصهب ؛ يريد : ارتحلوا عن الصمان ؛ وقوله : واركبوا ناقتي ؛ يريد : اركبوا الدّهناء فلمّا قال لهم ذلك تحولوا من مكانهم ، فأتاهم القوم ، فلم يجدوهم ● قال ابن الأعرابي : أسرت طيىء رجلاً شاباً من العرب ، فقدم عليه أبوه وعمّه ليفدياه ، فاشتطوا عليهما في الفداء ، وبذلاً ما لم يرضوا ، فقال أبوه : لا والذي جعل الفرقدين يصبحان ويمسيان على جبلي طيىءٍ لا أزيدكم على ما أعطيتكم ؛ ثمّ انصرفا ، فقال الأب للعم : لقد ألقيت إلى ابني كلمةٌ إن كان فيه خيرٌ لينجونّ ؛ فما لبث أن نجا ، وطرد قطعةً من إبلهم ، كأنّه قال له : الزم الفرقدين على جبلي طيىءٍ ، فإنّهما طالعان عليه ، ولا يغيبان عنه ● قال عيسى بن عمر : ولي أعرابيٌ البحرين ، فجمع يهودها ، فقال : ما تقولون في عيسى بن مريم ؟ قالوا : نحن قتلناه وصلبناه ؛ قال : فوالله لا تخرجون حتى تؤدوا ديته ؛ فأخذها منهم ● وولي أعرابيٌّ تبالة ، فصعد المنبر ، فقال : إنّ الأمير ولاّني بلدكم ، وإني والله ما أعرف من الحق موضع سوطي ، ولا أوتى بظالم ولا مظلومٍ إلا أوجعتهما ضرباً ، فكانوا يتعاطون الحق بينهم ولا يترافعون إليه ● قال نصرٌ بن سيار : قلت لأعرابي : هل أتخمت قط ؟ فقال : أمّا من طعامك وطعام أبيك فلا فيقال : إن نصراً حم من هذا الجواب أياّماً ● سافر أعرابيٌّ في وجهٍ فلم ينجح ، فقال : ما ربحنا في سفرنا إلا قصر الصلاة ● كان عامر بن ذهلٍ من أشد الناس قوةً ، فأسن وأقعد ، فاستهزأ به شبابٌ من قومه وضحكوا منه ، فقال : إني ضعيف ، فادنوا مني ، فاحملوني ؛ فدنوا منه ليحملوه ، فضمَّ رجلين إلى إبطه ، ورجلين بين فخذيه ، ثمّ زجر بعيره ، فنهض بهم مسرعاً ، فقال : بني أخيّ ! أرجلكم والعرفط ؛ فأرسلها مثلاً
عن كتاب أخبارالظراف والمتماجنين لابن الجوزي مجلة همسات الإلكترونية ـ البوابة