بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
حوادث الدهور
{ بقية احداث سنة أربع وخمسين وثمانمائة }
جمادى الآخرة أوله السبت فيه لبس عبد الله الكاشف خلعة الاستمرار بعد أن حمل ملا له صورة.
وفي يوم الأحد ثانيه طلعت تقدمه جلبان نائب الشام صحبة دواداره وأمير آخور وهي هائلة تشتمل على خيول تزيد على مائتي فرس منها فرسان بأقمشة ذهب ونحو ثلاثمائة حمال الصوف وأنواع الفراء والعلبكي والمخمل والشقق الحرير ونحو عشرة آلاف دينار.
ذهبا وف هذه الأيام لبس قاصد نائب الشام خلعة السفر وكان له من يوم وصل لم يخلع عليه إلى يومنا هذا.
ولما استولى السلطان على خيل أبي المذكور فرقة على من اختاره بذا قضت الأيام ما بين أهلها مصاب قوم عند قوم فوائد وفيه أيضاً ورد الخبر من نائب حلب قاتباي الحمزاوي على يد رأس نوبته أن جهان شاه بن قرأ يوسف بريد المشي على جهان كبير ابن علي بك بن قرأ يلك وليس لجهان كير مخلص سوي قدومه البلاد الحلبية وهي لا عساكر بها ترده عنها وكان وصول القاصد في عشرة أيام فكتب له الجواب وعدة مراسم تتضمن خروج نواب البلاد الشامية إلى أطراف البلاد الحلبية.
وفي يوم الثلاثاء رابعه رسم بنفي الكمال ابن البارزي كاتب السر إلى الشام فنزل من وقته موجها إلى دمشق من غير أن يدخل داره فلما وصل لظاهر القاهرة رسم بعوده فعاد إلى داره على كره منه فلم يكن غرضه إلا الخروج من الديار المصرية وإراحة نفسه مما تقاسيه وكان السبب في ذلك أن السلطان لما جلس على الدكة بالحوش على عادته وقرص عليه الجيش حنق علي ابن الأشقر وأوسعه سبا وهم بضربه بالمنجاة غير مرة تم بلغ السلطان أن قاسم بن قرأ يلك قد وصل إلى قري خانقاة سرياقوس فتعجب السلطان من قدومه لأنه لما خرج من عند ابن أخيه جهان كير من ديار بكر مبانيا له توجه إلى ابلستين عند سليمان بن ناصر الدين بك بن دلغادر فأرسل سليمان يطلب إذن السلطان لقاسم بالقدم للديار المصرية فلم يأذن له في ذلك ورسم باستمرار إقامته عنده وكتب إليه بذلك فلم يلبث إلا أياما قلائل وبلغه حضوره فانزعج وسأل كاتب السر هل كتبت بقدومه فقال نعم وليس الأمر كذلك وإنما أراد الاحتياط خوفا من أن يكون دلس عليه في ذلك فطلب السلطان المسودة فلم يجد فيها الإذن بحضوره فعند ذلك رسم بضربه فلكمه برسباي الاينالي المؤيدي أمير أخور ثاني لكمة واحدة أخرج من يدي السلطان منفيا.
وفيه أمر بتسلي الزيني ابن الكويز إلى الوالي ليستخرج منه ما بقي عنده مما كان التزم بحمله إلى السلطان.
وفيه وصل قاسم بن قرا يلك إلى القاهرة صحبة قاصد سليمان بن دلغادر فتمثل بين يدي السلطان وقبل الأرض ثم نزل إلى الميدان.
وفي يوم الأحد تاسعه رسم بنفي المعل محمد الصغير أحد الحجاب هو وولده عبد العزيز المبعد قبل تاريخه إلى قوص ثم شفع فيهما على أنهما يزما دارهما وما أحسن ذلك لو دام.
وفي يوم الاثنين عاشره لبس المحب ابن الأشقر خلعة الاسمرار وأعيد لفيروز النوروزي الخازندار أوقاف الحرمين التي كان استولى عليها النحاس في العام الماضي وخلع على اسندمر الارغون شاوي باستقراره في استادارية السلان بدمشق وشد الأغوار عوضا عن ابن الهمام على نحو عشر آلاف دينار ورسم بالقبض علي ابن الهمام.
وفي يوم الثلاثاء لبس المحب ابن الشحنة بإعادته إلى نظر جيش حلب عوضا عن عبد القادر ابن الوسام مضافا لما بيده من قضائها وكتابة سرها كما كان أولا بعد التزامه بمال كثير ثم بتحصيل عليق خيول المماليك السلطانية الذي عساها تتجرد إلى البلاد الحلبية.
وهذا الخبر وان كان غير صحيح فهو جدير بوقوعه لكونه كان أبو الخير النحاس أولا وضيعا ثم ترفع حتى ملك الديار المصرية بل والشامية والحلبية بأسرها وصار هو الحل والعقد بجميع الممالك ورأى من العز ونفوذ الكلمة ما لم يره غيره في زماننا هذا مع علمي بمن تقدمه ثم رده الله إلى اسفل مما كان عليه أولا فإنه كان فقيرا قليل الجدة لا غير فأصبح كما ترى أخذ ما كان بيده من الأموال والأملاك وموجوده في أيدي البيعة وهو في الحبس والقيد معرض لذهاب روحه نسأل الله حسن العاقة في الدنيا والآخرة وقد قيل من ذاق الغنى بعد فاقة يموت وفي قلبه من الفقر واجس.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشرة عرض السلطان خاصكيته وعين منهم ثلاثمائة وخمسين نفسا لسف التجريدة ثم سم بعرض المماليك السلطانية في يوم الأحد القابل ليعين منهم أيضاً جماعة ورسم بأن يكون مقدم هذا العسكر الاتابك اينال وعين صحبته دولات باي الدوادار الكبير وأحد المقدمين ومن الطبلخانات ارنبغا اليونسي الناصري وبرسباي الاينالي المؤيدي ومن العشرات ازبك من ططخ الظاهري واسنباي الجمالي الساقي الظاهري وبردبك البجمقدار وهؤلاء الثلاثة مماليكه ويشبك الفقيه ويلباي الاينالي المؤيدي ثم أصبح من الغد يوم الخميس ثالث عشرة فتكلم الاتابك أينال مع السلطان في قلة العسكر المتوجه معه من الأمراء وغيرهم فكان من كلامه أن قال يا مولانا السلطان العدو خارجي غري وعسكره في كثرة وهذا العسكر لا يطق لقلته ردهم فعظم ذلك على السلطان واشتد غضبه وقال له أنت لا غرض لك في السفر وما أشبه هذا الكلام فكف الاتابك عن الكلام وقال المرسوم مرسوم السلطان وأمره على الرأس والعين ورأيه أحسن مما نراه نحن ثم انفض الموكب ودخل السلطان الحوش واستصوب كلام الاتابك وعين من مقدمي الألوف أيضاً اسنبغا الطياري ورسم بعدم سفر بردبك البجمقدار لقلة جدته ولم يعين عوضه أحد ا وفيه لبس يردبك التاجي الخاصكي خلعة في البحر الملح إلى مكة ليكون ناظر حرمها ومحتسبها وشاد عمائرها عوضا عن السيفي بيرم خجا الاشرفي الفقيه وصحبته جماعة من المعمارية وغيرهم.
وفيه وصل أبو الفتح الطيبي من دمشق على أقبح هيئة.
وفي ليلة السبت خامس عشرة كان خسوف القمر ابتدأ به الخسوف من بين العشاءين إلى أن خسف غلب جرم القمر واشتدت حمرة ما بقي منه حديث إنه لم يبق له ضوء وأزهرت النجوم بالسماء كأخر ليالي الشهر ودام ذلك إلى بعد العشاء بنحو ساعة ثم أخذ في الانجلاء قليلاً قليلا.
وفي يوم السبت أيضاً وهو موافق لأول مسرى نودي على النيل بزيادة خمسة أصابع لتتمة خمسة أذرع وخمسة وعشرين إصبعا.
وفيه أفرج السلطان عن العلامة الشيخ قوام الدين العجمي من حبس المقشرة.
وفي يوم الأحد سادس عشرة جلس السلطان بالحوش وعرض المماليك السلطانية وعين منهم زيادة على مائة وعشرين صافين للمتقدمين وعين من الأمراء أيضاً مرجانا العادلي نائب مقدم المماليك وغيره.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرة ضرب الصارمي إبراهيم بن بيغوت نائب حماة الخارج يومئذ عن الطاعة بين يدي السلطان بحضرة قاصد والده ضربا متوسطا ثم أعاده إلى محبسه بالبرج من القلعة وكان السبب في هذه الحركة أن أباه كان أرسل إلى السلطان بحضرة قاصد والده ضربا متوسطا ثم أعاده إلى محبسه بالبرج من القلعة وكان السبب في هذه الحركة أن أباه كان أرسل إلى السلطان في أمسه نجابا يطلب منه الأمان والإفراج عن ولده هذا وعلى يد النجاب فتاب جلبان نائب الشام يتضمن الشفاعة في بيغوت فلم يلتفت السلطان لذلك بل فعل ما حكيناه من ضرب هذا الشاب بغير ذنب فلا قوة إلا بالله.
وفي يوم السبت ثاني عشرية لبس كاتب السر ابن البارزي خلعة الاستمرار على وظيفة بعد انقطاعه بداره مدة طويلة حسبما ذكرناه وصار المعين عبد اللطيف ابن العجمي نائبه يباشر الوظيفة في هذه الأيام وخلع على النظام عمر بن مفلح بإعادته إلى قضاء الحنابلة بدمشق وسافر بردبك التاجي بمن معه من المعمارية وغيرهم إلى مكة في البحر.
وفي يوم الاثنين رابع عشرية سافر اينال باي الخاصكي إلى دمشق وصحبته أبو الفتح على وجه لينظر في حقيقة أمره يفعل فيه ما يقتضيه الشرع.
ثم أرسل من الغد إليه يقيمه من مجلس حكمه فقام من وقته ودار على أرباب الدولة فعرفهم ما أنفق له وطلب أن يعقد له مجلس بالقضاة الأربعة وأعيان الفقهاء بحضرة السلطان بالحوش في يوم الأربعاء سادس عشرية فلما كان عقد المجلس وحضر القضاة والشهود الذين شهدوا على النحاس والمدعي الشريف ابن المصبح سأل السلطان الشافعي هل ثبت على النحاس والمدعي الشريف ابن المصبح سأل السلطان الشافعي هل ثبت على النحاس الكفر فقال أن الدعوى عند القاضي المالكي فتكلم المالك ي بكلام طويل حاصله إنه لم يثبت عليه عنده شيء فلما سمع السلطان كلامه طلب العز ابن البساطي فنهض قائما بين يديه ليتكلم فبدره الشافعي وقال قد ثبت فسقه عندي فالتفت السلطان إلى العز وقال أنا أعرفك منذ أربعين سنة امضوا به إلى المقشرة ثم طلبه بقية الشهود وهم أن الكوم ريشي وغيره وأمر بحبس الجميع أيضاً بالمقشرة قبل أن يسمع كلامهم فلما رأى الشريف المدعي ما وقع تكلم وقال يا مولانا السلطان أن الشهود الذين شهدوا بالقدح في العز قد رجعوا عن شهادتهم فلم يلتفت السلطان إلى كلامه بل قاله أنت قلت لي بلامس أن القاضي المالكي ارتشي في قضية النحاس والغي أمره فامضوا به أيضاً إلى المقشرة فنزلوا بالجميع فحبسوا بها عند أرباب الجرائم.
فالنظر إلى فعل هذه الدنيا بالمغرمين بها وقد أجاد القائل (الوافر)
أرَى الدُّنْيَا تَقُولُ ● حَذَارِ حَذَارِ تَوْبيخِي وَفَتْكيِ
وَلاَ يَغْرَرْكُمُ مِنِي ابْتِسَامْ ● فَقَوْلِي مُضْحِكْ وَالْفعْل مُبْكِي
وَلاَ يَغْرَرْكُمُ مِنِي ابْتِسَامْ ● فَقَوْلِي مُضْحِكْ وَالْفعْل مُبْكِي