بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
حوادث الدهور
{ احداث سنة ست وخمسين وثماني مائة }
سنة ست وخمسين وثماني مائة استهلت والخليفة القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة والسلطان الظاهر جقمق وباقي أرباب الدولة من القضاة والنواب وأرباب الوظائف على حالهم كما تقدم ما خلا نائب صفد فإنه بيغوت المؤيدي وليها بعد موت يشبك الحمزاوي وما خلا ملك الروم مراد بك ابن عثمان فإنه توفي وولي بعده ولد محمد.
المحرم أوله الاثنين وفيه توفي العلاء علي بن أحمد القلقشندي الشافعي أحمد علماء الديار المصرية ودفن من الغد يوم الثلاثاء ثانيه رحمه الله.
وفي يوم الاثنين ثامنه وصل المحب ابن الشحنة قاضي حلب وكاتب سرها إلى القاهرة وطلع من الغد إلى السلطان وخلع عليه كاملية بسمور.
وفي يوم الاثنين خامس عشرة خلع السلطان على الجمال الباعوني المحرم كاملية السفر.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرة لبس الصلاح خليل بعد محمد ابن السابق كاتب سر دمشق خلعة السفر.
وفي يوم السبت العشرين منه نفي السلطان السيفي دقماق اليشبكي إلى البلاد الشامية وأنعم باقطاعه على حفيده ولد المقام الفخري عثمان.
وفي يوم الاثنين ثاني عشرية وصل ركب الأول وأميره عد العزيز ابن محمد الصغير.
وفي يوم الأربعاء رابع عشرية ولد الاربك ولد من ابنة السلطان وسماه محمدا وتفرقت حواشيه لبشارة الأعيان.
وفي يوم الاثنين تاسع عشرية وصل قصاد بير بضع بن جهان شاه بن قرا يوسف إلى القاهرة.
وفي هذا الشهر فشا الموت بالقاهرة كثيرا بغير طاعون وعظم ذلك حين نقل الشمس إلى برج الحوت وانحطت الأسعار فبيع القمح بثمانمائة فما دونها والقول بخمسمائة فما دونها والشعير بأربعمائة فما دونها والكل في انحطاط والدقيق العلامة بمائتين وثلاثين البطة والخبز بأربعة الرطل والجبن المقلي ستة عشر وقس على ذلك.
صفر أوله الأربعاء فيه تزايدت الأمراض الحادة بالقاهرة وتوفي جماعة كثيرون من الناس.
وفي يوم الخميس ثانيه طلع قصاد بير بضع القلعة بهدية مرسلهم إلى السلطان وهي بغلة هائلة وبعض سلاح وقماش حرير كتابه وقبلت هديته وأنعم بالبغلة على الوزير ابن الهيصم.
وفي يوم الأحد تاسع عشرة توفي الإمام العالم ناصر الدين محمد بن كزلبغا إمام الاشرفية برسباي.
وفي يوم الأحد سادس عشرية توفي عظيم الدولة عالما ورئيسها الكمال أبو المعالي محمد ابن البارزي كاتب السر.
ربيع الأول أوله الخميس فيه لبس المحب ابن الأشقر خلعة الاستمرار عل وظيفة نظر الجيش.
وفي يوم الاثنين خامسه توفي الزيني طاهر بن محمد بن علي النويري المالكي.
وفي يوم الأحد حادي عشرة توفي الشهاب أحمد بن يعقوب وكان مشكور السيرة.
وفي يوم الاثنين ثاني عشرة توفي قانصوه المصارع الاشرفي كان من الأفراد وفيه عمل السلطان المولد على العادة في كل سنة.
وفي يوم الأربعاء توفي البدر محمد بن فاتح الدين صدقة المحرقي.
وفي يوم الخميس خامس عشرة لبس ابن الأشقر كاتب السر خلعة الأنظار بالوظيفة.
وفي يوم الأحد ثامن عشرة توفي أبو بكر المصارع أحد من أنشأه الظاهر من الأوباش.
وفي يوم الاثنين تاسع عشرة كان أول خمسين النصارى.
وفي يوم الثلاثاء عشريه طلب الشرف الأنصاري ناظر الجوالي نصارى القاهرة لكونه بلغه إنهم يشترون الجواري المسلمات وينصرونهن فأمرهم بإحضار من عندهم منهن لينظر في أمرهن فمن وجدها مسلمة في الأصل أو سابيها ردها إلى الإسلام وأمر صاحبها ببيعها فاستولى على جماعة منهن وهو في تتبع ذلك وهذا فعل لا بأس به وينبغي لكل مسلم الفحص عن ذلك وإيصال شأنه إلى الحكام ولو شق على أعيان الدولة الأقباط قبحهم الله.
وبعد الخماسين تناقص الموت قليلا وانحطت الأسعار كثير.
وفي يوم الجمعة سلخه ويوافقه سادس عشري برمودة لبس السلطان القماش الأبيض على العادة في كل سنة.
ربيع الآخر أوله السبت استهل والموت فاش في الناس لكن بغير طاعون وأما الضعف فكثير جداً.
وفيه انحط سعر الغلال فأبيع القمح بأربعمائة فما دونها وفوقها والفول بثلاثمائة فما دونها والشعير بمائتين فما دونها والخبز بدرهمين الرطل.
وفي يوم السبت مستهلة توفي الشيخ ولي الدين الرومي الحنفي نزيل جامع الأزهر وكان للناس فيه اعتقاد.
وفيه يوم الثلاثاء رابعه توفي الرئيس سعد الدين أبو غائب القبطي الأصل الحنفي عرف بابن عويض السراج.
وفي يوم الخميس سادسه لبس القاضي علاء الدين علي بن وجيه نظر جيش حلب بعد عزل ابن الشحنة وحصل لأهل حلب سرور زائد لبغضهم في ابن الشحنة المذكور حسدا له وفي يوم السبت ثامنه عقد مجلس بالقضاة بحضرة السلطان وادعى السلطان على المحب ابن الشحنة أن عنده وديعة لتغري برمش نائب حل نحو ثلاثين ألف دينار فنزل ابن الشحنة على البيان بعد أن اعترف إنه لم يكن عنده للمذكور سوى أربعة آلاف دينار وإنه ردها إليه فلما نزل إلى داره تكلم فيه أرباب لدولة عند السلطان فآل أمره إلى أن يحمل للخزانة مبلغا من الذهب له جرم اختلف في قدره من عشرة آلاف دينار إلى ما دونها قلت كل ذلك بوادٍ لأخذ السلطان أموال أهل الدولة.
وفي يوم الاثنين عاشره توفي سيف الدين ألطنبغا بن عبد الله اللفاف بطالا بداره ودفن من يومه كما سيأتي.
وفيه لبس الشيخ على المحتسب نظر التربة الناصرية حيث دفن الظاهر برقوق بالصحراء وشرطه لكاتب السر فوليها هذا باليد واقتلعه من ابن الأشقر.
وفي يوم الجمعة رابع عشرة توفي بطريق النصارى أبو الفرج النصراني اليعقبي ودفن من الغد.
وفي يوم الأحد سادس عشرة لبس الشريف معر أمير الينبع كاملية خضراء بسمور خلعة السفر.
وفي هذا الشهر وصل يشبك الصوفي المعزول قبل عن نيابة طرابلس من ثغر دمياط بطلب لمرضٍ حصل له ورسم له التوجه للقدس ليقيم به بطالا وأمره لسلطان أن يقيم بالقاهرة ما شاء لعمل مصالحه.
جمادى الأولى أوله الأحد في يوم الخميس خامسه رسم السلطان بتوجه ابن الأشقر كاتب السر إلى حبس المقشرة ليحبس بها بعد أن اوسقه سبا فشفع فيه من حضر من أرباب الدولة فرسم له بالتوجه لبيت الدوادار الكبير دولات باص على أن يحمل خمس آلاف دينار أو يتوجه إلى المقشرة فنزل فأقام بالبيت المذكور إلى بعد الظهر وأذعن إلى حمل المبلغ المعين فرسم بإطلاقه فركب وتوجه إلى داهر وانقطع عن الخدمة السلطانية إلى ما سيأتي وأخذ في حمل المبلغ وسبب ذلك أن شخصا من العرب وقف للسلطان وادعى أن اقطاعه خرج عنه في العام الماضي بغير موجب فلما سمع السلطان كلام البدوي التفت إلى المحب المذكور وقال للبدوي هذا الفاعل التارك هو الذي أخرج اقطاعك يعني أيام ولايته لنظر الجيش ثم أمر بما تقدم.
وفي هذا اليوم أيضاً طلب السلطان الزيني ابن الكويز ورسم بالترسيم عليه ببيت الدوادار الثاني تمربغا حتى يرد لقرقماش الاشرفي ما أخذه منه من ثمن قريةٍ ابتاعها قرقماش منه بالدقهلية تسمى منية العرايا من أعمال القاهرة وهو أربعة آلاف دينار وكان لما باعا الزيني للمذكور استأجرها منه سنين بمبلغ هائل فلما انقضت المدة واستولى عليها مالكها لم يجدها تفي بالمبلغ المعين من الخراج في كل سنة فشكاه إلى السلطان فطلبه والزمه برد الثمن إليه وأخرج سنة القرية للذخيرة السلطانية وأقام الزيني في الترسيم أياما حتى عمل المصلحة ثم أفرج عنه وردت إليه القرية.
وفي أوائل هذا الشهر وردت الأخبار من نواب البلاد الشامية بعودة جهان شاه بن قرا يوسف صاحب تبريز وبغداد من ديار بكر بن وائل إلى جهة بلاده بعد أن أقام بديار بكر وحواشيه تحاصر مدينة آمد وماردين نحو السنتين وأقام جيشه على حصار جهان كبير بن علي بك بن قرأ يلك بآمد قريبا من سنتين وكذلك على ماردين ثم رحلوا ولم يستولوا على قلعة واحدة من قلاعها غير أنهم استولوا على مدينة ماردين ما خلا قلعتها لا غير والمقصود من ماردين قلعتها ولما أراد جهان شاه الرحيل من جهة ديار بكر أظهر الصلح بينه وبين جهان كبير وتصاهرا باللفظ وأرسل جهان شاه خلعته لجهان كبير ثم سافر وكان عود جهان شاه من ديار بكر على رغمه لأنه بلغه أن بابور بن باي سنقر بن شاه رخ بن تيمورلنك وصل إلى الري وإنه يريد المشي على بلاد جهان شاه.
وفي يوم الاثنين تاسعه لبس المحب ابن الأشقر خلعة لاستمرار عل وظيفة كتابه السر وباشر على عادتها وما كان أغناه عن لبس هذه الكاملية التي غرم قبل لبسها خمسة آلاف دينار وقد استراح القاضي كمال الدين ابن البارزي من هذا النموذج القبيح.
وفي يوم الاثنين سادس خرجت تجريدة من القاهرة إلى البحيرة وفيها زيادة على مائتي مملوك من المماليك السلطانية وعليهم خشقدم الناصري حاجب الحجاب ويشبك الفقيه.
وفي هذا اليوم عمل السلطان الموكب بالحوش من القلعة وابطل موكب القصر بالكلية وهذا شيء لم نعهده ولا سمعنا بمثله في سالف الاعصار وفي يوم الخميس تاسع عشرة عمل السلطان الموكب القصر على العادة وأبطل ما كان أمر به من عمل الخدمة بالاكتفاء بالحوش السلطاني لما بلغه إنه أشيع عنه إنه قد عجز عن الحركة والمشي من لدور السلطانية إلى القصر ولما انفض الموكب خرج السلطان من باب القصر ماشيا إلى باب الستارة فلما كان في أثناء الطريق تقدم عن الأمراء بالمشي حتى صار أمامهم ثم قال يشاع عني أني عجزت عن المشي انظروا إلي كيف أمشي.
وأنعم بأقطاع جانم وهو حصة من جيبين القصر على حفيده سيدي محمد بن المقام الفخري عثمان ابن السلطان.
وفي هذا الشهر ورد الخبر بقتل الكامل خليل بن الاشرف أحمد بن العادل غازي صاحب حصن كيفا في العشر الأخير من ربيع الأول منها قتله ولده الناصر صبراً دخل عليه في أناس قلائل بالليل وقتلوه وبايع لنفسه وتم أمره على إنه تخلف عن طاعته عدة أناس غيرة لما فعلوا من قتل أبيه لا جزاه الله خيرا.
جمادى الآخرة أوله الاثنين في يوم الثلاثاء ثانيه ويوافقه سادس عشرين بؤونة أحد شهور القبط أخذ قاع النيل فجاءت القاعدة أعني الماء القديم خمسة أذرع وأربعة وعشرين إصبعا واستمرت الزيادة في كل يوم وفي يوم الاثنين ثامنه ويوافقه ثاني أبيب تماسك عن الزيادة في اليوم المذكور وثانيه بل قيل إنه نقص إصبعا واحدا فجزع الناس لذلك ثم زاد في يوم الأربعاء عاشره إصبعا واحدا واستمرت الزيادة في كل يوم.
وفي يوم الخميس حادي عشرة سافر تنبك البردبكي لظاهري أحد مقدمي الألوف إلى ثغر رشيد لحفظه من مفسدي الفرنج.
وفي هذه الأيام استقر السلطان بالزين عمر بن الشهاب أحمد ابن السفاح الحلبي في كتابة سرها عوضا عن ابن الشحنة ورسم بحمل التشريف له إلى حلب.
وفي يوم الثلاثاء سلخه وهو تاسع عشرية وصل إلى القاهرة من ثغر دمياط جانبك ليشبكي الوالي المتوجه قبل إلى بلاد التركية لعمل المراب بسبب الجهاد في سبيل الله وطلع إلى السلطان فخلع عليه فوقاني بطرز ذهب.
وفي هذا الشهر كان الفراغ من مدرسة الزيني الاستادار التي أنشأها بخط الحبانية على بركة الفيل ومصروفها مال جزيل.
وفيه فرق الشيخ على المحتسب بأمر السلطان على الفقراء طعاما كثيراً لا أعلم من أي جهة هو ومن له شيء فله أجره.
شهر رب أوله الأربعاء في يوم الأحد خامسه رسم السلطان بنفي السيفي قانصوه المحمدي الاشرفي الساقي كان في أول دولة أستاذه إلى مدينة حلب بغير موجب مع كونه من خيار أبناء جنسه.
وفي يوم الثلاثاء سابعه رسم السلطان بحبس قاضي المالكية المولوي السنباطي في المقشرة وسببه أن مسلما ادعى عنده على يهودي من تجار الجركس إنه لا يطالبه بحقه إلا من الشرع فحكم عليه بذلك فلم يرض اليهودي بالحكم وقال بل أنا أشتكي من حيث شئت والخاطر خاطري في طلب حقي فكرر القاضي عليه الكلام على لسان الترجمان فلم يسمع فضربه القاضي وحبسه ثم أطلقه فشكى اليهودي إلى السلطان فطلبه فقال الذي فعلته هو الشرع فقال له السلطان ما معناه أن السياسة تجري مجر الشرع وأنت حكمت بغرض ثم غضب وأمر به إلى الحبس فعزل القاضي نفسه في الحال وقام من المجلس وتوجه لجامع الناصري بالقلعة فأقام به قليلا حتى شفع فيه ونزل لداره معزولا إلى أن أعيد في يوم الخميس تاسعه.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرة ويوافقه سابع مسري أحد شهور القبط زاد البحر أربعين إصبعا وكان زاد قبل تاريخه أربعين على دفعتين عشرين في عشرين ثم زاد في يوم الثلاثاء رابع عشرة ثلاثين إصبعا فتكون زيادته في أربعة أيام مائة إصبع وعشرة ثلاثين إصبعا فتكون زيادته في أربعة أيام مائة إصبع وعشرة أصابع وبقي للوفاء اثنتان وعشرون إصبعا وفي الستة عشر وزاد إصبعين من الذراع السابع عشر ونزل المقام الفخري عثمان ابن السلطان في وجوه الدولة حتى خلق المقياس ثم عاد وفتح خليج السد علي العادة ثم عاد للقلعة فحصل للناس سرور زائد ولله در الأديب ناصر الدين ابن النقيب حيث يقول في هذا المعنى (الوافر)
كَأنَّ النّيلَ ذْو وَلبّ ● لِمَا يَبْدُو لعَيْنِ النَاس مِنْهُ
فَيَأتِي عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إليْهِ ● وَيَمْضي حِينَ يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ
فَيَأتِي عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إليْهِ ● وَيَمْضي حِينَ يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ