بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
أحوال البلاد وأخبار العباد
الأحداث سنة تسع وثلاثين وسنة أربعين
● [ ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ] ●
ذكر سرايا أهل الشام
إلى بلاد أمير المؤمنين
وفي هذه السنة فرق معاوية جيوشه في العراق في أطراف علي، فوجه النعمان بن بشير في ألف رجل إلى عين التمر وفيها مالك بن كعب مسلحة لعلي في ألف رجل، وكان مالك قد أذن لأصحابه فأتوا الكوفة ولم يبق معه إلا مائة رجل، فلما سمع بالنعمان كتب إلى أمير المؤمنين يخبره ويستمده، فخطب علي الناس وأمرهم بالخروج إليه، فتثاقلوا، وواقع مالكٌ النعمان وجعل جدار القرية في ظهور أصحابه، وكتب مالك إلى مخنف بن سليم يستعينه، وهو قريب منه، واقتتل مالك والنعمان أشد قتال، فوجه مخنف ابنه عبد الرحمن في خمسين رجلاً، فانتهوا إلى مالك وقد كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا، فلما رآهم أهل الشام انهزموا عند المساء وظنوا أن لهم مداداً، وتبعهم مالك فقتل منهم ثلاثة نفر.
ولما تثاقل أهل الكوفة عن الخروج إلى مالك صعد علي المنبر فخطبهم ثم قال: يا أهل الكوفة كلما سمعتم بجمع من أهل الشام أظلكم انجحر كل امرىء منكم في بيته وأغلق عليه بابه انجحار الضب في جحره والضبع في وجارها، المغرور من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، لا أحرار عند النداء ولا إخوان عند النجاء! إنا لله وإنا إليه راجعون! ماذا منيت به منكم؟ عمي لا يبصرون، وبكم لا ينطقون، وصم لا يسمعون! إنا لله وإنا إليه راجعون.
ووجه معاوية في هذه السنة أيضاً سفيان بن عوف في ستة آلاف رجل وأمره أن يأتي هيت فيقطعها، ثم يأتي الأنبار، والمدائن فيوقع بأهلها. فأتى هيت فلم يجد بها أحداً، ثم أتى الأنبار وفيها مسلحة لعلي تكون خمسمائة رجل وقد تفرقوا ولم يبق منهم إلا مائتا رجل، وكان سبب تفرقهم أنه كان عليهم كميل ابن زياد، فبلغه أن قوماً بقرقيسيا يريدون الغارة على هيت فسار إليهم بغير أمر علي، فأتى أصحاب سفيان وكميل غائبٌ عنها، فأغضب ذلك علياً على كميل، فكتب إليه ينكر ذلك عليه، وطمع سفيان في أصحاب علي لقلتهم فقاتلهم، فصبر أصحاب علي ثم قتل صاحبهم، وهو أشرس بن حسان البكري، وثلاثون رجلاً، واحتملوا ما في الأنبار من أموال أهلها ورجعوا إلى معاوية، وبلغ الخبر علياً فأرسل في طلبهم فلم يدركوا.
وفيها أيضاً وجه معاوية عبد الله بن مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر الفزاري في ألف وسبعمائة رجل إلى تيماء وأمره أن يصدق من مر به من أهل البوادي ويقتل من امتنع، ففعل ذلك، وبلغ مكة والمدينة وفعل ذلك، واجتمع إليه بشرٌ كثيرٌ من قومه، وبلغ ذلك علياً فأرسل المسيب بن نجبة الفزاري في ألفي رجل، فلحق عبد الله بتيماء، فاقتتلوا حتى زالت الشمس قتالاً شديداً، وحمل المسيب على ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات لا يريد قتله ويقول له: النجاء النجاء! فدخل ابن مسعدة وجماعة معه الحصن وهرب الباقون نحو الشام، وانتهب الأعراب إبل الصدقة التي كانت مع ابن مسعدة، وحصره ومن معه ثلاثة أيام، ثم ألقى الحطب في الباب وحرقه، فلما رأوا الهلاك أشرفوا عليه وقالوا: يا مسيب قومك، فرق لهم، وأمر بالنار فأطفئت، وقال لأصحابه: قد جاءتني عيوني فأخبروني أن جنداً قد أتاكم من الشام. فقال له عبد الرحمن ابن شبيب: سرحني في طلبهم، فأبى ذلك عليه، فقال: غششت أمير المؤمنين وداهنت في أمرهم.
وفيها أيضاً وجه معاوية الضحاك بن قيس وأمره أن يمر بأسفل واقصة ويغير على كل من مر به ممن هو في طاعة علي من الأعراب، وأرسل ثلاثة آلاف رجل معه، فسار الناس، وأخذ الأموال ومضى إلى الثعلبية، وقتل وأغار على مسلحة علي، وانتهى إلى القطقطانة. فلما بلغ ذلك علياً أرسل إليه حجر بن عدي في أربعة آلاف وأعطاهم خمسين درهماً خمسين درهماً، فلحق الضحاك بتدمر فقتل منهم تسعة عشر رجلاً، وقتل من أصحابه رجلان، وحجز بينهما الليل، فهرب الضحاك وأصحابه ورجع حجر ومن معه.
وفي هذه السنة سار معاوية بنفسه حتى شارف دجلة ثم نكص راجعاً.
واختلف فيمن حج بالناس هذه السنة، فقيل: حج بالناس عبيد الله بن عباس من قبل علي، وقيل: بل حج عبد الله أخوه، وذلك باطل، فإن عبد الله بن عباس لم يحج في خلافة علي، وإنما كان على هذه السنة على الحج عبيد الله بن عباس، وبعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي، فاختلف عبيد الله ويزيد بن شجرة واتفقا على أن يحج بالناس شيبة بن عثمان، وقيل: إن الذي حج من جانب علي قثم بن العباس، وكان عمال علي على البلاد من تقدم ذكرهم.
● [ ذكر مسير يزيد بن شجرة إلى مكة ] ●
وفي هذه السنة دعا معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي، وهو من أصحابه، فقال له: إني أريد أن أوجهك إلى مكة لتقيم للناس الحج وتأخذ لي البيعة بمكة وتنفي عنها عامل علي.
فأجابه إلى ذلك وسار إلى مكة في ثلاثة آلاف فارس وبها قثم بن العباس عامل علي، فلما سمع به قثم خطب أهل مكة وأعلمهم بمسير الشاميين ودعاهم إلى حربهم، فلم يجيبوه بشيء، وأجابه شيبة بن عثمان العبدري بالسمع والطاعة، فعزم قثم على مفارقة مكة واللحاق ببعض شعابها ومكاتبة أمير المؤمنين بالخبر فإن أمده بالجيوش قاتل الشاميين، فنهاه أبو سعيد الخدري عن مفارقة مكة وقال له: أقم فإن رأيت منهم القتال وبك قوة فاعمل برأيك وإلا فالمسير عنها أمامك. فأقام وقدم الشاميون ولم يعرضوا لقتال أحد، وأرسل قثم إلى أمير المؤمنين يخبره، فسير جيشاً فيهم الريان بن ضمرة بن هوذة بن علي الحنفي وأبو الطفيل أول ذي الحجة، وكان قدوم ابن شجرة قبل التروية بيومين، فنادى في الناس: أنتم آمنون إلا من قاتلنا ونازعنا. واستدعى أبا سعيد الخدري وقال له: إني أريد الإلحاد في الحرم ولو شئت لفعلت لما فيه أميركم من الضعف، فقل له يعتزل الصلاة بالناس وأعتزلها أنا ويختار الناس رجلاً يصلي بهم. فقال أبو سعيد لقثم ذلك، فاعتزل الصلاة، واختار الناس شيبة بن عثمان فصلى بهم وحج بهم، فلما قضى الناس حجهم رجع يزيد إلى الشام، وأقبل خيل علي فأخبروا بعود أهل الشام، فتبعوهم، وعليهم معقل بن قيس، فأدروهم وقد رحلوا عن وادي القرى، فظفروا بنفر منهم فأخذوهم أسارى وأخذوا ما معهم ورجعوا بهم إلى أمير المؤمنين، ففادى بهم أسارى كانت له عند معاوية.
الرهاوي منسوب إلى الرهاء: قبيلة من العرب، وقد ضبطه عبد الغني ابن سعيد بفتح الراء: قبيلة مشهورة، وأما المدينة فبضم الراء.
● [ ذكر غارة أهل الشام على أهل الجزيرة ] ●
وفيها سير معاوية عبد الرحمن بن قباث بن أشيم إلى بلاد الجزيرة وفيها شبيب بن عامر جد الكرماني الذي كان بخراسان، وكان شبيب بنصيبين فكتب إلى كميل بن زياد، وهو بهيت، يعلمه خبرهم، فسار كميل إليه نجدة له في ستمائة فارس، فأدركوا عبد الرحمن ومعه معن بن يزيد السلمي، فقاتلهما كميل وهزمهما فغلب على عسكرهما وأكثر القتل في أهل الشام وأمر أن لا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح، وقتل من أصحاب كميل رجلان، وكتب إلى علي بالفتح فجزاه خيراً وأجابه جواباً حسناً ورضي عنه، وكان ساخطاً عليه لما تقدم ذكره.
وأقبل شبيب بن عامر من نصيبين فرأى كميلاً قد أوقع بالقوم فهنأه بالظفر واتبع الشاميين فلم يلحقهم فعبر الفرات وبث خيله فأغارت على أهل الشام حتى بلغ بعلبك، فوجه معاوية إليه حبيب بن مسلمة فلم يدركه، ورجع شبيب فأغار على نواحي الرقة فلم يدع للعثمانية بها ماشية إلا استاقها ولا خيلاً ولا سلاحاً إلا أخذه وعاد إلى نصيبين وكتب إلى علي، فكتب إليه علي ينهاه عن أخذ أموال الناس إلا الخيل والسلاح الذي يقاتلون به وقال: رحم الله شبيباً، لقد أبعد الغارة وعجل الانتصار.
● [ ذكر غارة الحارث بن نمر التنوخي ] ●
ولما قدم يزيد بن شجرة على معاوية وجه الحارث بن نمر التنوخي إلى الجزيرة ليأتيه بمن كان في طاعة علي، فأخذ من أهل دارا سبعة نفر من بني تغلب، وكان جماعة من بني تغلب قد فارقوا علياً إلى معاوية، فسألوه إطلاق أصحابهم فلم يفعل، فاعتزلوه أيضاً، وكتب معاوية إلى علي ليفاديه بمن اسر معقل بن قيس من أصحاب يزيد بن شجرة، فسيرهم علي إلى معاوية، وأطلق معاوية هؤلاء، وبعث علي رجلاً من خثعم يقال له عبد الرحمن إلى ناحية الموصل ليسكن الناس، فلقيه أولئك التغلبيون الذين اعتزلوا معاوية وعليهم قريع بن الحارث التغلبي، فتشاتموا ثم اقتتلوا فقتلوه، فأراد علي أن يوجه إليهم جيشاً، فكلمته ربيعة وقالوا: هم معتزلون لعدوك داخلون في طاعتك وإنما قتلوه خطأ. فأمسك عنهم.
● [ ذكر أمر ابن العشبة ] ●
بعث معاوية زهير بن مكحول العامري من عامر الأجدار إلى السماوة وأمره أن يأخذ صدقات الناس، وبلغ ذلك علياً فبعث ثلاثة نفر: جعفر بن عبد الله الأشجعي، وعروة بن العشبة والجلاس بن عمير الكلبيين، ليصدقوا من في طاعته من كلب وبكر بن وائل، فوافوا زهيراً فاقتتلوا، فانهزم أصحاب علي وقتل جعفر بن عبد الله ولحق ابن العشبة بعلي، فعنفه وعلاه بالدرة، فغضب ولحق بمعاوية، وكان زهير قد حمل ابن العشبة على فرس فلذلك اتهمه. وأما الجلاس فإنه مر براع فأخذ جبته وأعطاه جبة خز، فأدركته الخيل، فقالوا: أين أخذ هؤلاء الترابيون؟ فأشار إليهم: أخذوا ها هنا، ثم أقبل إلى الكوفة.
● [ ذكر أمر مسلم بن عقبة بدومة الجندل ] ●
وبعث معاوية مسلم بن عقبة المري إلى دومة الجندل، وكان أهلها قد امتنعوا من بيعة علي ومعاوية جميعاً، فدعاهم إلى طاعة معاوية وبيعته، فامتنعوا، وبلغ ذلك علياً فسير مالك بن كعب الهمداني في جمع إلى دومة الجندل، فلم يشعر مسلم إلا وقد وافاه مالك، فاقتتلوا يوماً ثم انصرف مسلم منهزماً وأقام مالك أياماً يدعو أهل دومة الجندل إلى البيعة لعلي فلم يفعلوا، قالوا: لا نبايع حتى يجتمع الناس على إمام. فانصرف وتركهم.
وفيها توجه الحارث بن مرة العبدي إلى بلاد السند غازياً متطوعاً بأمر أمير المؤمنين علي، فغنم وأصاب غنائم وسبياً كثيراً، وقسم في يوم واحد ألف رأس وبقي غازياً إلى أن قتل بأرض القيقان هو ومن معه إلا قليلاً سنة اثنتين وأربعين أيام معاوية.
● [ ذكر ولاية زياد بن أبيه بلاد فارس ] ●
وفي هذه السنة ولى علي زياداً كرمان وفارس.
وسبب ذلك أنه لما قتل ابن الحضرمي واختلف الناس على علي طمع أهل فارس وكرمان في كسر الخراج، فطمع أهل كل ناحية وأخرجوا عاملهم، وأخرج أهل فارس سهل بن حنيف، فاستشار علي الناس فقال له جارية بن قدامة: ألا أدلك يا أمير المؤمنين على رجل صلب الرأي عالم بالسياسة كافٍ لما ولي؟ قال: من هو؟ قال: زياد. فأمر علي ابن عباس أن يولي زياداً، فسيره إليها في جمع كثير، فوطىء بهم أهل فارس، وكانت قد اضطرمت، فلم يزل يبعث إلى رؤويسهم يعد من ينصره ويمنيه ويخوف من امتنع عليه، وضرب بعضهم ببعض، فدل بعضهم على عورة بعضٍ، وهربت طائفة، وأقامت طائفة، فقتل بعضهم بعضاً،وصفت له فارس ولم يلق منهم جمعاً ولا حرباًن وفعل مثل ذلك بكرمان. ثم رجع إلى فارس وسكن الناس واستقامت له، ونزل إصطخر، وحصن قلعة تسمى قلعة زياد قريب إصطخر ثم تحصن فيها بعد ذلك منصور اليشكري، فهي تسمى قلعة منصور. وقيل إن ابن عباس أشار بولايته، وقد تقدم ذكره.
وفيها مات أبو مسعود الأنصاري البدري، وقيل في أول خلافة معاوية، وقيل غير ذلك، ولم يشهد بدراً وإنما قيل له بدري لأنه نزل ماء بدر، وانقرض عقبه.
● ● [ ثم دخلت سنة أربعين ] ● ●
ذكر سرية بسر بن أبي أرطأة إلى الحجاز واليمن
ذكر سرية بسر بن أبي أرطأة إلى الحجاز واليمن
في هذه السنة بعث معاوية بسر بن أبي أرطاة، وهو من عامر بن لؤي، في ثلاثة آلاف، فسار حتى قدم المدينة، وبها أبو أيوب الأنصاري عامل علي عليها، فهرب أبو أيوب فأتى علياً بالكوفة، ودخل بسر إلى المدينة ولم يقاتله أحد، فصعد منبرها فنادى عليه: يا دينار يا نجار يا زريق! وهذه بطون من الأنصار، شيخي شيخي عهدته ها هنا بالأمس فأين هو؟ يعني عثمان. ثم قال: والله لولا ما عهد إلي معاوية ما تركت بها محتلماً إلا قتلته. فأرسل إلى بني سلمة فقال: والله ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله! فانطلق جابر إلى أم سلمة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال لها: ماذا ترين؟ إن هذه بيعة ضلالة وقد خشيت أن أقتل. قالت: أرى أن تبايع فإني قد أمرت ابني عمر وختني ابن زمعة أن يبايعا، وكانت ابنتها زينب تحت ابن زمعة، فأتاه جابر فبايعه.
وهدم بالمدينة دوراً ثم سار إلى مكة، فخاف أبو موسى الأشعري أن يقتله فهرب منه، وأكره الناس على البيعة، ثم سار إلى اليمن، وكان عليها عبيد الله ابن عباس عاملاً لعلي، فهرب منه إلى علي بالكوفة، واستخلف علي على اليمن عبد الله بن عبد المدان الحارثي، فأتاه بسر فقتله وقتل ابنه وأخذ ابنين لعبيد الله بن عباس صغيرين هما: عبد الرحمن وقثم فقتلهما، وكانا عند رجل من كنانة بالبادية، فلما أراد قتلهما قال له الكناني: لم تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما! فقتله وقتلهما بعده. وقيل إن الكناني أخذ سيفه وقاتل عن الغلامين وهو يقول:
الليث من يمنع حافات الدار ... ولا يزال مصلتاً دون الجار
وقاتل حتى قتل. وأخذ الغلامين فدفنهما. فخرج نسوة من بني كنانة فقالت امرأة منهن: يا هذا! قتلت الرجال فعلام تقتل هذين؟ والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية والإسلام! والله يا ابن أبي أرطاة إن سلطاناً لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء! وقتل بسر في ميسره ذلك جماعةً من شيعة علي باليمن، وبلغ علياً الخبر فأرسل جارية بن قدامة السعدي في ألفين، ووهب بن مسعود في ألفين، فسار جارية حتى أتى نجران فقتل بها ناساً من شيعة عثمان، وهرب بسر وأصحابه منه واتبعه جارية حتى أتى مكة فقال: بايعوا أمير المؤمنين. فقالوا: قد هلك فمن نبايع؟ قال: لمن بايع له أصحاب علي. فبايعوا خوفاً منه.
ثم سار حتى أتى المدينة وأبو هريرة يصلي بالناس، فهرب منه، فقال جارية: لو وجدت أبا سنور لقتلته. ثم قال لأهل المدينة: بايعوا الحسن بن علي، فبايعوه، وأقام يومه، ثم عاد إلى الكوفة ورجع أبو هريرة يصلي بهم.
وكانت أم ابني عبيد الله أم الحكم جويرية بنت خويلد بن قارظ، وقيل: عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان. فلما قتل ولداها ولهت عليهما، فكانت لا تعقل ولا تصفي ولا تزال تنشدهما في المواسم فتقول:
يا من أحس بنيي اللذين هما ... كالدرتين تشظى عنهما الصدف
يا من أحس بنيي اللذين هما ... مخ العظام فمخي اليوم مزدهف
يا من أحس بنيي اللذين هما ... قلبي وسمعي، فقلبي اليوم مختطف
منن ذل والهةٍ حيرى مدلهةٍ ... على صبيين ذلا إذ غدا السلف
نبئت بسراً وما صدقت ما زعموا ... من إفكهم ومن القول الذي اقترفوا
أحنى على ودجي إبني مرهفةً ... من الشفار، كذاك الإثم يقترف
وهي أبيات مشهورة، فلما سمع أمير المؤمنين بقتلهما جزع جزعاً شديداً ودعا على بسر فقال: اللهم اسلبه دينه وعقله! فاصابه ذلك وفقد عقله فكان يهذي بالسيف ويطلبه فيؤتى بسيف من خشب ويجعل بين يديه زق منفوخ فلا يزال يضربه، ولم يزل كذلك حتى مات.
ولما استقر الأمر لمعاوية دخل عليه عبيد الله بن عباس وعنده بسر فقال لبسر: وددت أن الأرض أنبتتني عندك حين قتلت ولدي. فقال بسر: هاك سيفي. فأهوى عبيد الله ليتناوله فأخذه معاوية وقال لبسر: أخزاك الله شيخاً قد خرفت! والله لو تمكن منه لبدأ بي! قال عبيد الله: أجل، ثم ثنيت به.
سلمة، بكسر اللام: بطن من الأنصار.
وقيل: إن مسير بسر إلى الحجاز كان سنة اثنتين وأربعين، فأقام بالمدينة شهراً يستعرض الناس لا يقال له عن أحد إنه شرك في دم عثمان إلا قتله.
وفيها جرت مهادنةٌ بين علي ومعاوية بعد مكاتبات طويلة على وضع الحرب، ويكون لعلي العراق ولمعاوية الشام لا يدخل أحدهما بلد الآخر بغارة.
بسر بضم الباء الموحدة، والسين المهملة. زريق، بالزاي والراء: قبيلة من الأنصار أيضاً. وجارية بالجيم والراء.
● [ ذكر فراق ابن عباس البصرة ] ●
في هذه السنة خرج عبد الله بن عباس من البصرة ولحق بمكة في قول أكثر أهل السير، وقد أنكر ذلك بعضهم وقال: لم يزل عاملاً عليها لعلي حتى قتل علي، وشهد صلح الحسن مع معاوية ثم خرج إلى مكة. والأول أصح. وإنما كان الذي شهد صلح الحسن عبيد الله بن عباس.
وكان سبب خروجه أنه مر بأبي الأسود فقال: لو كنت من البهائم لكنت جملاً، ولو كنت راعياً لما بلغت المرعى. فكتب أبو الأسود إلى علي: أما بعد فإن الله، عز وجل، جعلك والياً مؤتمناً وراعياً مستولياً، وقد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة، ناصحاً للرعية، توفر لهم فيئهم، وتكف نفسك عن دنياهم، ولا تأكل أموالهم، ولا ترتشي في أحكامهم، وإن ابن عمك قد أكل ما تحت يديه بغير علمك، ولم يسعني كتمانك، رحمك الله، فانظر فيما هناك، واكتب إلي برأيك فيما أحببت، والسلام.
فكتب إليه علي: أما بعد فمثلك نصح الإمام والأمة ووالى على الحق، وقد كتبت إلى صاحبك فيما كتبت إلي، ولم أعلمه بكتابك، فلا تدع إعلامي بما يكون بحضرتك مما النظر فيه صلاح للأمة، فإنك بذلك جدير، وهو حق واجب عليك، والسلام.
وكتب إلى ابن عباس في ذلك، فكتب إليه ابن عباس، أما بعد فإن الذي بلغك باطلٌ، وإني لما تحت يدي لضابطٌ وله حافظٌ، فلا تصدق الظنين، والسلام. فكتب إليه علي: أما بعد فأعلمني ما أخذت من الجزية ومن أين أخذت وفيما وضعت. فكتب إليه ابن عباس: أما بعد فقد فهمت تعظيمك مرزأة ما بلغك، إني رزأته من أهل هذه البلاد، فباعث إلى عملك من أحببت فإني ظاعنٌ عنه، والسلام.
واستدعى أخواله من بني هلال بن عامر، فاجتمعت معه قيس كلها، فحمل مالاً وقال: هذه أرزاقنا اجتمعت، فتبعه أهل البصرة، فلحقوه بالطف يريدون أخذ المال، فقالت قيس: والله لا يوصل إلينا وفينا عين تطرف! فقال صبرة بن شيمان الحداني: يا معشر الأزد إن قيساً إخواننا وجيراننا وأعواننا على العدو، وإن الذي يصيبكم من هذا المال لقليل وهو لكم خير من المال. فأطاعوه فانصرفوا وانصرفت معهم بكر وعبد اليس، وقاتلهم بنو تميم، فنهاهم الأحنف، فلم يسمعوا منه، فاعتزلهم وحجز الناس بينهم، ومضى ابن عباس إلى مكة.
● [ ذكر مقتل عليّ بن أبي طالب ] ●
رضى الله عنه
رضى الله عنه
وفي هذه السنة قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه في شهر رمضان لسبع عشرة خلت منه، وقيل: لإحدى عشرة، وقيل: لثلاث عشرة بقيت منه، وقيل: في شهر ربيع الآخر سنة أربعين. والأول أصح.
قال أنس بن مالك: مرض علي فدخلت عليه وعنده أبو بكر وعمر فجلست عنده، فأتاه النبي، صلى الله عليه وسلم، فنظر في وجهه فقال له أبو بكر وعمر: يا نبي الله ما نراه إلا ميتاً. فقال: لن يموت هذا الآن ولن يموت حتى يملأ غيظاً ولن يموت إلا مقتولاً.
وقيل من غير وجه: إن علياً كان يقول: ما يمنع أشاقكم أن يخضب هذه من هذه؟ يعني لحيته من دم رأسه.
وقال عثمان بن المغيرة: كان علي لما دخل رمضان يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند أبي جعفر لا يزيد على ثلاث لقم، يقول: أحب أن يأتيني أمر الله وأنا خميص، وإنما هي ليلة أو ليلتان، فلم تمض ليلة حتى قتل.
وقال الحسن بن كثير عن أبيه قال: خرج علي من الفجر فأقبل الإوز يصحن في وجهه فطردوهن عنه، فقال: ذروهن فإنهن نوائح، فضربه ابن ملجم في ليلته.
وقال الحسن بن علي يوم قتل علي: خرجت البارحة وأبي يصلي في مسجد داره فقال لي: يا بني إني بت أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة بدر، فملكتني عيناي فنمت فسنح لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ قال: والأود العوج، واللدد الخصومات - فقال لي: ادع عليهم. فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني! فجاء ابن النباج فآذنه بالصلاة، فخرج وخرجت خلفه، فضربه ابن ملجم فقتله؛ وكان، كرم الله وجهه، إذا رأى ابن ملجم قال:
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليك من مراد
وكان سبب قتله أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي والبرك بن عبد الله التميمي الصريمي، وقيل اسم البرك الحجاج، وعمرو بن بكر التميمي السعدي، وهم من الخوارج، اجتمعوا فتذاكروا أمر الناس وعابوا عمل ولاتهم ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم، وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم؟ فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلالة وأرحنا منهم البلاد! فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم علياً، وكان من أهل مصر. وقال البرك بن عبد الله: أنا أكفيكم معاوية. وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص.
فتعاهدوا أن لا ينكص أحدهم عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه، وأخذوا سيوفهم فسموها واتعدوا لسبع عشرة من رمضان، وقصد كل رجل منهم الجهة التي يريد؛ فأتى ابن ملجم الكوفة، فلقي أصحابه بالكوفة وكتمهم أمره، ورأى يوماً أصحاباً له من تيم الرباب، وكان علي قد قتل منهم يوم النهر عدة، فتذاكروا قتلى النهر، ولقي معهم امرأة من تيم الرباب اسمها قطام. وقد قتل أبوها وأخوها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال. فلما رآها أخذت قلبه فخطبها. فقالت: لا أتزوجك حتى تشتفي لي. فقال: وما تريدين؟ قالت: ثلاثة آلاف وعبداً وقينةً وقتل علي. فقال: أما قتل علي فما أراك ذكرته وأنت تريدينني. قالت: بلى، التمس غرته فإن أصبته شفيت نفسك ونفسي ونفعك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. قال: والله ما جاء بي إلا قتل علي، فلك ما سألت. قالت: سأطلب لك من يشد ظهرك ويساعدك. وبعثت إلى رجل من قومها اسمه وردان وكلمته، فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلاً من أشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وماذا؟ قال: قتل علي. قال شبيب: ثكلتك أمك! لقد جئت شيئاً إداً! كيف تقدر على قتله؟ قال: أكمن له في المسجد فإذا خرج إلى صلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا فقد شفينا أنفسنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. قال: ويحك! لو كان غير علي كان أهون، قد عرفت سابقته وفضله وبلاءه في الإسلام، وما أجدني أنشرح لقتله. قال: أما تعلمه قتل أهل النهر العباد الصالحين؟ قال: بلى. قال: فنقتله بمن قتل من أصحابنا. فأجابه.
فلما كان ليلة الجمعة، وهي الليلة التي واعد ابن ملجم أصحابه على قتل علي ومعاوية وعمرو، أخذ سيفه ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي للصلاة، فلما خرج علي نادى: أيها الناس الصلاة الصلاة. فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب، وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف، وقال: الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك! وهرب وردان فدخل منزله، فأتاه رجل من أهله، فأخبره وردان بما كان، فانصرف عنه وجاء بسيفه فضرب به وردان حتى قتله، وهرب شبيب في الغلس، وصاح الناس، فلحقه رجل من حضرموت يقال له عويمر، وفي يد شبيب السيف، فأخذه وجلس عليه، فلما رأى الحضرمي الناس قد أقبلوا في طلبه وسيف شبيب في يده خشي على نفسه فتركه ونجا، وهرب شبيب في غمار الناس.
ولما ضرب ابن ملجم علياً قال: لا يفوتنكم الرجل. فشد الناس عليه فأخذوه، وتأخر علي وقدم جعدة بن هبيرة، وهو ابن أخته أم هانىء، يصلي بالناس الغداة، وقال علي: أحضروا الرجل عندي. فأدخل عليه. فقال: أي عدو الله! ألم أحسن إليك؟ قال: بلى. قال: فما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحاً وسألت الله أن يقتل به شر خلقه. فقال علي: لا أراك مقتولاً به ولا أراك إلا من شر خلق الله. ثم قال: النفس بالنفس، إن هلكت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قد قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن إلا قاتلي، انظر يا حسن إن أنا مت من ضربتي هذه فاضربه ضربةً بضربة ولا تمثلن بالرجل، فإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور).
هذا كله وابن ملجم مكتوف. فقالت له أم كلثوم ابنة علي: أي عدو الله! لابأس على أبي، والله مخزيك! قال: فعلى من تبكين؟ والله إن سيفي اشتريته بألف، وسممته بألف، ولو كانت هذه الضربة بأهل مصر ما بقي منهم أحد.
ودخل جندب بن عبد الله على علي فقال: إن فقدناك، ولا نفقدك، فنبايع الحسن؟ قال: ما آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر، ثم دعا الحسن والحسين فقال لهما: أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تبكيا على شيء زوى عنكما، وقولا الحق، وارحما اليتيم، وأعينا الضائع، واصنعا للآخرة، وكونا للظالم خصيماً، وللمظلوم ناصراً، واعملا بما في كتاب الله، ولا تأخذكما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال: هل حفظت ما أوصيت به أخويك؟ قال: نعم. قال: فإني أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك فاتبع أمرهما ولا تقطع أمراً دونهما. ثم قال: أوصيكما به، فإنه شقيقكما وابن أبيكما وقد علمتما أن أباكما كان يحبه. وقال للحسن: أوصيك أي بني بتقوى الله، وإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة عند محلها، وحسن الوضوء، فإنه لا صلاة إلا بطهور، وأوصيك بغفر الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش.
ثم كتب وصيته ولم ينطق إلا بلا إله إلا الله، حتى مات، رضي الله عنه وأرضاه.
وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، وكبر عليه الحسن سبع تكبيرات.
فلما قبض بعث الحسن إلى ابن ملجم فأحضره، فقال للحسن: هل لك في خصلة؟ إني والله قد أعطيت الله عهداً أن لا أعاهد عهداً إلا وفيت به، وإني عاهدت الله عند الحطيم أن اقتل علياً ومعاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بيني وبينه فلك الله علي إن لم أقتله أو قتلته ثم بقيت أن آتيك حتى أضع يدي في يدك. فقال له الحسن: لا والله حتى تعاين النار. ثم قدمه فقتله، وأخذه الناس فأدرجوه في بواري وأحرقوه بالنار.
قال عمرو بن الأصم: قلت للحسن بن علي: إن هذه الشيعة تزعم أن علياً مبعوث قبل القيامة! فقال: كذب والله هؤلاء الشيعة، لو علمنا أنه مبعوث قبل القيامة ما زوجنا نساءه ولا قسمنا ماله، أما قوله: هذه الشيعة، فلا شك أنه يعني طائفة منها، فإن كل شيعة لا تقول هذا إنما تقوله طائفة يسيرة منهم، ومن مشهوري هذه الطائفة: جابر بن يزيد الجعفي الكوفي، وقد انقرض القائلون بهذه المقاتلة فيما نعلمه.
بجرة بفتح الباء والجيم. والبرك بضم الباء الموحدة، وفتح الراء، وآخره كاف.
● وأما البرك بن عبد الله فإنه قعد لمعاوية في تلك الليلة التي ضرب فيها علي، فلما خرج معاوية ليصلي الغداة شد عليه بالسيف، فوقع السيف في أليته، فأخذ، فقال: إن عندي خبراً أسرك به، فإن أخبرتك فنافعي ذلك عندك؟ قال: نعم. قال: إن أخاً لي قد قتل علياً هذه الليلة. قال: فلعله لم يقدر على ذلك. قال: بلى، إن علياً ليس معه أحد يحرسه. فأمر به معاوية فقتل.
وبعث معاوية إلى الساعدي، وكان طبيباً، فلما نظر إليه قال: اختر إما أن أحمي حديدة فأضعها موضع السيف، وإما أن أسقيك شربة تقطع منك الولد وتبرأ منها، فإن ضربتك مسمومة. فقال معاوية: أما النار فلا صبر لي عليها، وأما الولد فإن في يزيد وعبد الله ما تقر به عيني. فسقاه شربة فبرأ ولم يولد له بعدها.
وأمر معاوية عند ذلك بالمقصورات وحرس الليل وقيام الشرط على رأسه إذا سجد، وهو أول من عملها في الإسلام. وقيل: إن معاوية لم يقتل البرك وإنما أمر فقطعت يده ورجله وبقي إلى أن ولي زياد البصرة، وكان البرك قد صار إليها وولد له، فقال له زياد: يولد لك وتركت أمير المؤمنين لا يولد له؟ فقتله وصلبه.
● وأما عمرو بن بكر فإنه جلس لعمرو بن العاص تلك الليلة فلم يخرج، وكان اشتكى بطنه، فأمر خارجة بن أبي حبيبة، وكان صاحب شرطته، وهو من بني عامر بن لؤي، فخرج ليصلي بالناس، فشد عليه وهو يرى أنه عمرو بن العاص، فضربه فقتله، فأخذه الناس إلى عمرو فسلموا عليه بالإمرة. فقال: من هذا؟ قالوا: عمرو. قال: فمن قتلت؟ قالوا: خارجة. قال: أما والله يا فاسق ما ظننته غيرك! فقال عمرو: أردتني وأراد الله خارجة. فقدمه عمرو فقتله.
● قال أبو الأسود الدئلي في قتل علي:
ألا أبلغ معاوية بن حربٍ ... فلا قرت عيون الشامتينا
أفي شهر الصيام فجعتمونا ... بخير الناس طراً أجمعينا
قتلتم خير من ركب المطايا ... ورحلها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمبينا
إذا استقبلت وجه أبي حسينٍ ... رأيت البدر راع الناظرينا
لقد علمت قريشٌ حيث كانت ... بأنك خيرها حسباً ودينا
وقال بكر بن حسان الباهري:
قل لابن ملجم والأقدار غالبةٌ: ... هدمت للدين والإسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشي على قدمٍ ... وأعظم الناس إسلاماً وإيمانا
وأعلم الناس بالقرآن ثم بما ... سن الرسول لنا شرعاً وتبيانا
صهر النبي ومولاه وناصره ... أضحت مناقبه نوراً وبرهانا
وكان منه على رغم الحسود له ... مكان هارون من موسى بن عمرانا
ذكرت قاتله والدمع منحدرٌ ... فقلت سبحان رب العرش سبحانا
إني لأحسبه ما كان من أنسٍ ... كلا ولكنه قد كان شيطانا
قد كان يخبرهم هذا بمقتله ... قبل المنية أزماناً فأزمانا
فلا عفا الله عنه سوء فعلته ... ولا سقى قبر عمران بن حطانا
يا ضربةً من شقيٍ ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
بل ضربة من غوي أوردته لظىً ... وسوف يلقى بها الرحمن غضبانا
كأنه لم يرد قصداً بضربته ... إلا ليصلى عذاب الخلد نيرانا
● [ ذكر مدة خلافته رضى الله عنه ] ●
ومقدار عمره
ومقدار عمره