بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
حوادث الدهور
{ احداث سنة خمس وخمسين وثماني مائة }
سنة خمس وخمسين وثماني مائة استهلت وواقف ذلك العاشر من امشير أحد شهور القبط والخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان وهو على خطة وسلطان الديار المصرية الظاهر أبو سعيد جقمق والقضاة والأمراء وأرباب الدولة على حالهم في العام الماضي إلا الزردكاش وهو لاجين ولي بعد موت تغرى برمش وإلا نائب غزة فهو جانبك التاجي المؤيدي وليها بعد عزل خيرك الوروزي وإلا وظائف أبي الخير النحاس فاستقر فيها الشرف الأنصاري والأسعار في زيادة عن الحد فالقمح بألف وخمسمائة فما الأنصاري والأسعار في زيادة عن الحد فانقمح بألف وخمسمائة فما دونها والقول والشعير كل منهما بنحو ألف فما دونها وهما في قلة إلى الغاية والدقيق العلامة بخمسمائة البطة فما دونها والتين بخمسمائة الحمل فما دونها بل بيع بثغر دمياط بألف ولذلك تعطلت دواليب الثغر المذكور وخربت عدة بساتين القاهرة وضواحيها وبيع الفدان من البرسيم الأخضر بعشرين دينارا ثم انتهى إلى ثلاثين آخر السنة ثم عز وجوده البتة وبيع الطب بمائة الحملة وهو في زيادة وأما اللحوم فقليلة جداً والسمين فيها فنادر وماء النيل المحمول إلى القاهرة الراوي منه بأزيد من عشرين والجبن المقلي يندر وجوده والأبيض الجاموس باثني عشر الرطل والشيرج والزيت كل منهما بأربعة وعشرين والزيت الحار بخمسة عشر والسمن بثلاثين وعسل النحل بنحو ذلك والدبس بثني عشر والأرز بأربعة وعشرين القدح والخبز بثمانية دراهم الرطل وأجرة طحن الإردب من القمح مائة وعشرون ولذلك أتخذ غالب الناس في بيوتهم الارحية وكثرت الفقراء بالديار المصرية وعظم إلحاحهم في السؤال بحيث إنه لا يكاد الشخص يمر في الطرق إلا وهم بأثره.
المحرم أوله الخميس يوافقه عاشر أحد شهور القبط.
وفي يوم الجمعة ثانيه توفي الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان وهو في عشر الستين.
وفي يوم الاثنين خامسه جلس السلطان بالقصر الأعلى من القلعة داخل القصر الأبلق واستدعى الشرفي حمزة بن المتوكل على الله أبي عبد الله محمد بحضرة القضاة وأعيان الدولة واجتماعهم على مبايعته بالخلافة فاستفتح القاضي الشافعي الشرف المناوي البيعة بخطبة قصيرة في غير المعنى ثم سكت في أثناء الخطبة ظانا أن البيعة تمت فاستأنف الكمال ابن البارزي كاتب السر بخطبة بليغة حمد الله فيها وأثنى على نبيه صلى الله علم ثم على الخليفة بعبارة طلقة مع فصاحة وحسن تأديبه إلى أن تمت البيعة وبايعه ومن حضر على مراتبهم ثم سأل الكمال الخليفة أن يفوض للسلطان ويقلده أمور الرعية ويجعله متصرفا في المملكة كيف شاء وعدد له أشياء من هذه المقالة واستدعى السلطان بالتشريف الخليفتي فألبسه حمزة المذكور ووثب السلطان قائما على قدميه إلى أن تم لبسه وعاد وقرأ الفتحة ثم قام ونزل إلى داره وبين يديه وجوه الدولة من القضاة والأمراء والأعيان وازدحم الناس لرؤيته ولقب بالقائم بأمر الله.
وفي يوم الخميس خامس عشرة وصل إلى القاهرة ولد جهان كبير بن علي بك بن قرا تتضمن ما معناه أن جهان كبير مملوك السلطان ويطلب رضى الخواطر الشريفة عليه فأكرم السلطان المولد الذكور ثم بعد أيام أنعم عليه بإمرة عشرة بطرابلس وسم له بالتوجه إليها ويكون معه بها نحو عشرة من حاشية والده.
وفي يوم الأربعاء حادي عشرية وصل سونجيغا اليونسي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة أمير حاج الرجيبة وصحبته جرباش المحمد الناصري أحد الألوف بالديار المصرية ومن الغد وصل خيربك المؤيدي بالركب الأول وفي يوم الجمعة ثالث عشرية وصل تمربغا الظاهري الدوادار الثاني يركب حاج المحمل.
وفي هذا الشهر استقر الشباب أحمد التلمساني المغربي في قضاء المالكية بدمشق بعد عزل القاضي سالم.
وفيه توفي قاضي مدينة الينبع الشمس محمد ابن زبالة وفي العشر الأخير من هذا الشهر توفي الجمال عبد الله بن هشام أحد نواب الحنابلة.
وفي يوم الخميس تاسع عشرية توفي الرئيس مجد الدين عبد الرحمان ابن الجيعان ناظر الخزانة وكاتبها.
صفر أوله الجمعة وطلعا قصاد جهان شاه فتمثلوا بين يدي المواقف وقدموا هدية مرسلهم وتشتمل على بعض خوذ وزرديات وجمال خاتي أربعة عشر جملا وصحبتهم ابن أخيه اصبهان بن قرا يوسف وسنة نحو عشر سنين وكانت المطالعة بالعجمي فعربت ومعناه الود للسلطان وإنه تحت طاعته واعتذر أيضاً عن قدومه من ديار بكر وأخذه ارزنكان ومدينة ماردين من جهان كير بن علي بك بن قرا يلك وإنه لم يفعل ذلك غلا لخروجه عن طاعة السلطان وسوء سيرته في الرعية والقصد رفع يده عن ممالك ديار بكر وتوليتها عمه الشيخ حسن بن قرا يلك لتكون تحت طاعة السلطان ثم ذكر القاصد أن مرسل أرسل بابن أخيه ليكون تحت نظر السلطان ومن جملة مماليكه فأخذه في الحال وضمه إلى ولده المقام الفخري عثمان ثم انفض الموكب وعاد القصاد إلى حيث أنزلوا بالميدان ومنعوا من الاجتماع بالناس ورتب لهم السلطان في كل يوم برسم النفقة عشرة آلاف درهم.
وفيه ورد الخبر بموت خوند كار مراد بك بن عثمان متملك الروم في سابع المحرم منها.
ربيع الأول أوله السبت فيه توفي الشيخ شمس الدين محمد ابن إحسان الشافعي شيخ خانقاه سعيد السعداء واستقر في المشيخة بعده الشيخ خالد.
فكانت تقدمة الجمالي تشتمل على ذهب عين خمسة آلاف دينار ومن الصوف الملون خمسين ثوبا ومثلها من المخمل الملون ومن البعلبكي مائة ومن الفرو وسمور خمسة أبدان وكذا من الوشق وعدة أبدان من السنجاب وقماش سكندري كالمناديل المذهبة والشقق الحرير وغير ذلك وسكر نبات وحلوي وفاكهة على عدة حمالين وكانت تقدمة الزيني تشتمل على خمسة آلاف دينار أيضاً ومن البعلبكي خمسمائة ثوب مخمل مدنر وسادج أربعين ثوبا وقماش سكندري ما بين مناديل مذهبة وشقق حرير وغير ذلك وثمانية أفراس وسكر نبات وحلوى وفاكهة على عشرين حمالا.
وفي يوم الثلاثاء رابعه لبس الزيني خلعة الاستمرار كاملية بفرو وسمور وفي أوائل هذا الشهر وردت الأخبار من البلاد الشامية بأن جهان كبير بن علي بك بن قرا يلك صاحب امد أرسل أخاه حسنا وصحبته جماعة من عسكره لقتال عسكر جهان شاه بن قرا يوسف الذي هو صحبة عمه الشيخ حسن بن قرا يلك فسار حسن بمن معه غارة وبيت عمه الشيخ حسنا بمن معه من عسكر جهان شاه وطرقه بغتة فظفر بعمه وبابنه فقتلهما معا وحز رأسهما وقتل معهما عدة من عسكر جهان شاه وأبدع فيهم ثم عاد حسن إلى أخيه جهان كبير بآمد مؤيدا منصورا.
وفي يوم الخميس سادسه لبس الجمالي ناظر كاملية بفرو وسمور.
وفي يوم الخميس ثالث عشرة توفي القاضي شمس الدين محمد ابن أخت السخاوي.
وفي يوم الجمعة رابع عشرة ويوافقه حادي عشري برمودة أحد شهور القبط لبس السلطان القماش الأبيض على العادة.
وفي يوم الاثنين سابع عشرة عقد السلطان عقده على ابنة الزيني عبد الباسط وكان المتولي له قاضي الحنابلة البدر البغدادي وخلع عليه السلطان بعد إنجاز العقد كاملية بفرو وسمور.
وفي يوم الجمعة حادي عشرية سافر الزيني الاستادار للوجه البحري لحفر بحر المنزلة وعمل مصالح تلك النواحي على ما يزعم وسافر معه اينال العلائي الناصري اتابك العساكر وتنم من عبد الرزاق المؤيدي أمير مجلس لكونه عرف السلطان أن لهما بتلك النواحي بلادا داخلة في اقطاعهما وحسن له توجههما معه للنظر في مصالح بلادهما فان بحر المنزلة قد استد فمه وصار فيه الرمل كالجبال فرسم لهما بالسفر معه فتبرما من ذلك فلم يقبل السلطان عذرهما الزمهما بذلك فسافرا صحبته في اليوم المذكور.
وفي يوم الأحد ثالث عشرية توفي الشيخ شمس الدين محمد الكاتب الرومي الحنبلي.
وفي يوم الخميس سابع عشرية استقر صاحبنا القاضي بدر الدين ابن القطان في قضاء طرابلس ثم عزل بعد أيام ورشح والده عوضه وكلاهما لم يل.
وفي هذا الشهر انحط سعر الغلال فأبيع القمح بثماني مائة إلى ألف والقول بسبعمائة فما دونها وفوقها وهو قليل جداً والشعير بنحو ذلك انحط سعر التين بحيث بيع الحمل المحاشاة نحو ثلاثمائة بعد سبعمائة وبيع الدقيق العلامة بمائتين وخمسين البطة بعد خمسمائة والرطل من الخبز بأربعة بعد ثمانية وطال مكث هذا الغلاء بالديار المصرية حتى افتقر جماعة بسبب مكثه.
وفي هذا الشهر أيضاً والذي قبله فشت في الناس أمراض حادة توعك منها خلائق لا يحصرون وتوفي فيه أيضاً خلائق وفيه وردت الأخبار من البلاد الشامية بغلو أسعارها إلى الغاية وان القمح بيع فيها كل غرارة بستمائة قصة وكذا وقع الغلاء فيها أيضاً في سائر المأكولات لكثرة من قدم عليها من مصر وغيرها فرارا من الغلاء ولعظم ما وقع بها من الثلوج فلله الأمر.
ربيع الآخر أوله الاثنين في يوم الخميس حادي عشرة وردت على السلطان مطالعة صاحب مكة الشريف بركات تتضمن إنه ورد عليه الخبر من الهند بعود تمراز المؤيدي المصارع من بلاد كالكوت إلى جهة بندر جدة وإنه اشتري بما كان معه من مال السلطان الذي أخذه من بندر جدة أصنافا البهار للمجر وإن عزمه العود إلى الطاعة.
وفي يوم الجمعة تاسع عشرة أرسل الشيخ المعتقد محمد السفاري المقيم بجامع عمرو إلى المحتسب الشيخ علي العجمي بفقيرين ومعهما جنزيران وباشتان وقالا له الشيخ على العجمي بفقيرين ومعهما جنزيران وباشتان وقالا له الشيخ يأمرك أن تجعل في عنقك أحد الجنزيرين والباشتين والآخرين في عنق عز الدين فلما سمع مقالتهما اشهد عليهما بذلك وطلع بهما إلى السلطان من الغد في يوم الست واخبره بمقالتها فأمر بهما فضربا بين يديه ضربا مبرحا على أكتافهم وضرب دوادار وإلى مصر على مقعدة لكون هو الآتي بهما إلى المحتسب بأمر الشيخ ثم شهراً بالقارة وحبسا بحبس المقشرة وطلب السلطان السفاري ليوقع به فتوجه إليه دوادار جانبك الوالي وطلبه من غير إزعاج فلم يلتفت الشيخ لذلك وسب السلطان وحفظت عنه كلمات في حقه دالة على قرب زواله أن صدق منها آلة قال إنه يموت في حادي عشري جمادى الأولى منها ومن الناس من نقل إنه قال اكتبوا عني هذا وكثر تخبيط العوام بل غالب الناس في ذلك واختلفت الأقاويل في أمر الشيخ وما سيأتي أعجب.
جمادى الأولى أوله الثلاثاء فيه سافر الشهابي أحمد بن علي ابن اينال أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية إلى ثغر إسكندرية ورشيد بمماليكه وحشمة لحفظ الثغر المذكور من مفسدي الفرنج.
وفي يوم الجمعة حادي عشرة توفي الشيخ محمد السفاري صاحب الواقعة مع الشيخ على المحتسب قبل تاريخه وهو القائل بان السلطان الملك الظاهر جقمق يموت يوم حادي عشرين هذا الشهر فمات الشيخ محمد المذكور قبل ذلك في يوم حادي عشر الشهر المذكور فهذا الأمر من الغريب لكونه يبشر بموت السلطان في يوم معين ويموت هو قبله بعشرة أيام ولم يظهر لكلامه بعد ذلك صحة وأغرب من هذا على ما حكى لي من أثق به أن الشيخ محمدا السفاري لما قال هذا الكلام وازدحم الناس على بابه لسماع هذا الكلام منه قال بعض الفقراء ممن لا يوبه إليه حتى يعيش محمد السفاري إلى ذلك اليوم فكان كذلك فكان الكشف من هذا الفقير الثاني أعظم وقد ظهر لي بموت الشيخ محمد السفاري في هذا الفقير الثاني اعظم وقد ظهر لي موت الشيخ محمد السفاري في هذا الفقير الثاني اعظم وقد ظهر لي بموت الشيخ محمد السفاري في هذا التاريخ شيء وهو الصواب وهو أن الشيخ لما طلبه السلطان ليوقع به بعد أن بلغه ما وقع لفقيرته من الضر والحبس والإعانة عظم ذلك عليه وعلم بموت نفسه في يوم حادي عشر الشهر فقال معناه في اليوم الفلاني يستريح بالموت فتحرف الكلام على من سمع قوله في يوم حادي عشرة بيوم حادي عشرينه وأما بقوله نستريح بالموت بأنه أشار بذلك إلى السلطان لا إلى نفسه فإن غالب الفقراء أرباب الكشف لما تحصل لهم نوع من الكشف يقولون بإشارة الخبر عن أنفسهم ويقتصدون بذلك لمن حضر فحملت العوام كلام الشيخ على هذه القاعدة بان الشيخ محما لما قال يموت في اليوم الفلاني ما قصد إلا عن السلطان لكونه ضرب فقراءه ولم يكن غير ذلك فان الشيخ محمدا السفاري كان خيرا دينا حسن السيرة يقصد للزيارة رحمه الله تعالى.
وفي يوم الجمعة هذا ورد الخبر من البلاد الحجازية بان تمراز المصارع فر من بلاد الهند إلى جبرت، مملكة السلطان سعد الدين بغير مال وهذا الخبر فيه أقوال.
وفي يوم الاثنين رابع عشرة قدم الأمير فراجا العمري من دمشق إلى القاهرة وكان مقيما بدمشق من جملة أمراء البطالين.
وفي يوم الأحد العشرين منه ويوافق سادس عشرين بؤنة أحد شهور القبط أخذ قاع النيل فجاءت القاعدة أربعة اذرع وخمسة عشر إصبعا وكان النيل في هذه السنة قد احترف احترافا زائدا حتى خاص الناس من عدة مواضع من ساحل بولاق إلى منبابة وقل جريان الماء إلى الغاية وقاست الناس في هذه السنة من البلاء والشدائد والغلاء والجهد ما لا مزيد عليه واتضع جانب أهل الديار المصرية رئيسها ووضيعها بل أشرفت القاهرة على الخراب وبرح عنها خلائق من أهلها لا تدخل تحت الحصر إلى البلاد الشامية وورد عليها من أهل القرى ومن الأعراب أمثال من خرج منها وكثرت الفقراء منهم بالقاهرة حتى صاروا أفواجا في الطرقات ومات منهم خلائق كثيرة من شدة القحط.
جمادى الآخرة أوله الخميس في ثامنه بقي السلطان ببيت الزيني عبد الباسط وفيه سافر زين الدين يحيى الاستادار إلى جهة المنصورة بالوجه البحري.
وفي يوم السبت عاشره لبس القاضي شهاب الدين أحمد ابن الزهري قضاء الشافعية بطرابلس.
وفي يوم الأحد حادي عشرة وصل ابن بشارة مقدم العشير بالبلاد الشامية وأخبر إنه طرق صور عدة مراكب من الفرنج تزيد على عشرين مركبا وهجموا صور وانهوا من بها حتى أدركتم ابن بشارة المذكور بجموعه وقاتل الفرنج قتالا شديدا حتى جلاهم عن البلد وقتل من الفريقين جماعة وانتصر المسلمون وقبض ابن بشارة المذكور على عدة من الفرنج وقطع رؤوسهم ولله الحمد.
وفي يوم الاثنين ثاني عشرة ورد الخبر بموت السيد الشريف هلمان ابن زبير بن مخبار أمير مدينة الينبع في أواخر جمادى الأولى وكان مشكور السيرة على مذهب القوم.
وفي الأربعاء رابع عشرة ورد الخبر بان عشر مراكب الفرنج هجمت على الطينة وقاتلوا من بها وقتل من المسلمين خمسة نفر وقل من الفرنج جماعة ثم رجعت الفرنج بالخزي والهوان.
وفي يوم الاثنين سادس عشرينه لبس عبد العزيز بن محمد الصغير أحد الحجاب والأمير آخورية شاد الأوقاف وكان السلطان قد رسم له بذلك قبل تاريخه وباشر عبد العزيز المذكور ذلك وأمر ونهى في أرباب الأوقاف وظلم وعسف لا سيما في مباشري مدرسة الملك الناصر حسن فقه رسم علهم وأبادهم فلما خلع عليه في اليوم المذكور ونزل بخلعته إلى داره أرسل قاضي القضاة سعد الدين ابن الدبري الحنفي ورقة إلى السلطان يعرفه بسوء سيرته وما عمله في مباشري وقف مدرسة السلطان حسن ووجد بذلك من له غرض في عزله من أعيان الدولة سبيلا للتكلم فيه فتكلم وامعن فعزله السلطان من وقته وأرسل بالطواشي مرجان الحسنى الحبشي الجمدار الخاص إليه بعزله وبأخذ الخلعة من عليه وأخذ المربعة منه فسر الناس بعزله سرورا زائدا واشبع أيضاً بين الناس بعزله عن إمرة حاج الركب الأول وكل ما يفعله عبد العزيز هذا يكون في الغالب بغير رضى أبيه محمد الصغير.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشرينه وصل زين الدين الاستادار من سفرته إلى جهة المنصورة.
شهر رجب أوله الجمعة ويرافقه سادس أبيب فيه نودي على النيل المبارك بزيادة خمسة عشر إصبعا من الذراع الثاني عشر وقد تطاول الناس للزيادة في هذه السنة وكثر السؤال عن ذلك بحيث أن النساء قد صرن يسألن عن ذلك قلت والناس معذرون في كثرة السؤال عن هذا المعنى في مل هذه السنة فان الديار المصرية قد أشرفت على الخراب من عظم ما وقع فيها في هذه السنين من الغلاء المتداول والقحط المتطاول ثم الشراقي العظيم وقد نفذ ما بأيدي الناس من التاع والأموال وخلت غالب القرى من أعلاها والعالم منتظرون هذا النيل القادم فإن كان وإلا فالله تعالى يحسن العاقبة بمحمد وآله.
وفي هذه الأيام انحل سعر الغلال بالديار المصرية فأبيع القمح بتسعمائة درهم الإردب إلى ما دونها والقول بدون ذلك بيسير وهو قليل الوجود جداً والشعير بخمسمائة درهم الإردب إلى ما فوقها وإما سائر ما يوكل من اللحوم والاجبان فبالغلو الزائد الخارج عن الحد.
وفي الثلاثاء ثاني عشرة أمر السلطان بعزل القاضي كمال الدين ابن البارزي عن كتابه السر وسبب ذلك غريبة من الغرائب وهي أن ورثة شمس الدين محمد الحموي ناظر القدس وقفوا إلى المواقف الشريفة بقضية بسبب الشكوى على من وضع يده على تركه شمس الدين المذكور فحال قراءة كاتب السر للقضية المذكورة أمر السلطان بعزله وتوجهه إلى حبس المقشرة من غير أن يعلم أحد ما الموجب لذلك فخرج كاتب السر لوقته وجلس بجامع الملك الناصر محمد بن قلأوون بقلعة الجبل فلم يطل جلوسه وإذا بالرسوم قد برز بتوجهه إلى أرضه على إنه يزن خمسة آلاف دينار فنزل إلى داره معزولا ولسان حاله يقول ما أحسن هذا لو دام واستمر وأخذ يستعفي عن الوظيفة بكل ما تصل القدرة إلي فلم يسمع له ذلك ورسم بطلوعه ولبسه خلعة الاستمرار حسبما يأتي.
وفي يوم الخميس رابع عشرة ويوافقه تاسع مسرى أحد شهور القبط وفي النيل المبارك ستة عشر ذراعا ونودي بزيادة إصبعين من الذراع السابع عشر فنزل المقام الفخري عثمان من وقته في وجوه الناس من الأمراء وأعيان الدولة إلى أن عدى النيل وخلق المقياس ثم عاد في الخراقة حتى فتح السد على العادة ثم ركب وطلع إلى القلعة فكان هذا اليوم من الأيام المشهودة لغاية سرور الناس بوفاء النيل وخلق الناس بعضهم بعضا بالزعفران وكثر حمد الناس وشكرهم لله تعالى على هذه المنة العظيمة ولله الحمد وما أحسن قول سبط الشيخ شرف الدين عمر ابن الفارض في هذا المعنى رحمه الله تعالى (الكامل).
يَا رَبِ يا لمُخْتَاَر مِنْ كُلِ الْوَرَى ● أسْبِلْ عَلَى المِقْيَاسِ خِلْعَةَ سَتْرِهِ
وَأفِضْ عَلَى السُّدّ المُبَارَكِ مَاءَهُ ● وَأكْسِرْهُ رَبِ فَجَبْرُنَا في كَسْرِهِ
وَأفِضْ عَلَى السُّدّ المُبَارَكِ مَاءَهُ ● وَأكْسِرْهُ رَبِ فَجَبْرُنَا في كَسْرِهِ