بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
أحوال البلاد وأخبار العباد
الأحداث فى سنة خمس وثلاثين
● [ ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ] ●
ذكر مسير من سار إلى حصر عثمان
قيل: في هذه السنة كان مسير من سار من أهل مصر إلى ذي خشب، ومسير من سار من أهل العراق إلى ذي المروة.
وكان سبب ذلك أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء أمه سوداء، وأسلم أيام عثمان، ثم تنقل في الحجاز ثم بالبصرة ثم بالكوفة ثم بالشام يريد إضلال الناس فلم يقدر منهم على ذلك، فأخرجه أهل الشام، فأتى مصر فأقام فيهم وقال لهم: العجب ممن يصدق أن عيسى يرجع، ويكذب أن محمداً يرجع، فوضع لهم الرجعة، فقبلت منه، ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان لكل نبي وصي، وعلي وصي محمد، فمن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ووثب على وصيه، وإن عثمان أخذها بغير حق، فانهضوا في هذا الأمر وابدأوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا به الناس.
وبث دعاته، وكاتب من استفسد في الأمصار وكاتبوه، ودعوا في السر إلى ما هو عليه رأيهم وصاروا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيب ولاتهم، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر ما يصنعون، حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا بذلك الأرض إذاعة، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء، إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار، فقالوا: إنا لفي عافية مما فيه الناس. فأتوا عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ فقال: ما جاءني إلا السلامة وأنتم شركائي وشهود المؤمنين، فأشيروا علي. قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالاً ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم.
فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام، وفرق رجالاً سواهم، فرجعوا جميعاً قبل عمار فقالوا: ما أنكرنا شيئاً أيها الناس ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم. وتأخر عمار حتى ظنوا أنه قد اغتيل، فوصل كتاب من عبد الله بن أبي سرح يذكر أن عماراً قد استماله قومٌ بمصر وانقطعوا إليه، منهم: عبد الله بن السوداء، وخالد بن ملجم، وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر.
فكتب عثمان إلى أهل الأمصار: أما بعد فإني آخذ عمالي بموافاتي كل موسم، وقد رفع إلي أهل المدينة أن أقواماً يشتمون ويضربون، فمن ادعى شيئاً من ذلك فليواف الموسم يأخذ حقه حيث كان مني أو من عمالي، أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين. فلما قرىء في الأمصار بكى الناس ودعوا لعثمان. وبعث إلى عمال الأمصار فقدموا عليه في الموسم: عبد الله بن عامر، وعبد الله بن سعد، ومعاوية، وأدخل معهم سعيد بن العاص وعمراً، فقال: ويحكم ما هذه الشكاية والإذاعة؟ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقاً عليكم وما يعصب هذا إلا بي! فقالوا له: ألم تبعث؟ ألم يرجع إليك الخبر عن العوام؟ ألم يرجع رسلك ولم يشافههم أحد بشيء؟ والله ما صدقوا ولا بروا ولا نعلم لهذا الأمر أصلاً ولا يحل الأخذ بهذه الإذاعة! فقال: أشيروا علي. فقال سعيد: هذا أمر مصنوع يلقى في السر فيتحدث به الناس، ودواء ذلك طلب هؤلاء وقتل الذين يخرج هذا من عندهم. وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم. وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم. وقال معاوية: قد وليتني فوليت قوماً لا يأتيك عنهم إلا الخير، والرجلان أعلم بناحيتيهما، والرأي حسب الأدب. وقال عمرو: أرى أنك قد لنت لهم ورخيت عليهم وزدتهم على ما كان يصنع عمر، فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشتد في موضع الشدة وتلين في موضع اللين.
فقال عثمان: قد سمعت كل ما أشرتم به علي ولكل أمر باب يؤتى منه، إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن، وإن بابه الذي يغلق عليه ليفتحن فنكفكه باللين والمؤاتاة إلا في حدود الله، فإن فتح فلا يكون لأحد علي حجة حق، وقد علم الله أني لم آل الناس خيراً، وإن رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها. سكنوا الناس وهبوا لهم حقوقهم، فإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها. فلما نفر عثمان وشخص معاوية والأمراء معه واستقل على الطريق رجز به الحادي فقال:
قد علمت ضوامر المطي ... وضمرات عوج القسي
أن الأمير بعده علي ... وفي الزبير خلفٌ رضي
وطلحة الحامي لها ولي
فقال كعب: كذبت بل يلي بعده صاحب البغلة الشهباء، يعني معاوية؛ فطمع فيها من يومئذٍ.
فلما قدم عثمان المدينة دعا علياً وطلحة والزبير وعنده معاوية، فحمد الله معاوية ثم قال: أنتم أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وخيرته من خلفه وولاة أمر هذه الأمة، لا يطمع فيه أحد غيركم، اخترتم صاحبكم عن غير غلبة ولا طمع، وقد كبر وولي عمره ولو انتظرتم به الهرم لكان قريباً مع أني أرجو أن يكون أكرم على الله أن يبلغه ذلك، وقد فشت مقالة خفتها عليكم فيما عتبتم فيه من شيء، فهذه يدي لكم به، ولا تطمعوا الناس في أمركم، فوالله إن طمعوا فيه لا رأيتم منها أبداً إلا إدباراً.
قال علي: ما لك ولذلك، لا أم لك؟ قال: دع أمي فإنها ليست بشر أمهاتكم، قد أسلمت وبايعت النبي، صلى الله عليه وسلم، وأجبني عما أقول لك. فقال عثمان: صدق ابن أخي، أنا أخبركم عني وعما وليت، إن صاحبي اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما ومن كان منهما بسبيل احتساباً، وإن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يعطي قرابته وأنا في رهط أهل عيلة وقلة معاش، فبسطت يدي في شيء من ذلك المال لما أقوم به فيه ورأيت أن ذلك لي، فإن رأيتم ذلك خطأً فردوه فأمري لأمركم تبع. فقالوا: قد أصبت وأحسنت، قد أعطيت عبد الله ابن خالد بن أسيد خمسين ألفاً، وأعطيت مروان خمسة عشر ألفاً. فأخذ منهما ذلك، فرضوا وخرجوا راضين.
وقال معاوية لعثمان: اخرج معي إلى الشام فإنهم على الطاعة قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به. فقال: لا أبيع جوار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بشيء وإن كان فيه قطع خيط عنقي. قال: فإن بعثت إليك جنداً منهم يقيم معك لنائبه إن نابت؟ قال: لا أضيق على جيران رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فقال: والله لتغتالن ولتغزين! فقال: حسبي الله ونعم الوكيل.
ثم خرج معاوية فمر على نفر من المهاجرين فيهم علي وطلحة والزبير وعليه ثياب السفر، فقام عليهم وقال: إنكم قد علمتم أن هذا الأمر كان الناس يتغالبون عليه حتى بعث الله نبيه، صلى الله عليه وسلم، وكانوا يتفاضلون السابقة والقدمة والاجتهاد، فإن أخذوا بذلك فالأمر أمرهم والناس لهم تبع، وإن طلبوا الدنيا بالتغالب سلبوا ذلك ورده الله إلى غيرهم، وإن الله على البدل لقادر، وإني قد خلفت فيكم شيخاً فاستوصوا به خيراً وكانفوه تكونوا أسعد منه بذلك. ثم ودعهم ومضى. فقال علي: ما كنت أرى في هذا خيراً. فقال الزبير: والله ما كان قط أعظم في صدرك وصدورنا منه اليوم.
واتعد المنحرفون عن عثمان يوماً يخرجون فيه بالأمصار جميعاً إذا سار عنها الأمراء، فلم يتهيأ لهم ذلك، ولما رجع الأمراء ولم يتم لهم الوثوب صاروا يكاتبون في القدوم إلى المدينة لينظروا فيما يريدون ويسألوا عثمان عن أشياء لتطير في الناس. وكان بمصر محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة يحرضان على عثمان.
فلما خرج المصريون خرج فيهم عبد الرحمن بن عديس البلوي في خمسمائة، وقيل: في ألف، وفيهم كنانة بن بشر الليثي وسودان بن حمران السكوني وقتيرة بن فلان السكوني، وعليهم جميعاً الغافقي بن حرب العكي؛ وخرج أهل الكوفة وفيهم زيد بن صوحان العبدي والأشتر النخعي وزياد بن النضر الحارثي وعبد الله بن الأصم العامري، وهم في عداد أهل مصر وعليهم جميعاً عمرو بن الأصم؛ وخرج أهل البصرة فيهم حكيم بن جبلة العبدي وذريح بن عباد وبشر بن شريح القيسي وابن المحترش، وهم بعداد أهل مصر، وأميرهم حرقوص بن زهير السعدي؛ فخرجوا جميعاً في شوال وأظهروا أنهم يريدون الحج، فلما كانوا من المدينة على ثلاث تقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب، وكان هواهم في طلحة، وتقدم ناس من أهل الكوفة، وكان هواهم في الزبير، ونزلوا الأعوص، وجاءهم ناس من أهل مصر، وكان هواهم في علي، ونزلوا عامتهم بذي المروة، ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر وعبد الله بن الأصم وقالا لهم: لا تعجلوا حتى ندخل المدينة ونرتاد لكم، فقد بلغنا أنهم عسكروا لنا، فوالله إن كان هذا حقاً واستحلوا قتالنا بعد علم حالنا إن أمرنا لباطل، وإن كان الذي بلغنا باطلاً رجعنا إليكم بالخبر. قالوا: اذهبا. فذهبا فدخلا المدينة فلقيا أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، وعلياً وطلحة والزبير، فقالا: إنما نريد هذا البيت ونستعفي من بعض عمالنا، واستأذناهم في الدخول، فكلمهما أبي ونهاهما، فرجعا إلى أصحابهما. فاجتمع نفر من أهل مصر فأتوا علياً، ونفر من أهل البصرة فأتوا طلحة، ونفر من أهل الكوفة فأتوا الزبير، وقال كل فريق منهم: إن بايعنا صاحبنا وإلا كذبناهم وفرقنا جماعتهم ثم رجعنا عليهم حتى نبغتهم. فأتى المصريون علياً وهو في عسكر عند أحجار الزيت متقلداً سيفه، وقد أرسل ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، فسلموا عليه وعرضوا عليه، فصاح بهم وطردهم وقال: لقد علم الصالحون أن جيش ذي المروة وجيش ذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد، صلى الله عليه وسلم، فانصرفوا عنه. وأتى البصريون طلحة فقال لهم مثل ذلك، وكان قد أرسل ابنيه إلى عثمان، وأتى الكوفيون الزبير فقال لهم مثل ذلك، وكان قد أرسل ابنه عبد الله إلى عثمان.
فرجعوا وتفرقوا عن ذي خشب وذي المروة والأعوص إلى عسكرهم ليتفرق أهل المدينة ثم يرجعوا إليهم. فلما بلغوا عسكرهم تفرق أهل المدينة، فرجعوا بهم، فلم يشعر أهل المدينة إلا والتكبير في نواحيها، ونزلوها وأحاطوا بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن. وصلى عثمان بالناس أياماً، ولزم الناس بيوتهم ولم يمنعوا الناس من كلامه، وأتاهم أهل المدينة وفيهم علي فقال لهم: ما ردكم بعد ذهابكم؟ فقالوا: أخذنا مع بريد كتاباً بقتلنا. وأتى طلحة الكوفيين فسألهم عن عودهم فقالوا مثل ذلك. وأتى الزبير البصريين فقالوا مثل ذلك، وكل منهم يقول: نحن نمنع إخواننا ونصرهم، كأنما كانوا على ميعاد. فقال لهم علي: كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل حتى رجعتم علينا؟ هذا والله أمر أبرم بليل! فقالوا: ضعوه كيف شئتم، لا حاجة لنا في هذا الرجل، ليعتزل عنا. وعثمان يصلي بهم وهم يصلون خلفه، وهم أدق في عينه من التراب، وكانوا يمنعون الناس من الاجتماع.
وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستنجدهم ويأمرهم بالحث للمنع عنه ويعرفهم ما الناس فيه. فخرج أهل الأمصار على الصعب والذلول، فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري، وبعث عبد الله بن سعد معاوية بن حديج، وخرج من الكوفة القعقاع بن عمرو وقام بالكوفة نفر يحضون على إعانة أهل المدينة، منهم: عقبة بن عامر وعبد الله بن أبي أوفى وحنظلة الكاتب وغيرهم من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، ومن التابعين: مسروق والأسود وشريح وعبد الله بن حكيم وغيرهم، وقام بالبصرة: عمران بن حصين وأنس ابن مالك وهشام بن عامر وغيرهم من الصحابة ومن التابعين: كعب بن سور وهرم بن حيان وغيرهما، وقام بالشام جماعة من الصحابة والتابعين وكذلك بمصر.
ولما جاءت الجمعة التي على أثر دخولهم المدينة، خرج عثمان فصلى بالناس ثم قام على المنبر فقال: يا هؤلاء، الله الله! فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد، صلى الله عليه وسلم، فامحوا الخطأ بالصواب. فقام محمد بن مسلمة فقال: أنا أشهد بذلك، فأقعده حكيم بن جبلة، وقام زيد بن ثابت فأقعده محمد بن أبي قتيرة، وثار القوم بأجمعهم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشياً عليه، فأدخل داره واستقتل نفر من أهل المدينة مع عثمان، منهم: سعد بن أبي وقاص والحسين بن علي وزيد بن ثابت وأبو هريرة. فأرسل إليهم عثمان يعزم عليهم بالانصراف، فانصرفوا، وأقبل علي وطلحة والزبير فدخلوا على عثمان يعودونه من صرعته ويشكون إليه ما يجدون، وكان عند عثمان نفر من بني أمية فيهم مروان بن الحكم، فقالوا كلهم لعلي: أهلكتنا وصنعت هذا الصنيع؛ والله لئن بلغت الذي تريد لتمرن عليك الدنيا! فقام مغضباً وعاد هو والجماعة إلى منازلهم. وصلى عثمان بالناس بعد ما نزلوا به في المسجد ثلاثين يوماً، ثم منعوه الصلاة، وصلى بالناس أميرهم الغافقي ودان له المصريون، والكوفيون والبصريون، وتفرق أهل المدينة في حيطانهم ولزموا بيوتهم لا يجلس أحد ولا يخرج إلا بسيفه ليمتنع به، وكان الحصار أربعين يوماً ومن تعرض لهم وضعوا فيه السلاح.
وقد قيل: إن محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة كانا بمصر يحرضان على عثمان، وسار محمد بن أبي بكر مع من سار إلى عثمان، وأقام ابن أبي حذيفة بمصر وغلب عليها لما سار عنها عبد الله بن سعد، على ما يأتي. فلما خرج المصريون إلى قصد عثمان أظهروا أنهم يريدون العمرة وخرجوا في رجب وعليهم عبد الرحمن بن عديس البلوي، وبعث عبد الله بن سعد رسولاً إلى عثمان يخبره بحالهم وأنهم قد أظهروا العمرة وقصدهم خلعه أو قتله، فخطب عثمان الناس وأعلمهم حالهم، وقال لهم: إنهم قد أسرعوا إلى الفتنة واستطالوا عمري، والله لئن فارقتهم ليتمنون أن عمري كان عليهم مكان كل يوم سنة مما يرون من الدماء المسفوكة والإحن والأثرة الظاهرة والأحكام المغيرة.
وكان عبد الله بن سعد قد خرج إلى عثمان في آثار المصريين بإذن له، فلما كان بأيلة بلغه أن المصريين رجعوا إلى عثمان فحصروه، وأن محمد بن أبي حذيفة غلب على مصر واستجابوا له، فعاد عبد الله إلى مصر فمنع عنها، فأتى فلسطين فأقام بها حتى قتل عثمان.
فلما نزل القوم ذا خشب يريدون قتل عثمان إن لم ينزع عما يكرهون، ولما رأى عثمان ذلك جاء إلى علي فدخل عليه بيته فقال له: يا ابن عم، إن قرابتي قريبة ولي عليك حق عظيم، وقد جاء ما ترى من هؤلاء القوم وهم مصبحي، ولك عند الناس قدر وهم يسمعون منك، وأحب أن تركب إليهم فتردهم عني، فإن في دخولهم علي توهيناً لأمري وجرأة علي! فقال علي: على أي شيء أردهم عنك؟ قال: على أن أصير إلى ما أشرت إليه ورأيته لي. فقال علي: إني قد كلمتك مرة بعد أخرى فكل ذلك نخرج ونقول ثم ترجع عنه، وهذا من فعل مروان وابن عامر ومعاوية وعبد الله بن سعد، فإنك أطعتهم وعصيتني. قال عثمان: فأنا أعصيهم وأطيعك.
فأمر الناس فركب معه من المهاجرين والأنصار ثلاثون رجلاً فيهم سعيد بن زيد وأبو جهم العدوي وجبير بن مطعم وحكيم بن حزام ومروان وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، ومن الأنصار أبو أسيد الساعدي وأبو حميد وزيد بن ثابت وحسان بن ثابت وكعب بن مالك، ومن العرب نيار بن مركز، فأتوا المصريين فكلموهم، وكان الذي يكلمهم علي ومحمد بن مسلمة، فسمعوا مقالتهما ورجعوا إلى مصر. فقال ابن عديس لمحمد بن مسلمة: أتوصينا بحاجة؟ قال: نعم، تتقي الله وترد من قبلك عن إمامهم فإنه قد وعدنا أن يرجع وينزع. قال بن عديس: أفعل إن شاء الله. ورجع علي ومن معه إلى المدينة، فدخل على عثمان فأخبره برجوعهم وكلمه بما في نفسه ثم خرج من عنده، فمكث عثمان ذلك اليوم، وجاءه مروان بكرة الغد فقال له: تكلم وأعلم الناس أن أهل مصر قد رجعوا وأن ما بلغهم عن إمامهم كان باطلاً قبل أن يجيء الناس إليك من أمصارهم ويأتيك ما لا تستطيع دفعه. ففعل عثمان، فلما خطب الناس قال له عمرو بن العاص: اتق الله يا عثمان، فإنك قد ركبت أموراً وركبناها معك، فتب إلى الله نتب. فناداه عثمان: وإنك هنالك يا ابن النابغة! قملت والله جبتك منذ عزلتك عن العمل! فنودي من ناحية أخرى: تب إلى الله. فرفع يديه وقال: اللهم إني أول تائب. تاب إليك. ورجع إلى منزله.
وخرج عمرو بن العاص إلى منزله بفلسطين، وكان يقول: والله إني كنت لألقى الراعي فأحرضه على عثمان. وأتى علياً وطلحة والزبير فحرضهم على عثمان، فبينما هو بقصره بفلسطين ومعه ابناه محمد وعبد الله وسلامة بن روح الجذامي إذ مر به راكب من المدينة، فسأله عمرو عن عثمان، فقال: هو محصور. قال عمرو: أنا أبو عبد الله، قد يضرط العير والمكواة في النار. ثم مر به راكب آخر فسأله فقال: قتل عثمان. فقال عمرو: أنا أبو عبد الله، إذا حككت قرحةً نكأتها. فقال له سلامة بن روح: يا معشر قريش كان بينكم وبين العرب باب فكسرتموه فما حملكم على ذلك! فقال: أردنا أن نخرج الحق من خاصرة الباطل ليكون الناس في الحق شرعاً سواء.
وقيل: إن علياً لما رجع من عند المصريين بعد رجوعهم إلى عثمان قال له: تكلم كلاماً يسمعه الناس منك ويشهدون عليك ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع والأمانة، فإن البلاد قد تمخضت عليك، فلا آمن أن يجيء ركبٌ آخر من الكوفة والبصرة فتقول: يا علي اركب إليهم، فإن لم افعل رأيتني قد قطعت رحمك واستخففت بحقك. فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها وأعطى الناس من نفسه التوبة وقال: أنا أول من اتعظ، أستغفر الله مما فعلة وأتوب إليه، فمثلي نزع وتاب، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروا في رأيهم، فوالله لئن ردني الحق عبداً لأستنن بسنة العبد ولأذلن ذل العبد وما عن الله مذهب إلا إليه، فوالله لأعطينكم الرضا ولأنحين مروان وذويه ولا أحتجب عنكم! فرق الناس وبكوا حتى أخضلوا لحاهم وبكى هو أيضاً.
فلما نزل عثمان وجد مروان وسعيداً ونفراً من بني أمية في منزله لم يكونوا شهدوا خطبته، فلما جلس قال مروان: يا أمير المؤمنين أتكلم أم أسكت؟ فقالت نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان: لا بل اصمت فإنهم والله قاتلوه ومؤثموه، إنه قد قال مقالةً لا ينبغي له أن ينزع عنها. فقال لها مروان: ما أنت وذاك! فوالله قد مات أبوك وما يحسن يتوضأ! فقالت: مهلاً يا مروان عن ذكر الآباء! تخبر عن أبي وهو غائب تكذب عليه وإن أباك لا يستطيع أن يدفع عن نفسه؟ أما والله لولا أنه عمه وأنه يناله غمه لأخبرتك عنه ما لن أكذب عليه. قالت: فأعرض عنها مروان، فقال: يا أمير المؤمنين أتكلم أم أسكت؟ قال: تكلم. فقال مروان: بأبي أنت وأمي، والله لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع فكنت أول من رضي بها وأعان عليها، ولكنك قلت ما قلت وقد بلغ الحزام الطبيين وخلف السيل الزبى، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل؛ والله لإقامة على خطيئة يستغفر منها أجمل من توبة يخوف عليها، وأنت إن شئت تقربت بالتوبة ولم تقر بالخطيئة؛ وقد اجتمع بالباب أمثال الجبال من الناس. فقال عثمان: فاخرج إليهم فكلمهم فإني أستحيي أن أكلمهم. فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضاً، فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهبٍ؟ شاهت الوجوه! ألا من أريد؟ جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا! اخرجوا عنا، والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غب رأيكم. ارجعوا إلى منازلكم فإنا والله ما نحن بمغلوبين على ما في أيدينا. فرجع الناس وأتى بعضهم علياً فأخبره الخبر.
فأقبل علي على عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فقال: أحضرت خطبة عثمان؟ قال: نعم. قال: أفحضرت مقالة مروان للناس؟ قال: نعم. فقال علي: أي عباد الله! يا للمسلمين! إني إن قعدت في بيتي قال لي: تركتني وقرابتي وحقي، وإني إن تكلمت فجاء ما يريد يلعب به مروان فصار سيقةً له يسوقه حيث يشاء بعد كبر السن وصحبة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وقام مغضباً حتى دخل على عثمان فقال له: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وعن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به؟ والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه! وأيم الله إني لأراه يوردك ولا يصدرك! وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك وغلبت على رأيك.
فلما خرج علي دخلت عليه امرأته نائلة ابنة الفرافصة فقالت: قد سمعت قول علي لك وليس يعاودك وقد أطعت مروان يقودك حيث شاء. قال: فما أصنع؟ قالت: تتقي الله وتتبع سنة صاحبيك، فإنك متى أطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبة، وإنما تركك الناس لمكانه، فأرسل إلى علي فاستصلحه فإن له قرابة منك وهو لا يعصى. فأرسل عثمان إلى علي فلم يأته وقال: قد أعلمته أني غير عائد. فبلغ مروان مقالة نائلة فيه فجلس بين يدي عثمان فقال: يا ابنة الفرافصة، فقال عثمان: لا تذكرنها بحرف فأسود وجهك، فهي والله أنصح لي! فكف مروان.
وأتى عثمان إلى علي بمنزله ليلاً وقال له: إني غير عائد، وإني فاعل. فقال له علي: بعد ما تكلمت على منبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأعطيت من نفسك ثم دخلت بيتك فخرج مروان إلى الناس يشتمهم على بابك ويؤذيهم. فخرج عثمان من عنده وهو يقول: خذلتني وجرأت الناس علي. فقال علي: والله إني لأكثر الناس ذباً عنك، ولكني كلما جئت بشيء أظنه لك رضا جاء مروان بأخرى فسمعت قوله وتركت قولي.
ولم يعد علي يعمل ما كان يعمل إلى أن منع عثمان الماء. فقال علي لطلحة: أريد أن تدخل عليه الروايا، وغضب غضباً شديداً حتى دخلت الروايا على عثمان.
قال: وقد قيل إن علياً كان عند حصر عثمان بخيبر، فقدم المدينة والناس مجتمعون عند طلحة، وكان ممن له فيه أثر، فلما قدم علي أتاه عثمان وقال له: أما بعد فإن لي حق الإسلام وحق الإخاء والقرابة والصهر، ولو لم يكن من ذلك شيء وكنا في الجاهلية لكان عاراً على بني عبد مناف أن ينتزع أخو بني تيم، يعني طلحة، أمرهم. فقال له علي: سيأتيك الخبر، ثم خرج إلى المسجد فرأى أسامة فتوكأ على يده حتى دخل دار طلحة، وهو في خلوة من الناس، فقال له: يا طلحة ما هذا الأمر الذي وقعت فيه؟ فقال: يا أبا الحسن بعد ما مس الحزام الطبيين. فانصرف علي حتى أتى بيت المال فقال: افتحوه، فلم يجوا المفاتيح، فكسر الباب وأعطى الناس، فانصرفوا من عند طلحة حتى بقي وحده، وسر بذلك عثمان، وجاء طلحة فدخل على عثمان وقال له: يا أمير المؤمنين أردت أمراً فحال الله بيني وبينه! فقال عثمان: والله ما جئت تائباً، ولكن جئت مغلوباً، الله حسيبك يا طلحة.
● [ ذكر مقتل عثمان ] ●
رضى الله عنه
رضى الله عنه
قد ذكرنا سبب مسير الناس إلى قتل عثمان، وقد تركنا كثيراً من الأسباب التي جعلها الناس ذريعة إلى قتله لعلل دعت إلى ذلك، ونذكر الآن كيف قتل وما كان بدء ذلك واتبداء الجرأة عليه قبل قتله.
فكان من ذلك أن إبلاً من إبل الصدقة قدم بها على عثمان فوهبها لبعض بني الحكم، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف، فأخذها وقسمها بين الناس وعثمان في الدار.
قيل: وكان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق جبلة بن عمرو الساعدي، مر به عثمان وهو في نادي قومه وبيده جامعة، فسلم فرد القوم، فقال جبلة: لم تردون على رجل فعل كذا وكذا؟ ثم قال لعثمان: والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه الخبيثة: مروان وابن عامر وابن سعد، منهم من نزل القرآن بذمه وأباح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دمه. فاجترأ الناس عليه، وقد تقدم قول عمرو بن العاص له في خطبته.
قيل: وخطب يوماً وبيده عصا كان النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر يخطبون عليها، فأخذه جهجاه الغفاري من يده وكسرها على ركبته اليمنى فرمي في ذلك المكان بأكلة.
وقيل: كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم إلى من بالآفاق منهم: إن أردتم الجهاد فهلموا إليه فإن دين محمد، صلى الله عليه وسلم، قد أفسده خليفتكم فأقيموه. فاختلفت قلوب الناس على ما تقدم ذكره، وجاء المصريون، كما ذكرنا، إلى المدينة، فخرج إليهم علي ومحمد بن مسلمة، كما تقدم، فكلماهم فعادوا ثم رجعوا، فلما رجعوا انطلق إليهم محمد بن مسلمة فسألهم عن سبب عودهم، فأخرجوا صحيفة في أنبوبة رصاص وقالوا: وجدنا غلام عثمان بالبويب على بعير من إبل الصدقة، ففتشنا متاعه فوجدنا فيه هذه الصحيفة يأمر فيها بجلد عبد الرحمن بن عديس وعمرو بن الحمق وعروة بن البياع وحبسهم وحلق رؤوسهم ولحاهم وصلب بعضهم. وقيل: إن الذي أخذت منه الصحيفة أبو الأعور السلمي. فلما رأوه سألوه عن مسيرة وهل معه كتاب فقال: لا. فسألوه في أي شيء هو، فتغير كلامه، فأنكروه وفتشوه وأخذوا الكتاب منه وعادوا وعاد الكوفيون والبصريون. فلما عاد أهل مصر أخبروا بذلك محمد بن مسلمة وقالوا له: قد كلمنا علياً ووعدنا أن يكلمه، وكلمنا سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فقالا: لا ندخل في أمركم. وقالوا لمحمد ابن مسلمة ليحضر مع علي عند عثمان بعد الظهر، فوعدهم بذلك، فدخل علي ومحمد بن مسلمة على عثمان فاستأذنا للمصريين عليه، وعنده مروان، فقال: دعني أكلمهم. فقال عثمان: اسكت، فض الله فاك، ما أنت وهذا الأمر؟ اخرج عني، فخرج مروان: وقال علي ومحمد لعثمان ما قال المصريون، فأقسم بالله: ما كتبته ولا علم لي به. فقال محمد: صدق، هذا من عمل مروان.
ودخل عليه المصريون فلم يسلموا عليه بالخلافة، فعرفوا الشر فيهم، وتكلموا فذكر ابن عديس ما فعل عبد الله بن سعد بالمسلمين وأهل الذمة والاستئثار في الغنائم، فإذا قيل له في ذلك قال: هذا كتاب أمير المؤمنين. وذكروا شيئاً مما أحدث بالمدينة، وقالوا له: وخرجنا من مصر ونحن نريد قتلك فردنا علي ومحمد ابن مسلمة وضمنا لنا النزوع عن كل ما تكلمنا فيه، فرجعنا إلى بلادنا فرأينا غلامك وكتابك وعليه خاتمك تأمر عبد الله بجلدنا والمثلة بنا وطول الحبس.
فحلف عثمان أنه ما كتب ولا أمر ولا علم. فقال علي ومحمد: صدق عثمان. قال المصريون: فمن كتبه؟ قال: لا أدري. قالوا: فيجترأ عليك ويبعث غلامك وجملاً من الصدقة وينقش على خاتمك ويبعث إلى عاملك بهذه الأمور العظيمة وأنت لا تعلم؟ قال: نعم. قالوا: ما أنت إلا صادق أو كاذب، فإن كنت كاذباً فقد استحققت الخلع لما أمرت به من قتلنا بغير حق، وإن كنت صادقاً فقد استحققت أن تخلع نفسك لضعفك عن هذا الأمر وغفلتك وخبث بطانتك، ولا ينبغي لنا أن نترك هذا الأمر بيد من تقطع الأمور دونه لضعفه وغفلته، فاخلع نفسك منه كما خلعك الله، فقال: لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله، ولكني أتوب وأنزع. قالوا: لو كان هذا أول ذنب تبت منه قبلنا، ولكنا رأيناك تتوب ثم تعود ولسنا منصرفين حتى نخلعك أو نقتلك أو تلحق أرواحنا بالله تعالى، وإن منعك أصحابك وأهلك قاتلناهم حتى نخلص إليك. فقال: أما إن أتبرأ من خلافة الله فالقتل أحب إلي من ذلك، وأما قولكم تقاتلون من منعني فإني لا آمر أحداً بقتالكم، فمن قاتلكم فبغير أمري قاتل، ولو أردت قتالكم لكتبت إلى الأجناد فقدموا علي أو لحقت ببعض أطرافي. وكثرت الأصوات واللغط.
فقام علي فخرج وأخرج المصريين ومضى علي إلى منزله، وحصر المصريون عثمان، وكتب إلى معاوية وابن عامر وأمراء الأجناد يستنجدهم ويأمرهم بالعجل وإرسال الجنود إليه. فتربص به معاوية، فقام في أهل الشام يزيد بن أسد القسري جد خالج بن عبد الله القسري فتبعه خلق كثير، فسار بهم إلى عثمان، فلما كانوا بوادي القرى بلغهم قتل عثمان فرجعوا. وقيل: بل سار من الشام حبيب بن مسلمة الفهري، وسار من البصرة مجاشع بن مسعود السلمي، فلما وصلوا الربذة ونزلت مقدمتهم صراراً بناحية المدينة أتاهم قتل عثمان فرجعوا.
وكان عثمان قد استشار نصحاءه في أمره، فأشاروا عليه أن يرسل إلى علي يطلب إليه أن يردهم ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه إمداده. فقال: إنهم لا يقبلون التعلل، وقد كان مني في المرة الأولى ما كان. فقال مروان: أعطهم ما سألوك وطاولهم ما طاولوك، فإنهم قوم بغوا عليك ولا عهد لهم. فدعا علياً فقال له: قد ترى ما كان من لناس ولست آمنهم على دمي، فارددهم عني فإني أعطيهم ما يريدون من الحق من نفسي وغيري. فقال علي: الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك، ولا يرضون إلا بالرضا، وقد كنت أعطيتهم أولاً عهداً فلم تف به فلا تغرني هذه المرة فإني معطيهم عنك الحق. فقال: أعطهم فوالله لأفين لهم. فخرج علي إلى الناس فقال لهم: أيها الناس إنكم إنما طلبتم الحق وقد أعطيتموه وقد زعم أنه منصفكم من نفسه. فقال الناس: قبلنا فاستوثق منه لنا فإنا لا نرضى بقول دون فعل. فدخل عليه علي فأعلمه فقال: اضرب بيني وبينهم أجلاً فإني لا أقدر على أن أرد ما كرهوا في يوم واحد. فقال علي: أما ما كان بالمدينة فلا أجل فيه وما غاب فأجله وصول أمرك. قال: نعم، فأجلني فيما في المدينة ثلاثة أيام، فأجابه إلى ذلك، وكتب بينهم كتاباً على رد كل مظلمة وعزل كل عامل كرهوه.
فكف الناس عنه، فجعل يتأهل للقتال ويستعد بالسلاح واتخذ جنداً، فلما مضت الأيام الثلاثة ولم يغير شيئاً ثار به الناس، وخرج عمرو بن حزم الأنصاري إلى المصريين فأعلمهم الحال، وهم بذي خشب، فقدموا المدينة وطلبوا منه عزل عماله ورد مظالمهم. فقال: والله لتفعلن أو لتخلعن أو لتقتلن. فأبى عليهم وقال: لا أنزع سربالاً سربلنيه الله. فحصروه واشتد الحصار عليه، فأرسل إلى علي وطلحة والزبير فحضروا، فأشرف عليهم فقال: يا أيها الناس اجلسوا. فجلسوا المحارب والمسالم. فقال لهم: يا أهل المدينة أستودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي، ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم ويجمعكم على خيركم؟ أتقولون إن الله لم يستجب لكم وهنتم عليه وأنتم أهل حقه؟ أم تقولون: هان على الله دينه فلم يبال من ولي الدين لم يتفرق أهله يومئذ؟ أم تقولون: لم يكن أخذٌ عن مشورة إنما كان مكابرة فوكل الله الأمة إذا عصته ولم يشاوروا في الإمامة؟ أم تقولون: إن الله لم يعلم عاقبة أمري! وأنشدكم بالله أتعلمون لي من سابقة خير وقدم خير قدمه الله لي ما يوجب على كل من جاء بعدي أن يعرفوا لي فضلها! فمهلاً لا تقتلوني فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر بعد إيمانه، أو قتل نفساً بغير حق، فإنكم إذا قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم ثم لم يرفع الله عنكم الاختلاف أبداً.
قالوا: أما ما ذكرت من استخارة الناس بعد عمر ثم ولوك فإن كل ما صنع الله خيرة، ولكن الله جعلك بلية ابتلى بها عباده، وأما ما ذكرت من قدمك وسلفك مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقد كنت كذلك وكنت أهلاً للولاية، ولكن أحدثت ما علمته ولا نترك إقامة الحق عليك مخافة الفتنة عاماً قابلاً، وأما قولك: إنه لا يحل إلا قتل ثلاثة، فإنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت، قتل من سعى في الأرض فساداً، وقتل من بغى ثم قاتل على بغيه، وقتل من حال دون شيء من الحق ومنعه وقاتل دونه، وقد بغيت ومنعت وحلت دونه وكابرت عليه ولم تقد من نفسك من ظلمت، وقد تمسكت بالإمارة علينا، فإن زعمت أنك لم تكابرنا عليه فإن الذين قاموا دونك ومنعوك منا إنما يقاتلون لتمسكك بالإمارة، فلو خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال معك! فسكت عثمان ولزم الدار وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم، فرجعوا إلا الحسن بن علي وابن عباس ومحمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير وأشباهاً لهم، واجتمع إليه ناس كثير، فكانت مدة الحصار أربعين يوماً، فلما مضت ثماني عشرة ليلة قدم ركبان من الأمصار فأخبروا بخبر من تهيأ إليهم من الجنود وشجعوا الناس، فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ومنعوه كل شيء حتى الماء. فأرسل عثمان إلى علي سراً وإلى طلحة والزبير وأزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، إنهم قد منعوني الماء فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا ماء فافعلوا. فكان أولهم إجابة علي، وأم حبيبة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، فجاء علي في الغلس فقال: يا أيها الناس إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، فلا تقطعوا عن هذا الرجل الماء ولا المادة، فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي! فقالوا: لا والله ولا نعمة عين! فرمى بعمامته في الدار بأني قد نهضت ورجعت، وجاءت أم حبيبة على بغلةٍ لها مشتملة على إداوة فضربوا وجه بغلتها فقالت: إن وصايا بني أمية عند هذا الرجل، فأحببت أن أسأله عنها لئلا تهلك أموال الأيتام والأرامل. فقالوا: كاذبة، وقطعوا حبل البغلة بالسيف، فنفرت وكادت تسقط عنها، فتلقاها الناس فأخذوها وذهبوا بها إلى بيتها.
فأشرف عثمان يوماً فسلم عليهم ثم قال: أنشدكم الله هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة بمالي ليستعذب بها فجعلت رشائي فيها كرجل من المسلمين؟ قالوا: نعم. قال: فلم تمنعوني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر؟ ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أني اشتريت أرض كذا فزدتها في المسجد؟ قيل: نعم. قال: فهل علمتم أن أحداً منع أن يصلي فيه قبلي؟ ثم قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال عني كذا وكذا؟ أشياء في شأنه. ففشا النهي في الناس يقولون: مهلاً عن أمير المؤمنين. فقام الأشتر فقال: لعله مكر به وبكم. وخرجت عائشة إلى الحج واستتبعت أخاها محمداً فأبى، فقالت: والله لئن استطعت أن يحرمهم الله ما يحاولون لأفعلن. فقال له حنظلة الكاتب: نستتبعك أم المؤمنين فلا تتبعها وتتبع ذؤبان العرب إلى ما لا يحل؟ وإن هذا الأمر إن صار إلى التغالب غلبك عليه بنو عبد مناف. ثم رجع حنظلة إلى الكوفة وهو يقول:
عجبت لما يخوض الناس فيه ... يرومون الخلافة أن تزولا
ولو زالت لزال الخير عنهم ... ولاقوا بعدها ذلاً ذليلا
وكانوا كاليهود وكالنصارى ... سواء كلهم ضلوا السبيلا
وبلغ طلحة والزبير ما لقي علي وأم حبيبة فلزموا بيوتهم وبقي عثمان يسقيه آل حزم في الغفلات. فأشرف عثمان على الناس فاستدعى ابن عباس فأمره أن يحج بالناس، وكان ممن لزم الباب، فقال: جهاد هؤلاء أحب إلي من الحج. فأقسم عليه فانطلق.
قال عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة: دخلت على عثمان فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على بابه، فمنهم من يقول: ما تنتظرون به؟ ومنهم من يقول: انظروا عسى أن يراجع. قال: فبينما نحن واقفون إذ مر طلحة فقال: أين ابن عديس؟ فقام إليه فناجاه ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحداً يدخل على عثمان ولا يخرج من عنده. فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة، اللهم اكفني طلحة فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم علي! والله إني لأرجو أن يكون منها صفراً وأن يسفك دمه! قال: فأردت أن أخرج فمنعوني حتى أمرهم محمد بن أبي بكر فتركوني أخرج. وقيل: إن الزبير خرج من المدينة قبل أن يقتل عثمان، وقيل: أدرك قتله.
ولما رأى المصريون أن أهل الموسم يريدون قصدهم وأن يجمعوا ذلك إلى حجهم مع ما بلغهم من مسير أهل الأمصار قالوا: لا يخرجنا من هذا الأمر الذي وقعنا فيه إلا قتل هذا الرجل فيشتغل الناس عنا بذلك. فراموا الباب فمنعهم الحسن وابن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان وسعيد بن العاص ومن معهم من أبناء الصحابة واجتلدوا، فزجرهم عثمان وقال: أنتم في حلٍ من نصرتي، فأبوا، ففتح الباب لمنعهم، فلما خرج ورآه المصريون رجعوا فركبهم هؤلاء وأقسم عثمان على أصحابه ليدخلن فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين، فقام رجل من أسلم يقال له نيار بن عياض، وكان من الصحابة، فنادى عثمان، فبينا هو يناشده أن يعتزلهم إذ رماه كثير بن الصلت الكندي بسهم فقتله.
فقالوا لعثمان عند ذلك: ادفع إلينا قاتله لنقتله به. قال: لم أكن لأقتل رجلاً نصرني وأنتم تريدون قتلي. فلما رأوا ذلك ثاروا إلى الباب، فلم يمنعهم أحد منه، والباب مغلق لا يقدرون على الدخول منه، فجاؤوا بنار فأحرقوه والسقيفة التي على الباب، وثار أهل الدار، وعثمان يصلي قد افتتح ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى... ) فما شغله ما سمع، ما يخطىء وما يتتعتع، حتى أتى عليها، فلما فرغ جلس إلى المصحف يقرأ فيه، وقرأ: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) آل عمران: 173، فقال لمن عنده بالدار: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد عهد إلي عهداً فأنا صابر عليه، ولم يحرقوا الباب إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه، فأحرج على رجل أن يستقتل أو يقاتل، وقال للحسن: إن أباك الآن لفي أمر عظيم من أمرك فأقسمت عليك لما خرجت إليه. فتقدموا فقاتلوا ولم يسمعوا قوله، فبرز المغيرة بن الأخنس بن شريق، وكان قد تعجل من الحج، في عصابة لينصروا عثمان وهو معه في الدار، وارتجز يقول:
قد علمت ذات القرون الميل ... والحلي والأنامل الطفول
لتصدقن بيعتي خليلي ... بصارمٍ ذي رونقٍ مصقول
لا أستقيل إذ أقلت قيلي
وخرج الحسن بن علي وهو يقول:
لا دينهم ديني ولا أنا منهم ... حتى أسير إلى طمار شمام
وخرج محمد بن طلحة وهو يقول:
أنا ابن من حامى عليه بأحد ... ورد أحزاباً على رغم معد
وخرج سعيد بن العاص وهو يقول:
صبرنا غداة الدار والموت واقف ... بأسيافنا دون ابن أروى نضارب
وكنا غداة الروع في الدار نصرةً ... نشافههم بالضرب والموت نائب
وكان آخر من خرج عبد الله بن الزبير فكان يحدث عن عثمان بآخر ما كان عليه، وأقبل أبو هريرة والناس محجمون فقال: هذا يوم طاب فيه الضرب! ونادى: (يا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار) غافر: 41، وبرز مروان وهو يقول:
قد علمت ذات القرون الميل ... والكف والأنامل الطفول
أني أروع أول الرعيل ... بغارةٍ مثل القطا الشليل
فبرز إليه رجل من بني ليث يدعى النباع، فضربه مروان وضرب هو مروان على رقبته فأثبته وقطع إحدى علباويه، فعاش مروان بعد ذلك أوقص، وقام إليه عبيد بن رفاعة الزرقي ليدفف عليه، فقامت فاطمة أم إبراهيم بن عدي، وكانت أرضعت مروان وأرضعت له، فقالت: إن كنت تريد قتله فقد قتل، وإن كنت تريد أن تلعب بلحمه فهذا قبيح! فتركه وأدخلته بيتها، فعرف لها بنوه ذلك واستعملوا ابنها إبراهيم بعد. ونزل إلى المغيرة بن الأخنس بن شريق رجلٌ فقتل المغيرة، قال: فلما سمع الناس يذكرونه قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال له عبد الرحمن بن عديس: ما لك؟ فقال: رأيت فيما يرى النائم هاتفاً يهتف فقال: بشر قاتل المغيرة بن الأخنس بالنار، فابتليت به.
واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها ودخلوها من دار عمرٍو بن حزم إلى دار عثمان حتى ملؤوها ولا يشعر من بالباب، وغلب الناس على عثمان وندبوا رجلاً يقتله، فانتدب له رجل، فدخل عليه البيت فقال: اخلعها وندعك. فقال: ويحك! والله ما كشفت امرأة في جاهلية ولا إسلام ولا تغنيت ولا تمنيت ولا وضعت يميني على عورتي منذ بايعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولست خالعاً قميصاً كسانيه الله تعالى حتى يكرم الله أهل السعادة ويهين أهل الشقاوة! فخرج عنه، فقالوا: ما صنعت؟ فقال: والله لا ينجينا من الناس إلا قتله ولا يحل لنا قتله. فأدخلوا عليه رجلاً من بني ليث فقال له: لست بصاحبي لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، دعا لك أن تحفظ يوم كذا وكذا ولن تضيع. فرجع عنه وفارق القوم. ودخل عليه رجل من قريش فقال له: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، استغفر لك يوم كذا وكذا فلن تقارف دماً حراماً. فرجع وفارق أصحابه. وجاء عبد الله بن سلام ينهاهم عن قتله فقال: يا قوم لا تسلوا سيف الله فيكم، فوالله إن سللتموه لا تغمدوه! ويلكم! إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة، فإن قتلتموه لا يقوم إلا بالسيف. ويلكم! إن مدينتكم محفوفة بالملائكة فإن قتلتموه ليتركنها. فقالوا: يا ابن اليهودية ما أنت وهذا! فرجع عنهم. وكان آخر من دخل عليه ممن رجع محمد بن أبي بكر، فقال له عثمان: ويلك أعلى الله تغضب؟ هل لي إليك جرم إلا حقه أخذته منك؟.
فأخذ محمد لحيته وقال: قد أخزاك الله يا نعثل! فقال: لست بنعثل ولكني عثمان وأمير المؤمنين، وكانوا يلقبون به عثمان. فقال محمد: ما أعنى عنك معاوية وفلان وفلان! فقال عثمان: يا ابن أخي فما كان أبوك ليقبض عليها. فقال محمد: لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك، والذي أريد بك أشد من قبضي عليها! فقال عثمان: أستنصر الله عليك واستعين به! فتركه وخرج.
وقيل: بل طعن جبينه بمشقص كان في يده. والأول أصح.
قال: فلما خرج محمد وعرفوا انكساره ثار قتيرة وسودان بن حمران والغافقي، فضربه الغافقي بحديدة معه وضرب المصحف برجله، فاستدار المصحف واستقر بين يديه وسالت عليه الدماء، وجاء سودان ليضربه، فأكبت عليه امرأته واتقت السيف بيدها، فنفح أصابعها فأطن أصابع يدها وولت، فغمز أوراكها وقال: إنها لكبيرة العجز! وضرب عثمان فقتله.
وقيل: الذي قتله كنانة بن بشر التجيبي. وكان عثمان رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، تلك الليلة يقول له: إنك تفطر الليلة عندنا. فلما قتل سقط من دمه على قوله تعالى: (فسيكفيكهم الله) البقرة: 137. ودخل غلمة لعثمان مع القوم لينصروه، وكان عثمان قد أعتق من كف يده منهم، فلما ضربه سودان ضرب بعض الغلمان رقبة سودان فقتله، ووثب قتيرة على الغلام فقتله، وانتهبوا ما في البيت وخرجوا ثم أغلقوه على ثلاثة قتلى، فلما خرجوا وثب غلام عثمان على قتيرة فقتله، وثار القوم فأخذوا ما وجدوا حتى أخذوا ما على النساء، وأخذ كلثوم التجيبي ملاءةً من على نائلة، فضربه غلام لعثمان فقتله، وتنادوا: أدركوا بيت المال ولا تسبقوا إليه، فسمع أصحاب بيت المال كلامهم وليس فيه إلا غرارتان، فقالوا: النجاء فإن القوم إنما يحاولون الدنيا! فهربوا، وأتوا بيت المال فانتهبوه وماج الناس.
وقيل: إنهم ندموا على قتله. وأما عمرو بن الحمق فوثب على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات، قال: فأما ثلاث منها فإني طعنتهن إياه لله تعالى، وأما ست فلما كان في صدري عليه. وأرادوا قطع رأسه فوقعت نائلة عليه وأم البنين فصحن وضربن الوجوه. فقال ابن عديس: اتركوه. وأقبل عمير ابن ضابىء فوثب عليه فكسر ضلعاً من أضلاعه وقال: سجنت أبي حتى مات في السجن.
وكان قتله لثماني عشر خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين يوم الجمعة، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوماً، وقيل: إلا ثمانية أيام، وقيل: بل كان قتله لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وقيل: بل قتل أيام التشريق وكان عمره اثنتين وثمانين سنة، وقيل: ثمانياً وثمانين سنة، وقيل: تسعين سنة، وقيل: خمساً وسبعين سنة، وقيل: ستاً وثمانين سنة.
● [ ذكر الموضع الذي دفن فيه ] ●
ومن صلى عليه
ومن صلى عليه