بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
حوادث الدهور
{ احداث سنة ثلاث وخمسين وثماني مائة }
سنة ثلاث وخمسين وثماني مائة استهلت وأرباب الدولة كما تقدم إلا ما ذكرناه في وقته المحرم أوله الاثنين في يوم الثلاثاء تاسعه شكا تمراز نائب القدس كان على الأمين عبد الرحمان ابن الدبري إلى السلطان وادعى إنه أثار فتنة بالقدس حصل بسببها قتال وقتل من مماليك تمراز شخص وأن ابن الديري نادي بغلق المسجد الأقصى وبالجهاد في تمراز وأنه كافر فاستشاط السلطان من ذلك وأمر بوضع الجنزير في رقبة ابن الدبري وإرساله إلى حبس المقشرة فوضع في رقبته الجنزير وذهب به فشفع به وقلع الجنزير من رقبته عند باب الجامع الذي بالقلعة وأمر بحمله وخصمه للقاضي المالكي فحملا إليه.
ضربت رقبة الكيماوي بمقتضى إنه ثبت عند الشمس محمد الديسطي المالكي زندقته ثم الحق في الإسجال بعد إنه ثبت عنده إنه ملحد كاذب قلت وقتله كان من أكبر المصالح فان سيرته عند الأعاجم قبيحة لأمور ارتكبها بتلك البلاد ووقع له أيضا مع ألوغ بك بن شاه رخ ما كان فيه ذهاب روحه لكن منيته لم تكن إلا بمصر وقد عظم قتله على خلائف من الناس ممن لا يعرف حقيقة أمره وزعما أن بعد قتله وقع الوباء والغلاء والشراقي وهذه الآفات وليس كذلك وكلما تراه بقدر مقدور.
وفيه جاوز تعرف الأموات المائة كل يوم وفي يوم الأحد رابع عشرة توفي شهاب الدين الهيتي أحد الطلبة.
وفي يوم الاثنين خامس عشرة توفي شهاب الدين المسطيهي أحد نواب الحكم.
وبلغ التعريف في هذا اليوم مائة وستة عشر وجاوزت مصلاة باب النصر وحدهما مائة والتعريف لا عبرة به أيام الطاعون وفي المحرم يوم الثلاثاء سادس عشرة بلغ التعريف مائة وأربعة عشر وفي الذي يليه مائة واثنين وثمانين.
وفي يوم الجمعة تاسع عشرة وصل ركب المماليك المجاورين إلى القاهرة وفي يوم السبت عشرية دخل الركب الأول من الحاج القاهرة وأميرة قائم التجر ثم دخل من الغد ركب المحمل وأميره سونجيغا اليونسي الناصري وكلاهما أمير عشرة.
صفر أوله الأربعاء فيه عظم الطاعون بالديار المصرية فكان عدة من يموت فيه زيادة على ألف تقريبا ولا عبرة بمن يرد منهم الديوان فان غالب الناس إذا اشتد الطاعون لا يطلقون أمواتهم بل يأخذون من توابيت الأوقاف فلهذا كون التعريف في الوباء لا عبرة به وفي يوم الأربعاء هذا توفي سيدي أحمد ولد السلطان وفي يوم الخميس ثانيه توفي العلاء الكرماني شيخ سعيد السعداء وفي يوم الاثنين سادسه توفي الشريف حسن بن على المعزول عن نقابة الأشراف والبرهان إبراهيم بن ظهير ناظر الإسطبل ودفن من الغد وفي أول هذا الشهر توفي الشريف علي بن حسن بن علان المعزول عن إمرة مكة بثغر دمياط وورد الخبر بموته في يوم الجمعة عاشرة وفي يوم الجمعة المذكورة توفي أمير سلاح ودفن من الغد كما سيأتي في الوفيات وفي يوم سنة سمه لسبت حادي عشرة توفي جماعة من الأعيان وهم ابنة السلطان التساعية شقيقة أحمد الماضي قريبا وابنه الخليفة المستكفي بالله والناصري محمد بن طوغان الحسنى الدوادار في الدولة الناصرية المؤيدية وخازندار الكمال ابن البارزي فكان هذا اليوم من الأيام المهولة تحير فيه أعيان الدولة إلى أي جناز تتوجه.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرة توفي البدر ابن التنسي قاضي المالكية بمصر.
وفي يوم الأربعاء خامس عشرة توفي ازبك الساقي الظاهري جقمق وحر السلطان الصلاة عليه اينال اليشكي كما سيأتي في الوفيات.
وفي يوم الجمعة سابع عشرة توفي كل من الولي أبي الدين محمد ابن قاسم وإسماعيل بن عمر الهواري بالقاهرة.
وفي يوم السبت ثامن عشرة توفي سيدي محمد ابن السلطان الخماسي وأمه أم ولد وقرا قجا الحسنى أمير آخور كبير ثم توفي ولده وكان يقارب عشرين في يومه فأخر أبوه حتى أخرجت جنازتهما من الغد معا وكثر الاسق عليهما.
وفي يوم الأحد توفي جانم الظاهري جقمق الدوادار المعروف بجانم خمسمائة وخوند فاطمة ابنة السلطان الخماسية وأمها أم ولد وفي يوم الاثنين عشرة تناقص الطاعون ناقصا ظاهرا بل كان تناقص قبل ذلك بأيام ولكن فشا فيه النقص ومع ذلك فيموت كل يوم خلائق نسأل الله الموت على الإسلام وفي ليلة الاثنين عشرية توفي الشريف أبو القسم بن حسن ابن عجلان المعزول عن إمرة مكة قبل وأخت السلطان القادمة عليه من جركس في أوائل السن الماضية أو التي قبلها وفي يوم الثلاثاء حادي عشرية توفيت زوجة السلطان الصلاة عليها وفي يوم الأربعاء ثاني عشرية توفي سيدي محمد ولد السلطان السداسي وأمه أيضا أم ولد وبختك الناصري أحد أمراء العشرات.
وفي يوم الأحد سادس عشرية توفي السيفي بردبك الخاصكي الظاهري جقمق عرف بأنني عشر والست اردباص الجاركسية زوجة تمراز أمير سلاح المتوفى قريبا والشيخ المعتقد الشمس محمد بن عبد الرحمن ابن سلطان.
وفي ثامن عشرية استقر الشمس محمد بن عامر أحد نواب المالكية في قضاء إسكندرية عوضا عن الولي ورسم السلطان بنفي قشتم الناصري كاشف البحيرة إلى القدس وبنفي اينال الساقي الظاهري عرف بخوند إلى طرابلس لكونه ضرب فرجا كاتب المماليك ضربا مبرحا وفي يوم الأربعاء تاسع عشرية توفي تمرباص التمربغاوي رأس نوبة النوب وزوجة الكمال ابن البارزي وهي ابنة الأمير ناصر الدين محمد ابن العطار وكانت من خيار نساء عصرها دينا وعبادة وبرا رحمها الله ومحمد بن الزيني عبد الباسط وسنه نحو العشرين سنة مخمينا وهو ثالث ولد مات لأبيه في هذا الباء.
في يوم الجمعة ثانيه خرجت تجريدة إلى البحيرة ومقدمهم جرباش كرد وصحبته خمسة أمراء أخر وفيه توفيت الست سارة ابنة الاتابك اقبغا التمرازي زوجة المقام الناصري محمد بن الظاهر جقمق وامها كريمتي وصلى عليها السلطان من الغد بمصلى المؤمني رحمها الله.
وأنعم بأقطاع تمرباص على بيغوت نائب حماة واكتب بإحضاره ثم تغير بعد أيام.
وفي يوم الثلاثاء سادسه توفي الزيني عبد الرحمان بن عبد الرحيم ابن الحاجب.
وفي يوم الاثنين ثاني عشرة عزل تمراز عن نيابة القدس وأعيد نائبها خشقدم العبد الرحماني.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرة توفي الشهابي أحمد بن البدر ابن مزهر.
وفي هذه الأيام قل الطاعون بالقاهرة وكثر بضواحيها.
وفي يوم الأربعاء رابع عشرة ايدكي الظاهري جقمق الدوادارز وفي يوم الاثنين تاسع عشرة نفي جانك المعروف بشيخ البجمقدار إلى حلب.
وفي يوم الخميس سابعه ليس الكمال ابن البارزي كاتب السر كاملية سمور خلعة الاستدار وقيد له فرس بسرج ذهب وكنبوش زركش.
وفي يوم الاثنين تاسع عشرة ورد الخبر بموت خشقدم نائب القدس واستقر عوضة في نيابة القدس مبارك شاه السيفي سودون من عبد الرحمان أحد أمراء دمشق وفيه لبس العلاء ابن اقبرس كاملية الاستمرار في الحسبة على مال بذله للخزانة واستقر فارس السيفي جار قطلو المعزول قبل عن قطيا في اتابكية غزة عوضا عن تمراز الاشرفي بحكم القبض عليه.
وفي يوم الأربعاء سابع عشرية عقد مجلس بالشافعي وجماعة من الفقهاء الشافعية بسبب ابن اقبرس.
وفي هذا الشهر ترادفت الأخبار من بلاد حلب بان أهلها في رجيف عظيم بسبب جهان كبر بن علي بك بن قرا يلك وكثر كلام العامة في ذلك ولهج الناس بسفر السلطان للبلاد الشامية.
فإن القمح بيع بثلاثمائة والقول بما يقاربه والشعير بدينار وزاد ثمن الدقيق على مائةٍ البطة.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشرة رسم السلطان بمسك الشيخ على المحتسب كان ونفيه فرسم عليه إلى آخر النهار ثم افرج عنه وعن نائبه العز عبد العزيز الانبابي بعد عمل المصلحة.
عزل البلقيني لكون ابن اسحق أحد نوابه بمصر القديمة حكم بزوجية امرأة مات عنها زوجها بعد أن أطلقها في مرض موته واتصل بالعلاء أن اقبرس أنها بائنة منه بعد أن أقيمت البين عنده إنه مات وهي في عصمته ثم حضرت بينة أخرى وقيل أنها هي البينة المشار إليها بعينها عند ابن إسحاق بأنه طلقها قبل موته فحكم بأنها في عصمته فبلغ الخبر السلطان فطلب ابن إسحاق بأنه طلقها قبل موته فحكم بأنها في عصمته فبلغ الخبر السلطان فطلب ابن إسحاق وضربه ضربا مبرحا وحبسه بالمقشرة ثم عزل أستاذه ولهج بتوليه الجلال المحلي فقال لا اقبل إلا بشروط منها آني لا أتكلم في الأوقاف ولا أولى قضاة الريف وظهر تمنعه فعند ذلك تكلم أرباب الدولة في إعادة القاضي فأجاب وخلع عليه من الغد باستمراره.
جمادى الآخرة أوله الثلاثاء فيه لبس القاضي علم الدين خلعة الاستمرار كما تقدم.
واستهل الشهر وقد انحطت الأسعار يسيرا فأبيع القمح بمائتين وتسعين والقول بمائتين وأربعين والشعير بمائة وستين هذا مع أن زيادة البحر في هذا العام انقص من الماضي هذا الوقت بعدة أصابع وفي يوم الخميس ثالثه عين السلطان تمراز من بكتمر المؤيدي المصارع المعزول قبل عن نيابة القدس إلى سفر الوجه القبلي وصحبته عدة من المماليك السلطانية.
وفي يوم الخميس رابع عشرة ندب السلطان الدوادار لثاني تمربغا للتوجه إلى البحيرة للأمراء المجردين وعلى يده مرسوم بالإفراج عن الممسوكين من عرب محارب بعد أن توغر خاطر السلطان على الأمراء لقبضهم عليهم فأنهم كانوا ضروا إلى السلطان في غيبة الأمراء وأمنهم وخلع عليهم فلما توجهوا إلى البحيرة وقابلوا الأمراء قبضوا عليهم لما رأوه من المصلحة في القبض عليهم.
وفي يوم الجمعة خامس عشرية قدم تمربغا من البحيرة بعد إطلاق من توجه بسببهم.
وتزاحموا على حوانيت الخبازين ونهب العامة الخبز من الدكاكين وعظم الأمر حتى بيعت البطة من الدقيق بمائة وخمسة وثلاثين الإردب والقمح بنحو أربعمائة فلله الأمر من قبل ومن بعد وأن يوم الخميس المذكور يوم الحادي والعشرين من مسري.
وفي يوم الأحد سابع عشرية قدم أخو السلطان من بلاد الجاركس وكان قدم قبل هذا التاريخ مرة أخرى في الدولة الأشرفية وهو قبيح المنظرة ونفسه أخبت من منظره.
وفي يوم الاثنين ثامن عشرية وصل قراجا العمري وإلى القاهرة كان من دمشق.
ونودي بزيادة أربعة أصابع فكمل النقص باثنين منها فبقي من الوفاء ستة أصابع في يوم الثلاثاء ويوافقه السادس والعشرون من مسرى وهو شيء لم يعهد مثله إلا نادرا وفي يوم الأربعاء سلخه وهو موافق لسابع عشري مسري وفي النيل ستة عشر ذراعا وإصبعين من السابع عشر فسر الناس بذلك غاية السرور ونزل المقام الفخري ابن السلطان فعدي النيل وخلق المقياس ثم عاد وفتح خليج السد على العادة فكان يوما مسهودا ولقد احسن سبط الملك الحافظ حيث يقول في هذا المعنى (الكامل).
جَبَرَ الْخَليجَ بِكَسْرَ الْوَرَى ● طُراُّ فَكُلُّ قَدْ غَدَا مَسْرُوراَ
الَمَاءُ سُلْطَانْ فَكَيْفَ تَوَاتَرَتْ ● عَنْهُ البَشائِر إذ غَدَا مَكْسُورا
الَمَاءُ سُلْطَانْ فَكَيْفَ تَوَاتَرَتْ ● عَنْهُ البَشائِر إذ غَدَا مَكْسُورا